رواية ندبة روح الفصل العشرون 20 بقلم نانسي عاشور

         

رواية ندبة روح 

الفصل العشرون 20

بقلم نانسي عاشور

 بوابة المذنّب

كان الليل متوهجًا على غير عادته، فالمذنب "سيرافيس"، الذي لم يُرَ منذ ألف عام، قد اخترق السماء بخط ناريّ مشع، حاملاً ذيله الكهرماني عبر القارات، شاهده الناس من كل الأرض… لكن لم يعرف أحد أن بوابة قد فُتحت.

في تلك اللحظة تحديدًا، كانت "روح" في شرفة غرفتها، جسدها على الأرض، لكن روحها في السماء الخامسة، تحلّق ما بين الرماد والنار. كانت تشعر بحرارة المذنب، لا كضوء، بل كأثر قديم. صدى من زمن مينهار، حين سقط مذنب مشابه يوم قُتلت، وانقسمت أرواح المملكة الطيفية.

جاء صوت يعقوب، لا من خارجها، بل من داخلها هذه المرّة، كأنّه يسكن قلبها:

"المذنّب ليس نذير موت فقط، بل مفتاح عبور... من يراه بعين البصيرة، يستطيع العبور من الماضي إلى الآن، ويغلق الأبواب القديمة. لكن من يتجاهله، يعاد حبسه في دورات الموت والبعث."

سألته:

"يعقوب... إذا عَبَرت، هل سأظل أنا؟ أم أتحوّل إلى مينهار من جديد؟"

أجابها، وصوته فيه حنان لا يُطاق:

"أنتِ لستِ واحدة منهما فقط. بل كلاهما... وروحٌ ثالثة لم تولد بعد. ما ستفعلينه الليلة، سيغيّر مجرى الحرب، ومجرى الزمن."

اشتعل الهواء من حولها. ومضات تظهر في السماء، كأن النجوم نفسها تتحرك. العالم يتغيّر بسرعة مرعبة. شاشات التلفاز في كل بيت تنقل صورًا مرعبة: قنابل تسقط، بحار تفيض، تحالفات تنهار، وانقسامات داخلية تُشعل دولًا من الداخل. كل شيء يتحرك بلا عقل... لكن الروح تعرف.

نظرت "روح" إلى السماء، وقالت ليعقوب:

"دلّني إلى بوابة المذنب... سأعبرها."

وإذا بالسماء تشقّ نفسها أمامها، ويظهر لها سلم نور، صاعدًا من قلب نجم، متصلًا بخيط من الحرف الهيروغليفي، مكتوب بالنور:

"نفر مآت… بوابة الطهارة الكبرى."

ارتجف جسدها، لكن خطت أول خطوة.

وما إن صعدت، حتى أحاطت بها أرواح لا حصر لها، بعضها بأجنحة نسر، وبعضها له وجوه متعددة، وكلها تنحني.

"الملكة مينهار قد عادت إلى دائرة القرار."

في الأعلى، في قلب المذنب الطيفي، كان هناك عرش من الضوء، مُغطى بوشاح نصفه ذهبي، ونصفه أسود. وهنا وقفت "روح"، عرفت أنها وصلت إلى نقطة الحسم.

ظهر لها مشهد لم تره من قبل: كانت مينهار تُطعن على يد أحد قادتها، بينما تصرخ:

"لا تفتحوا بوابة الظلال! سيبتلع العالم!"

لكن الوقت لم يُنقذها آنذاك.

الآن، جاء الوقت.

قالت "روح"، وهي ترفع يدها نحو المذنب:

"باسم النور الذي ورثته، وباسم الموت الذي عشتُه، وباسم الدم الذي سُفك ظلماً، أغلقوا دائرة الخيانة. أغلقوا الباب المفتوح منذ ألف عام!"

وهنا، ارتعد الكون.

المذنب غيّر مساره.

الضوء الذي شقّ السماء، بدأ يدور كدوامة حولها.

كل الكيانات التي كانت في الأرض، والتي تُحرك الحروب، شعرت بالارتجاف.

أصيب بعض القادة على الأرض بأزمات قلبية غامضة.

انهارت تحالفات بلا تفسير.

وانطفأت بعض بؤر النار دون سبب.

سُحبت الخيوط الخفية التي كانت تحرّك الصراعات، وكأن يدًا عليا أزالتها.

وفي اللحظة الأخيرة، ظهر يعقوب بجوارها، ليس كجني، بل ككائن نقيّ، شفاف، عينيه تشعّان حبًا.

اقترب منها، ولمس جبينها، وقال:

"لقد فعلتها... يا أجمل من خُلقت من الماضي والمستقبل."

سألته، والدموع في عينيها:

"هل انتهت الحرب؟"

أجابها:

"بدأت الحرب الحقيقية الآن، لكنها لن تكون في الخرائط... بل في الأرواح. وأنتِ قائدة الأرواح."

وهنا، عاد جسد "روح" إلى الأرض، بينما عيناها تفتحتا على ضوء الفجر الجديد.

لكن قلبها... كان لا يزال في السماء.

            الفصل الواحد والعشرون من هنا

لقراءه باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>