رواية ندبة روح
الفصل الثالث عشر 13
بقلم نانسي عاشور
انكسار العهد
كان الليل أطول من العادة، والهواء أثقل من أن يُحمل.
في تلك الليلة، لم تكن "روح" تنتظر شيئًا، ولا أحدًا.
لكن هاتفها ارتجّ، وكأنّ الزمن نفسه أراد أن يوقظها من صبرها.
صورةٌ وُصِلتها عبر رسالة مجهولة.
بلا مقدّمة، بلا صوت، بلا شفقة.
محمد.
يضحك، يلمس وجه امرأةٍ غيرها، إنسية بشعرٍ أصفر كاللهيب، وذراعها حول عنقه.
في الخلفية، كانت الماسة التي أعطته إياها تتدلّى من عنقه كتعويذة مسروقة من دعائها.
كان يشرب النبيذ، يهمس لتلك المرأة، وكأنّه لم يعرف يوماً معنى العهد.
"روح" لم تصرخ.
الدمعة لم تسقط.
لكن يدها المرتعشة أسقطت الهاتف من قبضتها، وكأنّ الجسد قرر أن يبدأ بالخذلان قبل الروح.
ألم في الجسد... وندبة جديدة
في نفس الليلة، شعرت بألمٍ غريب في خاصرتها اليسرى، امتدّ شيئًا فشيئًا حتى فخذها.
لم يكن ألمًا عاديًا، بل موجات من نارٍ تمشي تحت الجلد، تتغذى من جرحها القديم.
سقطت أرضًا.
يدها امتدت، لكنها لم تصل إلى شيء.
رجلها اليسرى... تجمدت.
لم تعد قادرة على تحريكها.
ظنّت أن الشلل مؤقت، لكن حين أتى الصباح، كانت ما تزال هناك، على الأرض، بجانب ظلال خيانته، وصرخة باردة في قلبها.
نُقلت إلى المشفى.
بعد الفحوصات، أُبلغت أن الورم الذي كان خاملًا قد انتشر، ولامس عصب الحركة في رجلها اليسرى.
السرطان، الذي ظنّت أنه أثرٌ روحيّ، صار الآن وحشًا في جسدها.
والخذلان... أصبح له لغةٌ في دمها.
أول جرعة
في غرفة المستشفى البيضاء، جلس الطبيب يشرح بهدوء:
"الورم تضخم بسرعة غريبة، وكأنه تغذّى على صدمة.
سنبدأ أول جلسة علاج كيميائي غدًا... ونحتاج لصبر منكِ."
ابتسمت "روح" بوجهٍ بارد، وقالت:
"الصبر؟ لقد أعطيتُ صبري لمن لا يصبر، وسكن فيي جرحٌ أكبر من المرض."
غابت عيناها عن الواقع، وشعرت بكيانها ينسلخ من جسدها.
كانت هناك، في السرير... لكن قلبها في مكانٍ آخر.
في لحظةِ خيانة، في لمسة أنثى لا تعرفها، في ماسةٍ تعلّقها من أعطته كل ما كانت تؤمن به.
زيارة يعقوب
في منتصف الليل، بعد الجرعة الأولى، وفي خدر الألم، شعرت بوجوده.
يعقوب.
لم يظهر على هيئة كاملة، بل ظلّ.
ظله، ينساب في الغرفة، يجلس عند طرف السرير، ويهمس لها:
"هذه أولى ندباتكِ الجسدية... لكنها ليست الأخيرة."
نظرت إليه بعينٍ مثقلة بالخذلان:
"هو خانني يا يعقوب... رأيتُه.
أعطى الماسة لإنسية، وشرب من جسدها كأنني لم أكن... كأن روحي مجرّد أداة."
اقترب منها، ومسه برفق على موضع الورم، فصرخت دون صوت.
ثم قال:
"ما كانت الماسة إلا مفتاحًا.
وأنتِ... الباب."
قالت بتعب:
"باب إلى ماذا؟"
فأجاب:
"إلى ما كنتِ عليه قبل أن تُكسري.
إلى أصلٍ يجهله كل من ظنّ أنه امتلككِ."
رسالة من الخائنة
في اليوم التالي، ظهرت رسالة جديدة على هاتفها.
لكن هذه المرة من الرقم نفسه... رقم محمد.
لكن الرسالة لم تكن منه، بل منها.
"أنا آسفة، لم أعلم أنكِ مريضة... محمد قال إنكِ كنتِ مهووسة به، وإنكِ كنتِ تستغلينه روحانيًا.
لم أكن أعلم الحقيقة. أرجوكِ، لا تدعيه يؤذيكِ أكثر."
ضحكت "روح" بمرارة، وهي تطالع الكلمات.
"هو لا يؤذيني الآن... بل يقتل شيئًا كان طاهرًا بداخلي."
مزّقت الرسالة، لكنها لم تستطع تمزيق الإحساس بأن جزءًا منها تآكل.
العهد المكسور
في المساء، دخلت إلى عالمها الطيفي من جديد، رغم ضعفها الجسدي.
وهناك، عند شجرة سوداء في ساحة الرمل المتصدع، ظهر ظلّ جديد.
كان يحمل الماسة، لكنها مشقوقة.
وقال لها:
"حين تنكسر الماسة، يظهر وجهكِ الآخر."
ومن ثم، تشكّل أمامها شخصها الآخر — "روح الأخرى"، النورانية، لكنها مغلّفة الآن بأجنحة رمادية، لا سوداء.
قالت لها:
"أنتِ لم تخسري الحرب... بل بدأتِها للتو.
ومحمد؟
مجرد بوابة كُتب عليكِ عبورها، لا البقاء عندها."
ثم همست لها، وهي تلمس رجلها المشلولة:
"ستتحررين منها... لكن حين تتخلصين من وهم الحب القديم."
نهاية الفصل
غادرت "روح" جلسة العلاج الثانية على كرسيّ متحرك، وعينها تنظر إلى شمس المغيب من نافذة المستشفى.
في تلك اللحظة، أقسمت في داخلها:
لن يكون الألم قيدًا.
لن يكون المرض نهاية.
ولن تكون الخيانة موتًا آخر.
رفعت الماسة التي احتفظت بنصفها، ونظرت في نورها المنكسر، وقالت:
"إن لم يكن النور طريقًا... سأصنعه."
