رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثامن عشر18 بقلم داليا السيد

 رواية غرام في العالم السفلي بقلم داليا السيدرواية غرام في العالم السفلي الفصل الثامن عشر18 بقلم داليا السيد

فارق العمر.. حررني 
الاجازة لها طعم مختلف عندما تكون لأول مرة بالحياة
الاجازة لها مذاق خاص بنكهة الفانيليا
لم يظن أنه سيرى السعادة أو يخطو حتى خطوة تجاها حتى جذبته هي وهرول معها 
كل ما عاشه لم يكن شيء بجوار ما منحته له بتلك الاجازة، امرأة أخفت داخلها حب حفظته له هو 
كل لحظاتهم معا كانت حب وحب ثم حب 
معها نسى العالم الذي أتى منه، أشبعته بالأبيض حتى لم يعد هناك مكان لسواه.. نجحت، تفوقت ونالت أعلى المراتب والدرجات بإشباع الرجل الذي لم تحب سواه..
أسعدته ومنحته كل ما حلم به وما لم يحلم به.. كانت الدفء بعد البرد والاستقرار بعد الضياع
كانت هي.. أنثى الديب
رنين هاتفه غلب نومه.. لم يكن يهتم به فيما سبق لكن الآن.. عليه أن يجيب
شعرها تناثر على صدره ورأسها يرتاح على كتفه تحت ذراعه كما تحب أن تنام.. بين أحضانه.. هكذا تخبره عندما تنعس. 
"هيا هارون أرغب بالنوم ولن أفعل سوى بين أحضانك"
تمنحه شعور بأنه كل شيء بحياتها ولن تكون هي إلا به وهو يعشق هذا الشعور
أبعدها برفق كي لا يوقظها، ما زال الوقت مبكرا وهو لم يدعها تنام حتى أول شعاع للفجر عندما وضعت رأسها على صدره وأخبرته أنها ترغب بالنوم..
جذب الغطاء عليها وارتدى بنطلونه وهاتفه بيده خارجا من الغرفة أعاد الاتصال بأنس
"أنس"
"مرحى يا ريس، لم نعتاد ذلك، يومان وأنت تغلق هاتفك ولا يراك أحد"
يومان عسل مع امرأة تفقده عقله ولا يستطيع نزع يده عنها ولا الابتعاد عن أحضانها وإن فعل تتذمر كالأطفال وتجذبه لها بطريقة لا يمكنه مقاومتها
تعرف كيف تسرق الريس، صغيرة تتسرب داخل شرايينه تملؤه بالاكتمال، تشبعه بلحظة ويجوع لها باللحظة التالية  
وقف أمام الشرفة وانتعش من نسيم البحر وترك خصلاته تنساب فوق جبينه وهو يذكر كلماتها "أعشقهم هارون، لا تقصهم"
"هل توقف شيء بغيابي أنس؟"
الرجال تدير الأمور بغيابه بقدر المستطاع إلا لو ظهر ما لا يمكنهم حله وهو ما لم يحدث حتى الآن "فقط بعض الأمور عالقة يا ريس"
ضوء الشمس لمع داخل زرقاء عيونه وعلى بشرته البرونزية فمنحته وسامة أكثر مما هو "وماذا تفعلون أنتم؟"
أنس ظل صامتا وهلة، منذ تركهم هو وليال بالحفل ولم يراهم أحد، لم يتبعوه ولكنه نهض خارجا خلفه وظل صفوان على مائدة الأصحاب حتى انتهى الحفل لكن هو تأكد من حراسة رئيسه وزوجته جيدا 
"لا أحد يشغل مكانك يا ريس"
يداها تسربت حول جسده واستقرت على صدره وهي خلفه ورأسها سقطت على ظهره العاري فارتفعت حرارته من لمساتها
تلك الصغيرة تعرف كيف تثير رجولته "حسنا، أرسل لي ما لا يمكنه الانتظار على هاتفي أنس"
قبلاتها الرقيقة على ظهره كانت تثير جنونه، تلك المرأة هي كل ما تمنى، جذبها له فالتقى بابتسامتها الجميلة ووضع قبلة على شفتيها وهو يسمع أنس 
"تمام يا ريس"
أغلق والهاتف يسقط على المقعد وذراعه يلفها ليلصقها بجسده مستمتعا بملمس بشرتها وهو يقبض على شفتيها المتورمة من قبلاته بقبلة أخرى ويده تعصر جسدها العاري على جسده 
وأخيرا منحها الهواء "لن تذهب يا ريس، لن أسمح لك"
الريس هنا كانت تدليل فلم يغضب بل ابتسم وهو يداعب شعرها المتهدل بغزارة تعجبه وقد يمضي وقت يمشطه لها وهي تجلس بين أحضانه 
"حقا!؟"
غمزت له بشقاوة تعلمتها لأجله "لم أنتهي منك بعد"
شهقت عندما حملها كعصفور لا وزن له وهي لفته بذراعيها "ولا أنا، ما رأيك بالمياه مختلطة بالفانيليا قبل أن نتحدث؟"
ضحكت وهي تقبله بوجنته فتزيده جنونا حتى انزلها بحوض الاستحمام الكبير وأبعد بنطلونه وتحرك معها وهي تفتح المياه 
غسيل شعرها وجسدها كانت هواية جديدة له معها وقبلاته تصاحبه وتبادلوا الأدوار وهي تمرر يدها على عضلاته التي تعشقها 
"تعلم أني أحب كل تلك العضلات أيها الضخم"
قبض على يدها وجذبها له والمياه شريكهم الثالث "وأنا أحب أخذك تحت المياه"
ولا وقت للكلمات.. فقط الخيال
الطعام ليس له موعد.. ولا إذن، الريس يأمر والجميع ينصاع لأوامره هو فقط ينصاع لأوامر صغيرته
أول مرة نزلا به حمام السباحة ارتفع غضبه لأعلى الدرجات ونظرات الرجال تطاردها، الصغيرة بأحضان من يكبرها بسنوات كثيرة لذا بالمرة التالية أصدر قراره
غلق حمام السباحة.. الديب وأنثاه يستمتعان والحراسة تمنحه ظهورها
المتعة معك يا ريس.. الدنيا تبدلت حولها.. السعادة، الجنون والحب والغرام هم كل ما غرقت به طوال الاجازة
لم تعرف هل تحسب تلك الأيام أم تتركها تسكن جنباتها؟ هل سيكون هناك سواها أم هي ما ستعيش عليه حياتها؟
هل لديكم إجابات؟؟
ما أن خرجت من حمام السباحة تتبعه حتى لفها بالمنشفة ووضع قبلة على عنقها وهي تبتسم له ولمساته بالمياه ما زال أثرها على جسدها "المياه رائعة"
جلست على المقعد الطويل وهو يجلس على المقعد المجاور وأحد رجال الحراسة يضع لهم الطعام "هل تأمر بشيء آخر يا ريس؟"
وضع الأطباق أمامه وقال "لا، العصير للباش مهندسة"
تناولت قطع الفراخ بشراهة وقد اعتادت على ذلك بالأيام السابقة، شهيتها مفتوحة لكل ما يقدمه طاهي هارون الخاص 
"لذيذة"
رفعت قطعة لفمه تناولها وهو مستمتعا بسعادتها الطفولية "أشعر أني زدت عشرة كيلو هارون"
وضع الأرز باللحم أمامها وهو لا يوقفها بل يرغب بأن تزيد "هذا ما أتمناه"
تناولت الأرز ولم تمانع باللحم مع الفراخ والسلطة "ووقتها تكره مظهري وتبحث عن امرأة جميلة"
تناول اللحم وعيونه ترمقها بنظرة جادة لا تحتمل الهزل وبداخله ما يجدد قلقه بلا توقف "حقا؟ وأترك من ظللت سنوات أنتظرها!؟ هو أنت من قد أشيخ بجوارها وهي ما زالت بمنتصف العمر ووقتها قد ترغب بشاب يعيد لها الحياة"
شاب!؟ أي شاب ذلك الذي يمكن أن يوازي من حلمت به سنوات عمرها؟ أي شاب هذا الذي سيجعل قلبها يدق بجنون لمجرد نظرة منه كما يفعل هو بها؟
أي شاب ستعشقه فوق عشقها كما تعشقك أنت؟
ألا تدري أنك غرامها وعشقها وشهيقها؟ أنت أكسجين حياتها
لو أن الحب كلمات تكتب، لانتهت أقلامي لكن الحب أرواح توهب، فهل تكفيك روحي؟ 
توقفت يدها بالشوكة ونظرت له وهو لا ينظر لها وعندما ظلت تنظر له بصمت رفع عيونه الجميلة لها وقال "نسيت فارق العمر؟"
هزت رأسها بالنفي وقالت "أي عمر؟ الحب لا يعرف عمر هارون، الحب أن أكتفي بك ولا أكتفي منك أبدا"
تراجع بالمقعد وأبعد وجهه عنها، كلمات الحب منها تكفيه لكن القادم أوقفه، قد ترحل لسواه عندما لا يصلح لها، قد..
يدها لمست يده لتعيد نظراته لها، كانت ترى الشك بعيونه، القلق، ألا يثق بها وبحبها "ألا تثق بحبي لك هارون؟"
قبض على يدها والتمعت عيونه على وجهها وتنفس بقوة محاولا إيقاف هدير قلبه المؤلم "لا أثق بالقادم، نظرات الرجال، سنوات عمرك النضرة"
الغضب كاد يسكنها لكنها تتراجع مع الريس، نهضت لتجلس بين أحضانه، المكان لهما بلا شريك 
لفت وجهه براحتيها وثبتته أمام عيونها "سنوات عمري لا معنى لها إلا منذ دخلت أنت حياتي ولن يكون لها أي معنى وأنت لست بها، هل يمكنني إخبارك المثل وأنا أرى نظرات النساء لك؟ هل هذا يجعلني أخاف؟"
قبل راحة يدها دون ترك نظراتها "أخبرتك أنهم أشباه نساء بالنسبة لي، لكنت تزوجت طوال السنوات الماضية ولا شيء كان سيمنعني لكني أردتك أنت" 
"وأنا لك ولن أكون لسواك بتلك الحياة أو بعد الموت سأكون أيضا لك"
جذب وجهها له وقبلها قبلة طويلة منحته الراحة بعد القلق..
أطلق شفاهها لتنال هواء دون أن تحرره "ألن نعود غرفتنا؟"
منحها قبلة رقيقة قبل أن يجيبها "ليس الآن صغيرتي، أنس هنا"
لم تكن قد شعرت به وهي تبعد وجهها عن زوجها دون أن تنهض من بين أحضانه وأنس يخطو بالفعل تجاههم فالتفتت له بضجر "كيف عرفت؟"
أبعد شعرها المبلل عن وجهها وهو يجيب "عطره يسبقه صغيرتي"
"مساء الخير يا ريس، هل أتيت بوقت غير مناسب؟"
اختفت ابتسامتها وهو لاحظ ذلك وهي تنهض عائدة لمقعدها والصمت يلفها
انتهت الاجازة، السعادة باقية لكن الجرعة ستقل..
"ما رأيك أنت أنس!؟"
تجهم أنس وقد لاحظ صمت ليال ونظراتها الراحلة لبعيد "أنت تغلق هاتفك هارون والجميع يبحث عنك، اسبوع كثير، آسف ليال ولكنه الزعيم"
هزت رأسها دون النظر لهم، الزعيم منحها الكثير من وقته وعليه العودة وهي عليها التعود 
"أعلم"
رفعت عيونها لزوجها وقد أدرك تبدل ملامحها ولكنها تعرف كيف تمنحه الراحة "لست غاضبة هارون، أنس على حق"
واجه نظراتها وتفهم كلماتها واحتفظ بمكافأتها لما بعد "هل أعددت ما طلبته؟"
أنس لا يجادل بأي أمر للريس ككل الرجال "نعم وتم نقل كل شيء، متى ستعود؟"
اندهشت من السؤال، ألم يأتي ليطالبه بالعودة فعن ماذا يسأل؟ 
"هل تسأل أنس!؟ أنت ترغب باقتلاعه من مكانه وجذبه لمكتبه"
تابع جنونها ولم يوقفها، تراجع بمكانه وتركها تكمل وهو يراقبها "ألا أمل بأن تجد امرأة أنس كي أرى كيف ستتركها بأول اسبوع زواج لكم؟"
شحب وجه أنس ولم يجد إجابة، زوجة الزعيم غاضبة ومنه، ألا تفهم أن العمل متوقف بسبب غياب الزعيم؟ ألا تدرك معنى اسبوع غياب؟
لم تمنحه فرصة للرد وغضبها يصرخ بوجهه لكن بهدوء غير حقيقي "لا تظن أني سأتركه يدعك تحصل على أجازه أكثر من ليلة الدخلة"
وأخيرا ضحك الريس على وجه أنس المتجهم من كلمات زوجته وهجومها على رجله، ووجه أنس يمتقع أكثر وهي ابتسمت رغما عنها وأنس يتحرك مبتعدا وهارون يعود لها 
"أخبرتك أنك مجنونة"
أكملت الطعام بشهية جديدة لأنها أغضبت أنس وعاقبته لأنه اخترق خلوتهم وأنهى سعادتها "وهو لم يحب بعد، عندما يفعل سأكون بانتظاره لأنتقم"
عاد يضحك مرة أخرى وهي انتهت من طعامها وقالت "هل ستتناول هذا اللحم؟"
حدق بها ونظراته تعني الاستنكار، هو لم يتناول أي شيء بالأساس فهل ستتناول طعامه أيضا؟ 
"ماذا؟"
لم تهتم بنبرة الدهشة أو الاستنكار بصوته ولا أنه لم يأكل بل الطعام حقا كان يشغلها، ما زالت جائعة 
"اللحم هارون، هل تريده!؟"
هز رأسه بالنفي فجذبت طبقه أمامها وهو يتابعها بلا تصديق "هل أطلب لك المزيد"
رفعت عيونها له ونبرته الساخرة لا تؤثر بها "لا أعلم عندما أنتهي من هذا سأخبرك"
انطلقت ضحكاته حولها مما جعلها تضحك سعيدة لأنها انتزعت ضحكة الريس
***** 
تحفزت كل حواس رشدي لكلمات والده والجنون سيطر عليه، هل سيتزوج ناصر ناني؟
من ملامح ناصر أدرك الرد ومن هدوء علي أدرك أن الأمر لم يعد يعنيه أم أنه يدعي ذلك؟
تحرك أخيرا ودهس عقب السيجارة بالمطفأة ثم بلحظة واجه ناصر "ستتزوجها!؟"
رفع ناصر وجهه دون خشى أمام ابن عمه وكأنه لم يرتكب خيانته بل بريء "ما أن تنتهي عدتها، والدك رفض أن يعيدها له وهو بالمشفى وغدا آخر يوم بعدتها"
الجنون يدفع لم لا يحمد عقباه والغضب يوازيه بالميزان، قبضته انقضت على صدر ناصر وقميصه يكاد يتمزق تحت أصابع رشدي يجذبه له بلا تفكير 
"هل تتزوج زوجة عمك؟ هل نسيت نفسك؟"
أمسك ناصر قبضتي رشدي ولم يسكت "أنا سأتزوجها زواج شرعي رشدي على سنة الله ورسوله بعد أن رفض عمي أن يردها، زواج شرعي وليس عرفي"
لكمة قوية جعلته يرتد للخلف ويده تلمس فكه وكاد ينقض عليه مرة أخرى لولا يد ارتفعت على صدره وصوت حازم يوقفه "كفى، الأمر لا يستحق رشدي"
سقطت نظراته الغاضبة على والده الذي وقف أمامه، يوقف جنونه، يبعد غضبه من معايرة ابن عمه له
"العرفي أيضا شرعي ناصر وهو أفضل من الخيانة بلا عرفي أو شرعي"
لكن الأب لم ينظر لناصر وهو يخاطبه لكن لابنه.. مانحا إياه نظرة تعني، أنا معك أنت
التفت لناصر أخيرا بعد تراجع رشدي وناصر ما زال يلمس فكه المتألم "لقد منحتك فرصتك أنت وهي وعفوت عنك وزواجكم يعني انتهاء أي صلة بيننا، لا أريد رؤيتك هنا مرة أخرى"
الجنون أصاب ناصر "من تظن نفسك لتتحدث عن العفو؟ أنت لست إله، هي لم تحبك بأي يوم، أموالك من جعلها تقبل برجل يكبرها بخمس وعشرين عاما وعندما عرفتني وأحبتني لم تعد بحاجة لك لأني أمنحها ما لم يمكنك منحه لها"
فلت رشدي من والده وهجومه على ناصر كان متكافئ تلك المرة والاثنان التحما بمعركة قوية كتلك التي كانوا يتبادلونها بالصغر لكن ليس مزاح بل جد
انتهت عندما نادى علي ابنه وهو يضع يده على قلبه فدفع ناصر بكل قوته وأسرع لوالده وناصر يسرع هاربا بكدماته 
أسرع لوالده والرجل يتنفس بصعوبة وهو يعيده للأريكة جاذبا هاتفه ليهاتف الطبيب
لم يأتي اليوم، ظلت تتحرك بالشقة، السادسة والسابعة والثامنة أيضا مرت دون أن يأتي، منذ تزوجا ولم يتخلف يوما واحدا وحتى أيام دورتها الشهرية كان يعلمها كيف تمتعه دون العلاقة الحميمية
جذبت هاتفها وأخرجت رقمه وكادت تهاتفه لكنها تراجعت.. لماذا القلق من غيابه وهي بالأساس ترفض وجوده؟
سقطت على الأريكة وسقط الهاتف بجوارها.. أفكارها عائمة على سطح بحر لا تعرفه، تسبح بلا دراية لأين هي ذاهبة وعلى أي شط سترسو
الضياع ارتسم مرة أخرى عائدا بابتسامة زهو وانتصار.. العابث انتهى منك، سيمزق الورقة ويلقيك بالشارع حيث تنتمين.. إلى أين يمكنك الذهاب؟
أغمضت عيونها والخوف يعود لها.. حتى ليال لم تهاتفها مرة أخرى ولم تسأل عنها، لا أحد يهتم بها وها هو جامد الملامح قد مل منها وانتهى من سداد الدين
لم تنم ولم تتوقف عن التفكير، كلما تساءلت عن مصيرها رحل عقلها لسبب غيابه، كلما صارعت أنها سعيدة لذلك انهزمت أمام حيرتها من عدم مجيئه
ذلك الحزن الذي تخفيه داخلك من غيابه هل له علاقة ب..
لن أكتب..
أحضرت القهوة لها ولهدى من غرفة المشروبات وعادت للمكتب المفتوح لكن صوت هدى أوقفها
"لا، لم أخبرها شيء.. لا، هي لا تعرف أن والدك متعب ولا أنك أمضيت الليلة معه فهي لم تسألني عنك"
تراجعت وهي تكتشف أنها لا تعرف عنه شيء.. أمضت كل تلك المدة معه ولم تحاول معرفة شيء عنه
له أب ويقيم معه؟
"لا، ربما أجد لك واحدة لتبقى معه، سأبحث وأهاتفك"
انتهت هدى وهي تدخل وتجمدت هدى مكانها وعيونها تسقط على أحلام التي وضعت لها القهوة على مكتبها وبلا أي تعليق تحركت لمكتبها
عيون هدى طاردتها، تتساءل بصمت هل سمعتها؟
أحلام طير شارد لا يمكنك الإمساك به إلا بنصب الشباك وهدى لا تحب الصيد لذا تركتها ولم تبحث أو تسأل
لم يأتي أيضا تلك الليلة.. هل والده بخطر؟ هل عليها أن تسأل؟
ظلت تلف بالشقة بجنون، لمن تلجأ؟ لا أحد
فزعت من رنين الهاتف وتجمدت أمامه، جامد الملامح تذكرها هل سيمزق ورقتهم الآن؟
الرنين جعلها تتحرك لتجيب، صوته الهادئ أتاها "بالطبع مستمتعة بغيابي؟"
مكتب البيت احتواه، ترك والده أخيرا بعد أن نام، لم يجد فتاة لتبقى معه فلم يمكنه تركه وعليه العودة للعمل بالأيام القادمة بسبب مشروع جديد وهارون يطالبه بالاهتمام والعسلية لم تفكر بالسؤال
"وأنت لا؟"
رفع رأسه بدهشة من الرد، هل تظنه سعيد بتركها؟
"ربما، لكن متعة من نوع خاص"
جلست تحتضن جسدها بذراعها، عيونها تراه أمامها، رماديته تلتهمها كالعادة، لمساته تعرف كيف تهزم تمردها
"أي نوع، الشقراء مثلا؟"
هو نسى كيف يكون الضحك.. لكنها انتزعت ضحكته "وربما حمراء الشعر فهن ساخنات بالفراش"
غضبت وتوردت من وقاحته المعتادة "أنت وقح"
مرة أخرى جعلته يضحك، كيف تفعلها؟ أرادها، طعم العسلية رحل وعليه باستعادته ولكنه مضطر للبقاء
"لا تغلقي"
تراجعت وقد أوشكت بالفعل على أن تغلق لكن كلماته أوقفتها، أنت تفقد السيطرة، تفلت الزمام وستندم
"لن يمكنني المرور غدا أيضا، هل يمكنك التعامل وحدك؟"
هل يسأل؟ منذ متى يهتم أحد لوحدتها؟ هو نفسه استغل تلك الوحدة ونال ما أراد "من أجل الشقراء أم الحمراء؟"
جلس خلف المكتب والسيجارة رفيقه، تؤازره.. تمنحه قوة واهية من صنع خياله لمواجهة ما صنعه لنفسه من عالم خاص
"والدي متعب وأنا معه"
هل حقا يخبرها بذلك؟ هي لا تمثل له شيء "هل يمكنني فعل شيء؟"
نفخ الدخان، فكرة وجودها هنا لم تخطر بباله، بماذا سيقدمها لوالده!؟ زوجتي عرفي؟
"لا"
أغمضت عيونها، من تظن نفسها لتفكر هكذا؟ هي مجرد فتاة من الشارع بل من قسم الشرطة، أحضرها من قضية دعارة
"أنا لست عاهرة رشدي"
ترك السيجارة بالمطفأة وتاهت نظراته بالفراغ أمامه.. لما تخبره ذلك الآن؟ هو ليس بحاجة لزيادة همومه لديه ما يكفيه
"أنا بريئة وأنت تعلم ذلك"
الصمت كان الرد، لو أقر أنه يدرك براءتها ربما تطالبه بإنهاء ما بينهم ولو تركها بلا رد سيصبح بنظر نفسه جبان، ولو أخبرها أنه لا يصدقها سيؤلمها..
الحل صعب عسلية وأنت تلصقيني بالتيه بشكل لم أعرفه من قبل
"لا مجال لهذا الحديث الآن أحلام أخبرتك أن والدي متعب وأنا مشغول معه"
سقطت دمعة منها بلا وعي، شعورها بالمهانة يؤلمها، يجرحها، أغلقت ولم تعد ترغب بسماع صوته واستسلمت للبكاء
أغمض عيونه وهو يدفع رأسه للخلف على ظهر المقعد وما داخله مجهول غير واضح.. لم يهتم بامرأة من قبل كما يهتم بتلك الفتاة
تنال الكثير من تفكيره دون سبب.. كاد يوافق على حضورها لتكون معه فعدم رؤيتها يومان يثير جنونه، كان يقطع الطريق من القاهرة للإسكندرية والعكس ليكون معها لكن هنا لا يمكنه أن يفعل لأنه لا يجد من يبقى مع والده بحالته السيئة
فتح عيونه وجذب الهاتف مرة أخرى وأعاد الاتصال، ألم أخبرك أنك تفقد السيطرة
فزعت من الرنين ومن بين الدموع رأت اسمه مرة أخرى، مسحت دموعها وحاولت منح صوتها نبرته الهادئة
"هل نسيت شيء؟"
نفخ دخان السيجارة الجديدة وهو يحكم قبضته على الهاتف "أحتاج أحد مع والدي بالأيام القادمة لأني سأنشغل بالعمل بسبب المشروع الجديد"
اعتدلت بجلستها والسؤال داعب طرف لسانها ورحل له عبر الهاتف "هل تقصد أبحث لك عن ممرضة؟"
نهض ومنح الأرض قوة غضبه بدلا من دفع قبضته بالحائط  تعبيرا عن الغضب من نفسه للجنون الذي يندفع له "لا، أقصدك أنت، أعتقد أن لديك فكرة عن مراعاة رجل مسن فقط بحاجة لمساعدته بالطعام ومواعيد الدواء؟"
صمتت بلا فهم وأول شيء نطقت به "والدك لا يعرف عني شيء أليس كذلك؟"
بسرعة أجاب وبلا تفكير بما سببه لها من ألم لم يدركه ولا هي تعرف سببه "بالطبع ولا يمكن أن يعرف بأي ثمن"
أغمضت عيونها وهو أغمض عيونه أيضا متجمدا بمكانه، هو لا يمنحها أي شيء سوى الخزي من وضعها وهو من وضعها به
"لماذا تفعل بي ذلك؟"
فتح عيونه ولا يعلم سبب غضبه من نفسه "أحلام لم لا تتفهمين وضعي؟ والدي مريض قلب، أجريت له جراحة بالقلب من عدة أسابيع قليلة ولا يمكنه تحمل أي ضغوط نفسية لذا لا يمكنني إخباره أني تزوجت عرفي من.." 
وللمرة الألف يطعن بخنجر حاد قلب اليمامة ويحرقه ويذيب العسلية
"أحلام هذا وضع مؤقت حتى يستعيد نفسه وأنا أنتهي من المشروع الجديد وبعدها.."
قاطعته بغضب "بعدها تمنحني حريتي لأني بذلك أكون قد سددت ديني، لم أعد أتحمل البقاء مع رجل مثلك، أناني، حقير، جبان، أنت لا تفكر سوى بنفسك أنا أكرهك.. أكرهك لا أريد البقاء بحياتك أخرجني منها"
وأغلقت دون أن تمنحه أي فرصة للرد والغضب ثار داخله.. عاود الاتصال لكنها لم تجيبه فجن جنونه ولم يشعر بنفسه وهو يتحرك للخارج مندفعا لسيارته مطلقا دوي موتورها خلفه بطريقه لمن تدفعه للهاوية
**** 
دخلت أسما البيت وهي متعبة، العمل مرهق والبحث عن المال أكثر تعب خاصة لو كان هناك من يسرق أموالها من أجل مزاجه
فزعت عندما انجذبت حقيبتها من يدها بقوة كادت تسقطها "لماذا تأخرت؟ أريد مال؟"
استعادت نفسها وتحركت لجذب حقيبتها منه "بابا تلك الاموال سأشتري بها جهاز بدلا من الذي أخذته وبعته"
أبعدها بقوة وهو يفتح الحقيبة وتلمع عيونه على الاموال.. لم تكن تخطط لأخذها معها لكن الرجل الذي وعدها بالجهاز اعتذر لظروف سفره ولم تعرف أين تضع المال
أسرعت له محاولة إنقاذ ما تعبت بجمعه "بابا أرجوك، لا تأخذهم"
خلص الأموال منها وقذف حقيبتها "بل سآخذهم كلهم، هي أموالي"
تعلقت بذراعه قبل ان يذهب "بابا أرجوك، لن يمكنني العمل بدون الجهاز وأنت بعت القديم"
نفض ذراعها بلا رحمة ولم يعد يهتم بابنته الوحيدة، هل كان يفعل بأي يوم؟ أمها ماتت لأنه كان يسرق أموال علاجها والآن هو يسرق أموال العمل فماذا تفعل؟
تعلقت به، قاومته لكنه صفعها بقوة أسقطتها أرضا بلا رحمة وتركها تبكي ورحل سعيدا بغنيمته، سيحصل على خمس أو ست زجاجات، ستكفيه اسبوع بالكامل
مسح وجهها الأرض وبللت دموعها البلاط ولا أحد يهتم بنواحها.. الألم لا يدركه إلا صاحبه والخزي لا يلوث إلا من يسبح بين أمواجه..
****
انتهت الاجازة كما توقعت، سرقها أنس بزعمه أن لا شيء يسير دون الريس
لم تتحدث مع أنس عندما فتح لها السيارة وهي تدخل بجوار زوجها، هل ستحاسبه لأنه أنهى متعتها؟
لم تلتفت لهارون الذي كان يتحدث بالهاتف بل شردت بالأيام القادمة، هل سينساها بين وطأة عمله وانشغاله؟ ألن تكون الفانيليا هي هوائه؟
لم تشعر بالسيارة وهي تنطلق ولكن صوته جذبها لترسم ابتسامة صغيرة على شفتيها كي لا يقرأ أفكارها "تم إعداد مكتب لك بالفندق بكل ما طلبت من أجهزة لتمارسي عملك الجديد، هل جهازي آمن؟"
هو يضع كل طلباتها موضع الجدية والتنفيذ، لم يتراجع عن عملها معه بالفندق بل وجهز لها كل ما طلبته.. ألا يكفيها هذا؟
ملفوفة بذراعه ملتصقة بعيونه الثابتة على عيونها هدأت، استقر قلبها على يقين بأن الزعيم لن يلفظها خارج حياته بسبب زعامته 
"نعم آمن، هارون أنا أرغب بجهاز جديد وله مواصفات خاصة، العمل لديك أعلى من إمكانيات جهازي"
تفهم كلماتها وبالطبع لم يجادلها، كل طلباتها أوامر له "امنحيني المواصفات وسيكون لديك بأقرب وقت"
عاد هاتفه للرنين وهي تراقب الطريق وقبل أن يجيب قالت بدهشة "هارون هذا ليس طريق البيت"
التفت أنس لها وصفوان ينظر لها هو الآخر بالمرآة وهو أغلق صوت هاتفه دون أن يجيب، مانحا إياها كل اهتمامه "نعم صغيرتي لدينا موعد سننتهي منه قبل العودة"
لم ترد وهو يعود لهاتفه "ماذا؟"
صوت أحد رجاله أتاه "هو اختفى منذ الأمس يا ريس لكن ما عرفناه أنه بالفعل يعمل لصالح ذلك الرجل ويسوق له عملات ويسعى لجلب عملاء ممن كان يعرف"
رمقها بنظرة جانبية وهي شاردة بالطريق، لا يريد إخبارها أي شيء عن شريف كي لا يدمر السعادة التي تعيشها وهو يدفع عمره كله ولا يراها حزينة 
"حسنا ابحث عنه وجده، لا أريده بعيدا عن عيوني"
"حاضر يا ريس"
أغلق والسيارة تحركت بهم لمكان فاخر ورأت الفيلات التي انتشرت به وأخيرا هدأت السيارات بجوار بوابة سوداء كبيرة وهي لا تفهم ما يحدث حولها 
"الموعد ببيت هارون"
لمسة يده على يدها جعلتها ترتد لعيونه القاتمة، لا معاني بها فقط نبرة صوته الهادئة تمنحها بعض الطمأنينة "نعم"
دخلت السيارتان وتأملت الفيلا التي بدت كقصر كبير من دورين وحديقة كبيرة تحيطه، أرض واسعة تمتد حتى نهاية السور، بيوت صغيرة تنتشر حوله وسيارات دفع رباعي أخرى تقف بمكانها ورجال حراسة.. 
وماذا؟ 
هي تعرف الرجال، نعم، تعرفهم بعد وقت طويل أمضته معهم، هم رجال زوجها، عائلته التي أصبحت عائلتها..
لم تجد وقت لتطالبه بتفسير عندما توقفت السيارات وتحرك رجل الحراسة لها ليفتح بابها فنظرت له ولكنه كان قد نزل فعادت ورأته وقد وصل لها وباب القصر خلفه فالتقت بعيونه ويده تنتظر يدها 
بلا فهم أو إدراك منحته يدها، هو الأمان، هو الحصن بأي مكان تكون، نزلت وتوقفت بجواره وهي تنظر حولها مستمتعة بكل ما تراه ومتسائلة عن سبب وجودها هنا وآخر ما وصلت له هو شيء واحد
"أنت لم تفعل هارون!؟"
هو يعلم أنها ذكية، لم يسألها عن معنى كلماتها فبالتأكيد فهمت، جذبها للباب "تعالي"
لم تقاوم، الفضول يقودها، القلب يدفعها، الريس يمنحها الراحة بوجوده وكلماته لم تحمل الأمر بل طلب، رجاء، سعادة
تحركت بجواره وانفتح الباب الكبير ورأت القصر 
تماما كالذي كانت تراه بالتليفزيون، شيء لا يمكن وصفه، لم تترك يده وكأنها تحتمي به من هول ما ترى من جمال وثراء وفخامة، كل شيء يدل على الوهم..
ترك يدها ليمنحها الحرية بالحركة وهي تتجول بعيونها بكل مكان وتلف حول نفسها وكل شيء ينال إعجابها بلا خطأ واحد
توقفت على وجهه الذي ثبت عليها، ذراعيه معقودة أمام صدره، ملامحه المشرقة بعد اسبوع زواج رائع مع امرأة تعرف كيف تسعده كانت كلها مسلطة عليها
 توقفت أمامه وسقطت نظراته الملونة بالأزرق كهدوء مياه البحر، عليها وعلى عيونها المبهورة بكل ما رأته وامتلأت بالحب والامتنان للرجل الذي يمنحها كل شيء 
"ما الذي فعلته هارون؟"
مرر أصابعه على وجنتها، تبدلت ملامحها للأجمل، أشرق وجهها وتوردت وجنتاها والتف عودها بشكل مثير لرجولته، ازداد وزنها فمنحها منحنيات تمتعه أكثر، أنوثتها نضجت مع زواجهم وأشبعت رجولته
"لا شيء صغيرتي، حصلت على مكان يمكنني فيه الشعور بالحرية مع زوجتي الجميلة، هدية زواجنا"
لا، أنت لست بشر، أنت ملاك، ملاكي الحارس، منذ أول لحظة وأنت حارسي، منقذي، دنيتي التي لم أعرف سواها.. أنت كل الحياة 
"كان يمكنك.."
تحركت أصابعه على فمها توقف كلماتها "ويمكنني أيضا"
أغمضت عيونها والحياة جميلة بوجودك معي حبيبي 
"قصر هارون؟"
"قصر يا قلب هارون"
وانتظر المكافأة ومنحته إياها، قبلة على شفتيه أكملها كما اعتاد وحملها برقة "لتتعرفي على المكان فيما بعد والآن نختبر غرفتنا الجديدة"
صعد السلم بها وهي لا ترى سوى وجهه وعيونه وتسمع دقات قلبه "وفراشنا الجديد"
فتحت الباب الذي توقف أمامه وهو يرد "بلا رجال تسمع صوت امرأتي وهي معي"
أنزلها وهي تلفه بذراعيها والنظرات لا تنفصل "ما زلت أحب بيتنا"
قبلة على وجنتها الرقيقة أشعلت نيران بجسدها، هو يعرف كيف يثير امرأته وهي تستجيب "ولكنه لم يكن مؤهل لامرأة تمتع زوجها"
عبثت بمؤخرة رأسه ثم فكت أزرار قميصه "أنا أمتعك بأي مكان حبيبي، أنا هنا من أجل سعادتك"
تخلص من بلوزتها وقبلته توازي يده على جسدها وهي المثل وهو يقودها للفراش الذي لم تراه حتى 
ازادت قبلاته وهي تلفه بذراعيها تستقر على الفراش جاذبة إياه معها لتنال قبلاته على عنقها ويده تتسرب لنزع باقي ملابسها لولا..
دقات على الباب..
هل بدأ العد التنازلي لرحيل السعادة؟
لم يتوقف وهو يكاد ينزع كل شيء عنه وعنها لولا عودة الدقات فتوقف ورأسه مستقرة بين خصلات شعرها وأنفاسه تتلاحق على بشرتها 
"ليال"
تفهمت "أجب هارون، لن يدقوا الباب إلا للضرورة"
رفع وجه فرأى ابتسامتها تمنحه الراحة لتفهمها لكن قلبها كان يتذمر، يغار من كل ما يفصل حبيبه عنه
نهض مغلقا قميصه، أغلق باب غرفتهم وفتح باب الجناح ليرى أنس منتظرا بجوار الباب وملامحه تنم عن الجدية "لابد أن تأتي الآن"
ملامح أنس منحته معنى مقتضب عما يريده به فهز رأسه وأنس ابتعد وهو أغلق الباب وعاد لها
عدلت ملابسها وهي تقف تنتظره، تدرك واجبتها كزوجة للزعيم، وقف أمامها، لمس ذراعيها ونال نظرتها بين عيونه "تعرفين أني .."
قاطعته بلا تفكير "أنت الزعيم وأنا زوجتك وأنا أتفهم هارون"
ظل صامتا يحاول البحث عن أي ضيق بعيونها لكنها ظلت مبتسمة تمنحه الهدوء والسكينة فأخذ قبلة من شفتيها وهمس "سعيد بوجودك معي صغيرتي"
ابتسمت وكلماته تمنحها روح جديدة لتعود بها للحياة "وصغيرتك تنتظرك لآخر نفس من أنفاسها"
قبل شفتيها مرة أخرى وتحرك للباب وهي تتبعه وقلبها ينبض بالخوف، هل سأظل أخاف عليك طوال عمرنا هارون؟ أنا لا أستطيع أن أعيش بلا وجودك معي بعد الآن حبيبي
وأغمضت عيونها وهمست "يا رب، لطالما كنت معي أرجوك احفظه لي"
**** 
إنني أستطيع أن أوقف الكلام في حلقي، أما الدموع فلا أستطيع
كل ما تعلمه أن الدموع دماء الروح وروحها ممزقة، مذبوحة على بوابة حياتها المتسخة بعار كاذب لا يد لها به
ستبكي وتظل تبكي حتى تحولها الدموع إلى غيمة ثم تتلاشى من الوجود
وما الدموع!؟ هل ستداوي جروحها!؟ لا..
لكن.. أحدهم قال إن الألم الجاف أشد قسوة من الألم المبلل بالدموع فبللوا آلامكم لتخف قسوتها عليكم
وها هي صريعة الدموع.. روحها تبكي وقلبها ينزف والجدران ترثو حالها
مهانة، مطلية بألوان الخزي، محطمة الماضي وضائعة المستقبل وكلماته يتردد صداها حولها
لا يمكن أن تكون امرأة بحياته فهي مجرد إشباع شهوة مؤقته مصيرها الزوال، سلة المهملات مع ورقتها الممزقة 
لماذا فعل بها ذلك!؟ لم تؤذيه، لم ترغب بأي شيء سوى السلام، حياة هادئة بسيطة، هي حتى نست العملاق فهو الآخر لفظها خارج حياته..
ظلت تخفض رأسها، تدفنها بين ساقيها المضمومتين لصدرها وكأنها تحمي نفسها من المصير الذي عليها مواجهته وهي بالأساس.. تجهله
صوت الباب جعلها تفزع، تنتفض، ترفع وجهها الغارق بالدموع والخوف رفيقها حتى رأته..
ارتسم الغضب بكل خط من تجاعيد وجهه، ساقه الجنون لترك والده وقطع المسافة بعشر دقائق .. 
هل حقا أنت غاضب!؟ أم أدركت أنك زرعت الشوك بطريقك لها
هل هناك طريق ارتسم بينهم!؟ العرفي!؟
أنت تفقد السيطرة، تفقد السيطرة ولا تلومني فأنت من اختار
وكأني لست الكاتبة..
توقف كما توقف كل شيء حولهم، العسلية رحلت، غيوم مليئة بقطرات المطر، أقصد الدموع..
رمادي احترق للأسود فأظلم كل شيء من حوله، عتمة اخترقت ضلوعه زادته جمود وقسوة لكن ما أن سقطت عيونه عليها حتى تفجرت شرايينه بغضب من نوع آخر
هذا مثل الذي كان يتجسد داخله لدموع نسمة الصغيرة، هل تحولت العسلية لنسمة رقيقة ترطب الثلج المتراكم داخله
سكون.. سكون انفصل عن الكون، حطم الصراخ المكتوم داخلها.. صارع صوت الغضب الملتصق به.. سكون عنى أن ولا واحد منهم يعرف من أين يبدأ
لكن هي بدأت، نهضت بكل ما لديها من قوة، حافية القدمين، تدب الأرض بخطواتها الضائعة، تضرب صدره بقبضتيها الضعيفة، تصرخ بوجهه بكلمات الكره 
جامدا كملامحه، مصدوما بحالها، لم يقاومها ولم يوقفها حتى تعبت وخارت قواها وتجشأت من فمها كل عبرات الألم الرابض داخلها..
حتى خانتها ساقيها وكادت تسقط لكنه أفاق من الجمود، استيقظ من الذهول، عاد القلب ينبض وهو يقبض على ذراعيها ليمنع سقوطها 
الأريكة احتضنتها، لا حضن مثل حضنها، جماد لن يبغي شيء من احتضان فتاة يتيمة فتتتها الحياة بلا رحمة 
كعادتها معه، يضع العصير بين شفتيها، اعتاد على مرحلة الذهول، فقدان الوعي بالوعي، لا تسأل..
هدأت الشهقات، طعم العصير فقد سكره، مر كمرارة مصيرها
"أحلام، أحلام هل تسمعيني؟"
تحجرت نظراتها، رحلت لمكان بعيد، ذكريات ممحية من عقلها.. ربما لم ترغب بتذكرها، فقط أنت، أيها العابث الذي عبثت بحياتي لم لا تتركني
"حررني، أرجوك"
الضعف هو كل ما لمسه من صوتها ونظراتها وجسدها المرتجف
تراجع من أمامها لها وكلماتها لا تلقى الموافقة لديه، لا يرغب بتحرريها، ما زال يريدها، لم يكتفي منها، لم تسدد الدين
أشعل سيجارة دون النظر لها "تعلمين أن بيننا اتفاق"
بتعب أجابت "وأنا وفيت، منحتك نفسي"
التفت لها لكنها كانت شاحبة، تدرك أنه لن يفعل وهو بالفعل لن يفعل "أخبرتك أني بحاجة لوجودك مع والدي ولن يمكنك ذلك وأنت لست زوجتي"
ارتوى قلبها بدموعها، لن يتركها، أخفضت وجهها لم تمنحه أي عسلية فالعسلية انكسرت وذابت وانطمست
نفخ الدخان والسيجارة تنتهي بسرعة الصاروخ لتلحق بها أخرى، الجنون حل محل العقل لديه، أنت تفقد كل شيء وليس فقط السيطرة
"هل عدت له لذا ترغبين بالتحرر مني؟"
عادت العيون المحلقة تحدق به بوهن، لا طاقة لها بالجدال مع رجل مثله لا يرى منها سوى العهر
عندما لم ترد اشتعلت النيران داخله.. ماذا تسمي ذلك أيها العابث؟ هل ترى الجميع عابثين مثلك؟
تحرك لها وقبض على ذراعها منحنيا عليها محرقا بشرتها بأنفاسه الحارة بلهيب الظنون "هل تظنين أني سأتركك له؟ ستظلين عالقة معي حتى يدرك أنك لن تكوني له هل تسمعيني؟"
الدموع ملكة متوجة اليوم ولا مكان لملك بجوارها فقد رحل، جذب صولجانه وترك العرش لها، حاكمة، آمرة، جعلت الصمت الحكم والسكون جلاد
احترق الأسود بألم العسل.. 
"ستأتين معي لرعاية والدي، لن تكوني وحدك بعد اليوم"
لم تعرف ماذا تقول أو تفعل؟ يتحكم بمصيرها وهو القاضي والجلاد.. 
"العمل!؟"
فقط كلمة واحدة ما نطق به لسانها ليعصر ذراعها دون شعور "لا عمل، ولن تنالي أموال بيدك، لست المغفل الذي تظنينه، لن يمكنك خيانتي بأي يوم"
وتجسد الواقع بعيونه، ناني، والده وناصر وسواه من رجال عبرت بطريق امرأة تسمح للجميع بالعبور خلالها
"أنا لست خائنة، كنت لك وحدك ولم أعرف سواك"
صفعة بلا أصابع نزلت على وجنته، كنت لك وحدك.. ارتد لوعيه ورحلت صورة ناني من أمامه لتعود تلك الفتاة التي استغل سقطتها لمصلحته
نفض ذراعها، جذب نيكوتين لصدره خانقا الاكسجين داخله "وهو!؟"
لم تجيب، ليس لديها أي إجابة، هو ماضي رحل مع كل ما رحل ولم تعد تذكره لأنه لم يذكرها وحتى لو فعل فماذا ستخبره؟ تزوجت عرفي لأنقذ نفسي من الدعارة؟
سكوتها يدفعه للجنون، يرفع الشكوك داخله لأقصى الدرجات فتنفجر بوجهها "لم لا تجيبي؟"
هتفت بقلب واهن مكسور متألم "لا شأن لك بحياتي من قبلك، ما يخصك ما كان منذ وقعت ورقة العرفي وأنا لم أكن لسواك وأنت تأكدت أني لم أكن لأحد قبلك"
هزمته الكلمات، أخرسته، لا مجال للتشكيك بكلمات بريئة كهذه والآن بكل جنون العالم أرادها، بتلك الدموع التي تلطخ وجهها، شعرها المشعث، بيجامتها البشعة، كل شيء أثاره أكثر تجاها
أطفأ السيجارة وتحرك نازعا جاكته تجاها، مدركة النظرة النابضة بعيونه نهضت وكأن قوى خفية ضربتها ربما تفر منه
أسرعت لتبتعد لكنه قناص يعرف كيف يقنص فريسته بطلقة واحدة، لفها بذراعه وهي تقاومه، تضربه مرة أخرى بقبضات لا معنى لها وهو انحنى واقتنص شفاها وتذوق ملح دموعها على شفاها
يداها تقيدت على صدره سجينة بين جسديهم، أنفاسها تلاحقت، ضاعت، انتهت تحت وطأة قبلته 
بلحظة كان يحملها بذراعين لا تقبل الفرار منهما وهي تحاول أن تفلت منه، تطوح قدماها بالهواء، تضربه بيداها ولكنه لم يفلتها إلا على الفراش ممزقا تلك الملابس التي لا يطيقها لينال العسلية كما يريد
**** 
هل ظننت أنك ستهزمه؟
ستهزم نفسك أولا ثم تحرق الكون من حولك وبالنهاية لن تهزمه
يملك قوة لا تعرف مصدرها، هيبة لم تنالها، سلطة لم تنجح بسرقتها
ألم تكتفي!؟
"لماذا ترغب بذهابي!؟ وجودي بباريس لن يكون له أي فائدة أنت تنفيني"
نفخ الكبير دخان السيجار وقد امتلأت غرفة مكتبه بالدخان ونظراته الملونة بالأزرق تراقب نائبه، سقط بيت الشجرة فوق رأسه وتحطمت أخشابه ومع ذلك يرغب بأن يعيد بناؤه.. 
"بالعكس، أنت تتحدث باسمي وحضورك الاجتماع ستتحدث بلساني" وتجاوز عن النفي
تحرك بالغرفة بخطوات غاضبة، حانقة، ذلك الوقت هو أفضل وقت لإعادة الهجوم، لن يتراجع عن خططه
"تعلم أن لسانك يصل لكل مكان بلا حاجة لي، أنت تريد إبعادي عنه"
أطفأ السيجار بهدوء لا يفارقه، هارون يملك الكثير من صفاته، الهدوء، الذكاء وهيبة الرئاسة لذا هو ريس، مكانة وصل لها بجدارة، استحقها وحافظ عليها وما زال يفعل 
جسار لم ينال أي شيء رغم التصاقه به طوال سنوات عمره، لم يجعله نائبا إلا ليوقف شره، طمعه، إيقاف الشيطان الشرس داخله ومع ذلك شيطانه متمرد لا ينصاع لأي قيود
نهض بجسده الفاره، تواجه الاثنان، قوتين غير متعادلتين، العقل والحكمة أمام الغضب والتمرد، لا وجه للمقارنة
"إبعادك لا يحتاج مني لإجبارك على السفر، إبعادك قد يكون بطرق أخرى أسهل"
ضاقت الخضراء القاتمة أمام الزرقاء، عيونه انتمت لوالدته، منحته لونها الأخضر وجمال ملامحها ورحلت ولم يشكرها فهو لم يعرفها.. وحتى لو فهو لا يرى أن لأحد فضل عليه
"تقتلني مثلا!؟"
الزرقاء تشع ببريق سماوي يتعتم وقت الأعاصير ويمتلئ بالغيوم والآن غيوم خفيفة عبرت خلالها "القتل ليس من هواياتي، هي لعبتك أنت، أمرتك مرة واثنان أن تتوقف فهل فعلت؟"
الصمت يفوز كجدار نحتمي خلفه وقت الخذلان
ابتعد "لم لا تتركنا نتواجه وننهي الأمر!؟"
تابعه الكبير بنظرات فارغة لا تمنحه أي عناوين عن الكثير مما سطر داخله "تعلم السبب"
التفت والأخضر احترق بعيونه كي ينفث فورة بركانه لكن يد الكبير ارتفعت لتوقفه، تصد الحمم الراغبة بالخروج مهلكة كل ما حولها
"هو قراري جسار وإن تجاوزت مرة أخرى فستكون أنت من حكم على نفسه"
"لطالما فضلته ومنحته كل شيء وجعلتني بآخر الطابور"
ظل يواجه نائبه "لذلك أنت نائبي وهو مستقل بعيدا عني"
ابتعد صافعا الأرض بعصاه التي هي سلاحه قبل أن تكون منظر زائف للهيبة والقوة "لكنك تسانده، توقف عنه الخطر، تمنحه الزعامة على من كان لابد أن أكون أنا زعيمهم والآن تنفيني"
"أنت الذي لا تنتبه لمكانتك، تترك ما لك وتنظر لما بيده، دائما ترغب بكل ما يخصه ولا مرة قدرت الثمين الذي بيدك لأنك لم تراه على حقيقته بل رأيته أقل لمجرد أنه ليس لهارون وما لهارون الأفضل فقط لأنه له"
تجهم وجهه، انغلقت نظراته، سكن السكون ورحلت تغاريد العصافير، الجو ملبد بالغيوم والأعاصير 
"لأن كل ما يسقط بيده يتحول لذهب، بكل يوم يزداد قوة وترتفع مكانته التي تصل إلى هنا وأنت من صنع كل ذلك له"
"هارون لا يقبل مني أي شيء جسار وأنت تعلم ذلك لكنك لا تصدق، لكنت ساعدته بإنقاذ زوجته التي كدت تسرق أعضائها أو تفجرها"
شحب وجهه ونظرات الكبير تسحقه بمكانه من الغضب الرابض بهما، فتح فمه ليجد عذر يبرر به تصرفاته لكن الرجل أشاح بيده مبتعدا "استغليت غيابي بلندن وابتعادي وتصرفت كالجبان ولولا قوته لمات بسببك ورحلت زوجته خلفه"
"أنا نفذت أوامرك وتركتها"
الغيوم تلبدت أكثر وتحولت لإعصار مدمر بصوت مخيف "كدت تفجرها وليس تتركها وهو من أنقذها بذكائه وقوته ومكانته وهزمك، حتى وهو بين الحياة والموت هزمك لأنه الأفضل"
الإعصار يواجه إعصار الغيرة والحقد "لم ولن يهزمني ولن يكون الأفضل"
"إذن ابتعد عنه كي لا تثبت العكس بكل هزيمة تنالها منه، طائرتك بالعاشرة ولا أريد رؤيتك هنا إلا عندما ينتهي الأمر تمام وأنا من يخبرك أن تعود"
النبرة الآمرة أوقفت أي اعتراض لديه، الهزيمة التي يرفض الاعتراف بها تسكن عقله، تدغدغ شيطانه فترفع الكره داخله، لم لا يسمع للأمر ويبتعد كي يجيد التفكير؟
فقط ستصل له هديته الليلة وبعدها سيختفي كما يرغب الكبير سيؤدي فترة العقاب بالمنفى لكنه سيعود وسيواجه ويهزمه ولن يكون هناك زعيم سواه
**** 
توقفت سيارات الدفع الرباعي أمام المخزن القديم الخاص بالريس وهناك انتبهت الرجال كلها لوصوله وأنس يفتح له وقدمه تعفر التراب تحتها 
أنس يتبعه وصفوان ترك السيارة هو الآخر وتحرك خلفه، جيشه الأول وأصدقائه 
لم يتحرك أحد من الرجال أمامه، بل ظل الجميع خلفه وهو يتقدم بخطى ثابتة تجاه الباب الحديدي
كان صمت المكان ثقيلا حولهم، يقطعه صرير الباب الحديدي حين دفعه الزعيم بيده غير مباليا بما ورائه
تسللت رائحة البارود المحترق والدم الفاسد إلى أنوفهم وكأنها لجنة استقبال بانتظارهم، ثقيلة كاعتراف متأخر أمامهم، تمددت جثث فوق بعضها البعض ككومة من الخيانة المهشمة بلا انتظام، كأن الموت داهمهم جميعا في لحظة واحدة
وقف أمام الجثث متجاهلا رائحة الموت، يحدق بالفوضى الباردة أمامه، أجساد مكومة فوق بعضها، فقدت ملامحها الآدمية، جميعها تحمل نفس الختم الوحشي
طلقة نظيفة بالرأس!!
الضوء الخافت المتسرب من فتحة السقف ارتطم بوجوه شاحبة جامدة، الدم اليابس رسم خطوطا قاتمة على الأرض الإسمنتية
أحس بأنفاسه تثقل والغضب يتصاعد في صدره مطلقا عواء شق سكون المكان "جبااان"
تراجع الرجال من غضب الزعيم، لم يكن غضب المنتصر على رجال كادت تفقده روحه وقلبه ونفسه بل غضب الرجل الذي سلب منه حق الانتقام

تعليقات



<>