روايةنبضات لاتعرف المستحيل الفصل السادس6بقلم اميرة احمد
في المساء، اجتمعوا جميعا في إحدي المقاهي المطلة علي البحر.... جلسوا في دائرة يتبادلون اطراف الحديث، و يلعبون بعض الألعاب حين انقطع التيار الكهربائي فجاءة و ساد الظلام المكان. عم المكان الهدوء سوي من أصوات الأمواج المتلاطمة.... شعرت جميلة بيد قوية تمسك بيديها وصوت مالك الرخيم يهمس في اذنها: متخافيش يا جميلة انا جنبك.
شعرت بالطمأنينة تنبعث في نفسها من جديد، بل لم يعد يخيفها الظلام المحيط بها و تنهدت في طمأنينة.
بينما مال فارس علي اذن حياة وهمس: بتخافي من الضلمة؟
اجابت بصوت مرتعد: شوية.
همس بصوت دافئ مطمئنا إياها: ايه اللي بيخوفك في الضلمة؟
تنهدت وهي تقول: المجهول... إحساس اني مش عارفة ايه اللي حواليا.. مش شايفاه.
ابتسم فارس: بس انتي عارفة كويس مين اللي حواليكي... غمضي عينك كده.... انتي عارفة كويس انا قاعد فين صح.
اغمضت عيناها و همست: همممم
استكمل حديثة و هو مغمض العينين مثلها تماما: عارفة ان يوسف قاعد جنبك الناحية التانية صح، و لارا جنبه.... انتي عارفة كويس كل واحد فينا قاعد فين حواليكي صح.
اومأت رأسها بحركة لا ارادية و همست: اه
لازال مغمض العينين، يميل برأسه ناحيه اذنها و يهمس: يعني انتي شايفانا كويس و انتي مغمضة عنيكي.
اتسعت ابتسامتها وهمست: دلوقتي عارفة كويس كل واحد فين.
همس من جديد: افتحي عنيكي... هتحسي ان الظلام اقل و انك شايفانا بوضوح اكتر.
فتحت حياة عينيها من جديد، وشعرت فعلا ان رؤيتها أوضح، بينما فارس فتح عينيه و نظر اليها بعينين لامعتين انارهما ضوء القمر: اطمنتي كده شوية؟
اتسعت ابتسامته واومأت رأسها بإيجاب.
بينما اقترب يوسف من لارا ووضع يده خلف ظهرها و هو يهمس في اذنها: انتي مش خايفة صح.
همست له: لا يا حبيبي مش خايفة و انت جنبي.
لحظات و سمع الجميع حنين تصرخ: ابعد عني.
انتفض مالك من مكانه و تحسس خطاه حتي اقترب من شادي يجره بعيد عن حنين، دفعه مالك ارضا: ايه يا بني بقي مش هتعقل.
انت بتدخل ليه أصلا....، قالها شادي وهو يحاول ان يقف من جديد وينظف ملابسه من الرمال.
هنا تدخل يوسف: انت عارف يا شادي حنين زي اختنا كلنا... بعدين هو الحب بالعافية يا اخي.
اقترب شادي من يوسف وصرخ في وجهه: لا مش بالعافية... بس هي بتحبني.
ربت مالك علي كتفه محذرا: متلمسهاش تاني يا شادي.... علشان انا مش هراعي أي صداقة بينا و انا اللي هاقفلك.
نظر له شادي بتحدي وصاح: خليك في حالك يا مالك.
تدخل يوسف مبعدا شادي عن مالك: ارجع يا شادي الفندق دلوقتي... مش ناقصة فضايح والناس تتفرج علينا.
تدخل أنس: يا جماعة اللي بيحصل ده عيب.... روح يا شادي ولما نرجع نتكلم.
بينما التفت الفتيات حول حنين يحاولوا تهدئتها بعد ان اصابتها نوبة هلع.
------------------------
في الصباح... بينما ساد التوتر بين شادي والشباب.. فضل شادي الابتعاد عنهم وجلس وحيدا... كانت حياة تتمشي علي الشاطئ عندما تعثرت قدماها في إحدى الأحجار و التفت ساقيها حول نفسها و سقطت.... كان فارس يجلس بالقرب منها علي الشاطئ يقرأ في كتاب حين لفت نظره صرختها المكتومة و شاهد سقوطها... اسرع إليها و جلس إلي جوارها علي الرمال: انتي كويسة؟ ايه حصلك؟
همست حياة بألم: اتكعبلت ووقعت... رجلي بتوجعني أوي.
هتف فارس في قلق ملحوظ: طيب قادرة تحركيها؟ تقدري تقفي عليها؟
تألمت حياة: أعتقد مش كسر... بس بتوجعني أوي.
همس فارس بتردد: طيب ممكن أشوفها...
ترددت حياة و هتفت في خجل: انا كويسة الحمد لله.
لم يمهلها فارس وقت للتفكير بل هتف في قلق: مش وقت كسوف... لازم اشوفها علشان لو في كسر او شرخ.
مدت حياة قدمها بخجل، تحسسها فارس بأنامله فانكمشت ملامح حياة في ألم، همس لها فارس: اسف لو وجعتك... متقلقيش شكلها التواء بس.
شعر كلاهما بخيال طويل يحجب عنهم ضوء الشمس الساطع، التفت فارس فوجد يوسف يقف خلفه عاقدا ذراعيه، رافعا حاجبه وهتف في ضيق: هو في ايه؟
حاول فارس ان يبدو على ملامحه الهدوء وهتف: حياة اتكعبلت و وقعت لوت رجليها، و انا كنت باكشف عليها.
رفع يوسف حاجبه وهتف بسخرية: بتكشف عليها.... بس انا أعرف أنك دكتور قلب.... ولا هي حياة قلبها وقع في رجليها؟
نظر له فارس مطولا، حاول ان يتمالك أعصابه: أعتقد ان مش من المروءة أني اشوفها واقعة وتعبانة و اسيبها، خصوصا ان مفيش دكتور في الفندق.... عمتا ساعدها وسندها لاوضتها لانها مش هينفع تدوس علي رجلها علي ما اروح اجيب رباط ضاغط علشان الف رجلها بيه.
قال فارس كلماته و هو يقوم من جانب حياة، ولم ينتظر ردا من يوسف... بينما أقترب يوسف من حياة و حملها بين ذراعيه و توجه بها إلي غرفتها، كانت حياة قد بدأت تبكي من شدة الألم، لحظات و دق فارس الباب، سمح له يوسف بالدخول... اقترب فارس من حياة نظر لها بحنان، و التف لينظر إلي يوسف: ممكن أربطلها رجليها؟
لم يعقب يوسف، بل ابتعد قليلا عن حياة ليفسح المجال لفارس ليعتني بما أصابها، لحظات مرت علي حياة كانت ترتجف من شدة الألم، و ينتفض جسدها خجلا من لمسات فارس التي كانت رقيقة، طالعته حياة و هو منهمك في عمله يبدو عليه الجدية و التركيز، انتهي فارس و ناول حياة بعض الأدوية: انا جبتلك مسكن قوي، تاخديه كل 8 ساعات، و المرهم ده محتاجة تدهني بيه رجلك مرتين في اليوم و ترجعي تلفيها تاني.
لم ترد عليه حياة، فقد كانت في حالة من الخجل افقدتها صوتها، بل هزت رأسها بإيجاب، نظر فارس إلي يوسف الواقف خلفه: انت هتفضل واقف كده و هي بتعيط من الوجع، ممكن تجيبلها كوباية ماية تاخد المسكن.
زفر يوسف زفرة حارة، لكن لارا تداركت الموقف وهتفت: انا هاجيبلها الماية حالا.... ناولت لارا كوب الماء لحياة وهي تجلس الي جوارها علي طرف السرير: هتبقي كويسة ان شاء الله يا حياة.... حاولي ترتاحي لحد بالليل وان شاء الله تبقي أحسن.
نظر لها فارس بحنان وهمس: سلامتك... ثم قام متجها نحو الباب، بينما صاح يوسف في حياة حين خرج فارس: هو في ايه؟ من يومين تخرجوا تتعشوا سوا، و النهاردة اجي الاقيه بيدلكلك رجلك؟ هو انا بالنسبالك مش موجود خالص... مفيش احترام ليا....
اقتربت منه لارا وربتت على كتفه في محاولة لامتصاص غضبه و همست: يوسف مفيش داعي للكلام ده.
فرت دمعة هاربة من عيني حياة من قسوة كلمات يوسف وهمست بألم: اعتقد انك عارف أخلاقي كويس ... اعتبر فارس صديق ليا... انا لما اتعشيت معاه اخدت اذن بابا و اذنك قبل ما أوافق... و النهاردة اظن انت شوفت انا بتألم قد ايه.... من فضلك يا يوسف اتفضل علشان انا عاوزة انام.
خرج يوسف من الغرفة وتبعته لارا، امسكت يده بحنان ونظرت إليه بعتاب وهمست: ليه عملت كده يا يوسف.... واضح انهم معجبين ببعض.
نظر لها يوسف بضيق: انا عارف.... بس دي اختي.
همست له: اختك يبقي تفرحلها انها تلاقي الانسان اللي يحبها وتحبه... كفاية اللي بيحصل معانا.
أطلق يوسف تنهيدة حارة: مش عارف بقي بس انا غيرت عليها لما لقيته ماسك رجليها كده.
زادت لارا الضغط علي كف يوسف وهمست: صالحها يا حبيبي علشان هي مش بتعمل حاجة غلط.
حرك يوسف رأسه بموافقة: هاسيبها ترتاح شوية واصالحها.
------------------------
في الليل بين الظلام الدامس، جلس مالك علي الرمال امام البحر في هدوء وعيناه في شرود تام، حتى انه لم يشعر بجميلة حين جلست الي جواره في هدوء..... ابتسمت له بحنان وهمست: تعرف ان في اغنية قديمة باسمك؟
نظر لها باستغراب: باسمي انا؟!
ضحكت وعيناها معلقتان عليه، تكاد تنطق عياناها بحبه و دندنت: حبيبي ...يا مالك قلبي بالهوي... خدني معاك خدني... خدني للهوا....
. اتسعت ابتسامته وهمس: عارفها.... ماما الله يرحمها كانت بتغنيهالي وانا صغير.
امسكت جميلة بهاتفها، وانبعثت نغمات الاغنية من الهاتف.
نظر مالك إلي البحر امامه ولازالت الابتسامة تعلو وجهه، قامت جميلة من مكانها وقفت امامه وفردت ذراعيها في الهواء واخذت تدور حول نفسها وتتمايل علي نغمات الاغنية، بينما الهواء يعبث بخصلات شعرها المفرودة بعشوائية محببة علي ظهرها..... لم يستطع مالك ان يبعد عينيه عنها وهي تتمايل امامه كفراشة جميلة تتنقل بين الورود وهي تهمس له من الحين للأخر مع كلمات الاغنية بلفظ حبيبي.... ربما رائحة اليود المنبعثة من البحر جعلته يفقد السيطرة علي اعصابه.... ام تمايل جميلة امامه كلوحة فنية، فتاة فاتحة ذراعيها وشعرها الغجري يتطاير حول وجهها و البحر من خلفها و قدميها الحافيتين تثير الرمال في وجهه بحركتها.... مدت جميله يدها إليه، فاخذ بيديها، وقف الي جوارها يرقص معها رافعا يد واحدة ليلفها حول نفسها في رشاقة و هو ممسكا بيدها.... لم يشعر مالك بالوقت وهو يراقص جميلة، لكن من المؤكد ان الأغنية اشتغلت أكثر من مرة، كانت تشعر جميلة كأنها في حلم جميل لا تريد ان تستيقظ منه.... لكن يبدو ان الاحلام لا تدوم طويلا.... تعثرت جميلة في دورانها وسقطت بين ذراعي مالك.... توترت واخذت تلاحق أنفاسها التي فقدتها منذ ان سقطت بين ذراعيه.... كانت تشعر ان دقات قلبها مسموعة له .... اما هو فكان يحاول السيطرة على نفسه من قربها المهلك له، لكن دون جدوى.... أغمض عينيه وهو يستنشق عبيرها الزاكي، ويلامسه وجهه خصلات شعرها الهاربة من نسمات الهواء.... حاول مالك السيطرة على نفسه فابعدها عنه وهو يجاهد صوته ليخرج من حلقه فهمس: الوقت اتأخر هاطلع انام... أشوفك الصبح.
ابتعد مالك وتركها خلفه تقف بشرود.
--------------------------------------
وجدت حنين طرقات خفيفا على باب غرفتها... وضعت حجابها بشكل مهمل فوق رأسها ظنا منها ان الطارق هي جميلة وقد نسيت مفتاح الغرفة كالعادة..... فتحت الباب وهي تتحامي بجسدها خلفه، حيث انها ترتدي قميص نومها القطني المريح.... ما ان فتحت الباب حتى دفعها شادي الي الداخل و اغلق الباب... صرخت به: شادي انت بتعمل ايه هنا... اخرج بسرعة.. لكنه حاصرها بذراعيه خلف الباب واقترب منها حتى لفح لهيب أنفاسه الساخن وجهها و همس: انتي مش هتتجوزي حد تاني يا حنين.... انتي فاهمة.
دفعته بعيدا وهي تصرخ: اخرج حالا بدل ما ألم عليك الناس.
ابتسم والشرار يخرج من عينيه: الناس اللي هتلميها هاقولها إنك انتي اللي دخلتيني هنا بمزاجك.
اتسعت عيناها وارتجفت وهي تحاول ان تغطي جسدها بيديها حيث كانت نظراته اللاهثة تلتهمها وصاحت: اخرج يا شادي، جميلة هتيجي دلوقتي.
ضحك وهو يقترب منها أكثر ويحكم قبضته عليها: جميلة مش هترجع دلوقتي... لسة شايفها علي البحر مع مالك.
تهجم عليها وأخذ يقبلها بعنف، بينما هي تتلوي صارخة بين ذراعيه: ابعد يا شادي... انت اتجننت.
صرخ وهو يدفعها على الفراش وينقض عليها: انت مش هتكوني لراجل تاني... هتكوني ليا حتي لو غصب عنك..... انا بحبك يا حنين.
صرخت من بين دموعها: سيبني يا شادي وانا مش هاتجوز عمر.
صفعها علي وجهها بقوة وصاح: متنطقيش الأسم ده قدامي.
لم يستمع الي صراخها، وكأنها لا توجه كلماتها اليه.... كانت تعميه رغبته في تملكها... فلم يعد يدرك ما يدور حوله... بل انقض عليه ممسكا بقميصها القطني ممزقا إياه نصفين كاشفا عن جسدها... على صراخها وهي تحاول ان تقاومه بكل ما اوتيت من قوة، لكن هيهات بين جسدها الضئيل و جسده الضخم... كانت تتألم، تشعر ان كل ما حولها ليس حقيقي، بل إحدي كوابيسها التي تأتيها كل ليلة، شعرت في لحظة ان من امامها ليس شادي من أحبت يوما، بل وحش كاسر يوشك أن يلتهم روحها، شعرت بأن قلبها يرتجف من الرعب، تمنت ان تخرج روحها من جسدها قبل أن يدنسها ذلك الوحش الهمجي الذي احبته يوما..... همست باكية في ضعف تترجاه: ارجوك يا شادي.... خليك في عيني صورة الراجل اللي حبيته.... متعملش فيا كده.
توقف للحظة وهمس لها بصوت ضعيف يتملكه الرغبة: لازم اعمل كده علشان متتجوزيش راجل تاني.
عاد الي عنفه مجددا وعادت هي تقاوم بكل ما اوتيت من قوة... قاومت وقاومت حتى خارت قواها واستسلمت أخيرا... لم يكن استسلامها سوي لأنها فقدت الوعي رافضة ما يحدث من حولها.
لحظات.. دقائق ... او ساعات.. لم تدرك حقا كم استغرق الوقت لينتهي كل شيء، جلس إلي جوارها دافنا رأسه بين كفيه يبكي.... مدركا أخيرا حجم ما ارتكبه من جريمة في حقها.... لم يدرك كم من الوقت مضي حتى بدأت حنين تستعيد وعيها.. ما ان فتحت عيناها ووقعت عيناها عليه صرخت مبتعدة عنه وهي تغطي جسدها العاري بأغطية السرير..... كانت تبكي وتصرخ بهيستيرية وهو ينظر اليها بعينين ضعيفتين وهمس بألم: انا أسف.... كان لازم اعمل كده علشان متتجوزيش.
لم تعقب، نظرت إليه بعينين خاويتين و كأنها بلا روح.... شعرت أنه سلبها روحها، اغتال براءتها، في لحظة إدراكها لجريمته، كرهته، أغلقت عينيها متمنيه ان تصحو من ذلك الكابوس الذي يكاد يودي بحياتها....... همس لها مجددا بعينين دامعتين: انا مستعد اتجوزك دلوقتي.
رفعت عيناها أخيرا وقد تجمدت ملامحها وصرخت فيه بقوة تتنافي مع حجم الضعف والدمار التي تشعر به: اخرج بره يا شادي انا مش عايزة اشوف وشك تاني.
قام من مكانه بانكسار.. واتجه نحو الباب كإعصار وخرج مسرعا... بينما حنين ظلت في مكانها تبكي وتنتحب، وتضرب خديها بقوة متمنية ان تستيقظ من ذلك الكابوس الأسود، وتعود لحياتها مرة أخري.... شعرت للحظة وكأنها تري شبح عمر يقف امامها..... عمر.... ماذاستفعل معه بعد ان دنس شادي براءتها..... علي نحيبها مجددا وهي تطرد شبح عمر من خيالها...
