رواية ندبة روح الفصل الرابع 4 بقلم نانسي عاشور

         

رواية ندبة روح 

الفصل الرابع 4

بقلم نانسي عاشور 

"ليست كل النيران للعقاب… بعضها يُشعل الذاكرة."

كانت السماء ساكنة فوق القاهرة، لكنها لم تكن كما يراها الناس. كانت مرآة معلّقة بين العوالم، تنعكس عليها الصراعات القديمة التي لا يعلم عنها أحد.

في هذه الليلة، كانت المرآة قد تصدّعت.

داخل غرفتها، جلست روح على الأرض، عيناها مغمضتان، ويدان متشابكتان فوق قلبها. كانت لا تُصلي، ولا تتأمل… بل تنتظر.

شيء ما في داخلها كان يصرخ…

نداء يأتي من أبعد من النجوم، من أقدم من الزمن.

وفجأة، تهتز الأرض تحتها — ليس بالحقيقة، بل في قلبها.

ثم تشعر بسحبها إلى مكانٍ آخر، لا بالجسد، بل بالروح.

حين فتحت عينيها، وجدت نفسها في معبدٍ غارق في الضوء والرماد.

أعمدة شاهقة ترتفع نحو سماء لا تُرى، وتماثيل لآلهة قديمة تنظر إليها بعين واحدة. وفي منتصف المعبد… نار.

ليست نارًا تحرق، بل نارٌ تُضيء الحقيقة.

كانت امرأة تقف بجانبها. ليست غريبة.

كانت هي.

لكن بزمنٍ آخر، بثوبٍ آخر، وعيونٍ تعرف أكثر مما يجب.

"مَن أنتِ؟"

همست روح، وقلبها كأنه يدقّ على أبواب الأسرار.

"أنا أنتِ. لكن قبل أن تنسي."

اقتربت المرأة، ووضعت يدها على صدرها، تمامًا فوق الندبة.

"اسمك كان: نِت-سِت رع — حافظة النار.

كُنتِ كاهنة العهد، وحاملة السرّ. حين خان الآخرون، صمدتِ. وحين احترق المعبد، اخترتِ أن تُولدي من الرماد… لا أن تندثري."

تراجعت روح خطوة للخلف.

"كل هذا… أنا؟ أنا كنتُ كاهنة في زمن الفراعنة؟"

"كنتي أكثر من كاهنة. كنتِ مرآة بين عالم الجن والإنس.

حين أحبتك الأرواح، وكرهك الملوك، وطارَدك جنيٌّ لا يسجد…"

تجمدت روح.

"يعقوب."

"نعم. كان أول من رأى فيكِ الندبة… لا كلعنة، بل كبوّابة.

وقد أحبك… ليس كأنثى، بل كـسرّ."

وفي ذات الوقت، في قصرٍ مصنوع من الزجاج الأسود تحت جبل الجن، كان يعقوب يسير وحده في قاعة طويلة، تعكس جدرانها كل لحظة من ماضيه.

كلّما خطا، رأى مشاهد:

– هو يحارب جنيًا متمرّدًا.

– هو ينقذ إنسية من فخ الجنّ الناري.

– هو، لأول مرة، يرى روح.

توقف.

ثم ظهر خادمه:

"مولاي… إنسيٌّ يُفتّش. وروح تُستدعى من الذاكرة. والعهد… يهتز."

تنفّس يعقوب بصوتٍ كأن البرق خرج من فمه.

"هي تقترب من الحقيقة. سيحاولون أخذها مني.

لكن النار… تعرف صاحبها."

ثم أغلق يده، فاشتعلت فيها نار بيضاء، ليس لها دخان.

في قلب المعبد، مدت الملكة نِت-سِت رع يدها، وأخرجت شيئًا من داخل لهبٍ لا يحرق.

مرآة سوداء من حجر الأوبسيديان.

"انظري فيها، إن أردتِ أن تتذكري… وإن كنتِ مستعدة لدفع الثمن."

حين نظرت روح… تغيرت العوالم.

رأت آدم، يركض في شوارع القاهرة، يبحث عن معنى الرمز الذي على عنقه.

رأت يعقوب، يصرخ في وجه سبعة ملوك، يتحدّاهم جميعًا.

رأت نفسها… على رُكبتيها، تبكي، وتُصلّي… بينما سبعة أنصال نار تحيط بها.

ثم قالت الملكة:

"العلامة ستُكمل. والبوابة ستُفتح.

والسؤال هو:

هل ستكونين جسرًا بين العالمين؟

أم شَرارة لحرب لا تنتهي؟"

وفي اللحظة الأخيرة، امتد اللهب إلى الندبة… واشتعل قلب روح.

في شقته، قفز آدم من نومه، يصرخ.

الرمز على عنقه بدأ يتوهّج بشدة، كأن روحه تحترق.

ثم سمع اسمها… مجددًا.

"روح."

لكن هذه المرة، لم يكن الصوت من حلم.

كان من المرآة أمامه.

ومن داخلها، لمح وجهًا لا يُنسى.يعقوب.

                 الفصل الخامس من هنا 

لقراءه باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>