رواية ندبة روح الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم نانسي عاشور

         

رواية ندبة روح 

الفصل الواحد والعشرون 21 

بقلم نانسي عاشور

 (نسخة منقّحة): خريطة الدم ونار المعابد

كان الليل ساكنًا، ساكنًا أكثر من اللازم.

لكن تحت هذا السكون، كانت هناك أيادٍ تُبعث من رمال الزمن.

في عمق الصحراء، حيث لا تصل خرائط الأقمار الصناعية، ولا تجرؤ الرياح على البوح بأسرار الرمال، كان هناك رجل يتحرك في الظل.

بذقن طويلة وشفتين شاحبتين كأن الحياة لم تمرّ به، كان يسير بخطى ثابتة نحو صخرة عظيمة، لا يعرف مكانها إلا من قرأ خرائط كتبها بدم ملكي.

اسمه الآن "ساهر بن نبت"، مؤرخ مهووس بالتاريخ الفرعوني، كما يظهر للعلن…

لكن في الواقع، هو أحد أقدم الخونة في الممالك الطيفية.

اسمه الحقيقي كان: "خع سجم رع" — الكاهن الذي باع معبد مينهار للظلال، وطعنها بسمّ الكلمات والطلاسم، لا بالخناجر.

وقف أمام المقبرة الملعونة، وفتح لفافة جلدية لا تشبه البرديات المعروفة.

كانت خريطة محفورة بظلال حروفٍ لا تُقرأ إلا حين ينسكب عليها رماد المذنّب.

نفخ على الخريطة، فنزف الحبر نفسه، وظهرت عليها نقوش كانت نائمة، ترتعش كأنها ستصرخ.

قال بصوت كأن الرمال نفسها ترتجف منه:

"آن أوان النار… آن أوان محو الاسم. مينهار، لن يعود عرشك. سأُعيد الفوضى، وأُطفئكِ من الداخل."

وبحركة دقيقة، ضغط على رمز في الخريطة، فانشقّت الأرض أمامه.

ارتفع من باطنها هواء أسود، يحمل أنينًا جماعيًا… أرواحًا دفنتها الخيانة، لا الموت.

المقبرة التي سُميت في كتب الطيف بـ**"بيت الألسنة المقطوعة"** – حيث دفن أتباع مينهار المخلصون، أحياء، لأنهم رفضوا خيانة قسمهم.

رفع الخريطة نحو السماء، وهمس بتعويذة مقلوبة من كتاب "ما بعد الأرواح".

وفي مكان آخر من العالم، على بُعد آلاف الكيلومترات، اشتعلت شعلة فوق معبد "عين الظل" – معبد طُمست نيرانه منذ سقوط المملكة الطيفية الأولى.

الشعلة عادت. النيران القديمة استُدعيت. والباب الأول فُتح.

في تلك اللحظة، كانت "روح" ترتجف في نومها.

الهواء في غرفتها ثقل، والستائر تحرّكت بلا رياح.

عيناها المغلقتان امتلأتا بمشهد غريب:

معبد محترق.

عرش منقلب.

رجل ذو وجه يتغيّر باستمرار – مرة يشبه يعقوب، ومرة والدها، ومرة... لا أحد.

لكن قلبها عرفه.

كان هو.

الذي طعنها في حياتها السابقة.

الخائن… الكاهن… الوجه الممحو.

استيقظت فزعة، وصرخت:

"يعقوب! لقد عاد!"

ظهر يعقوب من عتمة الغرفة، وكأن صوته نُودي عليه من داخلها.

لكن وجهه كان مُتجمّدًا، ونوره شاحبًا.

"من رأيتِ؟" سألها ببطء.

قالت، وهي لا تزال تتصبّب عرقًا:

"كان يُقلب خرائط… يضع رمادًا على اسمي… ويضحك كمن يعرف كل شيء."

أغمض يعقوب عينيه، وكأن مئات السنين مرّت على وجهه.

قال أخيرًا:

"خع سجم رع… كان الكاهن الأعظم في بلاطك. هو من وقّع العهد مع الظلال. ظننا أننا دفناه في مقبرة الصمت. لكنه عاد، ويبدو أنه وجد خريطته."

أخرج يعقوب من الهواء كتابًا شفافًا، تتلألأ صفحاته بنور باطني.

صفحة بعد صفحة، حتى وصل إلى فصل مغلق بختم أزرق. كسره بإصبعه، فانبثق دخان رمادي، وظهرت العبارات:

"من عبث بخريطة الزمن، وأشعل نيران المعابد المنسية، فتح بوابة الحرب الثانية. فإما أن تُغلق بقسمٍ ملكيٍّ طاهر، أو تُفتح لتبتلع الأرواح من جديد."

همست "روح":

"وما هي هذه النيران التي أشعلها؟"

قال يعقوب، وهو يشدّ على يدها:

"كل معبد فرعوني طُفئت ناره بعد سقوط مينهار، كان يُبقي جزءًا من الكارثة القديمة محبوسًا. بإحياء النار فيه… يُحرّر شياطين الرماد، التي لا تقتل بالسيف، بل تُضعف الذاكرة، وتغرق الروح بالشك."

سألته، وعيناها تدمعان:

"يريدني أن أنسى من أكون؟"

"يريدك أن تنكري أنكِ وُلدتِ للعرش."

سكتت لحظة، ثم نظرت من النافذة…

في السماء، كانت هناك ومضة حمراء خافتة فوق أفق بعيد.

كان ذلك أول لهيب من معبد "عين الظل"، يُرى من عيون من عرفوا النور.

قال يعقوب أخيرًا:

"يا تاج العصور… الحرب لم تبدأ بالسلاح، بل بخرائط الكهنة.

لكن النور لا يُطفأ... إن عادت الذاكرة، عاد العرش."

          الفصل الثاني والعشرون من هنا 

لقراءه باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>