
رواية نبضات لا تعرف المستحيل بقلم اميرة احمد
رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الثامن والعشرون28 بقلم اميرة احمد
وقفت حياة أمام نافذة غرفتها تتابع بعينين شاردتين الطريق أمامها....مدينة جديدة لم تعهدها من قبل.... شتاء قارص لم تعتاد عليه... اخرجها من شرودها لمسة رقيقة من فارس فوق ذراعها وهو يناولها كوب من الشاي.
تطلعت إليه بابتسامة وأخذت الكوب تحتضنه بين كفيها.
وقف إلي جوارها وهمس: ندمانة؟
دون أن تنظر إليه حركت رأسها بالنفي.... هتف فارس من جديد: مالك؟
ترقرقت دمعة في عينيها وهمست بصوت ضعيف: أهلي وحشوني أوي.
لف فارس ذراعه حول ظهرها يحاوطها، وضمها إلي حضنه وهمس بنبرة ضعيفة: وانا كمان... أوعي تفتكري أني جامد او مش بحس.... بس الوجع أقل وأنتي جنبي.
حياة: انا بس مش واخدة على العيشة هنا.... كل حاجة جديدة عليا.
ربت فارس على كتفها بحنان وقال: معلش حبيبتي.... هتتعودي.
نظرت إليه بطفولة وقالت: فارس أنا مش عارفة أشغل الغسالة... باتدلع عليك اخليك تشغلها أنت علشان انا مش عارفة؟
ضحك فارس بخفة: طيب ما تقوليلي و أعلمك بتشتغل أزاي.
أطرقت حياة برأسها وقالت بنبرة ضعيفة: فارس انا بخاف أوي لما بتسيبني وتبات في الشغل.
فارس: حبيبتي.... حتي لو كنا في مصر كنت هاسيبك وابات في الشغل.... غصب عني دي طبيعة شغلي وأنتي عارفاها كويس.
رفعت حياة عينيها لمواجهته وهتفت: بس انا زهقت من القاعدة لوحدي وانت مش موجود.
ابتسم فارس: عايزة ايه يا حياة؟
رفعت حياة عينيها لتواجهه وهمست بنبرة منخفضة: عاوزة أشتغل.
نظر لها فارس وعقد ذراعيه أمام صدره ولم يعقب فأردفت: انا دورت وعرفت أنى ممكن أعمل معادلة للشهادة بتاعتي هنا واشتغل بيها.
أبتسم فارس وقال بنبرة دافئة: واضح أنك دورتي كويس قبل ما تقوليلي.
حياة: انا مش متعودة أقعد في البيت كده.
فارس: موافق بس بشرط.
انفرجت اسارير حياة: اللي تؤمر بيه.
ابتسم فارس وهو يحاوط خصرها بذراعه: أن شغلك ميشغلكيش عني.
تعلقت حياة في عنقه وهمست بالقرب من أذنه: مفيش حاجة تشغلني عنك أبدا.
مال ليضع قبلة رقيقة على وجنتها وهمس: انا لازم أنزل دلوقتي علشان متأخرش على المحاضرة.... بس لما أرجع نكمل كلامنا ان شاء الله.
انصرف فارس ووقفت حياة تشاهده من النافذة وهو يختفي بالتدريج..... ارتشفت من كوب الشاي في يدها وتنهدت ببطء.
في المساء.... عاد فارس إلي المنزل.... مجرد أن فتح الباب أشتم رائحة الشياط.... دخل إلي المطبخ وجد حياة تقف في منتصف المطبخ، ترتدي مريول المطبخ فوق قميص قطني قصير... المطبخ من حولها في حالة يرثي لها... أقترب منها فارس وهو يضحك وضمها إلي صدره وقال: واضح أن في كارثة حصلت في المطبخ.
اخفضت حياة رأسها وقالت بدلال: كنت بحاول اعملك المسقعة اللي أنت بتحبها.
ضحك فارس: طيب وايه؟ البتنجان انفجر في المطبخ؟
اخفضت عينيها بخزي وهمست: اتحرق مني.
ضحك فارس ووضع قبلة فوق رأسها: ولا يهمك.
رفعت عينيها لتتلاقي مع عينيه وقالت: يعني مش زعلان.
اماء برأسه بالنفي مع ابتسامة واسعة ارتسمت فوق شفتيه، فأردفت: طيب وهناكل ايه؟
ابتعد عنها فارس وهو يخلع معطفه وهتف: زي أي راجل متحضر هاطلب دليفري.
ضحكت حياة بخفة ولحقت به وهمست: أنا اسفة يا حبيبي.... كان نفسي أعملك المسقعة اللي بتحبها.
ابتسم فارس وهمس بنبرة دافئة: ولا يهمك يا حبيبتي.... بكرة تتعلمي.
وقفت حياة تشاهده يصعد الدرج بعينين لامعتين، وخفقات ملأت قلبها... ابتسمت وهي تشعر بالامتنان لوجودها بجانبه.
----------------------------------------
بعد حفل زفاف ضخم...... دخل انس مع ليلي جناحهما في أحد أفخم فنادق القاهرة..... و ما ان اغلق الباب ارتسمت على وجه أنس ابتسامة شريرة، ونظره في عينيه لم تلحظها ليلي من قبل، مد يده الي حزام بنطلونه الجلدي و فكه وفي حركة سريعة سحبه من البنطلون و لف طرفه المعدني حول كفه، نظرت له ليلي برعب و هي تبتعد عنه ببطيء، لكنه أقترب منها وهمس لها: النهاردة هاخد حق كل كلمة مستفزة قولتيهالي و معرفتش ارد عليها، كل نظرة بصيتهالي و معجبتنيش وكان نفسي اكسر عضمك فيها.... ابتعدت عنه اكثر و هي تصيح: هتعمل ايه يا انس؟
اقترب منها بخطوات ثابته و نظرة في عينيه لم تعهدها من قبل، ابتعدت عنه وهي تصيح: اعقل يا انس هتعمل ايه....؟؟
لحق بها بخفه، استطاع اخيرا ان يمسك بها قبل ان تبتعد، احكم قبضته حولها، سرت قشعريرة في جسدها من قربه و احساسها بدفيء جسده، بدأت انفاسها تتصارع، اقترب منها اكثر حتي اصبحت لا توجد مسافه بينه وبينها، تكاد انفه تلامس انفها، نظر في عينيها و همس لها بصوت واثق هادئ: من النهاردة في أدب، مفهوم....؟؟
اغمضت عينيها تحاول ان تسيطر علي نفسها و لم تعقب، جذبها اكثر بيديه الحديدتين الملفوفتين حول خصرها و هتف: مفهوم؟؟
اخفضت رأسها و ارخت جفونها في استسلام، مد يديه و امسك بذقنها، رفع وجهها ليصبح في مواجهته، اقترب منها اكثر حتي لامست شفتيه شفتيها في قبلة ناعمة رقيقة..... ثم نزل الي عنقها الناعم وضع قبلة رقيقة عليه.
فقدت ليلي رباط نفسها، لفت يديها حول خصره وهمست بصوت بالكاد مسموع: مفهوم.
ابتسم نصف ابتسامة وزاد ضغطه علي خصرها واقترب من اذنها وهمس: بحبك و انتي هادية وبتسمعي الكلام.
لم تنظر اليه، بل دفنت وجهها الاحمر في صدره و همست: بحبك يا أنس.
رفعت راسها والتقت اعينهما مرة اخري ، همس لها أنس بصوت واثق: من النهاردة مفيش قط وفار تاني، فاهمة....؟؟
هزت راسها بإيجاب، همس مرة اخري: من النهاردة في حب و دلع و بس..... أدلعك و تدلعيني وبس.... مش هنقف لبعض زي الديوك تاني.
ابتسمت ليلي وهتفت في مرح: طيب بذمتك كل ده وتبقي ديك ازاي... قول تور.
احكم انس قبضته عليها أكثر وصاح بصوت ذكوري: وبعدين معاكي بقي شاكلك عاوزة تتأدبي.... قالها و هو يضع يديه تحت ركبتيها و يحملها بين ذراعيه في خفة و كانها لا وزن لها، صاحت و هي تتعلق بعنقه و تدفن راسها فيها: خلاص يا انس انا اسفة نزلني ... نزلني .
لم يستمع اليها، توجه بها نحو الغرفة ، اغلق الباب خلفه بدفعه من رجله، القاها علي السرير ، خلع عنه جاكيت بدلته و اقترب منها مرة اخري و هو يهمس: واضح ان مفيش فايدة فيكي.
ضحكت و هي تبتعد عنه بظهرها حتي ارتطمت بظهر السرير: دي اكتر حاجة بتحبها فيا.
انقض عليها ، انفاسه الساخنة تلفح وجهها، ضمها الي صدره و دفن وجهه في شعرها و همس: انا بحب كل حاجة فيكي يا ليلي.
رفع رأسه ببطيء و ظل يتأمل ملامحها بنظرة مليئة بالحب، و اخيرا ترك شفتيه تهمسان لها بكل مشاعر لم تُقال فأخذ يقبلها حتي استسلمت ليلي بين ذراعيه بهدوء.
في الصباح، فتحت ليلي عينيها بكسل، ذراعي أنس تحاوط خصرها بقوة، رأسها مسند الي ظهره، تشعر بحرارة انفاسه علي عنقها، حاولت ان تبعد ذراعه ببطء و تقوم من السرير، لكنه احكم قبضة ذراعه حول خصرها و همس بصوت ناعس في اذنها: عاوزة تهربي؟؟
التفت اليه وجهها يواجه وجهه و قالت : الناس بتقول صباح الخير!
بعينين مغمضة و صوت ناعس قال: لما يصحوا بيقولوا صباح الخير.
ليلي: بس انا صحيت.
انس و هو لا يزال مغمض العينين: و انا معنديش استعداد اصحي دلوقتي، و مينفعش تقومي من السرير غير لما جوزك يقوم.
قالت بصوت متوتر: بس انا عاوزة اقوم يا انس.
فتح عينيه ببطء و قال: من اول يوم هتعكنني عليا و تصحيني بدري، ده بدل ما تصحيني علي بوسة.
اقتربت منه و وضعت قبلة رقيقة علي خده و قالت: احلي بوسة بس خلينا نصحي.
نظر اليها بابتسامة و كأنه يقرأ افكارها و قال: عاوزة تقومي ليه يا ليلي؟
همست بصوت متردد: بصراحة..... انا جعانة اوي، و انت أكلت الاكل كله امبارح لوحدك.
رفع حاجبه و قال باستنكار: اتحايلت عليكي تاكلي، و حطتلك الاكل في بقك و عملتيلي فيها مكسوفة، اعملك ايه بقي؟
وكزته في كتفه: يعني افرض كنت بادلع عليك، تقوم تاكل الاكل كله.
اعتدل في جلسته علي السرير و هو يقول: الله... كنت جعان... عمتا شوفي عايزة ايه... اتصلي بالريسبشن و اطلبي اللي انتي عايزاه.
عبثت بطرف قميصها الحريري و همست: عاوزة اكل بفتيك.
نظر لها انس بتعجب و قال: بفتيك!!!
رفعت نظرها اليه و قالت بدلال: نفسي فيه.
ضحك انس: لولا، احنا اتجوزنا امبارح، اكيد ملحقتيش تتوحمي.
صاحت ليلي: جعانة بقولك يا انس.
انس: من اولها كده داخلة علي طمع، علشان عرفتي ان انا اللي هادفع عاوزة تفطري بفتيك.
تدللت عليه و قالت و هي تقترب منه: انت مستخسر فيا من اولها.
انس باستسلام وهو يضرب كف بكف: خلاص اطلبي اللي انتي عايزاه، مش عارف انا ايه اللي عملته في نفسي، بتصحي تفطر لحمة.
ضحكت بدلال و هي تمسك الهاتف و قالت : اطلبلك ايه؟
هتف متهكما و هو يتجه للحمام: اومليت بالمشروم ... معلش حاجة غريبة شوية ان حد يفطر بيها، بس هنعمل ايه بقي استحمليني.
ضحكت ليلي: قدري بقي استحملك هاعمل ايه.
بينما كانت ليلي تطلب الإفطار، خرج أنس من الحمام وهو يجفف شعره بالمنشفة، يراقبها من طرف عينه وقال بنبرة متهكمة: خلاص؟ طلبتي البفتيك؟ ولا لسه بتختاري نوع اللحمة؟
نظرت له بطرف عينها وقالت وهي تضحك: لا طلبته خلاص، وقولتلهم يستعجلوا علشان في حد هيموت من الجوع.
بعد دقائق كان هناك طرقات خفيفة على باب الغرفة، دفع أنس عربة الطعام ناحية السرير وهو يهتف في ليلي: يلا يا لولا الفطار جه، ثم أردف بنبرة بالكاد مسموعة: رغم أني مكسوف أقول على اللحمة فطار.
خرجت ليلي من الحمام، تتساقط قطرات الماء من شعرها، حين وقعت عيناها علي طاولة الطعام صاحت بسعادة وهي تجلس امام الطعام: الحمدلله الأكل جه بسرعة.
جلس أمامها أنس يشاهدها باستمتاع وهي تتناول الطعام بنهم، رفعت عيناها إليه وهتفت:
الأكل حلو أوي.
ضحك أنس وهو يشاهدها تتلذذ بأكل اللحم وهتف: بألف هنا يا حبيبتي.
بعد ان انتهيا من تناول الإفطار، أسند أنس رأسه إلي قائم السرير يشاهدها تتحرك بخفة في الغرفة من حوله وارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه، هتف وهو ينظر إليها: جهزي حاجتك يلا علشان هنتحرك..... شهر العسل بدأ.
اقتربت منه ليلي وجلست على طرف السرير بجواره وقالت بنبرة هادئة عكس شخصيتها: هنروح فين؟
همس أنس وهو يضع قبلة رقيقة على وجنتها: خليها مفاجأة.
بالفعل ارتدت ليلي ملابسها واتجهت مع أنس نحو سيارته... قاد أنس السيارة حتي رأت ليلي لافتة تدل على انهم في طريق الغردقة.... صاحت ليلي وهي تنظر إليه بحدة: هي مفاجأتك اننا هنروح الغردقة؟
نظر إليها ولم يعقب فأردفت: انا قولت هتوديني باريس، لندن... يعني يوم ما تحب تبقي رومانسي هنروح بالي..... الغردقة يا أنس.
ضحك أنس وهو يشعل سيجارته وقال: أوعدك ان المكان اللي هنروحه هيبقي أحلي من كل دول... مكان عمرك ما شفتي زيه قبل كده.
ضحكت ليلي وهي تميل ناحيته بدلال: لما نشوف.
صف أنس سيارته بجوار مرسي منعزل للقوارب قرب مدينة الجونة، أقترب أحد العمال منه يحمل عنه حقيبة السفر الكبيرة وصاح: حمدالله علي السلامة يا باشا... نورت الدنيا.
ابتسم أنس وربت علي كتفه وصاح: الله يسلمك... القارب جاهز يا سالم؟
سالم: جاهز ومستني حضرتك يا باشا.
صعد أنس إلي القارب و أمسك بيد ليلي التي كانت تقف مشدوهة وساعدها تصعد إلي القارب، جلست ليلي إلي جوار أنس وبدأ القارب يتحرك في الماء... كانت ليلي تشاهد القارب وهو يضرب مياه البحر بقوة مخترقا موجاته بعينين لامعتين... حتي اقترب القارب بهم من جزيرة منعزلة... بدأ القارب يقلل من سرعته تدريجيا... حتى توقف تماما عند شط الجزيرة.
وقفت ليلي تتأمل ما حولها بتعجب بينما يخرج أنس الحقيبة من القارب...
مياه شفافة متلألئة لدرجة أنك تري قاع البحر من فوق القارب.... رمال بيضاء ناعمة جدا مفروشة بطول البحر.... هدوء يحيط المكان الا من أصوات تلاطم الأمواج وزقزقة العصافير.... كانت الجزيرة أشبه بقطعة من الفردوس وسط مياه البحر الأحمر، رمال بيضاء كاللؤلؤ تحتضن المياه الفيروزية التي تتلألأ تحت أشعة الشمس الدافئة.
دارت ليلي حول نفسها تشاهد ما حولها بإعجاب حتي وقعت عيناها علي أنس الواقف خلفها عيناه معلقتين عليها... اقتربت منه وهتفت: ايه المكان ده؟ احنا في الجنة؟
لف أنس يده حول خصرها وابتسم: مش قولتلك... مكان مشوفتيش زيه قبل كده... جنة لينا أحنا الاتنين.
جذبها أنس من يدها واتجه بها نحو كوخ صغير امام البحر وهمس لها وهو يفتح بابه الخشبي: هنا مفيش غير هدوء وحب وبس.... مفيش موبايلات ولا شبكة ولا انترنت.... مفيش حضارة.... هنعيش حياة بدائية هنا.
ضحكت ليلي وهي تبتعد عنه وقالت بمشاكسة: وانت من أمتي كنت متحضر؟
نظر لها أنس بوجه متجهم، أقترب منها وهو يصيح: انا بقي هاوريكي الهمجية.
ضحكت ليلي ضحكة رنانة وفتحت الباب وركضت مسرعة في الخارج، أسرع أنس في اثرها وهو يضحك ويهتف بأسمها.
وبين الموج والرمال وصوت ضحكاتهما، أدرك أنس أن ليلي كانت نصفه الأخر الذي كان يبحث عنه منذ البداية