روايةنبضات لاتعرف المستحيل الفصل السابع7بقلم اميرة احمد


روايةنبضات لاتعرف المستحيل الفصل السابع7بقلم اميرة احمد

دخلت جميلة إلي الغرفة تدندن أغنيتها التي كانت ترقص على أنغامها مع مالك، فوقعت عيناها علي حنين تجلس على السرير، ملتفة بالأغطية، تضم ركبتيها إلي صدرها و تبكي و تشهق من شدة البكاء.... صعقت جميلة من منظرها واقتربت منها مسرعة: ايه حصل يا حنين؟

رفعت حنين عينيها المتورمتين من أثر البكاء، ولم تستطع ان تنبث بكلمة... فهمت جميلة من مظهرها ما حدث لها على الفور... شهقت شهقة عالية و نزلت دموعها علي خديها كالسيل و هي تضم حنين الي صدرها و تصيح: مين اللي عمل فيكي كده؟

ازداد بكاء حنين بين أذرع جميلة وهي تهمس في ضعف: شادي.

حاولت جميلة ان تتماسك نفسها، بينما الشرار يكاد يخرج من عينيها... ساعدت حنين علي الاغتسال وتغيير ملابسها... جلست حنين علي طرف سرير جميلة دافنة رأسها بين راحتيها وهي ترتجف وتنتحب... كان بكائها يدمي القلوب.... لم تستطع جميلة ان تقف مكتوفة الايدي أكثر من ذلك فصاحت في حنين: انا هاتصل بمالك.. ييجي يساعدنا نشوف هنعمل ايه في المصيبة دي.

هزت رأسها بالرفض، ورفعت حنين رأسها وقالت بألم: هتبقي فضيحة.

قالت جميلة بثقة، تتنافي مع دموعها المنهمرة: متخافيش... انا باحكي لمالك كل حاجة... هو يقدر يساعدنا ومش هيقول لحد.

سكتت حنين بضعف.... تشعر وكأنها ممزقة لا تقوي علي التفكير.. لن تكون يوما كما كانت... حياتها اختلفت من اليوم.... شردت حنين والدموع تنهمر علي وجنتيها.. فتوجهت جميلة اليها وربتت على كتفها: متخافيش انا معاكي.

خرجت جميلة من الغرفة وامسكت بهاتفها واتصلت بمالك.. لحظات واتاها صوته الذي ما ان سمعته حتى علي بكاءها... صاح بقلق: جميلة انتي كويسة؟

همست جميلة من بين دموعها: مالك انا محتجالك... ممكن تقابلني دلوقتي؟

اغلق مالك معها الهاتف وتوجه على الفور إلي بهو الفندق حيث اتفقا علي اللقاء... كانت جميلة تجلس واضعة كفيها فوق وجهها و تبكي بشدة.... ارتاع مالك من منظرها... اسرع اليها علي الفور و امسك بيديها بين راحتيه و هو يجلس الي جوارها و همس: جميلة .... انتي كويسة؟

نظرت اليه بعينين تورما من كثرة بكاؤها على حال صديقتها وقالت بصوت ضعيف: شادي.

صاح مالك فيها بعصبية: عملك ايه؟؟ ضايقك؟ انطقي يا جميلة من فضلك كفاية عياط.

قالت بصوت متهدج: مش انا... حنين.

صاح مالك مجددا: عمل ايه لحنين؟

نظرت جميلة إلي عيني مالك في ألم، وتساقطت الدموع من عينيها كالسيل وهمست بصوت متهدج: اغتص.....

وضع مالك يده على شفتيها يمنعها من ان تستكمل، فقد فهم ما حدث... اطرق رأسه في ألم ... أغمض عينيه للحظات كانت قد هربت الكلمات من حلقه فيها محاولا ان يستوعب ما سمعه للتو، يحاول ان يسيطر علي الغضب الذي بداخله، ثم نظر لجميلة و هتف: حنين فين دلوقتي؟

همست له: في الاوضة.

نظر اليها بعينين يملؤها الحزن والألم: ممكن تستأذنيها اطلع أتكلم معاها شوية.

لحظات و كان يقف مالك خلف جميلة في غرفة حنين... نظر بعينيه الي الغرفة التي تحولت الي ساحة معركة... لم يعد هناك شيء في مكانه... كانت حنين تجلس القرفصاء مدثرة بملابسها، نظر الي عينيها المتورمتان من كثرة البكاء... تلك الكدمة الزرقاء اسفل شفتيها و بعض الخدوش الواضحة علي معصميها و التي فهم منها انها تمتد الي كامل جسدها.... اطرق مالك رأسه ونظر أرضا...لم يستطع ان يرفع عينيه ليواجهها... لحظات مرت عليهم كالدهر حتي تكلم مالك أخيرا بصوت مكتوم: تحبي تروحي للدكتور؟

أومأت حنين رأسها بالنفي بحركات متوترة... فعاد يسألها مرة أخري: تحبي نروح نعمل محضر في القسم؟ انا معاكي لحد اما تاخدي حقك منه، واوعدك مفيش حد تاني هيعرف باللي حصل... أنس يعرف ظباط كتير في القسم ممكن يساعدونا والموضوع هيخلص هنا قبل ما نرجع القاهرة.

اومأت رأسها بالنفي مرة أخري وتكلمت بصوت مجروح وعينين شاردتين: انا مش عايزة فضايح لأهلي... ولا لخطيبي ......اطرقت رأسها و همست و الدموع تنهمر من مقلتيها: قالي هيقول انه كان بمزاجي.

خرج مالك عن صمته وصاح بعصبية: هو منظرك كده و يبقي بمزاجك؟! أي دكتورة تقدر تثبت انه مش بمزاجك.... ثم زفر محاولا ان يتمالك أعصابه وهمس بنبرة اهدأ: مفيش فضايح يا حنين انتي معملتيش حاجة غلط، هو اللي حيوان و .... توقف عن الكلام قبل ان يقول لفظ نابي امام الفتاتين.

حاول ان ينظم نفسه مره اخري و يتمالك اعصابه: طيب قوليلي اقدر اساعدك بإيه ؟

همست حنين بضعف: انا عاوزة اروح بيتي.

رقت نبرة مالك مرة أخري: لو مش عاوزة أهلك يعرفوا يبقي مش هينفع تروحي الا لما تبقي كويسة.... انا رأيي تروحي لدكتورة تطمني ان مفيش حاجة وحشة حصلت... مش لازم تقوليلها اللي حصل ممكن تكذبي عليها بأي حاجة تانيه، بس علشان لو محتاجة علاج... ابتلع ريقه عدة مرات وقال بنبرة متوترة: كمان في برشام لازم تاخديه علشان.... علشان ميحصلش حمل.... وانا اوعدك محدش بره الاوضة دي هيعرف اللي حصل....

صرخت حنين باكية: انا مش هاروح لدكتورة... مش هاخرج من هنا.

تنهد مالك: طيب انا هحاول اتصرف.

خرج مالك من الغرفة وجذب جميلة معه، وقفا امام باب الغرفة وهمس لها: انا هاروح الصيدلية و أحاول اجيب اسم الدوا ده، بس انتي في حاجة مهمة لازم تعمليها يا جميلة... اقنعيها تعمل بلاغ في القسم.

رفعت جميلة عينيها لتتلاقي مع عينيه، كلاهما يشعر بالعجز والضعف والغضب ...وهمست جميلة اخيرا: انت عايز شادي يتقبض عليه؟ انت عارف ان مستقبله هيضيع لو اتسجن... هتعمل كده في صاحبك؟

نظر إليها بعينين يملؤها الألم وصاح بغضب: هو ضيع مستقبلها.... يتسجن أحسن.... أهلها لو عرفوا ممكن يقتلوه..... وبعد اللي عمله ده هو مش صاحبي.

زفر مالك تنهيدة حارة وحاول ان يتمالك اعصابه: خليكي جنبها يا جميلة متسيبهاش، وأوعي حد يعرف حاجة... لو حد سأل عليها قوليله أنها نايمة او تعبانة... أوعي تسيبيها يا جميلة لحد اما ارجع.

خرج مالك بغضب وتوجه ناحية غرفة شادي ويكاد الشرار يخرج من عينيه، غضب غير معهود علي مالك الهادئ الطباع، طرق باب غرفة شادي بغضب، فتح شادي و هو في حالة يرثي لها، ضعيف، عيناه بها ذبول من اثر البكاء، ملابسه ممزقة، و شعره أشعث، ما ان وقعت عيني مالك عليه لم يستطع ان يمنع نفسه من ان يسدد له اللكمات بكل ما اوتي من قوة حتي اوقعه ارضا، أغلق مالك الباب خلف، انقض علي شادي امسك به من قميصه و هو يصيح بغضب: انت كده فاكر نفسك راجل؟ ازاي تعمل كده يا بني أدم؟ رغم فارق البنية الجسدية بين كلاهما، الا ان شادي لم يدافع عن نفسه حتي... استسلم للكمات مالك و كأنه يعرف في قرارة نفسه انه يستحقها.

همس له شادي بصوت ضعيف: انت عرفت؟

وكزه مالك في كتفه وهو يدفعه بعيدا عنه: مش قادر اصدق إنك بجد تعمل كده.... وفي واحدة بتحبها.

بكي شادي بضعف وبصوت متهدج: انا مستعد اتجوزها دلوقتي.

نظر له مالك باستحقار: وانت هتبقي راضي عن نفسك لو هي وافقت تتجوزك علشان انت كنت حقير معاها؟ هتعيش معاها ازاي وانت عارف انها بس وافقت بس علشان انت كسرت عينها.

صاح شادي بغضب: كنت عاوزني اسيبها تتجوز راجل تاني؟

ازدادت نظرات مالك استحقار وقال باستهزاء: وهي كده هتتجوزك و تبقي انت في عينيها راجل؟ انت مفكرتش ان ده ممكن يحصل لاختك؟

صرخ شادي: انا عارف إني غلط... بس كل اللي كنت بافكر فيه انها تستناني.... متتجوزش راجل تاني.

نظر له مالك بغضب و هم بالخروج: انت الكلام مع واحد حقير زيك ملوش فايدة... ابعد عنها يا شادي و مش هاكرر كلامي تاني ... و إلا ...انا اللي هاعمل فيك بلاغ في القسم... وياريت متخرجش من اوضتك الليلة اللي فاضلة دي لحد اما نرجع القاهرة و نشوف حل في المصيبة دي..... وقف مالك لحظات عند الباب ثم أستدار و نظر لشادي نظرة مليئة بالاستحقار:  انا مش عايز أعرفك تاني يا شادي.... انت مقزز.

--------------------------------------

طرق مالك باب غرفة حنين وجميلة وهمس: افتحي يا جميلة انا مالك.

فتحت جميلة الباب بحذر، ناولها مالك كيس أدوية: البرشام ده تاخد منه قرص دلوقتي، وانا جبتلها كريم للكدمات خليها تستخدمه... تهدج صوت مالك: هي عاملة ايه دلوقتي؟

نظرت له جميلة بعينين مليئة بالألم والضعف: مش كويسة خالص يا مالك.... 

اخرج مالك من جيبه شريط من الدواء وناوله لجميلة: بصي ده برشام مهدئ... اديها قرص منه علشان تهدا وتعرف تنام... بس يا جميلة خلي الشريط معاكي .... انا مش عارف بالحالة اللي هي فيها دي ممكن تعمل في نفسها ايه.

لمعت حدقتي جميلة وهمست وهي تضغط علي كف مالك الممدودة بالدواء: انا مش عارفة من غيرك كنت عملت ايه يا مالك... شكرا.

سحب مالك كفه من كفها بهدوء وهمس: لو احتاجتي حاجة انا موجود.

ابتسمت له جميلة في هدوء وأغلقت الباب.

-----------------------------------------

 انقضي اليوم في رتابة علي الجميع، الجميع يشعر بالتوتر المحيط بهم دون ان يعرفوا سببا له، لم يري مالك شادي طوال اليوم و لم يحاول ان يتواصل معه، كان يشعر بالغضب من فعلته الشنعاء، كان مالك يطمأن علي حنين من جميلة بين الحين و الأخر.

في وقت السفر، اجتمع الأصدقاء كلهم في بهو الفندق ما عادا شادي... توجه يوسف الي مالك وهتف: شادي عمل checkout ومشي من ربع ساعه، معرفش مستناش ليه......... تفتكر لسة زعلان من اللي حصل في الكافيه؟

حاول مالك ان يرسم الهدوء على ملامحه: عادي هو حر.... يلا خلينا احنا كمان نلحق نسافر.

وقف أنس يودع الجميع قبل السفر، لكنه جذب مالك مبتعدا عن الجميع للتحدث علي انفراد: في ايه يا مالك؟ انا حاسس ان في حاجة مضايقاك بس مش عارف ايه هي؟

حاول ان يرسم ابتسامه علي وجهه و هتف بمرح: متضايق علشان هاسيبك و اسافر.

ضغط أنس علي معصم مالك: انت بتضحك عليا و لا علي مين؟ لو متضايق إنك مسافر خليك معايا يومين كمان... متخليش أي حاجة في الدنيا تضايقك يا مالك... انت عارف اهم حاجة ان نفسيتك تكون كويسة.

ابتسم مالك بمرارة: انا كويس يا أنس متقلقش.

جذبه أنس وضمه الي صدره: خلي بالك من نفسك يا مالك، وانا هاخد إجازة و انزل ان شاء اللي علي الميعاد اللي اتفقنا عليه.

ابتسم مالك وهو يربت على ظهر أنس: اشوفك علي خير .

حاول أنس ان يتفادي دمعة ترقرقت في عينه فصاح بمرح: بس المرة الجاية لما تيجي متجيبش معاك البت اللي شايفة نفسها دي.

خفتت ابتسامة مالك وقال بمرارة: انا كنت غلطان فعلا لما أصريت ان كلهم ييجوا معايا... بس انا كنت عاوز اقضي معاكوا كلكوا وقت جميل مش اكتر.

ضحك أنس: والرحلة كانت جميلة بعيد عن البلوفر اللي بوظتهولي أستاذة ليلي.

وقف فارس علي مقربة من يوسف، والجميع يستعد للسفر، ربت فارس علي كتف يوسف: انا شايف ان عربيتي أكبر فالأفضل حياة تركب معايا علشان يبقي في مساحة انها تفرد رجليها... المسافة طويلة من هنا للقاهرة، وأنها تفضل قاعدة طول الوقت هتكون متعبة عليها.

ابتسم يوسف: هو انا شايف انه مش مبرر قوي... بس مفيش مشكلة خليها تركب معاك لو هي عايزة ده.. .. وكلنا هنمشي مع بعض.

جلست حنين في سيارة مالك بوجه وجل، وعينان شاردتان... بدأ الجميع في رحلة العودة، 

انطلق يوسف أولا وتبعه فارس بسيارته وحياة معه، ومن ثم تبعهم مالك

لم يمض وقت طويل على التحرك حين وجد مالك امامه تزاحم مروري وحادث علي الطريق... بدأت جميع السيارات تسير ببطء حين صاحت جميلة: اقف يا مالك بسرعة دي عربية يوسف.

أوقف مالك السيارة وترجل منها مسرعا، حين وجد يوسف يقف على جانب الطريق يصيح بألم: لارا يا مالك...و شادي كمان.

لم يفهم مالك كلمات يوسف، حاول تهدئته: اهدي بس يا يوسف وقولي ايه اللي حصل..... انا مش فاهم حاجة

حاول يوسف ان يتمالك نفسه وقال بارتباك: و انا ماشي شوفت عربية شادي علي الطريق مولعه، و أشار بيده لسيارة تحترق قريبا منهم... وقفت و طلبت الإسعاف و البوليس.. حاولت أنقذه او اساعده معرفتش النار كانت في كل مكان... سيبت عربيتي بعيد شوية وخفت علي لارا تنزل معايا قولتلها خليكي في العربية... مفيش ثواني قبل ما أوصل لعربية شادي سمعت صوت قوي و لقيت عربية نقل خبطت عربيتي و لارا جواها.... لارا مبتردش عليا يا مالك... مش عارف اعمل ايه.

انهار يوسف علي الأرض، جلس على الرصيف واضعا رأسه بين راحتيه، حاول مالك ان يخفي عن جميلة وحنين ما حدث... لحظات وأتت سيارة اسعاف حملة لارا و توجهت الي المستشفى، و سيارة أخري حملت شادي.

وقف الجميع في استقبال المستشفى يحاولوا ان يعرفوا مصير اصدقاءهم... دقائق مرت عليهم كالدهر حين خرج الطبيب اسرع نحوه يوسف وتبعه مالك، 

هتف الطبيب: زميلكم اللي جه في الحادثة حالته حرجة جدا.... 

صاح يوسف بلهفة: طيب ولارا يا دكتور.

هتف الطبيب: هي في العمليات دلوقتي.... بس هنحتاج متبرع بالدم، فصيلة دمها مش موجودة عندنا للأسف.

نظر يوسف إلي مالك برجاء: مالك انت نفس فصيلة دم لارا صح.... انت تقدر تتبرع لها.

ارتبك مالك، وبدأت يداه ترتعش وقال بصوت متقطع: انا.. انا للأسف مش هاقدر اتبرع بالدم.

ازداد رجاء يوسف وهو يمسك بيد مالك: ارجوك يا مالك.. لارا بتروح مني....

نظر مالك أرضا وهمس بضعف: انا اسف يا يوسف.. مش هاقدر.

غضب يوسف وصاح في مالك وهو ممسك بكتفيه يهزه بقوه: انت بتعمل معايا كده ليه؟ انا بترجاك ... انت بتتعاطي ايه يا مالك خايف انه يظهر في دمك.

ابعده مالك بضعف وهو يحاول ان يتمالك نفسه: أنس في الطريق هو نفس فصيلة دمي.... هو هييجي و يتبرع.

 دقائق وكان أنس بالفعل يتبرع بالدم من أجل لارا... وقف الجميع و الارتباك و الألم واضح عليهما، ما ان خرج أنس من غرفة التبرع بالدم، جاء الطبيب مرة أخري يحدث الشباب بصوت متهدج: البقاء لله... للأسف مقدرناش ننقذ شادي... الحروق في جسمه كانت اكتر من ان قلبه يستحملها.

نزل الخبر على الجميع كالصاعقة، أسند مالك رأسه إلي الجدار خلفه بألم و لم يستطع ان يمنع دمعة فرت من عينه و همس: ليه يا صاحبي كده... ليه تقابله و انت شايل ذنب كبير كده.

زفر مالك بتنهيدة حارة واتجه إلي أنس وهمس: انت لازم تاخد البنات ترجعهم القاهرة دلوقتي... مش هينفع يفضلوا هنا مع اللي بيحصل ده، ثم وجه كلامه إلي فارس الذي يقف علي مقربة منه : و انت كمان يا دكتور فارس... وصل حياة البيت و طمن عمو و طنط ... و كفاية استني انا و يوسف بس.

قال أنس بنبرة واثقة: هاوصل البنات و ارجعلك تاني.

توجه مالك إلي جميلة التي كانت تجلس على أحد المقاعد بجوار حنين وليلي و حياة، أشار لها ان تأتي إليه، ابتعد بها عن مسمع الفتيات و همس: جميلة... خدي البنات و روحي مع أنس.

نظرت له جميلة بعينين باكيتين: انا مش هامشي واسيب لارا في الوضع ده.... لازم اطمن عليها الأول.

ابتعد بها مالك أكثر، وضع يديه على كتفيها وهمس: جميلة... انا هابقي مطمن أكتر و انتي في البيت... و انا هاطمنك علي لارا متقلقيش... بس انتوا مش هينفع تفضلوا هنا.

همست له جميلة بضعف: طيب خلاص... أنس يروح ليلي وحنين و خلينى انا معاك هنا.

همس بألم: جميلة... انا هاقولك حاجة بس حاولي تمسكي نفسك و متبينيش أي رد فعل لحد اما توصلوا القاهرة... من فضلك حنين متعرفش اللي هاقوله الا لما توصل القاهرة.

هتفت جميلة بقلق: في ايه يا مالك قلقتني.

اطرق برأسه و همس بصوت متألم: شادي مات .

وضعت جميلة يدها على فمها تكتم شهقة كادت ان تخرج منها، وبدأت الدموع تنسال من مقلتيها، لكن مالك زاد من ضغطه حول كتفيها: أرجوكي يا جميلة.. متخلينيش أندم إني قولتلك... انا هاعتمد عليكي تبلغي حنين بالخبر بس لما توصل القاهرة.... خلي بالك من نفسك يا جميلة.

قالها وابتعد عنها وتركها تحاول ان تمسح دموعها وتستعد للرحيل مع أنس، بينما أنس وقف ينقل حقائب الفتيات من سيارة مالك إلي سيارته، جلست حنين بنفس شرودها في الخلف، جلست جميلة إلي جوارها و ضمتها إلي صدرها و همست في اذنها: كل حاجة هتبقي كويسة يا حنين ان شاء الله.

صاحت ليلي في جميلة: انتي هتقعدي جنب حنين وتسيبيني اقعد انا جنب الانسان المستفز ده.

نظرت لها جميلة بضعف: من فضلك يا ليلي مش وقته الكلام ده... اقعدي جنبه و انتى ساكته لحد اما نوصل القاهرة علي خير.

وصلا إلي القاهرة و الجميع في صمت لا احاديث طوال الطريق، حزن يخيم عليهم... حتي كسرت جميلة الصمت و هتفته بصوت متحشرج إلي أنس: من فضلك هنوصل حنين الأول و أنا هانزل معاها... و بعد اذنك هتوصل ليلي بعد كده... ليلي ساكنة جنب حنين.

لم يعقب أنس، بل اوماء رأسه بإيجاب... دقائق وكانت سيارته تقف امام منزل حنين.. نزلت حنين ومن خلفها جميلة وانطلقت سيارة أنس، وقف جميلة امام حنين وضمتها إلي صدرها و انسابت دموعها علي خديها و هي تقول: شادي مات يا حنين... العربية اللي شفناها علي الطريق دي كانت عربيته بس مالك مرضيش يقول وقتها.

لم تخرج حنين من شرودها... ظلت شاردة تنظر في اللاوجود حولها، تحركت كجسد بلا روح وصعدت إلي شقتها، بينما جميلة وقفت تشاهدها و لا تستطيع ان تتحكم في دموعها.

دلفت حنين إلي شقة والدها بأقدام متثاقلة، تشعر بالخزي والألم يأكل قلبها، فتحت الباب فوجدت عمر يجلس في الداخل بانتظارها... دخلت وأغلقت الباب خلفها بتثاقل، و ما ان تلاقت عيناها بعيني عمر، بدأت تبكي بهيستيرية، بكت كما لم تبك من قبل.... لم تستطيع ان تميز سبب بكاؤها هل هو إحساس بالخزي، أتبكي موت شادي؟، أتبكي شرفها الذي سلبها شادي إياه؟ أتبكي الألم الكامن بداخلها؟ ... أم تبكي عمر وما هي مقبلة عليه معه....

ارتاع عمر لبكائها، حاول ان يهدئها  وهمس بمرح: في واحدة تعيط كده اول ما تشوف خطيبها؟

نظرت له بعينين خاليتين من الحياة، وهمست: عمر انا عاوزة نسيب بعض... انا مش هينفع اتجوزك.

تركته يقف مشدوها من كلماتها التي نزلت عليه كالصاعقة واتجهت مسرعة نحو غرفتها، بدأ الارتباك والغضب يظهر على والد ووالدة حنين، لكن عمر ابتلع الصدمة في ألم..... لحظات ووجدت حنين طرقا خفيفا على الباب وعمر يستأذن بالدخول، لم ينتظر ان تأذن له، بل فتح الباب و دلف وجدها تجلس علي طرف سريرها و تدفن وجهها بين كفيها و تبكي.

نزل عمر علي ركبتيه امامها وهي تجهش بالبكاء، ابعد يديها التي وضعتها على وجهها و نظر في عينيها و همس لها: ايه حصل؟ عاوزة نسيب بعض ليه؟

على نحيبها: انا مينفعش اتجوزك يا عمر.... انت متستحقش واحدة زيي.... أنا.... أنا مش هينفع اتجوز خالص.

 همس لها بنبرة دافئة يملؤها الألم: حنين... لو غلطتي في حاجة عرفيني.... انا ابن عمك قبل ما اكون خطيبك... لو في غلط انا أصلحه بس عرفيني.

 زاد بكائها واخذت تشهق وتنتحب وقالت من بين دموعها: و الله ما عملتش حاجة يا عمر.

 زاد ضغط يديه علي معصمها لكن نبرته لا تزال هادئة: رفضتي الجواز فجأة ليه يا حنين ...... صارحيني.

 ازداد بكائها حتي اصبح بكاء هيستيريا، كانت بين الحين و الاخر تشهق محاولة ان تأخذ انفاسها، كانت عيناها معلقتين بالأرض لا ترفعهما لمواجهة عمر الذي كان يحثها علي الكلام و هو متمالك اعصابه و يخاطبها بكل هدوء، حتي قالت اخيرا: كان غصب عني يا عمر..... قاومت بس مقدرتش، كل اللي حصل كان غصب عني.

 ابتعد عمر عنها في هدوء، وقف ينظر الي النافذة امامه  واضعا يديه في جيبه ، يرقب حركة السيارات علي الطريق بذهن مشوش، دقائق او لحظات ، لا تعرف حقا حنين كم من الوقت مضي و هو علي هذه الحالة حتي كسرت هي الصمت: صدقني انا منفعكش و لا انفع اي حد ، سيبني يا عمر، بس متقولش لحد اللي قولتهولك دلوقتي من فضلك.....

 قالت كلماتها من بين دموعها، لكن ظل عمر على جموده و كأنه تحول الي تمثال بعد ان سمع كلماتها، اخيرا تنهد عمر زفرة حارة طويلة و كأن الحياة ردت فيه من جديد و التفت الي حنين التي بدأ بكاؤها يهدأ و قال بكلمات واثقة: فرحنا في معاده.... بعد شهر يا حنين.

 قال كلماته وتوجه نحو الباب وخرج وتركها في حالة من الصدمة والذهول، هل حقا سيتزوجها عمر بعد ما سمعه منها.
                 الفصل الثامن من هنا
تعليقات



<>