
كانت قاعدة ع السفرة، شارده، كأنها مش موجودة وسطهم. فجأة موبايلها رن برسالة جاية من رقم مش متسجل.
فتحتها بآلية، لكن عينيها وسعت وهي بتقرأ:
"مهتمتيش تعرفي اسمي، بس ع العموم أنا اسمي راكان."
رفعت عينيها قدامها ببطء، لقت راكان ماسك موبايله وباصصلها بابتسامة جانبية صغيرة، كأنها ابتسامة متحدية أكتر منها ودودة.
قلبها اتقبض، رجعت تبص في الموبايل، كتبت بسرعة:
– جبت رقمي منين؟
جاوبها بعد ثواني قصيرة:
– سر المهنة.
رفعت عينيها له تاني، البسمة لسه مرسومة على وشه، وعيونه مليانة غموض.
تنفست بضيق، وشالت عينها بسرعة وسكتت، كأنها بترفض تديله الإحساس إنه قدر يستفزها.
سكتت هاجر شوية، عينيها في الطبق قدامها، وبعدين رفعت راسها وقالت بنبرة ضيق:
– أنا هروح لبابا النهارده.
نيهال ردت من غير ما تبص عليها، صوتها جاف وفيه أمر:
– مش هتروحي في حتة… أنا قولت هتفضلي معايا.
هاجر اتنهدت بسخرية مريرة، وضحكة قصيرة خرجت من بين شفايفها:
– أنا رايحة أقعد معاه شوية وراجعة، مش هبات… ودا مش عشان انتي قولتي، عشان أنا مش عايزة أتقل عليه ولا أشيله همي.
نيهال، وهي بتاكل من غير ما ترفع عينيها:
– خدي راكان معاكي.
هاجر رفعت راسها بسرعة، نظرتها كلها تحدي:
– ودا ليه إن شاء الله؟
سمير حاول يخفف من حدة الموقف، صوته هادي وناعم:
– خليه يوصلك بالعربية يا حبيبتي، عشان متتعبيش في المواصلات.
هاجر كانت على وشك تعترض، لكن قبل ما تفتح بقها، راكان اتدخل بسرعة، ابتسامته جانبية وصوته فيه ثقة:
– مفيش مشكلة يا بابا، أنا هوصلها في طريقي للشغل.
وقف وهو بيحاول يخفي لمعة الانتصار اللي في عينيه، وأسرع يكمل:
– هروح أدور العربية… عقبال ما تلبسي.
مشي من غير ما يبص لهاجر، سايبها متكتفة، متحجرة في مكانها، الغضب مالي عينيها…
طلعت هاجر أوضتها وهي غضبانه، بس بتحاول تبين عكس كده.
وقفت قدام المراية لحظة طويلة، كأنها بتتحدى انعكاسها.
اختارت توب لبني فاتح بيبرز هدوء ملامحها رغم الضيق اللي جواها، ولبست معاه بنطلون جينز أزرق غامق.
سيبت شعرها البني على طبيعته، نازل على كتافها بخفة، وكأنها قررت من غير قصد تعلن تمردها على كل القيود اللي حواليها.
بصت لنفسها تاني في المراية، لمعة صغيرة من التحدي عدت في عينيها… وبعدين أخدت نفس عميق ونزلت.
على الكرسي، والشباك مفتوح والهواء داخل بهدوء.
لما لمح هاجر نازلة، ابتسم ابتسامة جانبية كأنها ابتسامة ترحيب، بس مليانة تحدي.
اتجهت ناحيته بخطوات سريعة، عيونها طالعة شرار. وقفت قدام العربية وقالت بصوت منفعل:
– بقولك إيه… أنا مأعترضتش عشان محرجش والدك، بس أنا مش هروح معاك.
مدت إيدها وخبطت على كبوت العربية بقوة، وكملت بعناد:
– اتفضل بقى روح من هنا… وأنا هروح بتاكسي.
ضحك راكان ضحكة استهزاء، علي صوته وهو يقول:
– إحنا في كومبوند، يعني مش هتلاقي تاكسي دلوقتي.
قرب بوشه من الشباك، عينيه بتلمع بتهكم وهو يكمل:
– وأكيد مش هتروحي مواصلات… عشان متتبهدليش.
هاجر وقفت لحظة، كلامه نزل عليها كأنه واقع منطق مش قادرة تنكره. عضت شفايفها بضيق، وعينيها راحت بعيد كأنها بتفكر في مخرج… بس لقت نفسها محاصرة بالواقع.
بصت له تاني، لقت ابتسامته المستفزة لسه على وشه، كأنه واثق إنها مش هتلاقي حل غير تركب.
تنهدت بغيظ، ورمت شنطتها على الكرسي اللي جنبه بعصبية، وفتحت الباب بقوة.
قعدت في العربية وهي متكتفة، عينيها مثبتة على الزجاج الأمامي، كأنها مش شايفاه أصلًا.
راكان، وهو مش قادر يخبي ابتسامته، قال بهدوء فيه سخرية:
– كده أهون… صدقيني أنا أسوق أريحلك من ألف تاكسي.
هاجر التفتت له بسرعة، نظرتها نارية:
– بطل أسلوبك المستفز ده، أنا ساكتة بس عشان أوصل وبس.
ضحك بخفوت، وبدأ يدور العربية، صوته واطي بس مسموع:
– زي ما تحبي… بس شكلك وانتي متعصبة بيضحكني.
هاجر شهقت بضيق، ولفت وشها ناحية الشباك، محاولة تخفي ارتباكها وسط الغضب اللي ماليها.
طول الطريق، كانت هاجر ساكتة، عينيها معلقة بالفراغ قدامها، كأنها تايهة في بحر ملوش آخر. الأفكار بتتصارع جواها: حياتها اللي اتشقلبت فجأة، صدمة جواز أمها، ووجود راكان اللي بقى غريب في بيتها.
قطع شرودها صوت راكان، هادي بس فيه لمسة فضول:
– على كدا بقى… اتخرجتي من كلية إيه؟
التفتت له هاجر بحدة، نظرة كأنها سهم، وبعدين رجعت لسكاتها من غير ما تنطق.
هو ما اتأثرش، بالعكس كمل كلامه كأنه بيجس نبضها:
– أنا متخرج من إدارة أعمال.
هاجر، من غير ما تبص له، ردت ببرود جليدي:
– مش مهتمة أعرف.
ضحك بخفة، ابتسامة جانبية ظهرت على وشه، وصوته واطي لكن واثق:
– بس أنا… مهتم أعرفك.
بصتله بضيق وسكتت
وأخيرًا وصلوا قدام البيت.
هاجر فتحت باب العربية بسرعة، ونزلت بخطوات سريعة، كأنها عايزة تقطع أي لحظة بينهم.
وقفت عند الشباك، ومدت إيدها بكام ورقة فلوس، ورمتها جواه:
– تفضل…
راكان رفع حاجبه وهو بيبص للمبلغ اللي نزل على الكرسي جنبه، وبص لها بسخرية واضحة:
– إيه دا؟
هاجر ردت باستهزاء، نبرة صوتها مليانة تحدي:
– حق الأجرة… والبسبوسة اللي دفعتلي حقها.
وسابت الكلمة تترن في ودانه وهي بتدور وتسيبه، ماشية بخطوات ثابتة، ظهرها ليه وكأنها قفلت الباب في وش أي محاولة منه.
راكان فضل قاعد، ابتسامته الجانبية رجعت، بس عينيه فيها بريق مختلف… كأنها أول مرة يلاقي حد قادر يرد عليه بنفس القوة.
بعد ما راكان اتحرك بالعربية في طريقه للشغل، فضلت هاجر ماشيه بخطوات سريعة لحد ما وقفت قدام باب شقة أبوها.
قلبها كان بيدق بسرعة، دقات مليانة فرحة ولهفة… أخيرًا، هتشوفه. كل التعب والزعل اللي جواها اتحول للحظة انتظار، لحظة فيها أمل.
مدّت إيدها وخبطت على الباب، إيدها كانت بترتعش من جوه رغم ثباتها من برّه.
الباب اتفتح… ووش حنان مرات أبوها، ظهر بابتسامة دافية.
– الغالية…
قبل ما هاجر تقدر حتى تنطق، هناء فتحت دراعاتها وضمتها لحضنها، حضن مليان حنية صادقة، كأنه بيحاول يعوضها عن كل حاجة وجعاها.
هاجر اتسندت عليها، وعينيها دمعت من غير ما تقصد، الدموع كانت دموع فرحة وشجن في نفس الوقت.
جاء صوت أحمد من جوه الشقة، صوته مليان شوق ولهفة:
– حبيبة بابا…
وبمجرد ما شافها، فتح دراعاته على آخرها.
هاجر ما استحملتش، جريت عليه وارتمت في حضنه رجعت أخيرًا لمكانها الآمن.
قالت بصوت مخنوق بالدموع، بس مليان حب:
– وحشتني أوي… أوي يا بابا.
أحمد ضمها أكتر، وإيده بتطبطب على ضهرها بحنان أبوي غامر، صوته رقيق وهو بيقول:
– وانتي كمان يا حبيبتي… نورتي مصر، يا قلب باباكي.
هاجر أغمضت عينيها وهي في حضنه، حسّت إن كل التعب والغربة والزعل اتبخروا في اللحظة دي… وكأن الدنيا كلها اتسوت بس بحضنه.
بعد دقائق قليلة، كانوا قاعدين في الصالة، الجو مليان بهجة ودفا.
هاجر كانت شايلة طفل صغير بين إيديها، عيونها كلها حب وهي بتبصله. ابتسمت وقالت بحنان:
– جميل… اسم على مسمّى فعلًا.
حنان طبطبت على كتفها بابتسامة رضا وقالت:
– شبهك على الآخر يا هجورة.
هاجر ضحكت بخجل وهي بتلعب في صوابع الطفل الصغير، كل مرة يضحك فيها كانت تحس قلبها بيرقص.
لمست خدوده الصغيرة وقالت بحب:
– ربنا يحفظك يا جميل
الصالة كانت مليانة دفء… كأن وجود الطفل قربهم من بعض أكتر وخلى اللحظة دي تبقى ذكرى مش هتتنسي.
في مكتب واسع متقسم بدقة، راكان كان قاعد على مكتب الإدارة الفخم، قاعد بإيده على الكيبورد بس عقله واضح إنه مش حاضر.
قدامه على الكرسي كان عبد الرحمن، صديقه وزميله المقرب.
راكان تنهد وقال بضيق:
– بس يا عم… البيت متوتر اليومين دول.
عبد الرحمن هز راسه بتفهم وقال:
– يومين وهيعدوا… هو برضه ليها حق تتصدم وتاخد موقف من مامتها.
راكان مسك القلم اللي قدامه وبدأ يلفه بين صوابعه وقال بنبرة شبه مترددة:
– أنا مش عارف أتعامل معاها، مرة بتبصلي كإني غريب… ومرة كإني متهم في محكمة.
عبد الرحمن بابتسامة خفيفة:
– متنساش إنها راجعة بعد غربة… ولسه مش متعودة على وجودك في حياتهم. إديها وقت… الوقت ساعات بيعمل اللي الكلام ما يقدر٣ش يعمله.
راكان سكت، عيونه تاهت في نقطة قدامه، كأن كلام عبد الرحمن حرك حاجة جواه مش قادر يعبر عنها.
بعد يوم طويل، مليان ضحك وحكاوي وأحضان دافية، كانت هاجر واقفة عند باب الشقة. عينها لسه متشبعة من صورة أبوها وهو بيبصلها بحب، وصوت ضحكته بيرن جواها.
حنان مدت إيديها ليها بحنية الست اللي بتتمنى تكسب قلب بنت مش بنتها:
– بحب، ابقي تعالي تاني يا هجوره… هستناكي.
هاجر ابتسمت ابتسامة صغيرة، ابتسامة متلخبطة بين الشكر والمجاملة، وقالت بهدوء:
– حاضر.
سلمت على أبوها، حضنته مرة كمان بسرعة كأنها بتحاول تخزن الإحساس ده جواها قبل ما تمشي. قلبها كان بيتقبض وهي بتنزل السلم… إحساس غريب ما بين سعادة إنها شافت أبوها، ووجع إنها لسه مش عارفة هتقدر تتأقلم مع حياتها الجديدة ولا لأ.
خطواتها على السلم كانت تقيلة… كل درجة بتنزلها بتحس إنها بتسيب جزء من روحها فوق.
هاجر نزلت السلم بخطوات بطيئة، قلبها متعلق فوق، عينيها لسه شايفة صورة أبوها وهو مبتسم وحاضنها.
قدام العمارة وقفت تستنشق نفس عميق كأنها مش عايزة تسيب ريحة البيت.
طلعت موبايلها من الشنطة، فتحت التاكسي أبلكيشن، لكن قبل ما تلحق تطلب…
لمحت عربية واقفة مش بعيد والازاز بينزل ببطء.
صوت مألوف قال بسخرية خفيفة:
– إيه يا آنسة، مش ناوية تدفعي أجرة المرة دي برضه ولا هنكملها ب بسبوسة؟
هاجر رفعت عينيها بحدة…
– أنت؟! إنت بتعمل إيه هنا؟
راكان ابتسم وهو مسند دراعه ع زجاج العربية:
– بوصلك… ما تقلقيش مش هاخد ٣٠٠ جنيه المرادي.
هاجر عضت شفايفها بضيق، وقفت مترددة… تروح معاه ولا تركب تاكسي؟
يتبععع
الفصل الرابع
وفي وسط كل التفكير والدوامة اللي كانت غارقة فيها، قطعها صوت حاد وودي في نفس الوقت:
– في حاجة يا بنتي؟ الولد ده بيضايقك؟
رفعت هاجر راسها بسرعة، عيونها متسعة شوية، وحاولت ترد بسرعة قبل ما الموضوع يتطور:
– لا… لا… ده أخويا.
أخذت نفس عميق عشان تهدي نفسها، ورحت تركب العربية بسرعة، كل خطوة فيها كأنها بتحاول تهرب من أي إحساس بالغضب أو الإحراج اللي اجتاحها فجأة.
راكان، وهو سايق العربية مبتسم ابتسامة جانبية فيها سخرية:
– حلوة كلمة "أخويا" دي… متقلهاش تاني بقى.
هاجر التفتت له بعينين مولعة بالغضب،:
– تصدق؟ أنا غلطانة… كان المفروض أسيبهم يعملوا معاك الواجب.
راكان ضحك ابتسامة استفزازية، وبدأ يحرك العربية بخفة، كأن كل كلمة منها كانت لعبته المفضلة.
في وسط الطريق، رفعت هاجر عينيها للزجاج قدامها، وصوتها فيه خفة سخرية مختلطة بفضول:
– إنت عرفت منين إني همشي خلاص؟
راكان، بدون ما يبص ليها،:
– إحساسي.
هاجر ضحكت بسخرية، مع إنها مش قادرة تخفي لمعة استفزاز جواها:
– وأنت كلك أحاسيس، ما شاء الله…
الصمت اللي بعد كده كان مليان تحدي… كل واحد فيهم بيختبر حدود التاني في لعبة غير معلنة من الأعصاب والكلام.
وصلوا الفيلا، وهاجر نزلت من العربية بسرعة، من غير ما تلتفت حتى لراكان اللي كان واقف مبتسم. خطواتها كانت سريعة، كأنها عايزة تهرب من أي شعور ممكن يعكّر مزاجها أو يدوّر على استفزاز جديد.
طلعت على أوضتها، وأول ما قفلت الباب وراها، حسّت بالراحة شوية… البيت فاضي تقريبًا..
بعد دقائق من جلوسها، سمعت صوت الباب بيخبط، قلبها دق بسرعة، وهمست لنفسها:
– ياربي…
فتحت الباب، ولقيته واقف قدامها بكل بساطة، من غير مقدمات:
– أنا جعان.
هاجر رفعت حاجبها بعصبية خفيفة، نبرة صوتها فيها تحدي:
– متجوع… أنا مالي؟
راكان حك راسه بخفة، وابتسم ، كأنه بيحاول يخفف التوتر:
– لندا تعبانه شوية… ماجتش النهارده، ومفيش أكل
بصت له هاجر بعينيها مولعة بالغضب، وخطواتها كانت ثابتة وهي بتتراجع لحد ما قفلت الباب في وشه بسرعة.
ومن ورا الباب، بصوت واطي بس مليان حدة، قالت:
– أنا مش الخدامة اللي بابي جبهالك!
مرّت ساعة، والفيلا كلها اتقلبت على ريحة حريق خانقة. هاجر قفزت من مكانها ونزلت بسرعة تشوف إيه الكارثة.
لما وصلت المطبخ، اتجمدت مكانها من الصدمة… راكان واقف قدام البوتاجاز، عاري الصدر، محاصر بالدخان اللي طالع من الحلة كأنه بركان، وهو بيكح ومسك معلقة في إيده كأنه بيخوض حرب.
صرخت بذهول:
– يخرب بيتك! إيه اللي انت عملته دا؟
راكان، وهو بيحاول يتماسك وسط الكحة:
– بسوي الأكل!
هاجر بصوت عالي وهي بتتحرك بسرعة:
– بتسوي الأكل؟ دا انت حرقته حرق!
اتقدمت بسرعة ناحية البوتاجاز، قفلته بإيد مرتعشة من الغضب، وبدأت تفتح الشفاط والشبابيك عشان الدخان يتسرّب.
بعد ما خلصت تهوية المطبخ، التفتت له هاجر ووشها متعصب، وقالت بحدة:
– مدام مبتعرفش تعمل أكل… بتهبّب إيه؟
راكان، وهو رافع حاجبه وبيلعب دور البريء:
– والله منا قولتلك تعمليلي اكل وموافقتيش
هاجر اتجمدت ثواني من رده، وبصتله بنظرة نار، قبل ما تحوّل عينيها على الحوض. صفوف المواعين كانت واقفة كأنها صف عساكر مستعدين للمعركة.
قالت بسخرية ممزوجة باللوم:
– وإيه كمية المواعين دي؟ ذنبها إيه لندا لما تيجي وهي تعبانة تلاقي وراها صفوف بالشكل ده؟
هاجر وقفت قدام الحوض، بتبص على المواعين اللي ملوش أول من آخر، وزفرت بضيق. مسحت عرقها من على جبينها وقالت بنبرة استسلام عصبي:
– يا رب… هو أنا ناقصة!
وبدأت تلم المواعين وترصها عشان تغسلهم. راكان فضل واقف متكعبل في المطبخ، إيديه في جيوبه وابتسامته المستفزة لسه معلقة على وشه.
هاجر التفتت له بعصبية:
– مش هتقف تتفرج! ساعدني بدل ما واقف زي التمثال واستر نفسك بحاجه.
ضحك بخفة، :
– حاضر يا ست هاجر
راح لبس تيشرت وقال:… آدي أنا جيت أساعد.
دخل جنبها، بدأ يناولها المواعين ويحاول يغسل معاها، بس حركته كانت بطيئة وعشوائية لدرجة إنها فضلت تبص له كل شوية بضيق.
هاجر:
– إنت هتغرق المطبخ كله يا راكان!
رد وهو بيضحك:
– أول مره تنطقي اسمي
بصتله بضيق وقالت: واخر مره إن شاء الله
المية كانت بتترش من الحوض على الرخامة، وهاجر مشغولة بتغسل الأطباق بسرعة، بينما راكان واقف جنبها يناولها ويغسل معاها بطريقته الفوضوية.
هاجر كانت لسه بتغسل آخر طبق، والمطبخ هادي إلا من صوت الميه وهي بتنزل ع الحوض.
مسحت إيديها بفوطة صغيرة، وبدأت ترص الأطباق في الدرفّة.
لكن لما وصلت للدور التاني، حاولت تمد إيديها بس ما طالتش.
اتنهّدت وقالت بنغمة خفيفة:
– يا ربي الناس دي ليه بتحط الدرف كده فوق السحاب؟
كانت بتحاول تاني، وفجأة حست بخطوات وراها…
صوت أنفاسه قرّب، ولما التفتت كان راكان واقف قريب جدًا، قريب لدرجة إنها حسّت بحرارته.
قال بهدوء وهو بيرفع إيده:
– سيبيها أنا هحطها.
مد إيده فوقها، وصوت احتكاك ضِهره بخصلات شعرها خلاها تتجمد في مكانها.
اتسمرت عينيها على حركة إيده وهو بيرص الأطباق، قلبها بدأ يدق بشكل مش مفهوم.
قالت وهي بتحاول تبعد نفسها بتوتر:
– كنت هحطها خلاص يعني… مش محتاجه مساعده.
ابتسم راكان بخفة، وبصّ لها من غير كلام،
فجأة الباب اتفتح على آخره، وصوت الكعب العالي بتاع نيهال ملأ المكان.
هاجر اتجمدت مكانها، الطبق اللي كانت ماسكاه اهتز ف إيدها، وحرارة الموقف لسه معلقة ف الهوا.
نيهال وقفت عند باب المطبخ، نظرتها رايحه جاية ما بين وش راكان ووش هاجر، وقالت بنبرة فيها استغراب:
– بتعملوا إيه يا ولاد؟
راكان لف ناحيتها وهو لسه مبتسم، بيحاول يخفف التوتر اللي مسيطر على المكان:
– كنا بنحضر حاجه سريعة كده ناكلها، الجوع غلبنا.
هاجر نزلت عينيها بسرعه وقالت بخفوت:
– أيوه، كنت بساعده شوية بس.
نيهال رفعت حواجبها وقالت وهي بتحاول تمسك ضحكتها:
– واضح إن المساعده كانت حلوه أوي.
راكان ضحك بخفه وقال:
– ما هو لندا مش موجوده، لازم حد ينقذنا من الجوع.
اتنهدت نيهال وهي بتسيب شنطتها على الترابيزة وقالت:
– ماشي يا سيدي، بس متحرقوش المطبخ تاني، ريحته واصله للكومبوند كله
ضحك راكان وقال وهو بيبص لهاجر بنظرة فيها لمحة خفية من الحنية:
– حاضر، المره الجايه هنطبخ برا.
هاجر رفعت عينيها له بسرعه، وابتسامة خفيفة ظهرت على وشها غصب عنها…
بس بسرعة رجعت وشها ناحيه نيهال وقالت:
– أنا طالعة أوضتي، تصبحوا على خير.
وبمجرد ما مشيت، نيهال بصت لراكان بنظرة فيها سؤال من غير كلام:
– أنت وهي… في حاجه؟
راكان اتنفس ببطء وقال بابتسامة غامضه:
– لأ يا طنط، بس يمكن… الأيام تبين.
صحيت هاجر تاني يوم على صوت إشعارات تليفونها. مدت إيدها بكسل، وفتحت الشاشة وهي لسه نص نايمة. عينها وقعت على رسالة جاية من إيميل رسمي، فتحتها بسرعة…
"إحنا اطلعنا على الـ CV بتاعك وممكن تيجي تقدمي الإنترفيو النهارده."
بصت هاجر في الفون جامد، وعينيها بتلمع من غير ما تاخد بالها. قلبها كان بيرقص من الفرح، كأن الرسالة دي نفخت روح جديدة فيها.
ابتسمت لوحدها، ابتسامة مليانة أمل، وبصوت واطي قالت:
– يا رب… تكون بداية حلوة.
بعد ما شافت الرسالة، نزلت هاجر بخطوات سريعة للصالون، لقت نيهال قاعدة بتجهز نفسها عشان تنزل الشغل، مكياجها مرتب ووشها هادي، عيونها مش بتدي أي أثر للتفاعل مع هاجر.
قربت هاجر منها شويه، وصوتها فيه حماس وارتباك مختلط:
– أنا… اتقبلت مبدئيًا في شركة كبيرة أوي.
نيهال رفعت وشها عليها من غير ما تبص كويس، بصوتها البارد اللي مش بيبين أي شعور:
– كويس.
هاجر وقفت لحظة، حسّت بالغصة… كانت متوقعة نوع من الفرح أو على الأقل كلمة تشجيع، لكن استجابة مامتها كانت شبه التجاهل. قلبها اتقل شوية، وحست إنها لسه محتاجة تثبت لنفسها إنها قادرة من غير ما تعتمد على حد.
بعد شوية، راكان كان قاعد في مكتبه بالشركة، ووشه مكشر شوية من ضغط الشغل.
قال لعبدالرحمن وهو بيحرك أوراق على المكتب:
– بقولك ي بوده
عبدالرحمن :
– اهه اهو لما بتقولي بوده بعرف انك عايز مصلحه قول عايز اي
راكان ضحك بخفة، وقال بحمحمه واضحة:
– هروح اجيب روي من المستشفى وحشني اوي مش هستنى لغايه م اخلص شغل.
خد جاكيته من على الكرسي وبادل عبد الرحمن، وهو بيجهز نفسه للخروج.
وبصوت متحمس قال: سلام ي معلم
عبدالرحمن اتكأ على مكتبه شوية، وابتسامة ماكرة على وشه وقال:
– ماشي يا عم… أفضل دبسني كده في الشغل دايمًا.
ضحك لنفسه، وهو بيبص على الباب اللي قفل ورا راكان..
أما عند هاجر، كانت الدنيا ليها شكل تاني النهارده — صباح كله حماس وترقّب.
القلق كان بيتمشى جوه قلبها بس معاها فرحه خفيفه كده،
وقفت قدام المراية، بتظبط شعرها المرفوع بتوكه رقيقه وبعدين لبست التوب الأبيض اللي مديها ملامح ناعمة وبريئة، وفوقه بدلة سودة أنيقة، بسيطة بس فيها هيبتها.
بصّت لنفسها لحظة، وابتسمت بخفة وهي بتقول لنفسها:
"انتي تقدري يا هاجر، دي فرصتك."
مسكت شنطتها السودة، وخدت نفس عميق كأنها بتلم شجاعتها كلها ف نفس واحد، ونزلت السلالم بخطوات سريعة، قلبها بيدق على نغمة أمل جديدة.
عيونها كانت فيها لمعة مختلفة — مش بس لمعة حلم، لأ… لمعة بداية.
راكان كان سايق عربيته بهدوء، و"روي" قاعد جنبه في الكرسي الأمامي، مطلع لسانه كأنه طفل مبسوط.
ضحك راكان وقال له:
– إيه يا عم روي، شكلك متحمس أكتر مني للشغل!
دخل بيه الجراج بتاع الشركة، وكل الناس واقفة مستغربة الكلب اللي نازل جنبه،
عبدالرحمن شافه من بعيد وقال وهو بيضحك:
– هو إنت جايب الكلب معاك الشغل كمان؟
راكان وهو بيربط الطوق بتاع روي:
– أصل لو سبتُه في البيت هيكسر الدنيا، فقلت أجيبه يتعلم الإدارة معايا.
ضحكوا هما الاتنين، ومشي راكان ناحيه مكتبه وهو بيطبطب على روي.
في نفس التوقيت،
كانت هاجر واقفة قدام الشركة اللي المفروض تعمل فيها الإنترفيو،
إيديها متلجه من التوتر وقلبها بيدق بسرعة كأنها بتسمع صوته جواها.
بصّت في المراية الصغيرة وعدّلت شعرها وقالت لنفسها بصوت واطي:
– اهدي يا هاجر، انتي قدّها.
دخلت الشركة بخطوات مترددة،
السكرتيرة قامت وسألتها بابتسامة لطيفة:
– عندك ميعاد إنترفيو يا فندم؟
هاجر: أيوه،.
السكرتيرة فتحت الورق وقالت:
– تمام، اتفضلي استني شوية في الريسبشن، المدير اللي هيعملك المقابلة داخل كمان لحظات.
هاجر قعدت تحاول تهدي نفسها، ومكنتش تعرف إن المدير ده مش حد غريب عنها...
هو عبدالرحمن، صاحب راكان!
الريسبشن كان هادي، وصوت عقارب الساعة هو اللي مالي المكان.
هاجر قاعدة على الكرسي، بتعدل في كم الجاكيت بتاعها، وقلبها بيدق بخفة من التوتر والحماس.
السكرتيرة رفعت راسها وقالت بابتسامة هادية:
– اتفضلي يا آنسة هاجر، الأستاذ عبدالرحمن مستنيك.
هاجر وقفت، عدّلت شعرها، وخدت نفس عميق قبل ما تفتح الباب وتدخل المكتب الكبير.
جوا، عبدالرحمن في اواخر العشرينات
لابس بدلة كحلي ونظرة جادة على وشه،
بيمسك شوية أوراق وبيراجعها باهتمام.
رفع عينه أول ما سمع الباب، ابتسم بخفة وقال:
– آنسة هاجر، أهلاً وسهلاً… اتفضلي اقعدي.
هاجر بابتسامة متوترة:
– أهلًا بحضرتك.
قعدت، وإيديها متشابكة ف بعض بتخفي توترها.
عبدالرحمن بص ف الـ CV قدامه وقال:
– ما شاء الله، دارسة برا في المنحة دي… شكل عندك طموح كبير.
هاجر:
– بحاول أطور من نفسي على قد ما أقدر.
ابتسم وقال:
– تمام، هو ده اللي إحنا بندور عليه هنا.
قعد يسألها شوية أسئلة مهنية، وهي بتجاوب بثقة رغم التوتر،
كل ما تجاوب كان بيبصلها بنظرة إعجاب خفيفة كأنها فاجئته بشخصيتها.
ولما خلص، سكت لحظة وقال:
– تمام يا آنسة هاجر، أنا مبسوط من المقابلة دي.
هنراجع كل حاجة وهنبعتلك خلال يومين بالنتيجة.
هاجر قامت وقالت وهي بتحاول تبين هدوءها:
– متشكرة جدًا يا فندم، اتشرفت بمقابلتك.
خرجت من المكتب، وابتسامتها باهتة بس عينيها مليانة أمل.
كان عندها إحساس غريب إنها اتقبلت،
كانت هاجر ماشية ناحية باب الخروج، وكل خطوة فيها توتر بعد الإنترفيو، وفجأة… وقعت عينها على راكان، واقف قدامها، ماسك الكلب في إيده.
اتجمدت في مكانها، وبصوت مليان صدمة قالت:
– إنت! إيه اللي جابك هنا؟
راكان ابتسم بابتسامة جانبية، ورفع كتفه شوية بخفة:
– مش هقول غير لما تقولي إنتي الأول.
هاجر رفعت حاجبها، وقالت بنبرة مختلطة بين الشك والاستغراب:
– أنا كنت بعمل إنترفيو.
الصمت سيطر على المكان للحظة… راكان اتصدم، وكأن صوته اختفى شويه، وقال بتوتر واضح:
– و… وانا كنت جاي أقابل واحد صاحبي بيشتغل هنا.
هاجر بصتله بشك، وبعدين عينيها وقعت على الكلب اللي واقف جنب رجليه.
ابتسمت بخفة وقالت:
– مكنتش أعرف إنك بتحب الكلاب.
مدت إيديها تحسسه، ولما لمست الطوق لمحت اسمه محفور: “روي”.
الصدمة اتجسدت على وشها تاني، وصرخت شوية:
– روي؟ دا الكلب بتاعي!
هاجر كانت واقفة مكانها، مش مصدقة. الكلب بدأ يبصّلها، عينينه بقت تلمع كأنه بيحاول يفتكر.
نادت عليه بصوت مهزوز شوية:
– روي؟
الكلب نط فجأة من جنب راكان، وجرى عليها بحماس، ذيله بيتهز بعنف، وصوته بيرجع للزمن اللي فات.
هاجر نزلت على ركبها وهي بتضحك ودموعها بتلمع في عنيها:
– يا رويي… إزيك يا حبيبي؟
الكلب بقى يلحس إيديها ووشها كأنه بيعاتبها على الغياب،.
هاجر قالتها بصدمه، صوتها اتكسر وهي بتحاول تستوعب الكلمه:
– بس إزاي ماما قالتلي إنه مات؟
الوجع في نبرتها كان واضح، زي حد لسه واخد خبطه ف قلبه.
راكان وقف قدامها مرتبك، حاول يرد بهدوء كأنه بيحاول يلطف وقع الحقيقة:
– هي قالتلك كده عشان متبقيش قلقانه عليه، وما يشغلكيش عن المنحة... كان تعبان أوي، وكان مصيره الموت ساعتها.
هاجر ضحكت ضحكة باهتة مالهاش روح، وقالت بصوت بيرتعش وجع:
– دا يخليها تكدب عليا بس مش جديده عليها هي ديما بتكدب وبتخبي عني كأني مش بنتها.
دموعها كانت بتلمع ف عينيها، مش قادرة تصدّق إن أمها اختارت الكدب بدل الصراحة.
حست بقلبها بيتقبض، مش علشان الكلب بس، لكن علشان الإحساس بالخيانة...
كانت كل كلمة خارجة منها فيها وجع سنين، كأنها مش بس بتسأل عن كلب… كانت بتسأل عن وجع أعمق، عن ليه اتسابِت، وليه اتخد منها أي حاجه بتحبها من غير ما تتكلم.
راكان تنهد، وعيونه فيها لمحة حزن:
– كانت شايفه إنها بتحميك، هاجر… وقتها كان حاله صعب، والدكاتره قالوا مفيش أمل، فقررت متقولكيش عشان متتعذبيش معاه.
هاجر هزت راسها بخفه، دمعة نزلت من عينها وقالت بصوت واطي:
– بس كنت أستحمل… كنت هستنى، كنت حتى هطمن عليه لو بس عارفه إنه عايش.
راكان قرب منها شويه وقال بهدوء:
– يمكن هو رجع دلوقتي عشان يقولك إنه استناك، وإنه لسه فاكر ريحتك.
بصت له بصمت، وبإيد مرتعشه بدأت تمسح دموعها، وراكان واقف قدامها، سايب المسافة بينهم صغيرة جدًا…
و الكلب قاعد بينهم....