
رواية غرام في العالم السفلي بقلم داليا السيد
رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثالث عشر13 بقلم داليا السيد
لم يحب سواك
التفت بالغطاء وانهارت بالبكاء وهي تستوعب ما كان، نزع نفسه عنها بعدما انتهى وتركها غير عابئا بها
لم تعرف أين ذهب ولكن صوت الباب عنى أنه رحل وتركها هنا وحدها تلعق عارها وحدها، فقدت شرفها، كل ما تملكه، سرقه
لا.. هي من منحته له وقت وافقت على التعامل معه، باعت هارون، باعت العائلة التي عاشت بينها بثمن بخس
الانتقام يحرق كل شيء حتى من ينتقم يحترق به..
احترقت وصارت رماد لا قيمة له بسبب غباءها وأطماعها.. ماذا فعل لها المال؟ أفقدها عذريتها
انحدرت للهاوية وسقطت بها وستظل بالقاع حيث تستحق..
عندما توقفت عن البكاء نهضت ولملمت ملابسها الممزقة ولم تعرف ماذا تفعل؟
التفت بالغطاء وظلت جالسة على طرف الفراش، ورفعت وجهها لترى صورتها بالمرآة.. شعرها منثور حول وجهها بلا ترتيب كما اعتادت، دموع تغرق وجنتيها، ملفوفة بغطاء لا يكاد يسترها
غانية.. عاهرة.. فتاة ليل
تستحق كل الألقاب وزد واحدة.. مغتصبة
انفتح الباب ورأته وقد عاد لأناقته وكأنه لم يجتاحها منذ وقت قصير جدا
ألقى ملابس على الفراش بلا اهتمام وقال "انتهي بسرعة، لدينا ما نتحدث به"
وصفع الباب خلفه غير عابئا بما رآه على وجهها والحلكة الظالمة بعيونها والألم المرتسم على ملامحها فقد دفع الثمن مقدما ونال ما أراد
عندما خرجت كان يدخن سيجارة والكوب بيده واقفا بسطوة أمام النافذة والهاتف على أذنه "لا، لا أريدك بالصورة تلك الأيام فهو لن يتوقف عن البحث عنك"
حقيبتها كانت بمكانها فتحركت وجلست بجوارها تستمد منها أي رفقة أو راحة وكأنها لم تغتصب من هذا الرجل فقط منظر الواقي بسلة القمامة بجوار الفراش جعلها تدرك أنه متمرس ولن يخطئ بنيل طفل من امرأة مثلها
"أنا لا أتزوج"
التفت لها فجأة مما أفزعها وضاقت عيونه عليها واقترب ليجلس على المقعد المجاور "أحب شجاعتك هذه، هارون عاد وأنقذ تلك الفتاة"
رفعت وجهها له وهي لا تعرف ماذا تقول أو تجيب، رحلت الكلمات، هارون عاد وارتسم الفزع والخوف فجأة على وجهها وهو رآه وثار بركان الغضب داخله فأمسك ذراعها الذي صارا مميزا بعلامات أصابعه
"هارون لا يمكنه أن يفعل أي شيء، هو أجبن من أن يواجهني فأبعدي هذا الخوف"
ارتعد جسدها وارتجفت شفتاها بالكلمات "هو أنا من سيواجه غضب هارون، سيعرف أني السبب"
جذبها له بقوة حتى كاد يلصق وجهه بوجهها والغضب ما زال يشتعل بزيتونة عيونه "سيواجهني قبل أن يمسك، أنت تخصيني وأعرف كيف أحميك جيدا"
هي تخصه.. أصبحت امرأته، من حريمه ترى كم امرأة يملكها سواها؟
لم ترد والدموع تهزمها ولم تعد تملك ذلك الغرور فقد كسره داخلها
تركها بقوة وارتد بالمقعد وقال "فقط لا تتهوري مرة أخرى تلك الأيام وتقفي بطريقه فأنت غبية بتعاملك مع تلك الفتاة"
مسحت دموعها ولم ترد، حلمها بهارون ضاع، سقط على صخرة ذلك الرجل وتحطم لألف قطعة وقطعة ولا يمكن حتى لملمته..
انتهت الحكاية القديمة والآن سنبدأ من جديد
****
نامت بسهولة بعد أن ابتعد عنها ورحل للحمام وعندما خرج ملتفا بالمنشفة حول خصره رآها كما تركها، تنام على جانبها، شعرها البني يغطي وجهها البريء والغطاء يكشف فقط كتفها وظهرها فتذكر ملمسهم تحت يده
كانت رائعة حتى وهي لا تتجاوب معه، مثيرة، رقيقة كالفراشة تحلق بصمت وكانت هي الصمت المثير لجنونه.. أرادها مرة أخرى ولا يعرف كيف..
طعم العسلية يفتح الشهية..
تحرك لها ومد يده ليوقظها ويعيد ما كان ولكن ملامحها الهادئة أوقفته، التعب بدا على وجهها الساكن على الوسادة وتذكر أنها أمضت ليلتها الماضية كلها بالحبس وبالتأكيد لم تنم فعلقت يده بالهواء ولم يلمسها
شيء ما بك مختلف أيتها العسلية لكن لا أعرف ما هو..
ابتعد لغرفة الملابس وجذب ملابسه وارتداها وهو يترك لها ورقة كتب عليها "سأعود غدا لا تذهبي"
*****
انحنى نصف هارون الأعلى على امرأته دون أن ينفصل عنها ورأت الألم مرتسم على ملامحه وأنفاسه تتسارع والعرق على جبينه فأدركت أنه يتألم ولكن الزعيم لن يعترف
"هارون هل أنت بخير؟"
وضع قبلة رقيقة على شفتيها وابتسامته أزاحت الألم عن ملامحه وأنفاسه تضرب بشرتها التي اكتست بعرقه بسعادة
"لم أكن بأفضل حال كالآن، سعيدة؟"
لفت ذراعيها حول عنقه بتملك ومنحته أجمل ابتسامة لأجمل امرأة رآها بحياته وتمناها من قلبه ونالها أخيرا
"وأين السعادة إن لم تكن بين ذراعيك يا ريس؟ منذ منحتني حياة جديدة هارون وأنت عنوان سعادتي، هل ترتاح الآن؟"
هز رأسه وهو بالفعل بحاجة لذلك، الألم يصرخ من كل جزء من جسده، انسحب منها برفق واستلقى بصعوبة بجوارها وهي تساعده على إيجاد وضع مريح والتفتت لتطفئ النور فسمعته يقول "تعالي"
لم تمانع وهو يجذبها له رغم ألم ذراعه وضلوعه لكنه أرادها بجواره وضمها له وهي أيضا أرادت ذلك، العودة لأحضانه ستمنعها من تذكر ما كاد يصيبها فقط هو هنا، معها، لها هي ولا أحد يمكنه مشاركتهم ما بينهم..
****
عندما عادت للشقة التي تقيم بها كانت تجر أذيال العار والخيبة، الأضواء عنت أن والدتها موجود.. يا الله كيف يمكن أن تواجها؟
ظلت تستند على باب الشقة بلا حركة ربما تتسلل لغرفتها دون أن تشعر بها ولكن ما أن خطت خطوات قليلة حتى رأت هندية تخرج من غرفتها والقلق واللهفة يقتلانها
"مي!؟ أين كنت؟ هاتفت المشفى وقالوا إنك رحلت مبكرا هل أصابك شيء؟"
هربت عيونها من مواجهة أمها، قلبها يؤلمها لأنها لم تكن الابنة التي أرادتها هندية، خذلتها كما خذلت نفسها
"كنت بزيارة مرضية ماما ببيت المريض، اشتباه بذبحة"
وكادت تفر لغرفتها ولكن هندية وقفت بطريقها "ما تلك الملابس مي؟ لم أراها عليك من قبل؟ بالصباح كنت ترتدين شيء آخر؟"
ارتبكت وتجهم وجهها ورحلت منها الكلمات ولم تعرف كيف نست أمر الملاس!؟
الارتباك هو ما صاحبها وهي تبحث عن رد "أنا، أقصد، ملابسي، المريض لديه أولاد، أقصد أنهم أسقطوا الطعام عليها والمرأة منحتني ملابسها لأعود بها"
شحوب وجهها جعل هندية تحدق بها لكنها أبدا لم تتخيل ما وقع لابنتها القوية والتي بدت مهزوزة الآن
اقتربت منها ولاحظت الكدمات التي على ذراعها وراقبت هي نظرات أمها واستعدت للكذبة التالية فحياتها ستصبح كلها سلسلة من الأكاذيب منذ اليوم
وهي راحلة من سيارته أخبرها بالموعد القادم والتهديد بألا تأتي بالموعد المحدد
"ما هذا؟"
ارتعدت أطرافها وتشبثت بالمقعد الذي بجوارها زارعة أظافرها بالخشب الجامد حتى كادت تكسر الأظافر التي تعتني بها أكثر من أي شيء
"اصطدمت بشيء صلب وأنا أنزل السلم بمنزلهم، الظلام، الظلام كان يغطي على المكان ولم أنتبه"
ضاقت عيون هندية وهي تعبث بنظراتها على وجه ابنتها المذنب، ملتفة برداء الرذيلة، عالقة بملابس تذكرها كل لحظة بالجرم الذي سيظل ملتصقا بها للأبد
تحركت تفر من أمامها بدلا من أن تنهار وتسقط بين ذراعيها تطلب الغفران.. لكن لا غفران لهذا الذنب
بثوب المعصية ظلت جالسة على طرف الفراش، لم تعد المرأة القوية ذات الكبرياء الكاذب بل تلونت بلون يشبها فهي من أرادت ذلك
حقيبتها ظلت بيدها بلا شعور فجذبتها وفتحتها وبدموع لن تمنحها الراحة فتحتها لترى الشيك والمبلغ الخرافي المسطور به
رفعت الورقة أمام وجهها بأصابع مهتزة وخاطبت نفسها "هذا هو الثمن، بعت شرفك بثمن بخس لا يستحق ما قدمتيه"
سقطت الورقة من بين أصابعها وهي تنهار ببكاء مكتوم
أنت السبب هارون، لو لم تتخلى عني من أجل تلك الحقيرة ما فعلت أي شيء وما ضعت، أنت السبب كان عليك أن تحبني أنا، أنت من احتفظت بنفسي لأجله وليس ذلك..
البكاء أوقف كل أفكارها وسقطت على الفراش دافنة وجهها بالغطاء والألم لا يذهب بدموعها لأن تلك الدموع أوهن من غسل المعصية
****
المياه منحتها الراحة بعد ليلتها الرائعة معه، أغلقت المياه والتفت بالمنشفة وهي تجفف شعرها أمام المرأة وبصمة الزعيم على عنقها، ابتسمت لنفسها وهي تدرك أن حياتها بدأت منذ تلك اللحظة التي أصبحت فيها له
لم تحاول أن توقظه وابتسمت لملامحه الهادئة والنائمة في سكينة..
بالمطبخ رأت هندية تعد الإفطار ورائحة الكعك خاصتها ملأت المكان والجميع يعشقه
"صباح الخير هندية، متى عدت؟"
وضعت المرأة الكعك بالأطباق وعيونها تلمح بصمة الريس بعنقها وقد حاولت إخفاءها دون فائدة
تورد وجهها وهندية تتجاهلها بحنكة امرأة خبيرة "بالصباح الباكر"
تحركت للمبرد وأخرجت الجبن والمربى كما أخرجت البيض وفرت بعيونها بعيدا وحاولت جذب الحديث بعيدا "كيف حال مي؟"
لم تنظر لهندية التي أخفت ما حدث بالأمس، هي حتى أخفت القلق الذي منع عنها النوم وهي ترى عيون ابنتها الذابلة تدل على تبدل حالها وتساءلت هل حقا زواج هارون السبب أم هناك شيء آخر؟
"متعبة"
وجذبت من ليال البيض وتحركت للموقد لتعده "اجلسي ليال، أنت أيضا ما زلت متعبة"
جلست ولم تبعد شعرها عن عنقها وجذبت كعكة من كعك هندية وأخذت منه قطعة وقلقها حقيقي تجاه مي، هي تتعاطف معها فالحب من طرف واحد مؤلم، مميت، مدمر
"هل أحضرت لها طبيب؟"
لم تنظر لها وهي تعد البيض، ابنتها ليست بحاجة لطبيب بل لرجل يجعلها تنسى هارون، زوج يمنحها ما لم تناله معه
"ليست بحاجة له هي بحاجة لاستعادة عقلها، لا تشغلي بالك بها ستكون بخير"
وضعت البيض بالطبق ورفعت عيونها للأثر الذي بعنقها وقالت "هل أنت بخير؟ هل كان جيد معك؟"
تورد وجهها كان الرد وهي تبعد عيونها وتهز رأسها ولكن هندية تأخذ مكان الأم للجميع وأولهم هارون
"هارون ليس سيء يا ابنتي، هو يملك قلب كبير والجميع هنا مدين له بشيء لذا الكل سيضحي بنفسه من أجله"
كانت تعرف ذلك من نظرات الرجال له ومن قلقهم عليه وقت إصابته، الاحترام الذي يمنحونه له كان يعني الكثير
لمست يد هندية بحنان والمرأة تكن لزوجها الكثير من الحب ظاهر بعيونها "أنا لم أكن أعرف أن مي.."
لمعت دموع بعيون المرأة والحزن على ابنتها جعل قلبها مهزوما، وما رأته عليها بالأمس أوقظ الخوف عليها من أن تفعل شيء بنفسها
"مي لن تقف بطريقكم مرة أخرى ليال، هي لم تفهم هارون جيدا مثلما فهمناه كلنا، فقط تأكدي أن هارون لم يكن يعرف شيء عن مشاعرها"
كانت تعلم وواثقة من ذلك، هي لا تشك بهارون أبدا "أعلم أنا فقط لا أرغب بأن تتألم بسببي"
ظلت هندية تنظر لها بهدوء ثم قالت "لا يمكننا وقف الألم بسهولة ليال"
ابتلعت ريقها وقالت "وأنت لست غاضبة من هارون أو مني"
هل يمكنها الغضب من رجل أنقذ شرفها بيوم ما من حيوان أراد نهش عرضها؟ ذلك الجبان مدير الملجأ أراد ان ينالها بليلة شؤم لولا هارون
الصغار استغاثت به رغم انقطاع علاقته بالملجأ بعد أن فر وهو بالعاشرة لكنه ظل على تواصل بالأطفال، لم تنسى يوم انتزع ذلك السكير من فوقها ومنحه ما يستحقه من عقاب وحررها من سطوته ومنحها عمل هي وزوجها وعندما انتقل لهذا البيت كان لها مكان بجواره
لم تنسى فضله بأي يوم، لديه مخزون كبير لديها يجعلها تتغاضى عن كسر قلب ابنتها لأن لا ذنب له بما حدث لها
أغلقت حكايتها "سأظل مدينة له لنهاية العمر"
ظلت تمسك يدها بقوة وبكت معها وقد تأثرت بحكايتها "أنا آسفة"
سحبت هندية يدها ومسحت دموعها وهي ترد "لا تفعلي، لا يمكن إدراك مدى سعادتي عندما عرفت أنه أحضرك البيت، هارون لم يحب سواك ليال فحافظي عليه"
رغم أنه لم ينطق بكلمة الحب لكنها لم تحتاج لها، كان يحبها بلمسته لها بنظرته بقبلته، كل شيء يقدمه لها كان ينطق بالحب فلم تنتظر أن ينطق بها
مسحت دموعها ونهضت لتأخذ الطعام لزوجها بعد أن وضعت قبلة على وجنة المرأة
النوم هو الشيء الوحيد الذي يهزم الريس.. لكنه يظل بعين مفتوحة مدركا همس العدو
"أيها النوم، إنك تقتل يقظتنا" شكسبير
تحركت له وتمددت بجواره وظلت تتأمل ملامحه الجميلة، مدت يدها ورفعت خصلة من شعره من على جبينه وقتها تسربت الفانيليا له ففتح عيونه والتقى بنظراتها المبتسمة
مررت أصابعها على وجنته الخشنة ماذا لو أزالت هي شعر ذقنه؟
"تبدو وسيما أكثر وأنت نائم"
كان مستمتع بلمسة يدها ولكنه غاضب من ألم جراحة فهو بالكاد يتحرك بالفراش
"أنت تمزحين، أين الوسامة وأنا لا أقوى على أخذك مرة أخرى؟"
مالت عليه وما زالت تمرر يدها على وجنته مستمتعة بها، تمنح نفسها لحظة سكينة تنسى بها البرد الذي كانت تعانيه بذلك المكان أو الخوف الذي عاشته وهي تنتظر سرقة أعضاءها
لمس يدها وهو يدرك شرودها، الزعيم الآن غارق بالفانيليا، متشح بالضمادات وبرغبة بأخذها مرة أخرى.. عيونها همست بكلمات لم تنطق بها، ما زالت تذكر ما كان
وضع يده على يدها فأعادها من دوامة الذكرى والتقت بنظراته الساكنة عليها، هي الفانيليا، هي نقطة الضعف، هي السكينة والراحة، هي القلب
تنتزعي مني ما لم أعرف أني أملك..
"أنت معي ليال فهل تنسي ما كان؟"
عادت عيونها له، وسقطت رأسها على صدره فلفها بذراعه راغبة بالأمان، محو الذكرى المؤلمة، إقصاء الخوف بعيدا
"من وراء ذلك هارون؟"
أبعد وجهه مانعا شعور الغضب من نفسه من أن يتسلل له بوجودها، هي الثوب الأبيض بحياته وعليه أن يلتف به ليظل كما أراد دائما.. دافنا ماضيه السيء بعمق ملايين الأمتار كي لا تراه وتعرفه فتكرهه ومع ذلك جزء منه يرغب بأن تعرفه وتقبله كما هو
"لم أصل له بعد، ما زال له عمر"
رفعت وجهها لتقابل عيونه الملونة بألوان الشر مما بعث الخوف داخلها "أنت لا تسلك ذلك الطريق"
سقطت عيونه عليها "هو طريق مفروض، لم أختاره"
"اخترت أن تبتعد وتنظف يداك"
ظلت نظراته تلملم ملامحها وذراعه السليمة تحتويها "الأبيض يرفضني والأسود يجرني بقوة ولن أظل متفرجا، لست من الجمهور"
الصمت رافق نظراتهم والمعرفة هنا تعني الإقرار وهي تقر أنه لم يرحل للظلام برغبته بل الظلام يجره جرا كما قال
"أعلم أنك ستنصر الأبيض على الأسود"
أراحها على الفراش ورغم آلامه المتفجرة بجسده إلا أنه التفت نحوها وامتلك نظراتها بين عيونه ومرر أصابعه على وجنتها وقلبه يسقط لها
"لماذا تؤمنين بمجرم كاد يقتلك وينهي حياتك؟ أنا الشر ليال وأنت الخير وهما لا يلتقيان وهذا ما أبعدني عنك"
جذبت يده لفمها واستمتعت بها على فمها تقبلها برقة "أنا أؤمن بك لأنك لو أردت إنهاء حياتي لما حملتني للمشفى وما توليت أموري بعدها، أنت لست شر يا ريس، الخير داخلك ويخرج مع كل رجل أنقذته ومنحته عائلة وأصبحوا مدينين لك"
أبعد يده عن فمها لينال قبلتها ويأخذها بقوة أكثر غير مبالي بآلامه ولا جراحه واحتوته بين ذراعيها تمنحه شعور كامل برجولته وأنه مالك قلبها وروحها وكيانها كله
عندما نالها كانت تستمتع مثله تماما كلاهم كان يجد نفسه بين أحضان الآخر
ما أن انتهى وشفتيه تلثم وجنتها المحترقة من حرارة الإثارة وأنفاسهم لا تتوقف حتى همس من بين أنفاسه المتلاحقة بجوار أذنها "علينا بإيجاد مكان منفصل لنا، أرغب بسماع ندائك باسمي وأنا أتملكك"
نظمت أنفاسها وهي تستمتع معه ويدها تقبض على أكتافه، هي ترغب بكل ما يرغب به وتريد إسعاده بكل الطرق
"وفيم انتظارك؟"
نادرا ما يبتسم وعندما يفعل يمنحها شعور رائع بالرضا لأنها منحته السعادة التي يستحقها..
"تتعلمين بسرعة"
داعبت خصلاته التي لم تنساها رغم أنه جعلها قصيرة وليس كما كانت وقت التقته وهي صغيرة
"لدي معلم متمرس"
داعب أنفها بأنفه وقال "معك يتحول لتلميذ بليد، لا أحب الملابس الكثيرة ليال، بوجودي أرغب برؤية جسدك بلا شيء"
واعتدل ببطء على الفراش رافضا التسليم بالألم وهي تلتف بالغطاء ولم تتجاوز عن كلماته "إذن أسرع بمكان خاص بعيدا عن العيون يا ريس"
واعتدلت لتذهب ولكنه قبض على يدها فعادت له
"هارون، أحب اسمي من بين شفتيك"
ضحكت بدلال يقتله ويجعله يرغب بجرها تحته مرة أخرى "والريس هو سبب بقائي على قيد الحياة"
"هارون ليال"
ضحكت مرة أخرى وهي تمنحه نظرة قبول ويدها تمر على عنقه حتى لمست السلسلة التي كانت تسقط على صدرها وتلمس بشرتها واندهشت لأنه أعادها حول عنقه
"هي لمن؟"
تراجع بالفراش فجذبت الوسائد خلفه ونهضت لجلب الطعام وهو يتنفس بقوة محاولا إنهاء الصراع داخله ما بين إخبارها أو لا
"الكبير"
رفعت وجهها له بعد أن وضعت الطعام أمامه والتقت بنظراته المغلقة "من إنقاذ حياته مرات متعددة لرغبتي بالاستقلال وفرض قوتي هنا والإطاحة بمن كان يسبقني لسلوكه الهمجي مع الجميع حتى تنصيبه لي زعيما هنا وتلك السلسة رمز الزعامة منه، هذا كان قبل حادثك بثلاث سنوات"
كانت تحدق بها وتتأمل القلب ولا تعرف لماذا أرادت اختراق حياته، ولم لا أليست زوجته؟ جزء منه
"أنت لم تعرف والديك؟"
ظل صامتا لحظة دون النظر لها ثم وضع الخبز بفمه وقال "لم أهتم بأن أعرف"
لا تعلم لماذا شعرت بأنه يخفي عنها شيء، إخفاء عيونه عنها تعني عدم الرغبة بالمواجهة وعليها أن تحترم رغبته
"أنس وصفوان كانوا معك؟"
الذكريات غريبة وهو يستعيدها ويخبرها بها بلا ألم "لا، كلاهم سقطوا بطريقي بظروف مختلفة جعلتهم قريبين مني لدرجة الإخوة والصداقة، طلال ومالك من فروا معي، الملجأ لم يمنحنا أي شيء ليال"
منحته نظرة امتنان وهو شارد بالماضي وكأنه يرى ماضيه يمر أمامه بحلوه القليل ومره الذي غطى كل لياليه
"لذا اهتممت بتعليمي ومساعدتي بالجامعة؟"
هنا رفع نظراته لها وهي تحمل الصدق كما هي كلماته "أردتك نجمة بالسماء، أردت منحك كل شيء فأنت تستحقين الأفضل بعد أن كاد والدك يلقيك بالأحداث أو تموتين بسببي"
منحته نظراتها الحانية وقالت ببساطة وكأنها لا تمنحه مفتاح الحياة "لست نادمة على ذلك لولاه ما عرفتك وأحببتك"
توقف عن تناول الطعام بل وترك الجبن وحدق بها متسائلا "ماذا!؟ لولاه ماذا؟"
لم تترك عيونه المتلهفة لكلمتها، هي ليس لديها شيء تمنحه له لتعبر به عن حبها مثلما يفعل معها لذا اختارت أن تقولها صريحة فهو يستحقها
لكن بعض الدلال مطلوب..
"أنا ماذا؟"
أمسك يدها التي تضع الجبن على الخبز وابتسامتها المرحة تلون الصباح بألوان زاهية تثير السعادة من حوله
نطقت عيونها بما نطق به لسانها وهي يجذبها له مبعدا الطعام لتجلس بجواره ويده تخترق وجنتها "تحبيني صغيرتي؟"
فعلت المثل، رفعت يدها ولمست وجنته وسكن حبه عيونها "تحبك صغيرتك"
ابتسامته منحتها إشراقة رائعة وهو يجذب وجهها ويضع قبلة رقيقة على فمها ويهمس "وأنا مجنون بك صغيرتي"
وجذبها له وهي تلفه بذراعيها وهو يحتضنها بقوة مطمئنا قلبه أن حبيبته معه وستظل له للأبد.. وتحبه
****
المشفى كانت ممتلئة بأشخاص كثيرة من هنا وهناك وهو لم يهتم وهو يتحرك حتى وصل لغرفة والده وعندما فتح الباب رآها أمامه والفراش فارغا
التفتت له والأسود ما زال ملتصق بجسدها، هل حقا حزنت على الفتاة البريئة؟
"أين أبي؟"
لم يفكر أنه مات، لكانت المشفى أخبرته لذا سأل بلا تفكير، عيونها التصقت به، تذكرت وقت جنت به منذ عشر سنوات.. شاب ينضج بالحياة، وسيم وجذاب وهي رغبت به ولكنه رفضها
لم تقبل الرفض وكادت له وإن كيدهن عظيم.. فازت.. طرده شر طرد ولم يبكي عليه.. صدق أنه أراد سرقة شرفه
نسمة هي من حزنت عليه وظلت ليالي كثيرة تبكيه وتطلب رؤيته ولكن ما من مجيب حتى استسلمت لغيابه ولكنها لم تنساه يوما
"بالعمليات، تأخروا لأن الضغط كان مرتفع"
كاد يخرج لولا أنها نادته وتحركت لتقف أمامه ونظراتها تحمل الكثير والكثير مما لا يمكنها النطق به "آسفة"
ناني هانم تعتذر!؟ هذا مثل اندماج الماء بالزيت
لمعت دمعة بعيونها أيضا لم يصدقها "والله نادمة رشدي، نادمة على كل ما ارتكبته بحياتي وقد دفعت الثمن غالي جدا"
الدموع جعلته يفكر ولو قليلا قبل أن يهاجمها، أجبر نفسه على البقاء بمكانه وحاول تجاوز ما كان
"أحيانا الندم لا يكفي لمحو الذنب"
لم تملك سوى دموع وعندما أمعن النظر لها أدرك أنها لم تكن تدهن وجهها بتلك المساحيق، بل خلا وجهها منها وبدت شاحبة، مجهدة ومحلقة العيون.. هل تحزن على زوجها حقا؟
"أعلم لذا أنا طلبت منك أن تكون معه، مؤخرا كان يطلبك كثيرا وظننت أن إعادتك قد تمحو ولو ذنب واحد من ذنوبي"
مال تجاها وهو يحاول تصديق ما تقول ولو أن ما لديه تجاها يتعارض وهو بالأساس ليس بالرجل الذي يظن الجيد بمن أمامه فقد فقد حسن الظن منذ زمن طويل
"وباقي ذنوبك العديدة هل هناك ما يمحوها؟"
رأى الألم بعيونها ولم يندم فقد كانت سبب ألمه بيوم ما، تركها وتحرك لمكان العمليات وبحث عن أي أحد حتى أخبرته الممرضة أنهم لم ينتهوا من الجراحة بعد
تحرك لخارج المشفى وسيجارة تشتعل بين شفتيه وهاتفه يهتز بالجاكيت فأخرجه ليرى رقم غريب فأجاب
"أين أحلام يا رشدي؟ أين أختي؟"
نفخ الدخان ولم يهتز رمش واحد منه لصوت سعد الغاضب "لماذا لا تبحث عنها ألست أخيها؟"
الجنون أصاب سعد، منذ عاد مع هارون وهو يبحث عنها ولم يعثر عليها، هربت حاملة حقيبتها دون ترك كلمة خلفها والرجال تنظر له نظرة استهزاء
رجل فقد السيطرة على أخته..
"كانت معك يوم ضربت سيد خطيبها، أنت من أخفاها، كن رجل وأخبرني أين هي"
ظل جامدا كعادته وكلمات سعد لا تثير غضبه ولن تفعل "هذا السيد لا يصلح أن يكون خطيب أي امرأة هو بالكاد يحمي نفسه، هل هو حقا من رجال هارون؟"
لا، الحقيقة هو ليس كذلك، هو زميل سعد وهو يرغب بأن يضمه الريس لرجاله ولكنه لم يوافق بعد ولا يظن أنه سيفعل فهو ينتقي رجاله جيدا
"لا شأن لك فقط أجب"
جذب نفس عميق من السيجارة وأخرج الدخان بشكل خط طويل أمامه "لا أعرف أين هي ولو عرفت فلن أخبرك فهذا عملك"
وأغلق الهاتف وسعد يكاد يجن وهو حتى لم يخبر هارون، الرجل لديه ما يكفيه من مشاكل ومتعب ولكن بالنهاية لابد أن يخبره..
هاتفها ولكنها لم تجيب، هل ما زالت نائمة، عاود الاتصال فأجابت بصوت ناعس، تعمد وضع هاتف بجوار الفراش كي يصل لها
"أحلام أنا رشدي"
انتبهت حواسها وهي تعتدل بالفراش مبعدة شعرها عن وجهها وعيونها تتجول بالغرفة وهي تستوعب مكانها وما حدث وبسرعة جذبت الغطاء على جسدها العاري وصوته يناديها
"نعم"
نفخ بقوة ودهس السيجارة بحذائه من صمتها "سعد يبحث عنك ويظن أنك معي"
الرعب عاد لها، هل رحل بالأساس؟ جمدت ملامحها ولم ترد
"لا تخرجي من الشقة حتى أعود"
للحظة أدركت أنه ليس هنا وأنه رحل وتركها وحدها "أنت لست هنا؟"
لف حول نفسه ولا يعلم لم ارتفع لديه شعور بالمسؤولية والدفاع تجاها؟ كان عليه تركها تذهب لحالها بمشاكلها فقد نال ما أراد ولكنه لم ينتهي منها بعد بل ما زال يريدها.. ما زال العرفي شرعيته
"لا، بالقاهرة ولا أعلم متى سأعود"
همست تردد كلماته دون أن يسمعها، وهي؟ ماذا ستفعل مع سعد
"هارون"
رفع رأسه وقال "هارون كان مصاب وليال كانت مخطوفة وعادوا بالأمس ولا أظن أن سعد سيجرؤ على إخباره بأي شيء"
ليال كانت مخطوفة!؟ لذا هاتفها كان مغلق، ليال زميلتها هل أصابها شيء؟
"هل ليال بخير؟ أريد رؤيتها"
ضغط على الهاتف بقوة ونبرته تبدلت للحزم "رؤيتها تعني سعد وأنا أخبرك ألا تخرجي من البيت هل تسمعيني؟"
لا لن تسمعه ولن يصرخ بها بتلك الطريقة "لا، لا أسمعك ولا تصرخ بي هكذا"
وأغلقت الهاتف وعبثت لتخرج رقم ليال ولكنه عاود الاتصال وبالخطأ فتحت فصرخ بها "إياك وغلق الهاتف بوجهي مرة أخرى هل تفهمي؟"
أبعدت الهاتف عن أذنها حتى انتهى "وأنت كف عن الصراخ بي، ليال صديقتي الوحيدة ولابد أن اطمئن عليها"
نفخ ويده تمر على شعره ولم يظن أنها عنيدة وتجرؤ على الرد بتلك الطريقة، القطط لها مخالب
العسلية لها مذاق لاذع أحيانا
"هاتفيها لكن لا تخرجي لرؤيتها إلا إذا شئت رؤية أخيك"
وافقته وكلامه يعني العقل لكن مشاعرها ستقودها لمصير تعرفه، الموت
"حسنا سأهاتفها فقط"
هدأ غضبه وأغلق كلاهم وهو يعود للداخل ويرى الطبيب خارجا من غرفة العمليات وناني تقف لتقابله وهو انضم لها
"الجراحة سارت بشكل جيد لكن ننتظر أن يزول الخطر خلال الساعات القادمة"
كان يواجه الطبيب بحزم "متى يمكننا رؤيته؟"
التفت الرجل له ومنحه الاهتمام "ليس قبل ست ساعات"
وتركه وانصرف وهو يسمع نحيب ناني فأبعد وجهه وكلاهم لا يعرف ماذا يفعل سوى الانتظار
"كيف لم تخبروني بالأمر؟"
التفت كلاهم لمواجهة ناصر زيتون ابن عمه.. كان بيوم ما صديقه المقرب وهما شباب حتى رحل ناصر للندن وانفصلوا ولكن هو يعلم أن ناصر يعشق علي ويعتبره بمثابة الأب
تواجه الرجلان..
نظرات مطعمة بلون القهوة مع الرمادي كانت تلتف بذكريات الطفولة والشباب وجعلتهم يفضلون الصمت
"رشدي!؟"
صوت نحيب ناني جعل الاثنان ينتبهان لها وناصر اتخذ البداية "ماذا حدث!؟ الجراحة ماذا؟ لم لا يجيب أحد؟"
بالطبع كان عليه التعامل وكأن الماضي لم يكن، ناصر لم يؤازره، صدق أنه كان ندل ولم يعجبه أنه انتقى الثوب الأبيض.. الفضيلة
"الجراحة تمت بخير فقط بانتظار مرور ساعات الخطر بالعناية"
عادت حبات القهوة لمواجهة جامد الملامح "من الغريب رؤيتك هنا، لم أظن أنك ستهتم لأمره.. الماضي تبدل!؟"
ضاقت رماديته وزم شفتيه محاولا عدم التمادي مع استفزاز الرجل الذي حل محله بمجرد اختفائه "لا شيء يتبدل ناصر فقط هو ما زال أبي"
شبه ابتسامة ظهرت على الفم الساخر لناصر "الآن عاد والدك!؟ ألم يكن طوال العشر سنوات الماضية؟"
ظل بنفس الجمود، تعلم الكثير خلال السنوات العشر.. الغضب كلفه الكثير.. فقد بسببه أشياء كان من الممكن أن تبدل الكثير بحياته
"أمر لا يخصك"
رفع ناصر إصبعه ونبرته بدت وكأنه يحذر أو ربما فكر بالتهديد "لا تظن أنك ستعود كما كنت، أنت تخليت عنه بوقت هو كان بحاجة لك به"
اسودت الرمادية وتقطر الغضب منها ولكن ظل اللسان محتفظا برونق الجمود.. لن يهزمه الغضب
"حقا!؟ هذا يمنحني شعور رائع بالنصر"
وتحرك ليذهب لكن ناصر أوقفه بقبضته على ذراعه "لا مكان لك هنا رشدي"
نظرات رشدي رحلت ليد ناصر التي تمسك ذراعه ثم عاد ورفعها ليواجه بنية عيونه ولم يفكر بأن يتراجع أمامه
"لست أنت من يقرر، أنت تنسى أنني ابنه، وابنه الوحيد"
وقبض على يده ونزعها عن ذراعه بقوة والنظرات لا تنكسر حتى تحرك هو من أمامه لخارج المشفى قاذفا سيجارة بين شفتيه مشعلا إياها والغضب يسحق أعصابه
هل حقا كان يقف أمام ابن عمه متحديا نظرات الكره بعيونه؟ ما الذي تبدل بينهم كي يكرهه هكذا؟
دخل سيارته وقاد وهاتفه يعيده لحاله والعمل يهرسه ولكن جزء من عقله ظل مشغولا برفيق الطفولة..
****
عندما نهضت باليوم التالي لم تجده ولكنها تذكرت أنه أيقظها ليأخذها ثم قبلها وهمس لها أنه ذاهب فهزت رأسها وعادت للنوم
تحركت للحمام وجسدها يؤلمها لكنه ألم لذيذ، أحبته، تركت جسدها للمياه بعد أن فكت ضمادات معصمها وقد تحسنت جراحها، جففت شعرها وارتدت ملابسها وخرجت لترى هندية ترتب المكان وقد كانت الواحدة ظهرا
"صباح الخير هندية، هل رحلوا جميعا؟"
ابتسمت لها المرأة وهي تتأملها "عدا أنس، تعلمين أنه ظلك، جائعة؟"
هزت رأسها بالإيجاب وقالت "نعم، سأجد شيء بالمطبخ"
اختارت أن تسمع صوته، تمنحه اهتمام من نوع خاص، نوع الليال خاصتها.. تدلل الزعيم حتى ولو كان بين رجاله لكن الزعيم لم يجيب
الشاي بالحليب مع الكعك كان ممتع وهي تناولت الكثير منه بلا اهتمام بجسدها الذي قد يتبدل للسمنة
ظهور اسمه على هاتفها منحها ابتسامة جعلتها تجيب بسرعة "الزعيم لا يرغب بإجازة زواج؟"
كان مجبر على ذلك، لا مجال لإجازة وهناك عدو خفي يرتصد به وبزوجته وما حدث قد يتكرر مرة أخرى وهو لم يخفي عنها شيء
دخل السيارة ببطء، ما زالت جراحه حيه ولكنه لم يفكر بها أو يهتم.. "ليس بيدي صغيرتي، كان لابد من إجراء بعض المقابلات"
تناولت الشاي بمتعة وشعور اليوم مختلف عن الأيام السابقة، وكأنها تبدلت لامرأة أخرى، تعشقها، امرأة ببصمة الزعيم، له، تخصه كما هو لها وحدها وهذا يكفيها ويفيض
"أرغب بشراء ملابس هارون وأشياء نساء، هل يمكنني الخروج؟"
التفكير بأنها معرضة للخطر مرة أخرى جعلته يصاب بالجنون لكن لا يمكنه حبسها وجعلها تعود للخوف بعد أن رأى نظرات الفزع بعيونها
"بالطبع مليكتي، أنس لن يفارقك"
مطت شفتها وداخلها شوق له وللحظاتهم القليلة معا، تمنت لو تمتعت معه بأسبوع زواج ككل فتاة ولكنها تعرف أنها ليست كباقي الفتيات
هي أنثى الديب..
"هل أسال متى ستعود؟ اشتقت لك ولأشياء أخرى معك"
أعجبه مناوشاتها وتمردها على الخجل، هي أنثى الذئب، جريئة، تحارب وتعافر ولا تستسلم ومع زوجها تكون كما يريدها
"وما هي تلك الأشياء؟"
ضحكتها أثارت به كل الجنون للعودة للبيت وأخذها حتى تطالبه بالتوقف ولن يتوقف فهو يرغب بها بلا حدود
"غرفتنا، فراشنا و.."
"ليال توقفي"
صفوان التفت له بالمرآة من ارتفاع صوته فأبعد وجهه والجنون تملكه وهي ما زالت تضحك
"حسنا يا ريس، فقط لا تتأخر فالليل سيء بدون ذراعيك"
تنفس بقوة متحكما برغباته والصغيرة تتحكم بالريس.. هل فقد عقله؟ أكلته الفانيليا واستمتعت بمذاق عضلاته..
"أنت مجنونة ولكن جنون لذيذ"
"بطعم الفانيليا"
وابتسم الريس.. فقط لصغيرته
"لا تنامي"
أغلق كلاهم وهاتفه يرن مرة أخرى باسم الكبير.. كان ينتظره.. يعلم أنه سيفعل، فقط لم يظن أن يتركه بظلمته السابقة وحده ولو أنه لم يكن ليقبل مساعدته كعادته
"اتصال عزيز يا باشا"
الصوت الهادئ كان كما هو لم يتبدل أبدا إلا وقت الغضب والخطأ
"سعيد أنك وزوجتك بخير"
أبعد وجهه للنافذة ولم يرد.. هو يعلم بل ويعلم بعودته وهذا أسوأ..
"أنت غاضب؟"
لم يرد أيضا.. ولا مرة لام عليه أو عاتبه لكن تلك المرة كانت مختلفة كان على شفا حفرة من الموت وزوجته..
"لأني لم أتدخل أم لتأخر اتصالي؟"
عواء الذئب كان يعني الغضب وتحذير القطيع والذئب الآن يحذر
"تعلم أني لم أحتاج لأي تدخل منك أو من سواك بأي يوم واتصالك لم يكن سيغير شيء بأي وقت"
صمت الكبير وعواء الذئب يمزق السكون، يرفع الرعب بقلب الفريسة لكن الكبير ليس فريسة هو رئيس الكل
ملك الغابة..
"تعلم أني معجب بك، تذكرني بنفسي وأنا صغير، كنت بلندن هارون، موعد الفحص السنوي لي وأنت تعلم أني أنقطع عن العالم خلالها لكني منحتك تحذير قبل أن أرحل"
أسند رأسه على مسند المقعد الخلفي وأغلق عيونه محاولا السيطرة على اندفاعه وراء غضبه.. هو يعلم أن الكبير لا يتركه حتى ولو لم يقبل هو بذلك وابتعاده تلك المرة كان غريب
"وماذا؟"
تنهيد صادر من الرجل جعله يدرك عدم موافقته على طريقة هارون معه ولكن هذا الأخير لم ولن يهتم
هو هكذا ولن يتبدل.. لم ينل الزعامة لأنه يتبع أحد بل لأنه يمثل نفسه وقوته نابعة من ذراعه وعقله وشجاعته
"والدها خرج بالأمس، لديه معاملات مع رجل شهير يتاجر بالعملة والسلاح، غالبا هو من ساعده بالخروج، حماك ليس برجل سهل"
ضاقت عيونه محاولا فك شفرة الرسالة فالكبير لا يمنح المعروف جملة واحدة
"أنت تلمح أنه وراء خطفها ومحاولة قتلي؟"
عاد الصمت مما جعل هارون يرفع رأسه ويسأله "أنت تعرف من كان وراءها أليس كذلك؟"
"لا، .."
الإجابة أتت سريعة والشك أتى معها للريس، الكبير يتأنى قبل منح المعلومة أما أن يبادر بالنفي هكذا، جعله يتأكد
"يا باشا تلميذك يفهمك جيدا وأنت لست ملزم بإخباري شيء فسأعرف وحدي وتعلم كيف ينهش الذئب فريسته"
"هارون أوقف غضبك هذا، هناك أمور كثيرة ما زلت بحاجة لتتعلمها كي تدرك ما أعانيه بمكاني هذا"
قاطعه "لست بحاجة لمعرفة أي شيء لأني لا أرغب بهذا المكان وأنت تعلم ذلك"
غضب الكبير كبير وعلى الصغار التراجع كي لا يأكلهم فيضانه
"هارون، كفى"
تنفس بقوة ليوقف غضبه وصفوان يتبعه بالمرآة والصمت نزل كالثلج يطفئ النيران
"أنا لا أبرر أي شيء مضى، أنا فقط أحذرك من القادم، انت تعلم أن الدكتور دخل اللعبة"
"إذن ستخبرني من يلعب مع الدكتور"
كان يعلم أنه يتجاوز ولا يعرف كيف يوقف نفسه، الغضب مما كان يكبر داخله وينمو كنبات اللبلاب يلتف حوله حتى يكاد يخنقه
رفع يده ليمررها بشعره لكنه كان الكتف المصاب فنفخ من الألم وأسقط ذراعه بجواره وصوت البارود يأتيه عبر الهاتف
"أخبرتك أن تتوقف، لا تجعل غضبك ينسيك من أنا هارون، لا تأمرني أبدا ولا تخاطبني بتلك اللهجة، سأمررها فقط لأنك غاضب من أجل صغيرتك"
وأغلق الهاتف فشتم بصوت مرتفع جعل صفوان يعود وينظر له بالمرآة ونظراته كلها تساؤلات
"ماذا حدث؟"
أبعد وجهه بلا رغبة بالرد وهو يتنفس بعمق وكل الخيوط تتشابك بلا حلول
***
المياه الدافئة منحتها رائحة من الألم الذي كان ينبض بين ساقيها.. ما زالت لا تصدق أنها لم تعد تلك الفتاة التي تحتفظ بنفسها للرجل الذي ستحمل اسمه
صفوان.. كان الحلم.. قيس الذي ملأت أشعاره في ليلى الكتب، روميو الذي انتحر من أجل جولييت
أرادت أن تعيش قصة حب نارية تحترق من لهيب المشاعر بها، لكن صفوان لم يكن يراها.. كانت طيف بالنسبة له.. شبح امرأة.. بل فتاة
وضاع كل شيء.. ولا مكان لها بين من عاشت حياتها بينهم
ارتاح جسدها من المياه والمعطرات ونهضت ملتفة بالروب الكبير وتذكرته وقت اعترض عليه وكلماته الوقحة..
جففت شعرها البني وخرجت لهاتفها وأخرجت رقم ليال التي أجابت بالحال "أحلام أين أنت؟ هندية أخبرتني أنك اختفيت منذ عقد قراني"
جلست على طرف الفراش ولم تعرف بماذا تخبرها؟ لم تكونا صديقتان بأي يوم ولا تعرف هل يمكنها أن تثق بها الآن؟
زوجة الزعيم لن تخفي شيء عن الزعيم..
"سعد أراد أن يزوجني من سيد، رجل لا أعرفه ولا أريده فلم يمكنني البقاء"
ليال لم تكن تلك الفتاة المتهورة كي تندفع بالرد، مرحة، طفلة ببعض الأحوال لكن ذكية وتعرف جيدا كيف تواجه ما يلقيه الزمن بوجهها
"هارون يعلم؟"
لم تعرف بماذا تخبرها وسؤالها يجعلها تدرك أنها تريد وضعها على الطريق الذي تختاره، إما هارون يعلم وإما لا؟
"لا، تقريبا أنا اختفيت بنفس الوقت الذي تم خطفك به وسعد يبحث عني ويرغب بقتلي"
تأنت ليال قبل أن ترد، هي لا تعرف ما العلاقة بينها وبين أحلام ولكنها تحبها.. تشبها بمواجهة الحياة وحدها
"لأن رشدي هو من أحضرك هنا؟"
لماذا بدت تلك الذكرى بعيدة جدا؟ هل لأن هناك الكثير مما سقطت به بعدها؟
"لأن سيد رآني مع رشدي بعدها.. ليال الأمر معقد وأنا لا أرغب بتوريطك معي أنا فقط أردت الاطمئنان عليك بعدما عرفت ما حدث لكم"
تنهدت ليال وشعرت أن أحلام تضع حواجز بينهم ربما لأنها أصبحت زوجة الزعيم
"أحلام تعلمين أني .."
"أعلم ليال لكني أجنبك الحرج مع الريس، سعد سيخبره وبالطبع الريس سيكون بجانب سعد ولن يرحمني"
صمت ليال جعل أحلام تدرك أنها تخسرها وأنها لا تثق بها أو أنها..
"هارون سيكون بصف الحق أحلام ولو أنت على حق فهو وحده القادر على منحك إياه حتى ولو كان ضد رغبة سعد"
أغمضت عيونها وهي تستوعب الآن أنها لم تجيد التفكير، ربما لو لجأت لهارون لكان أنقذها من العرفي ولكنها خافت وما زالت تخاف
"أنا بخير ليال وسعيدة أنك بخير"
"أحلام هل رشدي له علاقة باختفائك هذا؟"
ارتجفت يد أحلام لذكر جامد الملامح والذي هو الآن زوجها، عرفي، هل من الممكن أن تخبر ليال أن الفتاة التي عاشت معها سنوات لم تعد بالنقاء الذي كانت عليه؟
تلوثت بالدعارة مرة وبالعرفي مرة أخرى ولا تعرف ما التالي؟
"لا تهتمي بي ليال فأنا سأعيش"
وأغلقت..
انتهت أحلام من العائلة.. الرجال بالخارج لا تعرف سوى أن هذا البيت بيتهم، عائلة واحدة فهل سيقبلون بضياع فرد منها؟
****
ما أن دخل مكتبه بالشركة ولحق به صفوان حتى قال "أين سعد؟"
الأخبار لا تخفى عليه.. له طرق خاصة حتى أنس وصفوان يجهلان بها..
"مع الحراسة"
جلس خلف مكتبه ببطء ولم ينظر لصفوان "أريده"
"هل حدث شيء؟"
نظرة الذئب تمنح التابعين كل ما يحتاجون له من معنى، أخرج صفوان هاتفه وطلب سعد الذي هرع لمكتب الريس وهارون ينظر لصفوان فخرج بالحال
ارتد بالمقعد، نظرة واحد لسعد جعلته يخفض رأسه ويقول "اختفت يوم إصابتك ولم أعرف طريقها"
الكل يعلم أن الريس له عيون بكل مكان، يعرف كل شيء عن كل من حوله ممن يخصونه لذا أقر سعد بلا سؤال
دق بأصابعه على حافة مكتبه ولم يعجبه تصرف تابعه ولو أن الأمر شخصي لكن لا شيء شخصي عليه
"أردت منحها لسيد؟"
لم يرفع سعد وجهه لرئيسه.. سعد من المخلصين له فهو مدين له كحال كل الرجال حول هارون لكنه رأى أن أمور أخته تخصه وحده وها هو يشعر بالفشل والعار
نهض هارون وما زالت جراحه تئن لولا أقراص صفوان. توقف أمام سعد بجسده الشاهق وسعد يجيب "رشدي لا يرحم أي فتاة تسقط بطريقه"
"وسيد سيحميها؟ ذلك الذي لا يعرف كيف يحمي حتى نفسه؟"
ظل سعد ينظر بالأرض لا يعرف كيف يجيب لكن هارون كان يعرف الكثير، عزيز ضابط متمرس يشبه الإخطبوط له أذرع كثيرة تمتد هنا وهناك
"لن يقبل أحد بها، تعليم متوسط، ليست جميلة ولا غنية و.."
"سيد!؟"
شحب وجه سعد ونبرة الزعيم تثير الرجفة داخله والندم على غبائه ولم يرد
ابتعد هارون للمبرد جاذبا زجاجة ماء تناوله وسأله "لم تعرف مكانها؟"
تخلى عن هدوئه منساقا وراء غضبه منها "لو عرفت سأقتلها ولن أرحمها"
التفت له هارون وتوقفت نظرة غامضة على عيونه وهو يعيد الزجاجة للمبرد ويعود لمكتبه "إذن الأفضل ألا تجدها ولا تبحث عنها"
"لكن يا ريس.."
رفع عيونه له فتجمد سعد بمكانه.. لا أحد يراجع الريس.. لا أحد يجادله..
تراجع "أمرك يا ريس"
"عد لمكانك"
أغلق الباب خلفه والغضب وهو الكائن العشوائي الذي يدفع للهاوية، يرافقه ولم ينظر لصفوان وهو يندفع للمصعد
هل سيتركها..؟ أراد قتلها وغسل عارها لكن أوامر الريس لا تخالف..
جذب هارون هاتفه والرقم الذي ضغطه يرن على الجانب الآخر.. رشدي
"هارون"
اضجع بالمقعد وبدا الأزرق قاتما وهو يسمع صوت رشدي "منحتني كلمة بأنك لن تتجاوز مع أحلام"
خارجا من غرفة العناية بعد أن اطمئن على والده تحرك لمكان غير مزدحم بعيدا عن ناني وناصر مدركا أنه يواجه هارون
"لم أفعل"
ظل هارون صامتا لحظة منتظرا إدراك رشدي لم ينطق به ورشدي ينتهي من إشعال السيجارة وينفخ دخانها وصمت هارون يؤدبه على ما فعل
"كانت بورطة ولجأت لي"
"وأنت الفارس على الحصان الأبيض، بالعرفي!؟"
جذب رشدي نفس عميق من السيجارة ولم يخرج الدخان بل عاقب نفسه بدفع الكربون داخل صدره، أرادها.. لم يمكنه وقف نفسه عنها ونسى
نسى أن رئيس القطيع يعتني بالقطيع..
"العرفي أفضل من الدعارة هارون وأفضل من أخ يرغب بقتلها لمجرد أني أعدتها البيت"
عبث هارون بعيونه مدركا صحة ما قال ولكن لم يعجبه التجاوز "تجاوزت بما يخصني"
"كنت بالمشفى وحياتك.."
عواء الذئب يعود "كان بإمكانك الانتظار"
الصمت، السكون، رحيل الكلمات.. غضب الريس مهلك..
"أين هي؟"
فتح رشدي عيونه والصداع يكاد يفتك به من عدم النوم وكثرة الأفكار والمشاكل وهو لم يرغب بخسارة هارون بأي وقت
"شقتي، سعد هددها بقتلها ولم أكن لأتركها له"
"هل نلت مرادك منها؟"
تجهم وجه رشدي وارتفع كبريائه "لا يخصك هارون"
الزعيم تلقى الرد بهدوء ولم يغضب بحكمة ..
"لم تفكر ماذا ستفعل عندما تمزق ورقتها؟"
عاد هتافه يحلق بسماء غضبه غير مبالي بغيوم الزعيم "أنت تتعمد إهانتي هارون فتوقف"
"أنت تأمرني رشدي؟"
دهس عقب السيجارة بحذائه وهو يدرك المنطقة التي يخطو لها فنفخ بقوة وقال "أنا أردتها هارون ولم أستطيع التوقف.. لم أفكر بكل ما تسال عنه ولا أجد لك إجابات فقط أردتها والعرفي هو سبيلي الوحيد"
أسند هارون رأسه على أصابعه وعيونه تعبث ببريق لا يفهمه سواه واختار الغباء كصورة تخفي ما فهمه
"تمام وماذا عن مصيرها؟"
نظم رشدي أنفاسه وهو يحاول الخروج من الورطة بلا خسائر لكن عقله توقف عن العمل ولا يجد حل..
"تعلم كيف يكون مصير أي امرأة تسقط بطريقي هارون أنا لم أغش أحد ولا هي نفسها"
"هذا لا يعجبني، منحتك فرصتك وأنت لم تلتزم وعليك تحمل النتيجة"
"هارون لا.."
"أنا الريس رشدي لا تنسى نفسك"
تراجع رشدي أمام عواء الزعيم وأدرك أنه أثار غضبه وأيقظ شياطينه وهو يدرك تماما معنى ذلك
"لو فكرت بإخراجها من حياتك فلن يكون إلا بعد أن تعقد عليها أمام مأذون وبوجود أخيها وأنا شاهد وبعدها طلقها واذهب لطريقك لكن أقسم أنك لو فعلت معها مثل أي امرأة غيرها فلن يمكنك معاشرة امرأة بعدها"
وأغلق الهاتف وقذفه على المكتب ولف رشدي حول نفسه دافعا قبضته بالحائط بقوة آلمته وهو من أسقط نفسه بذلك الفخ..
لم يكن عليه تجاوز هارون.. هو منحه فرصة وتجاوزها بلا اعتبار للريس.. الرجل الذي مد له يد العون بوقت كان مطموس فيه بالرذيلة حتى أخمص قدميه
الزواج الشرعي والحياة الأسرية لم تكن طريقه بأي يوم، لن يتزوج امرأة وتخونه وتصنع منه خيال مآته كوالده..
لن ينجب ابن يشعر بالعار من ماضي والده ولا ابنة لا تنال رعاية والديها ..
ما أن يعود سيعقد عليها ويطلقها ويخرجها من حياته، لن تجره لطريق هو لا يريده بل لا يريدها هي الأخرى ولتذهب رغباته للجحيم
كاذب.. هو ساقط بالعسلية ملتصقا بها بلا نجاة..
****
جلست ليال بجوار أنس بالسيارة ووضعت حزام الأمان كما طلب، نظرت له وقالت "هل رأيت مي؟"
لم ينظر لها وهو يهتم بالطريق، لم يكن مدركا أن قلبه لا يرغب بذلك الألم، لا يرغب بامرأة تريد رجل آخر
منذ ما حدث بالمشفى وهو تراجع عنها.. تنحى قلبه سامحا لعقله بالسيطرة.. هل هذا هو الحب!؟
"لا، كنا مشغولين بك وبالريس ولكني عرفت أنها رحلت"
ظلت تنظر له منتظرة أن يكمل ولكنه لم يفعل، لماذا لا يحارب في سبيل حبه وقلبه؟ هل الحب مضيعة للوقت بالنسبة له؟ أم لا يحبها بالأساس؟
"وماذا أنس؟ ألن تساندها وتكون بجوارها؟"
لم يجيب، هو لا يريد إلا أن يكون نفسه ونفسه تضيع عندما تخترق مي أفكاره وهذا شيء لا يعجبه
"أنا زوجة أخيك وصديقتك، ماذا حدث؟ لماذا طردها"
نفخ وهو يضغط على المقود، لن يخبرها ما حدث بالمشفى ولا أنها نالت غضب الريس بجنونها وإهانة امرأته
"هارون طردها من العناية عندما ذهبت لرؤيته وطلب منها عدم الظهور بحياته مرة أخرى"
من المفترض أن ذلك يسعدها، يخبرها أن هارون لم يحب سواها وأن مي لا شيء، لكن هي ليست سعيدة برؤية امرأة تتعذب بسببها ليت لديها شيء يمكنها تقديمه لها لكنها آخر شخص يمكن أن تقف بجوارها
أبعدت وجهها ولم تمنح أنس أي أفكار مما يموج داخلها "لذا أنت غاضب من هارون؟"
نظر لها لحظة وهي لا تواجه نظراته، هو غاضب لكن ليس من هارون، من مي، من نفسه لكن ليس من الريس
"لا، لا ليال ليس من هارون، مي من فعلت بنفسها ذلك، هي لا تريد تصديق أن هارون لا يحبها وهي مجنونة بحبه و.."
وتدارك ما يقول فأبعد وجهه وهي تفهمت فلم تنظر له
"لم يكن من الصواب التحدث معك بذلك الأمر ليال، أنت زوجته"
ضحكت ساخرة من الأمر كله، امرأة تحب رجل يحب امرأة أخرى والأولى يحبها رجل لا تشعر بحبه
أي قصة تلك التي يمكن أن تحكى وتصدق؟
كاتبة معقدة..
"نعم وأنت الرجل الذي يحبها"
عاد ينظر لها ثم عاد للطريق مدركا الحقيقة التي تلقيها بوجهه غير ناكرا لها لكن عليه بإيقافها
"يجب أن أتوقف ليال، لقد مللت من جنونها وتهورها، لابد أن أخرجها من حياتي"
ضحكت ساخرة من كلماته "أفلح إن صدق" ثم لفت وجهها له وتحدته "لا أحد فاز بمعركة الحب أنس ولن تكون الأول"
لم ينظر لها وهو يدرك ما تقول "هو الألم ما أتحدث عنه، كلما رأيتها تبكي من أجله وتتحدث عن حبها له أتألم، أنا أعرف هارون جيدا ولن أخسره بسببها بأي يوم لذا اخترت الابتعاد عنها مهما كان السبب، أنا مدين له بحياتي"
دخلوا المدينة ومن الطريق تحرك للمحلات التي طلبتها على طريق الحرية فتوقف الحديث
أخذت وقتها حتى امتلأت حقيبة السيارة بالأكياس وهي ترتاح بالمقعد والتفتت وأنس يدخل مكانه لتسقط نظراتها على سيارة رينو حديثة على الجانب الآخر للطريق ومن نافذة السائق كانت عيونه تواجها..
تخبرها أنه ما زال موجود ليس بالحلم.. بل بالواقع
تكاد تقسم أنه هو..
ليس شبح يعود من عالم الجن.. بل حقيقة متجسدة بهيكل إنسان..
إنسان جعلها تعاني كثيرا.. وكادت تموت، تقتل بسببه أو.. الأحداث لجرم كانت تجبر عليه
لا أعرف كيف لا أكرهك ولكني أيضا لا أحبك
الرعب.. الفزع تحاربا ليهيمنا على قلب الأنثى الشاردة..