رواية نبضات لاتعرف المستحيل الفصل الثاني عشر12بقلم اميرة احمد


رواية نبضات لاتعرف المستحيل الفصل الثاني عشر12بقلم اميرة احمد

دخلت حنين مع عمر إلي شقته .... وضع عمر حقائب السفر جانبا، وقفت حنين تنظر حولها، كان البيت بسيطا، صغيرا، لكنه على الرغم من بساطته كان يحمل الكثير من الدفء.

وقف عمر خلف حنين وهي تتأمل كل ركن في المنزل، و همس: عاجبك البيت؟

ابتسمت: حلو أوي يا عمر.

قال عمر وهو يحمل الحقائب و يتجه نحو غرفة النوم: معلش هو صغير شوية، مفيش غير اوضة نوم واحدة.... فا معلش بقي هتستحمليني انام جنبك... بس انا مش باشخر ومش هازعجك خالص.

ارتبكت حنين: عمر أنت عارف..... انا... يعني... أكيد مش هاقولك متنامش في اوضتك.

ابتسم وهو يربت علي رأسها كالأطفال: انا عارف يا حبيبتي.... يلا غيري هدومك علشان انا تعبان ومحتاج انااام.... هادخل أخد دوش علي ما تغيري هدومك.

في المساء، كان البرد قارصا، وأصوات المطر في الخارج مرعبة... نامت حنين علي طرف السرير و أعطت ظهرها ل عمر، ضرب صوت الرعد القوي المكان، و انار البرق الغرفة... انتفضت حنين في نومها من الرعب، انها المرة الأولي التي تسمع بها صوت الرعد بهذه القوة، شعر عمر بانتفاضتها... دون ان يفتح عينيه، مد يده من تحت خصرها بحنان، و جذبها إلي صدره... ألتفت إليه حنين بسرعه وجهها يقابل وجهه، لايزال جسدها ينتفض من الرعب، لكنه ضمها إلي صدره بحنان، همس لها بصوت ناعس دون ان يفتح عينيه، و هو يربت علي ظهرها و يمرر يده على رأسها: متخافيش يا حبيبي... انا هنا.... نامي و متخافيش.

دفنت حنين رأسها في صدره من الرعب، احكم عمر قبضته عليها وظل يطمئنها حتى غفت بين ذراعيه.

في الصباح، فتحت حنين عيناها، وجدت نفسها بين ذراعي عمر الذي نظر إليها نظرة عميقة وبصوت هادئ ردد: صباح الخير.

ابتعدت حنين عنه فجأة، شعرت بالحرج من فعلتها فتمتمت بارتباك: انا اسفة على اللي حصل امبارح.... انا بس خفت اوي من الرعد... اول مرة اسمعه يكون قوي اوي كده.

نظر لها عمر نظرات كلها ثقة وقال: في واحدة تتأسف أنها نامت في حضن جوزها؟

قام من السرير وقال وهو يتجه للحمام: أنا هاروح السوبرماركت اشتري حاجات للبيت.... تحبي تيجي معايا؟

كانت لا يزال يتملكها الحرج والكسوف، اومأت رأسها بالنفي، استعد عمر للخروج... بينما حنين كانت تتفادي ان تتلاقي اعينهما.

وقف عمر عند الباب قبل الخروج، التفت إليها وهتف: عاوزة حاجة معينة اجيبها معايا؟

حركت حنين رأسها بالنفي دون ان تتكلم...

بعد ما يقرب من الساعتين عاد عمر، كانت حنين تقف في المطبخ تعد الطعام.... دخل عليها عمر وضع الأكياس أرضا، واقترب منها... كانت حنين تقطع الخضروات باضطراب حين اقترب منها ... اقترب أكثر، حتى وضع ذقنه فوق كتفها، توترت من قربه وأنفاسه الدافئة التي تشعر بها على عنقها.. ارتجفت يداها أكثر، لكن عمر مد يديه وأمسك كفيها بكلتا يديها وهو يحركها بالسكين فوق الخضار وقال بنبرة هادئة: بالراحة.... كده هتعوري نفسك..... مفيش حاجة تستعدي التوتر ده..... 

وضع عمر قبلة رقيقة سريعة فوق وجنتها، وابتعد عنها وأخذ يضع المشتريات في أماكنها.

بينما ترك حنين خلفه قلبها يدق بعنف، وكأنه يكاد يخرج من صدرها.

وبينما هو منشغل في وضع اطباق اللحوم والخضروات في الثلاجة.... فتح إحدى الأكياس، واخرج منها قطعة كبيرة من الشكولاتة، وتوجه بها ناحية حنين، وضعها أمامها مباشرة وهمس: لسة بتحبي النوع ده من الشكولاتة؟

ابتسمت حنين وهي تمد يدها لتأخذها منه وقالت بصوت متوتر: عمر.... أنت لسة فاكر؟

اتسعت ابتسامته وهو يناولها الشكولاتة ويبتعد عنها: كنت باجيبهالك و احنا صغيرين ولا نسيتي.

حركت رأسها وهي تهمس كما لو كانت تحدث نفسها: هو انت منسيتش حاجة ابدا؟

ابتسم وهو يربت علي كتفها: مبنساش أي حاجة ليها علاقة بيكي يا حبيبتي.

---------------------------------------------

فتحت جميلة باب الغرفة بهدوء، دخلت علي مالك المستلقي في سرير المستشفى، وجهه شاحب بعض الشيء، لازالت الضمادة تحيط بعنقه، مستلقي بملل في السرير وعيناه معلقتان علي سقف الغرفة.... شعر بها بمجرد أن فتحت الباب، دون أن ينظر لها همس: اتأخرتي النهاردة.

دخلت بتوتر... جلست على المقعد القريب من سريره: انا اسفة.

نظر إليها مالك نظرة عميقه وهتف: في ايه يا جميلة؟ متغيرة من يوم العملية.

ابتسمت بارتباك... منذ أن سمعت اعترافه وهي تشعر بالارتباك بوجوده: مفيش حاجة.

تنهد وقال: مش عارف... بس عمرك ما كنتي بتبقي متوترة كده و احنا مع بعض.

حاولت ان تداري ارتباكها، ابتسمت وهي تهتف: انت شكلك القاعدة هنا خليتك زهقان و بتتخيل حاجات كمان... هو أنس راح فين؟

اشاح بنظره عنها وعاود النظر للسقف مرة أخري وقال بصوت متعب لكنه يحمل بعض من المزاح: أنس راح البيت يجيبلي حاجات...ويوسف لسة في شغله.. وحضرتك اتأخرتي عليا.. طبيعي أزهق.

ابتسمت وقامت من مكانها واشارت إليه: طيب يلا قوم... مش الدكتور قال إنك لازم تتمشي شويه علشان النوم الكتير كده غلط عليك.... يلا قوم هنقف انا وانت في البلكونة شوية.

قام من سريره بتعب وارهاق، توجه إلي شرفة غرفته، وقف فيها يتابع السيارات و المارة، بينما أعدت جميلة مشروب ساخن لكليهما، ناولته كوبه و هي تهمس: نتيجة التحاليل هتطلع امتي؟

أخذ رشفة من مشروبه: الأسبوع الجاي ان شاء الله.

امسكت بالكوب بين كفيها، تدوره وكأنها تتأمل قطعة فنيه بين يديها، وقالت  وعينيها معلقة علي الكوب بين يديها: مالك.... انت مش عايز تقولي حاجة؟

نظر إليها طويلا قبل أن يقترب منها ويهمس: شكرا إنك معايا.

اشاحت بوجهها عنه وقالت بضيق: حاجة غير شكرا...

نظر لها بعدم فهم: مش عارف... بس مثلا أنى هاخرج من المستشفى بعد كام يوم!

زفرت جميلة بضيق: ماشي يا مالك.

تأملها مالك قبل أن يقول: جميلة انا مش فاهم في ايه؟

قالت بضيق: انت لسة بتهرب من ايه يا مالك؟

نظر إلي السماء الصافية و هو يأخذ رشفة من مشروبه: انا بطلت أهرب خلاص.

أخذت الكوب من يده وهي تدخل الغرفة مرة أخري: ياريت فعلا تكون بطلت تهرب علشان الموضوع بقي سخيف أوي.

وقف في الشرفة يشاهدها وهي تتحرك بتوتر داخل الغرفة، مشي ببطء حتى اقترب منها وأمسك بيدها: جميلة انا مش فاهم حاجة... قوليلي انتي ايه اللي محتاج أقوله.

أبعدت يده عنها وهي تحمل حقيبتها: دي الحاجة الوحيدة اللي مينفعش انا اللي أقولك تقولها يا مالك.... متقولهاش غير لو أنت فعلا حاسسها... وانا متأكدة انك حاسس بيها، بس مش عارفة ليه مصمم تصعب الأمور بينا.

اوشكت على الرحيل، ناداها بصوت ضعيف: جميلة انا فعلا مش فاهم حاجة.

خرجت من باب الغرفة وهي تهتف: لما تبقي مستعد تتكلم ابقي عرفني.

جلس مالك علي حافة السرير لا يصدق كلمات جميلة، جلس يفكر في معني كلماتها حتى دخل عليه يوسف بوجهه البشوش و هو يصيح بمرح: انت شكلك أخدت علي القاعدة في المستشفى و مش عاوز تروح البيت صح.

نظر له مالك بحيرة: يوسف... هو انت قولت لجميلة حاجة؟

انعقدت ملامح يوسف وقال بعدم فهم: حاجة زي ايه؟

نظر له مالك نظرة حادة: متستعبطش... انت فاهم كويس انا اقصد ايه؟

ضحك يوسف: ااااه... لأ مقولتلهاش حاجة.

ضغط مالك علي قبضته بتوتر: بس من يوم العملية وهي متغيرة معايا... بتتعامل معايا كأنها عارفة أني بحبها.

ضحك يوسف بخفة وهو يضع قطعة من الشكولاتة الموضوعة على الطاولة بجوار مالك بفمه: طيب ما هي عارفة.

تغيرت ملامح مالك: هو انا مش لسة سألك قولتلها قولت لأ.

ضحك يوسف: ما هو مش انا اللي قولتلها.... أنت اللي قولتلها.

نظر له مالك بعبنين مرتبكتين: بس انا مقولتلهاش.

اقترب يوسف وضع يده على كتف مالك وقال بمرح: انت قولت كل حاجة يا صاحبي وانت في البنج.

زاغت نظرة مالك، ابعد يد يوسف الموضوعة على كتفه بحده: وانت ازاي يا يوسف تسيبها تدخل عليا و انا في البنج كدة.... مفروض كنت خليتها تطلع بره.

قال يوسف بمرح: انت متعرفش جميلة عملت فينا ايه لما عرفت أنك في العمليات... أغمي عليها يا مالك اول ما عرفت إنك تعبان بس قبل ما تعرف حاجة، واول ما شافتك خارج من العمليات جريت دخلت معاك الاوضة و محدش فينا قدر عليها.

تنهد مالك وهو يمسح بكفيه على وجهه: انا دلوقتي فهمت كل حاجة.... بس انت برضه غلطان يا يوسف.

رفع يوسف حاجبه: غلطان ليه يعني... كنت عاوزني اعمل ايه.

ضحك مالك: يعني كنت غلوشت علي الموضوع... خلاص مش عارف تخرجها بره غلوش بقي علي الكلام، قولها ميقصدكيش انتي.... أي حاجة.

وضع يوسف سبابته علي خده باستنكار و قال بمرح: اغلوش علي الكلام ازاي و انت بتقولها بحبك يا جميلة... مفيش مجال انك متقصدهاش حتي.

خفتت ابتسامة مالك وشعر بالحرج الشديد: يا نهار أبيض... طيب قولت حاجة تاني؟

ضحك يوسف: معرفش انا اخدت أنس وخرجنا.... البنت وشها أحمر واتوترت أوي.

قال مالك بتوتر: ربنا يستر من اللي ممكن أكون قولته... بس برضه انت غلطان.

ضحك يوسف: أحسن، علشان قولتلك قولها من بدري... كنت وفرت على نفسك الحرج ده كله.

صاح مالك بيوسف: قوم روح يا يوسف وسيبني أشوف هاتصرف ازاي في الموقف ده.

----------------------------

بعد يومين... دخلت جميلة علي مالك الغرفة وهي تحمل في يدها علبة طعام، وضعتها على الطاولة بجواره و قالت: انا قولت أكيد انت زهقت من الأكل بتاع المستشفى... جبتلك أكل بتحبه.

نظر إليها مطولا قبل أن يقول: مجيتيش امبارح ليه؟

رفعت كتفيها: يمكن علشان اوحشك؟

ابتسم مالك بهدوء: لو كان ده الهدف من إنك متجيش فا متعمليش كده تاني... ممكن؟

تنهدت جميلة، جلسة على المقعد المقابل لسريره دون ان تنطق بكلمة.... ابتسم لها وهو يقول: ها جايبة ايه اكل بقي؟

تخلت جميلة عن عبوسها وابتسمت: عملتلك الباستا اللي انت بتحبها.

ضحك وهو يأخذ العلبة من الطاولة ويفتحها: عملتيها ولا اشتريتها؟

ضحكت بدورها: والله انا اللي عاملاها.

صاح بمزاح: يلا كويس إني كده كده في المستشفى.

رفعت حاجبها وجذبت العلبة من يديه: مش هتاكل منها حاجة طالما بتتريق على أكلي.

ضحك وهو يجذب العلبة منها مرة أخري: خلاص أنا اسف.... يلا خلينا نلحق نأكل قبل ما حد من التمريض يشوفنا.

تناول مالك الطعام بهدوء، بينما جلست جميلة تتأمله بصمت، حتى انتبه لها فقال بنبرة مازحة: انتي بتبصيلي في الأكل ولا أيه؟

نظرت إليه بنفس الابتسامة الحالمة وهمست: لو أقدر... أعملك أكل كل يوم.

ضحك وهو يمسح يديه وفمه في المحرمة: لأ.... أرجوكي انا عاوز أخرج من المستشفى ومارجعش تاني.

رفعت حاجبها: لو كان أكلي مش عاجبك مكنتش خلصته كله.... حتي معزمتش عليا أكل معاك.

ضحك وهو يقوم من السرير: بصراحة الأكل حلو أوي.... بعدين أنتي مش جايبالي انا الأكل ده لوحدي؟

افتعلت جميلة الزعل بأسلوب درامي وهي تعقد ذراعيها: حتى لو لوحدك متقوليش أكل معاك.

أبتسم بهدوء: خلاص متزعليش، أول ما أخرج من هنا هاعزمك علي العشاء في المكان اللي تختاريه.

أبتسم جميلة: موافقة.

أنقضي الموعد المسموح للزيارة، لكن جميلة كانت لا تزال تجلس مع مالك في غرفته، اضجع مالك علي السرير وهو ينظر في هاتفه بإهمال، بينما جميلة ارتخت علي المقعد المجاور له، تقرأ في كتاب، و تعبث بخصلة من خصلات شعرها فرت هاربة علي وجهها.

رفع مالك عينيه عن الهاتف، أخذ يتأملها بصمت لدقائق وتركيزها منصب على الكتاب الذي في يدها، حتي تكلم أخيرا جاذبا انتباهها: مش هتمشي بقي؟

رفعت جميلة عينيها وابتسمت له قبل ان تقول بكل ثقة: لأ.

بنبرة هادئة، لكنها تحمل الكثير من الحزم أردف: الوقت اتأخر... أمشي.

لازالت جميلة منشغلة بالكتاب في يدها، رفعت عينيها وقالت بمشاكسة: انت بتطردني؟ ...... انا مش هامشي واسيبك لوحدك.

عقد حاجبيه وقال بإصرار: أمشي يا جميلة... مش هابقي مطمن و أنتي ماشية بالليل لوحدك.

تركت الكتاب من يدها، ونظرت إليه مطولا قبل أن تهتف: لما أنس ييجي هابقي أمشي.

اشاح بوجهه عنها، ثم قال: أنس في الغردقة.... هيرجع الصبح ان شاء الله.

سحبت وسادة من علي السرير و اسندت رأسها إليها على المقعد و هي تهتف: خلاص يبقي انا هامشي الصبح لما أنس ييجي... مش هاسيبك لوحدك.

عقد حاجبيه و قال بصرامة: جميلة أنتي أتجننتي؟ مش هتباتي هنا طبعا.... أنا بقيت أحسن الحمد لله وكلها يومين و هاخرج أصلا.

قامت جميلة من مكانها، وضعت الماء في الغلاية و هي تنظر إليه بزاوية عينها : تشرب شاي؟

أمسك يدها بصرامة: جميلة... من فضلك أمشي.

نظرت له بمرح: انت كل شوية تطردني وانا ساكتة، بس عمتا هاسهر معاك شوية و بعدين أمشي.

ابتسم مالك وهو يصب الماء في الكوب: خلاص يبقي نشرب اتنين شاي.... بس بشرط تمشي بعد الشاي.

ابتسمت جميلة و هي تومئ رأسها بالموافقة.

تعليقات



<>