رواية عطر الانتقام والحب بقلم سيليا البحيري
في مخزن قديم في أطراف القاهرة – الإضاءة خافتة، الجدران متسخة، ورائحة الرطوبة تملأ المكان.
تجلس عهد وصوفيا وعلا على الأرض، مقيدات الأيدي، وبجوارهن صندوق خشبي ضخم وبعض الأدوات الصدئة. أصوات خطوات بعيدة تتردد في المكان.
فتحت عهد عينيها ببطء، رأسها يثقلها وكأن أحدهم طرقه بعنف. حاولت تحريك يديها لكنها وجدت نفسها مقيدة بحبل خشن يشق جلدها.
عهد (بصوت مرتجف):
"إيه… إيه اللي حصل؟! أنا… أنا فين؟"
نظرت حولها بسرعة، فرأت صوفيا بجانبها مستلقية بوجهها الشاحب، وعلا أيضًا غافية، أنفاسها بطيئة لكنها مستقرة.
عهد (تهمس لنفسها، وصوتها يعلوه الرعب):
"يا رب استر… يا رب… مين اللي عمل كده؟!"
حاولت الاقتراب من صوفيا بجسدها وهي تزحف على الأرض رغم الحبال:
"صوفيا!… صحّي… قومي معايا، بالله عليكي."
لكن صوفيا لم تستجب، فقط تمتمت بكلمات غير واضحة وهي تحت تأثير المخدر.
أغمضت عهد عينيها لثوانٍ، تحاول تمالك نفسها، ثم عضت على شفتها حتى نزف الدم:
"لا… لا لازم أكون قوية. أنا السبب… أنا اللي جبت صوفيا وعلا هنا. مش هسامح نفسي لو حصل لهم حاجة!"
سمعت عهد صوت خطوات تقترب أكثر، خطوات ثقيلة، وفتح باب حديدي بصرير مزعج.
انتفض قلبها بعنف، عيناها متسعتان وهي تحاول أن تبقى ساكنة.
دخل رجلان ضخمـان، وجهيهما قاسيان، أحدهما يضحك ضحكة باردة:
"كويس… أول واحدة فاقت. شكلها الشجاعة عندها زيادة شوية."
اقترب الآخر، يحدق في عهد بعيون غليظة:
"دي هي اللي قاسم موصي عليها… لازم تتعامل معاملة خاصة."
عهد شعرت بالغثيان من كلماته، لكنها رفعت رأسها بشجاعة رغم خوفها، وصوتها يرتجف:
"إنتو عايزين مننا إيه؟! سيبونا واطلبوا أي فلوس… عيلتي هتديكم اللي تطلبوه!"
أطلق أحدهما ضحكة ساخرة:
"فلوس؟! الموضوع أكبر من فلوس يا عروسة."
عهد تجمدت ملامحها، دموعها بدأت تترقرق لكنها ابتلعتها بكرامة:
"إياد… يا رب إياد يلاقي مكانا."
وقبل أن يخرجا، التفت أحدهما وهو يقول للآخر:
"خلي بالك… لو صحي الباقيين، هتبدأ الحفلة بجد."
أُغلق الباب من جديد بصوت صرير، وتركت عهد وحيدة مع خوفها، تتنفس بصعوبة وهي تنظر لصوفيا وعلا وتحاول جاهدة أن تفك الحبال بأسنانها.
********************
في نفس المخزن – الإضاءة الخافتة، الباب يُفتح بقوة، وصوت خطوات واثقة يقترب.
ظهر قاسم بثيابه الفاخرة، يضع عطراً قوياً يملأ المكان، ابتسامة مقززة على وجهه، وعيناه تلمعان بنظرة مهووسة.
قاسم (وهو يبطئ خطواته متعمداً، ناظراً إلى عهد):
"وأخيراً… العروس اللي هزّت كيان قاسم. كنت عارف إن اليوم ده جاي… يوم أبصّ في عينيك من غير ما يوقفني أبوك المتعجرف ولا خطيبك الأهبل إياد."
عهد (ترتجف لكنها ترفع رأسها بجرأة):
"إنت… إنت مقرف! عمري ما هبصلك، ولا حتى لو كنت آخر راجل في الدنيا."
ضحك قاسم ضحكة باردة، يقترب أكثر حتى بات على بعد خطوات منها.
قاسم:
"ده اللي عاجبني فيكي… لسانك النار. بس خليكي فاكرة يا عهد، النار بتتحول لرماد قدام اللي يعرف يطفيها."
في تلك اللحظة بدأت صوفيا تتحرك، عينيها تتفتحان ببطء، ملامحها مرتبكة. نظرت حولها برعب ثم شهقت:
"عهد! إيه ده؟!… فين إحنا؟!"
عهد بسرعة:
"اهدّي يا صوفيا… متخافيش. أنا معاكي."
لكن قبل أن تفيق صوفيا تماماً، ارتفع صوت علا وهي تصحو فجأة، وحين رأت قاسم أمامها شهقت بغضب، ثم بصقت في وجهه دون تردد:
"قرف! عمرك ما اتغيرت يا واطي! يا واد رخيص!"
مسح قاسم البصقة ببطء من على وجهه، ولم يغضب بل ضحك ضحكة باردة:
"الله! لسه نفس الروح النارية يا علا؟ بصراحة… أنا بحترمك، عندك جُرأة أكتر من نص رجالة بلدك."
صوفيا، التي لا تعرف قاسم، نظرت له بصدمة:
"مين… مين ده؟! وشكله وسخ كده ليه؟!"
قاسم التفت لها بابتسامة مغرورة:
"أنا يا عسل… أكبر عدو لعيلة البدراوي. والنهاردة… بقيت أكبر كابوس ليكم كلكم."
عهد صرخت بحدة:
"أنت تحلم لو افتكرت إنك تلمس شعرة مني يا قاسم! تحلم!"
قاسم انحنى قليلًا، وجهه على مقربة من عهد وهو يتلذذ باستفزازها:
"أنا مش بس هلمسك يا عهد… أنا هخليكي مراتي. بالعافية؟ بالرضا؟ ده مش فارق… المهم إنك هتكوني بتاعتي."
صرخت صوفيا بغضب:
"You disgusting freak! Leave her alone!"
(أنت مقرف! سيبها في حالها!)
ضحك قاسم باستهزاء، ثم فجأة رفع يده وأشار نحوهم:
"على فكرة… تعرفوا إزاي وصلتوا لحد هنا؟ إزاي أنا، عدو العيلة من سنين، قدرت ألمسكم بإيدي من غير ما حد يوقفني؟"
سكت لحظة، يتلذذ بتركهم في توتر، ثم أضاف وهو يغمز بعينيه:
"الموضوع مش دايمًا بييجي من برّه… ساعات الخيانة بتيجي من أقرب الناس."
علا اتسعت عيناها فجأة، فهمت بسرعة، وضحكت بسخرية:
"آه… البومة! مين غيرها؟! ثريا… الهانم اللي فاكرا نفسها ست القصور وهي أوطى من التراب!"
قاسم صفق ببطء، ابتسامة شيطانية على وجهه:
"براڤو يا علا… كنت متأكد إنك أذكى واحدة فيهم. بالظبط… الأم الحنونة ثريا هي اللي باعتكم. يا ترى لو عرفتوا ده… هتستحملوا تشوفوا وشها تاني؟"
عهد صُدمت، جسدها ارتعش وهي تهمس بصوت مبحوح:
"مستحيل… مش للدرجة دي…"
لكن صوفيا عضت شفتها، دموعها بدأت تنزل وهي تهتف:
"كنت حاسة! حسيت من أول يوم إن الست دي مش طبيعية!"
قاسم ضحك بصوت عالٍ، صوته يتردد في جدران المخزن:
"المهم مش إنكم عرفتوا… المهم إيه اللي هيحصل بعدين. وصدقوني… مراد هيبوس إيدي علشان يرجّع بنته. وأنا هستمتع بكل ثانية."
اقترب أكثر من عهد، يهمس قرب أذنها:
"استعدي يا عروسة… الجحيم لسه بيبدأ."
*********************
صوفيا (بصوت مبحوح، ودموعها تلمع على خدها):
"مستحيل… يعني معقول ثريا؟! للدرجة دي؟! أنا كنت فاكرة إنها شريرة… بس مش… مش للدرجة دي!"
عهد (تغطي وجهها بيديها وهي تهز رأسها):
"لا… مش مصدقة… دي مرات عمي إيهاب! إزاي تعمل كده؟ إزاي تخون العيلة بالطريقة دي؟"
علا (ترفع يدها فجأة لتوقفهما، بعصبية):
"بس! كفاية دموع وصدمة… مش وقت النحيب! لو قعدنا نعيط هنفضل هنا عبيد عند الوغد ده."
صوفيا (تنظر إليها بارتباك، وصوتها يرتجف):
"طيب… نعمل إيه؟ إحنا مربوطين… والمكان ده شكله مقطوع… حتى لو صرخنا محدش هيسمعنا."
عهد (تتنفس بعمق، تحاول استجماع شجاعتها):
"علا معاها حق… لازم نلاقي حل. أنا مش هسمح أن قاسم ينال مني… ولا منكم."
علا (تبتسم بسخرية، رغم الوضع):
"دي عهد اللي أعرفها… قوية حتى في المصايب. بصوا… أول خطوة: نهدى. اللي خطفونا بشر زيّنا، يعني عندهم أخطاء. دايمًا في ثغرة."
صوفيا (تفكر بسرعة):
"يمكن… يمكن نكسر الحبال؟ أو نلاقي حاجة حادة حوالينا…"
علا (تفتش بنظرها في الغرفة):
"صح… أي حاجة. مسمار، قطعة خشب، حتى حجر. الحبال مهما كانت قوية هتتقطع مع الضغط."
عهد (تنظر حولها بلهفة):
"استنوا… هناك… شايفين الزاوية دي؟ في مسمار بارز من اللوح الخشبي."
صوفيا (بعيون متسعة):
"Yes! That might work!" (نعم! ده ممكن ينفع!)
علا (بجدية):
"تمام. هنمشي واحدة واحدة لحد المسمار. اللي تتحرر الأول تساعد الباقيين."
عهد (بحزم):
"أنا هجرب الأول."
(تبدأ عهد بالتحرك بصعوبة، وهي تزحف على الأرضية الباردة، يديها مربوطة لكنها تحاول دفع نفسها ناحية الزاوية. صوفيا وعلا تشجعانها بصوت منخفض).
صوفيا:
"خدي بالك يا عهد… بلاش يجرحك."
عهد (تضغط على الحبل بالمسمار، تتألم):
"آخ… بيوجع… بس مش هوقف. لازم أقطعهم."
علا (بابتسامة خفيفة رغم التوتر):
"آهي دي بنت مراد اللي أعرفها. عنيدة، ومافيش حاجة توقفها."
(صوت احتكاك الحبل بالمسمار، بعد لحظات من المحاولة، الحبل يبدأ يضعف).
عهد (بفرحة مكتومة):
"بيضعف! خلاص… قربت…"
(صوت طرقعة صغيرة، والحبل ينقطع! عهد تنظر إلى يديها بدهشة، ثم بسرعة تركض نحو صوفيا).
عهد (بلهفة):
"جايالك يا صوفي!"
(تبدأ عهد تفك صوفيا، ثم تساعد علا. وبعد لحظات، الثلاثة أحرار).
صوفيا (تتنفس بارتياح):
"أوووف! الحمد لله! بس… وبعدين؟ الباب مقفول، وورا الباب في حراس."
علا (تبتسم بثقة شرسة):
"يبقى نستنى فرصتنا. الحراس لازم ييجوا يتأكدوا مننا. أول ما يدخلوا… نهجم عليهم كلنا مع بعض. هما فاكريننا بنات ضعاف… هنوريهم العكس."
عهد (بحزم):
"تمام… بس لازم نكون أذكى. لو صرخنا مع الهجوم يمكن حد برّه يسمع."
صوفيا (بصوت خافت لكنها أقوى من قبل):
"أنا معاكم… مش هخاف."
علا (تمد يدها، وكأنها تعقد اتفاق):
"إيد في إيد… هنطلع من هنا سوا."
(تمد عهد يدها فوق يد علا، ثم صوفيا تضع يدها فوق أيديهما. الثلاثة يتبادلن نظرة قوية، مختلطة بالخوف لكن أيضاً بالعزيمة).
عهد:
"سوا… لحد النهاية."
**********************
في فيلا العيلة / أوضة ثريا
ثريا رايحة جاية في الأوضة زي النمرة المحبوسة. ماسكة الموبايل، بتتصل تاني بقاسم، صوتها مليان غيظ وقلق.
ثريا (بهمس متوتر وهي بصا في الشاشة):
يلا يا قاسم… رد بقى! يا ابن الكلب، ماتختفيش دلوقتي! انت فين؟
(ترمي الموبايل على السرير وبسرعة تشيله تاني، تتصل تاني. الموبايل بيرن، مفيش رد. توترها بيزيد، تشتم بصوت واطي.)
ثريا:
يلعن أبوك… ماتسيبنيش كده في نص السكة. ما تفكرش تخوني دلوقتي… أنا اللي عملتك بني آدم، أنا اللي فتحتلك أبواب العيلة…
(فجأة باب الأوضة يتفتح بعنف، يدخل إيهاب واقف عند الباب، حاطط إيده على صدره، عينه باردة وثاقبة.)
إيهاب (بصوت بارد زي السكينة):
كنتي بتكلمي مين يا ثريا؟ وليه مرعوبة كده؟
(ثريا تتجمد لحظة، بعدين تلف له بابتسامة مزيفة تقيلة.)
ثريا (بصوت متكلف):
آه… إيهاب… ما حسّيتش إنك دخلت. كنت بس… بكلم واحدة صاحبتي من أيام الكلية.
إيهاب (بيمشي ناحيتها بخطوات هادية):
صاحبتك؟ (يوقف قصادها) غريب… لهجتك ماكانتش لهجة واحدة ست.
(تحاول ثريا تخبي توترها، تحط الموبايل على الترابيزة وكأنها عادي.)
ثريا:
انت بتبالغ كعادتك… بتفتش ورايا في كل حاجة. مش كفاية إنك عاملني كإني عدوة في بيتي؟
إيهاب (بينحني شوية ناحيتها، صوته مليان احتقار):
عدوة؟ لا… أسوأ. إنتي خنجر مسموم في قلب العيلة. وكل يوم بتأكد إني عملت أكبر غلطة في حياتي لما اتجوزتك.
(عنيا ثريا تلمع بالشر، وتبتسم ابتسامة خبيثة.)
ثريا:
غلط؟ ده أعظم إنجازك. من غيري كنت هتفضل مجرد ظل لإخواتك… أنا اللي عملتك سيد الفيلا، أنا اللي خليتك راجل قدام الناس.
إيهاب (يضرب إيده على الترابيزة فجأة، الموبايل يقفز):
راجل؟! (بيصرخ) إنتي اللي جبتلي العار! كل كلمة بتقوليها بتخليني أِشمئز. فاكرة نفسك هانم؟ إنتي بنت الخدامة شهيرة، ومهما مثلتي أو لبستي حرير، هتفضلي إنتي و امك الحربوقه سمّ في دم العيلة.
(ثريا تتمالك نفسها، بس صوتها يتهز لحظة، تحاول ترد بسخرية.)
ثريا (بضحكة باردة):
آه… رجعنا للأصل. عقدتك القديمة. إنت مش شايفني، إنت شايف أمي. آه، كانت خدامة… بس سابت بصمتها. وأنا دلوقتي ست الفيلا غصب عنكم كلكم.
إيهاب (يقرب أكتر، عينه في عينها):
ست؟ (يضحك بسخرية) لا يا ثريا… إنتي لعنة. واللعنات عمرها ما بتدوم.
(لحظة صمت تقيلة. إيد ثريا بترتعش وهي ماسكة الموبايل. إيهاب يلاحظ.)
إيهاب (بهدوء مخيف):
وكنتي بتكلمي مين قبل ما أدخل؟ مين اللي مش بيرد عليكي دلوقتي؟ عشيق جديد؟ ولا شريك في خيانتك للعيلة؟
(عنيا ثريا توسع، بس تحاول تخبي توترها بابتسامة مصطنعة.)
ثريا:
بطل هبد يا إيهاب… عارف؟ مشكلتك إنك ما بتثقش في حد. حتى ابنك، لو كنت واثق فيه، كنت عرفت إنه محتاج أم قوية، مش واحدة مكسورة.
إيهاب (يقرب أكتر لحد ما يهمس في ودنها):
ابني مالكيش دعوة بيه من النهارده. لو حاولتي تلعبي بيه تاني، أو تلعبِي بعهد أو صوفيا… (يشدد كلماته) والله لأوريكي وشي الحقيقي.
(ثريا واقفة متماسكة، بس رجليها بتتهز من جوة، تبص تحت لحظة، وبعدها ترد ببرود مصطنع يخبي خوفها.)
ثريا:
بتهددني؟ إنت ما تعرفنيش يا إيهاب… ما حدش يهدد ثريا وتفضل كلمته هي اللي ماشيه.
(إيهاب يبصلها بازدراء، يلف ويمشي ناحية الباب.)
إيهاب (قبل ما يخرج، بصوت غاضب):
الكلمة الأخيرة مش هتبقى ليكي… دي هتبقى للعيلة. ومش هسيبك تقربي منهم مهما كلفني ده إيه.
(يخرج ويخبط الباب وراه بعنف. ثريا واقفة لحظات متصلبة، بعدين تقع على السرير، ماسكة الموبايل بإيد مرتعشة، تهمس لنفسها.)
ثريا (بغضب مكتوم):
يا غبي… فاكر نفسك كشفتني؟ إنت ما تعرفش حاجة. لما البنات يقعوا في إيد قاسم… هخليكم كلكم تركعوا قدامي.
************************
في لندن / مكتب آدم في الشركة
(المكتب واسع وفخم، الجدران مغطاة بلوحات فنية نادرة، والإضاءة خافتة. يجلس آدم خلف مكتبه الخشبي الضخم، يرتدي بدلة داكنة أنيقة. عيناه الزرقاوان الباردتان مثبتتان على شاشة أمامه تعرض صوراً من كاميرات المراقبة التي أرسلها رجاله من مصر. يدخل أحد رجاله مسرعاً، متوتر الوجه.)
الحارس (بصوت مرتجف):
سيدي… لدينا أخبار عاجلة.
(آدم يرفع رأسه ببطء، صوته هادئ وبارد كالثلج.)
آدم:
تكلم.
الحارس (يبتلع ريقه):
الفتاة… الآنسة صوفيا… تم اختطافها. لم تكن وحدها. كانت معها قريبتها عهد مراد البدراوي وصديقتها الأخرى… علا أيهم القاسمي.
(آدم يتجمد لثانية، عينيه تضيقان بحدة قاتلة. فجأة ينهض من كرسيه بعنف، صوته يرتفع لأول مرة.)
آدم (بغضب مكبوت):
ماذا قلت؟! تم اختطافها؟ وأنتم ماذا فعلتم؟!
الحارس (يتراجع خطوة، صوته يختنق بالخوف):
سي… سيدي… كنا نراقبها فقط كما أمرتنا. لم تقل لنا أن نتدخل، فقط مراقبة دقيقة…
(يضرب آدم بقبضته على المكتب بقوة، الزجاج يرتجف، الملفات تتناثر. يصرخ بعينين مشتعلة غضباً.)
آدم:
مراقبة؟! (يصمت لحظة، ثم يضحك ببرود مرعب) ماذا ستفيدني المراقبة إذا كانت مختطفة الآن؟ هل أذهب لأري الصور لوالدها وأقول له: "ها هي ابنتك، آخر لحظة قبل أن تختفي"؟
الحارس (يحاول تبرير نفسه):
سيدي… لم نكن نعلم أن هناك خطراً محدقاً…
آدم (مقاطِعاً بعاصفة غضب):
لم تعلموا؟! أنتم بلا فائدة! صوفيا الآن بين أيدي أوغاد لا أعرفهم… وربما… (يضرب المكتب بيده ثانية، يصرخ) ربما يلمسونها!
(آدم يبدأ في المشي جيئة وذهاباً كوحش محاصر. يمرر يده في شعره ويقف فجأة، يحدق بالرجل أمامه.)
آدم (بصوت منخفض لكن مليء بالتهديد):
اسمعني جيداً… منذ اللحظة التي وضعت فيها عيني على صوفيا في لندن… أقسمت أن لا يمسها سوء. أنتم خنتم قسمكم أمامي.
الحارس (يكاد ينهار):
أرجوك يا سيدي… نحن فقط نفذنا الأوامر… أنت قلت: "المراقبة فقط."
(آدم يتقدم نحوه بخطوات بطيئة، يضع يده على كتفه، صوته هادئ لكن قاتل.)
آدم:
وهل تحتاجون إلى أوامر كي تستعملوا عقولكم؟ هل تنتظرون مني أن أخبركم متى تتنفسون أيضًا؟!
(يدفعه بعنف فيرتطم بالحائط، الحارس يتألم لكنه لا يجرؤ على الرد. آدم يعود إلى مكتبه، يلتقط هاتفه الثابت ويضغط رقماً.)
آدم (بصوت حاد):
جهزوا الطائرة الخاصة… سأكون في القاهرة الليلة. أريد كل رجالي هناك قبل وصولي. من خطفها… سأعرفه. ومن ساعده… سأقتله.
(يغلق الهاتف بعنف، يلتفت للحارس الذي ما زال ملتصقاً بالحائط.)
آدم (ببرود قاتل):
أخرج من وجهي… والويل لك إن لم تجد خيطاً واحداً يقودني إليهم قبل أن تطأ قدماي مصر.
(الحارس ينحني برأسه بسرعة ويخرج مسرعاً، يكاد يركض، آدم، يرفع عينيه نحو نافذة المكتب الكبيرة، المدينة مضاءة تحت الليل. همس بارد يخرج من شفتيه.)
آدم (بغضب مكتوم):
صوفيا… أقسم أني لن أتركك بين أيديهم أكثر من هذا. ومن تجرأ على لمسك… لن يعيش ليرى شمس الغد.
*********************
بعد ما رجالة آدم خرجوا، آدم قاعد لوحده في مكتبه. الأوضة ضلمة، بس نور المدينة البعيد داخل من الشباك الكبير. ماسك كباية مية، بس مش بيشرب. عينه مركزة في نقطة في الفراغ. فجأة القسوة اللي جواه بتتكسر، ويبتدي يكلم نفسه بصوت واطي مليان وجع مكتوم.
آدم (بهمس متقطع):
صوفيا…
من إمتى يا ترى بقيتي ساكنة جوايا؟
يقفل عينه بقوة، وذاكرته ترجعه لليلة بعيدة… صورة مشوشة لولد عنده سبع سنين قاعد في طرقة المستشفى، عينه منفخة من كتر العياط، وماسك لعبة قديمة تخص أمه. كان حاسس إن الدنيا كلها وقعت فوق دماغه
آدم – في الذاكرة:
كنت بعيط لحد ما صوتي راح… ماكانش فيه حد. أبويا ماكانش موجود. بس مراته الجديدة… الست الحقيرة اللي ماهمهاش إني فقدت أمي.
في الذاكرة، صوت خطوات صغيرة. طفلة بشعر دهبي زي العسل، لابسة فستان بسيط، ماسكة لعبة قطن صغيرة. لسانها بيتلخبط، بس بتضحك كأنها مش فاهمة الموت. تقعد جنبه وتميل راسها عليه
الطفلة صوفيا (بعفوية بريئة):
ما تزعلش… ماما بتقول… اللي بيروح السما… يبقى ملاك.
(آدم الطفل يرفع عينه المبلولة ويبصلها باستغراب، وهي تربت على كتفه الصغير بإيدها الصغيرة المرتعشة. ماكنتش فاهمة هو بيمر بإيه، بس كانت أول حد يمد له دفء بعد موت أمه.)
آدم – في الحاضر (بصوت مبحوح):
كنتي صغيرة… بالكاد بتعرفي تركبي جملة… ومع ذلك… كنتي الوحيدة اللي حسستيني إني مش لوحدي.
(يفتح عينه، يضحك ضحكة مرة، يمسح وشه بإيده كأنه بيحاول يمسح الذكريات.)
آدم:
وبعدين اختفيتي من حياتي… زي طيف… زي حلم. كبرت مع أبويا ومراته… الساحرة القاسية اللي سرقت طفولتي. ماكانش فيه حد. ضرب، جوع، ذل… وأبويا غرقان في مزاجه، ما بيشوفش حاجة.
(يضرب إيده على الترابيزة بعنف، ويقبض إيده لحد ما مفاصله تبيض.)
آدم:
كل يوم كنت بتعلم أدفن ضعفي… أقتل أي رحمة جوايا… أبقى حجر.
(يسكت لحظة، وبعدين يبتسم ابتسامة حزينة وهو يهمس وكأنه بيكلم شبح الماضي.)
آدم:
بس جوايا… فضِل حاجة صغيرة… وشك يا صوفيا. الطفلة اللي قالتلي: "ما تزعلش".
(يقوم من على الكرسي، يروح ناحية الشباك، يبص على سما لندن المليانة غيم.)
آدم:
ما كنتش أتوقع أشوفك تاني… بس القدر لعب لعبته. ظهرتي قدامي فجأة من شهر… خبطتي فيا بعفويتك البريطانية… وساعتها عرفت إن الطفلة كبرت وبقت ست. أجمل من اللي كنت متخيله.
(يضحك على نفسه بسخرية، يهز راسه.)
آدم:
قلت لنفسي: لا… مش هسيبك المرة دي. مش هدخلي حياتي وتختفي تاني. عشان كده… كنت قاسي، بارد… وعشان كده كمان دخلت حياة أبوكي… شراكتي مع إدوارد؟ مش عشان الفلوس… عندي فلوس تكفيني. كنت عايز أبقى قريب منك… حتى لو كرهتيني.
(يضغط جبينه على الإزاز، صوته يطلع همس مكسور.)
آدم:
أربع سنين فرق ما تعنيش حاجة… إنتي كنتي أول نور دخل حياتي المظلمة… ومش هاسمح للظلمة تسرقك مني تاني.
(يرفع راسه فجأة، ملامحه ترجع لبرودها المعتاد، لكن في عينه نار مولعة.)
آدم (بحزم قاتل):
اللي خطفك يا صوفيا… هيعرف إنه ما خطفش مجرد بنت… ده سرق الحاجة الوحيدة اللي مخلياني آدم صبري بني آدم.
*********************
في فيلا البدراوي / بالليل
الأوضة الكبيرة منورة دفا، وصوت الساعة بيدق بهدوء.
مراد قاعد متوتر، عينه معلقة في الموبايل.
حور رايحة جاية في الأوضة مش قادرة تقعد.
زين قاعد على الكنبة جنب ريم اللي بتحاول تهديه.
سليم واقف عند الشباك، إيديه في جيوبه، بيحاول يبان هادي بس واضح عليه القلق.
مريم وإدوارد قاعدين جنب بعض، وشهم باين عليه الخوف.
ديلان قاعدة ساكتة، عينها بتراقب كل حاجة.
إياد قاعد على حافة الكرسي، جسمه مشدود، عينه على باب الأوضة كأنه مستني يتفتح دلوقتي وتدخل عهد وصوفيا.
ثريا قاعدة في الركن، وشها متجهم، بتحاول تبان باردة.
إيهاب واقف بيراقبها بنظرة حادة.
مراد (متنرفز):
اتأخروا أوي… المفروض كانوا رجعوا من ساعات. عهد عمرها ما بتتأخر كده.
حور (بقلق وهي ماسكة موبايلها):
اتصلت بيها عشر مرات… موبايلها مقفول! وصوفيا كمان مش بترّد!
مريم (صوتها بيرتعش):
مستحيل… صوفيا عمرها ما قفلت موبايلها عليا… حتى لو مشغولة.
(إدوارد يحط إيده على كتفها بيحاول يهديها، بس هو كمان باين عليه القلق.)
إدوارد:
يمكن الشحن خلص… أو اتأخروا في الزحمة.
زين (يهز راسه):
لا يا إدوارد، ده مش طبيعي. عهد عارفة الطرق كويس… وسليم كان وصلهم بنفسه.
(الكل يبص على سليم اللي بيبلع ريقه.)
سليم:
أنا فعلاً وصلتهم لحد المول… حوالي الساعة عشرة الصبح. واتفقنا لو احتاجوا حاجة هتصل بيهم… بس محدش اتصل.
ريم (تحط إيدها على إيد زين):
يعني برّه البيت بقالهم أكتر من تسع ساعات! كتير أوي كده.
(إياد يقوم فجأة، صوته بيعلى ومش قادر يمسك نفسه.)
إياد:
مستحيل! عهد عمرها ما تختفي كده! أكيد في حاجة غلط حصلت!
حور (تحط إيدها على قلبها):
يا رب سلم… أنا قلبي مش مستحمل فكرة إن بنتي تكون في خطر.
(ثريا تحاول تدخل، بصوت بارد ومصطنع):
ثريا:
يا جماعة إنتوا دايمًا مكبرين المواضيع… البنات خرجوا يتفسحوا، يمكن استمتعوا بوقتهم ولا راحوا مع صاحبة ليهم.
(إيهاب يبص لها بنظرة حادة ويرد بسخرية باردة):
إيهاب:
غريب… كأنك واثقة أوي إنهم كويسين. مع إننا كلنا قلقانين.
(ثريا تتوتر وتحاول تخبي ارتباكها بابتسامة مصطنعة.)
ثريا:
قصدي بس ما نفكرش في الأسوأ على طول.
(إياد يصرخ بانفعال):
إياد:
ماما، ده مش وقت الكلام الفاضي! عهد… عهد ممكن تكون في خطر وأنا… أنا مش قادر أقعد مكتوف الإيدين!
(مريم تقوم، دموعها في عنيها، تبص على إخواتها):
مريم:
لازم نعمل حاجة. مش هقعد أستنى مكالمة! بنتي مش بخير… أنا حاسة بكده في قلبي.
(مراد يقوم بحزم، صوته واضح ومليان قلق):
مراد:
سليم، خدني على المول. نبدأ من هناك. لو ما لقيناش أي حاجة… نبلغ البوليس فوراً.
(الكل يقوم في حالة توتر وفوضى. إيهاب لسه بيراقب ثريا اللي بتتهرب من نظرته. ملامحها بقت زي التلج من جوة، بس بتحاول تبان ثابتة.)
إيهاب (بصوت واطي بس مسموع):
في حاجة مش مفهومة… وأنا هعرفها.
ثريا تشد إيدها بصمت، بتحاول تخبي رعشة صوابعها، بس عينها فاضحة خوفها من اللحظة اللي كل حاجة هتتكشف فيها
********************
الكل لسه في أوضة الصالون، التوتر زايد عن الأول. فجأة يدخل راجل شيك، لابس بدلة، في التلاتينات، ووشه جدّي كده وهالته كلها وقار. ده العقيد طارق الصفتي – صاحب العيلة من زمان، وشغال في جهة أمنية. يسلم بسرعة على مراد وزين وإيهاب، ويبوسهم سلام رجال، ويحيّي الباقيين. ثريا تبص له بارتباك واضح، إيدها ماسكة الموبايل لسه، وبصّاله كل شوية كإنها مستنية مكالمة
طارق (يقعد وصوته هادي بس جدّي):
قولولي بسرعة… آخر مرة شافهم حد كانت امتى؟
سليم:
أنا… أنا اللي وصلتهم الصبح المول. كل حاجة كانت تمام، عهد كانت بتضحك وصوفيا فرحانة وعلا معاهم. من ساعتها مفيش خبر.
طارق (بيكتب ملاحظات):
تلات بنات يختفوا كده مرة واحدة… لأ، كده فيه حاجة غلط. هكلم زمايلي فورًا، بس محتاجين أي خيط نمشي وراه.
(الكل يبص لبعض بقلق، وسكتة تقيلة تملى الأوضة. فجأة، إيهاب ينفجر بصوت عالي وهو محدق في ثريا اللي عاملة نفسها هادية.)
إيهاب (بعصبية):
كفاية! أنا مش قادر أستحمل تمثيلك أكتر من كده!
(يقوم بغضب، ويجري على ثريا بسرعة، قبل ما حد يلحقه، يمسكها من كتافها ويزقها على الكنبة بقوة، صوته بيهز الأوضة):
إيهاب:
هم فين؟! اتكلمي يا شيطانة! عملتي إيه في البنات؟!
(الكل يصرخ في وقت واحد: "إيهاااب!"، "اهدَى!"، "بتعمل إيه؟!"، ومراد وزين يجروا يمسكوه ويبعدوه عنها. ثريا تصرخ بخوف مصطنع وتمثل إنها مظلومة، وتحاول تفلت من إيده.)
ثريا (بصوت متقطع):
إنت مجنون! سيبني! أنا مالي ومال الكلام ده!
إيهاب (بيحاول يفلت من مراد وزين):
كذابة! الله يخرب بيتك! أنا عارفك… ريحتك بتفضحك! نظراتك! رعشتك كل ما حد يجيب سيرة عهد أو صوفيا! إنت ورا كل ده!
مراد (يشده بقوة لورا وصوته مليان توتر):
إيهاب! فُق بقى! مش وقت اتهامات من غير دليل!
إيهاب (وعنيه حمراء من الغضب):
دليل؟! إنتوا لسه عايزين دليل؟! أنا عشت معاها عشرين سنة… عارفها أكتر من أي حد! الست دي ما بتفكرش غير في الشر! ضيعت عمري عشانها… وهي دلوقتي بتبيع بناتنا!
(الكل يتصدم ويسكت لحظة. زين يبص لثريا بنظرة عميقة، ومريم تحط إيدها على بقها من الصدمة. حور تبص للأرض كأنها بتحضن عهد في خيالها، على وشك تبكي.)
طارق (بهدوء لكن حاسم):
مدام ثريا… عندك حاجة تحبي تقوليها؟
(ثريا ترفع راسها، تمسح دموعها المصطنعة، وصوتها مليان استجداء كداب):
ثريا:
هو ده جزاتي بعد السنين دي كلها؟! تتهموني إني خطفت بنت أخويا وبنتي؟! هو إيه اللي حصلكم؟!
إيهاب (يصرخ وهو بيحاول يفلت تاني):
"بنتك"؟! من إمتى عهد أو صوفيا بناتِك؟! إنتِ ما تعرفيش يعني إيه أمومة ولا قرابة! كل اللي يهمك سمّك الأسود!
مراد (يقاطعه وهو متوتر بس حاسم):
كفاية يا إيهاب! مش هنضيع وقتنا في خناقات دلوقتي. أهم حاجة نلاقي البنات.
طارق (يقوم، يحاول يمسك زمام الأمور):
كل دقيقة بتعدي بتفرق. عايز موبايلاتكم كلكم حالًا… هفحص آخر مكالمات ورسائل.
(الكل يسلم موبايله بتوتر… إلا ثريا اللي تتردد شوية، وبعدها تمد الموبايل ببطء. إيهاب يضحك ضحكة مريرة، صوته واطي بس مسموع):
إيهاب:
أهو ده اللحظة اللي هتفضحك… أخيرًا.
ثريا تتجمد لحظة، تحاول تتمالك نفسها، وعينيها بتولّع نار وهي بصّة لإيهاب. الجو في الأوضة مشحون لدرجة مخيفة، والكل بين الصدمة والرعب
