
رواية غرام في العالم السفلي بقلم داليا السيد
رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثاني عشر12 بقلم داليا السيد
صوت الذكريات.. مؤلمة
بالحياة كل شيء متوقع.. الظلم، الألم، الحق، الخيانة
الغرام..
قد تكون بريئة، ضعيفة، لا تعرف بالحياة سوى أنها ولدت وعاشت بين عالم سفلي يحاول التسلل لأعلى بعيدا عن الرذيلة ملتفا بشفافية الفضيلة
لكن الضعيف بالعالم يدهس بالأقدام، يغرق بين الأقوياء، يضيع بين الرذائل حتى ولو لم يكن ملتصقا بها
وهي ضاعت، غرقت، اندهست بلا ذنب
الضابط صرخ بهم جميعا كي يتوقفوا عن التحدث بنفس الوقت، القسم امتلأ بهم على من كان موجود بالفعل..
لم يتوقفوا فكان الحبس مصيرهم وتمسكت بالمنشفة والعيون تأكلها كما تجوع لمن حولها
أشكال لم ترى مثلها من قبل، نساء تعرف الجريمة طريقها لهم وظاهرة على ملامحهم، تكومت على الأرض الباردة بركن بعيد عن الجميع لكن هل يمكن أن تظل بعيدة؟
الدموع لم تساعدها بأي شيء ولم تمنحها أي أفكار.. سعد لن يكون الأخ المتفهم وينقذها بل ربما يقتلها داخل الحبس ولا يلقي بالا حتى لجثتها، هارون.. هارون ربما يفعل لكن كيف ستصل له ولو علم هارون فسعد سيعلم ونعود لنفس النقطة..
أغمضت عيونها والدموع رفيقها وصوت يهمس لها "جامد الملامح سيخرجك"
فتحت عيونها وهي لا تصدق أنها تذكره بذلك الشكل.. لماذا صفوان لا؟
أيضا صفوان سيذهب بها لسعد..
النهار كان قريب، خرج بسرعة ماحيا الظلام وراغبا بيوم جديد فكيف سيكون يومها؟
وصل ضابط المباحث، اصطفوا أمامه يتأملهم حتى وصل لها، وجه جديد، جميل وبريء
"ما اسمك؟"
شهقت من بين دموعها "أحلام، أحلام محمد الرافعي"
ضاقت عيونه عليها وانعكست عيونها العسلية بعيونه، لم يراها من قبل، هو تقريبا يعرفهم كلهم إلا هي
"ماذا كنت تفعلين هناك؟"
البكاء جعلها تتعثر بالكلمات "كنت.. أمضي.. ليلة هناك.. أقسم أن لا دخل لي بهم"
ظلت نظرات الضابط تطاردها، سنوات عمله جعلته يدرك أنها صادقة "هل لديك أحد يمكن أن يأتي؟"
للحظة فقدت التركيز وكأن عقلها أصبح صفحة بيضاء لا معالم لها حتى التفتت له عندما هزها بصوته "يا فتاة أجيبي"
لسانها كان ما زال يحتفظ ببعض التعقل وهي تجيب "بلى لدي"
اومأ للهاتف "هاتفيه"
وابتعد لباقي النساء وهي تجذب قدماها بصعوبة لتتقدم من الهاتف وعاد عقلها للعمل
"زينب أرغب برقم رشدي بيه؟"
صوت زينب كان يلبي فضولها "لماذا؟"
مسحت دموعها بظهر يدها وقالت "عمل كلفني به"
لم تجادل زينب لأنها تعرف ما يكنه رشدي لأحلام
"رشدي زيتون، من معي"
توقفت الكلمات على أبواب فمها، هل حقا تطلب منه المساعدة؟ هل سيفعل؟ هي لا تعني له أي شيء فلماذا يورط نفسه معها؟
صوته الثقيل جعلها تستعيد وعيها "أنا أحلام"
كان قد انتهى من حديثه مع الطبيب المختص بوالده وتركه على لقاء وقت الجراحة عندما سمع صوت بكاءها فانتبهت كل حواسه وتحرك خارج المشفى ربما الشبكة غير جيدة
"ماذا حدث!؟ لماذا تبكين؟"
بكلمات متقطعة يتخللها شهقات البكاء حكت له وهو صارع يده التي كادت تحطم الهاتف مما أصابها وخطواته تأكل الأرض ونسى والده والطبيب وكل ما كان من ساعات ماضية
"سأخرجك بعد دقائق لكن بشرط"
جمد الارتجاف الذي كان يلازم جسدها وبهت وجهها أكثر ولم تخرج منها أي كلمات وهو يتابع ببرود هي تعرفه جيدا
"تقبلين بما طلبته"
عاودت الدموع التسابق على وجنتيها والحلول انتهت من عقلها وأدركت أن ما يرغب به ثمن عادل مقابل ألا تنال قضية دعارة وملف اسود لدي الشرطة سيلحق بها العار ما تبقى لها من عمرها
صوته جعلها تدرك أن اختيارها له سيكلفها الكثير واختيارها لسواه أيضا المثل
"نتزوج عرفي!!"
****
الحقيقة
مفترق الطرق..
السر الذي أبقاه داخله وخشي من إلقائه بوجهها
الذئب خاف.. فقط من فقدان أنثاه
والآن وقت المواجهة.. هل سيفقدها بعد أن أصبحت زوجته؟
كيف لم يخبرها؟ قصد وضعها أمام الأمر الواقع؟
هل لو رغبت بالتحرر منه سيفعل؟ لن يجبرها على البقاء معه..
رحلت نظراتها له وما زالت السلسلة تتأرجح بينهما، بين أصابعها ترحل بها لنفس الليلة
ليلة مشؤومة..
المواجهة مؤلمة.. تذبح بنصل بارد، تقتل بلا رحمة
منقذها هو بالأساس..؟؟
"أنا من أطلق الرصاصة عليك ليال"
أغمضت عيونها ولم تكن تريد أن تسمع ذلك، الحقيقة تصفع بقوة خاصة عندما تمس قلبها والرجل الذي أحبته
قبضت أصابعها بقوة على السلسة ولمعت عيونها بدموع لم تمنحها إذن بالخروج، ليال ليست ضعيفة، ليال تعلمت كيف تواجه كل الصعاب..
لم ترد وهو يتقدم مدركا تماما ما هو بطريقه له..
تدمير القلوب لا رحمة به.. يقضي على الحياة وترحل الروح وتنتهي الحكاية
هل أكتب النهاية؟
لكن يظل الأمل بحب قوي يقاوم، يصارع، يحارب بشجاعة ك أودين 'إله في الأساطير الإسكندنافية وحامي المحاربين'
يظل الحب تاج فوق رؤوس المحبين
"كان بيتي ليال، البيت الذي حاول والدك سرقته وأنت معه، كان بيتي وأنا خرجت من غرفتي عندما سمعت صوت بالصالة"
كانت تراقب ملامحه المشدودة، ألم غريب ظهر بتلك الزرقاء التي تتقطر نظراتها عليها والتي كانت تواجها
لم يعد هناك مجال للتراجع فالآن لا سبيل سوى المواجهة
كانت ترى الظلام الذي أحاط بها داخل ذلك البيت، لم تكن تعرف أي شيء سوى أن والدها يرغب بسرقة كل شيء
"اذهبي لغرفة المكتب واعرفي أين الخزانة؟"
كان استرجاع الذكريات يمزق قلوبهم، يصعقها بقوة ألف فولت ومع ذلك كان لابد من سردها كاملة
صوت الذكريات... مؤلمة
لم يتحرك من أمامها لم يكن جبان بأي يوم فقط كان يؤجل الأمر حتى يمكنه مواجهتها ولكنه لم يستطع تقبل فكرة ضياعها منه، ليس بعد أن اقتربت لحد أن أصبحت زوجته
"لم أعرف أن هناك أحد آخر سواه، تقاتلنا بشراسة وأعترف أنه خصم قوي حتى أسقطه فاقد الوعي وقبل أن أفعل أي شيء سمعت صوت بالمطبخ"
رمشت عيونها من دموع رفضتها وما زالت تتحرك بحرص بين الظلام لا تعرف أين هي فقد نست الخريطة التي رأتها مع والدها
تخبطت بمقعد كاد يسقطها، لفت حول نفسها تتماسك وما زال الصوت بالخارج يدل على المعركة.. والدها يتشاجر
فزعت، هلعت، دارت حول نفسها ولا تعرف ماذا تفعل؟ غطت فمها بيداها تكتم شهقة الخوف..
"الخوف مفتاح الفشل ليال، إياك والاستسلام له"
هكذا كان يخبرها مرارا وتكرار.. أرادها لصة مثله وهي أرادت الكمبيوتر..
سكن الصوت بالخارج، هل انهزم الرجل أم والدها؟ انفتح الباب، شبح طويل لا يماثل جسد والدها يسد الباب وضوء القمر لمع عليها
السلسلة... القلب الفضي
سلاح ظهر بيد الشبح صاحب السلسة بقلبها الفضي المميز فالتفتت تبحث عن مخرج.. النافذة تطل على الخارج وبلا تفكير كانت تحشر جسدها بها لتخرج للحديقة وخرجت وهي تبتعد
التفتت لترى هل يتبعها ورأت اليد تمتد بالسلاح وتطلق عليها فتردعها على الأرض
فرت دمعة تذكرها بالألم الذي اخترقها بذلك الوقت وانهارت يدها بالسلسلة لتقف على جسدها مكان الإصابة
صرخ قلبه متألما لأنه كان السبب.. تحركت تفاحة آدم المميزة بعنقه.. ظهرت حبات من العرق على جبينه.. ارتفعت أنفاسه تؤنبه
كاد يقتل من عشقها..
"ظننتك رفيقه ولم يمكنني التفكير أنك مجرد فتاة بالعاشرة"
أغمضت عيونها مرة أخرى وهي تدرك كل ما يقول.. لم ترتدي ملابس فتاة.. لم تظهر ملامحها.. حبست شعرها تحت قناع رأس أخفى شعرها وغطى كل ملامحها حتى سقط مع سقطتها
لمس يدها التي تقبض على السلسلة وتستقر على بطنها وعيونه أصبحت قاتمة كلون المحيط وقت الغضب وقد فقد هدوئه
"ظننتك لص حتى رأيت وجهك وشعرك المتناثر حولك فانتهيت ليال.. عيونك البريئة أطلقت رصاصات قاتلة نحوي ففقدت القوة على إكمال ما بدأته"
فتحت عيونها من صوته الذي لم يخرج واهنا سوى معها، لمسة يده على يدها عنت أنه فقط من يشاركها تلك اللحظة
لحظة العار والندم.. كلاهم شعر بالعار، اللصة الصغيرة، القاتل بلا رحمة
المواجهة حازمة، نهائية وعلى كلا منهما النطق بالحل قبل فوات الأوان..
وكأن كل شيء ارتسم أمامهم ، صورة كاملة لفتاة مصابة ترقد على الأرض بلا حول ولا قوة وشاب يطل عليها بصدمة لا يصدق ما سقطت عليه عيونه
ضربتها الحقيقة بوقتها.. قتلها وأنقذها ومنحها حياة هي الآن تعيشها
"أنا هنا صغيرتي.. لا تخشين شيء"
هي الآن تذكر كل شيء بوضوح.. ولم تخشى بوجوده من أي شيء
صوت الذكريات.. مؤلمة
لكن صوت الذكريات أعادها للواقع.. زوجة الرجل الذي ظنها مجرمة ثم منحها حياة بيضاء
"أنا كنت لصة بالفعل وكدت.."
لمسة أصابعه لشفتيها أوقفتها وعيونها زاغت بين نظراته "غصبا، شريف كان يغصبك"
شردت نظراتها وما زالت الذكريات تتساقط زخات، زخات وعقلها لا يستوعبها دفعة واحدة
كانت تختبئ تحت الفراش حتى لا يأخذها معه، يجذبها من شعرها والغضب بنبرته وكلماته الآمرة مخيفة "ستأتين معي وإلا سأجلدك وأمزق جلدك"
ومرة حاولت الفرار وترك البيت، كانت بالتاسعة ولكنه كان كالثعلب المتيقظ وقبض عليها ونالت عقاب ما زالت تذكره
أدرك الألم المرتسم على ملامحها وهو لن يعادل ما يشعر به، ترك يدها وابتعد
"كان علي إخبارك الحقيقة بأول يوم لكنك كنت ترفضين حتى وجودك هنا"
ظهره العريض هو كل ما واجها مقترنا بالحقيقة التي نالتها الآن وبدا أن هناك قرار لابد أن يتخذ
"أعلم أنك قد ترفضين الرجل الذي كاد يقتلك"
عاد والتفت لها "بالنسبة لك أنا غشاش وربما تظنين أني تزوجتك لأني.."
كان دورها برفع يدها ومنع الكلمات من الخروج "الزعيم لا يخشى من مواجهة طفلته الصغيرة، صغيرته"
القرار، المصير، المستقبل بها أو بدونها.. الحياة أو الموت
أمسك أصابعها بقوة وعيونه تقبض على عيونها "بل أخشى من فقدانها بسبب ما فعلته بها، أنا كدت أقتلك ليال"
اقتربت منه وما زالت عيونه تسقط على وجهها المتعب كما كان هو.. كلاهم متعب من نبض الذكريات القاسي داخلهم ونحر الألم من الفقدان
"وأنا كنت أنوي سرقتك ووالدي لو ملك فرصة لقتلك"
هل حقا هما متعادلين؟ هل تغفر له ما لم يغفره لنفسه؟
"لم يمكنني مسامحة نفسي ولم يمكنني مواجهتك، خشيت أن أفقدك للأبد، عشت بالظلام من أجلك"
ابتسمت أخيرا من بين كل السواد الذي لفهم "تركتني وحدي كثيرا يا ريس"
قبض أكثر على أصابعها والألم كان لذيذ ولم تمانع فهي تحتوي قوة الزعيم بين أصابعها "الريس نزيل ملجأ، مجرم شوارع، قاتل وصغيرته، ملاك أبيض نما وكبر ليصبح ماسة لا يجوز لأمثالي المساس بها"
رفعت يدها الحرة ولمست وجنته الخشنة لأول مرة، مستمتعة بالدفء الذي شعرت به وشعر ذقنه الطويل يداعب نعومة بشرتها بسعادة وكأنه يغازلها..
"هي صنعك يا ريس، تلك الماسة أنت من صنعها ومن حقك أن تكون لك"
الكلمات تحيي قلبه القابع بخوف داخل صدره، تمنحه الأمل، توقفه على رأس شرايينه ليرقص على نغمات كلماتها
"الفارق بيننا كبير، كنت قد اخترت الابتعاد عن طريقك للأبد لكن وجودك بجواري أفقدني عقلي وخرجت عما قررته لأني لم أستطع أن تكوني أمامي ولا آخذك بين أحضاني والحلال هو كل ما يناسبك"
لم تبتعد وظلت يدها على وجنته وهي تستوعب كلماته "لذا ابتعدت عني ولم تمنحني مكان بجوارك"
أمسك يدها وقرب راحتها من فمه وقبلها برقة ولكن دون أن يترك عيونها "لكنك كنت دائما بجواري"
لم ترحل ابتسامتها ولكن اختلطت بدموع السعادة "كنت تراقبني بتلك السيارة السوداء العالية"
لم يكن ليتركها.. كانت له..
"بالبداية كنت أشعر بالذنب تجاهك وظننت أن بما أفعله معك أكفر عن سيئاتي لكن كل يوم كنت تكبرين أمامي كنت أرتبط بك أكثر ولا أعلم متى أصبحت المرأة الوحيدة التي أريدها معي لنهاية العمر"
ابتسامتها أضاءت حياته فجذب وجهها له ومنحها قبلته التي تصدق على كلماته
توقفت الكلمات.. فشلت في التعبير
"الموت هو ما يعادل ابتعادك عني ليال"
منحها الكلمات على عتبة شفتيها ثم ضمها له رغم جراحه وهي أراحت رأسها على صدره الملتف بالضمادات لتستمتع بموسيقى دقات قلبه وأغمضت عيونها
"لكنك أبعدتني عنك بليلة زفافنا هارون"
أراح رأسه على شعرها المشعث متذكرا ليلتهم السوداء "كنت وحش معك، كان علي التأني وأنا مع ملاك رقيق مثلك"
ارتاح قلبها "ظننتك لا ترغب بي"
أبعدها وضم وجهها بين راحتيه وواجه عيونها الدامعة "أنا لم ولن أرغب بامرأة سواك، كلهم قبلك أشباح، مجرد مسكن يداوي شوقي لك، هو أنت من أريدها ليال أنا فقط لم أرغب بإيلامك، ما زلت لم تعتادي علي، أنا كنت مجرد همجي.."
ابتسمت رغم الدموع وقلبها يغرد بسعادة للرجل الذي أحبته وهو يمنحها كلماته عنها..
قاطعته "أنت لم تكن كذلك هارون، أنا تزوجتك ووافقت عليك برضائي، لم تغصبني على شيء وأنا أوافق على أن أكون لك كما تشاء، أنا رغبت بأن أمنحك السعادة، أردت أن أتعلم معك كيف نصنع ليلة لا ننساها"
أخيرا ابتسم الزعيم وتورد وجنتيها بين راحتيه سرق قلبه وأنفاسه وأرادها الآن وليحترق العالم وجراحه وكل من بالخارج وكاد يجذبها ليمزق شفتيها بقبلة لا تناساها ويصنع معها ليلتهم التي حلم كلاهم بها
لولا..
دقات الباب دائما تمزق الأوقات السعيدة، توقف المتعة، تثير غضب الزعيم
"من بالخارج؟"
فزعت من نبرته الغاضبة وصوت أنس يخبره بوجود زياد
عاد لها والغضب ما زال بين ملامحه لكن معها نبرته كانت تعني أنها صغيرته، مدللته
"سأرى زياد، بدلي قميصي المثير لجنوني عليك بملابس أخرى واخرجي ليرى جراحك"
ضحكت بدلال زاده جنون فما كان منه إلا أن حقق نصف الأمنية، نحر شفتيها بفمه يعاقبها على ضحكتها وجمالها ثم تركها فجأة وخرج وقلبها ينهار من رغبته بذلك الرجل الذي سرق منها كل شيء
*****
كان عليها اتخذ قرارها بالحال.. إما النجاة من الدعارة والسقوط بالعرفي وإما البقاء كما هي وضياع مستقبلها
لا وقت للتفكير، عريها أمام تلك النظرات كان يخيفها، الحبس على الأرض الباردة وسط وجوه مجرمة أرعبها ولن تعود له
حتى لو كان العرفي مخيفا ونصف شرعي ولكنه بالنهاية شرعي، أفضل من طريق لا يمت للشرعية بشيء
هو الإنقاذ الوحيد لها، طوق النجاة من الغرق للأبد وعقلها الآن لا يفكر بسواه
"أوافق"
بلا وعي نطقت وكأنها توافق على حكم من الإعدام إلى المؤبد وكلاهم موت..
"المحامي سيكون عندك بعد دقائق، امنحي الضابط الهاتف"
فعلت بآلية وقد فقدت الشعور بأي شيء وهي تنفذ أوامره وجمدت دموعها كما جمد جسدها النصف عاري والضابط يستمع لكلمات رشدي
عندما انتهت الإجراءات كانت تجلس وجاكيت يلفها فوق المنشفة، المحامي منحه لها وهي تشبثت به ليحميها من النظرات المحرقة من الرجال
"هل أنت بخير؟"
فزعت من صوته فقد ظنت أنه سيكتفي بالمحامي لكنها لم تدرك أنه لم ينتظر موافقتها وهو يدخل سيارته ويقود عائدا لها والجنون يلفه مما أصابها، لم يهتم إذا وافقت أم لا، لابد أن تخرج من تلك المهزلة ولكنها منحته الجائزة
وافقت.. ستكون له
عيونها الذابلة فقدت لو العسلية.. انغلقت على ألم وحزن وإجهاد أدركه عندما لم ترد عليه
انضم له المحامي وتبادل معه كلمات لم تحاول أن تسمعها. أرادت الذهاب، الحفر بالأرض ودفن نفسها بها كي لا تظل تحمل عار تلك اللحظة أمامه
ورقة تحركت أمامها.. رفعت عيونها له فبدا كعادته، جامدا لا ترى من خلاله أي شيء، سقطت عيونها على الورقة، زواج عرفي..
من خلفه رأت المحامي ورجلان لا تعرفهم فعادت للورقة وصوته اخترق صمتها فشرخه "وقعي هنا كي يوقع الشهود"
هل أنت بشر؟ أنت وغد، حقير، انتهازي
مال عليها لتسمعه "لو خرجت قبل التوقيع لن أراك بعدها"
هو لا يثق بها، هل هي تفعل؟
القلم كان ثابتا أمام عيونها الجامدة وبأصابع مرتجفة وضعت اسمها والشهود رحلوا بعد التوقيع وهو اختفى وهي ظلت مكانها
عاد لها وانتبهت لأكياس بيده وهو يمدهم لها "هيا لترتدي ملابس أخرى"
حدقت بالأكياس وأدركت ما تمر به.. العار.. العار ولا شيء سوى العار
وجدته ينزل أمامها ليصل لوجهها الملطخ بقذارة الليلة الماضية بأرض وسخة وسط مجرمين، مواجها لها وهي لا تنظر له "لقد انتهى كل شيء أحلام وعلينا الذهاب من هنا، لن تخرجي هكذا"
لم تقوى على النظر له وهو لم يفهم نفسه، كان يصارع الوقت وأكل الطريق من القاهرة للإسكندرية في أقل من ساعتين حتى وصل وأدرك ما تمر به ومع ذلك ظل وغد وأصر على توقيعها قبل خروجها
رفعت وجهها له وكان عليها تبرئة نفسها فهل يصدقها؟
"أنا بريئة"
تفهم ما تشعر به، هو يعلم أنها بريئة ولكنه ندل، جبان لن يمنحها فرصة لتفر منه، لن يصدقها وهي بالمنشفة بين نساء داعرات..
"ليس الآن أحلام فقط ارتدي ملابسك لنذهب من هنا"
هزت رأسها بلا وعي.. لن يصدقها ومع ذلك نفذ ما أراد ووقع الورقة مثلها وهي!؟
ستظل فتاة دعارة.. ألف مبروك لقد نالت اللقب
سخرية الأقدار..
نفخ بلا صبر وقد اختنق من المكان المشبع بروائح العرق والإجرام "أحلام لابد أن نذهب، لا مكان لنا هنا بين كل هؤلاء المجرمين"
كان على حق، نهض وقبض على يدها ليوقفها واستجابت فاقدة الإدراك وهو يقودها لأقرب حمام، كان سيء جدا من الداخل ورائحته لا تطاق لكن لا بديل
تكومت بمقعد السيارة وأسندت رأسها على زجاج النافذة دون أن تفتحها، متعبة، محطمة، مهزومة
منذ متى كانت قوية تواجه مصيرها بشجاعة؟
وما زالت تفعل، تفر من مواجهة ما كان بالعرفي.. هل كان هذا هو الحل؟
سعد، صفوان، هارون.. كلها أبواب مغلقة لم يمكنها الدق عليها.. والعابث هو الحل!؟
دخوله ملأ السيارة حقا فهو ذا حضور لا يمكن تجاهله.. عابث فقط مع النساء لكنه قطار هائج لا يقف إلا عندما يشاء لم تنظر له بل ظلت منكمشة بمكانها، جامدة الملامح ربما مثله وهو تأملها بلا كلمات
عرفت الجراج وعرفت الشقة وعرفت مصيرها القادم وهي تتبعه للداخل بشجاعة، هذا هو ما أراده وهو ما نفذه
أغلق باب الشقة والتفت ليراها واقفة بمكانها، لم تتقدم خطوة.. الظروف تخدمه، تمنحه الفرصة التي أرادها.. ستكون له رغما عنها، سينالها حتى يمل كعادته ثم يمزق الورقة وشيك بمبلغ جيد وإلى اللقاء..
انتهى إيجار الشقة..
"الغرف هناك"
فزعت، ارتجفت، قفزت بمكانها من دوي صوته الهادئ والتفتت لتواجه الرمادي المحترق بنيران رغبته بها..
الآن.. يريدها الآن.. لن يتراجع
رأت نظراته، فهمتها عرفت أن القدر وضعها بزنزانة من الذهب وعبث بها.. ابتسم ساخرا وهمس ساخرا "لقد فاز، العابث الأزلي، انتصر.. لا مكان للفضيلة هنا"
عندما لم تبدي أي حركة قبض على ذراعها وجذبها لتصعد ثلاث درجات وتدخل ممر عريض عرفت أن به الغرف من الأبواب المغلقة.
باب، اثنان والثالث فتحه ودفعها للداخل.. غرفة واسعة جدا تتناقض مع المظهر الخارجي للشقة، بابين مغلقين، مائدة للزينة ليس عليها سوى زجاجة عطر بالطبع تخصه..
فراش رائع لم ترى مثيل له ولا لكبره.. سجاد فاخر كانت تخطو عليه حافية وهو يجرها لأحد الأبواب فتحه وهو يدفعها "لا تتأخري أنا بانتظارك"
والتقت بصورتها بالمرآة التي تشغل جدار كامل أمامها، حوض غسيل الوجه ورخام كبيرة رص عليها أدواته الرجولية.. معطرات للجسد، مرطبات للبشرة تقريبا مركز للتجميل
حوض الاستحمام كان اسود مستدير لكن يلمع تحت الأضواء الخافتة.. الأرض سوداء لامعة عليها قطع سجاد متفرقة..
أنا متعبة، متعبة لدرجة أني لا أعي ما يحدث حولي..
هل حقا سأفعلها؟ أتزوج ذلك الرجل؟ سينال عذريتي حتى يمل مني ثم يمزق الورقة ويلقي بي بلا نظرة واحدة لم دمره خلفه؟
تحركت للحوض وفتحت المياه وتركتها تتكوم به ولا تعرف ماذا وضعت بالمياه فكل تلك الزجاجات لا تعرفها، هي بالأساس لا تعرف كل ما يحدث لها
الأفلام تقودها..
فركت جسدها بقوة راغبة بإزالة آثار تلك الليلة التي ستنضم ذكراها مع الذكريات المؤلمة
عندما التفت بالروب السميك المعلق خلف الباب خرجت ولم تجده لكن عطره كان بالغرفة المرتبة والنظيفة بشكل ملفت للنظر
ثبتت نظراتها على تلك الملابس الخاصة بالنساء بليالي الزوجية على الفراش فصعقها المنظر.. هل سترتدي ذلك؟
لا.. لا يمكنها أن تفعل
لن تقف أمامه مرة أخرى نصف بل عارية فتلك الملابس لا تخفي شيء
انفتح الباب مما جعلها تقفز بمكانها وتستدير لمواجهته وقلبها يدق بسرعة مؤلمة وارتفعت الدماء لرأسها مما جعلها ترتد لدرجة كادت تسقطها وهو بروب أسود لامع من قماش فاخر وصدره ظاهر من فتحته
بدا مختلفا بملابس البيت.. نفس الرجل لكن برداء غريب عنها لم تعرفه من قبل..
لم يهتم بالفزع التي ارتسم بملامحها ولا الخوف الذي حاولت أن تخفيه وراء ارتفاع وجهها الذي لم تزيل المياه التعب منه
"لم ترتديه!؟"
واجهت ملامحه الجامدة بشجاعة رغم قلبها الجبان الهارب من جوارها، لم يؤازرها وحتى عقلها انكمش برأسها خانعا ذلولا.. فهل عليها أن تظل جبانة؟
لا.. عليها أن تسدد دينها الذي لا تعلم متى سينتهي.. لابد أن تكون له
"لم أملك وقت"
كانت نظراته تطارد عيونها، نظرات مليئة بالجوع.. الرغبة.. الشهوة
أحنى رأسه عليها فتراجعت ولاحظ ذلك لكن تجاوزه وهو يهمس بقوة أخافتها "لن أنام معك بروب الحمام، سأمنحك خمس دقائق بالداخل وإلا سأفعلها بنفسي، ادخلي"
ارتجفت من نبرته الآمرة والهادئة بنفس الوقت ولم تفكر كثيرا وهي تسرع وتجذب قميص النوم الذهبي واختفت من أمامه خلف باب الحمام
أغلقت الباب خلفها ووضعت رأسها عليه وهي تقاوم تلك الدموع.. ليس الآن وقت الضعف، بل وقت السداد، هي زوجته حتى ولو كان عرفي.. هو من أخرجها من العار الذي كاد يلفها، المحامي قال إن اسمها انتهى من الأوراق ولن يذكر
استبدلت الروب بالقميص ولفت روبه القصير حول جسدها دون حتى النظر لنفسها بالمرآة، هو وفى بالاتفاق وعليها أن تفعل المثل وإلا هي تدرك تماما أنه لن يتركها
عندما خرجت كان دخان السجائر قد ملأ الغرفة وهو يجلس بغرور على مقعد وثير يواجه مقعد آخر وساقا فوق الأخرى جعلته ملك ينتظر جاريته لتمتعه
رفع وجهه لها وانتهى كل شيء من حوله..
شعرها البني انسدل على أكتافها مموجا من البلل بشكل غجري ضربه بمقتل
جسدها الابيض الناصع تناقض مع لون وجهها الذي تأثر من الشمس.. تدوير نهديها تحت القميص جعله يبتلع ريقه بصعوبة من الرغبة الجامحة التي ارتفعت أضعاف ما كانت داخله
ساقيها الملفوفة كانت تمنحه نداء صارخ بأن يهرع لها ويلفهم حول جسده وهو ينالها بقوة دون أن يوقفه أحد
أخفضت وجهها من نظراته الجريئة، لم ينقذها الخجل ولا تورد وجنتيها بل زادته إصرار على ما خطط له
هرس السيجارة بالمطفأة ولم تعرف كيف أصبح أمامها، أصابعه تداعب خصلاتها المتشابكة وهو يهمس "تبدين مثيرة حقا بتلك الخصلات الغجرية"
جذبها لأنفه وتنسم عبرها وهو يغمض عيونه وهي لم ترفع وجهها له لكن هو فعل، ترك شعرها وأراح راحته على وجنتها ليرفع وجهها له وانحنى بوجهه عليها
"عسلية"
لم تسمع وهو يقتنص شفاها بقبلة حرة ظلت هي جامدة خلالها، لم تعرف ماذا تفعل غير التحديق به وشفاهه تقبل شفاها حتى همس "قبليني أحلام، أنت زوجتي"
ارتفع قلبها رافضا وهي تردد "عرفي"
أبعد شفاهه والتقى بعسلية عيونها النابضة بالألم ولم يهتم، غلاف الحزن لا يؤثر به، ينزعه ليرى ما يغطي وينال العسلية
"ولو"
وعاد لها يبعد الروب بحزم ويلفها بذراعه جاذبا جسدها له بتملك وينال قبلة قاتلة جعلتها تغمض عيونها ويداها جامدة بجوارها رافضة الاستجابة له حتى رفعها بين ذراعيه بسهولة ووضعها على الفراش
ظل ينظر لها ورغبته لا تتوقف بل أراد المزيد ولم يفكر برغبتها بل عاد لقبلتها بقوة ويداه تبعد كل ما يفصله عن جسدها الذي أصبح ملك له حتى نالها وهي تغرس أصابعها بالفراش بلا صوت من الألم
صوت الصمت أكثر إيلاما
وقتها أدركت أنها لم تعد أحلام محمد الرافعي بل امرأة ستتعرف عليها بعد اليوم
*****
ما أن خرجت مي من مكتبها بالمشفى حتى اصطدمت بنفس الرجل، تراجعت بفزع أمامه، هو عنوان الخيانة.. هو سطر بل الأوراق كلها بملف هارون وخطف ليال
شحب وجهها وتلون بالأصفر رغم مساحيق التجميل التي حاولت إخفاء تورم عيونها بها وهو ظل واقفا بكبرياء أمامها، نظراته نارية بلون الزيتون الأخضر ملامحه تشبه أحد تعرفه لكنها لا تستطيع معرفته، عقلها المشوش خذلها
"هل ظننت أنك ستفرين مني؟"
ابتلعت أي شيء بفمها وهي ترفع خصلة من شعرها خلف أذنها وهي تواجه نظراته المقيتة، كلما التقت به كان الخوف يرافقها منه وعندما يرحل يعود لها الشعور بالراحة وما كان يمنحه لها كان يسعدها لكن الآن اختلف الأمر
"ماذا تريد مني؟"
فمه منحها ابتسامة مخيفة دلت على ما يمكن أن يفعله بها لو لم تطيعه "تعرفين ماذا أريد، أين هارون؟"
سقط قلبها بين قدماها، هي بالكاد تحصل على أي معلومة عنه الآن، حتى هندية لم تعد تخبرها بشيء وكأن الجميع اتفق عليها
"لا أعلم، هارون طردني من البيت ولم أعد أعرف عنهم شيء"
لف وجهه بعيدا عنها وكأنه يفكر بكلماته التالية.. تابعت ملامحه المخيفة رغم أناقته وعطره الفاخر وهي تعرف أنه ثري.. ثري جدا
عاد لها بهدوء مختلف وقال "تناولي الغداء معي، نحتاج للتحدث"
زاد شحوب وجهها ولم تعرف ماذا تفعل أو تقول وكأنه وضعها على مفترق طرقين كلاهم يؤديان للجحيم وتركها لتختار..
"نتحدث بماذا؟"
ظل واجما لحظة مدركا مخاوفها ومرت نظراته على قوامها الرائع وملابسها المحكمة على جسد مميز وعاد لوجهها "بمستقبلك معي.. أنتظرك بالسيارة.. لا أحب التأخير"
عندما رحل تنفست بقوة وكأن صدرها كان قد فقد الهواء من حولها بوجود ذلك الرجل المخيف..
سيارته كانت فارهة بحق، لأول مرة تخرج معه خارج المشفى حيث كانوا يلتقون
سائق فتح لها بالخلف وهو جالسا يعبث بهاتفه والسائق انطلق بهم وهي لا تتحدث.. كانت تتأمل ما تراه بالسيارة المخيفة كصاحبها.. هل هناك سيارات مثلها حقا هنا..
الطريق كان مزدحم وهي تتأمل ملامحه.. أكبر من هارون عدة سنوات من تجاعيده القريبة من عيونه وجبينه وحتى بجوار فمه ومع ذلك بدا وسيما لكن بشكل مهيب..
لا أحد يماثل هارون بوسامته
"هل أعجبتك ملامحي أم ما زال هارون يفوز؟"
انتفضت من صوته البارد وسؤاله الوقح وتورد وجهها وأدركت أنها بحضرة رجل يعرف من أمامه جيدا.. قرأها.. درسها وحفظها وتلا كل شيء بتفوق
علا التصفيق، نجمة كبيرة باللون الأحمر
"أخبرتك أني لم أعد أعرف شيء عنه"
سيجارة تلاعبت بين شفتيه دون أن يشعلها والتفت لها والتقت بالزيتون يطل عليها وصوته عميق خارج من بئر مخيف
"ولكنك ستتعلمين كيف تعرفين.. هارون ألقى بك بلا رحمة فهل تتركين حقك؟"
يعرف جيدا كيف يضغط على المكان المؤلم "الجميع يعلم أن لا مجال لنيل أي شيء من الريس"
توقف فمه عن العبث بالسيجارة وعيونه تحجرت بنظرة مخيفة جعلتها ترتعد وخرج الصوت مخيف أكثر "هذا الريس هزم نفسه يوم سار وراء امرأة"
ذكر ليال جعلها تذكر الألم والكره والحقد فأبعدت وجهها ولكن يده قبضت على ذقنها بقوة لتعيد وجهها لمواجهته وهو يقول بغضب جعلها تنتفض "لا تديري وجهك عني أبدا مرة أخرى هل تفهمين؟"
تألمت من أصابعه وهي تهز رأسها بخوف ظهر بعيونها وهو ظل قابضا على ذقنها وعيونه ثابتة على عيونها والسيارة تخترق الزحام حتى توقفت أمام مبنى فاخر بمنطقة هادئة تعرفها جيدا
أبعد يده وقال "انزلي"
فتح له السائق وهي نزلت وحدها وعيونها الفزعة تتجول حولها، ماذا فعلت بنفسها؟ بأي جحيم ورطت نفسها؟
أين المطعم؟
سطوة قبضته أوقفت تفكيرها وهو يدفعها داخل المبنى الفاخر ورجل الأمن ينتفض واقفا ويسرع لفتح باب المصعد لهما بلا أي كلمات وهو ما زال قابضا على ذراعها حتى انغلق المصعد فدفعها لجدار المصعد وواجها غالقا المسافة بينهما
"شقتي أفضل مكان لتناول غداء خاص"
شقته!؟ لا.. لا يمكن أن يفعل بها ذلك..
بصعوبة جذبت صوتها "لا، أرجوك دعني أذهب"
ابتسم ومرر أصابعه على وجنتها وأنفاسه تسقط على وجهها "نتناول الطعام أولا"
انفتاح الباب جعله يفلتها ليشير لها لتتقدم داخل شقة فاخرة تماما كما تراها بالأفلام، لن تنكر أنها تمنت مكان كهذا، أموال، قوة، سطوة وزعامة
شعرت به خلفها "الطعام سيصل بعد دقائق"
التفتت متراجعة حتى أنها كادت تسقط لكن ذراعه أبت أن تتركها تقع أو تبتعد عنه فلفها وجذبها له ونظراته تحيطها بأخضر كسى اليابس وأبعد القحط
"خائفة!؟"
نعم، بل مرعوبة.. أرادت التملص منه والفرار ولكنه لا يتركها، بل هي لم تحاول الفرار
تملصت منه، تلوت بين ذراعه، دفعت قبضتها بصدره ليفلتها وهو يضحك، يضحك بقوة أفزعتها أكثر ثم أفلتها فجأة حتى كادت تسقط مرة أخرى ولكنها توازنت بصعوبة وهي تهتف
"ماذا تريد مني!؟"
خلع الجاكيت وربطة العنق وأشعل السيجارة التي كان يتلاعب بها وتحرك للبار جاذبا كوبا وثلج ووضع مشروب بلون التفاح من زجاجة كبيرة تناول بعض من المشروب ودخن السيجارة ثم التفت لها
"أريدك"
تراجعت وهي تدرك وقاحته والفخ الذي سقطت به
قرا أفكارها وبسرعة كان يسد طريقها للباب بجسده المثالي "ليس بهذه السرعة"
"ابتعد عني، أنا لست كما تظن"
انحنى عليها وتنفست رائحة التبغ من فمه "بل أنت كذلك، أنت تريدين القمة وأنا سأمنحها لك، سيكون لك المال والملابس الفاخرة وتلك الشقة وسيارة وسائق وانتقام بسيط من هارون"
تراجعت بلا فهم.. هذا الرجل يمنحها الكثير فما المقابل؟
"مقابل ماذا؟"
لمس خصلاتها المتحررة على وجهها ولفها على إصبعه متلذذا بنظرات الخوف بعيونها "أخبرتك، أنا أريدك أنت، بلا غصب"
لم تصدق ما يقول، هل تقبل بالحرام؟ من أجل ماذا؟
"لا، أنا لست تلك المرأة، أخرجني من هنا"
ظل واجما أمامها.. هل حقا تجيد التمثيل أم أنها ليست كما ظن؟ الخطأ لا مكان له بطريقه وهو يريدها
"من أنت إذن حتى أنالك؟"
"أنت وقح"
وتلقى معصمها بين يده بسهولة قبل أن تصل يدها لوجهه وابتسم وهو يعتصر معصمها بأصابعه "أنا لا أتزوج"
اتسعت عيونها من المعنى الذي رحل لها.. هو يظنها فاجرة، تسعى وراء تلك المظاهر التي أغراها بها لكنها ليست كذلك
هل هي!!؟
"لم أفكر بأي شيء مما تقول فقط دعني أذهب"
لم يفلت يدها وهو يقترب منها أكثر وبكلمات قاتلة أصابها بالصميم "لم أغصبك على الصعود معي، أتيت برغبتك وكنت تعلمين ما نحن بطريقنا له بل وترغبين به مثلي تماما، نحن من جنس واحد مي فلا تدعي البراءة"
ظلت واجمة بعيون دامعة وقلب متحجر وعقل غبي لا يفكر ورائحة الثراء تغريها تفقدها العقل والتعقل
اقترب حد الجنون مواجها نظراتها الحائرة وهو يعلم جيدا بأي مياه أسقط صناره ولن يخرج الهلب فارغا..
"أنت لا تعرفين من أنا وما الذي يمكنني منحه لك أو فعله بك، الآن سأخبرك ولكنك لن تخرجي بعدها من هذا الباب إلا وأنت لي ولك كل ما ترغبين به أو.."
ولم يكمل بل ترك لها التخيل كما تشاء
نفت برأسها وهو يفلت يدها ويخرج دفتر من جاكته وقلم ذهبي ويدون به شيء ثم جذب الورقة منه ورفعها أمام عيونها الذاهلة وهي ترى الرقم الخرافي الذي كتبه
رقم يجعلها ملكة متوجة وتدهس الجميع تحت أقدامها.. رقم يجعل هارون يترك العالم من أجلها
"هارون سيندم على ما فعله بك وسأتأكد من ذلك وتلك الفتاة سيكون لنا معها تصرف آخر والآن ماذا؟"
صمتها ونظراتها الثابتة على الورقة المرفوعة أمام عيونها تفصله عنها جعلته يدرك أنه أصاب بكل ما فعله.. فريسة سهلة
تحرك لحقيبتها المعلقة على كتفها ووضع الشيك بها وأبعدها عنها ومرر أصابعه على وجنتها فتراجعت.. ما زال جزء منها يرفض طريقه، لا.. لن تقبل
أسرعت لتذهب للباب ولكنه كان أسرع وهو يقبض على ذراعها ويجذبها له وهي تقاومه بقوة، قبضتيها ضربت صدره بكل ما ملكت من قوة، صرخت بأعلى صوتها، تملصت منه لكنه بكل بساطة قبلها
قبض على شفتيها بفمه بلا مقدمات، حاصرها بلسانه وشفتاه وهي ما زالت تقاومه محاولة إبعاد وجهها وفمها ولكن لهذا الرجل قوة وسطوة هزمتها
ذراعيه قبضت عليها بإحكام جعلتها مقيدة، فمه لم يفلت فمها رغم أنفاسها الضائعة، يداها سجنت على صدره من ضغط جسده على جسدها ومنع عنها الهواء وهي ما زالت تقاومه لكنه كان يدفعها بلا رحمة لطريق لم تظن أنه سيقودها له عندما دخلت السيارة بجواره أو صعدت معه إلى هنا..
ظل فمه يحبس شفتاها بقبلة قاتلة، امتلأت بشهوة قاتلة لرجل لا يعرف الرحمة ولم تشعر إلا وهو يلقيها على الفراش وينزع قميصه وهي تحاول الفرار ولكن سرعته كانت تشبه سرعة الفهد
جذبها معيدا إياها للفراش وأدركت جسده العاري فوقها ودموعها تحاول مساندتها وما زالت تصرخ به ليتركها ويداها تحاول إبعاده
"أرجوك اتركني.. اتركني، ابتعد عني"
صوت تمزق قميصها وصل لأذنها وأدركت أنه الأقوى وهو يقيد يدها بقوته "لا تكذبي على نفسك مي، أنت تريديني كما أريدك، تريدين كل ما سأمنحه لك فتوقفي عن المقاومة لأني لن أتركك"
رحل الأمل من كلماته وأغرقت الدموع وجهها ولم تعرف ماذا تفعل "لا.. لا أريد ذلك، أرجوك"
تمزق التنورة الضيقة وملابسها الداخلية معها كانت آخر إنذار وصرخت مرة أخرى وهو يقيد جسدها بين ساقيه ولم يجيب لأنه كان مشغول برغبته التي محت من عقله أي فكرة عن التراجع وهو يخترقها بقوة جعلتها تصرخ أكثر ولم يمنحها فرصة لاستيعاب ما يحدث لها
الألم كان من كل مكان.. بين ساقيها، بقلبها، بعقلها بكل مكان بجسدها
فقط الدموع هي كل ما تركه لها حرة تتساقط بلا حساب تنعي عذريتها التي نالها هذا الرجل بلا رحمة ولكن
هي السبب...
****
انهى زياد تضميد جراحه الكثيرة وهو ثابتا بلا حركة وكأن الألم يخشى من الزعيم
أنس كان يحاول تغيير الأجواء الصامتة حولهم "الشرطة لم تصل لأحد هارون، النيران تم احتواءها وتم العثور على جثث كثيرة بالمكان كلهم فاقدين للأعضاء"
كان يعلم أن الدكتور لا يترك أي شيء خلفه لذا فجر المشفى المهجور ليزيل كل أثر يمكن أن يقود له
"الدكتور يعرف كيف يفر جيدا والشرطة لديها ما يثنيها عنا بقضية لا معنى لها"
أكواب الشاي صكت ببعضها وهندية تدخل بها وعيونها تسقط على جسده المضمد وبدت معتادة على هذا المشهد
"ألا يوجد جزء بجسدك سليم؟"
لم تتبدل ملامحه، هذا ما نشأ وعاش عليه، قاتل أو مقتول وقد حافظ على حياته حتى الآن منتظرا خنجر بظهره بأي وقت ليكون مقتول
خرجت ليال بنفس الوقت بعد أن اغتسلت وارتدت ملابسها وما أن سقطت عيونها على جراحه حتى رفعت يدها على فمها فزعة من كل إصاباته التي لم تراها بوضوح إلا الآن
ابتسامة أنس عنت أنه انتبه لملامحها "لا تخافي زوجة أخي هو قط بسبعة أرواح، فقط لن تفوزي بجسد جميل"
تورد وجهها وهتفت هندية باستنكار "اخرس يا ولد ولا تخجلها هي ليست معتادة على ذلك"
نهض صفوان وجذب الشاي وأنس يجيب "زوجة أخي تفهم معنى كلماتي هندية فلا تثيري النيران"
هارون لم يرغب برؤية الفزع بعيونها من أجله، هو بخير فقط لأنها عادت له وأصبحت بأحضانه "تعالي ليال، أنا بخير ولا تهتمي بشجارهم"
منح صفوان أنس الشاي ولم يتحدث بينما قال زياد وهو ما زال يتابع عمله على جسد هارون “لقد انفتحت غرز يا ريس ولا يمكن إعادة تضميدها لذا عليك بتقليل الحركة حتى تنغلق وضلوعك بحاجة للراحة"
كانت تعرف أن الراحة وهم لا مكان له بحياة هارون ورجاله، ليس وهناك عدو كاد يقتلهم "تلك الراحة بالأحلام يا.."
رد صفوان "زياد ومعك حق ليال نحن لا نعرف الراحة"
تحركت هندية متذمرة مما يحدث حولها "أنتم لا تسمعون لأي عقل"
ضحك أنس وصفوان ولانت ملامح هارون وشحب وجهها وهو يرفع عيونه لها مدركا الخوف الساكن بعيونها "هذا الخوف لا مجال له صغيرتي"
رد صفوان مؤكدا "لا يليق بزوجة الزعيم"
انتهى زياد منه وقال "صفوان سيمنحك الدواء المناسب يا ريس، هل أرى يدك مدام؟"
التفتت لزوجها الذي حدق بها، كلاهم يعرف أنها ما زالت الفتاة التي لم يتملكها بعد لكن عيونه كانت تتوعدها بأنه سينفذ ما قال
ستكون له.. تورد وجهها من التوعد
ضمد زياد يدها المجروحة وهاتف هارون يرن، أخرج هاتفه ليجد الضابط "ماذا؟"
صوت عزيز كان ينبض بحماس، هارون منحه قضية جيدة، هو عادة ما يفعل معه
"سرعة وصولنا جعلتنا نجد بعض الأدلة ضد الدكتور، بلاغك قادنا لهناك هارون"
نظر لأنس وأبعد الهاتف وقال "هل تمنحني سيجارة؟"
أشاح أنس بيداه ونظراته تعني ألا تمل؟
عاد للهاتف وأنس يبعد وجهه وهارون يرد "وهل وصلتم له؟ الدكتور؟"
أجاب الضابط "تعلم أن لا أحد يعرف مكانه، لسنا متأكدين أنه كان موجود "
عاد لزياد الذي لملم أدواته واعتدل ليمنحه نظرة مطمئنة وكلمتان "هي بخير"
هز رأسه وهو يعود لزياد "الشرطة يمكنها كسر القواعد"
صمت الضابط فعاد هارون وقال "حسنا لو عرفت شيء ستكون لك الأسبقية"
وأغلق الهاتف والتفت لأنس وقال "السيجارة أنس"
نظر أنس له بينما تدخلت هي "أنت لا تدخن هارون، أين الدواء صفوان؟"
ابتسم أنس وأغمض هو عيونه فهي لن تتركه وهو لن يوقفها أمام رجاله بينما تحرك صفوان له ومنحه الدواء بيده "قرص الآن والآخر بالصباح"
ومال بجوار أذنه وهمس له فقط "اثنان لو أردت إكمال شهر العسل"
لم يبدو أي شيء على ملامحه وصفوان يتحرك خارجا بينما عادت هندية وأنس ينهض وهي تقول "هارون أنا ذاهبة لمي هي متعبة"
لم ينظر لها ولم يرد وهو يتحرك لزوجته وأنس يقول "هارون ألم تسمعها؟"
مي انتهت من حياته ولا يرغب حتى بسماع اسمها لكن من أجل هندية سيظل هادئا
مد يده لليال لتنهض معه دون النظر إلا لها "اذهبي هندية ليال معي، هيا صغيرتي، نحن بحاجة للراحة"
هتف أنس "هارون مي.."
وقفت أمامه وهي لا تفهم ما يدور حولها وهو يقاطع أنس بلهجة توقف أي جدال "مي لم يعد لها مكان هنا أنس لكن ستظل ابنة هندية وأنا لا أمنع أحد عنها، أرغب بالراحة"
وتحرك وهي بجواره بخطوات ثابتة تجاه غرفته وهي تدرك نبرته الحازمة وغدت تعرف متى يكون الريس والجميع يطيع ومتى يكون الصديق والآن هو الزعيم بلا جدال لكلماته
ترى ماذا فعلت مي؟
التفتت وصوت الباب يعلن عن عودتهم وحدهم مرة أخرى وهي أصبحت ترغب بوجودهم معا للأبد، هو لها وحدها لا يشاركها به أحد..
وقف أمامها وعيونه تخترق ظلام عيونها الذي لمع له، دفع راحته بين شعرها الذي غسلته وجففته قبل أن تخرج له وقرب وجهه منها وأغمض عيونه وهمس
"فانيليا"
دق قلبه لها وهي تنظر له وهو يفتح عيونه ليقابلها "أعشق الفانيليا وصاحبة الفانيليا"
وجذب وجهها له بقبلة تليق بالزعيم، بالتأكيد على عودتها له، لأحضانه، لم تمانع بل لفته بذراعيها ونست جراحه وحتى جراح يديها وهو يلفها بذراعه جاذبا جسدها له حتى أنها لمست مدى تأثره بها كرجل
ترك فمها لينثر قبلات على وجنتها حتى عنقها لم ينجو منه ولم تعرف متى فك أزرار قميصها وأسقطه وهو يقودها برفق للفراش وعبثت يداها على أكتافه وهي تذكر نفسها بجراحه لكنه لم يمهلها وهو يتخلص من أي شيء يعوقه عنها
كلمات الغزل غسلت أي قلق كان يعلق بها وذابت بين قبلاته ولمساته وبادلته اللمسات وعندما عاد لشفتيها تعلمت بسرعة كيف تبادله القبلة وهي تفرج له شفتيها حتى همس
"أنت لي"
همست بدورها "أنا لك"
ولم يتراجع وهو يتملكها وهي تغرز أظافرها بأكتافه لتدرك أنه اخترق جدارها وأنها أصبحت له، امرأته، زوجته وهي سعيدة، راضية وهو يتابع بلا توقف وبرغبة دامت سنوات كثيرة بانتظار اليوم الذي ستكون له حتى أصبحت الآن له وهو يتملكها بسعادة
صغيرته.. حبيبته..
ملاكه..
يا لها من ليلة غريبة، زواج عرفي، اغتصاب، زواج شرعي.، الليل يستر الكثير والكثير والبشر هم من يفضحون بعضهم البعض