
هاجر رجعت من كندا بعد سنتين من الغربة ، قلبها مليان شوق وحنين لمصر، عايزة تشوف مامتها وباباها بعد طول غياب.
رغم إن باباها ومامتها منفصلين، باباها دايمًا بيسأل عليها وقلقه عليها كان واضح، وده كان بيرسم إحساس بالدفا والأمان في قلبها.
أما مامتها، فكانت مشغولة طول الوقت بشغلها، وكل يوم لها مواعيده ومهامه اللي واخدة كل وقتها، وده خلاها تحس شويه بالغربة حتى وهي موجودة في البيت.
هاجر وهي ماسكة الموبايل في إيدها، إيديها كانت متوترة والعرق بيلمع على كفها من التعب والسفر الطويل. أول ما سمعت صوت مامتها، قلبها دق بسرعة، مستنية الكلمة اللي تحسسها إنها وحشتها، أو حتى جملة صغيرة فيها شوق.
لكن رد نيهال جه بارد، مختصر، زي ما يكون واجب بتأديه:
ــ "طيب يا حبيبتي، روحي على العنوان اللي بعتهولِك والخدامة هتفتحلك."
هاجر عضّت شفايفها بضيق، الصوت خرج من صدرها متحشرج:
ــ "يعني… انتي مش هناك؟"
نهى قالت بسرعة، بنفس النبرة المجهدة:
ــ "آه معلش يا هاجر، أنا في الشغل. على بليل هكون عندك."
ثواني بعدها، المكالمة اتقفلت.
هاجر فضلت تبص للموبايل كأنها مش مصدقة إن الكلام خلص كده. تنهدت تنهيدة طويلة، مليانة زعل مكتوم، ورمت راسها ورا على الكرسي وهي تهمس لنفسها:
"يعني بعد سنتين غياب، أول حاجة تقابلني بيها… غياب تاني؟"
جواها شعور بالخنقة، مزيج ما بين الشوق اللي اتكسر في لحظة، والزهق من واقع بتحسه متكرر… حتى بعد الرجوع.
بعد ساعات قليلة، وقفت هاجر قدام باب الفيلا. الشمس كانت بتنحني وبتلقي خيوطها على واجهة البيت، لكن قلبها كان تقيل ومليان حزن. السواق نزل الشنط وحطها في الجنينه، وبعد كده سابها تمشي لحد الباب.
هاجر بصت للفيلا، عيونها متفحصة كل زاوية من بره، بتحاول تقرأ البيت وتستشف منه روحها اللي كانت متوقعة تحسها هنا. ومع كل لحظة، الحزن كان بيتسرب أكتر.
خبطت على الباب، وسرعان ما سمعت صوت رجل من جوه يقول:
ــ "خليكي، أنا هفتح."
وقفت هاجر متوترة، وعينيها مفتوحة على اتساعها. الصوت كان حازم وهادئ في نفس الوقت، لكنها مش فاهمة مين الشخص اللي بيتكلم. إحساس الغربة ازداد جوهها، مش بس عن البلد، كمان عن المكان والناس اللي حوالينها.
راكان فتح الباب، وبصلها باستغراب واضح على وشه، كأنه شايف حد غريب تمامًا.
ــ "مين انتي؟"
هاجر حست بالارتباك، لكنها ردت بسرعة، وهي بتحاول تتأكد من العنوان اللي مامتها بعتتهولها:
ــ "مش دا بيت مدام نيهال؟"
راكان حط كفه على كتف الباب شويه، ورده جاء هادئ لكن مليان دهشة:
ــ "مدام نيهال مرات أبويا."
هاجر وقفت للحظة، الصدمة خدت قلبها ومخها مع بعض، وعيونها اتسعت:
ــ "إيه؟!"
راكان وقف قدامها، عيناه فيها لمعة فضول خفيف، وسألها:
— انتي هاجر؟
هاجر اتجمّدت للحظة، الصدمة ماليا عينيها، وصوتها خرج شبه همس:
— أيوا… أنا… إنت تعرف اسمي منين؟
ابتسامة خفيفة وراقة ظهرت على وش راكان، حاول يكسر التوتر وقال:
— طب ادخلي… ادخلي.
دخلت هاجر، ورغم خطواتها الهادية، كانت علامات الصدمة واضحة على وشها، عيونها مليانة استغراب وغضب مختلط. رفعت راسها وهي تنفجر بسخرية مرة:
— إزاي… إزاي ماما تتجوز من غير ما تقولي؟
راكان ضحك ضحكة خفيفة، فيها شوية حيرة وسماجة:
— آه… هي… هي مقالتش ليكي.
هاجر رمت له نظرة فيها استهزاء وجرح عميق:
— وهي من إمتى بتقولي حاجة عنها… ولا عن حياتها؟
في كل كلمة كانت فيها موجة من الغضب، خيبة الأمل، وحس بالخيانة، وكأنها بتحاول تلمّ كل شعوراتها المتضاربة في جملة واحدة.
هاجر وقفت قدام راكان، قلبها بيضرب بسرعة، عينها مليانة غضب وحزن مع بعض، وصوتها ارتجف شوية:
— يعني كل حياتي وقراراتي ومشاعري… مش لها أي قيمة؟ ماما عملت كده من غير ما تفكر فيا؟
راكان حاول يهدي الجو، صوته ودي:
— هاجر… مفيش أي حاجة حصلت فجأة. هي كانت…
هاجر قطعته بغضب:
— كانت إيه؟ خايفة تزعلني؟ ولا خايفة أعترض؟ ولا يمكن كانت متعودة تاخد قراراتها لوحدها؟
راكان وهو بيحاول يسيطر على الجو المشحون، صوته طلع هادي بس فيه رجفة بسيطة:
— هاجر… لازم تهدي. مامتك هتيجي وهتشوفيها، تقدري ساعتها تكلميها بهدوء وتعرفي منها هي عملت كده ليه.
لكن كلامه كان زي الشرارة اللي وقعت على البنزين. هاجر انفجرت، عينيها بقت فيها لمعة دموع وغضب في نفس الوقت، وصوتها طلع حاد:
— انت مالكش دعوة بيا خالص! انت عمرك ما هتكون أخويا، فاهم؟ أنا ماليش إخوات!
الصدمة وقفت راكان مكانه، عينيه اتسعت ومبصتلها في لحظة صمت تقيلة. حسّ بالكلمة وهي بتخبط فيه زي حجر.
هاجر ما استنتش ردّه، قلبها كان تقيل من اللي حصل، فطلعت على السلم بسرعة، دخلت الغرفة اللي اتحطت فيها شنطتها، ورزعت الباب وراها. الباب اتقفل بصوت عالي كان هو التعبير الوحيد عن الغليان اللي جواها.
في الغرفة وقفت هاجر دقيقة، بتتنفس بسرعة، بتحس إنها تايهة وسط حياة بقت غريبة عليها فجأة.
الغرفة كانت واسعة بس غريبة عليها، كل حاجة فيها متوضبة بعناية، ستاير جديدة على الشباك، سرير متغطّي بمفرش لامع، وترابيزه صغيرة عليها فازة ورود صناعية. مكان غريب… مش بيتها، ومش غربتها اللي اتعودت عليها برّه.
هاجر وقفت في نص الأوضة، لسه بتنهج من العصبية. دموعها وقفت في عينيها، بس ما نزلتش. قلبها بيخبط بقوة، وأفكارها متلخبطة زي بحر هيج.
"إزاي؟ إزاي ماما تعمل كده من غير ما تقولي؟ إزاي تسيبني عايشة برّه سنتين… أرجع ألاقي حياتها اتغيّرت كده؟"
قعدت على طرف السرير، سندت وشها في كف إيديها، وصوت أنفاسها بقى تقيل.
"أنا طول عمري لوحدي… من وأنا صغيرة، وهي عمرها ما سألتني محتاجة إيه. دلوقتي جايه تخليني أشاركها فرحتها؟ فرحة هي نسيتني فيها؟"
رفعت راسها تبص حوالين الأوضة، كل تفصيلة فيها حسّستها بالاغتراب. حتى شنطتها اللي كانت متروكة في الركن، حسّت إنها الغريب الوحيد اللي بيتفرج على حياة جديدة بدأت من غيره.
قطع شرودها رنة موبايلها، لمّا شافت اسم "بابا" ع الشاشة، قلبها دق بسرعة. بسرعة مسحت دموعها بطرف إيدها، وحاولت تخلي صوتها عادي، فيه ابتسامة صغيرة عشان متكشفش اللي جواها:
— أيوا يا حبيبي.
جالها صوت أحمد، دافئ ومليان شوق:
— إيه يا حبيبتي، وصلتي؟
ابتسامة باهتة ارتسمت ع وشها من غير ما تحس:
— أيوه… لسه واصلة أهو.
صوت أحمد زاد حنية:
— طيب يا هجورة، استريحي النهارده، وبكره لازم تيجي عشان أشوفك، يا حبيبة بابا.
هاجر، وهي بتحاول تثبت صوتها، ردّت بسرعة:
— أكيد طبعًا يا حبيبي.
لكن أحمد حسّ إن فيه حاجة مش مظبوطة، صوته اتغير وبقى فيه قلق:
— إنتي كويسة؟ صوتك ماله؟
هاجر قفلت عن مشاعرها، حاولت تلاقي مخرج:
— لا… لا، أنا بس مرهقة شوية من السفر. هستريح وأكون كويسة. يلا… سلام يا حبيبي.
أحمد سكت لحظة صغيرة، وبعدين قال بصوت فيه شوية غصة:
— سلام.
سكت الموبايل، لكن جواها كان دوشة أكبر من أي كلام، وإحساس إنها محتاجة تحكي لباباها كل حاجة… بس في نفس الوقت مش قادرة.
في وسط دوامة التفكير والتعب، استسلمت هاجر من غير ما تحس، وغرقت في النوم.
عيونها العسلية تقفلت بهدوء، تايهة في بحر النوم اللي خطفها بعيد عن كل الضجيج.
على خدودها البيضاء، بقى فيه أثر واضح للدموع اللي سالت وممسحتش كويس، زي سطور حزينة محفورة ع وشها الرقيق.
ونمشها البني، اللي كان دايمًا يديها لمسة طفولية بريئة، بقى دلوقتي شاهد صامت على تعبها ووجعها.
نامت… بس كان نومها مليان هروب، أكتر ما هو راحة.
الفصل الثاني
هاجر صحت من نومها على نص الليل. عيونها لسه متورمة من النوم والتفكير، قامت ببطء ووقفت قدام شنطتها. غيرت هدومها اللي كانت لسه ما بدّلتهاش من الإرهاق، لبست بيجامة بامبي ناعمة، لونها الطفولي ما قدرش يخفف من وجع قلبها.
نزلت السلم بخطوات ثابتة، لكن كل خطوة كان فيها ارتباك وحيرة. جواها كان فيه خليط غريب… شوق لمامتها اللي وحشتها، وضيق وغضب منها في نفس الوقت.
وصلت عند السفرة. لقت مامتها قاعدة على الطاولة مع جوزها الجديد، وابن جوز أمها اللي لسه حتى مش عارفة اسمه. قلبها اتقبض. إحساس وجع وذهول ملأها.
كانت نفسها تحس بجو العيلة دا… بس مع باباها ومامتها، مش مع ناس تانية. واللي قدامها ده كان صورة جديدة لحياة مامتها، وهي نفسها غريبة وسطهم.
نيهال رفعت نظرها، لقت هاجر واقفة بشرود، ابتسمت ابتسامة واسعة وقالت:
— ألف حمد لله على السلامة يا حبيبتي.
قامت بسرعة عشان تحضنها. لكن هاجر ما بادلتش الحضن، جسمها كان متحجر، بعدت عنها، وصوتها طلع منفعل، مليان حزن وغضب:
— إزاي متقوليش إنك اتجوزتي؟ عشان عارفة إنّي لو عرفت مكنتش هاجي، مش كده؟
بعدين زودتها بوجع:
— أنا مشفتش حد أناني أكتر منك.
نيهال انصدمت، صوتها بقى متوتر:
— إيه اللي إنتي بتقوليه ده يا هاجر! أنا اتجوزت على سنة الله ورسوله، والجواز مش عيب ولا حرام.
هاجر ردّت بسرعة، عينيها فيها لمعة دموع:
— ومدام الجواز مش عيب ولا حرام… خبيتي عني ليه؟ ها؟ كنتِ عاملاها لي مفاجأة يعني؟!
نيهال اتنفسّت بحدة، وقالت:
— ماقلتيش الكلام ده لأبوك لما اتجوز ليه؟ ولا هو حلال ليه وحرام ليا؟
هاجر صوتها انكسر وهي بتتكلم:
— متدخليش المواضيع في بعض. بابا قالي قبل ما يتجوز، واخد رأيي… لكن إنتي، إنتي اتجوزتي من غير حتى ما تعرفيني. أنا للدرجة دي مبقتش فارقة معاكي؟
نيهال سكتت، كلامها اختفى. راكان وأبوه قاعدين على السفرة بيراقبوا الموقف في صمت. الجو كان تقيل، كأن كل كلمة نزلت زي حجر في ميه راكدة.
هاجر ابتسمت بوجع وقالت بهدوء:
— أنا هروح بكرة أقعد مع بابا. شكلي كنت غلط لما قولت أجي أقعد معاكي.
وطلعت على السلم ببطء، رايحة على أوضتها. نيهال، صوتها ارتفع بغضب وحزن في نفس الوقت:
— مش هتتحركي يا هاجر على جثتي! لو خرجتي من هنا وأنا أمك، وهمشي كلامي عليكي… إنتي فاهمة؟
البيت كله سكت، ومافضلش غير صوت نفس هاجر وهي طالع السلم، وعيونها اللي بتلمع بالدموع.
أبو راكان بصّ على هاجر وهي طالعة على السلم، وبصوت خافض قال لابنه:
— روح شوف أختك يا راكان.
راكان اتردد لحظة، عيناه فيها صراع بين إنه يسيبها في حالها وإنه يسمع كلام أبوه. بعدين ابتسم ابتسامة جانبية فيها هدوء مصطنع وقال:
— حاضر يا بابا.
طلع على السلم بخطوات هادية. وقف قدام الباب اللي مقفول، وسمع صوت شهقاتها وبكاها بيقطع الصمت اللي في الدور كله.
خبط خبطتين خفيفتين:
— هاجر…
صوتها طلع متقطع ومختنق من البكا:
— مش عايزة أتكلم يا ماما.
فتح راكان الباب ببطء، دخل وهو بيحاول يحافظ على هدوءه. هاجر أول ما شافته رفعت راسها بعصبية وقالت:
— عايز إيه؟ وأوعى تفتكر إنك عشان ماما اتجوزت أبوك إنك بقيت أخويا، إنت فاهم؟
راكان وقف عند الباب، ابتسم ابتسامة صغيرة فيها محاولة تهدئة وقال:
— أنا عارف إن الموضوع جه فجأة… بس دا ميمنعش إن مامتك بتحبك وبتخاف عليكي.
هاجر، صوتها ارتفع وهي تحاول تمسح دموعها:
— قولتلك ما تدخلش بيني وبينها! هي أمي أنا… مش أمك إنت.
راكان قرب شوية، عينه فيها نظرة فاهمة، وصوته بقى أهدى:
— عارفة… إنتِ بتحاولي تقنعي نفسك بحاجة إنها أمك انتي بس، ودا صح. بس مش عايزة تتخيلي إنها ممكن تدي حب لابن مش ابنها… اللي هو أنا. ودا اللي مأثر فيكي.
الكلام وقع عليها زي صفعة صامتة. قلبها اتقلب، حسّت إنها عايزة ترد بس الكلام وقف في حلقها.
الكلمة الأخيرة نزلت على هاجر تقيلة زي الحجر. حسّت نار طالعة من جواها، دموعها ما وقفتش، وصوتها ارتفع بغضب مكتوم بقاله سنين:
— انتَ إزاي تجرؤ تقول كده؟! إزاي!
أنا طول عمري مستنيا منها كلمة حنية… نظرة، حضن بجد! عايشة معاها غريبة، وغريبة عنها.
تيجي إنت دلوقتي تقوللي إنها بتحبك زيي؟!
قامت واقفة بعصبية، إيديها بتترعش، وعينيها مليانة دموع:
— إنت عارف يعني إيه أبقى بنتها الوحيدة وأحس طول الوقت إنها مش شايفاني؟ إنت عارف يعني إيه أرجع من سفر سنين ألاقيها بدأت حياة جديدة… من غيري؟!
صوتها اتكسر فجأة، بقت ما بين البكا والصرخة:
— إنت آخر واحد في الدنيا ليه الحق يتكلم عن علاقتي بيها. هي أمي أنا… مش أمك، ولا هتبقى!
رمت نفسها ع السرير، دموعها نازلة بغزارة، وكأنها مش قادرة تسيطر على نفسها أكتر.
راكان وقف مكانه مصدوم من شدّة انفجارها، ابتسامته اختفت، وملامحه اتبدلت لجدية وصمت.
الجو في الأوضة بقى تقيل، مفيش غير صوت بكاها اللي كان بيخترق قلبه من غير ما يعرف يرد.
سكت راكان شوية، عينه نزلت للأرض، وصوته اتغير من الهدوء للسكون اللي بيخبي وراه وجع قديم:
— إنتي عندك حق… هي عمرها ما هتحبني قد ما هتحبك.
بس… كنت بتمنى يكون عندي عيلة. من بعد ما أمي توفت وأنا طفل، وأنا عايش لوحدي… بابا طول الوقت مسافر، والبيت فاضي، والليل طويل.
كنت بتمنا يبقى عندي أخوات… عيلة تحسسني إني زي أي حد في سني.
رفع عينه ليها، نظرته لأول مرة ماكانتش فيها أي ابتسامة، ولا حتى محاولة يبان قوي. كانت نظرة صريحة كلها حزن:
— أنا مش داخل حياتك عشان أخد مكان حد… أنا نفسي ألاقي مكان ليا.
هاجر سكتت فجأة، كأن كلماته جمدت غضبها للحظة، قلبها اتلخبط، مش عارفة ترد ولا حتى تنظر في عينه.
هاجر مسحت دموعها بعصبية، قلبها لسه بيدق بسرعة، وكأنها مش عايزة تعترف إن كلامه لمسها:
هاجر بحدة: الكلام الحلو مش هيغير حاجة، أنا مش طالبة منك تعوضني عن حاجة.
سكتت ثواني وعينيها هربت بعيد عنه: بس… يمكن فاهمة اللي انت قصدته.
راكان ابتسم ابتسامة صغيرة بس كانت مختلفة، فيها شوية ارتياح إنه نجح يخليها تسمعه:
— مش عايز أكتر من كده دلوقتي.
هاجر بصت له بنظرة مترددة، ما بين رغبتها تكمل الخصام، وبين حاجة جواها بتقول لها "اسمعيه."
سابها وخرج، بس قبل ما يقفل الباب وراه كانت عينه لسه بتبص عليها كأنه عايز يقول "أنا قولت اللي جوايا خلاص."
هاجر فضلت قاعده مكانها، صوت دقات قلبها عالي جوه ودانها، ومش قادرة تحدد إذا كانت متضايقة منه ولا متأثرة بيه.
الليل عدى تقيل، كل ما تحاول تنام تفتكر كلامه عن الوحدة والعيلة. دماغها مليانه أسئلة:
هتعرف تستحمل تعيش وسط حياتهم الجديدة دي؟
ولا هتنهزم قدام وجعها وتروح تقعد مع باباها؟
لقت نفسها تايهة بين اختيارات مالهاش إجابة واضحة، والليالي الجاية هي اللي هتحدد إذا كانت قوية كفاية ولا لأ.
صحيت هاجر تاني يوم، ونزلت بخطوات مترددة على ريحة الفطار اللي ماليه البيت.
نيهال كانت قاعده ع السفرة، ملامحها متجهمة والزعل باين في عينيها، لكن ولا كلمة طلعت منها.
هاجر برضه قعدت قصادها من غير ما تقول حاجة، كأن بينهم جدار من صمت تقيل.
سمير، جوز أمها، حاول يكسر الجمود بابتسامة بسيطة وهو بيصب الشاي:
– قوليلي يا هاجر يا حبيبتي… انتي ناوية تشتغلي ولا تعملي إيه بعد ما رجعتي من المنحة؟
هاجر رفعت عينيها وبصت له بشرود:
– والله لسه مش عارفة.
وسكتت من غير ما تكمّل.
هو ابتسم ابتسامة أبوية وقال:
– ع العموم أي قرار هتاخديه… احنا معاكي فيه.
الكلمة علقت في دماغها: إحنا؟
والأكتر منها كلمة معاكي.
حست بغصة صغيرة، كأن الكلمة دي أول مره تسمعها
لأنها كانت عايشه وسط اسره مفككه