رواية ندبة روح الفصل السابع عشر 17 بقلم نانسي عاشور

         

رواية ندبة روح 

الفصل السابع عشر 17

بقلم نانسي عاشور

 نداء المُلك المدفون

كان الليل ساكنًا... أكثر من المعتاد.

كأنّ الأرض نفسها أغلقت أنفاسها،

وحتى أصوات الأجهزة في المشفى خفَّت… كما لو أنها خضعت للصمت الذي سبق الانكشاف.

"روح" كانت تجلس في غرفتها، مغمضة العينين،

تتلو دعاءً لم تعرف مصدره، كأنّ لسانها يقرأ من ذاكرةٍ لا تخصها.

"يا من خُلقتني على العرش،

وجعلتني ميزان الأرض،

ارفع النقاب عن وجهي…

لأتذكّر من أكون."

حين فتحت عينيها، لم تكن في المشفى.

بل وجدت نفسها في معبد حجري واسع، تكسوه نقوش لم ترها من قبل،

لكنها… عرفتها.

الوجه الآخر

أمامها مرآة حجرية، ليست مرآة بالمعنى البصري، بل نافذة للزمن.

وقفت أمامها، فانقسم انعكاسها إلى وجهين:

وجهها الحالي: الإنسيّة، المجروحة، المحطّمة.

ووجهٌ آخر: عينان بالكحل الأسود، تاج فرعوني مرصّع بالأحجار،

وابتسامة فيها سيادة الأزمان.

"من هذه؟"

همست "روح"، لكن صوتًا أجاب من خلفها:

"أنتِ… كما كنتِ."

استدارت، فرأت كيانًا طيفيًّا، طويلًا، يرتدي زي الكهنة القدامى،

لكن وجهه خالٍ من الملامح.

قال بصوت رخيم:

"كنتِ تُدعى 'حت-سخمت رع'…

سيدة الشمس والنار.

كنتِ الملكة التي حكمت الأرض قبل أن يعرفها التاريخ.

وكان قلبكِ… مفتاح التوازن بين العالمين."

الذكرى المدفونة

بمجرد أن نُطِق الاسم، ارتعش جسد "روح"،

وانطلقت ذبذبات من صدرها كأنّها استيقظت على نداءٍ بانتظار آلاف السنين.

رأت نفسها فوق عرش ذهبي،

الأقوام تسجد،

والكهنة ينشدون باسمها.

كانت تحكم بالنور، لكن في داخلها نار لا تُروى.

رأت مشاهد من حياتها السابقة:

يوم وقّعت بدمها عهدًا مع حامي الظلال مقابل حماية شعبها.

لحظة حبها لإنسيٍ خان العهد وكسر التوازن.

ويوم دفنت قلبها في تابوت، وطلبت أن تُنسى… حتى يحين زمن العودة.

عودة الميراث

همس الكاهن الطيفي:

"الآن عاد قلبكِ إلى الجسد…

ولأنكِ لم تسترجعيه بكامل النور،

فالظلال من حولكِ تحاول أن تسرقه.

لأن من يحمل قلبكِ… يحمل السيطرة."

"روح" شهقت.

"هل يعقوب يعلم؟"

فقال الكيان:

"يعقوب يعرف أنكِ مختلفة…

لكنه لم يرَ بعد من تكونين.

وإن رآكِ، سيختار:

إما أن يسجد لعهدكِ القديم…

أو يُحرق في ناركِ الجديدة."

بين الحُكم والنفي

في لحظة، بدأت الأرض تحت قدميها تهتز.

نقوش الجدران اشتعلت.

وأصوات قديمة بدأت تُردّد:

"عودي يا من كُنتِ ميزاننا…

افتحي بوابة النار والنور…

واختاري: هل تعودين للحكم… أم تُبقين النفي؟"

"روح" كانت تمسك قلبها، تحاول أن تتنفس.

"أنا لست ملكة… أنا لا أريد الحكم، فقط أريد أن أشفى… أن أعيش!"

لكن الأصوات أجابتها:

"ما طُبِع بالنار لا يُمحى بالماء.

والملك لا يُشفى… بل يُقَوَّى."

يقظة

استفاقت فجأة… لتجد نفسها في سريرها، يتصبّب منها العرق،

لكن المفاجأة لم تكن فقط في الحلم.

بل في يدها اليسرى… حيث ندبتها القديمة،

ظهر رمز فرعوني محفور، لم تره من قبل،

يشبه عين حورس لكنها تحيط بها سبعة لهبٍ صغير.

دخل يعقوب فجأة، ووقف مبهوتًا،

نظر إلى يدها، ثم إلى عينيها، وقال:

"أنتِ… استعدتِ اسمكِ القديم."

قالت له بصوتٍ متغيّر، عميق، كأنّ ملوكًا يتحدثون خلف لسانها:

"أنا لست فقط 'روح'…

أنا التي صمتت آلاف السنين،

واليوم… استيقظت."

نهاية الفصل: مرآة العرش

وقف يعقوب أمامها، بين الحبّ والرهبة،

بين الجنيّ الذي عشقها،

والكائن الذي قد يُضطر للسجود لها.

و"روح" — أو "حت-سخمت" — نظرت إلى يدها وقالت:

"إذا عاد المُلك، فماذا عن العشق؟

وهل يمكن أن يكون الطيف… ملكًا؟"

البوابة فُتحت.

والقرار لم يعد اختيارًا… بل قدرًا.

            الفصل الثامن عشر من هنا

لقراءه باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>