رواية ندبة روح الفصل الثالث 3 بقلم نانسي عاشور

          

رواية ندبة روح 

الفصل الثالث 3 

بقلم نانسي عاشور 

"بعض الظلال لا تأتي من غياب الضوء… بل من حضوره الزائد."

كانت القاهرة القديمة تستيقظ ببطء، تشرب أول أنفاس الشمس بين الشقوق، وتُخرج رائحتها الأزلية من بين جدران الحارات: مزيج القهوة، والتراب، والبخور، وحكايات لم تُروَ بعد.


في هذا الصباح، لم يكن آدم مثل أيّ صباح.


نهض مبكرًا دون منبّه. قلبه يرتجف.

النقش على عنقه بات واضحًا أكثر، كأنه اشتد عمقًا، وبدأ يُشع نورًا خافتًا في الظلام.

وقف أمام المرآة، لم يكن ينظر إلى نفسه، بل إلى شيء ما خلف انعكاسه.

كان هناك ظل.

ليس ظلّه.

بل ظلٌّ يمشي، يلتف حوله، ثم يعود ليتكوّن فوق سطح المرآة.

"أنا أُراقبك."

همس الصوت داخله، لا من خارجه.

ارتجف آدم، وتراجع. لكنه فجأة سمع اسمها.

"روح…"

كأن أحدًا نفخ الاسم في أذنه، لا بل في روحه.

في شقتها البعيدة، كانت روح تقف وسط الحجرة، يدها على قلبها، تشعر بحرارة غريبة تتسلّل من يدها اليمنى حتى شرايينها.

شيء ما تغير.

نظرت إلى كفّها، ورأت الرمز — نفس الرمز — يتوهّج كأنه وُشِم بنار، لا حبر.

وفجأة، بدأ الهواء حولها يُصفّر.

الجدران اختفت.

الأرض تلاشت.

وبدلاً منها، وجدت نفسها في مكانٍ آخر.

معبد.

قديم، عظيم، هائل.

أعمدته تحكي التاريخ، وسقفه يختفي في ضوء ذهبي غير مادي.

كانت وحدها… أو هكذا ظنّت.

سمعت صوت خُطى.

ثم ظهر ظل.

رجل يرتدي عباءة فرعونية، ووجهه مغطى بقناع ذهبي، لا ملامح له، لكن حضوره يملأ المكان.

"أنتِ التي استُدعيت من العهد القديم."

قالها بصوت متعدد النبرات، كأنّ ألف روح تتحدث من خلاله.

"من أنت؟!"

سألت، وقلبها يخفق.

"أنا ظل الفرعون. الحارس الساقط للعهد. والمراقب الصامت للبوابة… التي على وشك أن تُفتح."

تقدّم منها، لم يلمسها، لكنه مرّر يده فوق جبهتها، فإذا بها ترى رؤى لا تنتمي لهذا الزمان:

كانت هي واقفة أمام تمثال أوزير، ترفع يديها للصلاة، لكن جنودًا من نارٍ يحاصرون المعبد.

تهمس لها الملكة نفرتارا: "لا تسمحي للنار أن تُطفئ النور فيكِ."

ثم ترى سبعة ملوك جن… كل واحدٍ منهم يطمع فيها، لا لذاتها، بل لأنها بوابة.

"لماذا أنا؟!"

صرخت روح، وصوتها ارتدّ كأصداءٍ بين العصور.

"لأنكِ الوحيدة التي لم تنكسر تحت الندبة… بل نهضت بها.

وأنتِ… التي أحبّك من لا يسجد."

في اللحظة ذاتها، كان يعقوب واقفًا عند شرفة قصره المصنوع من العظام والذهب المحروق، ينظر إلى السماء المقلوبة التي تُغطي مملكته.

في عينيه اشتعال، وفي صدره عاصفة.

"هي الآن تعرف."

همس، كأنّ الهمس يُحرق لسانه.

دخل عليه خادمه، فهم، وانحنى:

"مولاي… الظلال تتحرك. الفرعون أرسل نداءه.

وقد… رأت المعبد."

تحوّل جسد يعقوب فجأة إلى لهبٍ أسود، اقترب من خادمه، وهمس:

"لقد بدأت الحرب.

لن أسمح لهم بأن يأخذوها… ولا حتى بالنظر إليها."

"لكن يا مولاي… ألم يكن الأفضل أن تُبعدها؟ أن تتركها تعيش إنسية كما كانت؟"

ضحك يعقوب ضحكة مرّة، كأنها تنهيدةٌ من جحيم:

"أن أتركها؟

وهل يُترك الهواء؟ هل يُترك القلب؟

أنا لا أريدها كجارية، ولا كخلاص…

أريدها كنار.

في شقته، كان آدم يحدّق في كتابٍ قديم وجده بالصدفة في مكتبة يوسف:

برديّة ممزّقة، تحوي ترجمة مشفّرة عن أسطورة غير مكتملة.

الأسطورة تتحدث عن:

امرأة نُقشت على جسدها ندبة، تكون البوابة بين الإنس والجن.

ويُقال إن من يقع في حبها، يُلعن إلى الأبد إن لم يُسجد للحب.

آدم ارتجف، وتذكّر وجهها.

"يا إلهي… هل هذه هي؟"

وفي الظلال، في عمق العوالم السفلية، اجتمع مجلس النار.

سبعة عروش، سبعة ملوك.

كل واحد منهم يمثل قبيلة من الجن الأقوياء.

في المركز… يعقوب، واقفًا.

قال أحدهم:

"سمعنا أنك تُخالف. تُحبّ من لا تنتمي لعالمنا."

ردّ يعقوب، وسيفه يرتجف في قبضته:

"أجل.

وأقاتلكم جميعًا إن اقتربتم منها.

لن أسمح لأحدٍ أن يلمسها… لا الفرعون، ولا الإنس، ولا النور."

وفي اللحظة التي اختفى فيها المعبد من أمام روح،

استفاقت على صوت أذان الفجر.

عيناها تدمعان…

ليس خوفًا، بل شوقًا.

فهمت الآن:

يعقوب ليس مجرد جني.

هو ظلّ العهد، وصوت الغيرة، وفتنة النار.

همست وهي ترتجف:

"يعقوب… سيأتي."

                  الفصل الرابع من هنا

لقراءه باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>