رواية غرام في العالم السفلي الفصل السادس عشر16بقلم داليا السيد

          

رواية غرام في العالم السفلي الفصل السادس عشر بقلم داليا السيد

هكر
"بابا لو سمحت توقف عن تلك السموم إنها تقتل"
أسما فتاة عملية لأنها اعتادت على تحمل المسؤولية منذ سنوات كثيرة.. وقت مرض والدتها كانت لا تنام تقريبا لتوفر الدواء لها مع أب كل راتبه راحل على الكحول والمسكرات المذهبة للعقول ولا يكفيه
رفع الرجل الزجاجة لفمه وابتلعها كلها دون الاهتمام لكلمات ابنته المتعبة بعد يوم عمل طويل بحثا عن المال الذي سيسرقه من حقيبتها 
تحركت له غاضبة لتجذب الزجاجة لكن يده دفعتها بقوة كادت تسقطها.. غياب العقول لا عتاب عليه.. بل عتاب وعتاب وعتاب
"ابتعدي، لا تلمسيها"
توازنت بآخر لحظة، الدفع أقل شيء مما كان يفعله بها ومع ذلك كانت تحاول "أنت لا تسمع، لم يعد يمكنك إيجاد عملك بتلك الطريقة و.."
"لا شأن لك بالعمل"
أشاحت بيداها بغضب من كل ما يواجها.. تعبت، أرادت حياة طبيعية كباقي البنات، رؤيتها لليال اليوم جعلتها تندب حظها وتتمنى لو نالت مصير مشابه لها
تتزوج وتلقي بهمومها على رجل بحق، رجل لم تعرفه لأن والدها جعلها تدرك أن لا رجال بالعالم يعتمد عليها لكن تلك ليست الحقيقة
"العمل هو ما يمنحك ما تشربه، بدونه لن تجد شيء"
لم ينهض من على مقعده المتهالك، باعت الكثير منذ دخل والدها عالم الإدمان.. لم يعد لديهم سوى أشياء بالكاد تعمر البيت
"أنت موجودة"
حاولت ألا تبكي لأن هذا المصير تعرفه ولن يتبدل "أنا لي حياتي ومن حقي أن أحصل على ما أريد بأموالي"
ترنح عندما ترك المقعد متحركا لها وهي تتراجع، هل سيبدأ!؟ جسدها تعب من الضرب..
"أي أموال؟ كلها أموالي، أنت ابنتي التي تعبت حتى جعلتك تصلين لما أنت عليه ومن واجبك منحي كل شيء، أنا لابد ألا أعمل وأنت تنفقين علي"
انهزمت من الدموع أو ربما تركتها تربت عليها بحنان فهي كل ما تملكه "وأنا تعبت، تعبت من كل ما أمنحه لك وأنت لا تكتفي، لو لم تكن تلك القاذورات ما كنا فقدنا كل ما لدينا، أرجوك توقف"
صفعة قوية أسقطتها بلا رحمة وما زال يترنح من أثر الكحول "اخرسي، أنا لن أتوقف"
وتهاوى على الأريكة القديمة والزجاجة الفارغة سقطت لشظايا على الأرض وهو تقريبا فقد الوعي.. هي حالته بعد إفراغ الزجاجات الواحدة تلو الأخرى ثم السقوط بالظلمة
تركته ودموعها تصاحبها.. غرفتها لم تعد تحتوي سوى فراش ودولاب قديم حتى الحاسوب باعته ولديها المحمول وهو ما تأخذه معها وتتركه بمكتبها خوفا من أن يأخذه ويبيعه
جلست على طرف الفراش.. تركت الدموع تتساقط، إلى متى يمكنها تحمل كل ذلك!؟ متى تجد الرجل الذي يبعدها عن تلك الحياة؟
كلما تذكرت ليال والرجل الذي كان يفتح لها باب سيارة لا تعرف ثمنها تشعر بالألم لحالها، ليال تستحق وهي أيضا تستحق
مالت على الفراش جاذبة الوسادة لأحضانها دافنة دموعها بها فلا فائدة من كل هذا، ستنام وتستيقظ بالصباح والحال هو الحال..
**** 
هما أصدقاء.. عاشوا الحلو والمر سويا
صارعوا الرصاص، تبادلوا التضحيات، وما بينهم ثقة غير متناهية
لكن بلا تجاوزات.. الريس ريس 
أن تتجاوز حدودك مع الديب فهذا يعني افتراس قاتل، يظل الذئب بعيدا عن الأنظار حتى يكون جاهز للهجوم، والذئب قاتل محترف 
السرعة ميزة للذئب لكن لن يكون أحد القطيع فريسته.. لن يكون صديقه تحت قدميه
"توقف أنس ولا تجعل الغضب ينسيك من أنا؟"
سلطان الغضب لا يتحمل تحذيرات، يدفع بجنون لكن هل هناك حدود؟
"مي.."
العواء ملأ الغرفة ولا شيء سيوقفه "مي غبية، أنانية، تبحث عن مصلحتها ولو كانت مصلحتها معك لاتبعت سبيلها لك أنت وليس لي"
صوته جعل أنس يهتز.. رجل لا يهاب الموت اهتز أمام غضب الريس الذي ظل بمكانه وكأنه الملك والحاشية تقف مخفضين الرؤوس
"لا هارون، نحن نعرفها جيدا و.."
للمرة الثانية يصدر العواء قوي "أنت من عرفها على طريقته لكن أنا رأيتها جيدا وأعرف ما لا تعرفه فأوقف جنونك هذا قبل أن تدمر نفسك ونحن معك"
نهض منتصبا.. توقف الجدال معه وسيصدر أمر الريس، استقام أنس هو الآخر وقد رأى الريس وليس الصديق
تحرك هارون بخطوات ثابتة رغم جراحه، ليلة ساخنة مع زوجته نالها كما تمنى وهي لم تمانع والآن جراحه هي من تمانع
"مي اتخذت طريقها أنس ولن تلوم سوى نفسها"
عدم الفهم هو كل ما لاح على ملامح أنس وهارون أصبح أمامه بخطوات قليلة والزرقاء تلمع على وجه أنس "لا أنت أحببتها ولا هي حتى أحبتني، أعلم أنس، أعلم أنك ظننت أنك تحبها ولكن الحقيقة أنك لم تفعل وعندما تجد الحب الحقيقي لن تتركه يخوض الصعاب وحده كما فعلت الليلة"
رفع أنس وجهه والاعتراض صدر حاسما "أردتني أن أعصى أوامرك!؟"
مال برأسه ليصل لوجه صديقه ورحل العواء وعاد صوت الرجال "أردت أن أعرف مدى حبك لها، لو كنت تحبها حقا لصارعتني وأسقطتني مهزوما ولم تهتم لكوني الزعيم أو سواه"
لحظة إدراك..
الحب قوة عظمى، حرب ثالثة بين القلوب لا مجال لمنتصر الجميع أمامه مهزوم
لكن .. 
المحب لا يتنازل عن حبيبه مهما كانت العراقيل.. فلو كان الحب حرب فهو أيضا القوة التي تواجه حتى تبني العلاقة بل وتؤمن استمرارها
ربت على كتف الرجل الثاني له، وأنس يخفض وجهه "لا أعلم هارون، ربما أنت على حق ولكن لم أكن لأخسرك لأي سبب، أنا مدين لك"
لم يبعد يده عن كتف أنس بل ضغط عليه وملامحه لانت تماما "أنت لست مدين لي بأي شيء، ما بيننا ليس دين بين صداقة، إخوة، ما بيننا حياة بكل ما بها من جيد وسيء، أنا أضع حياة امرأتي بين يديك"
تلألأ البني بعيون أنس والكلمات تؤثر بقلبه، توقفه عن الجنون الذي كان يتلاعب به، تعيد الصواب لعقله ليدرك مكانه على خريطة الحياة.. مي ليست المرأة التي تصلح له.. لم يحبها كما كان يظن، هارون على حق
"وأنا أفديها بحياتي هارون.. هي زوجة أخي وأختي يكفي أنها أسعدتك"
ابتسامة الزعيم نادرة ولا تخرج إلا بمرات معدودة تستثنى منها الفانيليا، ابتسم لصديقه "هي حقا سعادتي وجنوني"
ضحك أنس أخيرا لكلمات الريس "لم تكن لتعود البيت مبكرا وهي جعلتك تفعل.. هل تكشر عن أنيابها معك؟"
تحرك للباب ولم ينظر لصديقه "بل أحرم نفسي من الحياة بتأخري عنها.. أنا لم أصدق أني تزوجت يا رجل"
تابعه أنس مدركا كلماته "أنت الزعيم وهي تدرك ذلك"
لم يرد وهو يعلم أنها تخطو بخطوات سريعة لمكانتها الجديدة، هي لا تتعلم بل الأساسيات داخلها ووجودها معه يظهرها لتكون جديرة بزوجة الزعيم وهو لن يقبل بأقل من ذلك
متى ينام هؤلاء الرجال؟ النهار ارتفع حوله والجميع ما زالوا يتسامرون وهو يتحرك بالحديقة عائدا ليرى ذراعه الأيمن وقد انتهى من العقاب يتحرك تجاهه
لم يفكر برؤيتها، لو نظر بعيونها سيقتلها..
"هل انتهيت؟"
وكأنه لم يكن ملوثا بالدماء منذ قليل مستمتعا بموسيقى عذاب امرأة، تحرك بجوار الريس بهدوء غريب 
"نعم، هل ترغب برؤيتها؟"
ملامحه الجامدة لا تمنح إلا الغموض، قتامة عيونه سرداب معتم لا ملامح له ولا ترى منه أي معالم 
"لا، العقاب؟"
صفوان ليس بحاجة لكلمات كثيرة ليفهم صديقه "الأفضل يا ريس"
البيت كانت وجهته، أحضانها ودفء ذراعيها بعد برودة الطل، اكتمال روحه عندما يأخذها ويسمع اسمه من بين شفتيها.. ذوبان الريس بالفانيليا هو كل ما أراده 
"لا أريد رؤيتها هنا مرة أخرى وهندية حرة التصرف" وتوقف قليلا قبل أن يكمل "البيت لم يعد متاح لأحد الآن صفوان"
بالطبع، بعد وجود امرأة تحتاج لخصوصية بين رجال لم تعرف الخصوصية كان عليه وضع قواعد جديدة وصفوان يفهمه جيدا 
"تمام يا ريس، سأخبر الجميع"
البيت كان هادئ بتلك الساعة من الصباح، غرفتهم كانت خليط اللافندر مع الفانيليا، خلع ملابسه ودخل بجوارها، تململت وهو يجذبها له برفق مبعدا شعرها عن وجنتيها المتوردة، شفاها المتورمة من أثر قبلاته
ابتسم لها وحدها عندما نادته بنعاس "هارون!؟"
قبل عنقها بحنان سرقته من خزينته المغلقة على كل المشاعر "نعم يا قلب هارون، نامي ملاكي"
لم ترد وكلاهم يسقط بالنوم 
****
لم ترى جامد الملامح طوال النهار ولم يهاتفها ولا هي فكرت أن تفعل
رتبت الغرفة وتأملت الواقي الذي يستخدمه وهو معها وتنهدت.. الدرج به علبة كاملة مما يعني أنها سياسته المتبعة مع الكل.. لا مجال لحمل وطفل سيكون بالنسبة للجميع غير شرعي وهي لن تقبل بذلك
نظفت البيت ووجدت خزين واضح أنه أحضره بالأمس.. أعدت طعام فاحت رائحته بالبيت ثم انتهت بالحمام تدلل نفسها وصوت الموسيقى الهادئة يسري بالبيت
كنزها الجديد، نظام الصوت الذي عثرت عليه والفضل لليال وهي تستمتع الآن
لو القدر بخل عليها بأخ جيد وحياة مستقرة فهو منحها بيت جيد على الأقل الآن ولتدع القادم بعلم الله، بالنهاية هو زواج حتى ولو كان عرفي أفضل من حياة بالحرام
التفت بالمنشفة الكبيرة وتركت شعرها المجعد والمبلل برائحة الورد حول وجهها وعلى أكتافها مانحا إياها مظهرا مثيرا رآه عندما اصطدم بها وهي تخرج دون انتظار رؤيته
عندما هاجمته رائحة الطعام شعر بجو العائلة.. والده، والدته ومائدة الطعام ومواعيد الغداء والعشاء المقدسة حتى رحلت ورحل معها كل جميل ليضعه علي بخانة الوحدة ويغلق عليه ظانا أنه بأمان
لم يفلتها.. الورد يلفه بالتفاؤل والأمل و.. البراءة
الفزع بالذهبي واجه وكتمت صرخة كانت ستبتلع الهدوء من حولها.. يداه أحكمت عليها وهي ترفع وجهها لرماديته الصافية اليوم
العودة للعمل واستقرار والده جعله يعود للهدوء والسكينة والعسلية لينال جرعته منها
"ألم تعتادي على وجودي بعد!؟"
لهثت.. تراجعت لتفلت منه كعادتها لكن بلا فائدة، هو القوة، هو الإصرار، النصر وهي الهزيمة، الضعف والانكسار
الغريب أنه تركها، لا يحب مظهر المنشفة وهي تذكرت أول مرة لها معه
خلع ملابسه بصمت وتحرك للحمام، ترك جسده للمياه.. لماذا لم يذهب للبيت ويعود لها بوقت آخر؟
ما الذي يلزمه برؤيتها كل يوم؟ لم يفعل ذلك مع من سبقوها، بل لم يكن يفكر بهن كما يفكر بها
غضب من نفسه عند هذا المنعطف فأغلق المياه ولم يفكر بإذالة شعر ذقنه بعد يوم عمل احتاج كل تركيزه لإنهاء ما تعطل بالأيام السابقة
انتقت الوردي الطويل والذي لا يظهر من جسدها شيء سوى ذراعيها البيضاء وربطت شعرها ذيل حصان وتركت الغرفة لتضع الطعام
رأته يتبعها بقميص مفتوح الأزرار مختلف وبنطلون وبلا ربطة عنق أو جاكيت 
الدخان يتبعه كظله وشعره المبلل استقر للخلف براحة وعطره الفاخر لفه بهالة من الثراء، جذب المقعد وجلس وصوته الهادئ يجذبها
"ستصلك ملابس بالصباح، أعلم أنك لا تملكين شيء"
ارتفعت عيونها له ويدها معلقة بالأطباق وطريقته تشعرها بأنه يتصدق عليها، نفخ الدخان بعيدا والتقى بنظراتها الساخنة "أنت تعلم أني تركت كل شيء.."
التواء ضعيف بشفتيه منحها سخرية "يوم فررت من سعد والنصف الآخر يوم.."
ولم يكمل والتمعت عيونها بالخزي وهو يذكرها، الفندق والدعارة وليلة لن تنساها
صوت الأطباق على المائدة نم عن الغضب.. لن تستسلم للإهانة "يوم استغليت الأمر وأجبرتني على العرفي" 
لمعت عيونه.. انغلقت النظرات وابتعدت.. منحته ظهرها وجسدها يهتز تحت القميص الوردي.. منحنياتها تأخذه وأنوثتها تزدهر بجرأتها.. كيف عرفت لونه المفضل؟
شهقت عندما لمسها بجسده من الخلف ويده تتسرب بجوارها لتطفئ الموقد وذراعه الأخرى تلتف حولها بإحكام ورائحة التبغ تخترق أنفها وهمسه يصل لأذنها
"العرفي هو ما يمنحني إياك.. أريدك الآن"
حاولت أن تفلت نفسها وشفتيه تنحرك على عنقها "ومتى سينتهي كل هذا؟ أريد أن أرحل"
لم تعرف كيف لفها لتواجهه ولا كيف أحكم ذراعيه حولها حتى دفعت يداها بصدره لتبعده عنها بلا فائدة
"عندما تسددين الدين.. إنقاذك من ثلاث سنوات سجن دين ثقيل وعليك بسداده"
لم يهتم لمحاولاتها للابتعاد وهو ما زال يضع قبلات على وجنتها وهي تبعد وجهها، حتى اليوم وبعد أن نالها مرات كثيرة لم تستسلم له..
"يمكنني الرحيل دون أن تعرف"
قضمة بعنقها جعلتها تتأوه وكأنه يعاقبها على ما قالت "وأنا أترك الباب بلا قفل"
هو يعلم أن لا مكان لها سوى هنا.. يمنحها بيت واستقرار وحياة هي لا تملكها ولن تتخلى عنها
يمنح القط مفتاح الكرار لكنه يعلم أنه لن يترك سجنه
المقاومة تقل تحت تأثير لمساته "هذا القميص رائع، أحب هذا اللون"
العناد هو ما يقودها "لن أرتديه مرة أخرى، اتركني، الطعام سيبرد"
أسكتها بقبلة عميقة حاولت الفرار منها ولكنه يملك السيطرة وهو يدفعها للخلف مسقطا الأطباق من فوق المائدة لتتهشم على الأرض بلا اهتمام ورفعها عليها وهي تحاول التملص منه ولكن لا شيء سيوقفه عنها 
**** 
رفضت أي طبيب، لن تسمح لأحد بأن يراها هكذا
صفوان كان يعرف جيدا كيف يطمس جمالها، يؤلمها، يدمرها، يهينها كما أهانت تلك الليال والآن تنزوي بركن مظلم ترثي حالها وتبكي على نكبتها
"يا ابنتي الطبيب سيساعدك، أنت بالكاد ترفعين ذراعك"
انهارت على الوسادة التي تلونت بالأحمر من الدماء.. الدموع تكورت بعيونها والألم يصرخ من كل مكان حتى قلبها.. الدرس كان قاسي والسقوط دمرها والعقاب أنهاها عن آخرها وصاحب العصا تخلى عنها..
لا رنين بالجانب الآخر للهاتف، أغلق الخط ولا صاحب له
"لست بحاجة لأحد ماما، سأكون بخير، صفوان لو أراد موتي لفعل، هو أراد عقابي من أجل تلك.."
هندية أوقفتها بعصبية وغضب لم يمكنها إيقافه "كفى، ولا كلمة أخرى ألم تتعلمي مما حدث لك؟"
أغمضت عيونها على الدموع الرابضة بها وهندية لا ترحمها "الفتاة لم تفعل لك أي شيء لتنال منك كل تلك الكراهية"
معها كل الحق ولكنها تكذب على نفسها "هارون.."
أوقفتها مرة أخرى بنفس الحزم "هارون لم يراك سوى ابنتي، كلنا كنا نعلم أنه أرادها هي، هذا الجنون الذي برأسك لا أساس له سوى بأحلامك، انسيه يا مي، انسيه لأنك لو سقطت بطريقه أو طريق زوجته مرة أخرى فلن يرحمك ولن يقف من أجلي كما فعل بالأمس"
صرخت بانهيار "ليته لم يرحمني، ليته قتلني لكنت ارتحت مما أنا به، هو السبب، هو السبب بما وصلت له.. أنا انتهيت ولم أعد أرغب بالحياة، أريد أن أموت"
ولم يمكنها رفع يداها المضمدة كلها لتكتم شهقاتها ولا أن تحرك جسدها وهي تنهار وحتى هندية لم تستطع أن تلفها بذراعيها من جراح جسدها المنتشرة هنا وهناك
وانهارت أكثر وهي تذكر الثمن الذي دفعته للانتقام ولم تنال الانتقام بل الخزي والعار الذي ستعيش به لنهاية العمر
الانتقام يدمر ولكنه يدمر صاحبه أيضا
**** 
المطبخ مكان مفضل لها، تحبه وتسعد عندما تصنع أطعمة جيدة ولكنها تعترف أن طعام الطاهي الخاص بزوجها كان رائع.. ابتسمت وهي تضع أطباق الإفطار للرجال وما زالت تذكر ليلتهم معا..
الريس يعرف جيدا كيف يسعد امرأته وهي سعيدة، جسدها يتلون بالحيوية من لمساته وشفتاها تنبض باسمه وقبلاته ولا مرة كانت ترفض أن يأخذها بل كانت تلفه بذراعيها تخبره أنها ترغب به كما يريدها
هندية رحلت، عرفت من الرجال أنها أخذت ما يخصها ورحلت مع ابنتها المصابة.. لم يخبرها أحد ماذا فعل بها صفوان وهي لم تسأل
فتحت الباب الذي يطل على الحديقة ورأت سعد فأشارت له وبلحظة كان أمامها "صباح الخير يا باش مهندسة" 
ابتسمت له "صباح الخير سعد، الإفطار"
تحرك للداخل وهي تتبعه وتذكرت أحلام "ألا توجد أخبار عن أحلام؟"
الغضب ارتسم على ملامحه والأمر يثير جنونه لكن أوامر الريس واضحة "الريس أمر بألا أبحث عنها"
تراجعت وفتحت فمها لتتحدث لكنها أغلقته وهي تذكر أنه الريس ولا مجال لمراجعة أوامره "ذلك الكلب رشدي أغواها، أنا واثق أنه سبب كل ذلك"
رفعت وجهها له وقالت "أحلام ليست تلك الفتاة سعد كان عليك احتوائها فليس لها سواك"
لمعت عيونه بالغضب "رفضت الزواج من سيد، هذا كان الحل الوحيد لأرتاح من مشاكلها"
الغضب انتقل لها من كلماته وهي تتذكر كلمات أحلام عن الزواج من رجل لا تعرفه ولا تريده فهاجمته "تزوجها من رجل لا تعرفه ولا تريده؟ بأي زمن تعيش سعد؟"
شحب وجهه ولم ينسى تعنيف الريس له فأخفض وجهه وقال "هي صغيرة وبحاجة لرجل يحميها"
أنكرت بحزم "أحلام لم تحتاج لأي أحد بأي يوم، أنت من لم تعرف أختك جيدا ولم تحاول أن تتقرب منها وتكتسب صداقتها بدلا من أن تكون سبب بفرارها"
رفع وجهه لها ولكنها انتهت منه ولم تعجبها أفكاره فدفعت الصينية بالأطباق وقالت "خذ الطعام لك وللرجال"
هز رأسه مدركا أن أفكاره لم تلقى ترحابا لا من الريس ولا من زوجته ومع ذلك لم يعرف ماذا يمكنه أن يفعل لو عثر على أخته؟
النوم يليق بالريس، يزيده وسامة ويمنحه مكانة أعلى من الزعامة ولكن مكانة بقلبها وحدها.. الستائر كانت تخفي نور الصباح ولكنها تخفي أيضا الغرفة عن عيون الرجال 
رائحة الفانيليا تتسرب له وتوقظه من أحلامه والتي كانت مع الفانيليا أيضا، أصبحت معه بكل وقت ومكان
لفها بذراعه وهي تعيد غلق الستائر وخطف قبلة على عنقها مستمتعا بعطره المفضل "أحتاج قبلتك لأبدأ بها يومي صغيرتي"
ابتسمت والتفتت ملتفة بذراعين تعلم أنهما سيحمينها من العالم.. عالقة بعنقه منحته أجمل قبلة فهو يعشقها عندما تقبله.. تشبع غروره كرجل
البداية لها والنهاية للريس وبالفراش رغما عن جراحه التي نساها بالأساس، صفوان يعتني به جيدا
انتهى بقبلة على عنقها تماما كما بدأ "ملاكي بخير؟"
وضعت قبلة على وجنته الخشنة وهو يفلتها جالسا على طرف الفراش "ملاكك بخير طالما أنت بخير يا ريس"
لف وجهه لها فضحكت، لا يحب كلمة الريس منها وهي تحب مداعبته 
"أحب تلك النظرة بعيونك، ترضي غروري"
دفع راحته على وجنتها لعنقها ومال تجاها وما زالت تبتسم "المرة القادمة سأرضي غرورك بعقاب"
وطحن شفتاها بشفتيه حتى تأوهت من ضياع أنفاسها فأفلتها دون أن يبعدها وهي تلهث "الريس غاضب"
أفلتها فضحكت مرة أخرى ولكنها أمسكت راحته فارتد لها وهي تجذب راحته لفمها وتقبلها "أحبك وأنت غاضب هارون"
أغمض عيونه يستمتع بالكلمات فهي له، جلست بعكس جلسته، ملتفة بالغطاء وجهها يواجه وجهه ومررت يدها على أكتافه العريضة، ففتح عيونه التي تلمع لها ببريق خاص بصغيرته، ملاكه، حبيبته
"أحبك بكل حالاتك هارون"
أبعد خصلاتها المتناثرة للخلف ومرر أصابعه على وجنتها متسائلا "متى سأستيقظ من الحلم؟"
تستمتع بملمس عضلاته.. قوته.. وسامته، ظلت يدها على صدره مستقرة على قلبه "ليس حلم هارون، أنت من أخبرني أننا بالواقع وأنني زوجتك ومعك ولن أكون سوى معك، حتى وأنا أنتظر الموت كنت معي واثقة أنك ستجدني وتنقذني أو أموت لكن لا أعيش بدون وجودك معي"
جذبها له بقوة حبه لها، حبه الذي لم يصرح به بالكلمات لكن كل نفس من أنفاسه كان ينطق بالحب، كل نظرة عين، لمسة يد تعني أحبك ملاكي
"لم تكن حياة تلك التي عشتها وأنا أظن أني لن أنالك بيوم"
أغمضت عيونها مستمتعة بضمة ذراعيه ودقات قلبه "أنا لك من أول نظرة هارون، الصغيرة سقطت بحبك وهي لم تكن تعلم معنى الحب بعد"
أبعدها ولف وجهها براحتيه ونظراته تحتوي جمال ملامحها، نظرة الحب بعيونها تمنحه الحياة "وقتها ظننت أني قتلتك وعشت بالذنب حتى وأنت تكبرين أمامي كنت أنتظر اليوم الذي ستطالبين بحقك ممن كاد يقتلك"
ظل وجهها بين راحتيه مستمتعا بلمسته، راضية بقربه ووجوده معها "أو أسدد ديني لمن منحني حياة لم أكن لأنالها لو لم أسقط بين ذراعيه"
ابتسم وهي تمنحه راحة الضمير "هذا يعني تعادل؟"
ابتسامتها تريح قلبه "هذا يعني أني مدينة بالكثير وعليك بالسداد بألا تتركني وحدي كثيرا حتى ولو كنت الريس ولا أقبل بالتقسيط بالسداد"
ضحك وقبلة رقيقة على شفتيها أنهت الجملة "حقك.. لدينا حفل الليلة"
نهض جاذبا بنطلونه وهي تبحث عن ملابسها وتتحمس لكلماته "قلت لدينا"
تحرك للطعام وجلس وهي تبعته والفضول يملأ نظراتها وهو يستمتع بالطعام "هندية لا غبار عليها لكن طعامك به مذاق خاص لا أشبع منه"
الصبر ليس من صفاتها "هارون ماذا عن الحفل؟"
تناول الطعام مستمتعا بالفضول الواضح عليها "ماذا عنه ملاكي؟"
جذبت الصينية من أمامه ونهضت بها والغضب يلتهمها "لا شيء"
ضحك بقوة وهو يتبعها ليوقفها قبل أن تخرج من الغرفة "يا مجنونة انتظري"
التفتت والأطباق تكاد تسقط "تلك المجنونة لن ترى منها شيء"
عاد للضحك وهي تزداد غضب وكادت تتحرك لولا يده التي أوقفتها وهو يحاول وقف الضحك "حسنا، حسنا، هو حفل بالفندق بمناسبة افتتاح الجزء الجديد به وبالطبع زوجتي لابد أن تكون بجواري"
للحظة استوعبت ما يقوله وهو يجذب منها الطعام ويعيده لمكانه ثم عاد لها وأحاطها بيداه ونظرات التساؤل بعيونها "ليال أنا لست رجل مظاهر اجتماعية أو تلك الأمور، لم أعرفها أو أهتم بها لكن بزواجنا أصبحت أرغب بوجودك معي بكل مكان"
ابتسمت بعد الغضب ولاحت الراحة بسوداء عيونها "من تحدث عن المظاهر الاجتماعية؟ أنا كنت عاملة بمطبخ يا ريس"
حامت سحابة قاتمة على ملامحه لغضبه من نفسه لتلك المرحلة بحياتها "الريس نادم على تلك المرحلة فهل ننساها؟"
منحته موافقة برأسها فوضع قبلة على جبينها "هل نكمل الطعام؟ أنا حقا جائع؟"
ضمها له وهما يعودان للطعام..
**** 
ظلت أسما أمام ملابسها ساعة كاملة تبحث عما يمكن أن ترتديه الليلة.. مديرها أخبرها أن زيد اعتذر عن العمل الليلة لمرض والدتها وعليها أن تحل محله مع كريم
كيف يمكنها أن تفعل وليس لديها ما يناسب المكان الذي ستعمل به!؟
دقات على الباب جعلتها تفزع.. ليس والدها.. ما زال وقته بعيد 
دقات أخرى فأسرعت لترى جودي ابنة جارتهم الصغيرة تبتسم لها ببراءتها المعتادة "ماما تريد بعض الشاي والسكر"
لكم تبادلوا الأشياء عندما تملك وهي لا تتراجع عن مساعدة أحد فكم يساندونها عندما يعصف بها جنون والدها لحظة الرغبة بالمال لشراء الخمر..
"حاضر، هل أختك هبة موجودة؟"
كانت تأتي لها بالأشياء والفتاة تتبعها "نعم"
ابتسمت لها والفكرة ارتفعت لعقلها ولم تتردد "حسنا سأذهب معك، أريدها"
التفت بالفستان الأزرق القاتم أمام المرآة وبدت سعيدة بنفسها "رائع يا أسما ومناسب لك جدا ولدي الحذاء والحقيبة"
التفتت لجارتها التي كانت صديقة رائعة طوال حياتها وبعد عدة أيام ستزف لخطيبها وتسافر معه لدبي حيث يعمل هناك "لا أعرف كيف أشكرك هبة، أنت منقذتي"
احتضنتها بامتنان وهبة تربت عليها "احتفظي به كذكرى مني كي لا تنسيني بعد رحيلي"
ابتعدت والحزن يلفها "لا يمكن أن أنساك أبدا، أتمنى لك كل السعادة"
أخذت حمام سريع وجففت شعرها وعادت ترتدي الفستان وتركت شعرها القصير يلف وجهها بشكل بسيط، لمسة من الماكياج جعلتها تشرق بعيونها الرمادية تكاد تشبه عيون جامد الملامح لكن أكثر إشراقا منه وشفتان تألقا بلون قاتم أظهر نضارة بشرتها
ولم تنتظر أكثر خوفا من أن يوقفها والدها ويمزق جمال اليوم قبل أن يبدأ
عندما وصلت كان الوقت مقارب للحفل، المكان كان مبهر حقا والعيون التفتت لها وهي متألقة بالكعب العالي وحقيبة جهازها معلقة على كتفها 
الفندق جديد ونال إعجاب الكثيرين، صاحبه أقام تجديدات عالية به واليوم افتتاح الجزء الجديد..
تلقاها المدير بابتسامة عملية ليرشدها للقاعة التي سيقام بها الحفل ومكانها المعد على الأجهزة والنظام الإلكتروني للفندق وكل شيء، زيد كان المختص بمتابعة السيستم الخاص بالفندق منتدب من الشركة وغيابه منحها فرصة لتأتي وترى عالم لم تراه من قبل
عالم الثراء..
حتى لو ستنال فرصتها لرؤية هذا العالم ولو مرة واحدة ولتعود لعالمها السفلي مع والدها المدمن والفقر الملاصق لهم
**** 
لأول مرة لم تنم بعد أن انتهى منها، بالمطبخ نالها بهمجية فوق المائدة وما أن انتهوا من الطعام جذبها للغرفة مرة أخرى، ألا يتوقف؟
تابعته وهو يتحرك للحمام حتى أغلق الباب فنهضت وارتدت قميص آخر غير الوردي فلن ترتدي هذا اللون مرة أخرى، أعادت ترتيب شعرها حتى رأته يخرج
لن يبقى.. هو أخبرها أنه لا يقيم هنا.. ملابسه المرتبة كانت وجهته، لو كانت كل تلك الملابس هنا فكيف تلك التي ببيته؟
الحمام كان سريع، خرجت ببجامة صفراء بشورت قصير وتركت شعرها مبلل، كان قد انتهى وعطره فاح بالغرفة وبدا أنيقا جدا بدرجة ملفتة
اصطنعت اللامبالاة وهي تتحرك للمرآة لتمشط شعرها ولا تعلم لماذا يأخذها الفضول "لم تخبرني عن العمل الذي طلبته؟"
أشعل السيجارة وجذب الهاتف لجيبه "وفرت لك واحدة بشركة.. ستبدئين من بعد الغد"
ورفع عيونه لها واختنقت من الرماد الذي تطاير لها بنظرة لم تفهمها "لا تعامل مع الإدارة، تعاملك مع هدى هي تعرف ماذا ستفعل معك"
احتقن وجهها وهي لا تفهم كلماته وهو يجذب أكمام قميصه ليضع الأزرار الفضية وهي لم تتركه "لا أفهم، ما هو عملي بالضبط وأي إدارة التي لا أتعامل معها؟"
انتهى وأغلق الجاكيت وكم بدا وسيما.. لماذا أنت وسيما جدا هكذا؟ لماذا لست قبيحا لأكرهك أكثر وأكثر؟
انتهت المسافة بينهم ولفها الرماد مرة أخرى قاتما، مخيفا، فارغا من أي معاني "ستعرفين عملك عندما تذهبين، الإدارة تعني المدراء والرؤساء"
وتحرك ليبتعد ولكنها لم تقنع بالقليل "يمكنني الحصول على شقة قريبة"
ضاقت الرمادية وهي تعود لها وأيضا لا معاني، جمود عرفه وأعجبه وسكن دواخله "كما تشائين ولكن تكوني هنا كل مساء قبل السادسة وعندما ننتهي يمكنك الذهاب"
تحرك وعند الباب تلقى شيء على ظهره فالتفت ليراها وسادة، هل حقا قذفته بالوسادة؟
"ماذا تظنني أيها الجبان؟ أنا لست عاهرة بأجر إنه أنت من استغل أزمتي.. أنت الندل والوحش"
لم يهتم بالوسادة التي على الأرض ولا بكلماتها ونظراته انغلقت أكثر والظلام عشش بها "أنت من لا يقبل الاحترام، أمنحك شقة وإقامة مجانية وأنت من تبحثين عن الإهانة فافعلي ما تشائين ولكني لست سعد لتفري مني ولا أجدك، سددي دينك ووقتها لن أحتاجك بشيء"
وتركها وخرج وهي تهرع خلفه غير قانعة بكلماته "أخبرني إذن متى ينتهي هذا الدين؟"
توقفت يده على الباب وهو يعلم أن بإمكانها الرحيل كما قالت من قبل لكن يعرف كيف يعيدها، لم يلتفت لها ليمنحها مواجهة بالعيون "أنا من يقرر متى ينتهي فأنا من سددت"
وفتح الباب وخرج مغلقا إياه خلفه وهي تصرخ بقوة "أكرهك، أكرهك"
وسمعها وأدرك أنها بالفعل تكرهه، كيف لا تكرهه وهو استغل ضعفها لتحقيق غايته وإشباع شهوته!؟
دخل سيارته وظل ممسكا بعجلة القيادة وقت دون أن يدير المحرك وظل ثابتا بمكانه وأسئلة تتوالى برأسه أولها
إلى متى ستظل تحيا هكذا؟
وآخرها.. نفس السؤال، متى سينتهي الدين؟
وبدون أي إجابات أدار السيارة ورحل للحفل الذي دعاه له شريكه.. الريس 
هارون الديب
**** 
عندما فتح لها أنس باب السيارة نزلت وقالت "لا تعاملني هكذا"
أغلق الباب وتابعها وهي تتحرك لزوجها أمام باب الفندق وأنس يجيب قبل أن يصلوا "عليك بالقبول زوجة أخي"
نظرت له بتساؤل ولم تسمح لها الظروف لرؤيته بعد ما كان مع مي "هل أنت بخير؟"
عيونه كانت تتجول حوله كرجل حراسة "بأفضل حال، شفيت من الوهم"
يد زوجها انتزعتها من متابعة أنس، هل حقا كان وهم؟ هي أيضا فكرت كذلك فلو أحب مي لما تركها لصفوان..
"صفوان الجناح"
صوت زوجها الآمر جعلها تدرك أين هما والفندق بدا بأفضل حالاته باستقبال صاحبه.. الجميع توقف منتبهين لدخوله وسط رجاله وزوجته بذراعه والوقت ما زال مبكرا.. 
كان عليه متابعة بعض الأمور قبل الحفل فاقترحت عليه الذهاب مبكرا والانتهاء بعمله ثم الاستعداد بغرفة بالفندق
لكنه كان جناح.. جناح الزعيم وزوجته
لم يكد يتحرك بها خطوات ببهو الاستقبال وهي تتأمل المكان بانبهار مبدية إعجابها بكل شيء وهو يقدمها لشوقي، المدير، وبعض العاملين حتى أسرع أحدهم نحو المدير هامسا له بكلمات جعلته يرتبك ولا شيء يخفى على الريس 
"ماذا حدث؟"
النبرة الحازمة أربكت شوقي وجعلته يعتدل بكل حواسه "عطل بالسيستم يا ريس أدي لخطأ جسيم بتسكين الأفواج"
حاسة الزعيم ارتفعت، الخطأ غير مقبول اليوم فهل هو مقصود؟ 
"وأين المختصين؟"
"على وصول"
ارتفعت حاسة العمل لديها، هوسها، موهبتها "هل يمكنني المساعدة هارون؟"
ضاقت عيونه عليها وهو يتذكر عملها، دراستها، خلافه مع نفسه، مهندسة الكترونيات.. أوقف كل جنون داخله من رغبته بإيقافها عن ذاتها، حلمها، لمعان عيونها الآن وهي تتحدث عن شغفها
كأنه يغار من عشقها لهذا الشيء الجامد المسمى حاسب آلي، أوقف جنونك يا ريس ولا تصنع من نفسك مسخرة الجميع، لن تغار من جماد ولن تنزع عنها حلمها
أومأ برأسه "الباش مهندسة يمكنها المساعدة شوقي، أنس"
السعادة التي امتلكتها جعلته سعيد لأنه أسعدها لكن شيطانه الناعس داخله كان يوسوس له، ماذا لو أرادت تلك الحياة؟ ماذا لو أرادت ترك عالمك لأجله؟ 
ترك السفلي لما منحته أنت لها؟ القمة..
صوت صفوان أوقف شيطانه المارق، لعين متلاعب لكنه يعرف كيف يهزمه "خشيت ألا تتركها"
لم ينظر له وعيونه تلتصق بظهرها الذي يرحل مبتعدا وأنس يرافقها كظل ثاني لها بل يسبق ظلها الأصلي "تراني أناني هكذا؟"
اختفت مع شوقي وأنس بالغرفة المخصصة وصفوان يدرك مغزى الرد "أراك الزعيم الذي يعرف كيف يحسن معاملة الكل وأولهم امرأتك"
التفت له فأكمل صفوان "فخور أني أعمل معك يا ريس"
لم يرد والموظفين يتحركون له بانتظار أوامره بالقادم 
**** 
مكتبه بالفندق هو المكان الوحيد الذي يرتاح به.. بعيدا عن التقيد بربطة عنق وجاكيت، هنا يتحرر
كان يتحدث بالهاتف عندما رآها تدخل مكتبه وشوقي يتبعها وهي تتأمل المكتب الرائع من حولها، كل شيء حولك رائع يا ريس، بسيط ولكن أنيق وجميل كما هو أنت حبيبي، بسيط وقوي، جميل وحازم 
أنهى محادثته وانتبه لشوقي الذي انتظره حتى أنهي الهاتف "انتهينا يا ريس، الباش مهندسة حلت المشكلة، لو ظلت معنا لن نحتاج للشركة المختصة"
جذبها الجدار الزجاجي فأسرعت له كالطفلة المنبهرة به وهي ترى الملهى أمامها وبعض الموجودين يجلسون، ما زال الوقت مبكر للازدحام 
"تمام، هل انتهت التجهيزات؟"
"نعم يا ريس كل شيء يسير حسب تعليماتك، هل تأمر بالغداء؟"
غرقت بمتابعة الملهي الليلي خلف الزجاج وهو تابع شوقي "بعد ساعة بالجناح، اتركنا"
غلق الباب لم يعيدها من أفكارها عن الرجل الذي تزوجته، يملك فندق واثنان وربما أكثر.. مجموعة المجد للإلكترونيات وغيرها من الشركات التي لا تعرفها..
رجل بمثل هذا الثراء ويقيم ببيت بسيط وسط عائلة كلها من رجاله بلا أي وسائل الثراء المعروفة
من أنت حبيبي؟
قبلته المعتادة على عنقها جعلتها تعود لدنياه وهي تلتفت لتسقط بين ذراعيه وترفع وجهها له وهو يمنحها كل اهتمامه.. الفانيليا إدمان
"من أنت؟"
لم يتفاجأ من السؤال لكنه يبحث عن الإجابة والصراحة هي كل ما يملكه "يتيم فر من الملجأ ليسقط بعالم الإجرام والرذيلة حتى بحث عن النور محاولا النجاة"
ترتفع على أصابع قدميها لتحيطه بذراعيها ويلفها بذراعه بلذة ومتعة لأنها لا تفر من حقيقته "وكل تلك الأملاك!؟"
ظلت الزرقاء ثابتة على سوداء عيونها "بأموال حلال.. الكبير كان يجزل لي العطاء نظير حمايته ونجاته ومن تلك الأموال صنعت نفسي بعد استقلالي عنه"
داعبت مؤخرة رأسه ولم تفكر بالخروج من أحضانه فهي كل ما أرادت وتمنت "المجد مجموعة لا مثيل لها"
وضع قبلة على وجنتها والذكرى ترتد له "ستكون لك لو أشرت بإصبعك"
أغمضت عيونها من أنفاسه الدافئة وقبلاته المثيرة "أنا لا أريد سواك"
"وأنا لك صغيرتي"
قبلة طويلة رحلا بها عن الواقع حتى أبعدها دون رغبة "أنت تثيرين جنوني ملاكي"
ضحكت وهي تتملص منه "أعلم"
ابتسم دافعا يده بخصلاته معيدا إياها للخلف وهي تتحرك لمكتبه وتستقر بمقعده بمرح طفلة سعيدة بلعبة حصلت عليها أخيرا
"هذا المقعد كبير جدا هارون"
جلس أمامها وهي تلف بمقعده حول نفسها مستمتعة بالدفء الذي تركه عليه وعطره الملتصق به يحتضنها 
"ألا يناسبني صغيرتي؟"
ضحكت فضحك قلبه وعقله والعالم كله من حوله..
"يناسب الريس، هنا مقر عملك؟"
ارتاح بالمقعد وهو يتابع سعادتها "بالليل وهو مكاني المفضل، لم تخبريني عن العطل بالخارج"
عبثت بالأشياء على المكتب بلا جدية "لا شيء، خطأ بسيط لا تقلق" 
عد لقفصك أيها الشيطان اللعين، امرأتي لي ولن تكون لسواي
قطع الحديث دقات على الباب جعلته يأذن وصفوان يتحرك للداخل وتراجع لرؤيتها بمكان الريس وهارون يتابع نظراته "ما رأيك صفوان، هل نمنحها مقعد يناسب حجمها بدلا مني؟"
صفوان لا يمزح أبدا "لا أحد يصلح ليكون بديلا عنك يا ريس"
ضحكت بمرح والريس يعود لها مستمتعا برنين ضحكتها وهي تشع ببريق يمتعه أكثر "ربما بيوم ما تكون هي بديل عني صفوان وأعلم أنها ستكون الأفضل"
انعقد حاجبي صفوان ورغب بالاعتراض ولكنها سبقته "لا أحد أفضل من هارون الديب"
صدق صفوان على كلماتها "هذا صحيح، السيد مالك أرسل باقي المعدات"
تجاوز ما كان "حسنا لتجعل شوقي يشرف عليها، هل تأكدت من كل شيء؟"
"نعم، بعد التعديل الذي أدخلته ليال كان لابد من مراجعة كل شيء"
لف وجهه لها والجدية ارتسمت على ملامحه فتورد وجهها وهي لم ترغب بمنح الأمر أكثر من اللازم "كان حل بسيط هارون فالأمر لم يكن خطر"
لكن صفوان كان له رأي آخر "بل خطر ليال، النظام كله انهار هارون وبدا أن هناك هكر أو شيء من هذا القبيل وهي تعاملت مع الأمر وتجنبت الخسائر ووضعت بدائل سريعة، كان عليك إخباره ليال، الأمر خطر هارون"
التمعت نظراته ببريق يعرفه صفوان، العبث بما يخصه لم يبدأ اليوم بل هو يعاني منه منذ تزوج ليال والآن يرتد مرة أخرى له وتدمير سيستم فندق كهذا والتلاعب به يؤدي لخسائر فادحة  
نهض تجاها وهي ترى تبدل ملامحه "كان عليك إخباري ليال، افحصي جهازي"
حدقت بوجهه بلا فهم وهو يعبث بجهازه متوقعا الكثير من الخطر الذي قد يصيبه لو تمكن الهكر من جهازه

تعليقات



<>