
رواية عطر الانتقام والحب الفصل الثالث عشر بقلم سيليا البحيري
بعد كام شهر – الصبحية بتاعة الفرح – أوضة عهد
شمس الصبح الدافية بتدخل من شباك الأوضة الكبيرة المزوّقة بالورد الأبيض والستاير الخفيفة.
عهد بتصحى على مهَل، تفتح عينيها وتقعد على السرير الكبير، شعرها سايب على كتافها، وابتسامة خجولة مرسومة على وشها.
عهد (تحط إيدها على قلبها وتهمس لنفسها):
– "النهارده… يوم فرحي… لسه مش مصدقة. من أقل من سنة كنت باخد إياد زي أخويا الكبير، سندي… ما كنتش أتخيل قلبي يوم يدقله بالشكل ده، يبقى هو دنيتي كلها. والنهارده… هلبس الفستان الأبيض وابدأ معاه حياة جديدة."
بتقوم من على السرير وتقرب من المراية، تبص لنفسها بعيون منورة.
عهد (تضحك بخفة وهي تمسح خدها):
– "يا نهار أبيض… الدنيا قلبت بسرعة إزاي! إمبارح كنت بعيط من الخوف إني أفقده وهو بيدوّر عليا في ظلمة القصر الملعون… والنهارده بعيط من الفرحة إني هبقى مراته."
بتقعد على الكرسي قدام المراية، عنيها مليانة دموع، بس دموع فرح صافي.
خبط على الباب وفجأة دخلت حور، أمها، بخطوات هادية كلها حنية.
حور (بابتسامة دافية):
– "صباح الفل يا عروسة… صحيتي أخيرًا؟"
عهد (بتقوم بسرعة وتحضنها):
– "صباح الخير يا ماما… قلبي طاير من الفرحة. مش مصدقة إن اليوم ده جه أخيرًا."
حور (تضحك وتمسح دموعها):
– "انتي طول عمرك أميرة البيت… ودلوقتي هتبقي أميرة قلب إياد كمان. أنا شفت بعيني قد إيه بيخاف عليكي… بيبصلك كإنك الكنز الوحيد في الدنيا."
عهد (بتبتسم وخدودها محمرة):
– "وأنا كمان يا ماما… كنت فاكرة الحب حكايات وخلاص… بس هو ورّاني معنى الأمان بجد. النهارده… هبدأ حكاية جديدة معاه."
الأم تقعد جنبها، تمسك إيدها وتهمس بحنية:
حور:
– "يا رب أشوفك سعيدة يا بنتي… النهارده بداية مشوار جديد، بس افتكري دايمًا إننا معاكي… إحنا عيلتك، ومش هنسيبك أبدًا."
عهد تبتسم والدموع في عنيها، وتحضن أمها بقوة.
وفي الخلفية، أصوات العيلة ماليّة الفيلا كلها وهما بيجهزوا للفرح الكبير.
عهد (تغمض عنيها وتهمس):
– "النهارده… هبقى مرات إياد… حلمي اتحقق."
********************
عهد لسه قاعدة قدام المراية مع حور، والجو مليان هدوء وحنان. فجأة الباب يتفتح بعنف، وتدخل ديلان بخطوات واثقة زي عادتها، ووراها مريم بضحكتها الرقيقة، ومعاهم صوفيا اللي شبه بتطير من الفرحة
صوفيا (بصوت عالي ومرح):
"ياااااه، العروسة لسه نايمة؟! عهد قومي يا بنتي بسرعة! ده يوم فرحنا مش يوم قيلولة!"
عهد (تضحك بخجل):
"صوفيا، أنا صحصحت من بدري… بس كنت بسرح كده… يعني… اليوم ده غير أي يوم."
صوفيا (تقعد جنبها وتشد إيدها):
"غير؟ ده يوم الأحلام يا بنتي! أنا وإنتِ النهاردة هناكل الجو من الكل! ماعندناش وقت نفكر… عندنا مليون حاجة نجهزها!"
حور (تضحك وهي تبص على بنتها والدموع في عينيها):
"اللهم بارك… شوفي يا مريم، بنتك دي طاقة ماتخلصش."
مريم (تضحك بخفة):
"أنا متعودة… صوفيا من وهي صغيرة تصحيني كل يوم على غناها ورقصها. الحمد لله لقت آدم يستحمل جنانها."
صوفيا (بمرح):
"طبعًا! آدم لازم يشكر ربنا إنه خطبني… ولا كان عاش عمره كله زهق وملل!"
(الكل يضحك بصوت عالي، حتى عهد تحط إيدها على بُقها علشان تكتم ضحكتها.)
ديلان (تتقدم بخطواتها الأنيقة وتحط إيديها على كتاف عهد):
"وأنتِ يا أميرتي الصغيرة… فاكرة يوم كنت شايلتك أغيرلك الحفاض؟ والنهارده شايفاكِ عروسة! العمر بيجري بسرعة. أنا فخورة بيكي أوي يا عهد."
عهد (بعينين مليانة دموع):
"عمتي ديلان… إنتِ على طول سندي وصوت العقل في حياتي."
ديلان (تبتسم وبصتلها وبعدين تبص لصوفيا):
"وإنتِ يا صوفيا… مش محتاجة وصايا، عارفة إنك هتضحكي آدم لحد آخر يوم في عمره."
صوفيا (ترفع حواجبها وتضحك):
"أكيد! هو إيه لازمة حياتي غير إني أحولها مهرجان؟"
مريم (تتنهد بفرحة وتقرب تحضن بنتها):
"يا رب يسعدك يا صوفيتي… النهارده قلبي بيرقص زيك بالظبط."
حور (تتأمل المشهد بعينيها المليان دموع):
"يا سلام… إيه الجمال ده! بنتي بتتزف ومعاها عروسة من العيلة في نفس اليوم. عهد وصوفيا… إنتوا فرحتنا الكبيرة."
ديلان (تصفق بخفة):
"كفاية بقى عاطفة! يلا يا بنات، عندنا تسريحات ومكياج وفستاين… الوقت بيجري!"
صوفيا (تقوم تقفز بحماس):
"بالظبط! يلا يا عهد قومي… لازم نكون أجمل عرايس في مصر كلها الليلة!"
عهد (تضحك بخجل وهي تقوم):
"ماشي يا صوفي… بس بالله ما تعمليش مصيبة قدام الضيوف."
صوفيا (تغمز لها بمشاغبة):
"مصيبة إيه؟! ده أنا المسؤولة الرسمية عن المفاجآت… استعدي!"
الكل يضحك تاني، الجو كله حب وبهجة، والأمهات والعمة ديلان بيبصوا للبنات بفخر وفرحة كبيرة، مبسوطين إنهم شايفين الجيل الجديد بيبدأ فصل جديد في حياتهم مليان فرح
*********************
(أوضة الشباب)
إياد واقف قدام المراية بيعدل الكرافتة بتاعته بعصبية باينة، وآدم قاعد على الكنبة رجل على رجل، بيتفرج بعينيه الرماديين كإن الدنيا دي مش فارقة معاه. فجأة يدخل سليم بخطوات واثقة وعلى وشه ابتسامة مستفزة
سليم (ساخر):
"إيه يا رجالة… العرسان شكلهم هيقعوا من التوتر؟ خصوصًا إنت يا إياد، شكلك كإنك داخل خناقة مش فرحك."
إياد (يلف له بسرعة بعينين ديقة):
"سليم، لو ماعندكش كلام يتقال… الباب قدامك. يومي مش ناقصك."
سليم (يضحك ويقعد على الكرسي):
"يا نهار أبيض… شوف الغضب! إيه يا عم، خايف عهد تهرب منك قبل ما تقولك: أيوه؟"
(آدم يضحك ضحكة قصيرة مستفزة، يرفع حاجبه كإنه مؤيد لسخرية سليم، وبعدها يرجع يبص في موبايله ببرود متعمد.)
إياد (بعصبية):
"آدم… إيه اللي بيضحكك إنت كمان؟"
آدم (بابتسامة باردة وهو مش باصص له):
"ولا حاجة… بس سليم عنده دم خفيف يستاهل التصفيق."
إياد (يضرب بإيده على الترابيزة):
"أيوه طبعًا… لاقيينها فرصة تتريقوا عليا؟ ماشي… بس استنوا عليا، أنا هردلكم الصاع صاعين."
سليم (يميل لقدام بابتسامة مستفزة):
"يلا وريني هتعمل إيه يا بطل."
إياد (يرمش بخبث، وفجأة):
"طب قوللي يا سليم… إنت ناوي تتجوز علا إمتى؟"
(سليم يتجمد ثواني، الابتسامة تقع من وشه، ويحاول يخبي ارتباكه بالضحك.)
سليم (متصنع البرود):
"إيه؟ أنا وعلا؟! يا راجل… دي بنت وجع دماغ! مستحيل."
إياد (بضحكة ماكرة):
"آه طبعًا… عارف. عشان كده بقى عينيك على طول بتدور عليها في أي مكان… وأول واحد بتقوم تجري لو حد ضايقها. شكلها فعلًا متعبة أوي بالنسبة لك."
(آدم يرفع راسه عن الموبايل، يبص بخبث لسليم وبيبتسم باهتمام.)
آدم (بارد):
"يبدو إن الهزار دخل على منطقة حساسة… مش كده يا سليم؟"
سليم (يضحك وبيحاول يقلبها هزار):
"إنتو عاملين تحالف ضدي ولا إيه؟ علا دي لو آخر بنت في الدنيا ما أفكرش فيها."
إياد (يهز راسه بثقة):
"طبعًا… عشان كده بتغلي كل مرة حد يجيب سيرتها. صدقتك يا عم."
(سليم يحدق فيه بغضب متلخبط، وآدم مكتفي بابتسامة ساخرة كإنه بيتفرج على مسرحية.)
آدم (ببرود وهو بيقوم):
"أنا ماشي أجهز… مش عايز أتأخر على صوفي، هي لو اتأخرت دقيقة هتولع الفيلا."
إياد (يبص له بابتسامة مستفزة):
"يلا يا عم… خلصنا من برودك."
سليم (بصوت واطي وهو بيبص لإياد):
"أنا هصفّي حسابي معاك في موضوع علا ده."
إياد (بضحكة جانبية):
"مستنيك يا ابن العم… بس أوعى في الآخر تلاقي نفسك واقع فيها غصب عنك."
سليم ياخد نفس جامد من الغيظ، وآدم يخرج بهدوء، سايب إياد وسليم في مواجهة نصها هزار ونصها حقيقة سليم مش عايز يعترف بيها
**********************
– قاعة الفرح – بعد كام ساعة
الأنوار منوّرة، القاعة متزينة بالورد الأبيض والشموع الدهب. الموسيقى شغالة بلحن هادي يليق بدخول العرسان. الكل واقف مترقّب، والضحك والابتسامات مالية وشوش العيلة
عهد مسكة إيد أبوها مراد، جسمها بيرتعش من الحماس والكسوف، عينيها بتلمع من الدموع. صوفيا في الناحية التانية، ضحكة طالعة منها وهي متعلقة في دراع أبوها إدوارد، ماشية بخفة كأنها عايشة في عالمها الطفولي حتى في يوم فرحها
مراد (بصوت واطي لعهد وهو ماشي معاها):
"يا حبيبتي… لسه مش مصدق إن اليوم جه. لسه من كام يوم كنتي في حضني، والنهارده بسلمك لراجل غيري."
عهد (تبتسم والدموع في عينيها):
"بابا… أنا عمري ما هبقى لحد غيرك. إياد… زَيّك، أمان… وأنا عارفة إنك مش هتسلم غير وإنت متطمن عليا."
(مراد يبتسم رغم دموعه، رافع راسه بفخر وهو يقرب من الكوشة اللي واقف عندها إياد، ملامحه جدية بس عنيه مولعة بالحب والرهبة.)
(في الناحية التانية، إدوارد يبص لبنته صوفيا وهي ماشية بدلع كأنها مش خايفة من حاجة.)
إدوارد (بمزاح واطي):
"مش هتبطل دلع حتى في يوم فرحك يا صوفي؟"
صوفيا (تضحك وتغمز له):
"لو بطلت دلع… مش هبقى صوفي بتاعتك يا بابا. وبعدين أنا مبسوطة… مبسوطة إني معاك دلوقتي."
(إدوارد يتنهد ويشُد على إيدها وهو ماشي بيها ناحية آدم. آدم واقف ببروده المعتاد، بس المرة دي وشه أدفى، وعينيه مش سايبة صوفيا لحظة.)
(مراد يوصل الأول، يقف قدام إياد، يحط إيد عهد الصغيرة في إيده القوية، ويبص له بعين فيها حب وصرامة.)
مراد:
"إياد… عهد مش بس بنتي، دي روحي وحياتي. تعبت عشان ربنا يرزقني بيها. النهارده بسلمك أمانة أغلى من نفسي. أوعى في يوم تسيب دمعة تنزل من عينها."
(إياد يمسك إيد عهد جامد، يهز راسه بجدية، صوته مخنوق بالعاطفة.)
إياد:
"وعد يا عمي… حياتي كلها ليها. عهد مش هتعرف طعم الوجع وأنا عايش."
(عهد تبص لهم بدموع فرح، وتاخد أبوها في حضن سريع قبل ما تمشي جنب إياد. القاعة تتهز بالتصفيق.)
(يجي دور إدوارد، يقرب من آدم وهو ماسك إيد صوفيا. يقف ثواني طويلة يبص في عينه كأنه بيختبره. صوفيا تضحك بخفة وتهمس: "بابااا…")
إدوارد (بحزم وهدوء):
"آدم… دي مش مجرد بنتي. دي صوفيا… ضحكتي وأيامي. أنا عارف إنك قدام الناس قوي وبارد، بس اللي عايزه منك حاجة واحدة: حافظ على روحها الطفولية دي. أوعى تكسر قلبها."
(آدم يرد بنبرة ثابتة فيها مشاعر متخبّية.)
آدم:
"اطمن… أنا ممكن أبقى بارد مع الدنيا كلها، بس صوفيا… هي الوحيدة اللي كسرت القاعدة. عمري ما هسيب حاجة تقرب منها."
إدوارد يبص له لحظة، وبعدها يبتسم برضا ويسلّم إيده بصوفيا. صوفيا تضحك بخفة وتهمس لآدم: "قولتلك بابا بيحب يختبر."
آدم يبصلها بابتسامة صغيرة نادرة، وهي تمسك إيده جامد وتتمايل بخفة جنبه، فيمشي بيها بثبات
القاعة كلها تنفجر بالتصفيق والزغاريد. الأمهات – حور، مريم، ريم، لين – بيعيطوا من الفرح وهما بيسقفوا. الإخوة واقفين بفخر: زين، إيهاب، ديلان، مازن. وإياد وآدم، كل واحد ماسك حبيبته… بخطوات ثابتة مليانة قوة وحب وقدر
***********************
الموسيقى تتغير إلى لحن رومانسي رقيق. الأضواء تخفت قليلاً، وتُسلّط على العروسين. إياد يمد يده لعهد بابتسامة عريضة وهو يكاد يطير من الفرحة. عهد تضع يدها بخجل في يده، فيسحبها برفق إلى وسط القاعة
إياد (وهو يهمس في أذنها وهو يلفها بين ذراعيه):
"مش مصدق يا عهد… النهاردة بقتي مراتي. كنت خايف أفقدك للأبد… والنهاردة ملكتِ حياتي كلها."
عهد (بصوت مرتجف، وابتسامة خجولة):
"وأنا كمان يا إياد… طول ما إنت معايا… مش بخاف من أي حاجة."
(إياد يطبع قبلة رقيقة على جبينها وسط تصفيق وزغاريد المدعوين، وهي تحمر خجلاً وتدفن وجهها في صدره.)
(على الجانب الآخر، يقف آدم بثبات وهدوء، يمد يده لصوفيا التي تنظر له بعينيها المتألقتين، تضحك بخفة وتضع يدها في يده.)
صوفيا (بمرح طفولي وهي تميل رأسها):
"آدم… أوعى تدوس على رجلي! مش عايزة في أول رقصة أبان عروسة معوّقة."
آدم (يبتسم ابتسامة باردة ساخرة):
"اطمني، عندي خبرة أكتر منك. بس لو دُست على رجلك، هتبقى متعمدة."
صوفيا (تضحك بصوت مرتفع):
"هااا… كده هتندم، لأني هردّها لك قدام الناس كلها."
(يتحركان مع اللحن، وصوفيا تضحك وتدور بخفة كالفراشة، وآدم ينظر إليها بعينيه العميقتين وكأنه لا يرى في القاعة أحداً سواها. ابتسامة صغيرة صادقة – نادرة – ترتسم على شفتيه، فتتسع عينا صوفيا بدهشة وفرح.)
(وفي زاوية القاعة، يقترب سليم من علا بثقة وغرور، يمد يده لها وكأنه يتحداها.)
سليم (بصوت منخفض مستفز):
"يلا يا علا… أثبتي إنك تقدري ترقصي من غير ما تتعترفي زي ما بتتعترفي بالكلام."
علا (ترفع حاجبها وتضع يدها في يده بغرور):
"أنا؟ أتعثر؟ مستحيل. يمكن إنت اللي هتوقعني… يا مغرور."
(يتحركان بخطوات متوترة أولاً، ثم تبدأ علا بالتمايل بخفة، وسليم يضحك بخفة لأول مرة وهو يتمالك نفسه.)
سليم (بهمس وهو يقترب):
"غريبة… مش مصدق إني أقول ده… بس إنتي بترقصي حلو."
علا (تبتسم ابتسامة صغيرة مستفزة):
"أكيد… وإلا كنت حسبتها فضيحة قدام الناس. بس أوعى تفتكرني مبسوطة إني برقص معاك."
سليم (يضحك بخبث):
"آه طبعاً… واضح إنك كارهة جداً… لدرجة إنك مبتسمة من أول الرقصة."
(علا تسكت لثانية وتشيح بوجهها عنه، لكنه يلاحظ احمرار وجنتيها.)
بينما في وسط القاعة، عهد تضع رأسها على صدر إياد، وصوفيا تدور حول آدم وهي تضحك، وسليم وعلا يواصلان رقصتهما الساخرة المتوترة. الجو كله مليء بالحب، بالضحكات، والدموع الدافئة التي تسيل على خدود الأمهات وهن يشاهدن أبناءهن في أسعد لحظاتهم
*********************
برّه قاعة الفرح – بلكونة جانبية بتطل عالجنينة
الليل هادي، صوت المزيكا والضحك واصل من جوه القاعة. مراد واقف ومعاه كباية مية، عينه معلقة بعهد بنته وهي بترقص مع إياد من ورا الإزاز. بييجي إيهاب جنبه، حاطط إيده في جيبه وياخد نفس طويل.
إيهاب (بصوت واطي):
شوف يا مراد… العيال كبروا… بقوا قدامنا رجالة وستات مسؤولين. كإن العمر جري من بين إيدينا.
مراد (مبتسم وهو بيبص لعهد):
أيوه والله… لسه فاكر يوم عهد اتولدت… ما كنتش مصدق إني بقيت أب. النهاردة بشوفها عروسة، ومش قادر أوصف الإحساس… خليط فرحة بخوف.
(إيهاب يضحك ضحكة خفيفة، يسكت لحظة ودموعه تتملي عينيه.)
إيهاب:
أما أنا… فمشاعري ملخبطة أكتر. إياد النهاردة طاير من الفرح… بس جواه وجع… وجع اسمه أمه.
مراد (مهتم):
لسه بيفكر في ثريا؟
إيهاب (يهز راسه ببطء):
إزاي ما يفكرش؟ دي أمه في الآخر… حتى لو كانت شيطانة في شكل إنسانة. الولد كان يستاهل حضن، كلمة حلوة… مش قسوة وكره. صدقني يا مراد… رغم إني ارتحت يوم ماتت، بس لما بشوف دمعة في عين ابني، بفتكر إني غلطت من الأول… وأنا وهو دفعنا التمن.
مراد (يحط إيده على كتف أخوه):
ما تلومش نفسك يا إيهاب. ثريا هي اللي اختارت الحقد. وبعدين إياد مش لوحده، عنده أب جدع، وعيلة حواليه. هو يمكن متضايق إنها مش هنا… بس والله غيابها أرحم من وجودها.
(إيهاب يبص للقاعة يشوف إياد مبتسم وهو ضامم عهد، ويتنهد بعمق.)
إيهاب:
عندك حق… يمكن لسه موجوع… بس مع الوقت عهد هتداوي جراحه. وأنا كفاية عندي أشوفه لاقي السعادة اللي أنا معرفتش أوفرهاله زمان.
مراد (بابتسامة مطمنة):
وإنت برضه ما قصرتش. يمكن مش شايف دلوقتي، بس ابنك كبر… بقى راجل، وعاشق، وفرحان… وده بفضلك.
(إيهاب يبتسم ابتسامة صافية لأول مرة، يمسح دمعة صغيرة من عينه وهو بيربت على كتف أخوه.)
إيهاب:
إنت الكبير دايمًا… وبتعرف تطبطب على وجعنا حتى وإحنا كبار.
مراد (ضاحك بخفة):
هو ده دور الأخ الكبير يا إيهاب… زي ما دورك دلوقتي إنك تبقى السند لإياد، حتى لو افتكر أمه أو وجعه رجعله.
يبصوا لبعض نظرة أخوية طويلة مليانة حب وذكريات، وبعدين يرجعوا جوه القاعة بهدوء… والدنيا مكملة فرحها لأولادهم
*************************
مراد وإيهاب لسه واقفين، الكلام بينهم تقيل بالمشاعر. فجأة الباب بيتفتح بهدوء، ويطل زين مبتسم، كعادته بيخفف الجو لما يحس بالجدية الزايدة.
زين (بمرح):
إيه ده؟! إنتو عاملين قعدة عزاء في يوم الفرح؟! يا رجالة عيب… اليوم ده لازم يفضل في الذاكرة ضحك وفرحة مش دموع.
(مراد يضحك ضحكة خفيفة، وإيهاب يمسح دموعه بسرعة عشان زين ما يشوفهاش.)
مراد:
كنا بنتكلم عن العيال يا زين… عن اللي راح واللي جاي.
زين (يتنهد ويرفع حاجبه بدهاء):
اللي جاي؟ يعني حفيدات وأحفاد يا مراد… صدقني، إنت هتشوف نفسك جد قبل ما أنا أشوف نفسي. سليم بتاعي… أكبر واحد فيهم كلهم ولسه ما فكرش يخطب! الولد هيقلب الدنيا معانا أنا وأمه.
(مراد بينفجر ضحك، وإيهاب بيهز راسه مبتسم لأول مرة بارتياح.)
إيهاب (ساخر):
إزاي يعني يا زين؟ مش إنت دايمًا بتقول سليم مغرور ومفيش بنت عاجباه؟
زين (يتمثل الحزن):
أيوه يا أخي! عامللي فيها ملك متوّج، كل ما أقوله له "اتجوز يا ابني" يرد: "لسه يا بابا، لسه بدري!"… بدري إيه؟ هو مش واخد بالك إنه أكبر من عهد وإياد وصوفيا كلهم؟!
مراد (يضحك ويضربه على كتفه):
سيبه يا زين… الحب مش بييجي بالعافية. يمكن نصيبه لسه ما بانش.
زين (بمرح متعمد):
نصيبه؟ يا سلام! أنا خايف نصيبه يكون مستنيه وهو مش واخد باله… وتروح تتجوز من غير ما يلاحقها. وقتها هقعد أنا وريم نندب حظنا ونقول ضاع ابننا!
(إيهاب يضحك بصوت عالي، ويحط إيده على كتف زين.)
إيهاب:
يا راجل… ما تخافش. يمكن دلوقتي بالذات يكون وقع في الحب ومش عايز يقول. على فكرة… الحب ساعات بيخلي الواحد يتخانق مع اللي بيحبه أكتر من العادي.
(زين بيرفع حاجبه بدهاء ويغمز لهم.)
زين:
آه… تقصد بنت مازن ولين؟… علا؟
(مراد يضحك ويهز راسه.)
مراد:
أنا مش هدخل في خصوصيات العيال، بس شكله فيه حاجات بتتخبي. الأيام هتوضح.
(التلاتة بينفجروا ضحك مع بعض، ضحكة صافية مليانة حب أخوي رغم السنين والصعوبات.)
زين (يمد إيده حوالين كتف التلاتة):
إحنا التلاتة يا مراد ويا إيهاب… مهما مر العمر والهموم، لازم نفضل سند لبعض. ولادنا بيتجوزوا النهاردة… بس إحنا كمان لازم نفضل قلب وروح واحدة.
مراد (بابتسامة دافية):
عارف يا زين… عمري ما حسيت بالقوة إلا وإنتوا الاتنين جنبي.
إيهاب (بهدوء عميق):
وأنا عمري ما قدرت أعدي المحن إلا عشانكم كنتوا سندي… إخواتي قبل أي حاجة.
صمتوا شوية، يبصوا من الشرفة على القاعة والعيال بيرقصوا، والفرحة ماليه المكان. بعدين يتبادلوا نظرات حب أخوي، وصوت المزيكا بيمتزج مع ضحكاتهم الثلاثة، كأن القدر ختم جروح الماضي بمشهد عائلي دافي
****************
برّه القاعة – الشرفة الجانبية
الضحك بين مراد وزين وإيهاب لسه مالي المكان، بس بسرعة بيرجعوا للكلام الجدي الممزوج بالحب لما ييجوا على ذكر أخواتهم.
مراد (ببص للقاعة وبيتنهّد):
بصراحة… وأنا شايف عهد وصوفيا النهاردة، قلبي راح عند اخواتنا. ديلان ومريم… من ساعة ما أبويا وأمي ماتوا، أنا دايمًا حاسس إن الاتنين دول بالذات أمانة غالية في رقبتي.
(زين يومئ برأسه موافق، وشبك دراعيه على صدره.)
زين (بحنية رغم مرحه العادي):
فعلاً… ديلان ومريم مش بس أخواتنا… دول البنتين اللي اتربوا وسطنا وإحنا دايمًا كنا درع ليهم. ديلان مهما اتصنّعت بالقسوة… قلبها كبير. افتكر أيام طلاقها… هي اللي اتوجعت أكتر من الكل، لكن وقفت كالصخرة. وعمركم شفتوها مرة تقصّر مع أولادنا؟ ساعات بحس إن ولادي نصهم اتربوا في حجرها.
(إيهاب بيبتسم خفيف وهو بيتذكر.)
إيهاب:
صح. عهد وإياد وسليم وحتى صوفيا وعلا… كلهم لاقوا فيها الأم التانية. يمكن ديلان ما عندهاش أولاد… بس ربنا عوضها بحب ولادنا. أنا شخصياً عمري ما نسيت إزاي هي اللي مسكت إيدي لما كنت هنهار من مشاكل ثريا.
مراد (بصوت عميق):
أنا عارف. وديلان كانت من أول يوم قاسية على ثريا… شافت حقيقتها من زمان. يمكن إحنا صدقنا الكذب، بس هي كانت شايفة ببصيرتها.
(يصمتوا لحظة، بعدين مراد بيبتسم ويغير الموضوع.)
مراد:
أما مريم… آه يا مريم. فاكرين أيام لما إدوارد اتقدم لها؟
(زين يضحك بقوة ويصفّق.)
زين:
إزاي أنسى! الدنيا كلها اتقلبت، أبويا الله يرحمه عادل كان مولّع من جوه، وإنت يا مراد كنت هتقتل الراجل. وأنا؟ كنت بقول لمريم: "يا بنتي اختاري حد من بلدنا!"… بس هي أصرّت.
إيهاب (يهز راسه وبيتذكر):
ومع ذلك… الراجل صبر وأثبت حبه. أسلم، واتعلم لغتنا وبقى فرد مننا. دلوقتي لما أشوف صوفيا عروسة… بقول لنفسي: يا ريت أبويا وأمي يشوفوا… كانوا هيفتكروا مريم اللي ما باعتش قلبها ولا دينها، وخلت الراجل ييجي لها بدل ما تروح له.
مراد (بابتسامة فخر):
مريم كانت أضعفنا في الطفولة، بس اللحظة دي أثبتت إنها أقوى واحدة. عرفت تتمسك بحبها وفي نفس الوقت بحياتها وبدينها… وده اللي خلاني ألين في الآخر وأبارك لها.
زين (مازح):
أيوه… بعد ما كنت ناوي تقتل إدوارد يا مراد!
(بيضحكوا كلهم، وبعدين الجو بيرجع هادي ودافي.)
إيهاب (بصوت حالم):
عارفين يا إخواتي؟ أنا متأكد لو أمي ليلى وأبونا عادل كانوا موجودين النهاردة… كانوا هيحضنوا ديلان ومريم قدام الكل ويقولوا: "إحنا فخورين بيكم زي ما إحنا فخورين بأخواتكم."
(مراد يتنهّد بعاطفة واضحة، وزين يحط إيده على كتفهم.)
زين:
يبقى واجبنا دلوقتي إننا نفضل سند ليهم. الرجالة الكبار راحوا… وإحنا اللي فاضلين. والنهاردة مش بس فرحة للأولاد… ده يوم فخر لعيلتنا كلها.
التلاتة يبصوا للقاعة، شايفين مريم ضاحكة مع صوفيا، وديلان واقفة ورا عهد تصلح لها طرحة الفرح بابتسامة نادرة مليانة حب. عيونهم كلها فخر وامتنان، كأنهم حسوا إن أمانة والديهم لسه محفوظة في صدورهم
*********************
(الموسيقى تعلو، الناس يرقصون ويضحكون. مراد واقف مع زين وإيهاب يتحدثون عن أولادهم. إياد وعهد على حلبة الرقص، وصوفيا مع آدم يضحكان، وسليم يراقب علا بغمزة وهي تحاول تجاهله. فجأة، باب القاعة الكبير يُفتح، ويدخل منه صوت كعب أنثوي واثق. الجميع يلتفت بدهشة.)
(تظهر فتاة في بداية العشرينات، ترتدي فستاناً أنيقاً بلون فيروزي يليق بجمالها. شعرها بني مائل للذهبي، عيونها واسعة مليئة بالمرح. ابتسامتها مشرقة وكأنها لم تغادر القلوب يوماً.)
إيهاب (يتجمد مكانه، يفتح فمه غير مصدق):
"…يا الله… مستحيل… ليان؟!"
(الفتيات والشباب يتبادلون النظرات بصدمة ودهشة، بينما زين يضرب كتف مراد غير مصدق.)
زين (مبهور):
"معقووول؟ دي… دي ليان بنت إيهاب! رجعت؟!"
(إياد يترك عهد فجأة، يحدّق في الفتاة التي تقدمت بخطوات واثقة.)
إياد (بصوت مرتجف، عيونه تلمع):
"ليان…؟ أختي؟!"
(ليان تفتح ذراعيها بمرح، وكأنها لم تغب لحظة، ثم تركض فجأة نحو والدها.)
ليان (بحماس):
"باباااا!"
(إيهاب لا يتمالك نفسه، يحتضنها بقوة، والدموع تنهمر من عينيه وسط صدمة وفرحة الجميع.)
إيهاب (يبكي، يضمها إلى صدره):
"بنتي… بنتي رجعتلي… ليان، يا روحي… افتكرت إني خسرتك للأبد!"
(ليان تمسح دموعه بمرح وهي تضحك بخفة.)
ليان (مازحة بحب):
"إيه يا بابا! مش قلتلك أنا قوية؟ أنا ما بخسرش بسهولة… خصوصاً وإنت موجود."
(إياد يقترب بخطوات مترددة، ثم فجأة يبتسم ويحتضنها هو الآخر بقوة.)
إياد (ممتلئ بالمشاعر):
"… وحشتيني موت يا ليان!"
ليان (بمرح طفولي وهي تمسك وجهه):
"ياااه! اتجوّزت من غير ما تعزمني يا إياد؟ يعني أختك الوحيدة مش مهمة عندك؟!"
(القاعة كلها تضحك بخفة من طريقتها المرحة، بينما عهد تبتسم بسعادة لرؤية لمّ الشمل، ودموع حور تنزل من عينيها وهي ترى المشهد. ديلان تضع يدها على صدرها بدهشة، وزين يصفق ضاحكاً.)
زين (بصوت عالٍ):
"أيوه! هو ده! العيلة كملت دلوقتي!"
(ليان تنظر لهم جميعاً بمرح، ثم تضع يديها على خصرها وتغمز ساخرة.)
ليان (بابتسامة واسعة):
"طيب، أنا زعلانة بقى… ليه محدش فكر يبعتلي دعوة على الأقل؟ ولا كنتوا عايزين تخلّصوا منّي؟"
الجميع ينفجرون بالضحك وسط جو من الفرحة العارمة، بينما يقف إيهاب ممسكاً بيد ابنته وكأنه لا يريد تركها أبداً