رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثامن8بقلم داليا السيد


رواية غرام في العالم السفلي الفصل التامن بقلم داليا السيد

هجوم 
ما أن وصلت سيارته المكان المحدد حتى فتح له صفوان فنزل والظلام ستار جيد 
بار قديم بجوار البحر بمنطقة عشوائية ليست حتى على الخريطة، تقدم منه سعد، كان بديل أنس الذي التزم بحراسة زوجة الريس  
"هما اثنان يا ريس"
دخلوا المكان الذي فاحت منه رائحة الخمر السيء والبيرة الفاسدة، هو يعرفها جيدا كثيرا ما تناولها وهو صغير حتى توقف نهائيا عن كل شيء 
دخان السجائر حجب الرؤيا وجعل الجو أكثر اختناقا، صوت موسيقى لا معنى له يصدع من مكان ما، رجال ساقطة على الموائد تقريبا فاقدة الوعي ويدهم تمسك ذلك الكوب من الصفيح أو الاستانلس ستيل
تحرك ثلاثتهم وصفوان يتقزز من كل ما حوله، لم يعبث بتلك الأماكن كثيرا.. هارون منحه حياة كريمة 
"الرائحة مقززة"
سعد أشاح بوجهه بالجانب الأيمن "هما هناك"
تحركوا تجاه المائدة التي أشار لها سعد ولاحظ هارون الرجل الذي يقف عند البار يقدم المشروبات وهو يحدق بهم محاولا التعرف عليهم 
الرجلان، شاغلي المائدة، كانا ثملين بشكل واضح، هارون جذب أحدهم من كتفه وقال "أنت، هل تسمعني؟"
الرجل رفع الكوب لفمه ولكنه كان فارغا وهتف بطريقة تدل على الثمالة بالطبع "أسمع العصفور يغني فوق الشجرة"
تركه هارون وجذب الآخر "أنت، ما اسمك؟"
ضحك الرجل وهتف "اسمي!؟ لا أذكر"
بلحظة تقدم رجلان منهم أحدهم كان يتحرك وكأنه مصارع فائز على حلبة المصارعة "من أنتم وماذا تريدون؟"
تدخل صفوان بنبرة مماثلة له "وما شأنك أنت؟"
نفخ الرجل عضلات صدره أكثر وعيونه القاتمة تتفحص ثلاثتهم بينما ندبة، امتدت من تحت عينه اليسرى وحتى رقبته، بدت ظاهرة 
"هو شأني، والآن إما أن تخبرني ماذا تريدون أو نلقيكم بالخارج"
كاد صفوان يتهور لولا أن هارون تحرك وواجه الرجل بهدوء الزعيم "هذين الرجلين مدينان لنا ونحن نريدهم أن يخبرونا بمكان أشياءنا"
حدق الرجل بهارون وملامحه نمت عن أنه لا يصدق ما قاله هارون 
"كاذب، هما لا يملكان حتى ثمن ما يشربوه"
احتفظ هارون بهدوئه فهو هنا لهدف وعليه أن يحققه "هل تدعنا نسألهم بهدوء وسنرحل على الفور؟"
لكن الرجل كان غبي هكذا فكر صفوان وتعجب من صبر الريس على غروره الغبي ونبرته التي ظن أن التهديد بها سيخيفهم ولم يعرف أنهم أبناء العالم السفلي 
"سترحلون الآن وإلا لن تخرجوا سالمين"
أبعد هارون وجهه وقد أدرك أن لغة التفاهم معهم ليست الكلمات ومع ذلك أغلق أصابعه بجواره وقال "تقريبا أنت لا تفهم"
غضب الرجل وهتف وهو يستعد للقتال مع هارون "كيف تجرؤ أيها الغبي؟"
وانتهى الهدوء، رحل مع قبضة هارون التي اندفعت لفكه فأخرسته وجعلته يترنح 
التقط صفوان صافرة البداية ولكم الرجل الثاني وسرعان ما انضم لهم ثالث تولاه سعد 
اشتبكوا جميعا بصراع ليس متكافئ، هارون يعرف كيف يدرب رجاله جيدا فهو تدرب بحرفة على يد خبير علمه أصول القتال 
انتهى الصراع بدقائق والرجال الثلاثة تكوموا ما بين ممدد على الأرض وواحد حطم مائدة من ثقل جسده ونزل بها على الأرض، الثالث ارتطم بالسلالم البعيدة والرجال لا تتحرك من حولهم وكأن الخمر أذهب عقولهم بل هي بالفعل ضيعت كل ما يملكوه، عقولهم، صحتهم وبالطبع أموالهم
جذب هارون واحد من الرجال وشبه حمله بساعديه بلا أي مجهود وهتف بسعد ليجلب الآخر وتبعه للخارج، ألقوهم بالسيارة كشوال بطاطا
"إلى المخزن صفوان"
ما أن وصلوا المخزن الخاص بهم حتى كانوا يغرقونهم بالمياه ليستعيدوا وعيهم
وبدأ الاستجواب.. وبدأ صفوان عمله
استخلاص المعلومات بطريقته التي ترهب عدوه..
عندما انتهوا وخرجوا كان النهار قد ارتفع فتحرك للسيارة وصفوان يتبعه "هذا يعني أن هناك طرف ثالث مجهول يرغب باللعب معك"
دخل السيارة بعد أن تخلصوا من الرجلين بمكان مهجور وهو يفكر 
الرجلان لم يمنحاه أي أسماء فقط رجل مجهول أخفى وجهه، منحهم مال كثير وطلب منهم إحراق ذلك المخزن، أغمض عيونه وهو يشعر بالغضب لأنه لا يصل لشيء 
سعد نفخ وهو يدرك أن الامر لم يكن ذا فائدة "هذا عدو جبان"
قال صفوان "هذا عدو يخطط للمزيد"
ونظر لهارون بالمرآة ولكنه لم ينظر له وما زال يفكر بأي شيء يصل به لذلك العدو المجهول 
رنين هاتفه جعله يلتقطه ليرى اسم أحد رجاله يقول "نريدك بالملهى يا ريس"
ودون انتظار أي تفسير نظر لصفوان وقال "المعمورة صفوان، مشكلة بالملهى هناك"
صفوان على حق هذا عدو يخطط للمزيد ويدرك متى يلقي بأوراقه الناسفة
ليلة زفاف الزعيم..
*****  
الصباح أتى بعد ليلة طويلة دموعها لم تجف خلالها.. 
هاتفت صفوان كثيرا لكن هاتفه مغلق وبالمرة التي حصلت على رنين أغلق عليها.. لن يهتم بها 
تسللت كي لا يراها سعد، الصمت كان يعم المكان والحراسة لا تهتم بها فقط عيونها كانت تبحث عن سعد فلو رآها سيوقفها عن الخروج
دخلت سيارة الأجرة ولم تعرف أين ستذهب وهي تضع حقيبة ملابسها بجوارها ولكن قد تكون شقتها القديمة..
لن تتزوج ذلك السيد أبدا..
هاتفها رن بشكل جعلها تفزع وتفكر بسعد لكن الرقم الغريب جعلها لا تدرك هل تجيب أم لا حتى قررت
"من معي؟"
لم تحتاج للكثير لتعرف صوته وانفرجت شفتاها من الدهشة "كيف حال قدمك؟"
هل حقا يهاتفها؟ هي ليست امرأة ممن يعرفهم ولكنها ما زالت تعمل لديه
"بخير، شكرا لكل ما فعلته لأجلي"
تحرك لنافذة المكتب ووقف أمامها وهو ينفث دخان السيجارة أمامه "العمل يمنح ثلاثة أيام اجازة مرضية والعمل عندي يوم واحد وقد انتهى بالأمس"
أي جنون هذا الذي يفعله، لقد طالب الطبيب براحة اسبوع وهو يأمرها أن تأتي!؟
أخبر زينب منحها ثلاثة أيام وهو يخبرها ماذا؟
أغمضت عيونها ولا تعرف ماذا تفعل؟ سعد طالبها بعدم رؤية رشدي ولو علم سيقتلها
"هل ما زلت على الخط؟"
"سعد يرفض عملي عندك بعد ما حدث بل و.."
رفع وجهه وهو يجذب نفس من السيجارة وهي لم تكمل "هل أسمع صوت سيارات من حولك؟"
حقا!؟ هل أدرك ذلك؟
"اذهبي لمطعم.. وانتظريني نحتاج لأن نتحدث"
وأغلق دون أن ينتظر الرد وهي نظرت للهاتف ولم تمنح دموعها إذن بالسقوط واتخذت قرارها
"من فضلك مطعم.."
****
عندما فتحت عيونها كان الصداع يدق بقوة برأسها وعيونها متورمة من البكاء، اعتدلت لترى ما حولها، قميص النوم ملقى هنا والروب هناك وملابسها الداخلية 
قاومت الدموع مرة أخرى وهي تبعد الغطاء وتحركت للحمام وتركت نفسها للمياه تبعد عنها إرهاق اليوم السابق وحزنها المتملك منها بعد ليلة زفاف سوداء كل ما تبقى منها علامة بعنقها وأخرى بصدرها
هي عروس نحس كما كانت طوال حياتها فما الجديد؟
أعدت قهوة لنفسها والإفطار للرجال والوقت لم يكن مبكرا، كانت الثانية عشر ظهرا عندما فتحت الباب ورأت أنس جالسا يعبث بهاتفه 
"هل تناولت إفطارك أنت والرجال؟"
رفع وجهه لها وربما لاحظ ملامحها المتعبة أو عيونها المتورمة، هو بالأساس كان غير راضي عن انتزاع زعيمه من أحضان زوجته بليلة زواجه لكن هذا هو عالم الديب 
"نحن نتعامل يا باش مهندسة"
نظرت له بعتاب وقالت "ليال أنس ما زلت أختك، تعالى خذ الطعام للرجال"
دخل خلفها للمطبخ وتابعها بنظراته والصمت يلفها وأرجح أنها غاضبة لتركها وحدها بليلة زفافها 
"تعرفين أنها حياته، هو الزعيم"
انتبهت له وأدركت أن حزنها واضح على وجهها وهو يظن أنها حزينة لأنه رحل وتركها وبالطبع لا أحد يعرف ما حدث بينهم
"هذا قبل أن يضع امرأة على ذمته أنس"
ابتسم وهو يرص الأطباق وهي تساعده "هو يعلم أي امرأة أصبحت زوجته، أنت تجيدين التعامل ليال"
هزت رأسها ولم تجادله ولكنها لم تكن تجيد أي شيء مما قال وإلا ما رحل عنها بأهم ليلة بحياتهم رافضا أحضانها 
"ما أخبار مي؟"
وضعت له الأكواب الفارغة والدورق الخاص بالشاي وهو يحاول عدم النظر لها 
"لم أجد وقت لرؤيتها، تعلمين الظروف"
هزت رأسها بتفهم ولم تملك رغبة بالجدال "كنت أتمنى أن أحررك"
رمقها بنظرة ذات معنى "سيقتلني لو غفلت عنك"
هزت رأسها مرة أخرى والصداع يفتك بها وهو يتحرك بالصينية الكبيرة للباب وهي تفتح له ليخرج 
عادت لغرفتها وفتحت جهازها ولم تصدق وهي تجد المجد ترسل لها رسالة 
فتحتها على الفور وانتبهت الآن للاسم 
هارون الديب، هارون هو صاحب تلك المجموعة..
كيف لم تدرك ذلك؟ 
هل عرف أنها هي من تراسل شركاته؟ هل أخبرهم أنها زوجته لذا يراسلونها الآن؟ 
حسابها ليس باسمها المباشر لكن بياناتها الشخصية بملفها الذي أرسلته لهم
الرسالة كانت تخبرها عن موعد الاختبار الشخصي اون لاين وهي لا تعرف هل تقبل أم لا؟ ستنتظر حتى يعود وتتناقش معه بالأمر وإن تملكها شعور كبير بالغضب
تلقت باقي الطلبات من الأماكن التي تعمل لها واندمجت بالعمل فهو دوائها من الأحزان التي تلفها 
رسالة كانت موجودة بصندوق بريدها الالكتروني تطلب لقائها للتوظيف ولم تراها، كانت اليوم بالسادسة 
قررت أن تذهب فلن تظل حبيسة للأبد وأنس موجود ولن يتركها وقد عرفت بالأمس أن امر العطار انتهى لذا لم يعد هناك خطر بخروجها
هاتفته لتخبره لكن هاتفه كان مغلق فزاد غضبها، بالتأكيد غاضب منها أو ندم على زواجهم وتسرعه وربما هذا هو السبب بما حدث بالأمس، شردت بكلماته 
لا امرأة تماثلها، كان يراها بكل امرأة عاشرها، لم يرد سواها فما الذي حدث بالأمس؟
نهضت ورأت أنس يعود بالأطباق "الرجال تشكرك زوجة أخي"
هزت رأسها وتبعته للمطبخ لكنه تولى وضع الأطباق بالمغسلة وكأنه اعتاد ذلك 
"لدي موعد اليوم بالسادسة بشركة.."
التفت لها ونظرات تساؤل بعيونه العسلية فلم تنظر له وهو يقول "الريس يعلم!؟"
لملمت الأكواب لتضعها بالغسالة وهي تحترق من الغضب لأن ببساطة الريس لم يعد يذكر أن له زوجة
"الريس هاتفه مغلق"
جفف يده وهو يتابع ملامحها الغاضبة ولا يفهم هل غياب الزعيم هو السبب 
"لن يمكننا الذهاب دون إذنه"
أشاحت بيداها وقد خرج عفريت غضبها من المصباح ونثر كل شزره من حولها 
"هو عمل أنس ولن أخسر عملي بسبب انشغاله، سأتحرك بالخامسة والنصف"
وخرجت وهو يتابعها بنظراته غير مصدق كلماتها وهي نفسها لا تصدق ما قالت 
بظروف أخرى كان اليوم هو صباحية زواجها ومن المفترض أن تمضيه معه، وحدهم ما بين الفراش واللهو والطعام 
دمعت عيونها للذكرى وهي تقاومها فهي أقوى من أن تنساق للضعف
**** 
ما أن وصل الملهى حتى رأى الرجال تقف بانتظاره، مدير الملهى تحرك له باهتمام بالطبع ونظراته تمتلئ بالقلق مما حدث 
"كانوا على وشك إشعال معركة بين الحضور لكن رجال الأمن أوقفوهم وتم حصر الخسائر ولم تكن كبيرة"
لم يرد وهو يتحرك للداخل والملهى فرغ من أي أحد بهذا الوقت من النهار وبالمكتب الكبير رأى رجلان ملقان على الأرض ومقيدان من أيديهم وأرجلهم ولاصق على فمهم وظهرت كدمات على وجوههم وملابسهم مبعثرة 
"الرجال أشبعتهم ضرب"
لم يهتم بكلمات المدير وهو يركع على ساق لواحد منهم ونزع اللاصق من على فمه، تألم الرجل خاصة وشفته كانت مفتوحة 
"هل ترغب بإكمال ما بدأه الرجال؟"
ترنح رأسه من التعب وهو يحاول رؤية وجه هارون من بين عيونه المتورمة "ليس لدي ما أقوله"
أعاد اللاصق ونهض وقد أدرك أن خروج الكلمات منهم لن تكون سهلة "صفوان هل تحتاج العودة لمكانك؟"
تقدم صفوان وقال "يمكنني التسلية هنا قليلا يا ريس ولو لم يستمتعوا ننقلهم للملاهي الكبرى"
تراجع هارون للخلف وعقد ذراعيه أمامه وقد اتخذ قراره "إذن دعنا نستمتع قليلا"
أحدهم منح صفوان حقيبته التي يحتفظ بها بالسيارة وبدأ الحفل وأصوات الرجلين تصل للسماء حتى هتف واحد منهم بألم 
"يا ريس نحن لا نعرف أسماء"
الدماء كانت تنزف من كل جزء بجسده بل وحروق يعرف صفوان جيدا كيف تؤلم وبشدة
هارون كان يدرك أن الاستجواب بطريقة صفوان تحسم الأمور "من إذن؟"
هتف الرجل من فم امتلأ بالدماء من الأسنان المنزوعة "هي رسالة على الهاتف وتحويل أموال الكتروني بلا مقابلات، يمكنني منحك الرسائل لتتأكد"
نظر لصفوان ثم عاد لمدير الملهى "أين هواتفهم؟"
تحرك الرجل للمكتب وجذب هاتفين وأسرع بهما له وأومأ للرجل المصاب ليتعرف على خاصته فأشار لواحد منهم
بصمة يده فتحت الهاتف والرسائل ظهرت له..
ضغط على الهاتف بغضب فمن يتبعه يرغب بجعله يخسر 
التفت لصفوان ونظراته تعني أنهم وصلوا للنهاية "نظف الأمر واتبعني للسيارة"
تحرك خارجا وسعد خلفه والمدير يلهث خلف خطوات هارون الواسعة "أوامرك يا ريس؟"
لم ينظر خلفه وعيونه لا ترى سوى الرغبة بجز عنق من يفعل به ذلك "من الجيد أنه لا خسائر، عد للعمل وكأن شيء لم يحدث وزد الحراسة"
دخل السيارة وعبث بالهاتف ثم أجري اتصال "أرسلت لك رقم، أريد كل شيء عنه"
أجاب الطرف الآخر "تمام"
أغلق ورأى رسالة بأنها حاولت الاتصال به وقبل أن يهاتفها كان أنس يهاتفه فأجاب "هل حدث شيء، ليال بخير؟"
أجاب أنس "بخير يا ريس ولكن لديها موعد عمل بشركة .. وهي تصر على الذهاب"
أغمض عيونه وذكرى الأمس تتراقص أمامه مما جعله يتساءل كيف يمكنهم المواجهة بعد ما كان بالأمس؟ 
بصعوبة نزع نفسه من أحضانها وكلمتها صفعته وأردته مهزوما وكأنه ارتكب جرما
تنفس وقال "سأهاتفها"
أغلق ثم هاتفها.. 
أضاء هاتفها بجوارها وهي تعمل فانتبهت لاسمه، ارتفعت دقات قلبها وكأنها لا تدق إلا له، الحمقاء.. قلبها بالفعل لا يدق سوى له حتى وهي غاضبة منه 
ظلت تنتظر لتنظم أنفاسها قبل أن تفتح وتسمع صوته "هل اتصلت بي؟"
رفعت وجهها بتماسك فلن تجعله يشعر بالغضب ولا بالألم الذي خلفه ما فعله معها ولكن هيهات..
"نعم، لدي مقابلة شخصية بشركة.. بالسادسة وسأذهب لإجرائها"
أبعد وجهه وصفوان يخرج من الملهى فقال "لست بحاجة لهذا العمل ليال"
قالت بضيق "أنا لا أعمل للاحتياج هارون، هذا ما أحبه وأرغب به"
دخل صفوان السيارة فقال "انتظري"
نظر لرجله وقال "المكتب القديم"
وعاد لها "اليوم ليال؟"
صمتت ولم ترد ودموع تكورت بعيونها فعاد يغمض عيونه متجاوزا المنطقة التي لن يمكنه دخولها الآن
"لديك الكثير من الشركات يمكنك التنازل عن تلك"
العناد ركبها رافضة منحه سيطرة عليها حتى ولو كان الريس "مثل شركتك مثلا التي أخبرتهم أخيرا أن يوافقوا على طلباتي التي كانت ترفض مرارا وتكرار؟ لا لم أعد أرغب بها لمجرد أنني أصبحت زوجتك ولن أتنازل عن موعد اليوم هارون، أنا ذاهبة"
وأغلقت الهاتف والجنون عصف بها..  
قبض على الهاتف بقوة وهي تتحداه والغضب واضح بنبرتها وهو لم يواجها وتركها ورحل بلا أي كلمات والآن تتحدث عن شركته 
هو لا يفهم أي شركة وأي طلبات التي تتحدث عنها؟
ما أن دخل مكتبه حتى تبعته السكرتيرة "من المسؤول عن تلقي طلبات العمل أون لاين؟"
نظرت له الفتاة وردت بعملية "السيدة رجاء"
عاد لها بنظراته وهو يجلس راغبا بفهم ما حدث مع المجنونة التي تركها بالبيت تشتعل من الغضب 
"أريد رؤيتها وأرغب بمعرفة كل الطلبات المقدمة مؤخرا"
كان ذهنه مشوش بالكثير ومع ذلك منح ما أمامه اهتمامه حتى دق الباب ودخلت امرأة بالأربعين تقريبا عرف بالطبع أنها رجاء
"حضرتك طلبت رؤيتي!؟"
انتهى من هاتفه وتركه على المكتب وتأمل المرأة التي كانت تبدو قلقة وهي تجلس أمامه "هل تلقت الشركة طلبات عمل من مهندسة الكترونيات باسم ليال شريف"
فتحت المرأة حاسوبها اللوحي ومررت أصابعها عليه وعيونها تتجول على البيانات الواضحة أمامها 
"نعم، تلقينا أكثر من طلب منها وكان يتم رفضه فلم نكن بحاجة لمهندسين برمجة كما وأنها ما زالت تدرس بالجامعة"
ظل هادئا يسمعها والهدوء سمته الأولى "ولماذا وافقت عليها الآن؟"
حدقت به بلا فهم فهي أول مرة لها تلتقي به وجها لوجه وهذا يعني أمر جلل 
"هل هناك خطأ ما يا فندم؟"
لم يتحرك وعيونه ترمقها بنظرة حادة ونبرته قاتلة رغم عدم ارتفاع صوته "أنا سألتك سؤال فهل لي بالإجابة؟"
شحب وجه المرأة من نبرة هارون وأدرك ارتجاف جسدها من أصابعها التي تقبض على الجهاز بتوتر واضح "أحد المهندسين استقال مؤخرا واحتجنا بديل ومن بين المتقدمين ليال كانت الأفضل"
مد يده للوح الآلي وقال "أرغب برؤية الطلبات"
تراجعت بذهول وثباته جعلها تفتح اللوح وتمده له وهو يتابع الطلبات بالفعل وأسماء المتقدمين ومؤهلاتهم ومن تم قبوله واستوعب ما يدور  
"أحمد عزت تم قبوله العام الماضي وهو بعامه الأول بالجامعة"
رفع عيونه لها وشحب وجهها مرة أخرى، لقد ذكرت سبب رفض ليال أنها ما زالت تدرس
ورطة.. ارتبكت وهي تفر من نظراته الثابتة عليها "والده النائب المعروف ولم يمكنني رفض طلبه"
ظل ثابتا على وجهها لحظة ثم قذف الحاسوب اللوحي على المكتب ولمعت عيونه "لم يتم عرض الأمر علي"
ابتلعت ريقها وهي تجذب اللوح بيد مرتجفة فاعتدل وقال "أنتظر استقالتك يمكنك الذهاب"
لم تعرف المرأة بماذا تجيبه، المحسوبيات تنهار الآن 
رفع الهاتف الداخلي موجها أوامره للسكرتيرة "أعلني عن وظيفة شاغرة بدلا من رجاء"
أجابت الفتاة "أمرك يا فندم"
**** 
جلست أحلام أمام المائدة التي أخذها الرجل لها داخل المطعم وقبضت على حقيبتها القديمة بقوة ورأسها يلف حولها من القلق لوجودها بمكان كهذا
كان عليها رؤية صفوان وإخباره لا اللجوء لرشدي، لكن صفوان لا يجيب هاتفها ولا يهتم
لماذا أتت لرؤية رشدي؟ لماذا لم ترفض؟
"هل طلبت شيء؟"
فزعت بمكانها من صوته وهي لم تراه وهو يدخل، فتح جاكته وجلس أمامها والتقى بنظراتها العسلية التي لمعت ببريق حزين بعد أن رحل منها الفزع 
"لا"
أشار بيده فهرول الرجل له وبدا وكأنه كان ينتظر أوامره "إفطار خفيف وقهوة لي و.."
ابتلعت ريقها وأكملت "قهوة بالحليب"  
رحل الرجل وظلت النظرات متقابلة، ثابت.. أنيق.. وسيم لكن ليس عملاق.. مواصفاته ممتازة لكنه ليس صفوان..
"قلت أن أخيك يرفض عملك؟"
كما لو أنك تملك خيوطي فتحركني كما تشاء وأنا لا أعلم كيف أستجيب
"نعم"
أشعل السيجارة وقال "لأن قدمك مصابة؟"
هل يمزح؟ ألا يفهم أن سمعته كرجل نساء تجعل الكل يبتعد..
"لا ولكن.. هو .."
"هو يرى أن عملك معي غير مناسب لأخته، معي بالذات"
رحلت الدماء من وجهها وأدركت أنه يدرك كل شيء.. ألم يرغب سعد بالشجار معه عند البيت؟
الأطباق التي وضعها الرجل أنقذتها من الرد لكن لم تنقذها منه.. ما زال هنا بكامل أناقته ووسامته..
وسطوته..
تناول الطعام بطريقة أنيقة وهي فعلت المثل لكن بلا شهية وهو رمقها بنظرة خفية وما أراده يتلاعب أمامه..
شيطانه يريدها وهارون يقف بينهم.. 
ما الخطأ بأن تكون هي محطته التالية؟ يومان ويخلي سبيلها وهي بالأساس تبدو وكأنها ستفر منه
"هل هي حقيبة ملابسك؟"
لم يرفع عينه عن الطبق خاصته وهي ترفع وجهها لها مبعدة شعرها خلف أذنها، حقيبة ملابسها على الأرض بجوارها تعني الكثير هل لاحظها؟
ظلت تنظر له دون رد حتى جفف فمه بمحرمة ورقية وأخرج سيجارة أشعلها وقال "لا ترغبين بالبقاء معه، هل أرغمك على شيء غير ترك العمل؟"
اللعنة عليك رجل ماذا تريد مني؟
"لماذا أنا هنا؟"
سؤال صريح خرج من بين شفتيها وتريد إجابة صريحة أيضا وهو انتظر الرجل الذي وضع القهوة ورحل بصمت 
"هل هذا يعني أنك لا تعرفين ما أرغب به؟"
اتسعت عيونها من المعنى الذي فهمته من كلماته ولكنه لم يمنحها الفرصة وتلاعب بها "العمل يحتاج وجودك"
أغلقت فمها قبل أن تتفوه بكلمات قد تندم عليها ولم تعرف ماذا تقول أو تفعل 
رفع القهوة وتناولها مع السجائر وهي أسقطت نظراتها بلون قهوتها الكريمي وتاهت بلا درب صحيح تسير عليه
"لدي شقة جيدة يمكنك شغلها حتى تنتهي مشكلتك مع أخيك"
رفعت وجهها له.. عسلية.. هي حقا عسلية حلوة المنظر فهل ستكون حلوة المذاق؟
"شكرا لا أحتاج شيء، أنا يمكنني.."
ظل يدخن وهو يرمقها بالرمادي مدركا العناد الذي يتملكها.. طريق زيتون ممهد بالمجوهرات والثياب الفاخرة وهي لا تخطو له
"أنت لم تسألي عن المقابل"
صراحته فاجأتها، كل كلمة منه مفاجأة مختلفة.. التيه هو كل ما تعرفه معه، درب ممحو منه الاتجاهات وعليها ألا تخطو له
انهضي واخرجي من هنا الآن
أطفأ السيجارة وأنهى القهوة وهي ما زالت لم تتذوق نقطة من خاصتها "أي مقابل؟"
انقشع الدخان من بينهم والتقت برمادية قاتمة تتفحصها بدقة جعلتها تنكمش بمكانها "تكوني لي، أنا أريدك"
برودة ضربتها وجمدتها تلتها حرارة صهرت الجليد داخلها وأفقدتها العقل والنطق وربما كل حواسها الخمسة والسادسة والسابعة و..
شحب وجهها ثم تورد ثم ابيض ورأى عليها كل الألوان وهو يدرك كل ما تمر به الآن فهي ببساطة مختلفة..
هذا هو الأجمل.. مذاق جديد.. مذاق بنكهة العسلية..
أخيرا عادت للأرض بعد أن فقدت الجاذبية من تحت قدميها ونهضت فجأة بلا وعي حتى أن المقعد سقط خلفها من نهوضها مخلفا ضوضاء لفتت أنظار القلة من حولهم وانحنت تجذب حقيبتها ولكن يده قبضت على أصابعها 
رفعت وجهها لتجد وجهه يواجها بقرب مدمر "زواج عرفي وليس كما ظننت"
الجنون هو ما يقوله والجنون الصحيح هو بقائها هنا وقد استوعبت ما يدور برأسه وما لا يمكنها قبوله..
جذبت يدها من قبضته وقبضت على حقيبتها وكلمتين كانوا الرد "أنت مجنون"
وتحركت خارجة ودموع تكورت تحت رموشها تغشى رؤيتها حتى أنها اصطدمت بالموائد بلا وعي وهي تصل للباب وتخرج دون أن تفكر بالمختل الذي كان يجلس معها ويخبرها بهراء لا يمكنها أن تقبل به
**** 
فتح أنس باب السيارة الخلفي لزوجة الزعيم ولكنها تحركت لتجلس بجواره فحدق بها وهي تدخل دون أن تتحدث
ظل يحدق بها محاولا استيعاب تصرفاتها حتى أغلق الباب وتحرك لمكانه ناظرا لها وهي لا تبادله النظرة 
"ستتسببين بقتلي ليال، ضعي الحزام"
أبعدت وجهها، هي لم تعتاد على معاملة خاصة من أحد، كانت ابن مجرم تشاركه السرقة ومن بعدها مجرد عاملة بمطبخ..
لم تنظر لنفسها على أنها مهندسة ولم تهتم بمن يلقبها باش مهندسة.. هي ليال
لكنها الآن زوجة الزعيم.. لم تنتبه بعد
"اتفقنا أننا إخوة، كم مرة سأقولها؟"
قاد وسط الطريق وقال "هو لن يقبل ذلك؟"
الهدوء سمة لم تتحلى بها لكنها ليست متهورة حتى وهي بأشد حالات الحزن والغضب كما هي اليوم 
"هو ليس هنا"
حدق بها وابتسم، زوجة الزعيم غاضبة من الزعيم، متى لم تكن غاضبة منه؟ منذ التقت دروبهم أخيرا وهم دائما غاضبين، هي بالأخص
الزعيم لا يعرف كيف يدير حياته مع من اختارها.. مزحة!!
"أنت غاضبة منه؟"
لم ترد وأبعدت وجهها فعاد للطريق وقال "تعلمين أنه لا يستحق ذلك"
لم تنظر له وهي تقول "هو لا يمنحني اختيار"
هاتفها أضاء بيدها ورأت اسمه فأجابت وهو يقول "أين أنت!؟"
أبعدت خصلاتها التي تطايرت من الهواء ورغم الغضب إلا أنها تستمتع باهتمامه بها بطريقته 
"بالطريق مع أنس"
كان يقف أمام النافذة والرجال تنتظره على مائدة الاجتماعات غير راضي عن تصرفها لكن لا يجوز النفخ بالنيران كي لا تزداد اشتعالا 
"ألا تجدين أن العمل لدي أفضل؟"
الآن تهتم؟ 
"لا شكرا، أحب أن أكون أنا سبب نجاحي وليس زوجة الزعيم"
نفخ وهو يدرك ما فهمته، الصدف لا تخدمه معها أبدا "لم أكن أعلم أنك تقدمت للعمل لدى الشركة، تلك الأمور لا تعرض علي"
صمتت ولم ترد فأدرك أنها لا تصدقه "لا تغضبيني ليال فأنت لا تعرفيني وقتها"
تنهدت بصوت مسموع وهي تنظر للبحر بجوارها "أنا لا أعرفك بأي وقت هارون فما الفارق؟"
صمت والسكرتيرة تناديه "الرسالة وصلت يا ريس"
لم يجيب السكرتيرة ولكن سمعها وكان عليه أن يعود  
"لابد أن أذهب ليال"
"حسنا"
لف أنس وجهه لها وقد لاحظ تجهم وجهها ونبرتها الغاضبة مع الريس بالهاتف رغم أنه أبعد أذنه عن حوارهم 
"هل يرفض عملك؟"
لم ترفض الحديث مع أنس فهو محل ثقة الريس وبالتأكيد سيكون معها 
"شركاته كانت ترفض طلباتي واليوم وصلت رسالة بقبولي، بعد أن أصبحت زوجته"
تفهم بالطبع معنى ما قالت "وتظنين أنه وراء ذلك"
نظرت له بنظرات ذات معنى فعاد للطريق هاربا من عيونها التي تلقي اللوم عليه 
"لو كان يعلم لمنحك العمل من أول يوم، هو فندقه من سمح لك بالعمل به وشقته التي كنت تقيمين بها، هو لم يكن ليسمح برفضك لو عرف"
لم تنظر له وهي تحاول إيقاف غضبها منه، العناد ليس حل ولكنه يدفعها لذلك بتصرفاته معها، ربما هي صغيرة بالنسبة له ولكن هو ليس والدها أيضا وحتى كونه زوجها لم تسمح علاقتهم بتلك المعاملة
اعترفت أن وجودها لم يكن صواب فالوظيفة تقريبا محجوزة والمقابلة كانت صورية أنهتها بفتور 
نزلت وبدلا من سيارة أنس رأته يقف مستندا بظهره على سيارته العالية عاقدا ذراعيه أمامه 
لن يتركها غاضبه بأول أيامهم معا بل لا يظن أنه سيتحمل غضب الفانيليا بأي يوم فلا أحد يتحمل أن يعيش بالظلام وغضبها يعني ظلام 
توقفت أمام مدخل المبنى وهي تحدق به ولم تكن قد توقعت رؤيته.. سعيدة بالطبع، الريس يهتم ولكن صغيرته ستظل غاضبة
صغيرة وتصرفاتها ستكون مثلها.. صغيرة
السيارة التي أتت بها كانت بالأمام وأنس وصفوان وقفا يتحدثان وسعد يجلس بالخلف
تحركت تجاهه وما زال ثابتا بمكانه حتى وقفت أمامه ولا تعلم كيف اندفع ما حدث بينهم بالأمس لها وعيونه تتجول عليها بالبدلة الرسمية التي ترتديها والتنورة القصيرة بالكاد تغطي ركبتها والجاكيت المحكم حول جسدها يزيدها فتنة وأنوثة 
"ظننتك مشغول؟"
الغضب كان واضح على ملامحها وهو الآخر ولكن من نفسه ومع ذلك ظل هادئا كعادته "لقد انتهيت، هل نذهب؟"
تحركت للباب المجاور وهو بجوارها حتى فتح لها ودخلت وأغلق بابها ونظراته تتجول هنا وهناك، ما زال لا يشعر بالأمان خاصة بعد عمليات التخريب لممتلكاته الأخيرة وهو لم يعرف من وراء ذلك
لو لم يرى جثة العطار بعينيه لظن أنه هو والآن عدوه خفي وهو الأخطر
دخل بجوارها دون أن يمنحها أي نظرات "ضعي الحزام"
لم تجادل كما فعل هو وقاد السيارة واتخذ طريق الكورنيش وقد حل الظلام بالطبع، اتخذوا الصمت شريك لهم، لم تملك أي رغبة بالحديث لكن هو أراد إذابة الجليد الذي ارتفع بينهم 
"كيف كانت المقابلة؟"
لم تنظر له وهي تبعد شعرها المتطاير وحاولت مجاراته بالحديث ولكن بتحفظ فلديها الكثير مما يجعلها تثور بوجهه
"بالنسبة لي مررت بالأصعب وأظن أن الوظيفة محجوزة لشخص ما"
كان يدرك ذلك ورغم أنه يعرف صاحب الشركة إلا أنه لم يتدخل وتركها تدرك وحدها أن هذا العالم له قواعد 
"آيس كريم؟"
التفتت له بعيون متسعة وهو يهدأ السيارة بجوار محل معروف وهي لا تصدق وهو واجه نظراتها 
"ماذا؟"
أوقفت جنونها فلو أراد تجاهل ما كان فهي لن تفعل لكن لن تتشاجر بالسيارة "شوكولاتة.."
قاطعها "وفانيلا وبستاشيو، أعلم"
اتسعت عيونها كعادتها والتفت هو ليرى أنس يقترب من النافذة بجواره فمنحه الأمر والتفت لها وهي تواجه متسائلة 
"أنت تعرف؟"
ظل ينظر لها قبل أن يرد "أنا أعرف"
كادت تبتسم لكنها تذكرت غضبها فأبعدت وجهها كي لا تفضح نفسها وتكشف له عن سعادتها، ستظل غاضبة إلى أن يمنحها تفسير
نفخ بقوة وهي لا تساعده بتجاوز ما كان، هو يدرك انه أساء التصرف ولكن كزعيم كرامته تقف بينه وبين التبرير ثم الاعتذار 
اختار الأسهل ليبدأ به "أنا لم أعرف بأمر الشركة ليال ولا حتى أنهم قبلوا طلبك مؤخرا أو رفضوه من قبل، أنا لا أنظر بتلك الأمور"
التفتت له بغضب لتواجه زرقة البحر وقت الغروب، وكأنه اختلط ببرتقالية الشمس التي ترحل بهدوء مانحة إياه آخر شعاع برتقالي ملكته قبل أن تنام على سطح بحرها ليغطيها بموجه الناعم 
"أنت تعلم كيف أحب الآيس كريم هارون ألا تعرف عن عملي شيء؟"
تنهد بصبر نافد معترفا داخله أنها على حق ولكن هناك الكثير مما لا يمكنه أن يعرفه خلف الجدران
"أنا أعرف أن لك عمل على الميديا لكن لم يكن منها الطلبات التي ترفض"
لم ترغب بتصديقه وكأنها أرادت أن يظل متهم حتى تعاقبه 
"ولماذا الآن وافقت على طلبي"
احتدت نبرته لأنه لم يكذب بحياته ولن يفعل معها ولا يحب أن يكون بموضع المتهم ويتم استجوابه فهذا عمله
"لم لا تنصتين؟ لست أنا من فعل، هناك مدير مسؤول عن تلك الأمور وهي من كانت ترفض وتقبل"
لفت وجهها والعناد يجلس براحة ويخرج لها لسانه يتحداها أن تتوقف 
"وهي كانت ترفضني لأنها تعرف ما بيننا"
نفد صبره ولو زاد الأمر لا يعرف ماذا سيفعل؟ 
"لا أحد خارج رجالي يعرفك، لو أردتك بشركتي لكنت بها ليال"
أشاحت بيدها وقالت "هذا هو ما أتحدث عنه، أنت لم تردني بشركاتك، فقط جعلتني بذلك الفندق بمطبخ لعين أدمى يدي حتى النخاع ثم عرضتني أمام الجميع ويوم خرجت كان للموائد"
تجهم وجهه وأدرك صحة ما عانته بسبب تصرفه الأحمق، الحقيقة أخرسته، وضعته على ساقيها وضربته حتى اعترف، كنت أحمق 
كان يحدق بها وأنس يخاطبه "الطلب هارون"
انتبه له ولم يمكنه إيقاف الحدة بنبرته وهو يأخذ منه الكوب "تمام"
دفع الكوب لها وهي لا تنظر له فقط كانت تذكر ما كانت تعيشه وهي تظن أنها تصارع الحياة وحدها ولم تظن أنه كان يمهد لها الطريق للجهاد 
"ربما لدي تفسير لما كان، تفضلي"
التفتت وعيونها مغطاة برموشها كي لا يرى دموعها ولكنه لمحها 
جذبت الكوب من يده، غاضبة وناقمة ولكنها تعشق ذلك الخليط من الآيس كريم ولا شيء سيمنعها منه.. صغيرة في ثوب امرأة 
تركها تتناوله بصمت وقاد هو حتى خرجوا للطريق المؤدي للبيت وقد خلا من السيارات رغم أن الوقت ليس متأخر وساد الهدوء حوله والسيارة الأخرى بالحرس تتبعه
انتهت من الآيس كريم مستمتعة بمذاقه ولم تكن لتتوقف "قلت أن لديك تفسير؟"
كان يعلم أنها تنتظر ولن تتراجع عن جنونها الطفولي "لم أرغب بأن تتواجدي بطريقي"
التفتت له وتفاجأت من كلماته "حقا؟"
لم ينظر لها وأكمل "كان لابد أن تكوني أبعد ما يكون عني"
تجمدت أكثر والأفكار الشيطانية تتلاعب بها وربما أصابها الغباء فلم تفهم ماذا يعني بكلماته 
"أنت تمزح؟ هل تتلاعب بي؟"
لف وجهه لها والاستنكار بعيونه وهي لم تخجل مما قالت وألف فكرة وفكرة سيئة الآن تطيح بعقلها  
"لا، فقط لم أكن لأضع مجرم، شيطان وهمجي بطريق مهندسة لذا أبعدتك عني قدر المستطاع"
هتفت بغضب "فألقيتني بالمطبخ بدلا من أن تفتح لي مجال بالعمل بمجالي بمكان أفضل هل تسمع نفسك؟"
نظر لها بغضب وقال "أنت من طلب عمل مسائي وأنت من تمسك بالفندق هل نسيت عروض أحلام أو عدم موافقة صفوت على عملك من الأساس؟ لم أبخل بأي شيء حتى تطالبي بالعمل"
أشاحت بيدها وهي تدرك صحة ما يقول، هي من أرادت الاستقلال بنفسها بعيدا عنه، حياة خاصة بها لا يفرضها أحد عليها
أرادت ليال خاصة بها وليست ليال الوصي  
"ولكنك لم تصر على الرفض بل ودفعتني للفندق خاصتك، هل تعرف ماذا قال فريد عن عملي بفندقك عندما أرادني أن أذهب لذلك الرجل الذي كان يرعب بي؟"
نظر لها والغضب وجنون الغيرة يرتفعون داخله وهي تكمل "أخبرني أنهم يأتون بالفتيات حتى يتم تدريبهم على هذا الغرض، أليس فندقك؟ هل هذا ما تدرب الفتيات عليه؟ هل هذا ما أردتني أن أكونه وتركتني هناك من أجله؟"
ثار غضبه أكثر وضرب المقود بيده مرات متتابعة وهو يصاب بالجنون من ظنونها أو حتى مجرد الشك به
"وتظنين أني كنت أفعل ذلك حقا؟"
أبعدت وجهها الباكي والغاضب وهي تعلم أنه بالفعل لم يكن يعرف بالأمر "لا"
ردها لم يوقف غضبه ولم يحسن مزاجه أو يوقف رغبته بطحن فريد حتى ولوكان جثة وهو من قتله، هو تقريبا لم يسمع نفيها
"لو أمكنني إعادته للحياة وقتله ألف مرة ما اكتفيت، هل ظننت أني وضعتك هناك لذلك؟ هل صدقت أني كنت أعرف بما يفعله هذا الجبان المغتصب؟ لكنت تركته يفعل بك ذلك ولم أقتله وأحارب أخيه بسببه"
هتفت هي الأخرى "لماذا لم تبعدني إذن؟"
لعن الضوء القوي الذي واجهه وقال "كنت راضية وسعيدة وظننت أنه أفضل مكان لك، أنت تشككين بي ليال وهذا ما لا أقبله أبدا"
كادت ترد لولا أنها ارتجت من الصدمة التي هزت السيارة وهو يهتف "انزلي للدواسة، بسرعة"
فكت الحزام ونزلت وهو يدرك بعد فوات الأوان أن سيارة أنس اختفت من خلفه وتلك السيارة التي صدمت سيارته تتبعه بلا استسلام 
الريس فقد تركيزه لأول مرة بحياته
داس على الوقود بقوة وهي شعرت بالرعب يصيبها وهي تحيط رأسها بيداها وتهتف "ماذا يحدث هارون؟"
فتح التابلو وجذب سلاحه وبلحظة سمعت طلقات النيران تصم الآذان فصرخت من الفزع وهو لا يسمعها بل انصب اهتمامه على السيارات التي تحاصر سيارته
صدمة أخرى أصابتهم وهو يحاول السيطرة على السيارة التي كانت تتمرجح يمينا ويسارا لولا قبضته القوية على المقود
سيارتان أحاطوا بهم من الجانبين وما زال هو يتبادل إطلاق النيران معهم من جزء من النافذة فسيارته مضادة للرصاص 
تراجعت السيارة التي من جانبها ورآها تندفع بقوة من الخلف وتصدمه والأخرى تدفعه للجانب ليصطدم بالحاجز الصخري على جانب الطريق مما كاد يقلب السيارة لولا تحكمه بها، طلقات نارية أصابت الإطارات مما جعل السيارة تحتك بالطريق مطلقة شذر ناري
تحكمه القوي بالسيارة جعله يقود بإطارات خربة ولكن ظهور سيارة أخرى أمامه أغلقت عليه الطريق مما جعله يضغط دواسة الفرامل كي لا يصطدم بها حتى توقفت سيارته عن السير 
هتف بها "لا تتحركي"
لم يفكر بالنزول، السيارة حصن بالنسبة لهم، أغلق الزجاج وهتف بها "لن يتراجعوا"
هتفت برعب "من هم؟"
ضرب قوي على نافذتها من الخارج جعلها تصرخ بفزع 
فرغ مسدسه وأسرع لإعادة شحن السلاح ولكنه تفاجأ برجل يصعد على السيارة من الأمام وبيده قضيب حديدي وبدأ يضرب الزجاج الأمامي وتراجع هو وآخر يضرب زجاج نافذته 
ما أن أعاد الذخيرة للسلاح حتى كان الزجاج الأمامي قد تهشم فرفع يداه ليحمي وجهه من الزجاج وسقط السلاح منه ففك حزامه بنفس اللحظة واستعد لهجوم الرجل العملاق الذي دفع القضيب الحديدي بقوة تجاهه لكنه تلقاه بقبضته محكما أصابعه عليه وجذبه منه بقوة ليفقد الرجل اتزانه ويسقط على مقدمة السيارة 
الزجاج الجانبي له تحطم أيضا بنفس الوقت ولكمة أصابته بوجهه لم يمكنه تفاديها
استعاد نفسه بسرعة وهو يفتح الباب بقوة ويدفع به الرجل الذي هاجمه فيرتد هذا الأخير للخلف ليفسح لهارون المجال لينزل من السيارة  
ضربة قوية على رأسه من الخلف لم يتوقعها جعلته يترنح ولكمة واجهته بوجهه مرة أخرى جعلته يستعيد نفسه وصرختها زادته وعيا وهو يصد لكمة أخرى كانت موجهه له بذراعه ويدفع قبضته بوجه صاحبها 
الدماء سالت من أنفه وقبل أن يرفع ذراعه ليصد لكمة جديدة شعر بسكين حاد يندفع بجانبه المصاب فانحنى وقبضة جديدة سقطت على عنقه مرة أخرى تلقاها بقوة ويده تمسك باليد التي طعنته وجذبها بعيدا عن جانبه والسكين يتحرك معها خارج جسده 
جذب صاحب السكين بقوة أمامه ليتلقى القضيب الحديدي الذي كان موجه له بدلا منه لينهار الرجل تحت قوة القضيب ويفلته هارون بعيدا عنه
انتبه للرجل الذي اندفع داخل السيارة تجاه زوجته التي ارتفعت صرخاتها مما أثار جنونه وهو يهتف باسمها 
ارتفعت الدماء برأسه وهو يلكم الرجل الذي حاول تقييده فتراجع ولكن القضيب الحديدي أصابه بجانبه لا يعلم من أين أتى ولكن الألم اشتعل بضلوعه وقد أدرك انكسار ضلع أو اثنين ومع ذلك ظل متماسكا 
كم رجلا كانوا؟
أربعة، خمسة؟ بل أكثر بكثير.. 
توقف عن العد وعن محاولة توقع خطواتهم من محاولته تفادي الضربات
تراجع ليتفادى الضربة الجديدة محاولا التخلص من الرجال التي تحيطه ليذهب لها وهو يرى الرجل بالجانب الآخر يجذبها خارج السيارة وهي تقاومه بلا استسلام 
عضت ذراعه، ضربته بساقه بقدمها وحاولت لكمه لكن بلا فائدة 
صفعها بقوة مما جعلها تترنح وقبض على شعرها فصرخت وهي تحاول التلويح بيداها لتضربه بقبضتيها على صدره 
صفعها مرة أخرى مما جعلها تترنح وشعور بالدوار يصيبها وهي تلمح هارون الذي تلقى القضيب الحديدي بجانبه فصرخت بفزع ورعب باسمه 
"هاااارون"
كان يحاول التحرك تجاها عندما لمح بريق السكين يندفع تجاهه مرة أخرى ولكنه تجاوزه بآخر وقت ليمر عبر ذراعه ولكن سكين آخر انغرز بلا رحمة بكتفه ليسقطه على الأرض 
الدماء كانت تنزف من جراح كثيرة بجسده ووجهه الذي انهالت عليه اللكمات من أيادي متعددة حتى رأى القضيب الحديدي يتحرك له مرة أخرى وبآخر قوة له أمسكه بيداه وجذبه 
لكن.. تلك الطلقة انطلقت لصدره جعلته يتجمد ويترنح من قوة دفع البارود لجسده وهي تصرخ باسمه بجنون محاولة التخلص من الأذرع الفولاذية التي تقيدها وصاحبها يجذبها للسيارة 
كان يلمحها من بين عيونه المكدومة حتى أصابت وجهه لكمة جديدة جعلته يتهاوى على الأرض وما زالت عيونه عليها وفمه يتحرك باسمها والرجل يدفعها داخل السيارة 
سمع أحد الواقفين يقول "هيا كفى، لا يجب أن يموت"
واحتضنت الأرض الصلبة جسده المنهار، الدم يسيل من كل جزء منه والوجع يعصر ضلوعه يحاول أن يرفع رأسه لكنها ثقيلة وكأن الأرض تمسكه، تمنعه، تسجنه
كانت تصرخ بقوة باسمه وتقاوم الرجل الذي يجذبها من شعرها بلا فائدة، كان يفتح عيونه بصعوبة.. كل شيء أصبح مشوش، لكنه ما زال يراها، تجر من شعرها، تقاوم كأنها تحارب الموت بيديها العاريتين
كانت تصرخ من وسط سكون الليل، صوتها أوضح من أي شيء.. حتى من ضربات قلبه الضعيفة.. حاول أن يتحرك، يصرخ لكن كل ما خرج منه كان أنينا مكبوتا كأن الحلق خان رجولته
هزة أخيرة بوجهه جعلته يهتز معها ويهوي بدوائر فارغة قاومها وهي تجذبه للقاع وتلقى آخر نظرة لها وهي تختفي داخل السيارة وما زالت تبكي وتصرخ ومن الزجاج الخلفي رأى عيناها لا تتركه.. 
نظرة واحدة كانت كافية لتكسر فيه ألف جدار وهو يرى فمها ينطق باسمه ودموعها تغرق وجهها والهلع عليه ينبض من عيونها ورجلان يدخلان سيارتها وتنطلق لتبتعد 
وينتهي كل شيء، إلا صوته الداخلي، يصرخ بأعلى مما يستطيع فمه 
"لن أتركك.. أقسم أن أعيدك ولن أتركك"

                    الفصل التاسع من هنا
تعليقات



<>