رواية غرام في العالم السفلي الفصل السابع عشر17 بقلم داليا السيد

          

رواية غرام في العالم السفلي بقلم داليا السيد

هي ماهرة
"ماذا تعني أن الأمر تم احتوائه؟"
تراجع الرجل الجالس أمام الحاسوب وهو يدفع نظارة النظر على عيونه والنبرة المحذرة تثير مخاوفه 
"أعني أن هناك من كشف الفيروس قبل اكتمال نموه على السيستم ودمره"
انقض الرجل على الشاب وقبض على صدر قميصه جاذبا إياه أمامه واحترق الزيتون بعيونه من الغضب "ولماذا لم توقفه؟ أمنحك الكثير كي تفعل كل ما أرغب به"
ارتعد الشاب بين قبضة صاحب العيون الزيتونية وتلعثم بالرد "فعلت ولكن هو لديه شخص يجيد معالجة مثل تلك الأمور"
الجنون يصيبه كلما فشل بتنفيذ خططه لتدمير خصمه "لتعد لهذا الجهاز وتنفذ ما أمرتك به"
اهتزاز جسد الشباب بيد الرجل أسقط نظارته وتعالت يداه بالهواء محاولا إنقاذ نفسه "يا فندم الخصم صنع جدار ناري من الصعب اختراقه على الأقل الآن"
ولم ينطق بأكثر من ذلك لأن فمه تحطم وأسنانه تطايرت من لكمات الرجل الغاضبة حتى أسقطه فاقد الوعي وهو يلهث كالكلب أمام جسد ضحيته الراقد على المقعد فاقد الوعي وابتعد جاذبا منديل مسح له آثار الدماء من على يده
هتافه وصل عنان السماء "اللعنة عليك هارون لم لا تذهب لجهنم وتبتعد من طريقي؟"
رنين الهاتف جعله يسب ويشتم وزاد غضبه برؤية اسم الكبير "والآن ماذا!؟"
الكبير لا يعرف أن ذلك المجنون لا يطيع أوامره.. الكبير يمنح فرصة بالضبط مثل تلميذه النجيب هارون
"أمرتك أن تتوقف عن هارون"
رفع رأسه، هل يعرف؟
"تظن أني لا أعرف!؟"
"أنت من أوقف خطتي"
دخان السيجار أحاط وجه الكبير، منحه هيبة فوق هيبته وهو يقف أمام نافذة قصره المهيب، مدركا جنون نائبه وهوسه بهارون راقبه 
"لا، هناك من سبقني، متى ستتعلم ألا تقلل من شأنه؟"
لف حول نفسه من الغضب والغيرة من رجل نافسه بكل شيء ولم يمكنه هزيمته حتى الآن..
"انت من تمنحه تلك المكانة، هو لا شيء بدونك"
العناد آفة تدمر العلاقات وتدل على الغباء، التشبث بالرأي يؤدي إلى العزلة والتسلط وفشل في العلاقات وهو ما يحدث له
"كف عن عنادك جسار فالعناد غباء، يقتل كل جميل وأولهم الحب"
أشاح بيده وهتف بجنون "إذن أنت عنيد مثلي فأنت قتلت كل الحب الموجود بالعالم"
نبرة الغضب رجت الهاتف بيده، أودت به لظلمة عاش بها سنوات.. غروره نشأ مع عناده واختلطا لينجبا وحش لا يرحم، يهرس بطريقه الجميل والقبيح، القريب قبل الغريب
"كفى، الزم حدك واعرف مع من تتحدث، بالصباح تكون هنا ولن أقبل بأي أعذار والعصيان تلك المرة أنت تعرف نتيجته"
وانغلق الهاتف فقذفه ليصطدم بالحائط ويسقط محطما لشظايا وهو يهتف بجنون "لكن أنت لا تعرف نتيجة أفعالك وستندم، ستندمون جميعا"
**** 
اليتم مدرسة تؤهلك لأحد الطرق، إما الضعف الضياع والتيه بعالم سفلي وإما اختيار القوة وهزم الضعف والارتفاع للسطح
الريس اختار منذ قرر الفرار.. حدد مصيره منذ أول وعي بما يدور بالعالم الخارجي واختار القوة وهزم الضعف
لم يستسلم لأي هزيمة ولن يفعل، يواجه عدوه بشجاعة ولا يفر من أي معركة لكنه لم يتعلم كيف يواجه جبان يختفي بطاقية الإخفاء؟
حدقت ليال بالذئب الهائج المنحني أمامها ولا تفهم سبب هياجه وخرجت الكلمات منها مبعثرة "جهازك أنت هارون!؟ لكن.."
نبرة حازمة أسقطت باقي اعتراضها والأمر صادر دون قبول الاعتراض "افعلي ما أقول"
أنثى الذئب تبحث عن نظرة تراجع لدى الديب لكنه حازم، رافض لأي تراجع، هل يثق بها لهذا الحد؟
"هارون أنت بحاجة لمتخصصين أنا.."
عواء الذئب يعود مع زوجته ليس ليخيفها بل ليمنحها الثقة
هل تعرف كم تحبها؟
"أنا لست بحاجة لأحد وأنت ستفعلين ما قلت والآن ليال، الوقت ليس بصالحنا"
لان العناد داخلها وكلماته تمنحها دفعة قوية لإخراج قدراتها التي نمت معها منذ الصغر، موهوبة، هكذا قال عنها الجميع
الإصرار بعيونه، الخطر المخفي تحت كلماته جعلها تلتفت للشاشة التي كانت تتبدل عليها البيانات أمامها جعلتها تنتبه وترحل للعالم الذي تهواه وتنسى به حتى نفسها 
"تحدثي معي ليال"
تبدل ملامحها جعله يدرك أن مخاوفه حقيقية وخصمه عاد لمركز المهاجم وعليه دفع أوجه الدفاع لوقفه
لم تبعد عيونها عن الجهاز ولا أصابعها وما زالت تستكشف جهازه "أنت تضع كل أنظمة أملاكك على جهاز واحد هارون وهذا خطر، أنت صيد سهل"
اعتدل بوقفته وعقد ذراعيه أمامه منتظرا تفسير "لا أفهم"
لم تمنحه نظراتها لكن منحته تفسير بسيط "حائط الأمان عندك جيد لكنه لن يصمد كثيرا، هناك من يحاول اختراقك كما حدث مع نظام الفندق"
صمت سيطر عليه حتى صفوان لم يقطعه وهي ترفع وجهها له فلم يمنحها أي شيء مما يحدث داخله فقط قال "هناك أرواح بخطر لو تسرب شيء من هنا ليال"
ظلت تواجه بحره الهائج بلا أمواج "لا تجمع البيض بسلة واحدة هارون"
معها حق لكن معرفته بهذا العالم محدودة، لم يفضله ولم يحاول الغرق ببحوره العميقة "هل تسرب شيء؟"
عادت للشاشة وهي ترى التفهم بملامحه "لدي محاولتان اختراق، واحدة منذ عام وفشلت والثانية.."
وصمتت وهي تركز بالشاشة ولكنه لم يصبر وكأنها تلف حبل حول عنقه ولا تفلته "ماذا ليال؟"
لمسة من صفوان جعلته يلتفت له ليلتقي بنظراته الهادئة، العملاق لا يتهور وهو يعلم ذلك "دعها تعمل هارون، هي ماهرة بذلك"
حدق بصفوان وهو يحاول استعادة تركيزه والتفت نافضا يد صفوان والغضب يتسرب له مبتعدا من جوار المكتب مدركا أن صفوان يحاول منحه بعض السكينة لكن أي سكينة وهناك من يعبث بحياته وأملاكه؟
"أريد قهوة"
تحرك صفوان على الفور للخارج دون جدال، رغبة الريس أمر
وقف بمنتصف الغرفة يحدق بها وذراعيه معقدة أمام صدره ونظراته عليها وهي تعمل وكأنها فقدت الشعور بوجوده وهي كانت كذلك، هي لا تشعر بشيء عندما تسبح بعالمها لأنها تعشقه..
دقات على الباب ودخل أنس لا يعرف بما يجرى بالداخل "مندوبي الشركة المختصة بالاتصالات وصلوا ويرغبون بالتحقق من جهازك فهو ما يملك ال.."
صوتها أوقفه وهي لم تنقطع عن العالم المحيط كما يظن من حولها "ليسوا بحاجة لجهاز هارون أنس، أنا فصلت كل شيء، فتحت لهم فقط ما يخص الحفل ولن يمكنهم الاتصال بأي شيء آخر"
نظر أنس لها ولهارون الذي لم تتبدل ملامحه وأنس لا يفهم ما يدور، ليال تعبث بجهاز الريس والريس يبدو كمن أسقط قنبلة فوق رأسه وصفوان متجهم "هل حدث شيء هارون؟ هل نلغي وجودهم"
بلا تفكير كان رده حاسما، هي تعرف بالفعل ما تفعله "لا، ما فعلته ليال حل جيد دعهم يعملون على ما أتوا من أجله"
لفت وجهها له وقد لمست الشك بنبرة صوته "هل تعرفهم هارون؟ المختصين؟"
التقط فكرتها بحنكة رجل قارب على الأربعين "تشكين بأحد؟"
نفت برأسها "من حاول ذلك لا يلعب بالنهار ولا بالواجهة فقط عليك التأكد من الشركة التي تؤمن لك جهازك"
كان القرار نابعا من إيمانه بامرأته "لن يمسه أحد سواك بعد اليوم"
لا يمكنه أن يثق بها إلى تلك الدرجة، هناك الكثير يمنعه "هارون توقف، أنا ما زلت أدرس وأنت بحاجة.."
قاطعها "لا تبدين أمامي كشخص ما زال يتهجى ب..ا.. ب..ا.. بابا، فقط أنا زوجك من جهازه بيدك فافعلي الصواب الآن"
ارتجفت من نبرته الآمرة وهزت رأسها وعادت للعمل وأنس ظل واجما بلا فهم "هل هناك خطر؟"
لم تتبدل ملامحه ولم يعد للهدوء مكان الآن "على ما يبدو، عد لهم وافعل ما سمعت"
لم يجادل أنس فنبرة الريس وملامحه تنم عن الخطر، تحرك خارجا وتبعه أحد الرجال بالقهوة والريس ثابت مكانه لا يتحرك  
عندما انتهت لفت وجهها له وعيونها تلمع ببريق الانتصار وهذا عهدها بنفسها كلما أدت المهمة بنجاح 
"أنا أسقط المحاولة ورفعت حاجز حماية جديد لكني بحاجة لوقت أكثر هارون لمعرفة مصدر المحاولة وهذا قد يأخذ ساعات"
تحرك لها والقلق بدأ ينساب مبتعدا عنه "لم تخبريني أنك جيدة بذلك لكنت منحتك الأمر ليال، ما الحل؟"
حدقت بالجهاز ولم تجادل بكلماته فلا مجال للجدل الآن "يمكنني العمل عليه بالمنزل لو شئت، ولا داعي لكل هذا القلق لم تفقد شيء ولن تفقد لوقت طويل"
انحنى عليها وقال بجمود "معنى أن يحدث ذلك أن الخطر ما زال موجود"
"بل معناه أنهم عرفوا أنك كشفتهم وهذا سيجعلهم يتراجعون"
لكن الريس أكثر إدراكا برد العدو "أو يبحثون عن طريق آخر"
أجابت "هذا عملي الذي أخبرتك به"
هز رأسه متفقا معها بما ألزمت نفسها به "تمام، اعتبري نفسك تعملين هنا منذ الآن واختصاصك هو تنظيم أنظمة الفندق، بل الشركات كلها فقط أخبريني بما تريدين وسيكون لك"
فتحت فمها بذهول وهي لا تصدق ما يقول وهو لاحظ ذلك ولكنه لم يمنحها أي انتصار "ماذا!؟"
ردها كان مغلف بالاستنكار "هل تعي ما تقول؟ أنت ترغب بعمل غرفة عمليات"
هو يعلم جيدا ما يرغب به ويدرك أن الأمر يستحق "أنا لا أهتم بالمسميات، أعدي لي تقرير بكل ما يلزمك ومن الغد ننفذ، هذا عمل عزيزتي أم لا ترغبين بالعمل معي؟ عالمي مختلف ليال"
نهضت لتخطو له وهو ثابتا بمكانه، عالمه هي تدركه الآن جيدا، وهو يريدها معه به بل بكل مكان فوق أو تحت الأرض ولو أمكنه أن يكون معها بعد الموت لكان وهي نفس رغبتها
كعادتها تلمس صدره بيداها، تستمتع بملس عضلاته والقوة النابضة بهما ورفعت وجهها لتلتقي بالمحيط العميق بعتمة عيونه "عالمك أصبح العالم الوحيد الذي أعرفه والذي لن أعيش خارجه، أنا أصبحت جزء منك، أعيش داخلك فكف عن التشكيك بي هارون"
لفها بذراعه محكما ذراعيه حولها ولمسة يداها تثير جنونه "أنا لا أشك بك أبدا صغيرتي، أنا أمنحك الصورة بوضوح وحرية الاختيار"
"أنا سبق واخترت هارون ولم ولن أندم"
ضمها له بقوة وهي تستشعر نبض قلبه الغاضب ورغم ذلك يمنحها الحنان والهدوء
وضع قبلة على عنقها وقال "لن أستحق وجودك معي إن جعلتك تندمين يوما"
ومنحته المكافأة، ارتفعت على أصابع قدميها ووضعت قبلتها على شفتيه وهو التقط أول الخيط وأكمل بقبلة مدمرة 
دقات جديدة على الباب جعلته يفلتها ليأذن صفوان يدخل وهو ظل يحيطها بذراعه، لا يخجل من رجاله ولا من العالم
هي امرأته، جزء منه، صغيرته، حبيبته، ملاكه 
"هل تستعد؟ تبقى القليل على الحفل"
لم يعترض ولف وجهه لها "هل نذهب ملاكي؟"
ابتسمت له وهو يدفعها برفق أمامه حتى قادمهم صفوان للمصعد وهو يمنحه ملخص لما تم "تم تأمين الجناح ووضعت لك حراسة، ستبقى الليلة؟"
ما زال يلفها بذراعه وهي تتجول على المكان بعيونها كالأطفال وهو يجيب باختصار "نعم"
كانت مستمتعة بكل شيء وكأنها عادت طفلة ونست أنها منذ دقائق كانت تهزم التكنولوجيا بمهارة "هل هناك حمام سباحة؟"
طفلة بجسد امرأة، طفلته هو "نعم صغيرتي، بالأعلى يوجد واحد، بالغد نسبح معا"
التفتت له وذراعه ما زالت تلفها، مستمتعا ببريق عيونها الراقصة من السعادة، هل حقا أمنحك تلك السعادة؟ 
ألا تدركين أنك السبب الوحيد لسعادتي؟
"حقا هارون!؟ هذا رائع" ثم عبست عيونها وكأنما تذكرت شيء هام "لكن أنا ليس لدي ملابس سباحة"
أراد الضحك بصوت مرتفع، هل تمازحه؟ زوجة الريس وتعبس لعدم امتلاكها لبس للسباحة؟
 "ليال أنا أملك كل ذلك، هل سيكون من الصعب منحك لباس للبحر؟"
أدركت كلماته فعادت ابتسامتها تشرق على وجهها والمصعد يتوقف والباب يفتح على الجناح مباشرة
"المصعد خاص بالجناح لضمان الخصوصية"
تحررت من ذراعه وقد أخذها جمال المكان وفخامته.. ليال شريف ابنة اللص والراقصة تسكن مكان كهذا!؟
للحظة تجمدت بمكانها من جماله وفخامته، عندما انغلق الباب استعادت نفسها واستوعبت كل شيء حتى توقفت عيونها على الشرفة الكبير فأسرعت لها ورأت البحر مباشرة أمامها
ملأت رئتيها بعبق البحر العميق وهي تغمض عيونها، تجذب أنفاسها لصدرها تتأكد من أنها تعيش بالواقع وليس حلم
أنفاسه تسلقت على عنقها ويداه تلتف حول خصرها جعلتها تضع يداها على يده وتستند على ظهره وهي سعيدة وإحساس الأمان هو أكثر ما سكن قلبها 
"هذا حلم جميل هارون"
قبلاته عادت على عنقها وهو يقول "واقع يا قلب هارون"
ولفها له دون أن يمنحها فرصة لتستمتع بقلب هارون وقبلة تسكن شفاها وشفاهه تتحرك بهمس "ليس أمامنا وقت طويل لكني أريدك"
أبعدت وجهها بل وتحركت وهي تمسك يده وتجذبه للداخل وتقول "إذن دعنا لا تضيع الوقت"
ضحك وهو يجذبها له دون أن يتحرك وهي ترتد لتتفاجأ به يحملها متناسيا كل جراحه التي تتعافى "أنت لك كل وقت العالم بل وكل عمري"
لفته بذراعيها وعيونها تمنحه أجمل نظرة وهو يتحرك بها لغرفة لم تراها بل ظلت عالقة بعيونه "أنت ما زلت متعب ولكني مستمتعة، بعض التدليل يمتعني"
ابتسم للصغيرة التي ترسم الابتسامة على شفتيه وهو يدخل غرفة النوم الواسعة حتى وضعها بالفراش "طماعة، أنا لم أكف عن تدليلك صغيرتي"
كانت تفك أزرار قميصه ولم تعد تجد للخجل مكان، هو زوجها، حبيبها، كل من تملك بالعالم "وهذا يعني أنك وصلت للنهاية؟"
أبعد قميصه وعاد لها يبعد بلوزتها من فوق رأسها متناسيا الحياة بالخارج والخطر الذي كان يداهمه "هذا يعني أني سأمضي حياتي كلها بتدليلك"
ضحكت وهو يعود لها مانحا أياها قبلاته، هوسه، رغبته "هكذا هو وصيي، طيب القلب"
لم يهتم بكلماتها وهو يأخذها ليسمع اسمه من بين شفاها كما يحب 
**** 
ما أن دخل القاعة المقام بها الحفل حتى سقطت عيونه على جمع غفير من رجال الأعمال المعروفين بل ونساء أيضا عرفها و..
"رشدي زيتون!؟ مفاجأة رائعة"
الانثى تعرف متى تكون مدمرة، وحياة امرأة مدمرة، عرفها وحاول معها لكنها كانت مشغول بحوت من حيتان السوق ويبدو أنه انتهى منها لذا تضع نفسها بطريقه
"حياة! هل أتيت مع سليم؟"
ابتسامة ماسخة احتلت شفاها، مساحيق التجميل المبالغ بها صنعت منها عروس حلاوة جميلة المظهر مثيرة الغثيان من زيادة حلاوتها
"لم نعد معا، انفصلنا العام الماضي ألم تعرف؟"
جذب كوب من الخادم الذي مر أمامه وتناول بعض من المشروب قبل أن يمنحها اهتمام زائف لا يعلم لماذا لم يعد حقيقي؟
"لا"
اختصار الرد أغضبها لكنها امرأة ذات خبرة، ليست ممن يفقد السيطرة بل تحب أن تسيطر لكن ليس مع جامد الملامح ولا العابث الأزلي
"وأنت؟ مع من الآن؟"
تناول المشروب وعيونه تعبس على وجهها المزيف ككل شيء بها نتيجة عمليات التجميل
أين العسلية الخام!؟ أين الغضب الطفولي
أكرهك.. هذا هو كل ما ناله الآن بذكراها..
"لا أظن أن هذا من اهتماماتك حياة"
تورد وجهها أكثر وبدت كمهرج بوجنتيها المشتعلتين بالأحمر الناري "ما زلت لا تعرف الذوق، كيف تزوجت نصف نساء المدينة وعاشرتهم؟"
تلاعب بالكأس الفارغ إلا من قطرات قليلة بقاع الكأس تأرجحوا على جوانبه الزجاجية وهو يتابعهم بنظراته متجاهلا الغاضبة الحانقة أمامه 
"كان عليك قبول الزواج مني لتعرفي كيف فعلتها معهم؟"
تمنت لو تصفعه لكن المكان امتلأ عن آخره بكبار الشخصيات ولن تهين نفسها مع عابث مثله
"أنت حقير"
وتحركت مبتعدة وهو رفع الكأس وسكب بواقي المشروب بجوفه وعندما عاد برأسه التقى بسعد أمامه
تواجه الرجلان..
ظل رشدي ثابتا بمكانه وكأنه لم يسرق أخت الرجل الغاضب أمامه، ما المغضب بزواج عرفي؟
الجنون وقف على أبوابه.. أراد دفع قبضته بوجهه لكن الريس يوقفه
"أين أحلام رشدي؟"
ألقى سيجاره بين شفتيه وأشعلها ببرود قبل أن تخترق نظراته الدخان ليتواصل مع نظرات سعد القاتمة.. لن يثير أي غوغاء بين ضيوف رئيسه..
"لماذا تسألني عنها؟ اسأل خطيبها"
قبض سعد أصابعه بقبضة محكمة بجواره مانعا نفسه من دفعهم بوجه هذا المستفز "أنت تعلم أنه لا يعرف عنها شيء، أنت أخذتها منه، أين هي رشدي؟"
لمعت عيونه على سعد الغاضب ولم تهمه نظراته المتوعدة، لو كان رجلا حقيقيا لأخذ بيد أخته وضمها له بدل من أن يدفعها للهرب منه بغباء
"وتظن أني سأخبرك لو كنت أعرف مكانها؟"
"أظن أنك ستندم لو عرفت أن لك يد باختفائها"
ابتسامة ساخرة على شفتيه هي كل ما منحه لسعد الذي مال تجاهه وما زال الغضب يجتاحه "لولا الزعيم لقتلك"
وتحرك من أمامه ورشدي يبعثر دخانه أمامه.. هارون يوقف كل شيء بأوامره 
تبدل الأجواء لفتت انتباهه لباب القاعة والجميع يفعل المثل.. وصل الزعيم
تبدلت الموسيقى لأخرى بها لحن خاص باستقبال الريس..
يدها على ذراعه، رأسها مرفوع رغم أنها مرتها الأولى لمواجهة هذا العالم وهي زوجته وليست عاملة بالقاعة، تخدم هذا أو ذاك
الفستان الذهبي هدية زوجها منحها إطلالة كالشمس النابضة بالحرارة، الكعب العالي لم يمثل أي مشكلة لها بل منحها قرب من قامة زوجها المهيبة وهو يتألق بجوارها بثقة وثبات 
الريس يفرض هيبته على الجميع
رأت نظرات الإعجاب بعيون كل من حولها.. الرؤوس مالت لتحيته وعيون النساء تأكله وملامحه لا تعبر عن شيء
أنس بجوارها وصفوان خلفه.. رجلان هما جيشه الأول والجميع خلفهم.. 
توقف عندما ظهر طلال ومالك أمامهم، التحيات انتهت بسرعة والابتسامات كانت متبادلة، بسرعة اختلط الجميع الذين بادروا لتحية الريس ونيل فرصة العمل معه لكن هارون ليس صيد سهل
هو الصياد..
هو رئيس القطيع..
الموسيقى تتبدل والأغاني حتى تحركوا للجانب الجديد من الفندق وهي بجواره لا تنتبه لنظرات الرجال المتعطشة لامرأة جميلة لكن تتراجع عندما تدرك أنها أنثى الذئب
الافتتاح تم وسط التصفيقات والتهاني وعودة لقاعة الاحتفال والموائد أعدت لبدء الفقرات وقبل أن يتحركوا للمائدة توقف أمامه
رشدي..
"مبروك هارون"
سقطت نظراته الزرقاء عليه، لم يكن راضيا عن تصرفه مع الفتاة البريئة لكن عليه بإيقاف غضبه كي يوقف الفضيحة
"رشدي، ليال هذا رشدي زيتون، أحد شركائي وأعتقد أنه ينافسك بمجالك، ليال زوجتي ما زالت طالبة بعامها الأخير بنفس جامعتك رشدي"
لو لم تكن العسلية بشقته لطارد تلك الفريسة المثيرة للعاب لكن عفوا أيها العابث إنها لا تخصك، لا تخص أحد على الإطلاق
إنها امرأة الديب.. والويل لمن يفكر بالنظر لها
سكين بعنقه..
"أهلا باش مهندسة ليال، مبارك الزواج أيضا هارون ولو أنها تأخرت"
لمعت عيون الزعيم بنظرة تحذير ورشدي أدركها ومع ذلك قال "والدك بخير الآن؟"
أبعد وجهه، هل ظن أن الريس لا يعلم؟ لقد عرف بأمر أحلام وهي بشقته
"نعم، انتقل للإقامة معي هنا بعد أن أنهى كل أعماله"
هارون على علم بل ويعلم بأن الرجل اكتشف خيانة زوجته بعد موت ابنته فصفى أملاكه راغبا بحياة جديدة
لف وجهه لزوجته وهي تعرفت على الاسم، نظراتها تفحصته، هل أحلام سقطت بحب هذا الوسيم!؟ بدت عيونه غامضة لكن بها نظرات عابثة لرجل يعرف كيف يسقط امرأة فماذا عن فتاة بريئة مثل أحلام؟
"جيد"
وأومأ له برأسه وتحرك وهي معه ولكنها لم تستطع الصمت "هل هو وراء اختفاء أحلام هارون؟"
ضاقت عيونه وهو يقترب من مائدة أصحابه وسعد يقف عند باب القاعة مع رجلان آخران للحراسة، صفوان وأنس لا يفارقانهم لكن لا حديث مشترك
"لم أعرف أنك تهتمين لأمرها، لم تكونوا أصدقاء"
عبست من الرد "ردك يزيد من شكوكي هارون، هل استغل براءتها و.."
لف وجهه لها ليوقف كلماتها وشيء ما لم يعرف ماهيته أجبره على إخبارها الحقيقة
لم تبدي مشاعرها بالمكان.. أعجبه رد فعلها.. قوية، شجاعة وذكية.. هكذا أراد ان تكون زوجته..
"وهل تثق بوعده لك؟"
أبعد نظراته لمالك وطلال المندمجان بالحديث قبل أن يعود لها ليواجه نظرات الفضول بعيونها "هذا السؤال بمثابة إهانة لي ليال"
"تعلم أنه ليس كذلك هارون، هو رشدي من أعنيه وليس أنت"
مال تجاها ونبرته القوية توقف شكوكها "لا أحد يجرؤ على الرجوع بوعده معي، عقابي ليس هين ليال"
ظلت تواجه نظراته القوية والثابتة على عيونها بلا زحزحة "بالنهاية ستصبح مطلقة هارون ولن يمكنها الزواج برجل جيد"
عنيدة، مثيرة لجنونه ومع ذلك فانيليا حياته..
"أفضل من الدعارة ليال ومن رجل كسيد كان يمكنه أن يلقيها بالرذيلة لجلب المال له هذا لو طلقها رشدي"
تراجعت وهي تستوعب صحة كلماته كما استوعبت تعليقه الأخير
لو طلقها رشدي.. ألن يفعل!؟
"العشاء يا ريس، الرجال تنتظرك"
صوت صفوان قطع اتصالهم وهو يتحرك لأصدقائه وهي بجواره وما زال ذهنها مشغول بمصير فتاة لا ذنب لها إلا أن لها أخ لم يساندها بوقت كانت تحتاج له بشدة وببساطة تخلى عنها
بيوم ما تمنت أن يكون لها أخ أو أخت.. أهل وعزوة كما يقال.. أشخاص تساندها بوحدتها والآن سعد جعلها تكره الفكرة
أحبت أصحابه والتحرر الذي يتعامل به بينهم، أنس وصفوان ظلا خلفهم مما دفعها لتسأله "ألا يجلسان معنا هارون؟"
تناول الطعام بهدوء "وكيف سيقومان بحراستنا صغيرتي؟"
رفعت وجهها له "أنت لم تصل لمن يحاول تخريب حياتك؟؟
لم يواجه نظراتها بل ظل محتفظا بشيطانه حبيسا داخله "لا، لكن قاربت، ما حدث لن يتكرر ليال، لن يجرؤ أحد على المساس بك مرة أخرى"
ولف وجهه ليلتقي بنظراتها.. العتمة سكنت عيونها تلك المرة "هو لا يرغب بي هارون.. هو يريدك أنت"
ترك الطعام وتراجع بالمقعد.. لم يرغب بهذا الحديث، خوفها يعني عجزه "ليته يقتصر علي ليال، أنا لا أهتم بنفسي، هو أنت من .."
نبرتها استعارت جديته وحزمه "بل نحن هارون، كلانا حياته غالية وثمينة للآخر ولن أكون سعيدة وأنا أحيا وأنت لست معي، أخبرتك أني لا أرغب إلا بك"
أمسك يدها ومنحها كل اهتمامه.. حبه.. روحه بنظرة عين "وتظنين أن تلك الكلمات هينة؟ إنها ماء المحاياة بالنسبة لي ليال، أنت أصلا الأنفاس التي تمنحني الحياة، شهيق يسكن رئتي بلا زفير لأنك لا تخرجين من بين ضلوعي ولن تخرجي سوى بموتي"
هتفت بلوعة واضحة انتبه لها الرجال "ألف سلامة عليك حبيبي من كل شر"
ابتسامة علت وجهه ويده ترفع يدها لفمه وقبلة حانية على يدها تخبرها كم يحبها "الموت بميعاد ليال ولا أحد سيفر منه"
انقبض قلبها مرة أخرى رافضة التفكير بحياة هو ليس بها "حماك الله وحفظك لي من كل سوء هارون"
ابتسم وتعالت التصفيقات عندما انتهت الفرقة الروسية ومالك يقول "طلال لماذا لم تدعو فتاتك للحفل؟"
التفت له هارون وطلال يقول "لم تعد كذلك انفصلنا قبل حادث هارون"
اندمجوا بالحوار وهي معهم ولكن ظلت يدها بيده ولو أمكنها أن تضع رأسها على صدره ليعود لها الأمان لفعلت
قطع جو الأصحاب صفوان عندما انحنى عليه وقال "شوقي يريد ليال بأمر خاص بالعمل"
القلق لا يتركه، ألم تنهي هي الأمر فما الجديد الآن؟ بل أين من يعملون لحسابه؟
"وأين المختصين؟"
صفوان سأل كل ذلك لشوقي وفكر كرئيسه "يقفون عاجزين"
أدرك أن الامور تعود مرة أخرى لسابقتها، ربما فاتها شيء "هل انتهيت؟"
التفتت له بلا فهم لسؤاله، هل انتهى الحفل وسيرحلون قبل الجميع؟ لا يهم المهم هو 
"نعم"
نهض واقفا ونظراته لأصحابه "انتظروني يا رجال سأعود، تعالي صغيرتي"
ومنحها يده والدهشة تملأ عيونها بلا فهم ولكنها نهضت معه وتحرك بها والرجلين خلفهم وعاد بها حيث صفوان يقودهم لغرفة التنظيم
"عطل جديد ليال، ألم تنتهي من السابق؟"
تفهمت أخيرا وهي تتحرك بجواره بثبات وثقة هو من يمنحها له "نعم لكني أخبرتك أن عدوك سيبحث عن طرق أخرى"
هي على حق وهو كان يعلم وحواسه كلها تتجه لرجل واحد لديه كل تلك الخيوط ويتحكم بها ولكن ما زال يضع الكثير أمامه قبل أن يسدد ضربته
شوقي كان متجهم وهو يقابلهم "آسف يا ريس عطل جديد"
التفتت لترى امرأة جالسة على الجهاز ورجل بجوارها على جهاز آخر والمختص بالفندق يقف بجوار شوقي
تجولت عيونها على الموجودين مرة أخرى حتى رأت المرأة وعرفتها.. أسما
العالم صغير.. صغير جدا
نبرة الدهشة صاحبت الاسم وهي تنطق به "أسما!؟"
التفتت أسما لتتراجع من رؤية ليال وعيونها اتسعت من الدهشة ثم تحولت لهارون ومن خلفه رأت أنس ثم عادت لليال وهي لا تفهم شيء لكن مظهر ليال وجمالها بملابسها الثمينة ذكرها بأنها امرأة متزوجة وهذا هو نفس الرجل لكنه يقف خلفها
"ليال، ماذا تفعلين هنا؟"
تقدمت منها وهي تدرك أنها لم تمنح أسما أي شيء عنها وقد آن الأوان لتفعل "هارون هذه أسما صديقة من الجامعة، أسما هذا هارون الديب زوجي"
بصعوبة كتمت أسما صرخة كادت تخرج من فمها، هارون الديب!؟ صاحب كل هذا زوج ليال؟
الفتاة التي لا يعرف أحد عنها شيء سوى أنها عاملة بمطبخ بفندق ترتفع فجأة لجوار الريس؟
هز هارون رأسه لتحيتها وهي ارتبكت وليال تسأل "أين المشكلة أسما؟"
تناقشت بجدية وعبثت بالأزرار بثقة جعلت أسما تنهض وتترك لها المقعد وبأصابع خبيرة كانت تعمل بمهارة وأسما تتابعها والفضول يهيمن عليها
"زوجك وسيم جدا"
ابتسمت وهي تعلم ذلك ولولا معرفتها بأسما لطردتها "احذري فأنا أغار جدا"
ضحكت أسما بصوت منخفض وهي تتفهم وضع امرأة كليال "حقك، من الوسيم الذي يقف معه؟ لقد ظننته زوجك عند المركز"
لفت وجهها لترى أنس يتحدث مع هارون فابتسمت وقالت "أنس صديقه ويعمل لديه وهو لا يفارقنا"
لم تخبرها أنه حارسها الشخصي، لن تقلل من شأن إخوتها الجدد، أنس وصفوان
عادت أسما تنظر لأنس دون أن يلاحظها وهي تتفحصه، هل يمكن أن تنال رجل مثل ليال يمنحها مثل تلك المكانة؟ 
"ألا تقدميني له؟"
ضحكت وما زالت تعمل، الفكرة جيدة، أسما وأنس، ولم لا؟ لكن عليها معرفة حقيقته كما منحها هارون الاختيار
"ولم لا؟ لكن عليك أن تعرفي أن لا شهادات لديه هو من عالم هارون"
صمتت قليلا وعيونها تتجول على أنس، وسيم، قوي، ربما لم يمنحها نظرة واحدة لكن لا يهم، هي لا تبحث عن الحب فقط رجل يأخذ بيدها من الغرق 
عادت لليال "وأنت مهندسة وأصبحت من عالم هارون بل زوجته"
رمقتها بنظرة واضحة وتوقفت يدها قليلا وهي ترى نظرة غريبة بعيون المرأة "كما تشائين فقط ننتهي وسأقدمك له، أخبري رجلك هذا أن يتوقف عن محاولاته فهي لا تفعل شيء سوى إبطاء عملي"
لم تفكر اسما وهي تخاطب زميلها "كريم توقف، ليال ستنهي الأمر"
التفت هارون لهم عند ذكر اسم زوجته "من أنت؟"
التفت الوجوه له وبدت ملامحه منزعجة، الذئب يكشر عن أنيابه ولكن أنثاه تعرف كيف تمنحه الراحة وهي تركل أسما بساقها فتنتبه وتهتف "كريم زميلي بالشركة"
لم تتبدل ملامحه وما زال الانزعاج واضحا على ملامحه "جيد الباش مهندسة ليال ستنهي الأمر فهل هناك داعي لوجودكم؟"
واجهته ليال بعيون راجية أن يهدأ ولكن نظرته كانت غامضة وأسما ارتبكت وقالت "يا فندم نحن.."
تدخلت ليال لأنها أدركت نظرات زوجها "سيتولى الزميل الأمر من بعدي هارون هو عملهم"
نظراتها كانت تطلب منه أن يهدأ وربما الغيرة كانت تأكله، شاب بعمرها ومهارتها فهل تفكر بأمره؟
نظراتها منحته الراحة وطالبته بالهدوء 
أنس التقط نظرات أسما البنية وتذكرها وقت رآها بالمركز لكنه لم يمنحها اهتمام بل عاد لرئيسه الذي وجه سؤاله لزوجته "وهل انتهيت؟"
فرغ صبره بل أحرقت الغيرة هدوئه ورغب بنزع ذلك الشاب من جوارها وهي تمنحه تعليماتها وهو يهز رأسه دون الرد 
لم تنظر له للحظة وما زالت تتابع ما تفعل "دقائق هارون، سأشرح له ما يفعل ونذهب"
تحرك ليقف خلفها ليمنح الجميع معرفة بأن تلك المرأة تخصه وهي لم تمانع طالما سيمنحه ذلك الراحة
أسما تحركت لجانب ليال وما زالت ترمقه بنظرات جانبية، تراقب أناقته التي بدت واضحة ببدلته الفاخرة وربطة العنق وعطره الذي جعل زوجته تمرح معه بغرفتهم وهي تمسك بزجاجته بإعجاب وترش منها هنا وهناك بطريقة جعلته يضحك منها كالعادة
انتهت ليال وشرحت لكريم ما عليه تحت نظرات زوجها المتملكة ثم نهضت وهي تواجه نظراته كي يلين "لقد انتهيت" 
ظل يحدق بها وهي تتحرك لتواجه نظراته القاتمة وارتفعت لتهمس له "تحبك صغيرتك"
لم يسمعها أحد بالتأكيد رغم النظرات المتحركة لهم وكلماتها تخترق جدار الغيرة والغضب فتحطمهم لتلين ملامحه ونظراته تعود لهدوء البحر 
ابتسمت ويدها تلمس يده فقبض عليها بتملك وهي ما زالت ثابتة على عيونه "هل يمكن أن تنضم أسما لنا هارون؟"
ظل صامتا قليلا، نظرة الرجاء بعيونها جعلته يفكر وأنس يتحرك له ويهمس له "لا غبار عليها"
هذا يعني أن أنس يعرفها وهي أمان، هز رأسه بالموافقة فابتسمت وارتفعت مرة أخرى لتهمس له "شكرا حبيبي"
ماذا تفعل به تلك الصغيرة؟ تثير جنونه بلحظة وهدوئه باللحظة التالية
أسما تورد وجهها من المفاجأة وهي لم تتوقع لكن ليال جذبت انتباها بكلماتها "أسما هذا أنس صديق هارون ويعمل لديه وهذا صفوان أيضا، أسما صديقتي"
ظلت عيونها على أنس الذي لم يواجها من الأساس حتى وهو يرحب بها
بالعودة رفع يدها لذراعه وسألها "ما حوار أسما هذا؟"
لم تفكر وهي تجيب بنبرة تفهمها "أنس"
"ليس الآن ليال"
لكنها ترغب بمداواة الوهم الذي يعيشه أنس والخروج للواقع أن هناك حب حقيقي "بل الآن هارون، لابد أن يرى الفارق"
تحركوا للمائدة وتفكيره لا يتغير حتى مع أصحابه "هي مهندسة"
هزت أكتافها بلا مبالاة لن تمنحه غضب من نفسه لأن الامر تشابه "هي تعلم كل شيء وهذا قرارها"
صمت فهذا حقيقي لأنه كان حالهم هم أيضا، كان قرارها يوم تركت عالمها من أجله وها هي سعيدة وهو لن يتوقف عن منحها العالم ليرى ابتسامتها هكذا على وجهها لآخر العمر
الرجلان ظلا واقفين كتماثيل أمام المتحف أو ربما الأسود التي تحمي المعبد
أسما شاركت بالحديث بتأني حتى انجذب الرجال بحديث عملي فمالت هي على ليال بتساؤل "هل سيظل واقفا هكذا؟"
ضحكت ليال وتذكرت أنها سألت زوجها المثل "هذا عمله، أخبرتك ذلك"
نظرات أسما لاحقت أنس الذي لم يراها من الأساس وهي لم تكن منجذبة له فقط أرادت رجل "هو وسيم جدا ليال ولكنه لا ينظر حتى لي"
هل تخبرها أنه خرج على التو من علاقة حطمت الكثير داخله، وهم، وهم عاش به سنوات حتى استوعب حقيقته ويحتاج للكثير من الوقت ليشفي
"أخبرتك أنه بعمله"
المطرب الشهير جذب انتباه الموجودين ولكنها لم تمنحه اهتمامها بل مالت على زوجها تجذبه معها لخطتها "ألا تفعل شيء لنضعها بطريقه؟"
لف وجهه لها وملامحه الهادئة لا تنم عن الدهشة "من!؟"
ضربته بذراعه بمرح وهي تعرف أنه يفهم لكنه يمازحها "أنس هارون، هل نسيت؟"
لم يعجبه الأمر، لا أسما تصلح لأنس ولا أنس نفسه مستعدا لعلاقة جديدة، ما زال يتعافى من مي ولكنه يعلم أن صغيرته لن تستسلم، الإصرار واضح بعيونها الجميلة 
"وماذا تريديني أن أفعل؟"
هي لا تعرف كيف تساعد صديقتها، تمنحها رجل يحمل عنها همومها كما فعل هارون معها، يمنحها السعادة "لا أعلم هارون أنا التي أسألك"
مال تجاها والجدية هي كل ما منحه لها، هو يعرف رجاله جيدا ونظرات أنس فارغة "أنس لا يراها صغيرتي ولا أظن أنه يرى أي امرأة الآن، دعيه يخرج أولا من أزمته قبل أن يضع قدمه على أعتاب علاقة جديدة قد تفشل هي الأخرى" 
ظلت تنظر له وهي تدرك أن الزعيم يصيب بكلماته ولكن على الأقل تمنح صديقتها الفرصة ربما يخيب ظن الزعيم "حسنا، فقط دعه يجلس معنا"
ظل يحدق بها وهو يدرك أنها لا تريد التراجع ولم يرغب برسم الحزن على ملامحها، التفت لأنس الذي منح الريس اهتمامه 
"ليال تصر على أن تجلسوا معنا فهل تفعلوا كي تهدأ؟"
نظر أنس له بلا فهم والريس لم يكن يقترح بل نبرته آمرة، التفت أنس لصفوان وأخبره وبالطبع الرضوخ لأوامر الريس هو كل ما يفعلوه 
جلس الرجلان وكما أرادت الصغيرة، أنس بجوار أسما وصفوان بجواره وعاد الحديث وبدأته هي مع أنس وتركت الباقي لزميلتها
الفانيليا لا تحب كل تلك الأجواء، تخنق الرائحة ولا تمنحها الحرية وحريتها مع ريس قلبها وحياتها "أنا مللت"
التفت لها وجنونها لا حدود له ولم تنظر له وهي تنظر للمطرب الذي لم تهواه، عادت له وقالت "أرغب بأن نكون وحدنا"
لم يفهمها، كل النساء تهوى تلك الأماكن والحفلات وهي تفر منها "لو لم أكن متأكد أنك لم تتناولين أي مشروبات لظننت أنك ثملت"
ضحكت بمرح وعيونها تلمع له وحده.. أنت خمر حياتي يا ريس، الثمل الذي يطير عقلي ويملك قلبي 
"أنا ثملة بالفعل"
وظلت تتأمل ملامحه وقبل أن يعترض أكملت "ثملة بك حبيبي"
ابتسم وانتهى كل شيء من حوله وصدر قرار الريس، انتهى الحفل، انتهى الجميع من حوله إلا هي
أمسك يدها ونهض وهي تنهض بجواره والرؤوس ارتفعت لهما والدهشة سكنت عيون الجميع "أنا راحل يا رجال أراكم فيما بعد، استمتعوا بالحفل"
تبادل مالك وطلال النظرات.. عيون صديقهم تنبض بالحياة فقط لأنها معه.. يده التي تقبض على يدها تعلن ملكيته لها وكأنه يقبض على السعادة 
نهض أنس وصفوان ولكنه التفت لهما بجدية آمرة "لا، ابقوا، لست بحاجة لكم"
غلق المصعد كان نقطة البداية لليلة ساخنة، قبلته لم تمنحها فرصة لأي شيء وهي لم ترغب بأي شيء سوى ذلك، بادلته القبلة، تعلقت بالريس الذي ذاب بالفانيليا التي عرفت كيف تثير الرجل الذي لم تهزمه امرأة ولم تفقده السيطرة لكن هي.. 
مختلفة، هي السكن، النبض، الروح
هي الجنون..
انفتح المصعد على جناحهم وهو لم يتركها وكلاهم ينزع ملابس الآخر خلال قبلتهم وتعثروا حتى وصلوا للفراش وهو يهمس من بين أنفاسه "أنت مجنونة"
جذبته لها وهي تجيب فوق شفتيه الجائعة "بك، أنا مجنونة بك"
ابتسم وهو يحتويها بذراعيه ولا يتركها إلا وهما جزء واحد، كيان واحد وحتى.. 
قلب واحد..
**** 
العمل كان غريب، سكرتيرة لتلك المرأة الصارمة هدى مديرة المبيعات.. لم تمنحها كلمة جيدة وهي تشرح لها عملها ولم تخرج من المكتب ولو مرة واحدة وكأنها محاصرة من هدى والملفات المطلوب منها مراجعتها
من الثامنة وحتى الثالثة ظهرا لم تنطق كلمة واحدة ولا هدى، فقط تلك الأخيرة تروح وتغدو وتجيب الهاتف أما هي فصنم صب على المقعد وشاشة الحاسوب أمامها وأصابعها على الأزرار
ما أن نزلت بنهاية اليوم حتى تاهت أفكارها وهي تنظر حولها باحثة عن عيون سعد لكن رشدي ذكي، اختار مكان عكس اتجاه سعد وهارون لكنها لم تعرف أن هارون موجود بكل الاتجاهات
تأملت المكان، فارغا من أي مباني، أين ستجد شقة؟
"ترغبين بوسيلة نقل؟"
فزعت والتفتت تخنق حقيبتها بأحضانها كعادتها، العسل رحل من عيونها وهي تحدق بالرجل الثلاثيني أمامها، نظراته تتجول عليها..
ملابس رشدي جميلة حقا لكن كلها محتشمة جدا عليها لدرجة أنها ظنت أنه سيطالبها بوضع وشاح على شعرها..
تراجعت والرجل لا يتوقف "أنت جديدة هنا أليس كذلك؟"
صوت هدى انتزعها من الفزع "ما الذي يوقفك عن الذهاب حسين؟"
ارتفعت عيونه السوداء لهدى الصارمة، عرفت أنها ليست متزوجة، فاتها قطار الزواج، بالمصري، عانس
"لا شيء يا أستاذة، رأيت أنها لا تعرف شيء فعرضت المساعدة"
وقفت بجوارها وأحلام تنظر لها، هل عينت لحراستها؟
"هي ليست بحاجة لأي مساعدة، أنا معها"
لم يجادل وكأن هدى لها قوة مهيمنة تخيف من يقترب منها، هل هذا سبب فرار الرجال منها؟
يدها قبضت على ذراع أحلام وصوتها الآمر يقول "تعالي، سيارتي هناك"
حاولت أن تفتح فمها، تعترض، تخبرها أن طريقهم مختلف لكن أحلام الفتاة التي عاشت بالظل عمرها كله ما زالت بالظل ولم تخرج منه..
جلست بالسيارة الكيا، ليست قديمة ولا حديثة ولكنها جيدة، تناسب هدى
"تبدين خائفة، لن أخطفك بالتأكيد"
التفتت لها والحيرة غطت على العسل بعيونها، نبض الخوف موجود لكن الشك أكبر، رشدي يحد من حركتها، يضعها بقفص ذهبي ويترك لها مفتاحه وهو يعلم أنها لن تستطيع استخدامه، حراسه يسيطرون
"هو من طلب منك ذلك؟"
هدى ماهرة بالقيادة، سنوات عمرها الأربعين قضت أكثر من نصفهم تقود وتعمل لدي زيتون الكبير وعندما انتقلت للإسكندرية هاربة من ماضي لا يعلمه أحد، رشدي وضعها بتلك الشركة واليوم ترد له بعض الدين
"من!؟"
الدهشة المصطنعة لم تفت أحلام لذا واجهتها بتحدي "رشدي، هو من طلب منك مراقبتي و.."
لفت وجهها لمواجهة براءة أحلام التي بطريقها للزوال بعد ما عانته "ولماذا يفعل؟"
فتحت فمها لترد ولكنها لم تجد رد، هل تعلم أن العرفي بينهم!؟ ثم إلى أين تأخذها الآن؟ شقته!؟ هل تعرف أنها تخصه؟
"إلى أين تأخذيني؟"
عادت هدى للطريق وتجاهلت عدم الرد على سؤالها وأجابت "الشقة، رشدي منحني العنوان"
حدقت بها بلا فهم "هل فعل!؟"
"نعم.. أخبرني أنك تخصين المرحومة والدته لذا هو دبر لك العمل وستبقين بتلك الشقة حتى تجدي بديل"
هكذا!؟ يعرف كيف يدبر أموره بالكذب
لم ترد وهدى اختارت الصمت أيضا حتى وصلت بها وهي تمنحها كلمات هادئة "تفضلين أن نذهب سويا بالصباح!؟ أقيم بعدك بمحطتين ترام؟"
لم تعرف ولكنها هزت رأسها بالموافقة وهي تجيب "لو لم يضايقك وجودي"
هدى لا تبتسم، هل كلهم هكذا!؟ جامد الملامح ينتقي أمثاله، هل كانت من ضحاياه بيوم ما؟
"لا، سأراك بالصباح"
انتظمت بالعمل وهو كل يوم يأتي بالسادسة، يأخذها بلا توقف وربما يتناول معها العشاء فطعامها يعجبه ثم يذهب، قاوم البقاء بالليل واختار العودة للبيت ووالده يتحسن وقد بدأ يخرج من غرفته ويتجول بالبيت
"مساء الخير"
ابتسم لابنه، هو ليس جامد الملامح مثله وهو نفسه لم يكن كذلك قبل أن يرحل منذ عشر سنوات
"أهلا حبيبي، سنتناول الغداء سويا؟"
جلس أمام رجل الصخر وبدا الرجل بأفضل حال "نعم، هل رحلت فريدة!؟"
أشاح بيده وهو لم يعد بحاجة لها فقد تحسنت صحته وأدويته سهلة، يتناولها وحده "طلبت منها الرحيل، لم أعد بحاجة لها وأخبرتني أنها ستسافر لأهلها بإجازة"
لم يجادل، كل ما يفعله والده لا يثير اهتمامه طالما هو بخير.. رنين جرس الباب جعل منيرة تتحرك لتفتح ليصطدم برؤية ناصر يقف بجرأة أدهشته
لم يتحرك وناصر يتقدم للداخل ليقف أمامهم بينما اسودت عيون رجل الصخر وتمنى لو صرخ والده بذلك الخائن لكنه لم يفعل ولم ينظر له
"مساء الخير، رشدي، عمي كيف حالك؟"
احتدت نظرات رشدي وتمنى النهوض ومنحه لكمة تعيده للباب من حيث دخل ولكنه أخرج سجائره وأشعل واحدة والأب لا ينظر لابن أخيه
"ماذا تريد ناصر؟"
تحرك ناصر لعلي وركع بجواره على الأرض، حركة مسرحية تستحق تصفيق حاد من الجمهور لكن رشدي ليس الجمهور والمشهد لا يعجبه..
"أريد أن أعتذر عما فعلته وأطلب منك السماح"
ظل جامدا.. مضيفا جمودا على جموده لم يعرف من أين حصل عليه، ربما بالتخفيضات..
"السماح على خيانتك معها؟"
شحب وجه ناصر وأخفض وجهه غير قادر على مواجهة عمه "أعلم أني كنت ندل وحقير ولكن.. أدركت خطئي عمي وأقسم أني أوقفت علاقتي بها بمجرد أن أدركت الخطأ الذي سقط به"
نهض رشدي، المشهد لا يروقه.. سيعفو عنه ويعود معه وينتهي هو من الساحة، ناصر يفوز وأوسكار له
انتهت اللعبة..
لكن علي له رأي آخر، حبكة أخرى، مشهد خاص به "اجلس رشدي لست أنت من عليه الرحيل"
ثبت مكانه وسقطت نظراته من بين دخانه على العيون التي تحدق به وناصر رفع وجهه لرشدي ولا أحد يفهم هل نظراته نادمة أم مصدومة أم غاضبة؟
"عمي أنا أعلم أنك غاضب ولكن.."
نبرة الحزم خرجت قوية "الغضب كلمة قليلة على ما أشعر به تجاهك ناصر، منحتك كل شيء، حبي وثقتي ومكانة سحبتها من ابني الوحيد ولكنك خنت كل شيء"
عاد يخفض وجهه وما زال راكعا على الأرض "سقطت بشباكها دون وعي، آسف"
لم ينظر له الرجل بل كان يواجه عيون ابنه المنغلقة، لن يخسره بعد أن استعاده.. ناصر مخادع
"وتركتك ولم أقتلك فماذا تريد؟"
رفع ناصر وجهه لعمه ورشدي يعلم كم كان يحب علي والآخر يفعل فهل يغفر له؟
"أن أعود لك، تعلم أنك بمثابة الأب بالنسبة لي وأنا حقا نادم، لقد أوقفت كل شيء معها و.."
"كاذب"
الكلمة هزت المكان ورشدي نفسه نفخ الدخان بقوة من صوت والده الغاضب
ارتجف ناصر ونهض واقفا ووجه الشاحب يواجه عمه.. الطوفان ينزع كل شيء بطريقه وغضب علي طوفان ولكنه هدأ بفعل الأزمات والآن ناصر يعيده
"هل تظن أني لا أعلم أنكم ستتزوجون؟"
بهت وجه ناصر والتهبت أصابع رشدي من سيجاره وعم السكون 

تعليقات



<>