رواية غرام في العالم السفلي الفصل الرابع عشر14 بقلم داليا السيد

رواية غرام في العالم السفلي الفصل الرابع عشر بقلم داليا السيد

الفضيلة لا تتجزأ
هو رجل تعلم كيف يحارب الغضب حتى ظن أنه هزمه.. تعلم كيف يعيش وحيدا فأسقطته الوحدة متخاذلا
أصبح بنظر الزعيم غير جدير بثقته وبدلا من أن يحافظ على مكانته لديه، فقد جزء كبير منها
أنا التيه.. أنا الظلمة.. أنا الوحدة الراقصة فوق حياتي.. 
أنا العابث الأزلي
نفخ الدخان بقوة جعلت الابيض يختلط بنور العصر وهو ما زال يحاول تجاوز كلمات هارون.. لم يكن معه الزعيم من قبل لكن اليوم كان يجلس فوق العرش 
"هل اشتقت لها؟"
لم يفزعه صوت ناصر ولا المعنى المخزي وراء كلماته بل ظل يداعب فلتر سيجارته بشفاهه وضاقت عيونه خلف دخانها 
السخرية أفضل شيء يطفئ حريق الغضب
"من!؟ الحياة الأسرية؟"
اختلط الدخان ببعضه البعض وامتزجا وكأنهم متلاحمين على عكس أصحابهم، مفترقين لنهاية العمر 
"رشدي الحياة تغيرت هنا كثيرا بعد رحيلك"
لف وجهه بعيدا.. موجز الأنباء ممل.. أغلق التلفاز أو حول القناة
وقف يمنعه من الابتعاد، اختلط البن بالرماد.. ظهر التصميم والتحدي وانطمس التراجع وراء قرار لا رجعة فيه
"علاقتك بها ستؤدي لموته تلك المرة"
جذب رشدي آخر نفس من سيجارته وجذبها من فمه وألقاها بعيدا وعاد للبن المحترق بعيون ناصر
"وعلاقتك بها لن تفعل؟"
شحب وجه ناصر حتى فقد كل الدماء منه.. ارتجفت الشفتان المستقيمتان.. حدقت العينان بالخصم المهاجم بلا مقدمات.. جمدت الأطراف 
فقد اللسان الكلمات والكاتبة رحلت..
"هل ظننت أنني لا أعلم!؟ من الأفضل أن تتساءل هل هو يعلم أم لا؟"
هو لم يكن يعلم لكن كرجل تمرس بعالم العلاقات النسائية أصبح خبير بقراءة نظرات العشاق وقد قرأ ما بينهم بالداخل وتجاهله لكن الآن سيلعب بكل ورقة لديه كي لا يهزم
الطبيب واجه بابتسامة عريضة "أفاق ويرغب برؤيتك"
لم تخرج ملامحه عن المألوف.. الجمود، وكأنه مصبوب من حجر مصقول
"الصخر لا يتفتت"
فتح زيتون عيونه لصوت ابنه، مجهد، أنفاسه لا تمنحه هواء كافي لكن وجود ابنه بجواره يكفيه
"إدراك أني بحاجة لسند بعمري هذا، يفتت ألف صخرة"
الرمادي لا أمل به بأن ينحاز للأبيض فيه.. سيظل رمادي
"أنت لم ولن تحتاج أحد"
الأجهزة الجامدة تصدر صافرات منتظمة.. روائح مميزة لمكان العناية المشددة وجهان تقريبا متشابهان والآن متواجهان وخليط من المعاني تتواجد بلا دعوة
هي صاحبة المكان.. على رأس القائمة
"أحتاج ابني ليكون سندي ووريثي، أحتاجك كي تأخذ بيدي وأنا أسقط"
الرمادي لا يرحل للأبيض لكنه ينتمي بالأساس للأسود فتمرد على نفسه واسود 
"تسقط!؟ الجراحة ناجحة وستنجو"
أغمض رجل الصخر عيونه وطاف شبح ألم حوله حتى فتح عيونه مواجها خليفته المتمرد "البورصة هزمتني، خسرت الكثير رشدي"
تراجع.. اندفاع الاستنتاجات لعقله تهزه.. لهذا أراده!؟ يحتاجه!؟
كل أب يفهم أولاده ليس من كلمة فقط بل من نظرة، من تبدل انتظام النفس، من رفعة حاجب يعني عودة التمرد..
"لا رشدي لم أطلبك لتعيد لي ما خسرته أو تمنحني مال للتعويض.. ما زال لدي الكثير، أردتك لتكون ابني وأكون والدك قبل أن أرحل ولو ليوم واحد"
سيضع جمود على جموده حتى لا يرى أحد ما يدور داخله.. سطوة الشيطان تمتزج بجحيم الانتقام.. أشعل البركان.. أطلق الحمم، اقتل من يخدعك
لكنه.. والدك
التفت ليرحل.. لا مكان للخداع..
أصابع باردة قبضت على معصمه بقبضة واهية، ضعيفة لكنها أوقفته لأنه يريد أن يتوقف
"أنا لا أخدعك رشدي، أنا سددت دينوني قبل أن أسقط.. لست بحاجة لأموالك ولا لأي شيء سوى أن تعود الابن الذي فقدته وتسامحني على أخطائي معك"
الفضائل لا تتجزأ كما هي المبادئ..
لن يكون الابن الذي رفض الحرام وهجره ثم يرفض الآن أن يكون الابن البار.. كلها فضائل لكن متنوعة بمسميات مختلفة
عقوق الوالدين..
"فقط امنحني من وقتك القليل.. أرغب بأن أشبع منك قبل الرحيل الأخير"
ظلام حياته يطفو على السطح جاذبا معه كل الأهوال طاغيا على الأبيض، هل لديه أبيض؟
الرمادي امتزاج الأبيض والأسود.. لديه أبيض
الرمادي.. الحياد، بين النور والظلمة.. الغموض والسكينة الظاهرة وما تحتها اضطراب خفي لا يراه أحد
الرمادي رمز الهدوء الناضج بعد صراعات خاضها بلا استسلام.. أو ربما استسلام بارد بعد تعب طويل
والآن عينيه شديدة الرمادية ، كأن الغيوم اختارت أن تستقر فيهما، لا تعرف إن كانتا هادئتين أم تخفيان عاصفة، لكن لو نظر لهما أحد الآن سيشعر أن البرد تسلل إلى قلبه..
"لديك ناصر"
مذاق القهوة مر، ومرارة الفقدان أمر
"هو ليس ابني، مجرد مسكن موضعي لجرح فقدانك، أنت من أريد، أنت جزء مني رغم كل شيء"
التفت، واجه العيون الراجية بعيون قاتمة، ما زالت تختار الاسود الآن فأظلم كل شيء من حوله "كنت نفس الجزء وقت طردتني وصدقت أني خائن"
هل ما يلمع على وجنته دمعة؟ 
طامسا معالم الماضي أبعد وجهه هازما ملامح الضعف التي تحاول السيطرة
"ندمت.. تمنيت أن تعود لي، كبريائي هزمني ومنعني من إعادتك لأحضاني لكن الآن لن أتوقف عن طلب ذلك رشدي.. سامحني بني"
وسيطرت.. مشاعر البنوة طغت
"لنجعل الوقت يحل الأمر فقط انتبه لنفسك وصحتك"
أراد الفرار لكن اليد أرادت الراحة "هل سأراك مرة أخرى؟"
دمعة جديدة لمعت على العين الأخرى نسفت العناد الجامح داخله وتركت ذرة صغيرة من الكبرياء سيتعلق بها
"سأعود بالصباح"
ولم ينتظر.. حرر نفسه من ضعفه أمام انصهار شجاعته وخرج ليلتقي بالخائنين وناني تهرع له والدموع بعينيها بشكل غريب
"هل هو بخير؟"
مالت رأسه بتعجب من تمثيلها الرائع "ربما الآن لكن لا أضمن أن يظل بخير لو اكتشف ما بينكم ولو لم تنهيا الأمر أنا من سيوقفكم"
شهقت، فتحت عيونها الباكية عن آخرها وتراجعت بخوف طاغي على نظراتها وناصر يحتد بوقفته ورشدي يكمل
"اطلبي الطلاق وحرري نفسك من أجل من ترغبين به وإلا.."
ولم يكمل.. مرر شرارة غضبه تجاه ناصر محذرا بصمت وتحرك خارجا
****
مرحبا بالرذيلة.. ألست محطمة؟ مجروحة؟ مغتصبة؟
لا مكان لأمثالي بأرض الفضيلة.. سأنزل بأقدامي لأرض الحضيض ومنها سأرتقي
لا تسأل كيف
ما أن خرجت مي من المشفى حتى رأت السيارة ذاتها تنتظرها والسائق يفتح لها الباب الخلفي
ملامحها مجهدة.. محطمة.. يائسة وذليلة
لم تقف كثيرا فمصيرها تحدد وانتهى الأمر
"هل يجب أن تتأخري بالعمل هكذا؟"
الجلوس بجواره يجعلها ترتعد.. رؤية السلاح بشقته وطريقته معها جعلتها تخاف، تفزع، تستسلم بلا مقاومة
نفس الشقة.. نفس الفراش ولكن بلا مقاومة 
السقوط بالحضيض لا يحتاج أي مجهود وهي سكنت واستقرت به
لم يتركها كثيرا بل عاد لها بعد أن عاد لأناقته بمكان آخر وهي تكمل ملابسها أمام المرآة، ورقة الشيك لاحت أمام عيونها وهو يقف خلفها فلمحت الرقم
رفعت حاجبها والرقم يسيل اللعاب "ماذا تريد مني بالضبط!؟"
ابتسم ابتسامة شيطانية وهي جذبت الشيك من يده والتفتت لتواجه نظراته المظلمة بالشر.. شيطان ينبض من عيونه، ابتسامته وحتى لمساته بالفراش..
"تدمير من كان سبب بدمارك"
اندفعت "ليال، تلك الحقيرة"
لمس خصلة من شعرها ولفها حول إصبعه ورأسه ينحني عليها ولم تعد تخشى مما يحبس خلف مقلتيه فقد عاشرت الشيطان ومنحته نفسها وليس لديها ما تخسره بعد ذلك
"الغيرة في الحب كالماء للورد؛ قليله ينعش وكثيره يقتل"
وارتفع عطره لأنفها، خانق مخيف
ابتعد للخزانة التي تأخذ غرفة كاملة وصوته يملأ الغرفة "هارون سبب دمارك يا دكتور.. هو من باعك من أجلها ولم يفكر بك يوما وعلينا الثأر منه"
هتفت دون أن تراه "لماذا تكرهه؟"
عاد لها ونظراته الشيطانية تلازمه، رفيقه إلى الجحيم..
"لأنه مغرور يظن نفسه الكبير وهو بالأساس لا وجود له"
شعرت بأن ذلك الرجل لديه عداء خاص لهارون 
"هو لا يعرف كيف يتعامل مع أسياده، نزيل الملاجئ لا يناطح أبناء الأغنياء ومكانته هذه لا وجود لها سأنزعه منها بلمح البصر"
لمس وجنتها بطريقة تملكيه وأحنى وجهه ونال قبلة رقيقة وتحركت شفاهه على فمها "وأنت من سيساعدني"
ولثم شفتيها مرة أخرى والمجهول طريق لا تعرف إلى أين سيقودها ولكنها تسير به عمياء
أبعدها وتحرك وسمعت صوت .. 
طق، طق..
العصا.. 
**** 
انتفض قلب ليال عندما سقطت نظراتها على العيون التي كانت تحدق بها من الجهة الأخرى من الطريق
دخول أنس بجوارها قطع رؤيتها وهو يضغط دواسة الوقود ليتحرك 
"أنس انتظر"
لكن السيارة الأخرى كانت قد انطلقت بالفعل بالاتجاه المعاكس  
أنس تفاجئ من كلماتها وهو يضغط الفرامل بطريقة قوية لترتد بمقعدها وهو يحدق بها بذهول "ماذا حدث؟"
تجمدت عيونها على السيارة التي اختفت بين السيارات وشحب وجهها وعقلها يحاول أن يستوعب ما حدث
صوت أنس كان مطرقة تدق على طاولة شرودها، مخاوفها القديمة حضرت وهيمنت عليها "ليال ماذا هناك؟"
رنين هاتفها بنفس الوقت جعلها تصرخ من الفزع وقلبها ينبض بقوة أكثر وأنس لا يعرف ماذا أصابها!؟ 
"هل تهدئي؟ أنا لا أفهم شيء، افتحي الهاتف، بالتأكيد هو الريس" 
استجمعت قوتها الضائعة ولملمت شتات نفسها المبعثرة من هنا وهناك.. الرذيلة تندفع لطريقها مرة أخرى والفضيلة حائرة هل لديها القدرة على الحرب أم ستنسحب هاربة؟
"هارون"
كان يدخل مكتبه بالفندق فتوقف بمنتصف الغرفة ورفع رأسه ونبرة صوتها تخترق أذنه، خائفة.. مرتجفة. 
"ماذا بك؟"
لم تفكر فقلوبهم تنبض بنبض واحد، نشأ منذ أول نظرة لهما معا ونما وترعرع ولا مجال لزحزحته 
"لقد رأيته هارون"
لف وجهه وهو يستوعب كلماتها ثم ارتفعت الأفكار لرأسه جاذبا إجابة يوقف بها جنونه وخوفه عليها "من؟"
التصقت بمقعدها وأنس يحدق بها وهي تستعيد ذكرياتها المؤلمة والسينما مكان رائع لاستدراك كل شيء، الواقع والخيال والفيلم الآن واقعي لا يمت للخيال بأي صلة ومصنف رعب من الدرجة الأولى ومشبع بعنوان الجريمة
"أبي"
وكأنه تجمد بالأرض غير قادر على الحركة، لن يأخذها منه أحد، لن يمسها أحد، نبرة الخوف بصوتها تعيده للحظة نزعها منه وهو عاجز عن حمايتها
لن يعيد الكرة "أين أنت؟"
أغمضت عيونها وهي تستوعب صوته الجامد والمشبع بالغضب 
"بالسيارة مع أنس، هو ابتعد هارون، كان بسيارة على الجانب الآخر، متى خرج؟"
أغمض عيونه وتنفس بقوة محاولا ضبط عقله كي لا يعبث به إلى الجنون، منحها كلمات توقف مخاوفها لكنها لا تمنحه أي شيء "خرج بالأمس، هل تهدئي، لا أظن أنه سيمسك بسوء بالنهاية هو والدك"
نظرت لأنس وأشارت له ليذهب ففعل ربما هارون على حق، ما زال والدها وربما لن يؤذيها، قد يوقفه كونها زوجة الريس فيخاف من هارون
لم تعد تعرف شيء، تاهت بدوامة الذكرى والخوف والتيه "لا أعلم هارون، مجرد رؤيته أعادتني لأسوء سنوات عمري"
ظل يقبض على الهاتف برغبة أن يكون معها الآن لكن هذا قد يصيبها بالتوتر أكثر "أعلم حبيبتي فقط انسي ولا تخشين شيء، هل انتهيت؟"
تجاوبت معه بتبديل الحديث فلا شيء يمكن أن يغير ما حدث ولا أنه والدها وعاد لحياتها
"لدي موعد مع مركز تجميل"
هدأ من صوتها ولكنه لم يهدأ تجاه ما سيواجه "ربما البيت أفضل ليال"
أبعدت وجهها للطريق ولم ترغب بالبيت، هي لا ترغب بزرع القلق بقلبه من أنها خائفة، هي ستكون بخير.. شريف لم يورطها معه وهي صغيرة وقت تم القبض عليه فهل سيفعل الآن؟
"لا، لدي حجز هناك لا أرغب بتفويته، هل ستتأخر"
تجاوب معها لكن ما زال الريس يضع كل شيء أمامه ولن يجازف بحياتها مرة أخرى، سيارتها محصنة وأنس معها وسيارة حراسة تتبعها دون أن تشعر، لن يمكنه حبسها بالقفص
نظر لساعته ليجيبها "ما زلنا بالمغرب ملاكي"
الصمت لفها واحترم أنس خلوتها، الذكريات ليست جيدة لكنها تفرض نفسها كضيف ثقيل لا مجال لطرده
توقفت السيارة أمام مركز التجميل ونزل أنس يتبعها لكنها استوقفته بنظرات جادة 
"هو مكان للنساء أنس، لن يسمحوا لك بالدخول"
لم يتوقف وهو يفتح لها باب المركز الزجاجي "لا أحد سيوقفني ليال، ادخلي"
وبالفعل لم يستطيع أحد إيقافه عن البقاء بأقرب مكان مسموح به له وهي تدرك أنه لن يتراجع خاصة بعد رؤية والدها وهاتفه الذي رن باسم الريس يمنحه تعليمات مشددة بوضعها نصب عينيه
الحياة مختلفة الآن ولولا ظهور شريف لظلت مستمتعة بما منحه لها هارون، عائلة وإخوة وأم ورجل يحبها وتعشقه
الحلم أصبح واقع وهي ستعيشه رغما عن أنف الجميع
استمتعت بتلك الأشياء الجديدة عليها.. الميديا جعلتها تتعرف على تلك الأماكن ولأنها أرادت إسعاد الريس أتت هنا ولم تندم
انتهت بإشراقة رائعة على وجهها ونست حادث والدها وشعرها الأسود يتهدل على ظهرها ومنحت الفتاة المسؤولة بقشيش جيد وشكر خاص وهي تستدير لتخرج عندما اصطدم جسدها الذي استعاد حيويته بالتو بجسد آخر فالتفتت لترى فتاة تعرفها.. 
"ليال شريف!؟ أنا لا أصدق"
الجامعة ملتقى الصحبة والوجوه المتعددة وهي كانت مميزة بموهبتها لكنها لم تتخذ صديقة لها بأي يوم ولكن هذا لم يمنع أن لها علاقات اجتماعية مناسبة لها 
"أسما محمود!؟"
تبادلوا التحية وابتسامة سعادة تعلو ثغرهم وربما كلاهم يذكر تعاونهم معا بمشروعات مشتركة رغم أن أسما تكبرها  
"ليال، سعيدة لرؤيتك، تبدين رائعة، لم أرك هنا من قبل"
كانت صادقة وبسيطة بحياتها، لم تتبدل لمجرد أنها تزوجت 
"هي مرتي الأولى بالفعل، المكان له دعاية جيدة وأنت؟"
أسما فتاة من أسرة بسيطة، لا أحد يعرف عنها الكثير، منغلقة بوالدها الموظف بشركة الكهرباء ووالدتها التي رحلت منذ أعوام
هي فتاة مجتهدة مثلها، تكد بالحياة بلا كلل، تكبرها بعامين ومتعاونة مع الجميع و..
جميلة..
ضحكة أسما منحتها وجه بريء ومتحفظ من كثرة ما واجه  
"أنا هنا بعمل، أقوم بصيانة للنظام الخاص بهم، ألم تجدي عمل آخر غير الفندق؟"
تورد وجهها، لا أحد عرف بزواجها فهي لا تتواصل مع أحد وزواجها كان بظروف خاصة 
"لقد تركته، تزوجت"
ظهرت الدهشة على ملامح أسما وقد تفاجأت من الخبر.. ليال جميلة حقا.. كانت تثير انتباه الشباب بالجامعة ولكنها لم تكن تهتم لكن غيرة البنات كانت واضحة وكادوا يكيدون لها ولكن ليال فتاة بسيطة وبعيدة عن التعقيد وهي أحبتها حقا 
"لا!؟ متى وكيف؟ كنا معا العام الماضي ولم يبدو عليك الارتباط بأحد"
تلون وجهها بالأحمر، قصة حبها خاصة بها وبه "هي قصة طويلة أسما"
لكن أسما لم تكن لتتركها هكذا، الفضول بعيونها جعلها تثبت على موقفها، سأعرف قصتك يا فتاة
"هيا ليال أخبريني، من هو؟ كيف تعارفتم؟ وهل الحب طرف بالأمر؟"
نظراتها كانت تعني الإصرار وليال لم تعرف كيف تتعامل بالأمر، كونها عروس جديد جعلها تتأنى خاصة وأن زوجها ليس رجل عادي .. هو الديب
"التقينا مؤخرا وتزوجنا"
أمسكت يدها وما زال الفضول هو العنصر الرئيسي هنا "هي قصة حب إذن، من هو؟ هل أعرفه؟ معنا بالجامعة؟"
نفت برأسها، هل تعرف أسما رجل مثل هارون؟ 
"لا"
هزت يدها لتحثها على أن تكمل "هيا ليال أحكي، من هو؟ وما قصتكم؟"
حبها لهارون قصة تحكى بالفعل وترغب بإخبار العالم عنها فهو من أرادت وتمنت وهو من سكن قلبها لكن ما يخصهم لهم وحدهم..
"هارون، كان الوصي علي دون أن أعرفه وعندما عرفته تزوجنا"
تراجعت الفتاة وعيونها تواجه الاسود بعيون ليال واللامع ببريق الحب "من الجيد رؤية علاقات ناجحة بذلك الشكل"
ابتسامتها كانت بسيطة كما هي ولم تمنح أسما الحقيقة كلها، هارون الديب، الزعيم
"ألا توجد لديك علاقة؟"
مطت أسما شفتها بيأس وقالت "تعلمين ظروفي ليال، أنا بالكاد أكفي البيت بالمصروفات فمن أين سأجد مصاريف للزواج؟"
هي تعلم ما تقوله أسما جيدا ولو لم تكن زوجة الريس ما وصلت لمكان كهذا وأنفقت به الكثير لمجرد إسعاد الرجل الذي تعشقه
"أتمنى أن تجدي من يستحقك أسما"
ابتسامة صغيرة، تخفي ألم وحزن لا يعرفهم سواها، ظهرت على وجه أسما "وأنا أيضا أتمنى، هل لي برقمك؟"
رنين هاتفها باسم أنس جعلها تذكره وتراه عند الباب وقد تسلل الملل له كما وأن تلك الفتاة التي توقف زوجة الريس تجعله يرغب بالدخول ومعرفة من هي وتفاصيل حياتها
أغلقت ومنحته إيماءة من رأسها وعادت لأسما "أعتذر أسما لابد أن أذهب"
احتضنتها وتحركت خارجة وأسما تراقبها وأنس يتحرك بجوارها ويفتح لها الباب الخارجي ولم يلاحظوا نظرات أسما التي تتبعت أنس يتبع زوجة رئيسه ويفتح لها باب السيارة ويسألها 
"من هي؟"
أجابت وهي تدخل السيارة وحياة التعقيد هذه لا تحبها، كانت حرة وترغب بأن تظل كذلك "زميلة سابقة بالجامعة أنس لا داعي للقلق"
التفتت لترى الفتاة ما زالت تحدق بهم ونظرة غريبة بعيونها وربما تتساءل هل هو زوجها؟ يفتح لها سيارة تساوي الكثير من الأموال وهي تتصرف وكأنها نفس الفتاة التي تعرفها
الحياة غريبة تتقلب كموج البحر تأتي بما بالقاع وتلقيه فوق القمة 
والعكس...
**** 
بالكاد وجدت طعام بالمبرد، جبن رومي، زيتون، مربى تين قديمة ولكنها جيدة، اكتفت بهم وتعرفت على الشقة وعندما جلست أمام التلفاز بنفس ملابس النوم التي منحها لها بالأمس فليس لديها سواها، شردت بكل ما حدث لها
ماذا سيكون مصيرها عندما يمل منها ويمزق الورقة التي بينهم؟
النساء التي كان يعرفها كان لهم مستقبل يؤازرهم ولا يخيفهم لكن هي لا شيء يساندها، لن يمكنها العودة للعمل كي لا يجدها سعد وليس لها بيت سوى هنا ولا تعرف إلى متى سيتركها معه؟
صفوان لم يحاول السؤال عنها.. أغمضت عيونها والحزن يجرح قلبها الصغير.. هل يمكنها أن تنساه؟
ذراع تسربت أسفل ساقيها والأخرى تحت ظهرها فتمتمت بكلمات غير مفهومة من النوم الغالب لكن ما أن لمست شفاهه وجنتها حتى استوعبت ما يحدث ورأت جسده يغطيها وقبل أن تنطق بأي كلمات كان يقتنص شفاها بقوة تتناسب مع الغضب الذي كان داخله
رؤية ناصر وإدراك علاقته بناني أثار جنونه ورغبته بقتلهم لكن حياة والده ستكون الثمن
التهم فمها واعتصر جسدها بيده بلا وعي، اعتلاها ومنحها غضبه دون أن تفهم، الظلمة التي استولت على عقله سرقت منه لذة العودة لوالده لكنها لم تسرق لذة المتعة مع العسلية
التحلية بعد المرار.. البراءة بعد الخيانة
لمسات ضعيفة على جسده تمكنت من منحه الراحة التي كان ينشدها.. لم تمنحه كلمة واحدة واكتفت بأن توقفت عن المقاومة والتربيت على كتفه وكأنه طفل صغير بين أحضان أمه 
ملفوفة بذراعيه، دافئة من أنفاسه، مقيدة بساقيه على ساقيها استقرت
نام، لأول مرة ينام بهذا الفراش بتلك الشقة، أنفاسه هادئة.. منتظمة بعد أن ترك غضبه على جسدها الرقيق.. منهكة جدا منه ومن محاولات فاشلة بالخروج من أحضانه، استسلمت له، نامت هي الأخرى وحلت السكينة بينهم
بلا عراك ولا شعور بالعار..
صوت مياه جارية جعلها تفتح عيونها.. 
النهار أمل.. حياة بعد موت الليل.. 
أبعدت شعرها واعتدلت تلف الغطاء على جسدها العاري
صوت الباب جعلها تلتفت له تتمسك بالغطاء على جسدها، ألم يحفظ كل شبر منها؟
مزاجه لم يكن عسلية وهو يجفف شعره ويتحرك بالمنشفة التي تلف خصره لخزانته جاذبا ملابس العمل دون الجاكيت وما زالت تتأمله بقوامه الرائع وطوله الشاهق حتى ترك الغرفة بلا كلمات
حيرة اجتاحت عقلها، هل مل؟ سيتركها تذهب!؟ جيد ستعود حرة و..
وماذا!؟ إلى أين ستذهب؟
تنهدت والمياه لا تزيل آثار غضبه من على جسدها، بقع زرقاء على عنقها وصدرها، ألا يدري ماذا يفعل هذا الوحش؟
بالمطبخ الحديث رائحة الأومليت ملأت المكان.. والقهوة مميزة أيضا..
الطبق الفاخر كان أمام مقعد فارغ، امتلأ بالبيض والموزيلا والخيار.. الخبز المحمص بالزبد فتح شهيتها..
دفع لها بطبق الجبن الأبيض الكريمي وقطع الطماطم وملامحه الجامدة لا تتبدل وهي رفعت عيونها له بدهشة
"تناوليه فأنا لا أعد شيء لأحد"
ظلت تحدق به ولا تفهمه.. قايضها على الإنقاذ من فضيحة بزواج عرفي والآن يمنحها الأومليت.. من أنت؟
جلس أمامها وبعض البيض يرفعه بالشوكة لفمه دون النظر لها وهي تبحث عن أي شيء تفهمه به
"ستحررني!؟"
عقد حاجبيه والسؤال غريب؟ النساء يترجين البقاء معه أطول وقت وهي تتحدث عن التحرر..
دون لقاء نظراتها الحائرة منحها رد عاصف، كالعاصفة التي تموج داخله "هل ما زلت ترغبين بالعودة له!؟"
وكأنها أصبحت نسخة منه.. ملامح جامدة انطبعت على وجهها، جف ريقها.. شحب وجهها
هي لم تخبره بوجود رجل بحياتها.. ولم تنفي
لم يهتم بالرد فقد نال ما أراد.. عذريتها كانت له ولن ترحل إلا عندما يشبع وهذا ما زال بعيد..
"قد لا أعود اليوم"
"أريد عمل؟"
أخيرا نجحت بجذب انتباهه، والرمادي تحول للأسود "ماذا!؟"
هل لابد أن تخاف من الظلام وحياتها كلها كانت ظلام؟
"أرغب بأن أعود للعمل أو أي عمل آخر"
ترك الشوكة وتراجع بالمقعد مانحا صدره الكربون الأسود مبعثرا بعضا منه بالهواء "وسعد؟"
العسلية احترقت وتلونت بالبني القاتم بذكر أخ لم يكن سندا بأي يوم بل عبئ أضيف لها "لو بمكان مختلف لن يصل لي، أنت لن تنفق علي"
نهض للجهاز الخاص بالقهوة وسكب لنفسه قهوته القاتمة بلا حليب أو سكر وهي ظلت واجمة 
ألا يسمعها!؟ 
"وستمنحينني أجر نظير بقائك هنا أم ستجدي لنفسك مكان آخر وتأتين بالليالي لتمتعيني؟"
الذهول سقط عليها ككوب ماء مثلج جمدها مكانها ورحلت الدماء من وجنتيها تاركة إياهم كالأبيض الباهت
"أنت وقح"
ونهضت لتتركه ولم يتحرك من مكانه بل أوقفها بصوته "وأنت غبية"
توقفت دون النظر له وصوت خطواته تقترب منها.. الدخان سبقها وهو يقف خلفها والصوت البارد يلازمه "هل تظنين أنك لو عدت له سيقبل بك!؟"
التفتت، دخانه يحرسه أينما ذهب وكوب القهوة ما زال ممتلئ وعيونه فقط هي الفارغة 
"لا دخل لك بحياتي، أنا لا أريد البقاء هنا، أنا أرغب بحياة خاصة بي بعيدا عنك"
ظل ثابتا أمامها وكلماتها تمنحه شعور بالكره بالطبع ألم يجبرها على العرفي؟ 
"حياتك الآن ملك لي طالما الورقة بيننا، يوم أمزقها هو اليوم الذي ستخرجين فيه بلا عودة وحتى يأتي ذلك اليوم ستظلين هنا"
الرفض هو كل ما رآه بعيونها والتصميم، تلك الصغيرة ليست بريئة كما يظن بل لها مخالب
"لا، جد لي عمل وإلا كما اختفيت من حياة سعد سأختفي من حياتك ودع ورقتك تجدني وقتها"
والتفت لتختفي من أمامه كعادتها بالفرار وهو لا يصدق أنها تتطاول عليه بتلك الجرأة ولكنه لن يكون صيد سهل "وأخبر أخيك عن الدعارة والزواج العرفي وربما يعرف حبيب القلب هو الآخر"
سكنت مكانها وتحجرت نظراتها على الفراغ أمامها.. يخبر سعد ويصبح الثأر اثنان؟ 
التفتت لتواجه السخرية المرتسمة على شفتيه، هل لديه أي تعابير أخرى غير الجمود والظلام المعتم بعيونه؟
"قبل أن تلقي بألفاظك بوجهي أنا سأوافق على عملك لكن بقائك هنا هو الأفضل لك من أن يجدك سعد أو.. شرطة الآداب"
واختفى هو تلك المرة للغرفة التي يأخذها بها وهي ظلت مكانها لا تعرف هل تقبل بتلك المساومة أم ترفض؟
عندما عاد كان قد ارتدى جاكته وهاتفه بيده وعيونه به متجها للباب ولكنها قالت "هل كل امرأة عرفتها كانت تقيم هنا؟"
توقف ولكن نظراته ما زالت على الهاتف والإجابة خرجت صادقة "نعم هو أنا من لا يقيم معهن ولن أكون معك"
وتحرك صافعا الباب خلفه وهي ما زالت بمكانها تلف الروب حول جسدها ولم تتذكر وسط حربهم أن تخبره عن الملابس 
لفت حول نفسها، هذه هي شقة الدعارة إذن، شقة الملذات خاصته.. هي لم تختلف كثيرا عن النساء اللاتي كن معها بالحبس فكلهن وجدن لمتعة الرجال
سقطت على نفس الأريكة، موطنها الجديد بعالم لا تمت له بصلة ولكنها سقطت به بغباء منها ولا تعرف كيف ستخرج منه
****
العمل على ذلك الجهاز يصيبه بالعصبية، لكنه يجيده بما يكفي لإدارة أعماله ..
دخول صفوان منحه سبب ليتوقف عن العمل عليه وهو يستمع لتذمر رجله الأول "هذا الشاب يصر على إثارة الشغب وأنت منحته مادة جيدة لذلك"
تراجع بالمقعد وعيونه تلتقي بعيون صفوان الهادئة وصاحبها يجلس على الأريكة بأريحية مع صديقه وليس الريس
"هل رغبت بأن أتركه يعبث بالمكان وكأنه الزعيم؟"
لف وجهه للزجاج الذي يراقب منه الصالة التي تعج بالشباب الراقص ثم عاد لصفوان "لا ولكنك كنت تعلم ابن من هو والتعامل مع والده صعب"
نهض ببطء من ضلوعه وشتم الألم الذي لا يبرحه، لماكينة القهوة وسكب كوبا لنفسه وعاد للجدار الزجاجي واقفا أمامه بسطوة الزعيم ونبرته الهادئة تعني أن لا أحد يلقى اهتمامه
"والتعامل معي ليس بالسهل صفوان"
تنهد صفوان ومزح مع زعيمه "الغرور يلازم الزعيم"
تناول القهوة ونظراته تبتعد عن مراقبة الراقصين بالخارج ليعود لصديقه "ما أخبار الحفل؟"
صفوان يتقلب للجدية والعمل بلا تفكير، يختلف كثيرا عن أنس، لا يعرف العبث فقط العمل خاصة تنفيذ أوامر الزعيم والتنظيف خلفه وخلف الرجال 
"كل الترتيبات تمت وسعد يتابعها، هارون، أحلام أخته مختفية وسمعت أنه يبحث عنها"
أكمل هارون القهوة وابتعد عن صفوان راغبا بإنهاء أمر فتاة هو يعلم أنها بريئة ولكن أحيانا تدهس الأيام الأبرياء بلا رحمة
"وهل وجدها؟"
صفوان يدرك أن هارون لديه الكثير مما يحتفظ به لنفسه ولا أحد يمكنه التدخل برغباته
"لا، أنت تعلم عنها أليس كذلك؟"
لم يلتفت لمواجهة صفوان وإنما عاد لمكتبه وارتاح بالمقعد وجسده يصرخ طالبا الراحة بلا فائدة، لم يخلق للراحة 
"لا تنسى تأمين دخول الحفل فهذا يهمني جدا، لا أرغب بدخول إلا من لديه كيو آر كود، لا تسمح بعدد زائد"
تبديل الحوار يعني رغبة الريس بإنهائه وعليه الطاعة "لا تقلق، هي ليست أول حفل لنا"
هاتف هارون قطع الحديث وملأ الرنين الغرفة وهارون يجذبه ويرى رقم "هارون الديب، من معي؟"
صوت منحه رغبة بالضغط على زر الإغلاق فصاحب الصوت ليس بقائمة المفضلين بل من الأفضل وضعه بقائمة المحظورين 
"مرحى يا رجل، صوتك لم يتبدل"
ارتفع رأس الديب بكبرياء معتاد والجدية اعتلت القمة ويفضل لو قال مرحبا، إلى اللقاء 
"ولكن صوتك تبدل جسار"
لماذا تذكرني رغم كل ما بيننا من عداوة دفينة لا تقوى على الظهور ومواجهة الواقع؟ كلانا لا يحمل للآخر سوى عداوة مقيدة بسلاسل من حديد صدئ من الصعب فك قيوده
كلاهم يقف على عتبته متحفزا منتظرا خطوة، خطوة واحدة ولن يعد هناك حد فاصل بينهم وتلك الخطوة بيده وحده
الكبير..
 "أبدا، هو أنت من بدأ يفقد قدراته"
حك شعر ذقنه الطويل، لحيته التي ينمقها باستمرار، بينما ظل الصمت قائد على المعركة  "ربما"
الاختصار يكون مفيد مع رجل كجسار، هو النائب، من يرغب بأن ينال كل شيء تحت سطوته حتى ولو دهس بطريقه كل شيء، الأبيض والأسود 
الفضائل والرذائل
"أنت تسقط هارون، هزمك عدة رجال لا معنى لهم، الديب سقط وأنثاه سقطت معه"
ضغط هارون على الهاتف بأصابعه بقوة راغبا بتحطيم وجه ذلك الكلب الذي يقلل منه بطريقة ملتوية 
"والديب هو من عاد واستعاد أنثاه، أنت تنسى دائما أن بعد كل سقطة نهوض قوي ونهضة الديب مدمرة ولن يقف بطريقه شيء"
ضحكة ساخرة أتت من الطرف الآخر لم يهتم بها لأنه يعرف جيدا معناها فهي لا تدل سوى على الغضب الخفي
"الكثير بطريق الديب، من خطفها، والدها، والقائمة طويلة"
صفوان نهض وملامح هارون الجامدة تمنحه ملخص للمعركة الباردة بين الرجلين ولكن هارون ظل هادئا لا يصرح عما داخله ولو حتى بنبرة صوته "معرفتك بأموري تجعلني أتساءل عن سبب اهتمامك بي تلك الأيام!؟"
جسار خصم ليس بسهل أبدا خاصة لو كان يكرس معظم وقته لإزاحة الرجل الوحيد الذي يمثل خطر عليه من طريقه، أو بمعنى أصح المنافس الوحيد له ومنافس ليس من السهل هزيمته إلا..
بالخداع والخيانة.. هل يمكن أن يكون هو وراء.. 
"هل نسيت من أنا هارون؟ هذا من ضمن أعمالي"
"لأنك نائبه؟ جيد، هل لديك شيء آخر؟"
التقليل من شأنه يثير جنونه ولا أحد يفعل به ذلك سوى ذلك الديب الذي يرغب بقنصه بأي طريقه لكن كل الظروف تعانده وتقف بصف هارون وتنجيه 
"أنت تتخاذل بمكانك هارون وهذا ليس جيد، الزعيم لا يهزم"
استوعب كلماته ونبرة التهديد وتلميحاته التي يثير بها غضبه ومع ذلك تلقاها على لوح من الثلج لم ترفع معدلات الغضب داخله 
"وأنت ترى أني لم أعد أستحق مكانتي؟ ما الجديد؟ هل ما زلت ترغب بأن تأخذ مكاني؟"
الصمت يقود المعركة ولكن ليس طويلا لأن جسار بطريقه لوقف غضبه بغضب أكثر "أمثالي يرتقي للأعلى وليس لمن أقل مكانة، أنت تتبعني"
عاد هارون يرفع رأسه بنفس الكبرياء وكلمات جسار لا تمثل له أي شيء "أنا لا أتبع أحد جسار، لا أنت ولا سواك، أنا الزعيم وسأظل الزعيم رغما عن أنف الجميع"
وانتهى الحديث.. الريس ضغط إغلاق وقذف الهاتف على المكتب 
"أنت تكتسب عداوته"
لم ينظر لصفوان ورأسه يعج بالكثير من الأفكار ومع ذلك كان منتبها لكلمات صفوان "على أساس أنه ليس كذلك؟ لطالما كانت الحرب بيننا قائمة، تشتد أحيانا وتخبو أحيانا أخرى، جسار لم ينسى أبدا أني حصلت على ما كان يرغب به، هنا، الكبير تجاوزه كثيرا من أجلي ولا أعرف كيف أسكته عني طوال تلك المدة؟"
"يمنحه الكثير، نائبه وذراعه الأيمن فلماذا يرغب بهنا؟"
إعلان جسار النائب كان أمر غريب لم يعجب الزعماء ولا حتى رجال المجلس ولكن لا أحد يعترض على قرار الكبير وهارون يدرك الكثير مما لا يدركه الآخرون لذا لم يبدي أي اعتراض وترك السفينة للقبطان 
"لأن هنا يضم الصفوة، الارتقاء يبدأ من هنا ويمتد للعاصمة وجسار لا يرغب بذلك فقط بل ولم يرغب بأن يكون لي أنا بالذات"
انحنى صفوان أمامه على المكتب ونظراته تمتلئ بالكثير وهارون لا يعرف الخوف، كان يلقي نفسه بين السباع ويخرج ملوثا بدمائهم
"لم تعد وحدك الآن، امرأة تحبك حياتها مسؤولة منك وعليك.."
الزرقاء تموجت بألوان البحر المتنوعة بحسب عمقه والقاتم منه الآن يعني العمق والغرق والرهبة وهو يقطع كلمات الخوف من صديقه
"علي حماية الجميع صفوان وليس ليال فقط، لطالما قدت القطيع للأمان ولا مرة فكرت بواحد دون الباقين"
هذا صحيح لكن صفوان لم يمنحه السكينة "لكن عند القلب وكل شيء يتوقف هارون وليال بنا جميعا عندك وهذا حقها وحقك والعدو لا يصوب على الجميع بل يختار نقط الضعف ويصيب الهدف"
ظلت النظرات متصلة وهارون يتفهم كلمات صفوان.. العناد ليس من شيمه لكن لا مكان للضعف بدستوره.. التراجع هزيمة والخوف سقوط وهو سقط مرة ولن يسمح لشيء بإسقاطه مرة أخرى
ليال القلب الذي ظل جامدا لا ينبض سنوات حتى كاد يستسلم إلى أنه لن ينبض أبدا، لم يرى العشق ولا الغرام ولم يقف يوما أمام امرأة تصرخ بوجهه لكن هي لا
هي تغضب وتثور وهو يظل راضخا أمامها، يدللها براحته، يستقبل صراخها بابتسامة لها وحدها ويتلقى الجائزة عندما تبتسم بوجهه وتشبعه بالفانيليا
أبعد وجهه وقطع نظرات لها معاني كثيرة "لن أسجنها صفوان، من حقها أن تستمتع بالحياة، لم أتزوجها لأدمر حياتها"
اعتدل صفوان وملامحه دلت على الغضب لكن نبرته ظلت هادئة كرئيسه، صفة يشتركان بها
"أعلم وهذا ما أعنيه بكلماتي هارون، الحرص وليس الخوف"
عاد له وهو يدرك صحة ما يقول وهو بالفعل حريص ومع ذلك لا ينكر ما يجتاحه من مشاعر القلق عليها
"جسار، شريف أو حتى الكبير يدركون أن التجاوز معي لن يؤدي إلا لحرب لن تنتهي بسهولة، أنا لست خصم هين صفوان وهم يدركون ذلك"
"أنت تشك أن لأحدهم يد بما حدث لك ولليال؟"
لم ينظر لصفوان بل شرد بنظراته وأفكاره لبعيد وتلك المرة تخونه الأفكار وتتخلى عنه، تمنحه ظهرها وتغلق عليه الأبواب 
"ربما، الكل بموضع الشبه بالنسبة لي لكني لست متأكد أن شريف له يد بالأمر، لن يبيع أعضاء ابنته صفوان"
لم يعترض صفوان، الأب لم يبيع ابنته منذ سنوات فهل يفعل الآن؟ 
"بالنسبة لرجل لم يشهد على ابنته يوم تم القبض عليه فهذا صحيح من إذن وراء كل ذلك هارون؟ تخريب المخزن وملهى المعمورة، أنت وليال وما خفي؟"
لم يرد لأنه بالفعل يفكر ولكن ما زال لم يجد إجابة والدائرة تتسع وما زالت مفتوحة تنتظر الحلقة المفقودة 
رنين هاتفه أعاده واسمها يظهر على الشاشة، نبض قلبه للحب الوحيد بحياته
الغرام..
"صغيرتي"
ابتسمت وهي تضع الأكياس على الفراش، التسوق كان رائعا ومركز التجميل صنع منها امرأة أحبتها، كانت تتمنى أن تفعل ذلك بليلة زفافها ولكن هي ليست كأي امرأة هي زوجة الديب، مختلفة، مميزة 
"ذهبي أم أخضر؟"
صوت الباب جعله يضجع بالمقعد مانحا جراحه راحة وقلبه هدوء وسكينة بالاستمتاع بصوت أنثاه 
"لا شيء؟"
سقطت على طرف الفراش متذمرة كالطفل الذي اجتهد بصنع دمية جديدة من أجل صديقته والتي لم تهتم بها "لا هارون إنهم رائعين"
كان يفهم ما تتحدث عنه وصوت تذمرها لم يغضبه بل صوت الطفلة بنبرتها جعله يبتسم
لا يعرف كيف تنتزع ابتسامته "وأنا معك لا أريد شيء عليك، أنت أجمل من أن تخفي جمالك بقماش لا معنى له، جسدك والفانيليا يكفيني"
كلماته تنساب داخل قلبها فتزيده حبا له، ستأخذه وترتقي به للسعادة التي يستحقها، رجل استحق الحب من كل من حوله وهي أولهم 
"تحبك صغيرتك"
مستمتعا بمذاق الكلمة أغمض عيونه وكأنه يغلق قلبه وعقله وكيانه عليها، سكن النبض واستقر "أنا أحيا بتلك الكلمة"
منحته ضحكتها التي تذيب القوة وتلف الزعامة بورق السلوفان وتتناولها بالتحلية "ستتأخر؟"
تنفس بقوة محاولا القبض على المتبقي من سيطرته مشاهدا نفسه وهو يجذبها له طاحنا فمها بقبلة تعيد له ما فقده بفراقهم 
أيتها الساكنة في دمي.. تمهلي إن قررت بقلبي
"لم أعد أستطيع التأخير عليك، أريدك بجنون"
والآن الصغيرة تتلاعب بالريس، تلفه حول إصبعها وتقبض عليه بقوة مدركة أنه لها وحدها، لكنها لم تدري بذلك، هي ما زالت تراه كثيرا عليها، منحها ليلة وتركها ذائبة بها، تحلم بالتالي 
"تعلم أني لك وحدك، أنا أعيش من أجل إسعادك هارون"
وهل أخبرتك حبيبتي بأنك زرعت بي شيئا أعمق من أن يحكى
"سعادتي تحققت يوم قبلت الزواج بي ليال، كان حلم"
أغمضت عيونها، ترى نفس الحلم.. نفس الأماني التي رافقتها طوال سنوات الفراق، لم تظن أنها ستراه وتلمسه وتكون جزء منه
"نفس الحلم هارون ، أحمد الله أنك ظهرت بحياتي وجعلتني زوجتك فأنا لم أرغب بأكثر من ذلك"
"لكن أنا لدي الكثير لك ملاكي، الكثير لنا معا"
الحياة تبتسم وتفتح ذراعيها لها وهي لن ترفضها أبدا، لا أحد يدفع الحب بعيدا، لا أحد يقاوم ما يهزم الملوك والأباطرة
لا أحد ينافس الغرام..
**** 
ظلت جامدة بالمقعد الخلفي بالسيارة وهو بجوارها، يده ممسكة بالرأس الفضي بشكل الأسد.. عطر القهوة يملأ السيارة
اعتادت العطر الغامض له والذي يمنحها إحساس مظلم، مقلق تجاهه وكأنه خارج من كابوس فاخر
"تعرفين ماذا ستفعلين"
لفت وجهها للظلام المعتم خارج السيارة ومن بعيد ضوء.. البيت الذي طردت منه، نالت البرودة بشرف بل وفقدت من بعده الشرف
دون رد لا فائدة منه نزلت بملابسها الفاخرة.. الثمن كبير.. أصبحت ثرية بعدة أيام والمقابل.. شرفها الرخيص
لم تعد تعرف أنه يدفعها للهاوية الأخيرة.. غبية
جفت.. دموع الشرف لم تعد ترافقها، رحلت غاضبة منها ومنحتها ظهرها 
تدق الأرض بالكعب العالي بثقة مهزوزة، انتزعها المغتصب مع عذريتها.. لم تعد ترى سوى ليال وهي تدفع ثمن فعلتها..
غشت عيونها غيامة قاتمة رفضت أن تسقط حتى حمولتها، ستظل تعاقب نفسها..
رجل الحراسة وجم، تراجع والأوامر تعني ألا تدخل.. الدكتورة منبوذة وعلى العاصي تدور الدوائر..
"آسف يا دكتورة إنها أوامر الريس"
رفعت رأسها بعناد وهتفت "ماما بالداخل متعبة ولابد أن أراها، هاتف هارون واسأله"
نظرات شك ظهرت بعيون الحارس ومن وراءه الآخر يهاتف الريس الذي أجاب
"لا"
كانت كلمة حاسمة منحها للرجل وهو بالسيارة ينتظر مقابلة هامة بالسيارة وبعدها سيعود للبيت كما وعد امرأته، أحضر الطعام المخصوص من الطاهي خاصته بالفندق ولم يفكر بالتأخير بعد أن أثارت كل رغباته والآن رده كان حاسما
مي لا مكان لها بينهم لكن هل هي ستستجيب!؟
بلا أي مقدمات كانت تسقط أمام الرجلان فاقدة للوعي، صاحب الخشب المحروق منحها ما يمكنها من الدخول..
حملها أحد الرجال والآخر يهاتف أنس والجميع هرع بها لبيت هندية التي فزعت لرؤية ابنتها وأنس يلحق بهم وعندما تولت هندية إفاقتها فتحت عيونها ورأت أمها فزعة
"ماما!؟"
بلوعة أم احتضنت طفلتها الوحيدة.. أسقطت بين ذراعيها كل ما ملكته من حب وحنان لابنة تضمر داخلها الكره والحقد لمن حولها
أنس مال تجاها بقلق واضح "مي ماذا حدث؟ أين كنت وماذا أصابك؟"
اعتدلت جالسة والرجال تنظر لأنس "الريس لن يقبل بذلك"
اعتدلت واستعادت نفسها، الحبوب زال أثرها وستبدأ حربها ولكن الحقد يعمي النفوس، يهزم العقول 
"هذا بيتي وتلك أمي ومن حقي أن أعود هنا"
 تبادل الرجال النظرات، حرب المعصية والطاعة تكاد تبدأ.. واقفة بين الجميع تبدي قوة زائفة وراء امرأة ترتدي ثوب ثمنه شرفها.. تدهس تحت أقدامها كل فضيلة تعلمتها من امرأة مسحت الأرض لتنال مليم حلال
الفضائل لا تتجزأ..
"مي توقفي تعرفين أوامر هارون"
التفت لأنس.. لا ترى ما كان يحمله لها من مشاعر قد تعرفها بيوم ما وقد تموت وتدفن بأرض جرداء لا تستحق شاهد على رأسها
"بالطبع لابد أن تبعدني، أنت تخاف عليها"
الغضب يهزم الرجال وأنس لم يتسم بالهدوء كهارون أو صفوان، امرأة تستفز الجميع وهو أولهم، تعصي أوامر الزعيم باسم الغيرة والحب
"أنا أخاف عليك أنت مي، وجودك هنا لن يمر بسلام، لا أحد يعصي أوامر الريس"
صوت الحق عالي لكن أحيانا صوت الغش والخديعة يصل لعنان السماء لكن باللحظة التالية ينهار كانهيار جبل الثلج مدمرا كل شيء راسما مسار الموت بطريقه
"أنا لا أخافه أنس، أنا هنا لأخبرها حقيقتها، الحقيقة التي يعرفها الكل وهو أولهم"
"مي!؟"
صوتها أتى من بين الرعد الصادر من الرذيلة.. والرذيلة لم تأتي لتنحني للفضيلة
"وأخيرا ظهرت الصغيرة المدللة"
تجهم وجه ليال، صوت الرعد وصلها من نافذة الغرفة مما دفعها للخروج ورؤية الدكتورة التي أحبت زوجها..
خطوات قليلة جعلتها تواجها وعيون مي تشع ببريق معروف لمشاعر تسري بدمائها تجاه الفتاة التي سرقت حبيبها، حلمها 
زوجة الزعيم..
"هل تهدئي مي؟ لا يصح هذا أمام الرجال"
الرجال تخفض عيونها بحضرتها.. تستعد لحمايتها من أي خطر ولو بسيط.. زوجة الزعيم
لكن مي مختلفة.. مي تخطو بقدمها تجاه الممنوع بلا إدراك لما هو واقع، ممنوع الاقتراب، خطر مميت، أنثى الذئب
تقدمت بجنون والغضب يعتلي القمة، لا منافس لي داخل تلك المرأة
"أنت سبب كل ذلك، سأقتلك"
أنس بلحظة كان يقف حائلا بينها وبين ليال بل والرجلان تحفزا لإيقافها عن التقدم خطوة تجاها وهي اعتلت قمة الدهشة "أنس أنت تمنعني عنها؟"
كانت الجدية هي كل ما ارتسم على وجهه، هو هنا لحماية زوجة أخيه ولن يخذله أو يخذلها
"أنا أحاول وقفك عن جنونك مي بأقل الخسائر، تلك الرجال وأنا معهم قد نقتلك لو فكرت المساس بها"
الأصفر سكن وجهها وفقد ما لقنه لها صاحب العصا، كان عليها كسب ود الجميع والعودة بينهم لكن الغيرة تهد، تمنع المدد عن المحاصرين كي لا يروا سواها فتقتلهم..
لم تكن تعرف أنه نصب لها الفخ وسقطت به..
كان يدرك أنها لن تستطيع التعايش مع كرهها لفتاة طحنت أحلامها.. سترغب بقتلها فيقتلونها ويتخلص منها بعد أن مل مذاقها الحامض..
"هو أنا من عشت وترعرعت معكم أنس"
هي أنت من أردت قلبها ولكنك أردت قلبه هو.. أنت من سكب الثلج بقلبي تجاهك
"وهي زوجة الريس مي"
الغرام جنون، سحر يسقط على العاشقين يمنحهم كل أمنياتهم لكنه أيضا سحر أسود لمن لم يستجيب
الغرام انقلب على الساحر.. غشى عيونه وأفقده كلمات السحر ففسدت التعويذة وخرجت عن الصواب
"هي لا تصلح لذلك، هي مجرمة، لصة ابنة مجرم أراد قتل الرجل الذي أنقذها وتزوجها ووضعها بمكان لا تستحقه، هي لصة سرقت حبيبي، مجرمة وحقيرة عاملة الفنادق"
وانطلقت الحقيقة الواحدة تلو الأخرى من فمها ملوثة سمعة فتاة شريفة، أطلقتها كرصاصة نافذة أصابت كل الأهداف بطلقة واحدة جعلت وجه ليال يتجهم ويتلون بكل الألوان وارتجاف جسدها يوحي بالألم الذي مر خلاله
هي ابنة المجرم الذي دخل بيت حبيبها راغبا بسرقته وعاركه حتى كاد يقتله وهي شاركت بكل ذلك
هي عاملة الفنادق.. هي الملطخة بعار سيلازمها للأبد
هي كما قالت.. ليست البريئة هنا
هي المجرمة ابنة المجرم..

تعليقات



<>