رواية غرام في العالم السفلي الفصل الخامس عشر15بقلم داليا السيد

          

رواية غرام في العالم السفلي الفصل الخامس عشربقلم داليا السيد

عاهرة
لم يعد عقله بالإلكترونيات.. والده وصحته تستنفذه والعسلية تعبث بعقله وتدمره
"يمكنه العودة للبيت ولكن بحاجة لمن يلازمه من أجل الدواء وما إلى ذلك"
نظرات الطبيب كانت فارغة، الرجل يؤدي عمله وكلماته ليست بحاجة لمشاعر مع كل مريض
"أنا سأكون معه"
سقطت عيونه على ناني والطبيب يلف وجهه لها بينما صدر صوت رجل الصخر من على فراشه "لا"
التفاتة الطبيب المفاجئة جعلت رشدي يتدخل "هو يقصد أننا بحاجة لممرضة"
عاد الطبيب له ورشدي يلملم فضائح من هم أهله، بقايا أهله 
"أو جليسة، الأمر بسيط فقط معرفة مواعيد الدواء والطعام الصحي والابتعاد عن أي ضغوط نفسية"
تمسك بالجمود.. صمد أمام معركة الخيانة وتقرير المصير لكنه سينهيها فيما بعد ولصالحه
"تمام دكتور"
المثلث ثلاثي الأضلاع تواجهت رؤوسه الثلاثة.. الخوف والقلق يواجه العتمة الرمادية وعتمة الغضب الصخرية
"أنا لا أريدك هنا"
دموع ناني كانت كثيرة ولم يعرف هل حقيقية أم ملصقة للإعلان عن أفضل ممثلة لهذا العام..
"علي أنا زوجتك ومن حقك.."
"أنت لم تعودي زوجتي، أنا سبق ومنحتك الطلاق ولن أعيدك لذمتي"
جمدت بمكانها، ضايقها النور وعبث على عيونها بعد أن سكنت بالظلام.. ظلام الخيانة وسكون الضمير، بل موته.. 
هنا تموت الفضيلة.. تنغمس بالشهوات وتغرق بلا نجاة
"علي أرجوك اسمعني أنا.."
الصخر لا يسمع، لا يغفر الخطيئة ليس بعد ما ظل بالجهل سنوات دفع ثمنها من شرفه وحرمانه من ابنه
"أنا لا أرغب بسماع أي شيء منك ، ارحلي لا أريد رؤيتك"
انفجار الدموع بعيونها كان أمر غريب، لم يعرف بأي يوم أنها تحب والده، فقط يعرف أنها تحب أمواله وما يمنحه لها مركزه ومكانته..
"رشدي!؟"
هل تلجأ له؟ هو ضحية لها، أسقطته ورقصت على ذكراه فهل تجرؤ على طلب مساندته؟ 
ابتعد نهائيا من الساحة، ليست معركته والجانبان لا يثيران اهتمامه.. 
عادت للصخر ربما تتفتت منه أي هوة تخترقه منها لكن الصخر لا يلين "علي امنحني فرصة أخيرة وأنا أقسم لك أني سأتبدل وسأخلص لك لنهاية عمري لكن لا تتخلى عني"
الرمادي لا يتبدل، لا عند الصغير وبالطبع ليس عند الكبير.. الجينات واحدة وعوامل الوراثة تؤكد ذلك
"انتهت فرصك ناني ولم يعد لك مكان بحياتي، لم أعد أريدك نهائيا"
رحلت الكلمات، ذابت الأماني بحرارة الخيانة وانقضت صفحة سوداء بحياته أراد تمزيقها وبدأ صفحة جديدة بيضاء يسطر فيها أول كلمة باسم ابنه الوحيد
"رشدي"
التفت مدركا رحيلها والوجه المنهك من أثر المرض يواجه "أنا قمت بتصفية كل شيء"
ضاقت العيون الرمادية للأصغر سنا وهو يحاول الإلمام برغبات الصخر "بمعنى!؟"
أغمض رجل الصخر عيونه دافعا رأسه للخلف على الوسادة جاذبا لحظة سلام مع نفسه، أنا ما زلت على قيد الحياة، لقد منحت فرصة أخرى لنفض الرذيلة عن نفسي وأنا متشبث بفرصتي فقد تكون الأخيرة
صوت الخطوات الثابتة، رفع رموشه عن عيونه والتقى بخليفته بعد سنوات اشتياق برغبة بمحو الماضي بحاضر جديد كان لابد أن يكون هو الماضي والحاضر والمستقبل
"لم تعد لي رغبة بمتابعة مسيرتي، أنا وصلت للنهاية وأرغب بالراحة"
مالت رأس رشدي محاولا فهم كلمات الرجل.. رجل الأموال، المناقصات أو المزايدات.. صفقات من هنا وهناك، الآن يرغب بغلق الدائرة؟
"أنت تمزح!؟"
"أنا أخبرك ما تم وليس ما سيكون، قبل سقوطي بالمرض كلفت عدلي المحامي بتصفية كل المجموعة بعد سداد الديون وقد تم ولكن لم يتم الإعلان الرسمي"
المفاجأة قوية تفقد الشجاعة على تصديقها.. المقعد تلقاه وقدماه رغبت بالراحة لأن ثقل ما سمعه أوهنها..
"وناصر؟ لم يخبرني بشيء"
أبعد وجهه قليلا ورحلت الحقيقة لذهن رشدي.. والده يعلم.. الخيانة تضيء كمصباح بمائتي وأربعين فولت..
"لم يكن ليخبرك أني طردته ووقفت كل توقيعاته"
"السبب"
واجه نظرات ابنه الجامدة كملامحه بنظرات عابثة، لا ترغب بقول الحقيقة فهي مهينه تنزع منه الرجولة وتأبى عليه الانتقام لكرامته فقد مضى وقت الثأر
"لا تدعي الغباء، أريدك أن تعود وتقيم معي"
ظل كما هو بلا أي تعابير على ملامحه، تمثال اغريقي من الحجر لا يمت للواقع بصلة "أنا لا أقيم هنا وأعمالي كلها بالإسكندرية"
"مع هارون الديب!؟ يمكنني منحك ما يجعلك رئيس نفسك"
استجابت قدماه له ووافقت على أن ترحل به للنافذة مبعثرا دخان سيجارة بالخارج وكلماته نبض حي من داخل كومة من أسباب الرفض
"أنا رئيس نفسي بالفعل، هارون لا يتدخل بعملي، لم يتخلى عني لأتخلى عنه"
"لكن تتخلى عني أنا؟"
أطلق حلقات الدخان ولف وجهه للرجل "لما كنت هنا الآن، يمكنك أن تأتي وتقيم ببيتي، هو ليس كقصرك الفاخر لكنه مناسب لمكانتي"
صمت شق المكان، حديث العيون سيطر على الأجواء، رفض، رجاء، رضوخ
"لم يعد الثراء يعنيني"
قذف عقب السيجارة بالخارج باستهتار ومنح الرجل نظرة باردة "جيد، ما أن تتحمل الرحيل سيكون بيتي جاهزا لك"
**** 
ما أن أغلق الهاتف مانحا رجله الرد الحاسم على وجود مي حتى تراجع بالمقعد كاظما غيظه من امرأة مجنونة لا تكل ولا تمل
نزل صفوان من السيارة وفتح الباب ليدخل رجل بأناقة واضحة ناثرا عطره الثقيل بالداخل والغرور واضح على ملامحه 
"كان يمكنك تحديد موعد آخر هارون"
تلك النبرة لا تليق بالزعيم، لا تليق بما داخله من غضب مارق سيدق عنق كل من يثير حنقه  
"كان عليك أن تمنحني ما أريد دون أن أطلبه"
نبرة صارمة، عواء، عواء يعرفه الجميع بغابة العالم السفلي.. الزعيم يحذر مرة واحدة وما يليها قنص لا نجاة منه 
"لا أحد يعرف مكانه هارون"
العواء يزداد حدة وعلو مثيرا رهبة بفريسته من ألا يطلق سراحها "لا تخبرني أنا ذلك وإلا أقسم أن أجعلك تندم"
حدق الرجل بهارون وأصابعه تتحرك على ساقيه بتوتر، خوف، ارتعاب من العيون التي تركت الأزرق لوقت المتعة وتحولت للأعماق القاتمة بلحظة الانقضاض 
"يا ريس أنا حقا أحاول.. الأمر ليس سهل"
"سهل أو صعب لا يخصني، أمامك يومان لتجد لي أول الخيط ولا تنتظر أي صبر من الديب فقد نفد كله وصفوان من سيتعامل"
ككل الفرائس أمام قطيع الديب، تتراجع بفزع ورهبة، تتساقط مهزومة بمجرد النظرة، تفر لتختبئ خلف أول شجرة، الهروب جزء من النجاة 
"لا يا ريس، لا داعي لصفوان، سأجد لك شيء سأفعل صدقني"
"يومان وبالدقيقة التالية لانتهاء المهلة لا تلومني، انزل"
أطلق لساقيه العنان يتعثر بخطوة ويهرول بالأخرى، ماحيا ظله من أمام الزعيم، لا يصدق أنه نجى 
هاتفه لا يتوقف والضجر يملأ صدره المتعب وصفوان يتحرك بالسيارة 
"أخبرني أن لديك شيء لي عزيز؟"
"هناك بصمة غريبة ظهرت بالمكان الذي كانت به زوجتك، أرسلت لك تفاصيل على الهاتف، التحقيقات أغلقت بخصوص حادثك أنت والمدام بدون حاجة لاستجوابها كما أردت، أتمنى أن ما أرسلته لك يفيد بأي شيء"
لا شيء يفيد سوى اسم من فعل ذلك وإن كانت الدائرة تضيق ليحصر نفسه باسم واحد لكن ما زالت شكوكه عائمة على السطح 
عزيز يمنحه الكثير وهو الآخر يفعل.. هذا هو عالمه، تبادل المنافع والمصالح بالأبيض
"الأربعاء القادم سيتم تهريب شحنة مخدرات عن طريق البحر، الساحل الشرير للتغطية، يوم الثلاثاء ستصلك التفاصيل ونكون متعادلين، مبارك الترقية"
صوت عزيز حمل الشكر للرجل الذي يرد الدين بعشرة أمثاله "لن نتعادل أبدا هارون"
أجاب بتفهم الزعيم "بالطبع أنت الضابط وأنا المجرم"
الرد كان محيرا لكنه الحقيقة لكل من حوله، هو فقط من كان يرى نفسه مغموسا بالأسود 
"لم أعرفك مجرم بأي يوم، أنا أقصد ديوني لك، أنا لي الشرف بالعمل معك يا ريس"
لم يعلق..
أراح رأسه المصاب بصداع لا يفارقه وأغمض عيونه، الرذيلة لازمته سنوات بالغصب، لفته بقيد حديدي غليظ حول عنقه وأسقطته بالعالم السفلي.. صارع، قاتل، سقط ونهض حتى أراد التحرر من القيد وتحرر..
لمس القلب الفضي بأصابعه "ستنال ما تريد هارون لكن تحت قيادتي"
منحه حريته.. لونه بلون الفضيلة لكن قيده بالتبعية.. محررا نفسه من كل الرذائل نهض وارتقى وخاض كل المعارك حتى صنع الرجل الذي أراد لكن.. بقعة باهتة ما زالت عالقة بثيابه المهترئة ولن تزول..
بريق عيونها فقط من يطغى على بقعته الباهتة.. يمحيها، يفقدها تأثيرها الأزلي عليه
تمنحه الروح.. نبض القلب المتعب
سكينته بعد عاصفة دامت سنوات.. وطن بعد الشرود 
حلم تجسد واقعا.. 
نور يعلو به خارج العتمة.. أنثاه التي سترافقه مدى الحياة
أنثى الذئب
**** 
أنثى الذئب تهان.. 
زوجة الزعيم تحمل أطنان العار وتلوث بذنب الأب أمام الرجال
لم تخفض وجهها ولن تفعل.. الضعف ميكروب فاسد، ماكر يتسرب للخلايا ليفسدها لذا هي لم تسمح له باختراقها
الرجال تحمل على عاتقها حماية زوجة الريس بغيابه وأنس حارسها الشخصي ومي قلبه كان يصارعه من أجلها لكن الآن يرتعد مبتعدا أمام قوة عقله، صرامته، غضبه
هاج الصديق لزوجة صديقه، الأخ لأخته 
"كفى، ولا كلمة أخرى مي"
فقدت كل شيء، البصر والبصيرة، غيرتها جعلتها مجنونة، غاضبة، فاقدة السيطرة على كل حواسها ولسانها الذي بعثر كلمات كقنابل حية تنفجر بكل من أمامها غير عابئة بالخسائر
"حارس المدام، المجرمة، لم يعد لك كرامة أمامها"
هو أنس، الجنون متمثل برجل لا يختبر أحد صبره لأنه لن يناله، سيثور بوجهه كبركان خمد سنوات وسنوات وقد عبأ حممه كلها دفعة واحدة وانفجر مطلقا إياها ملتهبة بنيران لا تبقي ولا تذر
ارتفعت يده بلا تفكير لمحو الإهانة بصفعة تردعها بمكانها، توقظها من غفلتها التي تأبى الاستيقاظ منها 
صرخت هندية، تراجع الرجال أمام إهانة رجل الريس الثاني غير قادرين على إيقافه
لكن..
كانت هي من أوقفته، هي من أمسكت ذراعه من الخلف لتوقفها بالهواء مانعة إياها من السقوط بفعل قد يندم عليه بيوم ما ويكرها هي من أجله  
"لا أنس.. لا تفعل" 
استوعب الجميع ما حدث، مي كانت تخفي وجهها بذراعيها من الصفعة التي لم تنالها، هندية منعت شهقة فزع وعيونها ترفض ما يحدث لكن ابنتها السبب
لف وجهه لها مواجها نظراتها الجامدة.. زوجة الزعيم توقف كل الجنون الهائج داخله لكنه لا يريد أن يتراجع، أراد التنفيس عن غضبه، غيرته
حبه الضائع
لكنه لم يكن غرام
أنا الكاتبة.. أقر وأعترف .. أنس لم يحب مي لكنه مثلها يعيش الوهم
هنيئا لكم به..
ظلت يدها على ذراعه وعيونه تتقد بالشرر، جمرات من النيران تشتعل داخلها وتنفث بكلماته "اتركيني ليال، عليها أن تتوقف وتتعلم كيف تحترم زوجة الزعيم"
لكنها لم تتركه وظلت ثابتة بنظراتها عليه، قوية، شامخة شموخ أنثى الريس ولن تسقطها غيرة امرأة تعيش بالحب الضائع أو تظن أنها كذلك
"ليس بتلك الطريقة أنس، لن تصفع امرأة لأكسب أنا احترامها"
كانت واضحة بكلماتها لكن مي لا ترى ولا تسمع ولا تعقل أي شيء مما يدور حولها
كل ما تراه وترغب به أن تهين وتذبح من سرقت أحلامها "لا تحاولي الظهور بتلك الصورة، لن تكوني زوجة الزعيم التي كان من المفترض أن تكون أنا، لا يمكن أن تكون زوجته امرأة يعرف الجميع حقيقتها، عاهرة"
الكلمة شقت الآذان وأمطرت عليهم وابل من الأمطار الحمضية صهرتهم بمكانهم وأنس يكاد يقفز عليها ليهرسها بمكانها لولا كلمة واحدة أوقفت كل شيء
"اخرسي" 
صوته سقط عليهم كالقذيفة جعلهم يقفزون بمكانهم من قوة نبرته والغضب الطافح منها
رفعت مي وجهها من فوق كتف ليال لتراه وتلتقي بالبركان الثائر بنظراته مما دفع الرعب لكل ذرة من خلاياها وهي تتعثر للخلف بخطوات غير واعية
سكنت النظرات كلها على وجهه والعملاق من خلفه يقف صامتا كعادته
هندية من اخترقت الجميع وهتافها يمزق الصمت المخيف بحضرته وخطواتها تلحن موسيقى مرعبة تصحب المشهد
"أنا آسفة هارون، هي لم تقصد، صدقني هي لا تعي ما تقول، أرجوك لا تغضب منها"
لمعت عيونه على المرأة الراجية أمامه وجذب يده من يدها عندما رغبت بتقبيلها وهي تدرك الحكم الذي أصدره على ابنتها قبل أن ينطق به
كلمات الرجاء لم تتوقف "هارون أرجوك تذكر أنها ابنتي، أنا عشت بمثابة أم لك أرجوك لا تقتل قلبي عليها"
احترق الأزرق بعيونه، زادت التجاعيد حول عينيه وجبينه المنعقد بحزم
انهارت المرأة بالبكاء تخفي وجهها بين كفيها ونظراته ترتفع لأنس الذي احترق وجهه من الغضب لأنه لم ينهي الأمر قبل حضور الزعيم.. لم يوقف المهزلة، كان عليه جرها من شعرها وإلقائها بالخارج بلا رحمة
أخفض نظراته أمام الزعيم وتولاه الصمت بجعبته 
جمود زوجته وملامحها الفارغة نفخت بنيرانه أكثر وحمل كل لهيب التنين الناهض بأثر حرامي الخاتم الجبان 
وتحولت عيون التنين للص الجبان، من تريد سرقة سعادته بأفكارها المريضة والوهم الذي تعيش به..
أدركت أخيرا ما سقطت به وانكمشت تلف نفسها بذراعيها وكأنه الحماية ولكن لا حماية من غضب الديب اليوم
هي أنثاه من أهينت أمام رجاله.. هي من منحها اسمه وستحمل أولاده ولن يستحقها لو لم يعيد لها كرامتها 
"تجاوزت كثيرا مي وأنا لا أحب التجاوز"
أفرجت هندية عن وجهها وابنتها فقدت النطق وهي تبعثرت بالكلمات من النشيج "أرجوك هارون، هي ابنتي"
أسقط نظراته على المرأة التي عاملها كأم لم ينالها ولم يجد للقلب مكان أمام إهانة زوجته بحضرة الرجال أو حتى بغيابهم
أنثاه أهينت ولن يقبل ذلك أبدا.. أغلق الملف وصدر الحكم قابل للاستئناف والنقض من أجل قلب أم مفتور على ضناه
"آسف هندية، امرأتي أهينت وأمام رجالي ولن يكفيني بها شيء إلا الموت"
صرخت المرأة وبلا مقدمات سقطت على أقدامه لتقبلها وكلمات الرجاء تمتزج بشهقات البكاء
"لا يا ريس.. أرجوك لا تقتلها.. أرجوك أنا لا أملك سواها، اقتلني أنا، أنا لن أعيش بعدها، لن أستطيع هارون أرجوك ارحمها من أجلي"
دموع مؤلمة ارتفعت لعيون ليال وقاومتها وقاومت معها رغبتها بالتدخل وإيقاف غضب زوجها لكن نظرته جمدتها، حذرتها من فكرة التدخل
رفع المرأة بيداه الاثنان مدركا تماما مشاعرها كأم ومدركا أيضا كل ما قدمته له طوال سنواتها معه لذا كرجل وليس كزعيم قبل النقض بالحكم
"تعلمين مكانتك بقلبي هندية ومن أجلك لن أقتلها لكن صفوان سيجعلها تدرك جسامة ما فعلت، صفوان"
الحكم صدر نهائيا ومطرقة القاضي صكت المائدة بدوي هائل دب الفزع بقلوب الحاضرين
نبرة الريس تهز الحضور وليال اهتزت بقوة وشهقات أم قلبها يتلوى على ابنتها الوحيدة جعلها تنطق "هارون، من فضلك"
نظرته كانت صارمة أخبرتها أن لا مجال للتراجع بل عليها هي التراجع ولكنها ظلت تحدق به وصرخات مي تخترق أذنها 
لم يرمش لأي شيء يدور حوله.. منح هندية مقابل لما منحته له بالماضي بأن عتق ابنتها من الموت، منح تلك المرأة الغبية التي تصرخ وتتلوى بين أيدي صفوان طالبة العفو، فرصة ثالثة وهو لم يفعلها من قبل 
همست بآخر رجاء "هارون أرجوك"
لم يقبل أي معارضة فقد انغلق الملف نهائيا وتبعت عيونها صفوان وهو يجذب ضحيته الجديدة فتحركت لتوقفه ولكن يده كان تلفها لتوقفها وهي ترفع وجهها له برجاء
"هارون لا تفعل بها ذلك"
لكنه لم يمنحها أي شيء وصفوان يجذب مي للخارج بلا تفكير مختفيا بها بالظلام وهندية تهرع خلفهم 
أنس والرجال اختفوا وهما الاثنان متواجهان بلا تراجع
عيونها متألمة من مصير امرأة الغيرة أوقفت عقلها عن التفكير وعيونها عن رؤية الصواب 
الخوف اجتاح كيانها بلحظة إدراك.. 
الذئب لا يرحم
لأول مرة ترى ذلك الوجه لزوجها، الغضب.. 
***** 
ابتسم ابتسامة ثعلب ماكر نصب الفخ وأسقط به الفريسة.. كان يعلم أنها غبية ولن تجيد فعل شيء
كارت احترق وكان عليه التخلص منه وقد فعل
"اذهب"
تحرك السائق مبتعدا وهاتفه يهتز بالجاكيت فأخرجه.. نفخ لرؤية الاسم ولكنه ملزم بالرد
"ماذا!؟"
"أوقف تلك المهزلة وعد وإلا سأتدخل"
ابتسامة ساخرة رقصت على شفتيه فقد أعجبه المشهد ورغم مذاق الدكتورة الحلو إلا أنه مل منها، لم تجذبه، ولم تقاومه أو تحارب لشرفها وكرامتها، ثمنها رخيص وهو لا يحب الرخيص فالغالي ثمنه به..
"تحب أن تدلله كثيرا"
صوت عميق يحمل غضب عاقل أجاب "وأنت تبدو صغيرا أمام انتصاراته، عد ولا تجعل من نفسك مسخرة"
ضغط على الهاتف بأصابعه والأصابع الأخرى قبضت على رأس عصاه مسكتا صراخ عقله الثائر والمتمرد على الأوامر
"المعركة لم تنتهي لكني عائد"
وأغلق والتمعت مقلتيه بضي القمر الباهت مانحا برودة تطفئ حريق مشتعل لثأر كل يوم يرويه بمشاعر الكره لمنافس لم يمكنه التخلص منه ولن يمكنه 
ما بينهما دم ولا يمكن التخلص منه حتى بعد الموت..
**** 
حاولت مقاومة مخاوفها تجاه سعد، لن يستمر بالبحث عنها أكثر من ذلك لذا عليها العثور على ملابس، وبطاقات الهوية الخاصة بها 
رتبت المطبخ وأعادت كل شيء لمكانه وتحركت للغرفة ربما تجد بخزانته ما يصلح لها ولكن ما أن فتحت الخزانة حتى رأت ملابس نوم نسائية موضوعة بشكل منظم بألوان هادئة..
تراجعت بذهول وهي تشاهد ما أمامها.. هل يشتري لنسائه ملابسهم؟ ولم لا ألم يمنحها ما ترتديه الآن..
هل ارتدتها نساء من قبل؟ جذبت واحدة بلون المشمش رقيقة ومثيرة وبدلا من أن تبدو مستهلكة أدركت من الكارت الملتصق بها أنها جديدة ..
لم تفهم شيء.. 
ارتدته وتأملت نفسها بالمرآة وهي تدفع شعرها على أكتافها.. أشرقت الشمس بعيونها وهي تبتسم لنفسها وكأنها لأول مرة تدرك أنها جميلة
رتبت الفراش وعادت للخارج للتلفاز وهي تعبث بهاتفها عندما تحركت أناملها لرقم العملاق..
هل يمكنها أن تهاتفه؟ سيخبر سعد..
العملاق لا يرغب بها، لم يفكر بالبحث عنها أو حتى مهاتفتها، تنهدت وهي تستوعب..
لم يعد من الممكن البحث عنه.. لقد انتهت.. لم تعد تصلح له ولا لسواه
يوم يقذف بها رشدي خارج هذا الباب لن يمكنها التفكير بأي رجل مرة أخرى.. سقطت دمعة حزينة ذكرتها بمكانها.. امرأة لا مكان لها على خريطة الشرفاء.. معلقة بين الشرف والعهر
لم يمكنها البقاء هكذا فنهضت وعادت تبحث بخزانته عن ملابس للخروج.. ما زال هناك وقت قبل أن يحل الظلام يمكنها النزول والتجول على الكورنيش
جذبت قميص من قمصانه وبدا فاخرا حقا، اسم الماركة العالمية واضحا عليه
ارتدته وهي تقف أمام المرأة وتتأمل نفسها وضحكت من مظهرها.. القميص يكاد يصل لمنتصف فخذيها وفضفاض رغم أنها أغلقت أزراره عدا الأزرار العلوية
القماش الفاخر ينسدل عليها كما لو كان يبتلعها، عطره يملأ الهواء حتى كاد يخنق أنفاسها، ما زالت تنظر لانعكاسها بخجل متوتر، قصيرة هي والقميص طويل عليها كأنها تحتمي به من شيء أكبر منها
هروبها وضياعها..
عند الباب، كان واقفا، صامتا، يراقبها بعينين لا تعرفان إن كانتا تحملان عتابا أم إعجابا.. لم يخطط أن يراها.. وجوده كان مفاجئا حتى لنفسه والآن لا يستطيع أن يشيح بنظره عنها
بدا له المشهد كله ناعما، هشا وكأنها لحظة لا تخص الواقع بل حلما لا يريده أن ينتهي
التفتت فجأة فالتقت نظراتهما.. تجمد كل شيء
الهواء بينهما صار أثقل من أن يستنشق.. لم يقل شيئا ولم تقدر هي على الحركة كأن نظراته كلها تكفي لشلها
ثم بصوت خافت كأن الكلمة أفلتت منه بلا وعي همس "عسلية"
ارتبكت، شدت القميص بقوة على جسدها تخفي لا شيء، حائرة بلا هدى "منذ متى وأنت هنا تراقبني؟"
ظل جامدا كعادته، رمادية عيونه زادت قتامة وهي تتسلق على مفاتنها "لم أكن أنوي لكن المشهد جذبني"
اعتلاها الخجل، سيطر على وجنتيها وتربع عليهما وقلبها انتزع كل الطبول ليدق عليها بقوة والتمعت شمس النهار بعيونها البريئة وتلعثمت الكلمات على شفتيها الوردية
"أي مشهد؟"
نظراته لها كانت غريبة عن كل ما نالته منه مسبقا.. هي عرفت الرغبة.. الإصرار.. الجليد الساكن بكل جزء منه لكن الآن لا..
نظرة داكنة.. دافئة ولا رغبة بها لكن، إعجاب..
"مشهد امرأة القميص يأخذها بأحضانه"
ارتبكت أكثر، رحلت أنفاسها من صدرها وكأنه سرقها بحضوره.. سجنها بين رمادية عيونه وانتهت..
"لا يمكنك أن تقول ذلك"
وأخيرا تخلى عن مكانه وانتفضت الأرض تحت ثبات خطواته مضيقا المسافة بينهما وهي ما زالت جامدة.. هل سقطت تحت سحره؟
"ربما لا يمكنني قول ذلك ولكن الكلمات خرجت بلا إذن كما رحل نظري لك بلا إذن"
استقر أمامها.. شاهق الطول.. عرض كتفيه سد كل ما خلفه عنها وبدلا من أن تواجه اختلاف نظراته أخفضت وجهها.. لم تجد شجاعة لمواجهته 
"ما زلنا أغراب عن بعضنا البعض"
حلقت نظراته فوقها تحمل الكثير والكثير.. لديه أيضا كثير مما يحمله داخل صدره ولم يواجه به أحد.. لكن هي من أراد رؤيتها.. فقط رؤيتها
"الغرب ينتهي عندما العين تعتاد"
وتجنبها نازعا جاكته متحركا تجاه خزانته وهي ظلت جامدة مكانها تعود بعينيها للمرآة وترى نفس المشهد وفي أذنها صدى الكلمة الأولى من كلماته... 
عسلية..
****
أنثى الذئب غاضبة.. بل متألمة
تحركت من أمامه، غير قادرة على تحمل تلك القسوة التي تعرف أنها واقعها الجديد
أنثى الذئب لا تخاف.. لا تضعف.. لا تهان
لم تتبعها عيونه ولم يلتفت لها وهي تذهب ونظراتها تنبض بعتاب  بل رفع وجهه لسعد ورجلان ظلا بمكانهم بانتظار أوامره "اذهب ورافق صفوان، لا أرغب بدخول أحد البيت"
هز سعد رأسه وقال "أمرك يا ريس"
وتحرك عائدا لبيته مدركا ما تعانيه أنثاه.. لأول مرة ترى ذلك الوجه به، لن ينكره.. الشيطان يسكن داخله، يصارعه بالظهور ولكنه يقيده، يعرف متى يحرره
اللافندر اجتاح الهواء حولها
وصل الزعيم.. هل سيصارعها لضعفها؟
تقف بمنتصف الغرفة تمنحه ظهرها وتلف نفسها بذراعيها، وكأنها تحتضن القلب المفجوع لتهدئته 
امرأته تخاف.. هل يجرؤ الخوف على أن يمسها؟
 هل يمكنه أن يمس رقتها بعوائه المخيف؟
تبكي.. لم يتزوجها ليبكيها أو يؤلمها.. تمنى أن تتفتح أوراقها بحنانه وحبه
أغلق الباب لتشعر به، هي تشعر بأنفاسه من حولها، حرارة جسده، لمسة يده.. هي تسكن داخله
أغمضت عيونها تعتصر الدموع التي صارعتها لتعبر عن تألمها لامرأة، الحب هزمها والغيرة عذبتها
متجاوزا ما كان، هازما ضعفه تجاها فلو زادت هناك لرضخ لها وعفى عن العالم لأجلها 
كان بحاجة للمسها كي يهدأ، يرتاح، يقر عينا عليها
لفها بذراعيه من الخلف ووضع قبلة على عنقها ربما تمنحها تهدئة ليست بمحلها "ظننت أن هناك استقبال خاص بانتظاري"
لم تكن بحاجة الآن للضعف فهي بالفعل واهنة ولمسته ستهزمها ورغبتها بالصراع أكبر
انفلتت من بين ذراعيه مبتعدة، الريس ليس بحاجة لامرأة ضعيفة تثقل كاهله بل أنثى محاربة، تشد من أزره وهي الآن تحارب نفسها لتهزم ضعفها 
مجرمة.. هكذا ألقت مي بالحقيقة بوجهها، حقيقة هي لم تفر منها.. نستها، ألقتها خلفها وعاشت ولكن ما أن نعت نفسه بالمجرم واتخذه سبب للفرار منها حتى ارتدت لنفسها
همس خطواته كان يصل لأذنها، اقترابه كان بحدود تلك المرة.. هي لا ترفضه فقط تحتاج لإيقاف الصراع 
"هل تدركين من أنت؟"
نعم هي تدرك جيدا من هي؟ تعلم ما ارتكبته مي من جرم لابد أن تعاقب عليه لكن..
أكمل بحزم "زوجة الزعيم"
التفتت وقد محت الدموع من على وجهها ولكنه يدرك ما علق برموشها 
قاتمة عيون الزعيم.. هادئة أنفاسه رغم عاصفة الغضب داخله تكاد تقتلع الثابت من جذوره لكن منحها السكينة كان أهم من غضبه
"أنا لست زعيم للهواء ليال، أنا زعيم لرجال صارعوا الموت معي وتركوا حياتهم ليسيروا خلفي واثقين بقوتي على قيادتهم، اكتسبت محبتهم واحترامهم لا خوفهم، يعرفون قوتي جيدا لكن يعرفون أيضا أني لا أمارسها عليهم بل لحمايتهم إلا من أخطأ"
الأسود بعيونها كان ليلة واحدة من ليالي ليال، لحظة إدراك أن هذا الرجل لم يجعل الخوف بنيان عائلته بل الاحترام..
"الاحترام ليال، الاحترام هو أساس علاقتي بهم ومي أهانتني أنا بإهانتك، محت الاحترام للريس ولو تجاوزت في ذلك لن أكون الزعيم"
كل كلمة كانت حقيقة تقر بها ولا يمكنها الجدال عليها
"أنت تمنح فرصة ومي..."
حازم بالرد "نالت اثنان وثلاث لأجل هندية.. مي ليست محل ثقة ليال، وجودها بيننا خطر علينا جميعا" 
هي لا تفكر بتلك الطريقة، ما زالت تحبو بهذا العالم.. تتعلم أولى الخطوات في بناء الثقة وهو يعلمها ولكنها امرأة
قلب المرأة بسكوتة وهي بسكوت بالفانيليا 
"لا هارون، مي نشأت وعاشت بينكم، كل ما بالأمر أنها تحبك ومجروحة ولا يمكن معاملتها بتلك الطريقة"
من الغريب أن تخاطبه عن حب امرأة له وهو زوجها ولكن ليس غريب على من تعرف الحب 
"تلك الطريقة هي أقل ما يمكن أن تعامل بها بعد كل ما فعلته، لولا وجودك ورجاء هندية لقتلتها على الفور دون أن أرمش لأجلها"
نظراته كانت تنطق بالجدية وأنه لم يكن ليتراجع عنها لكنها نطقت بالحقيقة
 "هي قالت الحقيقة هارون، أنا مجرمة ابنة مجرم"
التفت وقد نجحت بأثارة غضبه رغم محاولته الهدوء معها "وأنا مجرم ليال، وهي ليست ملاك، أمها تعمل لدي ووالدها كان مختلس و.."
واستوعب فقدان السيطرة الذي رحل له.. لطالما توقف وتحكم وكان وما زال بئر يحوي كل أسرار رجاله ولكن معها يفقد كل شيء
ابتعد ونفخ بقوة معبرا عن عدم رضائه عن نفسه
الرجل مات دون فضائح والآن هو لن يفتح ميت وابنته حتى لا تعرف 
لكنها التقطت كلماته والتفتت لترى يده تتخلل شعره وملامحه تنم عن عدم الرضا
فقد الديب هدوئه "ماذا!؟ والدها ماذا هارون؟"
أغلق عيونه، هذا من حمولة البئر لا أحد يعرف ذلك سواه وهندية، من أجل هندية كتم السر
تحركت ووقف أمامه وكل الفضول سكن عيونها، مي كانت بمكان آخر أمام الجميع، كونها طبيبة فهذا منحها مظهر اجتماعي براق لكن الآن انقلب الأمر رأسا على عقب 
"والدها مختلس؟ هل هي تعلم؟ أتمنى أن لا"
"هل حقا تدافعين عن امرأة تريد زوجك؟"
نظراته عنت الغموض لكن السؤال مفهوم، ألا تغار على زوجها؟
ارتبكت.. هل يخلط بين عدم المبالاة وبين الرأفة؟
"لا علاقة بما أقوله بحبها لك هارون.. موتها لن يفيد بشيء ولا عذابها بأن والدها مجرم، ثم أنا أثق بزوجي"
ظلت الزرقاء القاتمة تحدق بها.. تبحث عن صدق ما تقول.. اهتمامها بمي يغضبه ومي نفسها أثارت جنونه
ابتعد مانحا نفسه بعض الهدوء لكن الفانيليا لا تتحمل غضب اللافندر
"الريس غاضب مني؟"
كان يخلع قميصه ببطء، هو لا يمنح نفسه أي راحة.. جراحه تشكو، تصرخ لكنه لا يهتم ونعم الريس غاضب لكن من نفسه 
أسرعت تساعده ولم يمانع ولم يجيبها أيضا..
احتضنت قميصه دون أن توقفه عن الابتعاد والدلال مفتاح الرجل "تنازلت عن الاستقبال الخاص"
لم يلتفت وهو يدرك نبرة صوتها.. وهو بطريقه للحمام مانعا نفسه من العودة لها ومنحها العقاب المناسب
قبلة حارة..
أسرعت له لتساعده بالحمام وهتفت "هل سيؤذيها؟ صفوان؟"
فتح المياه وهو يبعد باقي ملابسه وهي تساعده، مستجمعا كل الهدوء الذي تعلمه واجها "سيمنحها ما تستحقه ليال هل نذهب لنمضي باقي الليلة معهم؟"
العتمة احتلت نظراته ومع ذلك لم تخاف بل ابتسمت.. تلون الأسود بعيونها ببريق المرح ومزحت ابتسامة على شفتيها وهي تهز أكتافها 
"يمكنني أن أفعل وأمنحها بعض المسكنات، ستكون بحاجة لها أليس كذلك؟"
أشاح بيده وهو يلتفت للمياه وهي ما زالت تبتسم ثم تحركت للخارج وانتقت الذهبي من أجله
الشمس لا تشرق بالليل، لكن معه أشرقت بابتسامة مضيئة كل عالمه.. ظلام الليل يلفها بخصلات تلفها حتى ضربت خصرها برقة.. 
الذهبي يطعنه بمقتل ومع ذلك يريدها بلا حواجز
ملتفا بالمنشفة حول خصره تحرك لخزانة الملابس.. محاولا السيطرة على رغبته الجامحة بامرأة عذبته بالماضي والحاضر..
"لا أحد يمكن أن يأخذك مني هارون أليس كذلك؟"
توقفت يده على الملابس وسؤالها تسرب له كماس كهربي أوقفه عن الحركة لكن الريس لديه مقاومة حتى للكهرباء.. كهرباء امرأة تزلزل كيانه..
التفاتة منه لها كي يبدي غضبه لكن الشمس أحرقته، قضت على كل ذرة مقاومة كان يختفي خلفها..
بريئة كقرص الشمس بين ليل حالك، لم يكن واقع، بل حلم.. حافية القدمين.. قصيرة القامة أمامه، الذهبي يلفها برونق الذهب الخالص.. 
الفانيليا تهزم الزعيم.. 
اقتربت منه لتؤكد هزيمته.. يداها تلمس عضلات صدره لتتوقف عند قلبه.. 
ينبض.. يلهث للمستها.. يدق بهوس الحب
الغرام..
"أنت لي هارون.. لم أحلم بك اثني عشر عاما لتكون لامرأة أخرى سواي"
ماذا تفعلين بي يا امرأة؟
رفع يده لوجنتها مخترقا خصلاتها المنسابة بليونة بعد ما ناله شعرها من عناية بمركز التجميل..
قرب وجهها منه.. رافعة رأسها لتصل لقامته المهيبة.. هل أملك الزعيم؟
"حلمت بي؟"
اقتربت الوجوه وتلاقت الأنفاس وارتفعت موسيقى القلوب تعزف على أوتار مشاعرهم المرتبطة منذ القدم
"حلمت بك"
عبث بنعومة شعرها فأذابها.. لف ذراعه حول جسدها فامتلكها.. هي له
"الآن الواقع.. أنا هنا وأنت معي.. زوجتي"
تسلقت يداها لتلفهم حول عنقه.. ارتفعت على أصابع قدميها لتنال قبلته.. لمست شفتيه بشفتيها برقة وقبلته
استلم الدفة وقبض على الشفاه التي تثير جنونه.. قبلة الزعيم تنسف، تدمر، لكن قبلة الفانيليا، مهلكة
بلحظة كان يبعد الذهبي وقبلاته تحرق بشرتها النضرة.. يده تعرف كيف تثيرها كامرأة تجعلها تهمس باسمه بجوار أذنه وهو يدفعها للفراش 
"أنت لي يا ريس"
خصلاتها احتضنت وجهه بحنان وفمه عانق عنقها "وأنت قلب الريس"
**** 
هتفت.. صرخت.. تملصت من القيود التي ألصقتها بالمقعد الخشبي، لكن بلا فائدة
لا أحد يفر من المنفذ..
كل جزء منها تألم.. تمزقت أظافرها.. تشوه وجهها الجميل.. جسدها فقد الإحساس من كثرة جراحه 
هندية لم يمكنها إيقاف العملاق عن تنفيذ أوامر الريس بتوسلاتها خارج باب غرفة العقاب ومي فقدت القدرة عن النطق..
هل كانت غبية لتلك الدرجة؟
تطعن زوجة الزعيم وتهينها وأمام رجاله؟ لماذا لا تتقبل أنه رفضها بل لفظها خارج حياته كشيء عفن ألقاه بقرف لأقرب سلة مهملات..
بضعف نطقت "صفوان.. ارحمني.. أرجوك"
نظراته لها كانت فارغة.. لا تحمل أي مشاعر، هكذا هو.. 
انحنى عليها مدركا الألم الذي تصارع لتتحمله بين صراخها ووهنها "هل تعيين ماذا فعلت؟"
لم تستطع تحريك أي جزء من جسدها.. ماذا لو عرف أنها سبب ما جرى لليال والزعيم؟ سيقتلها والقتل أقل مما تستحق لكنه رحمة لها من العذاب
عذاب صفوان وعذاب قلبها اليائس...
أين ذلك الشيطان الذي دفعها لذلك الطريق؟ لا، ليس هو بل كرهها لليال وغيرتها، شيطانها المارق دفعها للجحيم حيث ينتمي.. وهي معه 
فقدت العقل وقت جعلت الغيرة والحقد يقودونها.. نست من هو هارون وماذا يمكنه أن يفعل بها والآن تدفع ثمن خطأها
"نادمة.. ارحمني"
من الخارج أتى صوت بكاء أم مكلومة.. كلمات الرجاء انتهت ولم يتبقى منها شيء
نظرة صفوان تلونت بألوان كثيرة ليس منها الرحمة لكن ربما اكتفى..
نزع القفازات الملوثة بالدماء وأبعد أدواته والقماش الواقي عن ملابسه وتحرك للباب ليجد هندية على الأرض والبكاء صوتها الجديد..
لم يفكر وهي تستند على ساقيه لتنهض بلوعة "ابنتي صفوان؟ ماذا فعلت بها؟ ألا رحمة عندك؟"
ساعدها على الوقوف رغما عن كلماتها.. إدراك من داخله أن ما يفعله أسوأ ما يمكن أن يكون لكنه كذلك ولا شيء يمكن أن يبدله
"هي لك لكن علميها جيدا من هو الريس وكيف تحترم زوجته"
وترك يدها وابتعد وهندية لم تنتظر بل دفعت ساقيها للداخل.. فزعة من هول ما رأت، تصرخ باسم ابنتها التي أخيرا تركها العملاق تفقد وعيها وترتاح قليلا من الألم
لكن.. الاختفاء من هنا كان كل شيء فكرت به قبل أن ترحل للظلام، لم يعد لها مكان هنا ووصلت الرسالة.. هارون لن يكون لها بأي يوم
تأخرت كثيرا دكتورة.. فقدت عائلتك بسبب غبائك وفقدت معهم.. شرفك
غالي الثمن.. من يدرك؟
**** 
بدلت قميصه بارتباك بعد كلماته وعادت لملابس بيت محتشمة من الموجودين بالخزانة ما أن خرج ورآها حتى قذف منشفة شعره بعيدا وتحرك ليجذب ملابس
"هل عثرت لي على عمل؟"
ارتدى الملابس وأعاد شعره المبلل للخلف وتحرك للباب "لا"
تبعته بسرعة قبل أن يذهب، لكنه لم يأتي ليذهب، لم تسمع رنين الباب وهي تراه يأخذ علب الطعام من الرجل ويعود للداخل
لم تفهمه.. هل سيبقى؟
"الشقة قريبة من الطريق لذا سأبقى الليلة"
لمعت عيونها عليه والصمت لفها.. لم تفهم كلماته.. هي لا تعرف عنه شيء خاصة الآن وهي حبيسة بالشقة 
مظهرها كان رهيب بتلك الملابس.. لا تمت للأنوثة بأي شكل وهو يفهم أنها تثنيه عنها فهل سيفعل؟
فتح العلب فوق مائدة المطبخ وجذب أطباق دون النظر لها "جائعة؟"
هي كذلك.. لا طعام جيد هنا لذا تبعته وجلست بمقعدها كتلميذة تنتظر الإذن من المدرس حيث منحها إياه بطريقته
الطعام الإيطالي جديد عليها لكن شهي.. تناولته كله
دخان سيجارته جعلها تدرك أنه يراقبها، متى انتهى؟ 
نهضت ولملمت الأطباق وغسلتها وأعادت ترتيب المكان ووقفت أمام ماكينة القهوة وسألته
"قهوة!؟"
رائحة الدخان وصلتها تخبرها بقرب صاحبها، لمسة يده حول خصرها أنبأتها أنه لم يأتي لتناول الطعام
نفرت وتملصت منه.. ما زالت ترفض لمساته ولا تريد قربه
"سأتناول شاي بحليب"
لم تقوى على النظر له وهو لا يتراجع.. حبسها.. ألصقها بالحاجز الرخامي ويداه تستند عليه وهي عسلية بينهم..
فمه التصق بعنقها.. أنفاسه تحط برقة على بشرتها "وأنا أرغب بالعسلية"
لم يمنحها فرصة للفرار مرة أخرى.. التهم العسلية
كالعادة نامت بلا مقدمات بعد أن دخل الحمام وعندما وقف أمام جسدها الملتف بالغطاء عقد ذراعيه أمام صدره وعيونه تتجول بجوع على جسدها
كل مرة ينتهي يرغب بأن يبدأ من جديد لكنها أرق من أن يستهلكها بطريقته.. ولا يعلم السبب
هاتفه يجذبه، خرج به من الغرفة تاركا إياها نائمة في سلام..
"لقد وصلت السيارة للبوابة"
جذب مفاتيحه وتحرك للخارج "سأكون هناك عندما تصل"
والده وافق على العودة معه.. سيقيم ببيته هنا ولا يعلم مشاعره تجاه ذلك، لم يظن أنه سيعود يوما ولكن هو لم يرفض، منحه الرفض لأن يكون هناك فوافق هو على أن يكون معه هنا
ارتاح زيتون الكبير بالفراش الذي أعدته منيرة، المرأة التي تدير شؤون بيت جامد الملامح، تشبهه جدا، جامدة الملامح.. لا تتحدث إلا بحساب وتبتسم بآلية ولا تتدخل بأي شيء وهذا ما أتى على مزاجه
ساعدته فريدة، الممرضة التي رشحتها له زينب وهو لم يجادل والفتاة تبدو جيدة حتى الآن
"تبدو متعب"
العيون الضيقة والمتعبة حدقت به ولكن ابتسامة شاحبة صاحبة النظرة والكلمات الواهنة تغلفهم "بيتك جميل وبسيط، اتركينا يا.."
ردت الفتاة "فريدة حضرتك" وتحركت خارجة
جلس أمام الفراش ورمادية عيونه تراقب الفتاة الجميلة وهي ترتب الأدوية ثم عاد لوالده "لا أحب المبالغة، هل ترغب بشيء هنا؟ سيتم نقل كل ما يخصك بالغد"
تراجع الرجل براحة بالفراش وبدا مرتاحا جدا على عكس ما خمن رشدي.. لم يكن بينهم وصال منذ عشر سنوات ومن وقتها ظن ألا عودة 
"لا يهم، المهم أنك معي، هل تابعت عدلي المحامي؟"
ضاقت الزيتونية حتى تلاشى الأخضر القاتم منها "وما دخلي به؟"
تحكم برغبته بالنيكوتين ليملأ الفراغ بصدره والرجل يستحوذ على اهتمامه "لقد أخبرته أن يهاتفك ويخبرك أنه وضع كل شيء باسمك بعد التصفية، لم يعد شيء يمت لي بصلة"
تجهم، شحبت البشرة البرونزية وانعقد الحاجبين بتمرد وزم شفتيه غير راغبا بكلمات تؤذي رجل صارع الموت منذ أيام
"تعلم أني لا أريد أي شيء، أموال حرام أنا في غنى عنها، سأعيدهم لك"
الجدية أيضا تمكنت من العجوز "لا، أخرج صدقات كثيرة تطهر المال، أنا نيتي التوبة، أنشأ أقسام مجانية بالمستشفيات الخاصة بنا أو أي أعمال خير، تصرف بحكمة ولا تخبر أحد أنني المالك"
نهض وتحرك بلا هدى راغبا بصفع الهواء أو لكم الحائط، صالة الجيم الخاصة بهارون ستخدمه جدا
"أنا لا دخل لي بكل ذلك، كان عليك جعل المحامي يتصرف، أنا لا أغسل أموال"
تنفس زيتون، رجل الصخر، أخرج تنهيد ينم عن التعب من الجدال المفروض عليه "عدلي لا دخل له بتلك الأمور رشدي.. وليس غسيل أموال، أنا أرغب بتطهير نفسي من ذنوبي والتخلص من الحرام وأنت هو من سيفعل ذلك لأني أثق بتصرفاتك أنا لن أحتاج لأي أموال بعد الآن، كل ما أهتم به هو وجودك معي"
ظل الصمت رفيق ثقيل والكل يفضله وقت الغضب والحيرة ..
عاد ليقف أمام فراش الرجل "أنت تضعني أمام الأمر الواقع وأنا لا أحب ذلك، لماذا تضعني بطريقك؟"
تأمله الأب بنظرة حنان لم يعرفها رشدي لأنه لم يراها من قبل.. فقط التعنيف.. القسوة.. الطرد
"أحتاج تعويض ما فاتني معك و.."
دمعت عيونه.. الرجل أصبح عاطفي مؤخرا.. دموع تماسيح أم دموع نابعة من القلب؟
"أنا فقدت نسمة يا رشدي، فقدتها قبل أن أكون أب جيد لها لذا أرغب بأن أصحح الخطأ معك"
دقات القلب واهنة بجوار جرح الفقدان ولكنها تهون القليل.. تلين صعوبته
"هل تهدأ!؟ الطبيب.."
"الطبيب لن يمكنه مداواة هذا الجرح لماذا لا تفهم؟"
أنفاسه تلاحقت من العصبية.. مال تجاه والده من القلق.. لا يرغف بفقدانه.. هو كل ما لديه ما زال يحبه غصبا عنه، لديه مخزون جيد من الذكريات الجيدة أيضا
"بابا اهدأ من فضلك، التوتر غير جيد لك"
قبضت يد الرجل على يد ابنه ولاحت نظرة ترجي بعيونه ونبرة صوته "فقط كن معي"
لان جامد الملامح.. انصهر الجليد داخله لأجل من جاء به للحياة "حاضر بابا، اهدأ أنا لن أتركك، فريدة، فريدة"
أسرعت الفتاة بالدخول لتنهي القلق بدواء مهدئ
**** 
ترك الفانيليا كان صعب لكن الصعب يلين من أجل رجاله، عليه مداواة جراح رجاله قبل جراحه وقبل أن يمضي على الجرح الليل
تنحى الرجل الواقف أمام بيت الرجال باحترام لرؤية الريس "مرحبا يا ريس"
لا نوم للحراسة حتى ولو كان وقت الفجر، صوت الرجال يهز الأرجاء، رجاله، فخور بهم 
الغرف كانت كثيرة بالمكان لتكفي الرجال، من ليس عليه حراسة نائم والبعض يجلسون ويتسامرون، هي حياتهم التي اختاروها مع الريس، لكل واحد منهم مصلحة يجذب منها رزق حتى لو شاء الزواج كانت له حياة مستقلة لكن ليس خارج العائلة 
صمت الجميع لرؤيته ونهضوا واقفين لكنه أشار لهم ليعودوا لأماكنهم
غرفة أنس كانت وجهته لقد أدرك ما يعانيه رجله الثاني وهو من عليه حل أزمته 
كان أحد الرجال قد دق على باب أنس والزعيم يتحرك تجاه غرفته عندما انفتح الباب والتقت العيون وقد بدا أنس بحالة غير جيدة وهو مبعثر الشعر، لا يرتدي سوى بنطلونه 
تراجع من رؤية هارون الذي لم يمنحه أي مقدمات وهو يتخطاه للداخل "نائم؟"
تراجع أنس وقد ظل حابسا نفسه كي لا يهرع لصفوان ويلكمه بوجهه وينتزع امرأة تسكن عقله..
أنا الكاتبة وأكتب.. هي لا تسكن قلبه 
"لا، لم أنم بعد"
أغلق أنس الباب وظل مواجها للباب دون أن يلتفت ليواجه الريس.. هو لم يكن السبب ومع ذلك هو السبب.. حبها له السبب، جنونها به السبب وهو مجنون لأنه تمسك بأفكاره تجاها 
زجاجات البيرة الفارغة تبعثرت هنا وهناك، رائحة الغضب تفوح من كل مكان والزعيم يدرك ذلك
لمس الريس الزجاجات بأصابعه مدركا أن رجاله لا تتجاوز وآخرهم زجاجات البيرة فلا يمكنهم فقدان الوعي بأي وقت 
"هل منحتك الراحة؟ تلك الزجاجات؟"
ابتعد عن الباب ولم يواجه هارون، لن يمكنه الصراخ بوجهه بأنه يقتل المرأة التي..
جلس على المقعد الذي بدا أنه المفضل له دون رفع عيونه لهارون "أنت تتجاوز عن البيرة أليس كذلك؟ أم ستطلب صفوان؟"
لم يكن ليثور أو يغضب بحضرة رجل غاضب لأجل امرأة يظن أنه يحبها "هل رغبت بأن أتركها بلا عقاب؟"
تجهم وجه أنس ولم يعرف كيف يوقف وحش الغضب الذي يرغب بالانقضاض على كل من حوله "ليس صفوان هارون"
هل يظن أن مي ستكون أهم من زوجته؟ امرأة أفشت سرهم مرة بسبب الغيرة وتهين زوجته أيضا لنفس السبب وأمام الرجال فهل يطلب لها الرحمة؟ 
"وليس زوجتي أنس"
خرج الأمر من الزمام وقاد الغضب المعركة وسقطت الأعلام.. لا منتصر ولا منهزم اليوم
"ليست امرأة من تقودك هارون"
توهجت الزرقاء بعيونه ونبضت عروقه وتحركت تفاحة آدم تعلن اشتعال الحريق

تعليقات



<>