رواية مذكرات عاشق الفصل السابع7بقلم صفاء حسني
الجو كان مشمس والبحر بيبرق تحت ضوء النهار، النسيم بيعدي خفيف على سطح المركب، بيحرك خصل شعر حنين اللي كانت بتطيرها الريح وهي غايبة في عالمها.
مذاكرت عاشق
الفصل ٧
الكاتبه صفاء حسني
خرج حازم من الكبينة، طويل، شكله مهندم، يرتدي تيشيرت أبيض ونظارة شمس، وصوته فيه وقار.
ضحك وهو يسلم:
"نورت الرحلة، وأتمنى تكونوا مبسوطين فيها."
ضحك حسام وهو يحضنه، ملامحه فيها بهجة حقيقية كإنه شاف حد عزيز:
"جميلة جداً، تعالى أعرفك بالعيلة."
لف حازم ناحيتهم، ووجهه تبدل أول ما رأى حنين.
كانت جالسة وماسكة كتابًا تقرأ فيه، شعرها بيقع على خدها بخفة، وهدوءها لفت نظره أكتر من أي حاجة تانية.
رفع حسام صوته بابتسامة فخورة:
"دي بنت أخويا، حنين... نجحت السنة دي وجايين نحتفل بيها."
حنين وقفت بسرعة، ووجهها احمرّ خجلاً، ومدت يدها بتردد:
"أهلاً بحضرتك..."
ابتسم حازم وهو يمد يده برفق، نظراته فيها دفء غريب وصادق:
"ألف مبروك يا حنين... النجاح يستاهل بحر وجمبري كمان."
ضحكت بخفة، وصوتها كان بيرن زي موجة خفيفة:
"شكراً... دي أول مرة أجي مصيف من غير مذاكرة."
وفاء وهي تضحك:
"هو فعلاً النجاح له طعم تاني لما تشوفي الموج."
جلسوا سوياً، الجو كان خفيفاً ومليئاً بالطاقة الجديدة.
ضحكاتهم كانت بتتعالى مع صوت البحر، والموج بيغني أغنية فرح صيفية.
حازم كان يحاول إخفاء نظرات إعجابه البريئة، لا بعين رجل، ولكن بعين رجل رأى في البنت نقاءً مش متعود عليه.
وحنين كانت كلما سمعت صوته، تحس بدقة زائدة في قلبها من غير ما تفهم لماذا.
حتى وصلوا الإسكندرية ورست المركبة على شاطئ، وبدأوا ينزلون بعد العصر.
رائحة البحر كانت مالية الجو، والرمل بيغوص تحت أقدامهم بخفة.
ولحق بهم حازم، حسام كان يمزح معهم ويرش الماء، وحنين تجري وتهرب وتضحك.
وفجأة كادت أن تقع من على موجة عالية، لكن حازم مد يده بسرعة وسندها.
لمسة خفيفة، لكن فيها كهرباء ساكنة جعلت الوقت يقف لحظة.
نظرت إليه بخجل وهي تهمس:
"شكراً..."
رد بابتسامة هادئة وعينه فيها دفء وحرص:
"خلي بالك، البحر مش دائماً أمان."
نادت وفاء من بعيد بصوت عالي مليان حنية:
"تعالوا يا أولاد، الأكل جاهز!"
ضحك حسام وهو ينظر لحازم:
"أهو يا سيدي، العيلة كلها مستنيينك على الغدا، تعالى وريهم إنت بتاكل قد إيه."
ضحك حازم، لكن في قلبه شيء تغير.
لم يكن يعرف أن يصفه، لكن كان حاسسًا أن الرحلة دي مش عادية... يمكن بداية لحكاية، بدأت من لحظة بريئة... على رمل البحر.
جاء معهم شاب وسيم — صديق حسام — اسمه سامح.
وبصراحة بقيت بغير منه، رغم إني عارف إنه مجرد صديق عمك.
بس كنت خايف تكوني بتحبيه 😥
كنت كل مرة أشوفك بتتكلمي معاه، نفسي أكون مكانه.
كنت أحس بشيء غريب، وجعي كأنه سكينة في قلبي.
ومن اللحظة دي، عرفت إني بحبك بجنون... بعشقك يا حنين.
ولما عرفت إنه قريب والدتك كمان، مش بس صديق عمك،
وفي يوم عرفت إنهم عاوزين ينقلوا من الصعيد لكلية الشرطة بالقاهرة،
حاولوا كتير بس النقل رُفض، لأنه محتاج واسطة.
قلت: فرصة! 😏
أنقل حسام... وأسيب سامح هناك.
كده أكسب ودّ حسام، وأزيح سامح بعيد عنك.
هههه مش شرير أنا... بس حظي وحش، الأستاذ اتنقل معاه.
حنين (تضحك وهي تقلب الصفحة):
"ههههه يعني ما عرفتش."
حازم (يرد في المذكرات):
"للأسف، لا. بس أقولك إزاي ساعدته؟
في النادي سألت على حد مهم في كلية الشرطة من الأعضاء، وطلبت منه المساعدة، ووافق من غير تردد.
وقتها عرفت قيمة النجاح، وأديته الكارت، وفعلاً بعد فترة شوفت والدك لابس الزي الرسمي في القاهرة، وإنتِ كنتِ واقفة بتبصي عليهم بفرحة."
كنتِ بتصفّري وبتقولي:
"أوووه! أيوه يا عم، تجننوا بلبس الشرطة!"
حازم (يكمل):
"سامح قرب منك وقال لك: بجد يا حنونة؟
وإنتي ضحكتي، ولبستِ الكاب بتاعه.
كنتِ جميلة جدًا... هو وحسام بيضحكوا وبيجروا وراكي.
يااه يا حنين... إحساس الغيرة صعب!"
بدأت أحسدهم، أتمنى أكون مكانهم.
ولما رفعتِ يدك وقدمتي التحية وقلتي:
"تمام يا فندم!"
ضحكتي وضحكوا، بس فجأة عينك جت في عيني... وسكتي.
ساعتها حسيت إنك حسّيتي بي.
يمكن خفتي على زعلي، بس كنت مبسوط إنك وقفتي هزارك مع سامح، وكمّلتِ مع عمك.
كنتِ جميلة قوي يا حنين، وضميتي عمك وودعتيه.
تمنيت أكون مكانه، علشان أعيش اللحظة دي وآخذ حضنك الدافئ.
بس كنتِ زي زهرة وسط صبار كتير...
البيت كان مليان شباب: أولاد عمي، والدكتور عماد وأولاده.
قلبي كان بيتألم لأني مش قادر أكون معاكي حتى بالصدفة.
لكن لما دخلتِ الجامعة... حظي أخيرًا ابتسم.
لأن الجامعة كانت جنب النادي.
كنت بشوفك وقت الدخول ووقت الخروج كل يوم...
كنتِ أميرة خارجة من قصرها، والحاشية قدامها في كل مكان
جلسَت حنين على طرف السرير، ضوء خافت بينعكس على وشها، وهي بتقلب في صفحات الدفتر اللي بقى جزء من روحها. كانت عيونها بتمشي على السطور كأنها بترجع تشوف شريط حياتها من جديد، كل كلمة فيه كانت وجع وحنين، وكل جملة كانت بتفتح باب لذكرى.
بدأت تقرأ بصوت هادي، ونبرتها فيها رعشة خفيفة...
> "أنتِ عارفة، اكتشفت في يوم وأنا بصلي مع وليد وعمي محمد أنه يبقى صديق بابا. لأني تقربت منهم علشان يتعرفوا عليا قبل أن أخطو الخطوة اللي كنت منتظرها، وتحدثنا كثيراً، كان يعرف كل حاجة عن بابا، الله يرحمهم جميعاً."
رفعت حنين راسها لحظة، وابتسمت ابتسامة حزينة كأنها بتحاول تهدي قلبها:
"آمين يا رب العالمين."
رجعت تكمل وهي بتقلب الصفحة بإيدها المرتعشة...
> "المهم، جه معهم شاب وسيم (سامح، صديق حسام)، وبقيت بغير منه، رغم إني عارفة إنه مجرد صديق عمك، لكن كنت خايف تكوني بتحبيه 😥😥 وحتى دلوقتي، صدقيني، كنت كل ما بشوفك بتتكلمي معاه وتحكي وتتكلموا، أتمنى أكون مكانه..."
كانت كل كلمة بتوجعها، ومع كلمه “سكين في قلبي” دمعت عينيها من غير ما تحس. الصوت جوه سطور الدفتر كان صوت حازم، صوته اللي حافظاه بنغمة حنين.
> "ومن هذه اللحظات علمت أني أحبك بجنون، بل أعشقك يا (حنين)!"
ابتسمت بخجل رغم الدموع، وهي تهمس كأنها بترد على شبح صوته:
"هههههه يعني مش عرفت؟"
الصفحة اللي بعدها كانت بداية اعتراف كبير، سطورها مليانة تفاصيل بتلمس القلب:
> "آه، للأسف. المهم، أقولك إزاي ساعدته؟ في النادي سألت على حد يكون مهم في كلية الشرطة ويكون من أعضاء النادي، وطلبت منه وفعلاً وافق بدون تردد..."
حنين كانت بتعيش كل لحظة وهو بيحكيها. تشوفه في خيالها وهو بيتكلم، وتسمع ضحكته وقت ما بيقول:
> "كنتِ بتصفّري وبتقولي: أووووه أيوه يا عم، تجننوا بلبس الشرطة!"
ضحكت بخفة، وكأنها فعلاً رجعت لطفلة وقتها.
> "كنتِ جميلة جداً، هو وحسام بيضحكوا وبيجروا وراكي. ياااه يا حنين، إحساس الغيرة صعب!..."
كل كلمة بعد كده كانت بتوجع أكتر. السطور اللي حكى فيها عن الحادث، عن الغيبوبة، عن الغياب، عن الوجع، كانت زي طعنات ناعمة في قلبها.
> "وقعت على الرصيف... لم أشعر بحالي إلا وأنا ملقى على الأرض، وأنتِ كمان نظرتي عليا... عينك كانت مليئة بالحزن الشديد... ابتسمت لكِ ثم أغمضت عيني علشان تكوني آخر واحدة في خيالي..."
هنا دمعت حنين بجد.
قلبها اتوجع، ونفَسها اتقطع وهي تتخيل اللحظة دي، والوجع اللي عاشه من غيرها.
> "لكن أهلك كانوا أعظم أسرة، كانوا على طول يزوروني ويطمنوا عليا، كانت آخر سنة ليكي... تم تخريج حسام وسامح وكانت أول قضيه ليهم قضيتى..."
رفعت إيدها تمسح دموعها، وابتسمت ابتسامة باهتة:
"عارفه يا حازم..."
رجعت تكمل السطور الأخيرة، اللي كانت وجعها الأصدق:
> "أصعب شيء أن الإنسان يشعر بالعجز من كل شيء، كأن جسده مثل الأرض الجافة لا تفيد ولا تضر بدون حركة أو حياة، والعجز مش في الحركة بس، ولكن في عدم الحرية إنك تختار الحياة اللي انت عايز تعيشها حتى لو الحياة اللي انت فيها جنة."
سكتت حنين لحظة طويلة، بعدين همست بصوت متكسر:
"فعلاً..."
غمضت عيونها، والذكريات بدأت تجرها لفلاش باك بعيد، صوت أمها بيرن في ودانها:
> "مش عايزة أتجوز يا ماما."
وفاء (بتحاول تهديها): "ليه يا بنتي؟ أبوكي بيقول شاب ممتاز وابن صاحب العمل صالح؟"
حنين (بصوت متوتر): "ماما أنا مش عارفة إزاي أتجوز واحد مش بحبه... وليه السرعة دي؟"
وفاء: "مش كنتي موافقة؟ إيه اللي حصل؟ جاية النهاردة تبكي يوم كتب كتابك؟"
حنين (بحزن): "أنا ما كنتش موافقة... هما اللي ضغطوا علي."
وفاء (بتقرب منها): "مين اللي ضغط عليكِ؟"
وساد الصمت...
اللقطة انتهت وعيون حنين مليانة دموع، لكن قلبها كان بيحس إنه رجع يسمع صوت حازم من بين السطور...
صوته اللي مازال حي جواها، رغم كل الغياب.
---
كانت حنين قاعدة في أوضتها، الهدوء مالي المكان، مفيش غير صوت أنفاسها وهي بتقلب صفحات الدفتر القديم اللي كان مخبّي بين ذكرياتها.
إيديها بتترعش، وكل ما عينها تقع على سطر، قلبها بيخبط أكتر...
وفجأة توقّفت، اتسعت عينيها، والدموع بدأت تلمع، لحد ما نزلت أول نقطة على الصفحة اللي قدامها.
تفيق حنين وتقلب الصفحة التالية والدموع ملء عينها...
---
حازم (من الرسالة):
"لا تبكي، أنا لا أريد أن أرى هذه الدموع، وأسف أنى فكرتك بألم عشتيه، وعارف أنى السبب في كل اللي حصل معاكي، لأنك قررتى تساعديني وقتها انتى وعمك وولدك، ولما اكتشفتوا أن عمى هو اللي كان وراء الحادثة، بدأ يلعب بيكم وبقيتوا انتم الضحية، ولكن حبي ليكى كان أكبر هدف خسرته فى حياتى.
عارف إنك بعد ما اتخرجتى روحتى تدربى فى مكتب محامى معروف وفتحتى القضية وطالبتى بالتعويض ليا من النادى، لان الحادثة كانت ما بين الجامعة والنادى، وكدة يكون أثناء التدريب لكن الاداره لم تقتنع ورفضت، قالت مدام خارج النادي إذن ليس لي تعويض لانهم ليس طرف في الحادثة.
وبعد شهرين من عزيمتك واصرارك ومتابعتك للقضية وافقوا على التعويض، ههههه بس كان الشرط استلمه من النادى المركزي اللي مشرف علي النادى دا كان في اسكندريه، شوفتي يا حبيبتي الظلم... يعنى واحد مشلول لازم يروح وبعد كدة اكشف هناك ويتأكدوا أنها كانت إصابة أثناء التدريبات أو قبل أو بعد... لا مليش تعويض.
وكمان عمك حسام كشف بعد فحص كاميرات المراقبة الخاصة بالجامعة والنادى، عرف أن كانت السيارة قاصدة... يعنى فيه حد بعت واحد يتابعني من وقت خروجي من المنزل لحد وصولي إلى مكان الحادث. لكن للأسف لم يستطيعوا ان يوصلوا إلى السائق أو العربية، وبعد فترة تم غلق القضية.
كنت وقتها مش فاهم حاجة، لكن حسيت بحاجة غير... بسبب كل اللي حصل دا غير حياتى، وانتِ كمان مرة واحدة سبتي المكتب ومسار القضية أصبح مجهول..."
---
كانت حنين بتقرأ والكلمات بتغوص في قلبها، بتحس بكل حرف وكأنه بينزف من جوه.
صوتها خرج مبحوح وهي بتهمس:
حنين:
"فعلاً إحساسك كان صح... وحصل حاجه."
ثم أغلقت الدفتر ببطء، وضمت صدرها بإيديها كأنها بتحاول تحتوي الوجع اللي جوّاها،
وعنيها معلقة في الفراغ، ما بين ماضي موجع... وحب لسه ساكنها رغم كل اللي اتكسر.
