رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الخامس5 بقلم سميه رشاد

رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق بقلم سميه رشاد
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الخامس5 بقلم سميه رشاد 
أغرقته أبحار التفكير عقب انفراده بنفسه في غرفته بعدما أنهى حديثه مع والدته، لقد كان متحيرًا من أجل القيام بهذه الخطوة في الوقت الحالي، ولكن إصرار أمه هو ما قاده إلى الإسراع في الأمر. شرد بعقله إلى تلك الليلة التي وجدها بها، يتذكر كيف كان شعوره حينما وقعت أنظاره على فتاة بحالة تجعل الكافر يخرّ مشفقًا عليها، حينما انتبه إليها سقطت مشغيًا عليها، وكأنها كانت بانتظار من يتلقفها لتطمئن بين يديه، ولكن أي اطمئنان ذاك وهي كانت تردد أثناء غفوتها بكلمات عديدة مرتعبة مثل " قتلني.. سرق فرحتي.. انتهك جسمي" ثلاث كلمات رددتهم عدة مرات أخبروه بما حدث لها خاصة وأن جسدها الواهن قصَّ عليه ما حدث لها بطريقة أخرى، حينها ثار غضبه وشعر بأنه يريد العثور على ذاك المجرم بأي طريقة، إلا أنه لم يصل إليه.

لقد سأل الفتاة عدة مرات عمن فعل بها ذلك إلا أنها لم تستطع الرد، بل كانت مغيبة فظلت تهذي  بتلك الكلمات التي فهمها بصعوبة، لم يدرِ ماذا عليه أن يفعل، كل ما قدر عليه هو الذهاب بها إلى المشفى، ولم تجد الطبيبة أي أعراض اغتصاب على بدنها سوى بعد  تحليل صغير أظهر لهم أنها حقنت بإحدى المواد المخدرة وبعد الكشف بدا لهم أنها تم الدخول بها منذ ساعات قليلة. 

حينها اكفهر وجه أواب، أراد أن يكذب الكشف ما ظنه إلا أنه أكد ما حدث لها. 

لم يعثر على أي شيء يدله على أهلها ويخشى الدخول إلى الغرفة التي تتواجد بها بل يخجل من زيارتها وحدها بالغرفة وهو شخص غريب عنها لم تعرفه، فانتظر بالخارج إلا أنها لم تمرر أكثر من ساعتين ووجدها تخرج من الغرفة بوجه شاحب ومعالم وجه مرتعبة، تحاول السيطرة على بكاء يتصاعد رغمًا عنها.

ألمه قلبه بدرجة لن يستطيع حصرها وإن كتب في وصف ألمه كتب، ربما هي لا تفرق معه، ولكن كيف يتجاهل ألمها وقد سقاه أنينها الباكي قهرًا بعض مما مرت به، تبعها في خطواته خشية أن تفعل ما يؤذي نفسها إلى أن وصلت إلى بيتها فاطمئن قليلًا وعقله منشغل بكونه يشعر بأنه رآها سابقًا.

وبالفعل، باليوم التالي تذكرها، تذكر أنها الفتاة نفسها التي عرضها عليه مهدي للزواج في زفاف صديقه عبدالرحمن، وبالفعل كان ذاهبًا لرؤيتها، ولكن  مرض والده حينها وواتته المنية فانشغل عن الأمر ونسي ما كان مقدمًا عليه.

كيف سيحدث الأمر وبأي طريقة ستجري الأمور لا يعلم، للمرة الأولى يشعر بأنه تسرع في اتخاذ قراره، ولكن ألا يمكن أن يكون كل هذا من تدابير القدر الذي أراد أن يربت على صدرها بعد خبر وفاة ذاك السارق؟! 

ــــــــــــــــــــــــــــ

- إما أنتِ عايزاه مغلبانا وعاملة العمال دي كلها ليه؟ عايزة تفضحينا يا شمس!

هزت رأسها عدة مرات بصدمة، لم تتوقع بأسوأ كوابيسها أن يتجرأ ويصل إلى هذا المستوى ليفوز بها من جديد، أحقًا يرى أنه بفعلته هذه سيفوز بها؟! 

تساقطت دموعها وهي تستمع إلى توبيخ والدتها وذمها لأخلاقها، كل ما تقوله لا تتصف به، بل هي الغالية، العفيفة، التي كانت تتمنع عليه وهما في فترة عقد القران لأجل حيائها فكيف تصدق أمها أنها تفعل الآن؟! 

-أمي

صاحت بها في محاولة منها لإسكات والدتها التي تشج  قلبها باتهاماتها فأشفق مهدي المصدوم هو الآخر عليها والتفت إلى والدتها يبرر بصدق:

- إهدى يا عمتي.. مفيش حاجة حصلت لدا كله.. شمس معملتش حاجة.

لتهدر فيه عمته بغضب:

- اسكت.. أنت هتفضل تدافع عنها لغاية امتى.. 

 ثم التفتت بوجهها إلى ابنتها تخبرها بتهديد:

- أدام وصلت بيكِ الجرأة إنك تعملي كدا من غير كسوف فاعملي حسابك إنكوا هترجعوا لبعض تاني ومفيش اعتراض.

فصرخت شمس وقد فاض بها الكيل:

- لأ.. مش موافقة 

اشتعل الغضب وارتفعت حرارة الأم من كثرته، لتصيح وهي تتقدم منها تعزم على ضربها:

- اخرسي.. مفيش حد قادر عليكِ ولا إيه.. هترجعي غصب عنك.

تخلى مهدى عن الجمود الذي سيطر على أعضائه من فرط صدمته، واقترب يحول بينهما فدفعته شمس بقوة غريبة عنها، ثم صاحت بوجهه:

- ابعد عني بقا.. أنتَ عامل المسلسل دا كله عشان تجبرني أرجع لك تاني.. ابعد بقا.. أبعد.. أنت معندكش دم ولا إحساس ؟! قلت مش عايزاك..

ظلت تصرخ في وجهه بكلماتها لينظر إليها بعتب شديد أبدى إليهم كم أن موقفها أوجع قلبه، فقد ذكرته إهانتها له بالسبب الرئيسي لطلاقهما، فابتعد عنهما بعدما شعر بانشغال عمته بما حدث عن ضربها، ثم التفت إلى أمها يبرر ما حدث بنبرة صادقة:

- مفيش حاجة حصلت يا عمتي.. شمس كانت ساكتة أصلا ومستنياكِ.. بس شكلها سرحت وكانت رجليها بتهز التربيزة من التوتر  فكانت هتوقع كوباية الماية..

ثم أشار إلى كوب المياة الموضوع على الطاولة قبل أن يتابع حديثه:

- خوفت توقع وييجي لها فوبيا فقومت بسرعة أمسك الكوباية عنها بس رجلي  اتكعبلت في طرف السجادة وكنت هقع عشان كدا سندت نفسي وكنا بالوضع دا..

أشار مرة أخرى إلى طرف السجادة الملفوف قليلًا ليدعم حديثه، ثم تحرك تجاه الكمود الذي يستقر المصحف أعلاه، والتقط المصحف وأقسم وهو يفرد راحته اليمنى أسفل المصحف:

- أقسم برب المصحف اللي بين إيدى دا إن اللي حكيته هو اللي حصل.. آسف يا عمتي إني اتسببت في المشكلة دي بدون ما أقصد

ثم التفت إلى شمس موجهًا حديثه:

- آسف إني حاولت في قضية خسرانة.

تركهم مغادرًا بقلب يتميز ضيقًا، على عكس الحماس الذي كان يسيطر عليه حينما قدم، أدرك بأقسى الطرق على قلبه أنهما وصلا معًا إلى طريق مسدود، كانت إهانتها له سببًا في قبوله الطلاق منذ البداية، ولكن بمرور الوقت برر لها ما فعلت وتناسى قبيح فعلتها. فرَّ منه عقله إلى أن وصل لليوم الذي تقدم لخطبتها فيه منذ البداية؛ كان الاثنان على علم بحب كل منهما للآخر، هو اكتشف من ارتباكها وتوترها كلما حضر في المجلس، وهي أيقنت من غيرته عليها من أي حرف مذكر يمس لها طرفًا، ولكن ظلا لفترة طويلة لم يعترف أحدهما للآخر، إلى أن ضاق به صدره، وأعلن أمام الجميع في تجمع يوم الجمعة العائلي أنه يرغب الزواج من شمس،  ولكنها صفعت قلبه على وجهه برفضها له أمام الجميع.

لم ييأس وظلّ يبحث عن خلفها دون كلل إلى أن توصل أنها ترفضه بسبب شعورها بالنقص من الفوبيا التي تلازمها من أصوات كسر الزجاج،  ما جعله يصر على التمسك بها؛ تيقنه من أنها لم ترفضه لشخصه، بل ترفض الزواج عامة، فكيف ستتزوج وتصبح سيدة البيت وهي تخشى الزجاج، وستعجز عن العمل بحرية داخل مطبخ بيتها؟!

حينها أخبرها بأنه لا يهتم، بل عرض عليها أن تأتي سيدة تساعدها في أعمال المنزل إلا أنها أبت، وعلى الرغم من ذلك لم يتخلَّ عنها، بل ظلَّ يحوم حولها إلى أن نشر خبر خطبتهما في أرجاء الحي، فجعل الجميع يتحدث عن خطبتهما وعقد قرانهما الوشيك بآخر الشهر، مما جعل العائلة أجمع تتفق على خطبتهما  ووقتها استخدموا طريقة الابتزاز العاطفي إلى أن رضخت لهم شمس، ولكن لم ترضَ عنه كل الرضا، بل ظلت تتهمه بالتسلط والديكتاتورية إلى أن استطاع بحبه الكشف عن حبها وصارًا متحابين كأي اثنين، تتدلل فيغرقها دلالا، تتمنع فيحاول بكل الطرق إرضاءها، أحيانًا يشد الحبل إذا استدعى الأمر، وأحيانًا أكثر يرخيه إلى أن حدث ذلك الموقف الذي قصم ظهر البعير، وجعل الطلاق يعرف طريقه إليهما فأوقف على الزواج استكمال خطواته التي كادت أن تكتمل.

فاق من شروده على صوت والدته التي استقبلته بوجه بشوش وسؤالٍ حانٍ عن حاله فور أن دلف البيت الذي اتجه إليه في غمرة شروده ولم يدرِ بحاله سوى على صوت أمه.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

ما زالت على صدمتها منذ أن غادر بعدما برر إليهما الموقف، كيف اضطرته بحديثها أن يحلف على المصحف بتلك الطريقة التي أبدت كم أوجعته؟! أهي من أوصلته  لهذه الدرجة التي أظهرت كم يعلم أنها لا تثق به ولو بقدر رمح أم أن كلماتها هي ما أجبرته بقسوتها على الدفاع بأي طريقة؟! 

ربما ظهر قسمه دفاع عن نفسه أمام والدتها لكنها موقنة من أنه لم يفعل إلا ليدفع كلامها القاسي، على قدر الوجع الذي سكبته نظراته تشعر بألم مضاعف من ظلمها له، وكأنه سكب ألمه بجوفها فتجرعت مرارته ومازالت تتجرعها على مهل كلما فكرت بما حدث، تفاقم بقلبها الألم إلى درجة جعلتها تتناسى غضبها منه.

فاقت من شرودها على صوت شقيقتها الهادئ تردد وكأنها تقر حقيقة:

- تعرفي يا شمس.. أنتِ متستاهليش مهدي.. هو آه يمكن مش ملتزم أوي بس مفيش في أخلاقه وكان متمسك بيكِ بدرجة كبيرة رغم معاملتك المنفرة ليه.. أنت بتحبي تشوفي نفسك مظلومة وبس ومبتشوفيش غير خطأ غيرك.. يمكن إحنا مش عارفين لحد دلوقتي السبب اللي سبتيه عشانه.. بس متأكدة إنه بسبب أنانيتك.. أنتِ باللي عملتيه دلوقتي خسرتيه وصدقيني مش صعبان عليا غير وجعه.

لم توجعها كلمات شقيقتها التي لم تفكر بحزنها لحظة، بل فعلت كما فعل باقي أفراد العائلة.. اهتمت بمهدي ووجع مهدي فحسب.. أما هي فلا يهم.. المهم هو أن يكون مهدي بخير، وقلبها الآن يفعل هو الآخر، فهي الآن لا تريد سوى الاطمئنان على مهدي ، وليذهب عقل شمس إلى الجحيم وتذهب مشاعرها!

ــــــــــــــــــــــــــــ

على الطاولة التي اعتادت الجلوس فوقها بمكتبة الكتب؛ انكبَّت عبير فوق إحدى الروايات التاريخية تغوص بأفكارها بين أمواج الرواية إلى أن رست فوق إحدى السفن وارتاح عقلها مما تقرأ لينشغل مرة أخرى في التفكير بالأحداث التي مرَّت عليها في الفترة السابقة، تذكرت كيف ذهبت إلى أبيها بعدما هددها زوجها بالزواج الثاني وأخبرته أنها قررت الطلاق وأن قرارها لا رجعة فيه، اعتقدت أن والدها سيثور، سيلومها على موافقتها الزواج من زوجها رغم نصيحة الجميع لها بألا تفعل، إلا أنه لم يكن منه سوى أن رمقها بعمق قبل أن ينطق بتثاقل:

- كنت مستني اللحظة دي من يوم ما اتجوزتي.. وكل يوم كنت بستغرب إنك مستحملة وعايشة وأقول لنفسي يمكن أنتَ غلطان، لكن طلعت صح.. بنتي العنيدة اكتشفت بعد دا كله إن زواجها وزوجها نفسه مكانوش مناسبين ليها وعرفت إن إحنا كان عندنا حق..

لم يكن منها سوى أن أجهشت في البكاء، لم يكن بكاء عادي، بل كان وصف وشكوى مما عانته طوال أشهر زواجها الماضية، لينجذب والدها إلى عاطفة الأبوة خاصته ويحتضنها بحنان مرددًا بالعديد من كلمات المواساه علَّها تزيح الهم عن قلب ابنته.

فاقت من شرودها على صوت تعلمه جيدًا يسألها بغلظة:

- أنتِ إزاي خرچتي من غير موافجتي .. إزاي أرچع من السفر وملاجيش مرتي مستنياني.

لتبتسم بسخرية فور سماعها لصوته، فيبدو أنه قد عاد من بلدته توًا ولم يشعر بأنها غادرت البيت منذ شهر فنطقت تسأله:

- إيه.. متعصب بالطريقة دي ليه؟ ملقتش عروسة ترضى بيك ولا إيه؟ ياترى بقا قلت لها إيه خلاها متوافقش؟ إنك بعد كام شهر من الجواز هتجري تدور على عروسة تانية لو محملتش من غير حتى ما تعمل تحليل واحد تعرف سبب التأخير إيه؟ .. على العموم.. أنا عملت كل التحاليل اللازمة والدكتورة أكدت لي إن التأخير مش بسببي..

لتظهر الصدمة على ملامح وجهه قبل أن يسألها بغضب وكأنها سبته لتوها:

- وه.. تجصدي ايه؟ إني معيوب .. جطع لسانك ولسان اللي يجول اكده..

لتنهي الحوار  قائلة وهي تقف لتغادر وكأن الواقف أمامها ليس زوجها:

- أقصد ولا مقصدش كله بمشيئة ربنا.. عشان بس متضخضش.. اسأل حد من الجيران على إخطار جالك من المحكمة ولا حاجة.. أصلي رفعت عليك قضية طلاق.

وكأنها لم تصعقه بقولها، ذهبت من أمامه دون أن يقدر على اللحاق بها، بل لم تسعفه قدماه على التحرك خطوة واحدة، عجز لسانه عن نطق ما يوقف خطواتها، وكيف لا يفعل وقد صدمته صدمة حياته، لقد ظنَّ أنها ستحمل زواجه الثاني كما احمتلت كل ما مرَّ عليها، فقد تركته ذات مرة بقولها " اوعى تجرحني في يوم.. أنا اتحديت الدنيا كلها عشانك.. ومش هقدر أشتكي منك ولو بكلمة.. كله هيتهمني أنا"

استغل خوفها أسوأ استغلال ليجد النتيجة كما يرى الآن.. وبالطبع سيتم الطلاق.. وهل يقدر على الرفض ووالدها ملك القانون؟ المحامي العقر كما تتحدث عنه جميع أفراد البلدة، فبالطبع لن يعجز عن شيء بسيط كهذا.. شيء بسيط كطلاق ابنته!

غادر من المكتبة بعدما أدرك أنه خسرها وخسر معها كل حلو جمعهما يومًا ما، غادرا غافلين عن أعين ذاك الذي لو أقسم لهما ألف مرة أنه استمع حوارهما صدفه لن يصدقانه، فكيف يصدقون أن صاحب المكتبة طلب منه جمع كتب الطلب القادم في نفس الوقت الذي كان الزوجان يتعاتبان، بل تعاتب المرأة المقهورة، والزوج المصدوم لا يقوَ على الرد!

ـــــــــــــــــــــــــــ

- أنا هروح لأمها بنفسي

هتفت بها والدة أوّاب بانفعال وهي تضع عباءتها السوداء على جسدها ليحاول أواب الامتناع بقوله:

- يا أمي اصبري أخلي مهدي يكلم عبدالرحمن الأول إنك تروحي.. نستأذنهم قبل ما تدخلي البيت

إلا أن والدته أبت وأنهت الحوار بقولها وهي ترتدي خمارها الأسود الذي لا يفارق وجهها منذ وفاة زوجها:

- وليه التأخير دا كله.. عادتنا كدا أم العريس تروح من غير وسيط 

- طيب نستأذن.. بلاش تروحي مرة واحدة نعرفهم على الأقل عشان يستعدوا
ولكنها رفضت رفض قاطع ولم يستطع ردعها، بل لم تدع الفرصة تجد طريقًا إليه، أخذت حقيبة اليد الصغيرة الخاصة بها وأغلقت الباب خلفها ومعه أوصدت أبواب نقاش ابنها فهمس عقب رحيلها بتشتت:
 لسة بدري يا أمي.. لسة ملحقتش تتعافى

تعليقات



<>