رواية ندبة روح
الفصل الثامن 8
بقلم نانسي عاشور
ماسة الخيانة
"بعض الخيانات لا تُرى… بل تُشعر.
تدخل القلب دون صوت، وتترك فيه مرضًا… اسمه الشك، واسمه السرطان."
كانت روح قبل يعقوب… إنسانة.
تعيش بين الناس، تبتسم وتُحب، وتُخطئ وتغفر.
وكان محمد… أول من لمس قلبها، لا بيده، بل بكلمة.
قال لها ذات مساء:
"أنا لا أخون من تحبني… وإن أخطأت، أعود وأقاتل لأجلها."
كانت تصدّقه.
ظنّت أن عيونه الصادقة، وأحاديث الليل الطويلة، ومواقيت الصلاة التي يجمعانها، هي "العهد".
لكن العهد… كان مكسورًا منذ البداية.
كانت تراه ينهار… يتنفس بصعوبة، يصرخ في نومه.
قال لها مرة:
"أنا ممسوس، فيّ شيء لا يُرى."
ولم تهرب.
مدّت يدها، صامتة، وبدأت تعالجه.
كانت تشعر حين تلمسه، أن هناك ظلًّا آخر خلفه…
امرأة أخرى؟ روحٌ أخرى؟
شيءٌ لا يُشبه البشر.
حتى جاء اليوم الذي لمس فيه كتفها، وارتعش.
توقفت أنفاسه، ثم قال:
"أنتِ تشبهينها… عايشة.
لكنكِ أطهر منها."
عايشة.
اسمٌ لم يكن عاديًا.
هو ليس فقط اسمًا بشريًا… بل اسم ماسة.
اكتشفت لاحقًا أن محمد لم يكن مجرد رجلٍ عادي.
كان يملك ماسة — حجرًا ممسوسًا بروحٍ قديمة، ماردٍ سُجِن في أنثى.
عايشة… كانت جنية سوداء، متلبسة بحجرٍ يُباع كتعويذة.
محمد لم يكن ممسوسًا…
بل كان عاشقًا لماسة شيطانية، مدمنًا على قوتها، خاضعًا لأسرها.
اكتشفت روح الحقيقية حين دخلت غرفته ذات مساء…
ووجدت في صندوقه خريطة مرسومة بلغة لا تُكتب إلا بالدم.
وجدت صورة لها… محروقة من الجانب.
وعليها مكتوب:
"مفتاح النار.
من تُسقطها، يُفتح باب يعقوب."
ارتعشت.
لم يكن محمد يعاني…
بل كان يُرسل، يدرس، يخترق.
كان يعلم عنها… أكثر مما كانت تعلم عن نفسها.
واجهته.
سألته وهي تبكي:
"كنت تعالج بي… أم تتجسس؟"
ضحك.
ضحكة غريبة… لا تشبهه.
قال:
"أنتِ شفاء يا روح… لكن مش لي.
شفاء للباب اللي وراك.
أنا دخلتك، عشقتك، لكن عشان أوصل ليه."
"ليه؟ من هو؟!"
"يعقوب."
حينها، شعرت بشيءٍ ينكسر فيها.
لم يكن قلبها… بل كانت "الندبة" نفسها.
اهتزت…
ثم سقطت.
بعد أيام…
بدأت روح تشعر بتعبٍ لا يُوصف.
طبيب الروح قال لها:
"ندبتك صارت مُعتمة… فيها ظلّ مرض.
ليس جسديًا تمامًا… لكنه أثر خيانة عميقة.
مثل السرطان… لكنه في طيفك، لا في جسدك فقط."
ابتعدت عن الجميع.
اعتكفت في كهفٍ قرب جبال يعقوب.
تبكي، وتحاول فهم كل شيء.
لكن الألم لم يكن فقط من محمد…
بل من نفسها.
قالت في سرّها:
"كنت أظنني أعرف.
كنت أظن أن الحب يشفي، لكنه قد يقتل."
وفي قلب الجن، شعر يعقوب بانكسارٍ غريب.
قال لأحد حراسه:
"أحضروها لي.
إن تأخرتم… تموت ندبتي، ويموت سلطاني."
لكنها لم تكن تريد أن تُنقذ.
كانت تريد أن تُفهم.
لذلك كتبت في الحجارة:
"يا من تحبون بقلبٍ ممسوس…
لا تلمسوا الأرواح الطاهرة.
فالعشق السامّ… سرطان لا دواء له إلا الفقد."
