
رواية عطر الانتقام والحب بقلم سيليا البحيري
رواية عطر الانتقام والحب الفصل الخامس عشر15 والسادس عشر16 بقلم سيليا البحيري
بعد كام أسبوع في جامعة القاهرة – باحة الكلية
الشمس دافية والجامعة مليانة زحمة طلبة وبنات. في الباحة الكبيرة، اتجمّعت شِلّة بنات حوالين عهد وصوفيا اللي دخلوا مع بعض بخطوات واثقة، كل واحدة متألقة بجمالها المختلف؛ عهد برقتها وهدوئها وابتسامتها الخجولة، وصوفيا بمرحها وضحكها العالي اللي ما بيقفش.
زميلة 1 (بحماس):
– يا بنات بصوا! العرسان رجعوا! 😍✨
زميلة 2:
– أوووه عهد! والله شكلك زاد جمال بعد الجواز… بجد القمر ماشي بينا.
عهد (بتبتسم بخجل وهي تلمس شعرها):
– يا بنات كفاية إحراج، يعني أنا هي هي… ما اتغيّرتش.
صوفيا (بتضحك وتلف دراعها حوالين عهد):
– هي هي إيه بس يا حبيبتي! متجوّزة وراجعة من شهر عسل في الفلبين، إيه نفس الشخص دي؟ 😂
زميلة 3 (بتضحك):
– وصوفيا كالعادة… مش ممكن تبطلي دلع وضحك! آدم فعلاً يستاهلك.
صوفيا (بمرح وغمزة):
– طبعًا يستاهلني… هو لقى أحلى مني في لندن ولا في القاهرة؟ 🤭
علا (قاعدة على كرسي لابسة نضارة شمس):
– يا ساتر! هو لقى صداع ماشي على الأرض بس. 😏
صوفيا (تلف وتبص لها وواقف تحط إيدها على وسطها):
– علااا! 😤 أنا لسه راجعة من شهر العسل ومش ناوية أتعصب، بلاش تستفزيني.
عهد (بضحكة صغيرة):
– هو إنتي وعلا مش هتبطلوا خناق حتى في الجامعة؟
علا (بغرور وهي بتعدل شعرها):
– لأ طبعًا… لازم أفكّر صوفيا إن الدنيا مش بتدور حواليها.
صوفيا (ترفع إيدها كأنها بتستسلم):
– ماشي يا مدام عنيدة… بس بلاش تنسي إن في حد برضه بيستفزك أوي 👀.
علا (تتجهم شوية وبعدين تحاول تخفي ارتباكها):
– ما تقصديش سليم طبعًا! 🙄 ده أكبر متغطرس في العالم.
عهد (بتضحك وتغمز لصوفيا):
– متأكدة يا علا؟ عشان عينك لسه فاضحة دلوقتي.
علا (تغير الموضوع بسرعة):
– طيب يا بنات سيبونا من الهري… المهم هتكمّلوا دراستكم إزاي مع مسؤوليات الجواز؟
صوفيا (ترفع حاجبها بتحدي):
– هو الجواز يمنعني أبقى شاطرة؟ بالعكس يا روحي، آدم هيذاكرلي كمان! 😂
عهد (بتضحك):
– وأنا كمان، إياد وعدني يساعدني… بس طبعًا أنا اللي أراجع وراه، أصل عصبي شوية.
زميلة (بفضول):
– طب قولوا لنا… شهر العسل في الفلبين كان عامل إزاي؟
صوفيا (تبدأ بالحماس):
– جنة بجد! 🌴🌊 البحر، الشواطئ، الأكل… بس أهم حاجة إننا كنا سوا، أنا وآدم.
عهد (بتبتسم بحياء):
– وأنا كنت سعيدة جدًا مع إياد… حسّيت إني عايشة في حلم.
علا (بضحكة ساخرة):
– يا سلام! مش ناقص غير تعيشوا لنا دلوقتي وتغنوا.
صوفيا (بتضحك):
– والله ممكن أغنّي… بس إنتي اللي هتكوني الكورَس!
الكل ينفجروا من الضحك، والجو يتملي بهجة وأنوثة وضحك، وابتدت صباحية جامعية جديدة مختلفة، لأن عهد وصوفيا ما بقوش مجرد طالبات… بقوا زوجات سعيدات وحياتهم دخلت مرحلة جديدة
*******************
في قاعة المحاضرات – الجامعة
دخلت عهد وصوفيا وعلا معًا إلى القاعة الواسعة المليئة بالطلاب، الجو مليء بالهمس والضحكات والكتب تُفتح.
صوفيا (تهمس بحماس):
– يلا يا بنات، أول محاضرة بعد رجوعنا، أنا متحمسة جدًا… نفسي أشوف مين المعيد الجديد اللي بيتكلموا عنه.
عهد (تجلس بجانبها وتتنهد):
– أهم حاجة يكون هادي وما يصدّعنا… بجد مش ناقصة كلام فاضي.
علا (ترمي حقيبتها على الطاولة ببرود):
– بالنسبة لي كلهم نفس الشيء… محاضرات، واجبات، والسلام.
وفجأة… فتح باب القاعة ودخل شاب طويل القامة، أنيق جدًا، بشرته سمراء فاتحة وعينيه رماديتين لامعتين، شعره الأسود مسرّح بعناية. ساد الهدوء للحظة، والأنظار كلها اتجهت له.
طالب بصوت منخفض:
– هو ده المعيد الجديد؟ 😳… ده شبه الممثلين!
صوفيا (تغمز لعهد وهي تخفض صوتها):
– يا نهار أبيض! ده وسيم أوي. 😍 بس طبعًا… جمال آدم يفضل نمبر وان.
عهد (تتجهم قليلًا وتهمس):
– مش عارفة ليه… شكله مش مريحني. في حاجة في عينيه… مش طبيعية.
علا (تنظر له ببرود وتعدل جلستها):
– ما يهمنيش… مش أول مرة أشوف حد hadsome. الناس كلها بتعمل ضجة عالفاضي.
يوسف وقف أمام الطلاب بابتسامة هادئة جدًا، لكن عينيه كانتا بارعتين في المسح… كأنه يدرس وجوه الطلاب واحدة واحدة، حتى توقف للحظة عند عهد، ثم عند صوفيا، ونظرة خاطفة لعلا، وكأنه يسجّل شيئًا في عقله.
يوسف (بصوت واثق ولبق):
– صباح الخير يا شباب. 👌
أنا يوسف العريدي، هكون معاكم معيد في مادة "القانون الدولي". أتمنى نكون فريق واحد، مش مجرد معيد وطلاب.
إحدى الطالبات (باندهاش):
– ياااه… صوته كمان خطير. 😍
يوسف (بابتسامة صغيرة):
– قبل ما نبدأ، أحب أعرف أسامي بعضكم… أنتي؟ (يشير لعهد)
عهد (بتردد):
– عهد مراد.
يوسف (ينظر لها بنظرة غامضة للحظة قبل أن يعود لطبيعته):
– عهد… اسم جميل. 👌
صوفيا (تضحك بخفة):
– وأنا صوفيا غرانت.
يوسف (يميل برأسه بخفة):
– اسم أوروبي مميز… يليق بيكِ.
علا (تتكلم ببرود من غير ما تبص له):
– علا الحلواني.
يوسف (يبتسم لكن صوته صار أكثر جديّة):
– ممتاز. شرف لي أكون معاكم.
رجع يكمل كلامه عن المقرر والدروس القادمة، لكن عهد كانت كل دقيقة تتأمله بصمت، قلبها مش مرتاح.
صوفيا كانت تضحك مع البنات وتعلّق على وسامته، لكن بين كل ضحكة والتانية، كانت تهمس:
صوفيا:
– بس مهما كان وسيم، آدم عندي هو الأوسم والأغلى. 💕
وعلا جلست في مكانها، تنظر له بنظرة فارغة، كأنها مش شايفة حد… لكن في أعماقها، شيء ما همس لها إن هذا الرجل مش عادي.
******************
بعد دقائق من بداية شرح يوسف
يوسف واقف بثقة، ماسك القلم ويكتب نقاط أساسية على السبورة. صوته ثابت، فيه هدوء يخلي الطلاب كلهم مركزين. لكن بين كل كلمة والتانية، عيناه تتحرك بذكاء، يراقب ردود الأفعال.
يوسف (بابتسامة):
– خلينا نبدأ بنقطة مهمة… القانون الدولي مش مجرد مادة دراسية، هو انعكاس للواقع… قوة وضعف، عدل وظلم. 👌
طالب:
– حضرتك تقصد إن الدول القوية تفرض إرادتها على الضعيفة؟
يوسف (بنبرة هادئة لكن فيها عمق):
– بالضبط… للأسف دايمًا في ناس بتفتكر نفسها آمنة، وما تعرفش إنها مجرد "هدف" في لعبة أكبر.
الجملة الأخيرة خلّت عهد تنتفض شوية وهي مش عارفة ليه. قلبها حس إن الجملة موجهة لها.
صوفيا (تهمس لعهد):
– إيه ده! المعيد بتاعنا بيطلع فليسوف. 😅 بس برضه شكله مثقف.
عهد (بهمس، وهي عينيها معلقة بيوسف):
– مش عارفة يا صوفيا… كلامه مش عاجبني، فيه غموض.
يوسف كمل شرح، وبعدين وقف أمام طاولة عهد وصوفيا وعلا بالذات.
مال بإيده على الطاولة وهو يقول:
يوسف (ينظر لهم):
– أنتو الثلاثة… عندي إحساس إنكم مميزين.
أحيانًا الطالب مش محتاج يثبت نفسه… كفاية مجرد حضوره يبين إنه مش عادي.
صوفيا (بمرح):
– يا سلام! أول مرة حد يوصفني إني مميزة في الجامعة. 😍
يوسف (بابتسامة صغيرة):
– هتشوفي… الأيام اللي جاية هتأكدلك.
عهد شدّت إيد صوفيا بخفة، كأنها بتحذرها تسكت.
أما علا، فرفعت عينيها أخيرًا وقالت ببرود:
علا:
– أنا بالنسبة لي الجامعة دراسة وبس. مش محتاجة أوصاف من أي حد.
يوسف ضحك ضحكة قصيرة جدًا، ونظر لها نظرة سريعة… فيها إعجاب بس ممزوج بتحدي.
يوسف (بصوت منخفض وهو يبتعد):
– أحيانًا اللي يقول "أنا مش محتاج" بيكون أكتر واحد محتاج… بس مش عايز يعترف.
رجع لمكانه وكمل الدرس كأن ما حصلش شيء.
لكن… الثلاث بنات حسّوا بحاجة غريبة:
عهد: قلبها بيدق بسرعة، مش مرتاحة، حساه خطر صامت.
صوفيا: متسليّة وبتضحك، شايفة إنه مجرد معيد وسيم مش أكتر.
علا: ابتسامتها اختفت، وعينيها ضاقت… كأنها داخليًا حطت خط أحمر: "ما يقربش مني."
*****************
في شركة البدراوي – مكتب إدارة المشاريع
المكان مرتب وفخم، أوراق وملفات منظمة، والموظفين يتحركون بنشاط. ليان قاعدة على مكتبها الخاص، لابسة بدلة رسمية أنيقة بلون بيج فاتح، شعرها منسدل على كتفيها، وعينيها مركزين على شاشة الكمبيوتر.
(وصف داخلي):
منذ رجوعها من فرنسا، ليان قررت تبدأ حياة جديدة. ما تنكرش إنها موجوعة من جوه… لكن قررت إنها تشتغل، تنجح، وتبني لنفسها مكان في الشركة اللي تعب والدها فيها.
ليان (بصوت خافت وهي تكتب في ملف):
– "خطة التسويق للربع الجاي لازم تكون مختلفة… عايزة أثبت إني أقدر أعمل حاجة بنفسي."
تمد يدها وتاخذ رشفة من القهوة، وتبتسم وهي تلاحظ بنفسها إنها أكثر نشاطًا من زمان.
وفجأة… الباب يطرق بخفة، ثم يدخل شاب أنيق، لابس بدلة كحلية، في أواخر العشرينات.
الشاب:
– صباح الخير يا آنسة ليان.
ليان (ترفع عينيها بابتسامة رسمية):
– صباح النور، أستاذ…؟
الشاب (يمد يده):
– كريم صفوت. مدير قسم العلاقات العامة. يمكن شفتي اسمي في الاجتماعات.
ليان (تصافحه بخفة):
– آه، طبعًا. شفتك مرة مع بابا. اتفضل، في حاجة؟
كريم (يجلس أمامها بابتسامة ودودة):
– الحقيقة… جيت أرحب بيكي بشكل شخصي. وجودك معانا إضافة قوية للشركة. من يوم ما رجعتي، في حماس جديد في الأقسام.
ليان (تنظر له بتقدير):
– شكرًا… ده واجبي. الشركة مش مجرد عمل، دي بيتنا.
كريم (بمرح):
– ما شاء الله… واضح إن عندك روح قيادية. على فكرة… قليل لما ألاقي بنت في عمرك عندها الحماس ده. معظم البنات… بتفكر في حاجات تانية.
ليان شدّت ملامحها للحظة، لكن رجعت ردت بهدوء.
ليان:
– يمكن لأنني عشت حاجات… خلتني ما أفكرش زي "معظم البنات".
كريم (يميل للأمام، بابتسامة خفيفة):
– ده يخليني معجب بيكي أكتر.
ليان (تقطب جبينها، وبنبرة واضحة):
– أستاذ كريم… اسمح لي أوضحلك حاجة.
أنا هنا عشان أشتغل… وبس. حياتي الخاصة مش مفتوحة للنقاش ولا للتقرب من أي حد.
كريم (يتفاجأ، يحاول يضحك بخفة):
– لا لا، طبعًا… ما قصدتش أضايقك. أنا بس…
ليان (مقاطعة، تنظر في عينيه بحزم):
– خلينا متفقين: احترام متبادل. شغل وبس.
كريم (يحاول يخفي ارتباكه):
– تمام… مفهوم. أنا آسف لو تجاوزت.
وقف كريم، وحاول يرسم ابتسامة خفيفة وهو يهم بالمغادرة.
ليان (بهدوء لكن بحزم):
– شكرًا لتفهمك.
خرج كريم، والباب أغلق. ليان أغمضت عينيها للحظة، وشدت نفس عميق.
(وصف داخلي):
هي تعرف كويس إنها جذابة، والرجال بينجذبوا لها بسهولة. لكن قلبها… مات مع مجدي. وأقسمت إنها ما تسمحش لأي رجل يدخل حياتها تاني.
ليان مدت يدها للقلم، وابتسمت ابتسامة حزينة وهي تكتب ملاحظة على الورق:
– "ممنوع الحب مرة أخرى."
******************
في قسم الإدارة التنفيذية
القسم واسع، مكاتب زجاجية أنيقة، الموظفين يتحركون بسرعة بين الاجتماعات والملفات.
إياد جالس على مكتبه، لابس قميص أبيض وأكمامه مطوية، ممسك قلم وبينظر للورق… لكن عقله مش هنا. عينيه شاردة تمامًا.
(وصف داخلي):
منذ لحظة دخل عهد حياته كزوجة، مش قادر يخرج صورتها من باله. كل ضحكة منها، كل حركة صغيرة… بقت شاغلة قلبه.
بينما هو غارق في أفكاره… يدخل سليم، يمسك ملف بيده، وعلى وجهه ابتسامة مستفزة.
سليم (يرمي الملف قدام إياد):
– هااا، يا شارد! شكلك نسيت إحنا في شركة مش في فيلم رومانسي.
إياد (يرفع عينيه ببطء، متضايق):
– صباح الخير ليك برضو.
سليم (يجلس عكسه، متكئ باستهزاء):
– صباح الخير يا عاشق. بالله عليك… من ساعة ما اتجوزت عهد وإنت مابتفوقش. كل شوية شارح، سارح، ضاحك لوحدك…
(يتظاهر كأنه يكتب بقلم على ورق)
– "عهد… بحبك… عهد… عيونك…"
إياد (يضرب الطاولة بالقلم بقوة، يتنهد):
– سليم، بطل استفزاز. عندي شغل.
سليم (يضحك بخبث):
– إنت عندك شغل آه… بس في قلبك. يا راجل، دي الجامعة كلها بقت عارفة إنك متعلق بيها بجنون.
إياد (يحاول يكتم ابتسامة):
– وأنا مش شايف عيب. عهد مراتي… وأكيد هفكر فيها.
سليم (يمثل الصدمة):
– ياااااه! إياد اتغير! كنت فاكره جامد ومركز، طلع أحنّ واحد في العيلة.
إياد (ينظر له بنصف ابتسامة):
– وإنت يا سليم… ما حان الوقت تدور على عروسة بدل ما تفضل تعلق على غيرك؟
سليم (يرفع حاجبيه بمكر):
– هو أنا ناقص؟ عندي اختيارات كتير. بس… يمكن… (يبتسم بخبث) يمكن علا تكون هي.
إياد (ينظر له بحدة):
– بلاش تمزح في الموضوع ده. علا مش لعبة.
سليم (يتظاهر بالبراءة):
– مين قال إني بلعب؟ يمكن عاجباني… ويمكن أنا عاجبها.
إياد (يضيق عينيه):
– عاجباك ولا لا، ده موضوع بينكم. بس نصيحة… خلي بالك من لسانك معاها.
سليم (يقف وهو يضحك):
– حاضر يا سي العاشق الغيور. بس ما تقلقش… أنا دايمًا بكسب بالنهاية.
إياد (يتمتم وهو يبتسم رغمًا عنه):
– نشوف يا سليم… نشوف.
*******************
في قاعة الاجتماعات الكبرى
طاولة طويلة أنيقة، شاشات تعرض مخططات مالية، الجو جدي لكنه مشحون بحيوية.
إياد جالس بجوار سليم، يحاول يستعيد تركيزه بعد مشاكسات ابن عمه. يدخل مراد بهيبته المعهودة، أنيق، يحمل ملف تحت ذراعه. الجميع يقف احترامًا له.
مراد (بابتسامة):
– صباح الخير يا شباب. خلونا نبدأ اجتماعنا على خير.
سليم (يمزح وهو يجلس):
– صباح الخير يا عمي. أنا متأكد وجودك هيخلّي الاجتماع رسمي بزيادة.
مراد (يلقي نظرة صارمة ثم يلين):
– يا سليم… الرسمية مش ضد المرح. لكن وقت العمل… لازم يكون عمل.
(يبتسم إياد بخبث، كأنه بيقول "خدها في وشك").
يدخل إيهاب، أكثر هدوءًا، يحمل أوراقًا بيده، وإلى جواره ليان ترتدي بدلة أنيقة بلون بيج، شعرها مربوط للخلف، تحاول تظهر قوية رغم الحزن العميق في عينيها.
إيهاب (يلقي السلام):
– صباح الخير. آسف على التأخير.
مراد (يمد يده لمصافحته):
– ولا يهمك. تفضل يا إيهاب. وجودك أساسي.
سليم (بمرح وهو يهمس لإياد):
– وجوده أساسي… وأنا؟ وجودي ديكور يعني؟
إياد (بصوت منخفض):
– يا ريت تسكت وتسيبنا نركز.
تجلس ليان بجوار والدها، تفتح جهازها المحمول بسرعة، تعطي انطباع الجدية. مراد يلاحظ، فيبتسم برضا.
مراد:
– واضح إنكِ اندمجتِ بسرعة يا ليان.
ليان (بثقة):
– أنا اتعلمت من فرنسا إن المرأة لازم تثبت نفسها، خصوصًا في مجال الأعمال. وأنا هنا مش بس بنت إيهاب، أنا موظفة في الشركة.
إيهاب (بحنان):
– وأنا فخور بيكي يا ليان.
(ليان تبتسم بخجل خفيف، لكنها تنزل عينيها بسرعة).
في اللحظة دي يدخل كريم، شاب في أوائل الثلاثينات، لابس بدلة كحلية أنيقة، يعمل مديرًا في قسم الاستثمار بالشركة. يحمل ملف ضخم.
كريم (بجدية):
– صباح الخير جميعًا. حابب أعرض الخطة الاستثمارية للفترة القادمة.
مراد (يومئ):
– تفضل يا كريم.
(تبدأ العروض على الشاشة: أرقام، مشاريع مقترحة، توسع في مصر وخارجها.)
كريم (يشير للعرض):
– عندنا فرصة قوية لدخول السوق العقاري في العاصمة الإدارية، وفي نفس الوقت مشاريع تكنولوجيا جديدة في أوروبا من خلال شركائنا. محتاجين قرار واضح من الإدارة.
مراد (ينظر لإخوته):
– رأيكم إيه؟
إيهاب (بهدوء):
– الاستثمار في الداخل أولى دلوقتي. لازم نقوي وجودنا في السوق المصري قبل ما نتوسع أكتر بره.
سليم (متحمس):
– لأ، لأ. أوروبا فرصة عظيمة. لو ضيعناها غيرنا هياخدها.
إياد (بتفكير عميق):
– أنا شايف إننا نعمل توازن. نحافظ على خططنا في الداخل ونفتح شراكات محدودة بره. مش لازم نمشي ورا الطموح الكبير مرة واحدة.
مراد (ينظر له بإعجاب):
– كلام موزون. كده الإدارة تبقى ناضجة.
ليان (ترفع يدها بخفة):
– ممكن أضيف حاجة؟
الجميع ينظر إليها، متفاجئ من جرأتها.
ليان (بهدوء، لكن فيها قوة):
– أنا مع إياد. لكن لازم نركز أكتر على إدارة المخاطر. تعلمت من تجربتي إن أي خطوة غير محسوبة بتكلفنا كتير. الشركة دي لازم تبقى ذكية أكتر من منافسيها.
(صمت قصير، ثم يبتسم مراد ويومئ برأسه).
مراد:
– واضح إن عندنا عقل جديد مهم هنا. شكراً يا ليان.
إيهاب (بابتسامة فخر):
– قلتلكم بنتي قوية.
سليم (يضحك بهمس):
– قوية آه… بس برضو عنيدة زي أبوها.
إياد (يلتفت له):
– بلاش تعليق في النص.
مراد (يضرب الطاولة بخفة):
– خلاص. اتفقنا نشتغل على الخطة المشتركة. كريم، حضّر تقارير تفصيلية للتنفيذ. الاجتماع انتهى.
الجميع يبدأ يجمع أوراقه، لكن الجو العام مش رسمي قوي… فيه دفء واضح بين أفراد العائلة.
*******************
فيلا العيلة – جناح ديلان
ديلان قاعدة على كرسي جنب الشباك، لسه صاحية من النوم. لابسة روب حرير غامق، في إيدها سيجارة نصها محروق، وعلى الترابيزة الصغيرة قدامها كباية شاي ساقع. عنيها سرحانة وحاملة وجع سنين طويلة
فجأة… الموبايل على الترابيزة يهز. تبصله ثواني، وبعدين تمد إيدها ببطء وترد.
ديلان (بصوت واطي ومتحفّظ):
– ألو…؟
صوت راجل غامض في التليفون (مبحوح وتقيل):
– آنسة ديلان… عندي خبر لازم تعرفيه.
ديلان (بحذر):
– اتكلم.
الراجل:
– هو… فاق.
(ديلان تتجمّد، إيدها ترجف لحظة قبل ما تطفي السيجارة بعصبية في الطفاية، وتطلع زفير متوتر.)
ديلان (بهمس مرتبك):
– مستحيــل…! كنت متأكدة إنه…
الراجل (مقاطعها):
– بأكدلك. فتح عنيه من ساعات. الدكاترة مش مصدقين. كإنه راجع من الموت.
(عنَي ديلان تتوسع، تقوم بسرعة وتبدأ تمشي بخطوات سريعة في الأوضة.)
ديلان:
– اسمعني كويس… ما تخلهوش يتحرك من مكانه. وما تسمحش لحد يقرب له.
(بتقف فجأة وتخبط على الترابيزة بقوة.)
– أنا جاية حالاً.
الراجل:
– بس… الوضع حساس. لو العيلة عرفت…
ديلان (بحدة وبنبرة آمرة):
– ما يهمنيش! أهم حاجة ما يتكلمش. فاهم؟ ما يتكلّمش!
(صمت لحظة، وبعدين صوته ييجي مستسلم.)
الراجل:
– حاضر… هستناكي.
(تقفل ديلان التليفون بإيد مرتعشة، تسند ضهرها للحائط، وتغمض عنيها ثواني كأنها بتحاول تستجمع نفسها. فجأة تفتح عنيها بحدة، كإن كابوس قديم رجع يطاردها.)
ديلان (بهمس لنفسها):
– بعد كل السنين دي… إزاي ممكن يرجع؟
(تمسك مفاتيح عربيتها بسرعة من على الترابيزة، تلبس معطف غامق، وبصوت بارد تبص لآخر مرة على صورة عائلية على الكومودينو فيها أبوها وأمها "عادل وليلى" ومعاهم إخواتها: مراد، زين، إيهاب، ومريم. ابتسامة خفيفة وباردة تظهر على وشها.)
ديلان (بصوت واطي):
– لو عرفوا… كله هيقع.
تطفي اللمبة وتخرج بسرعة من الأوضة، سايبة وراها ريحة دخان تقيلة وجو خانق من الغموض.
******************
في كافيه راقي في نص القاهرة
شاب وسيم في أول التلاتينات قاعد بهدوء غريب، بيقلّب في فنجان القهوة بملعقة صغيرة، كإن الدنيا بالنسبة له لعبة بيضحك عليها.
قدامه على الترابيزة ملف مفتوح فيه صور: صور لعيلة مراد، صور لعهد وصوفيا، وحتى صورة جديدة لآدم.
(يبتسم ابتسامة ساخرة وهو بيعدي صباعه على صورة منهم)
الشاب (ببرود):
– يوسف… يوسف… على طول فاكر نفسك الفارس المنتقم. وانت مش عارف إنك مجرد حجر صغير في رقعة شطرنج أكبر منك بكتير.
(يطلع موبايله بهدوء، ويبعت رسالة قصيرة لحد ما:)
– "سيبوه يفتكر إنه مسيطر… أنا عايز أشوف هيغلط إزاي."
(يقفل الملف بعناية ويحطه في شنطته الجلد الفاخرة. يقوم، يرمي تمن القهوة على الترابيزة من غير ما يبص وراه، ويمشي بخطوات واثقة ناحية باب الكافيه.)
وقبل ما يخرج، يهمس لنفسه بابتسامة ماكرة:
الشاب (بضحكة قصيرة):
– انتقام؟ مش طريقي… بس ما يمنعش أتفرج على العرض من الصفوف الأولى.
*******************
بعد ما قفل الملف وكان هيقوم يمشي،
دخلت بنت شيك جدًا، شعرها بني طويل، ملامحها هادية بس عينيها كلها ذكاء، لابسة فستان بسيط أنيق. مشيت ناحيته بخطوات واثقة.
رامي (بابتسامة خفيفة وهو بيبص لها):
– اتأخرتي يا نادين.
نادين (وهي قاعدة قدامه وحاطة شنطتها):
– زحمة القاهرة ما بترحمش يا رامي.
(رامي قعد تاني وطلبلها فنجان قهوة.)
رامي (بيهدي وهو بيراقبها):
– إنتي عارفة إني ما بحبش الانتظار.
نادين (بابتسامة فيها سخرية رقيقة):
– وإنت عارف إني ما بحبش تتعامل معايا كإني ملف من ملفاتك السرية.
(رامي ضحك ضحكة واطية، وأشار للنادل.)
رامي (مستند لورا):
– إنتي ما تعرفيش حاجة عن الملفات… بس صدقيني، المشهد الجاي هيبقى ممتع أوي.
نادين (بقلق وهي بتبصله):
– رامي… إنت رجعت تاني للّعِب بتاعك؟ ما قلتلك قبل كده، اللي بتعمله خطر.
(رامي ميّل بجسمه قدامها وخفَض صوته كإنه بيقول سر.)
رامي (بابتسامة باردة):
– أنا ما بلعبش يا نادين. أنا بس بتفرّج… وده فرق كبير.
(نادين حطت إيدها على إيده كأنها بتحاول ترجعه لعالمها الطبيعي.)
نادين (بحنان):
– أنا عايزاك تبقى بخير… مش فارق معايا اللي بيحصل برا. أنا عايزة "إحنا" بس.
(بس هو شال إيده بلطف، وقف فجأة، وبص من شباك الكافيه على الشارع الزحمة، وقال بنبرة هادية فيها سخرية.)
رامي (ببرود):
– الدنيا ما بتقفش يا نادين… وعلى طول في حد فاكر نفسه بطل القصة. سيبيهم يحلموا… أما إحنا؟ إحنا عارفين الحقيقة.
بص لها بابتسامة غامضة، ابتسامة خليتها مش عارفة إذا كان بيطمنها… ولا بيخوّفها أكتر
******************
نادين (بتحط الفنجان على الترابيزة، بصوت قلق):
– رامي… يوسف مصرّ المرادي أوي. كل ما بكلمه بحس الكُره مالي قلبه. أنا خايفة عليه… خايفة يضيع زي…
رامي (مقاطع بابتسامة ساخرة):
– زي مين يا نادين؟ زي تيتة شهيرة؟ ولا زي الخالة ثريا؟ ولا يمكن قاسم؟ (بيهز كتافه باستخفاف) كلهم افتكروا نفسهم أذكى من الكل… وفي الآخر وقعوا واحد ورا التاني.
نادين (بعيون مليانة قلق):
– بس يوسف مش زيهم، ده… مختلف. قلبه طيب، الغضب هو اللي مسيطر عليه دلوقتي.
رامي (مايل بجسمه لقدام وحاطط إيديه على الترابيزة):
– طيب؟ (يضحك ببرود) ما تضحكيش على نفسك يا نادين. الطيب ما بيعيش في لعبتنا دي. يوسف فاكر إنه هينتقم لعيلة اتكسرت قبله، بس قريب هيكتشف إنه نسخة بايخة من اللي فشلوا قبله.
نادين (بهمس مرتبك):
– ما تقولش كده… هو محتاجنا، محتاج حد يقف معاه.
رامي (ساخر):
– يقف معاه يعمل إيه؟ يحيي كوابيس شهيرة العجوز اللي ماتت مقهورة؟ ولا يكمل جنان ثريا اللي ما عرفتش غير الحقد؟ ولا يعيد خطايا قاسم الجبان اللي ما قدرش يبص في عينه قبل ما ينهار؟
نادين (بترتعش من قسوته):
– رامي… (بتحط إيدها على بوقها كأنها بتكتم دموعها) إنت بتتكلم كأن يوسف مش إنسان… كأنه لعبة.
رامي (مايل لورا بابتسامة باردة):
– يمكن… ويمكن أنا الوحيد اللي شايف الحقيقة. يوسف هيحاول… وهيتعثر… وبعدين هيفشل. وعاوزة تعرفي المضحك؟ (بيضحك ضحكة قصيرة) إنه متخيل نفسه مختلف… وهو في الآخر مجرد امتداد لعيلة عمرها ما عرفت غير الفشل والحقد.
نادين (بتهز راسها بعناد ودموعها بتلمع):
– لأ، يوسف هيلاقي طريقه. وأنا هقف معاه للآخر.
رامي (بهدوء ساخر):
– للآخر؟ يبقى جهزي نفسك يا نادين… عشان الآخر هييجي أسرع مما تتخيلي.
يخلص كلامه بابتسامة غامضة، يشرب آخر رشفة من قهوته البايخة، ويسيبها تايهة بين خوفها على يوسف… ورعبها من ثقة رامي المميتة
الفصل السادس عشر16
فيلا قديمة على أطراف القاهرة – نصّ الليل
الهدوء مالي المكان، مفيش صوت غير خرير الميه من نافورة صغيرة برّه، وخطوات بتجري جوّه بسرعة.
باب خشب يتفتح بعنف، وتدخل ديلان، نفسها متلاحق، وشها مليان قلق ولهفة، وشعرها مبلول شوية من عرق الجري.
بتجري على السلالم لفوق، تعدّي الممر الطويل اللي حافظاه كويس.
قدّام باب أوضة كبيرة مليانة أسلاك وأجهزة بتقيس النبض، وقفت لحظة، حطّت إيدها على صدرها تاخد نفسها، وبعدين فتحت الباب بسرعة.
مجدي كان قاعد على السرير، وشه شاحب، ملامحه تعبانة بس صاحي.
عنّيه نص مفتوحة من النور، في أنبوبة مغذّي في دراعه، والمساعد واقف جنبه بيظبط الأجهزة اللي بتساعده يتنفس.
ديلان (بصوت مبحوح، بين الصدمة والدموع):
– مجدي... يا نهار أبيض... مجدي؟! إنت... فوقت؟!
مجدي بيرفع نظره عليها ببطء كأنه سامع صوت من حلم قديم، وبعدين عنيه تتفتح أكتر بدهشة:
– إنتِ... د... ديلان؟
ديلان (بتقرب منه بسرعة وتقعد جنبه):
– أيوه، أنا ديلان! فاكرني؟ كنت باجي أشوفك كل أسبوع، حتى وإنت نايم... كنت مصدّقة إنك هتفوق، وها أنتَ أهو فوقت!
يحاول مجدي يقوم، بس بيحس بدوخة، فـ ديلان تسنده وتمسك إيده بهدوء ودفء:
– متتحركش كتير، جسمك لسه ضعيف. خمس سنين يا مجدي... خمس سنين كاملة وإنت نايم.
مجدي عنيه بتتسع، صوته بيرتعش:
– خمس... سنين؟!
(يحاول يفتكر، وبعدين يهمس بصوت متقطّع)
ليان... فين ليان؟ هي بخير؟ عارفة إني فوقت؟
ديلان تبص لتحت لحظة، وبعدين ترفع نظرها بحنان ممزوج بحذر:
– الكل كان فاكر إنك متّ يا مجدي... محدّش عرف إني أنقذتك. اضطريت أعلن وفاتك... علشان ثريا ما توصلكش.
عند سماع الاسم، وش مجدي يتجمد، يقبض إيده على الملاية بعصبية:
– ثريا... كانت عايزة تقتلني، صح؟
ديلان (بصوت واطي):
– أيوه... كانت هتعملها. بس أنا سبقتها... خدتَك في الليلة دي من المستشفى، وخبّيتك هنا. مكنش عندي حل تاني يا مجدي.
مجدي (بياخد نفسه بصعوبة):
– ليان... كنت وعدتها إني هرجع، وعدتها نكمّل دراستنا، وإنّي هتقدملها بعد التخرج... إزاي... إزاي هقابلها دلوقتي؟ خمس سنين راحت!
ديلان (بتمسك إيده بقوة):
– مجدي، ليان بخير... بس اتعبت كتير بعد غيابك. دخلت مصحة فترة، بس عدّت المرحلة دي. عمرها ما عرفت إنك عايش.
دمعة تنزل من عين مجدي، يحاول يبتسم وسط وجعه:
– نسيتني بقى... (بابتسامة حزينة) يمكن لقت اللي ينسّيها.
ديلان (بحزم):
– لا تقولش كده! الحب الحقيقي ما بيروحش... يمكن وجعها خلاها تدفن إحساسها، بس قلبها عمره ما نسيك.
مجدي (بصوت ضعيف):
– وإنتِ... ليه؟ ليه أنقذتيني؟ إنتِ كنتي بتكرهي المشاكل يا ديلان... ليه خاطرِتِ بكل ده؟
نظرة ديلان تتجمد لحظة، وبعدين تبتسم ابتسامة فيها دفء ووجع:
– علشان إنتَ... كنت تستحق تعيش. ولأنك شبه حد كنت خايفة أخسره كمان...
مجدي يبصّ لها بنظرة حيرة، بس التعب يغلبه، يقفل عنيه ويميل راسه ورا.
ديلان تحط إيدها على جبينه وتهمس:
– ارتاح دلوقتي يا ابني... إنت رجعت للحياة، ومش هاسمح لحد يؤذيك تاني.
ترجع خطوة لورا، تبصّ له بنظرة أم ما جابتش، وبعدين تبصّ للمساعد وتقول بصوت هادي بس حازم:
– محدّش يعرف إنه فاق، مفهوم؟ حتى أنا مش هقولهم دلوقتي... الدنيا لسه مش جاهزة لرجوع مجدي.
المساعد يومي برأسه، وديلان تبصّ له نظرة أخيرة قبل ما تمشي بخطوات بطيئة، شايلة جواها مزيج من الفرح... والسرّ
******************
فيلا عيلة البدراوي – بالليل
الأوضة مليانة نور خفيف دافي، ستاير الشيفون البيضا بتتهزّ بهدوء مع نسمة الليل، وصوت بيانو ناعم مالي الجو.
عهد قاعدة على كنبة صغيرة جنب الشباك، لابسة بيچامة قطن لونها بينك، شعرها سايب على كتفها.
إياد بيخلع الكرافتة وبيقعد قدّامها على الكرسي، بيفك أول زرارين في القميص براحة بعد يوم طويل.
إياد (بابتسامة متعبة):
– أخيرًا... اليوم المجنون ده خلص.
(بيبصلها بحنية)
وإنتِ؟ يومك في الكلية كان عامل إزاي يا دكتورة عهد؟
عهد (وهي بتبصّ لفنجان القهوة):
– عادي في الأول... محاضرات وزحمة ووشوش تعبانة... بس...
إياد (بيميل لقدّام باهتمام):
– بس إيه؟
عهد (بتتنهد):
– جه معيد جديد النهارده... شاب كده اسمه يوسف. مش عارفة ليه... كان غريب.
(بتتردد شوية وبعدين تكمل بصوت واطي)
كان بيبصّلي بطريقة مش مريحة... كأنه يعرفني، أو كأنه شايل مني.
إياد يرفع حاجبه، ملامحه تتبدل شوية، كأنه الاسم لمسه في حتة جواه.
إياد (بهدوء يخبي توتر):
– يوسف؟ بس كده؟ يوسف إيه؟
عهد:
– آه، يوسف العريدي... أظن هو ده اسمه. بس نظراته كانت غريبة... فيها برود وحقد كده. وسأل عن عيلة البدراوي بطريقة مش طبيعية كده وهو بيشرح.
إياد يسكت لحظة، عينه تبصّ في الأرض، بيلعب بخاتم الجواز بإبهامه.
عهد تلاحظ شروده، فتقرب وتحط إيدها على إيده.
عهد:
– مالك؟ تعرفه؟
إياد (يحاول يبتسم):
– لأ، لأ... مش عارفه. بس الاسم... غريب شوية.
(بصوت واطي متردد)
يوسف... العريدي...
عهد (بقلق):
– إياد، مالك؟ وشّك اتغير فجأة.
إياد (يمسح على إيدها بابتسامة تعبانة):
– متقلقيش يا حبيبتي، يمكن بس مرهق شوية من الشغل.
عهد تتنهّد وتحط راسها على كتفه:
– احكيلي عن يومك بقى... شكله كان متعب كالعادة.
إياد (بيطوّقها بإيده):
– سليم كالعادة مالي المكتب هزار وضحك، ومراد — والدك العزيز — واقف صخرة، قراراته كلها جد، مبتسمش غير لما إنتِ تدخلي المكتب.
عهد (بتضحك بخفة):
– أصله مبيقدرش يقاوم بنته الوحيدة، طبيعي يعني.
إياد (يبتسم ويقرب منها):
– وأنا كمان مش بقدر أقومك...
(يهمس عند ودنها)
كل مرة بشوفك، بحس إني بشوفك لأول مرة.
عهد (تغمض عينيها وتبتسم):
– عندك طريقة غريبة تخلي اليوم العادي شكله أجمل.
يسكتوا لحظة، والمزيكا تملأ الصمت بينهم.
إياد ياخد إيدها ويقبّلها برقة:
إياد:
– عارفة؟
في حاجات كتير نفسي أقولها لك، بس بخاف... بخاف الحقيقة توجعك.
عهد (تفتح عينيها بدهشة):
– حقيقة إيه؟
إياد (يحاول يتهرّب بابتسامة خفيفة):
– أقصد حاجات تخص الشغل بس... ضغوط، متشغليش بالك.
عهد تحط راسها على صدره، وصوت دقّات قلبه يخليها تهدى:
– عارف يا إياد؟ وأنا بكلمك، بنسى كل حاجة... حتى نظرات المعيد الغريب دي، مبقتش تهمني دلوقتي.
إياد (يمسح على شعرها):
– متخليش حاجة تشغلك، ماحدش هيقدر يقرب منك طول ما أنا موجود... وعد من إياد البدراوي.
عهد (بابتسامة مطمئنة):
– عارفة... دايمًا جمبي.
يتبادلوا نظرات طويلة فيها حب... وفيها حاجة غامضة، زي القدر اللي مستنيهم ورا الباب.
إياد يهمس بصوت بالكاد مسموع، وهو بيحضنها أكتر:
– يوسف... العريدي...
(يتنفس بعمق)
هو... ممكن يكون هو؟
بس عهد كانت خلاص غفت على صدره، وساب هو السؤال يفضل معلّق بين الظلال...
**********************
فيلا آدم وصوفيا – بالليل
البيت هادي، مافيش صوت غير شوية عصافير متأخرة في الجنينة ورا، وضوء خفيف طالع من الأباجورات بينعكس ع الحيطان.
صوفيا قاعدة على الكنبة مبسوطة، حاطة رجل على رجل، ماسكة كباية شوكولاتة سخنة،
بينما آدم خارج من مكتبه، لابس شيك كعادته، خالع الجاكيت والكرافتة، شكله تعبان بس وسامته لسه واضحة.
آدم (وهو بيتنهد وبيخلع ساعته):
– يوم طويل يا صوفي... الاجتماعات كانت كأنها ماراثون.
(بيبصلها بابتسامة خفيفة)
بس أول ما بشوفك... التعب كله بيروح.
صوفيا (بتضحك بخفة):
– أووه، يعني أنا العلاج السحري بتاعك النهارده يا سيادة المدير؟
آدم (بيقعد جنبها وبيقرب منها):
– لأ، إنتِ مش بس علاجي... إنتِ السبب اللي بيخليني أكمّل كل ده.
صوفيا (بخجل لطيف):
– كلامك ده خطر ع القلب يا آدم.
(تحط إيدها ع صدرها بتمثيل)
هاغمى عليا من كتر الغزل!
آدم (يضحك):
– ولا يهمك، أنا هنا دايمًا أنقذك زي العادة.
هي تضحك كمان، وبعدين تفتكر حاجة فجأة بحماس:
صوفيا:
– آه فاكرة! نسيت أقولك، النهارده جه معيد جديد عندنا في الجامعة!
آدم (يرفع حاجبه):
– معيد جديد؟ هو ده اللي مخليكي مبسوطة كده؟
صوفيا (تهز راسها بسرعة):
– أيوه طبعًا! عشان... كان وسيم جدًا! البنات كلها تقريبًا نسيت المحاضرة من كتر ما كانوا بيبصّوله.
وشّ آدم يتجمد لحظتين، وبعدين يقطّب حواجبه:
آدم (ببطء):
– وسيم جدًا...؟
صوفيا (تضحك وتمسك كتفه):
– يا نهار أبيض! بلاش غيرة من أولها! والله العظيم كنت بوصف الموقف مش الراجل.
آدم (يبصلها بنظرة جانبية):
– لا لا، متقلقيش... أنا مش بغير. بس بحاول أفهم إزاي واحدة متجوّزة راجل زيي ممكن تشوف حد تاني "وسيم جدًا"!
صوفيا (تضحك وتحط إيدها على بقه):
– آدم! كفاية تمثيل غيرة بقى!
آدم (يشيل إيدها بهدوء وصوته يبقى واطي):
– أنا مبمثّلش يا صوفيا... الغيرة عندي حقيقية جدًا.
(يقرب منها لحد ما أنفاسه تلمس خدها)
وإنتِ السبب الوحيد فيها.
هي تسكت لحظة، عينيها تلمع بخجل وابتسامة صغيرة على شفايفها.
صوفيا (بمرح):
– خلاص خلاص يا جوزي الغيور، متقلقش... ما بصّتش عليه أصلًا، كنت مركّزة في المحاضرة.
آدم (بابتسامة جانبية):
– تمام... عشان ما اضطرّش أقدم في جامعتك وأقعد أراقبك هناك.
صوفيا (تضحك):
– يا سلام! المدير الكبير وسط الطالبات! دي تبقى فضيحة الموسم والله!
يضحكوا هما الاتنين، وبعد الضحك يسود صمت دافي بينهم.
صوفيا تميل عليه وتحط راسها على كتفه،
وهو بيفتح كتابها اللي كانت بتذاكر منه.
آدم (بيقلب الصفحات):
– كنتِ بتذاكري إيه قبل ما أجي أضيعلك تركيزك؟
صوفيا (تبتسم):
– عن الإدراك البصري... ironic جدًا بعد كلامنا عن "وسامة المعيد"!
آدم (يضحك بخفة):
– حلو جدًا... الإدراك البصري بيعتمد على العين، وأنا متأكد إن عينيكي ما بتشوفش الجمال غير فيا أنا بس.
صوفيا (بدهشة مرحة):
– مغرور ورومانسي في نفس الوقت!
آدم (يقرّب منها بنبرة دافية):
– مغرور... بس عشانك إنتِ.
صوفيا (بخجل):
– عارف يا آدم؟
بحب اللحظات الصغيرة دي بينا. لا فيها بهرجة ولا تمثيل... بس حقيقية وبتشبهنا.
آدم (يبصلها بحب صافي):
– وأنا بحبها أكتر منكِ.
(يبوسها على جبينها بهدوء)
عشان بتفكرني إنك الست الوحيدة اللي محتاجها في حياتي.
هي تبتسم وتغمض عينيها، والنسمة تداعب شعرها اللي وقع على كتفه.
آدم (بهمس وهو يرجّع الكتاب لحضنها):
– نكمل المذاكرة بقى قبل ما الطالبة المجتهدة تتحول لزوجة مدلّعة خالص.
صوفيا (تضحك وهي تفتح الكتاب):
– خلاص يا سيدي، فات الأوان... أنا مدلّلتك رسمي.
يبتسموا هما الاتنين، وضحكتهم تملأ المكان، والقمر من بعيد بيشهد على حبّهم اللي بيكبر بهدوء.
********************
في سجن مشدّد الحراسة – مساء بارد
السماء لونها رمادي كأنها زعلانة من الدنيا، والمطر بينزل خفيف على الأسوار العالية.
جوه، الممر طويل وريحتُه رطوبة وحديد.
نادين ماشية بخطوات متوترة، لابسة بالطو رمادي، وضامّة شنطتها على صدرها، عينيها باينة فيها قلق الدنيا.
أول ما توصل أوضة الزيارة، الحارس يفتح الباب المعدني بصوت يدوّخ، وتدخل.
قاسم قاعد على الكرسي ورا الإزاز السميك، دقنه مش حالقة، وشه شاحب بس عينيه فيها نفس النظرة المتكبرة اللي عمرها ما راحت منه.
عينيه فيها لمعة غريبة… خليط بين الجنون والدهاء.
نادين تقعد قدّامه بهدوء، تبصّله كأنها مش مصدّقة إن الراجل اللي كان بيحميها وهي صغيرة، بقى النهارده سجين خطر.
نادين (بصوت بيرتعش):
– يا عمي قاسم… بقالك تلات شهور هنا. ليه مش بتحاول تبدأ من جديد؟
قاسم (يضحك بسخرية تقيلة، ويميل لقدّام):
– "أبدأ من جديد؟"
(يضحك بخفوت)
نادين، في ناس اتخلقت عشان تبدأ، وناس اتخلقت عشان تكمّل اللي غيرها بدأه.
وأنا... ما اتخلقتش عشان أستسلم.
نادين (بحزن):
– بس إنت خسرت كل حاجة! شغلك، حريتك، عيلتك... كل حاجة بسبب كرهك للبدراوي!
(تحط إيدها على الإزاز)
مراد ما دمّركش يا عمي… إنت اللي دمّرت نفسك.
قاسم (صوته واطي بس عينيه مولعة بالشر):
– ما تتكلميش عنهم كأنهم ملايكة يا نادين.
الناس اللي إنتي شايفاهم "عيلة محترمة" دول، خربوا حياة أبويا، ودمّروا خالتك شهيرة، وسلبوا ثريا كل اللي كانت بتملكه.
(ينحني أكتر وهو يهمس كأنه بيقول سرّ خطير)
فاكرة إنّي هسيبهم يعيشوا بسلام بعد ده كله؟
نادين (بأسى):
– الكره ده بقاله سنين يا عمي… مش كفاية؟
(صوتها بيتهز وهي بتكتم دموعها)
بُص لنفسك… السجن، الجدران دي، دي نهاية الانتقام اللي أنت اخترته.
قاسم (يبتسم ابتسامة فيها وجع وغرور):
– لأ… دي مش نهايتي. دي فترة انتظار بس.
(يضرب على الترابيزة بخفة)
الانتقام ما بيموتش يا نادين، هو بس بينام شوية... لحد ما ييجي وقته.
نادين (عيونها بتدمع):
– لسه بتتكلم بنفس الطريقة… بنفس الجنون اللي ضيّع حياتك.
(بصوت مكسور)
كنت بالنسبالي أكتر من عمّي… كنت أماني بعد أبويا، ودلوقتي... أنا مش شايفاك.
يسكت قاسم شوية، وبعدين يرفع نظره ليها، بنظرة غريبة فيها حنية ممزوجة بالظلمة.
قاسم (بهدوء):
– إنتي شبهه...
نادين (بدهشة):
– شبه مين؟
قاسم (يهمس):
– أبوكِ...
(يبتسم بحزن)
نفس البراءة اللي خلّته ضحية لعيلة البدراوي.
(صوته يتحول لحدة)
بس متخافيش، مش هسيبهم يعملوا فيكي زيه... مش وأنا عايش.
نادين (تتراجع بخوف وقلق):
– تقصد إيه بكده؟
قاسم (يبصلها بنظرة غامضة):
– بس بلّغي صديقنا العزيز "يوسف"… إن الوقت قرّب.
أنا خلّصت دوري، والباقي عليه.
نادين تفتح عينيها بدهشة، مش فاهمة كل حاجة، بس حاسة إن ورا كلامه مصيبة جاية.
نادين (بحزن وخوف):
– يا عمي، بلاش تورّط يوسف… ده مختلف، مش زيكم.
(تمسح دموعها بعنف)
كفاية اللي حصل! أنا عايزة أنسى الماضي السواد ده.
قاسم (ببرود وابتسامة خفيفة):
– الماضي ما بيتنساش يا نادين، هو عايش جوانا... في دمنا، وفي أسامينا.
(يبتسم بسخرية قاتمة)
تعرفي؟ عهد البدراوي شبه أبوها مراد قوي...
يمكن جه الوقت أكتب نهايتها بإيدي.
نادين (تقوم بغضب):
– كفاية! ما تجيبش سيرتها حتى!
إنت خربت حياتك، ما تخربش حياة حد تاني!
قاسم (يبتسم ابتسامة شريرة هادية):
– الحياة يا صغيرتي بتتخرب عشان تتبني من الأول.
(يميل برأسه بخفة)
يلا امشي دلوقتي... ما بحبش حد يعرف إنك لسه بتيجي تزوريني.
نادين (بصوت مكسور):
– أنا ما بجيش عشان أشاركك كرهك… بجي عشانك إنت، عشانك كـعمي.
(تبصله نظرة أخيرة والدموع في عينيها)
وخايفة أفقدك خالص.
تدور وتمشي، وهو عينيه لسه متتبعاها بابتسامة غامضة.
أول ما الحارس يقفل الباب، قاسم يتمتم بصوت خافت كأنه بيكلم شبح:
قاسم (بهمس شيطاني):
– يوسف... الكُرة دلوقتي في ملعبك يا ابن ثريا.
ورّيهم إن الدم... ما بيتمسحش بالنسيان.
******************
شقة يوسف – نص الليل
المطر بيرعد برع، والرعد بيضرب الزجاج، والرياح بتهب لحد ما الستائر البيضا بتتهز. الدنيا فوضى جوه الشقة؛ ورق مبعثر، قزاز خمور فاضيين على الترابيزة، وريحة سجاير ماليّة الجو.
يوسف قاعد على الأرض جنب الشباك، شعره متلوّف، عنيه حمرا، ماسك كباية نصّها مليان وبيهزوها كأنه بيتحاور مع نفسه.
يوسف (بصوت مبحوح ومكسور، ويضحك بسخرية):
– آها... عيلة البدراوي...
الاسم اللي الناس بتناديه بإحترام وكأنه آلهة...
(يضحك بمرارة ويضرب الكباية في الحيطة)
كلهم وشهم وسخ، قتلة... سرقوا أمي... ماتت أمي...
بيقوم وهو وراُه رجع، بيتقدّم ناحية المرايا اللي على الحيطة، يبص في وشه كأنه شايفه لأول مرة.
يوسف (بصوت متهدج):
– شايفين الوش ده؟ الوش ده فيه دمها... دم ثريا...
(يضرب صدره بيده)
أنا ابنها... ابنها اللي رموه للعالم لوحده... ابنها اللي هيلغّي كل واحد ضحك عليها، كل واحد دوس عليها...
يصرخ ويرمي قزازة الخمر على الأرض تتكسر شِشار، الدم ينزف من إيده من شِظايا الزجاج. يقعد تاني على الأرض ويضحك ضحك مجنون.
يوسف (بضحكة هستيرية):
– دماء البدراوي... هغرّقهم فيها واحد واحد...
الباب يتفتح بعنف، رامي بيدخل، لبسه لابس، معطفه مبلول من المطر، وشه مشدود من الغضب والقلق. بيبص للمشهد وواخد صدمة — صاحبه وابن عمه غارق في الخراب والجنون.
رامي (بحدة):
– يوسف!!!
(بيقرب منه بخطوات سريعة)
بتعمل إيه بصراحة؟!
يوسف (يرفع راسه ببطء، عنيه نص مغمضين وبابتسامة ساخرة):
– آه، جه ابن العم المثالي... البارد... الراجل العاقل اللي مبيحسش بحاجة!
تعال يا رامي، اشرب معايا نخب الدمار الجاي...
رامي يمسك القزازة من إيده بعنف ويرميها بعيد.
رامي:
– كفاية!!!
(بيصفعه صفعة قوية)
افيق يا يوسف!
يوسف يبص له مندهش دقيقة، وبعدين يضحك تاني:
– صفعتني؟ ماشي... صفعتني زي ما الحياة صفعتهُم كلهم... بس أنا مش هبقى زيهم. مش هاموت قبل ما اشوفهم يتعذبوا زي ما أمي اتعذبت...
رامي يمسكه من دراعه بعنف ويسحبه ناحية الحمام، يفتح الحنفية ويسكب مية على راسه بعنف.
رامي (بعصبية):
– افوق يا غبي!
(بيشد من ياقة قميصه المبلول)
افوق قبل ما تغرق نفسك في الوحل اللي غرق فيه الكل!
يوسف بيصرخ ويحاول يدفعه، المية بتنشر في كل حتة، ينفخ نفسه بصعوبة ورامي مصرّ على سكب المية.
رامي (بيصرخ):
– افوق قبل ما تمشي في السكة دي! انت لو كمّلت، هتبقى زيهم بالضبط!
يوسف بيتنفس بسرعة وبيهدر بصوت واطي:
– مش... مش هبقى زيهم... أنا مختلف...
رامي (بغضب):
– مختلف؟!
(بيرميه على الأرض وبيضرب ايده في وشه)
كل واحد قال نفس الكلام ده! شهيرة قالتها قبل ما تتجنن، ثريا قالتها قبل ما تموت، وقاسم قالها قبل ما يترمى في السجن!
يوسف يتجمد، نظراته بتشتّت وأنفاسه بتسرع. صوت رامي بيقِل لكن كلامه مرّ:
رامي (بصوت أخف لكنه موجع):
– عارف الفرق بينك وبينهم؟
إنت لسه لسه عندك فرصة تطلع من الطريق الوحش ده...
(ينحني عليه شويه)
لو كملت، هتجرّ وراهم واحد واحد.
السكون يعم شوية، ما فيش إلا صوت المطر وبرش الماء اللي بيسقط من شعر يوسف. يوسف يبص للأرض وبهمس:
يوسف (بصوت واطي):
– هي... كانت بتعيط... آخر مرة شفتها... قالتلي "اهرب يا يوسف... ما تشبهنيش"...
بس إزاي أهرب من دمي؟
رامي يقرب ويحط إيده على كتفه بحنية ونبرة صادقة:
– اهرب بعقلك... قبل الكره يلتهمك.
(يبصله بعينين صادقتين)
مش هتعيدها، يوسف... لا ثريا ولا شهيرة ولا أي حاجة من الماضي... بس تقدر تنقذ نفسك من تبقى ظلّهم.
يوسف بيرفع راسه وعيونه فيها دموع:
– إنت مش فاهم، رامي... الانتقام مش خيار... ده ميراث... وأنا وريثه الأخير.
رامي يتراجع خطوة، بياخد نفس عميق، وببرود قاسي يقول:
– يبقى استمتع بلعنتك... بس ما تستنّيش إني أنقذك تاني.
يبص له بنظرة طويلة وبعدين يمشي براحة، يقفل الباب وراه بقوة. يوسف بيبقى قاعد على الأرض، المية بتنقط منه ووشه نصه في الضلمة ونصه في النور. عنيه لامعة خليط دموع وجنون.
يوسف (بهمس ضعيف لكنه مليان كراهية):
– ميراث... البدراويين هيفهموا يعني إيه حد يخطف روح حد.
********************
فيلا عيلة البدراوي – قاعة الاجتماعات – بالليل
ضوء المدفأة بيرقص على الحيطان، والجو تقيل كأن فيه حاجة هتنفجر.
الإخوات التلاتة — مراد، زين، وإيهاب — قاعدين حوالين ترابيزة خشب كبيرة، قدّامهم ملفات وصور قديمة مرمية كده من غير ترتيب.
السكوت خانق، والأنفاس محسوبة.
مراد (بصوت واطي ومتعَب):
أنا متأكد يا إيهاب… الورق اللي وصلني من الدكتور اللي كان بيعالج ثريا قبل جوازكم… كله بيقول إن كان عندها ابن قبل ما تدخل بيتنا.
إيهاب (ينتفض بغضب ويخبط على الترابيزة):
ابن؟!
(يبص لمراد بعينين حمرا من الغيظ)
ابن يعني؟!
إنت بتقولي إن الست دي كانت بتضحك عليا السنين دي كلها؟!
زين (يحاول يهديه):
إيهاب، اهدا شوية… يمكن في حاجة غلط، أو…
إيهاب (مقاطع وهو بيزعق):
غلط؟! إنت بتقول غلط؟
(يقوم واقف بعصبية)
الست دي كانت لعنة نزلت على بيتنا!
من أول ما دخلت وكل حاجة قلبت — أمي، عهد، حتى إياد! كلنا اتأذينا بسببها!
مراد (يحاول يمسك زمام الأمور بصوت حازم):
أنا ما جبتش الكلام ده عشان نفتّح الجروح القديمة، أنا جايبه عشان الحقيقة لازم تتقال.
(يبص بينهم بجديّة)
لو فعلاً كان عندها ابن… لازم نعرف هو فين.
إيهاب (بضحكة مُرة):
ليه؟ علشان نعمله حفيد رسمي للعيلة؟
(يضحك بسخرية)
ولا علشان ندي له مكتب في الشركة كمان؟
زين (بهدوء):
إيهاب، إحنا مش بنفكر كده… بس الولد ده — أياً كان — ليه حق يعرف الحقيقة.
إيهاب (بغضب مكتوم):
حق؟
(يبص لمراد بحدة)
هي كان ليها حق لما خبّت علينا إنها كانت حامل؟ لما لبست وشّ البريئة؟ لما ربت إياد وهي عايشة كذبة؟!
مراد (بنبرة هادية بس حازمة):
كفاية يا إيهاب… ثريا دفعت تمن كل اللي عملته، وخلاص الموضوع انتهى.
إيهاب (ينفجر):
انتهى؟
(يشاور على مراد)
انتهى بالنسبالك، بس مش بالنسبالي!
أنا كنت جوزها، أنا اللي عشت الخداع ده كل يوم!
كنت نايم في بيت واحد مع كدب!
زين ساكت، بيبص بينهم بحزن، ومراد بياخد نفس طويل يحاول يهدى نفسه.
يقوم يتمشى ناحية الشباك، يبص على الجنينة اللي برّه، مطفية ومليانة ضلمة.
مراد (بصوت خافت):
أنا ما بدافعش عنها… بس في ورق، في شهود، في شهادة ميلاد قديمة… كل ده بيقول إنها ولدت طفل قبل ما تتجوزك.
(يبص لهم تاني ببطء)
بس مفيش أي أثر ليه… لا اسم، لا عنوان، ولا حتى ورقة تانية.
زين (بصوت مفكّر):
يعني ممكن يكون عايش… ومحدش يعرف عنه حاجة؟
مراد:
بالظبط.
إيهاب (بضحكة سودا):
وإنت متوقع مني أعمل إيه بقى؟ أدور عليه؟ أقول له “أهلاً وسهلاً يا ابن الست اللي خربت حياتي”؟
مراد (بهدوء صارم):
أنا متوقع منك تكون راجل وتواجه الحقيقة، مش تسيب الغضب يبلعك.
نظرات إيهاب بتتصلّب عليه، وشه كله غيظ ووجع.
يقرب خطوة منه، وصوته بيتهز:
إيهاب:
أنا واجهت الحقيقة يوم شفت بنفسي كدبها…
واجهتها لما ماتت ولسه الكره جوايا بيتنفس…
بس اللي إنت بتقوله دلوقتي…
(يضحك ضحكة مرة)
يعني دمها لسه بيجري في بيتنا.
زين (يحاول يهدّي):
بلاش نحكم بسرعة يا جماعة… يمكن الولد ده مالوش ذنب، يمكن حتى مش عارف إن ثريا كانت أمه.
إيهاب (ينفجر تاني):
ذنبها ما بيتغسلش بسهولة يا زين!
(يخبط على الترابيزة)
لو الولد ده لسه عايش… لازم يبعد عن عيلة البدراوي للأبد، فاهم؟!
مراد (يبص له ببرود):
مش إنت اللي هتقرر ده.
يسود صمت خانق، العيون كلها متشابكة في تحدّي.
مراد ياخد الملف، يقف، يقفله بهدوء، وصوته يبقى واطي بس حاد:
مراد:
اللي لازم يتعمل… هيتعمل.
سواء إنت وافقت… أو لأ.
(يتجه ناحية الباب)
أنا هعرف مين الولد ده… ولو لسه عايش…
هجيبه.
يخرج مراد بخطوات ثابتة، الباب يتقفل وراه بصوت تقيل.
إيهاب واقف مكانه، ووشه بيغلي.
زين باصص له في حيرة.
إيهاب يتكئ على الترابيزة، يهمس بصوت واطي مليان مرارة:
إيهاب:
ابن ثريا…
(يضحك ضحكة خفيفة سودا)
يبقى اللعنة لسه ما خلصتش…