
رواية عطر الانتقام والحب الفصل التاسع9بقلم سيليا البحيري
في فيلا البدراوي، أوضة المعيشة
الكل متجمع في الأوضة الكبيرة. الوشوش متوترة، والهمس طالع نازل، والضابط طارق قاعد قدام الترابيزة الكبيرة وبجانبه لاب توب صغير، جاهز يفتش موبايلات العيلة.
طارق (بصرامة):
دلوقتي… هنراجع موبايلاتكم واحد واحد. أي مكالمة غريبة، أي رسالة مش مفهومة… ممكن تكون الخيط اللي يوصلنا لعهد وصوفيا. محتاج منكم تعاون كامل.
مراد مد الموبايل من غير تردد، بعده زين وإيهاب. حتى ديلان حطت موبايلها على الترابيزة بعنف كأنها بتتحدى اللي يشك فيها.
حور (متمسكة بإيد مراد بخوف):
بس يا طارق… بالله خلّص بسرعة… قلبي مش مطاوعني… بنتي في خطر.
مريم (وشها شاحب، بتهمس لإدوارد):
صوفيا… لو جرى لها حاجة، أنا مش هسامح نفسي.
إدوارد (ماسك إيدها يهدّيها):
اطمني… طارق عارف بيعمل إيه.
طارق بدأ يتنقل من موبايل للتاني. يقلب في السجلات، يتفحص الرسايل. الأوضة كلها ساكتة، الصمت خانق. حتى سليم، اللي دايمًا بيعرف يضحّك الكل، قاعد ساكت، عنيه معلقة في الشاشة ووشه قلق.
جيه الدور على إياد. سلّم موبايله وهو باصص لطارق بعيون مليانة قلق:
إياد:
دور على أي حاجة، أي خيط… أنا مش قادر أستوعب إن عهد… عهد مش هنا.
طارق ما ردش، هز راسه وهو مكمّل يراجع الموبايل.
وأخيرًا… جيه الدور على ثريا. مدّت الموبايل ببطء، إيدها بترتعش شوية، بس حاولت تخفي ده بابتسامة باردة:
ثريا (بهدوء مصطنع):
اتفضل يا حضرة الضابط… ماعنديش حاجة أخبيها.
إيهاب التفت لها بنظرة كلها كره، صوته واطي بس لاذع:
إيهاب:
لو عندك ضمير… كان البنات دلوقتي قاعدين وسطنا بأمان.
ثريا طنشته، بس قلبها كان بيخبط جوه صدرها.
طارق بدأ يفتش في الموبايل. الكل مركز فيه. عنيه بتتحرك بسرعة على الشاشة. التوتر واصل للسماء. حور شدّت إيد مراد جامد، ومريم حطت إيدها على صدرها كأنها بتهدي دقات قلبها.
وفجأة… طارق رفع راسه وقال:
طارق:
آخر مكالمة هنا… كانت مع واحدة اسمها "جالا".
ثريا (بسرعة، بتتنفس الصعداء):
آه… جالا دي صاحبتي من زمان… كنا بنتكلم في شوية موضوعات عائلية.
سكتة تقيلة تملّي الأوضة. مفيش حاجة تانية لقاها. رجّع الموبايل لها ببرود:
طارق:
لحد دلوقتي… مفيش دليل ضدك. بس… أي حركة مشبوهة تانية… وأنا أول واحد هيوقفك عند حدك.
ضحكة صغيرة ظهرت على شفايف ثريا، ضحكة انتصار قصيرة، لكن ما طولتش. لأن إيهاب قرب منها بخطوات بطيئة، عينه كلها اشمئزاز:
إيهاب (بصوت واطي مسموع للجميع):
مهما مثلتي… ومهما حاولتي تبيني بريئة… أنا حاسس… متأكد… إن إيدك ورا كل ده. وصدقيني… قريب جدًا… وشك الحقيقي هيتكشف قدام الكل.
ثريا ما ردتش، بصلّه بنظرة باردة، لكن جواها نار مولعة.
الكل ساكت… لحد ما حور انفجرت في البكا وهي بتهمس:
حور:
يا رب… رجّع بنتي بالسلامة.
مريم (بتمسح دموعها بسرعة ومتمسكة بإيد ديلان):
وصوفيا كمان… بنتي يا ديلان… بنتي في خطر.
ديلان (بحزم وهي بتحتضنها):
اطمني يا مريم… اللي يقرب من بناتنا… هنولّع فيه.
طارق بص لهم كلهم بجدية، حط إيده على الترابيزة وقال:
طارق:
الوضع خطير… ولازم نتحرك بسرعة. أي تأخير… ممكن ندفع تمنه حياة البنات.
الكل تبادل نظرات قلق… وفي ركن الأوضة، ثريا قعدت ساكتة، بس ابتسامة ساخرة رجعت لثواني… ابتسامة ما حدش لاحظها غير إيهاب، اللي بص بعيد عنها بكره ظاهر.
******************
بعد كلام طارق الأخير، ساد الصمت القاعة. العيون تعبانة من القلق، والقلوب تقيلة بالخوف. فجأة، صوت إياد ارتفع بغضب ماحدش متعود يسمعه منه:
إياد (بيصرخ):
"أنا مش قادر!! مش قادر أستنى وأنا مش عارف عهد فين!! دي خطيبتي… دي حياتي كلها!!!"
اندفع بإيديه على الترابيزة الكبيرة وزقها بعنف، الأوراق طارت وكام كوباية إزاز وقعت ع الأرض واتكسرت بدوشة عالية.
حور شهقت بخضة، ومريم غطت وشها بكفوفها، ومراد وقف بسرعة يحاول يهدي الجو.
مراد (بصوت عالي):
"إياد!! اهدا يا ابني! الغضب مش هيرجع عهد!"
بس إياد ماكانش سامع. قبضته خبطت في الحيطة جامد لحد ما إيديه حمرت.
إياد (بيصرخ والدموع في عينيه):
"أنا عاجز! عاجز!! هي دلوقتي ممكن تكون بتتعذب… وأنا هنا… واقف مش عارف أعمل أي حاجة!!!"
سليم جري عليه بسرعة ومسكه من كتافه بقوة:
سليم:
"إياد! اسمعني… إنت مش لوحدك. هنلاقيها… أنا وإنت وكلنا… بس كده إنت بتدمر نفسك من غير فايدة."
إيهاب وقف قصاد ابنه، عينه كلها حزن وغضب في نفس الوقت، بس صوته كان حاد وهو بيخفي مشاعره:
إيهاب:
"إياد! إنت ابني… وأنا حاسس بألمك. بس لازم تبقى قوي… عهد محتاجاك قوي مش متهور!"
لكن إياد زق إيد سليم وصرخ تاني:
إياد:
"أنا بموت هنا! كل دقيقة بتمر كأنها سكينة في قلبي! أنا بحبها أكتر من أي حاجة… ومش قادر أحميها!"
زين اتقدم بخطوات ثابتة، وحط إيده على كتف إياد بصوت هادي بس قوي:
زين:
"الحب الحقيقي مش كلام عالي وصوت بس يا إياد… الحب فعل. لو بتحب عهد بجد، لازم تركز… لازم تمسك نفسك. لأن غضبك هو اللي ممكن يضيّعها."
طارق دخل بصوته الحاسم كضابط عارف يسيطر على أي موقف:
طارق:
"اسمعوني كلكم… دلوقتي كل دقيقة بتفرق. أنا محتاج عقول هادية مش قلوب متهورة. إياد، لو فقدت أعصابك دلوقتي، ممكن نضيّع أي فرصة نلاقي بيها عهد وصوفيا."
الكل لف حواليه يحاولوا يهدوه. نفسه كان سريع وصدره بيطلع وينزل، ودموع الغضب نازلة ع خده. قعد أخيرًا على الكنبة، دفن وشه في إيده، وهمس بصوت مكسور:
إياد:
"أنا مش قادر أعيش من غيرها… مش قادر."
وفي وسط ما الكل مشغول بيه، ثريا كانت واقفة من بعيد بتتفرج ببرود. وشها باين ثابت، بس جواها كان بيتخنق. اتحركت بهدوء لورا، خطوة ورا خطوة، كأنها بتذوب في الضلمة.
ماحدش خد باله منها، عيونهم كلها على إياد المنهار.
وبهدوء شيطاني، استغلت الفوضى وتسللت برا القاعة. طلعت السلم بخطوات خفيفة لحد ما اختفت خالص عن عنيهم، سايبة وراها ابنها بيتهد، وجوزها بيولع كره ليها، وعيلتها غرقانة في دوامة رعب وشك.
********************
✈️ على متن الطيارة (لندن → القاهرة)
الطيارة بتهتز خفيف في السما، صوت المحركات مالي الجو.
آدم صبري قاعد في مقعد الدرجة الأولى، لابس بدلة سودة أنيقة، ملامحه ناشفة زي الحديد… بس صوابعه بترتعش وهو ضاغط جامد على مسند الكرسي.
المضيفة قربت منه بابتسامة مهذبة:
المضيفة:
"تحب تشرب حاجة يا فندم؟ عصير، قهوة…؟"
آدم (ببرود، من غير ما يبصّ لها):
"لأ."
المضيفة انحنت بخفة ومشيت بسرعة بعد ما حست بحدة صوته.
آدم رجع بظهره على الكرسي، مسك شعره بإيده بعصبية، وصوته طلع مبحوح وهو بيهمس لنفسه:
آدم:
"صوفيا… لو جرالك حاجة… لو حد لمس منك شعرة… والله لأولّع الدنيا."
اتذكر وشوش رجّالته وهما بيبلغوه خبر الخطف، عضّ على سنانه لحد ما حسّ صوت صريرها في ودانه.
آدم (بيغَمغم بغضب):
"أنا ماقولتش تراقبوها عشان تتفرجوا زي العيال العاجزة… هتدفعوا التمن… كلكم."
غمض عينه لحظة… الذكريات ضربته فجأة: الطفلة اللي عندها تلات سنين، صوتها البريء المكسور وهي بتمسح دموعه ليلة ما أمه ماتت.
قلبه اللي كان متحجر سنين طويلة يولع كل مرة يتذكر ضحكتها زمان ووشها البريء.
فتح عينه ببطء، بص من الشباك ع السحاب المتكدّس تحت الطيارة، صوته واطي بس مليان إصرار:
آدم:
"من أول يوم شفتك فيه تاني… عرفت إنك عمري كله. دلوقتي… يا أرجعك بخير… يا أدفن كل اللي وقف قدامي."
طلع تليفونه من جيبه، يقلب بسرعة في رسايل رجّالته في القاهرة.
وصله إشعار جديد:
"المكان اللي اتسحبوا ليه مش معروف… بس عندنا خيط."
ضرب على شاشة الموبايل بإيده جامد لدرجة كادت تتكسر.
آدم (بحسم):
"خيط واحد كفاية. أنا هحوّل الخيط ده لحبل… وحبل المشنقة هيبقى في رقبة اللي مسّ صوفيا."
ثبّت نظره لقدام، عينه ولّعت زي جمرة مشتعلة.
الركاب التانيين بصّوا له باستغراب من شدّة توتره، بس هو ماهمّوش حد
*******************
📍 في مكان تاني
الأوضة شبه ضلمة، لمبة صفرا باهتة متعلّقة من السقف وبتترجّ خفيف.
صوت خطوات بعيد بيتسمع كل شوية ويختفي، والريح داخلة من شباك صغير عالي.
عهد قاعدة ع الأرض جنب الحيطة، وشها شاحب بس عنيها فيها تحدّي.
جنبها صوفيا وعلا، قاعدين لزقين في بعض كأنهم جسد واحد، حضنين بعض من الخوف.
صوفيا (بصوت بيرتعش، بالعافية مسيطرة ع نفسها):
"أنا… ماكنتش متخيلة ده يحصل… ولا حتى في أبشع كوابيسي."
علا (بتحاول تبقى قوية رغم القلق):
"اسمعوا… مش وقت انهيار. لو بان عليهم إننا ضعاف، هيسيطروا أكتر. لازم نفضل ماسكين نفسنا."
عهد (بتهز راسها، مخبية رعشة إيدها):
"علا معاها حق… بس… أنا واثقة إن بابا… خصوصًا إياد… هييجوا. إياد مستحيل يسيبني هنا."
صوفيا (ببص لها والدموع مالية عينيها):
"إياد بيحبك بجد… أنا بشوف ده في كل مرة عينه بتقع عليك. وخالو مراد… لو اضطر يهد جبال عشان يلاقيكي… هيعملها."
علا (بتضحك خفيف رغم خوفها):
"وأنا كمان مش هسيبكم. لو فاكرين هيعرفوا يفرّقونا… يبقوا بيحلموا. إحنا تيم واحد."
عهد رفعت راسها وبصّت للبنات:
"إحنا دلوقتي إخوات. لو خرجنا… هنخرج سوا. ولو… (بتسكت لحظة وتبلع غصتها) حتى لو حصل أي حاجة… هنكون مع بعض."
صوفيا (ممسكة إيد عهد بقوة):
"لأ! هنخرج ونضحك تاني ونرجع نغنّي ونزعّق في البيت زي العادة. مش هقبل غير بكده."
علا (بتبصلهم بصرامة وعينيها بتدمع):
"يبقى نتمسّك بده. نستنى اللحظة اللي نقدر نتحرك فيها. ثريا وقاسم فاكرين نفسهم كسبوا… بس النهاية مش ليهم."
سكتوا لحظة، مفيش غير صوت أنفاسهم المتقطعة.
عهد همست وهي شايلة عينيها للسقف:
"إياد… بابا… أرجوكوا تعالوا بسرعة."
صوفيا حطت راسها على كتف عهد، وعلا حضنتهم هما الاتنين.
تلاتتهم متكتفين ضد الخوف، بيحاولوا يحوّلوا الرعب لقوة.
*********************
📍 جوا المخبأ، بعد لحظات سكوت للبنات
الأوضة زي ما هي… ضلمة إلا من نور أصفر باهت من لمبة مكسّرة، والجدران الرطبة مخلّية الجو كئيب أكتر.
عهد مسنودة ع الحيطة، عينيها نص مقفولة من التعب.
علا مركّزة تحاول تسمع أي صوت ورا الباب.
أمّا صوفيا… غرقانة في سرحان غريب.
صوفيا (بهمس، كأنها بتكلم نفسها):
"آدم…"
علا (مستغربة وببص لها):
"آدم؟ مين آدم؟"
صوفيا (اتلخبطت وحاولت تبرر):
"آه… هو… شريك بابا الجديد في لندن. شاب متكبر، مستفز، مغرور للآخر. اتقابلنا كذا مرة… وبصراحة مش طايقاه."
عهد (بتعب وفضول):
"طب ليه افتكرتيه دلوقتي؟ إحنا في كارثة… وهو آخر واحد ممكن يخطر على بالك."
صوفيا (بتضغط صوابعها على جبينها، كأنها بتحاول تمسك ذكرى):
"مش عارفة… فجأة حسيت إن اسمه مش غريب عليا. كأني أعرفه من زمان… من قبل ما يبقى آدم المتكبر اللي أعرفه دلوقتي."
علا (بتهز راسها):
"يمكن دماغك الباطن بيحاول يلهيك عن الخوف؟ ممكن."
صوفيا (بصوت هادي، كأنها بتحكي مع نفسها أكتر من الباقي):
"لأ… مش كده بس. في حاجة أعمق. أول مرة سمعت اسمه… حسيت بحاجة غريبة… لا ارتياح ولا خوف… كأنه صدى بعيد في دماغي. ما اهتمتش وقتها. دلوقتي… وأنا قاعدة هنا… فجأة وشه بيعدي في دماغي. مش وشه دلوقتي… لأ… وش طفل."
عهد (مندهشة):
"طفل؟!"
صوفيا (بتبتسم ابتسامة صغيرة حزينة):
"أيوه… طفل صغير، ملامحه حزينة… بيعيط. وأنا… كنت لسه صغيرة أوي. بالكاد كنت بعرف أتكلم. بس في صورة كده في دماغي إني حاولت أواسيه. غريب… نسيت الموضوع خالص، وفجأة رجع كأنه حلم قديم."
علا (بصّاها بشفقة):
"يمكن خيال يا صوفيا… الواحد لما يتوتر بيتلخبط عنده الماضي بالحاضر."
صوفيا (بتهز راسها بإصرار خفيف):
"يمكن… بس الإحساس قوي أوي. لو كان هو فعلًا… يبقى القدر عجيب بطريقة تخوف. يعني أقابله تاني بعد سنين… وأنا مش عارفة مين هو؟"
عهد (بصوت ضعيف لكن حنون):
"يمكن مش صدفة يا صوفيا. يمكن ربنا بيرتب حاجات إحنا مش فاهمينها دلوقتي."
صوفيا تنهدت وشدت على إيد عهد وعلا:
"يمكن… بس دلوقتي كل اللي عايزاه… إننا نخرج من هنا بخير. آدم أو غيره… كله مش مهم دلوقتي."
علا (بحزم):
"بالظبط. مش وقت نفكر غير في إننا نصمد."
عهد (بهمس وهي مغمضة عينيها شوية):
"بس أنا واثقة… إن اللي بيحبونا دلوقتي بيقلبوا الدنيا عشاننا. سواء إياد… أو بابا… أو حتى آدم اللي إنتِ مش طايقاه يا صوفيا."
صوفيا (بتضحك بخفة رغم القلق):
"آدم ده لو جه بنفسه… أول حاجة هعملها إني أزعق في وشه. وبعدها… يمكن أشكره."
ضحكت عهد وعلا بخفوت، رغم إن أعصابهم تعبانة.
المشهد اتجمّد عليهم وهما متكاتفين، وصوفيا لسه بتدور في دماغها الذكرى الغامضة عن آدم… زي طيف قديم ناقص يتكشف.
*********************
البنات التلاتة متكومين في ركن الأوضة… الجو خانق، والقلق باين في العيون.
عهد كانت سارحة، بس فجأة تنهدت وقالت بصوت فيه غُصّة:
عهد:
"عارفين إيه اللي قاهرني أكتر من إننا محبوسين هنا؟ إن البومة ثريا هي السبب. مش قادرة أصدق إن وصلت تعمل كده."
صوفيا (رافعه حواجبها بدهشة):
"ثريا؟! إزاي يعني؟ قصدك مرات خالو إيهاب؟ اللي كانت لابسة وش الغلبانة طول الوقت؟"
علا (بعصبية وهي مقفّلة إيدها):
"أنا من أول يوم شفتها ما دخلتش قلبي. ست كلها سَمّ. كنت حاسة إنها مخبية حاجة… بس ما توقعتش توصل للدرجة دي."
عهد (بصوت مليان وجع):
"إنتي ما تعرفيش يا صوفيا… ثريا دي مش مننا ولا هتبقى مننا. دي بنت واحدة اسمها شهيرة… كانت خدامة عند جدو عادل وتيتة ليلى. الست دي حاولت تدمر العيلة كلها… لدرجة إنها حاولت تغوي جدو عادل بنفسه."
صوفيا (منصدمه، عينيها وسعت):
"إيه!! جدو؟! مستحييييل!"
عهد (بتهز راسها):
"آه… كانت حقودة بطريقة محدش يتخيلها. ولما ما نجحتش، قضت عمرها كله تزرع الكره في قلب بنتها ثريا. ودي كبرت بنفس الحقد، وجاية دلوقتي تنتقم مننا كلنا."
علا (باحتقار):
"أهو ده يفسّر كل حاجة… الغل اللي مالي عنيها، والغيرة اللي ما بتخلصش. ست ما عاشتش غير عشان الخراب."
صوفيا (متوترة وهي بتتنفس بسرعة):
"دلوقتي فهمت ليه خالو إيهاب كان بيبصلها بعيون كلها كره. بس ليه اتجوزها أصلاً؟"
عهد (بهدوء وصوتها واطي):
"عشان شفق عليها. ماما قالتلي… إن بابا إيهاب وقتها حس إنها يتيمة ومكسورة بعد موت أمها شهيرة، فافتكر إنه بيعمل خير. بس الحقيقة إنه جاب التعب والشر برجليه لبيتنا."
علا (بسخرية):
"شفتوا نتيجة الطيبة الزيادة؟ هانم ثريا دلوقتي بتبيع بنات العيلة للكلاب."
صوفيا (مرتعشة من الغضب، وبصوت حاد):
"والنبي يا عهد… لو طلعنا من هنا بخير… ثريا دي هتشوف مني وش ما شافتوش قبل كده. أنا كنت ساكتة وقلت يمكن مظلومة، يمكن misunderstood زي ما بيقولوا… لكن بعد اللي عملته؟ لأ. خلص. دي خيانة وسفالة ما تتغفرش."
عهد (عنّيها دمعت من الغيظ):
"وإحنا مش هنسيبها. بابا… وإياد… وسليم… كلهم مش هيسكتوا على حقنا."
علا (بحزم):
"بس قبل ما نستنى منهم أي حاجة… لازم إحنا جوة نفسنا نوعد إننا مش هنكون ضحايا. ثريا وقاسم فاكرين إنهم كسرونا؟ لأ. لو ما عرفناش نهرب… هنقاوم لآخر نفس."
البنات بصّوا لبعض بنظرات كلها قوة رغم الخوف.
الأوضة المظلمة ما بقتش ساكتة… اتملت بوعود صامتة بالانتقام والصمود.
**********************
بعد كام ساعة…
الأوضة مظلمة، مفيهاش غير لمبة صفرا صغيرة متعلّقة في السقف.
صوت خطوات بيقرب… والباب الحديد بيصرّ وهو بيتفتح، ويدخل قاسم. لابس بدلة غامقة كأنه داخل اجتماع شغل، بس عنيه مولّعة جنون.
في إيده فايل أسود، يطلع منه ورقة مطبوعة ومتنيّة كويس.
قاسم (بصوت بارد):
"مساء الخير يا أميرات… أو يمكن أقول عرايس المستقبل. جبتلكوا هدية صغيرة… عهد، دي ليكي مخصوص."
يمد الورقة ناحيتها. عهد تبصله باحتقار، وما تمدش إيدها.
عهد (ببرود وسخرية):
"إيه ده؟ وصلة كهربا جديدة؟ ولا ورقة عفو عن جرائمك؟"
قاسم (يبتسم بخبث):
"دي عقد جواز عرفي. هنكتب اسمك جمبي، وتبقي مراتي… رسمي. ودي أحلى نهاية للعبة بتاعتك."
علا (تقهقه بسخرية):
"يا نهار إسود! هو إنت فاكر نفسك فارس الأحلام؟ إنت حتى ما توصلش لمستوى كابوس رخيص."
صوفيا (بعصبية، عنيها مولّعة):
"جواز إيه يا مريض؟! متخيل إن عهد أو أي واحدة عاقلة ممكن تربط نفسها بواحد زيك؟ عيب تقول الكلمة دي أساسًا."
قاسم (يتجاهلهم، وينحني ناحية عهد):
"إمضي… نختصر وقت. أبوكي مراد ولا خطيبك إياد مش هيعرفوا ينقذوكي. وصدقيني، الجواز ده أرحملك من… اختيارات تانية."
عهد (تبتسم بسخرية وترفع نظرها فيه):
"عارف مشكلتك إيه يا قاسم؟ فاكر إن الفلوس والتهديد يخلوك راجل. بس الحقيقة… إنت أوطى من إنك تتسمّى راجل أصلاً."
قاسم يتجمد لحظة، وبعدين ملامحه تتقلب غضب وعروقه تنفر.
قاسم (بصوت حاد):
"خلي بالك… أنا أقدر أدمرك في ثانية."
عهد (تخطو خطوة لقدام، تبصله في عينه):
"إنت حاولت تدمر عيلتي كلها… بس مش هتنجح. حتى لو موتني هنا… هتفضل مجرد وصمة تحت رجلين بابا وإياد وسليم. فاكر نفسك إيه؟ فارس زمانك؟ لا… إنت مهزلة."
علا (بحِدّة وهي تشاور بإيدها):
"قولتلك من الأول يا قاسم… عهد مش ناقصاها. روح دوّر على واحدة على قدك… لو لقيت أصلاً."
صوفيا (تضحك بسخرية باردة):
"بصراحة… أنا شايفة إنك محتاج دكتور نفسي قبل ما تفكر في أي جواز. وحتى ساعتها، مستحيل تلاقي واحدة إلا لو مدفوع تمنها."
قاسم يخبط إيده على الترابيزة المعدنية بعنف، الورقة تتبعتر وتكاد تتقطع.
يتنفس بصعوبة من الغيظ.
قاسم (بصوت مخنوق بالغضب):
"إنتوا… هتشوفوا أنا أقدر أعمل إيه. عهد… فاكرة كلامي. لو مش دلوقتي… قريب جدًا هتبقي مراتي غصب عن الكل."
عهد (رافعه راسها باحتقار، بصوت ثابت):
"اسمع يا قاسم… لو كنت آخر راجل في الدنيا… ولو كان آخر نفس فيها… عمري ما أكون ليك. وده وعد."
علا (تضحك بسخرية):
"شوف… حتى الوعود هنا ضدك. إنت رسمي أفشل خاطب في التاريخ."
صوفيا (ترفع حواجبها):
"Congratulations, loser."
قاسم يزمجر زي الحيوان الجريح، يلمّ الورقة بسرعة ويخرج وهو يخبط الباب بعنف.
البنات يبصول بعض بنظرات كلها قوة رغم الخوف… والاشمئزاز لسه باين على وشوشهم.
*******************
في القاهرة، جوة جناح آدم الفخم في الفندق بعد ما وصل بساعات قليلة.
الأوضة مليانة رجّالته، واقفين صف واحد قدامه برهبة.
آدم واقف عند الإزاز الكبير اللي بيطلّ على القاهرة، إيديه ورا ضهره، ملامحه جامدة زي الحجر… بس عنيه مولّعة نار كأنها هتحرق المكان.
آدم (بصوت هادي بس مرعب):
"اتخطفت… صوفيا."
يسكت ثواني، وبعدين يلف فجأة، صوته يجلجل زي الصفعة:
آدم:
"صوفيا… ومعاها بنتين. إنتوا… كنتوا هناك، بتراقبوا، وشفتوا كل حاجة… وما تحركتوش! عاجزين حتى تحموا بنت!"
يضرب بكفه على الترابيزة الإزاز، الترابيزة تتشرخ من قوة الضربة.
الرجالة يرتعشوا، ولا واحد فيهم قادر يرفع عينه.
آدم (بيمشي بخطوات تقيلة، صوته زي الرعد):
"قدامكم ساعة… ساعة واحدة بس… تجيبولي مكانهم. اسم الشارع… الباب… حتى الحجر اللي مرمي قدام المخبأ. كل تفصيلة. لو الساعة عدّت وما جبتوش خبر… ورحمة أمي… هتتمنوا الموت قبل ما أشوف وشوشكم تاني."
يبصّ في عيونهم واحد واحد، نظرته تخترق الروح.
آدم (بهدوء أبرد من صوته العالي):
"أنا مش بهدد… أنا بوعد."
أحد الرجالة (مرعوب، صوته بيرتعش):
"حاضر… حاضر يا بيه. هنقسم نفسنا فرق. هنقلّب القاهرة حجر حجر. مش هتعدي نص ساعة غير ونبعتلك أول خيط."
آدم (يهز راسه بابتسامة باردة مخيفة):
"كويس… عشان لو غلطتوا تاني… أنا اللي هقلّبكم إنتوا رماد."
الراجل يرجع خطوتين لورا، وشه باين عليه إنه هيقع من الخوف.
آدم يرجع يقف عند الإزاز، يحط إيديه في جيوبه، ويهمس بصوت واطي بس مسموم:
آدم:
"استحملي يا صوفيا… أنا جاي. واللي لمس شعرة منك… هيعيش جحيم عمره ما شافه."
الأوضة اتغرق فيها الصمت المليان رهبة، مفيش غير صوت أنفاس رجّالته المتقطعة… وكلهم فاهمين إن قدامهم ساعة واحدة بس… ينقذوا نفسهم من بطش آدم.
*****************
فيلا العيلة – أوضة ثريا
الأوضة منوّرة بنور خافت.
ثريا قاعدة على طرف السرير، ماسكة الموبايل بإيدين بيرتعشوا من كتر ما حاولت تتصل وفشلت. فجأة الموبايل ينور… قاسم بيتصل.
ثريا (تلقط الموبايل بسرعة، بصوت متوتر):
"أخيرًا! فين كنت؟ ليه ما بتردش عليا يا جبان؟ أنا كنت هموت من القلق!"
يجي صوت قاسم من السماعة، بارد ومتعجرف:
"اهدي يا ثريا… كله تحت السيطرة. العملية نجحت. عهد… في إيدي."
عنينا ثريا توسع، تقوم واقفة كأن صعقتها كهربا.
ثريا:
"يعني… يعني خطفتها؟! برافو… برافو جدًا! هتخليني أوري أبوها إنه ما يسواش قرش!"
ضحكة قاسم تيجي ساخرة، مليانة خبث:
"اهدي يا حمارة. قلت عهد وبس. خلص دورك… أنا مش محتاجك تاني."
صوت ثريا يتحوّل من توتر لزعيق مليان غضب:
"إيه؟! إنت بترميني بعد اللي عملتهولك؟ بعد ما خططت وساعدتك تدخل حياتنا وتعرف تحركاتهم؟! أنا اللي مهّدتلك الطريق يا قاسم! أنا اللي فتحتلك أبواب عمرك ما كنت توصلها!"
قاسم (يضحك ضحكة قذرة):
"إنتي كنتي وسيلة… مجرد أداة. وكل أداة في الآخر بتتكسر بعد ما تخلص شغلها. عهد معايا… وخططي معاها أكبر منك وأذكى منك."
ثريا تبقى هترمي الموبايل من شدّة الغيظ، بس تمسك نفسها، تضغط سنانها وتصرخ:
"فاكر نفسك إيه؟ أسد؟! لأ يا قاسم… إنت ضبع… ضبع وسخ! إنت مش عارف أنا مين. ثريا مش لعبة في إيد حد… أنا اللي بلعب بالكل! وهخليك تندم إنك استغليتني!"
صوت قاسم يفضل بارد زي السيف:
"جرّبي لو عندك جُرأة. بس صدقيني… لو وقفت ضدي، هتكوني أول واحدة تتحرق في النار اللي هولعها. وخلي عندك يقين… سرّك عندي، ماضيك الوسخ… هيبقى سلاحي لو فتحتِ بقّك."
يقفل المكالمة فجأة.
ثريا تبص في الموبايل، وشها يتقلب لقناع كله حقد وسواد.
ثريا (بتتمتم، عنيها شرار):
"غبي… غبي! فاكر إنك هتتخلى عني بالساهل؟ لأ يا قاسم… إنت اللي مش هتعيش عشان تشوف آخرتك. ثريا ما بتترميش… ثريا بتفترس!"
تضحك ضحكة هستيرية مجنونة، وتقعد قدام المراية، تمسح أحمر شفايف غامق بلون الدم… كأنها بتعلن حربها الشخصية.