رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الحادي عشر11 بقلم سميه رشاد

رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الحادي عشر بقلم سميه رشاد  
رنين هاتفه أوقف حديثه معها، وأجبره على فكّ تشابك أيديهما ليستطيع الردّ، لو لم يكن منتظرًا للمتصل لما أجاب على الهاتف الآن.
- السلام عليكم يا شيخ هاشم 
ليستمع إلى صوت الطرف الآخر يجيبه:
- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. أخبارك يا عم أواب
ابتسم بخفوت وهو يجيبه: 
- الحمد لله يا حبيبي في فضل من ربنا.. أنت أخبارك إيه؟ 
- الحمد لله ..كنت بقولك الطلب اللي طلبته جهز والمندوب دلوقتي واقف أدام العنوان اللي قلت عليه.

ابتهج وجه أواب وهو يجيبه:
- تمام يا حبيبي أنا خارج له.
أغلق الهاتف ونظر إلى تلك التي تبدلت تعابير وجهها إلى الضيق لاعتقادها أنه سيغادر الآن ولم يمضِ على جلوسه برفقتها ساعة واحدة لينهي ضيقها بقوله:
- واحد جايب لي طلب برا.. هاخده منه وراجع.
أومأت إليه بإيجاب قبل أن ينطلق إلى الخارج وما لبس أن عاد إليها محملًا بعدة أكياس بيضاء جعلت جبينها ينعقد اندهاشًا وتساؤلًا، ليقابل نظراتها بابتسامته الرائعة قبل أن ينطق مازحًا:
- أهو النقاب يا ستي اللي كنتِ عايزة تطفشيني بيه جبته ليكِ.
شهقت بصدمة فرح وهي تلتقط منه الأكياس وتفتح ما بها، ليقابلها عدة ألوان مختلفة من نقاب الوجه والخمار الخاص بها
ليتابع أواب بسعادة ما أن لاحظ سعادتها:
-أنا معرفش فيهم أوي بس صاحبي عنده سنتر للبس المحجبات قلت له ينوع.
لتنطق مجيبة بسعادة بالغة وصفتها له نبرة صوتها:
- هو فعلا منوع.. بس دا بدون اسم خليجي الأسود دا جميل أوي دا اللي كنت عايزة ألبسه.. ودا ماليزي الاتنين حلوين أوي شكرًا بجد. 

ليجيبها باستنكار:
- شكرًا؟ 
اعتقدت أن سبب استنكاره أنه بات زوجها ولا مجال الشكر بينهما، وبالفعل كان هذا سببه إلا أنه أضاف مازحًا وهو يغمز بإحدى عينيه:
- شكرًا بس؟ 
احتقن وجهها خجلًا بعدما أدركت وقاحة مقصده وانشغلت في فحص ألوان الأخمرة  التي جاء بها.

فتحت الكيس الاخير لتجد عباءتان سوداوان ذاتا تصميم خليجي كل منهما أجمل من الأخرى بتصاميمهم الفضفاضة العصرية فتحدثت بوجه لا تزال به بعض الحمرة:
- كلفت نفسك بدا كله ليه؟ 
أجابها وهو ينظر إلى عينيها السعيدتان بما جاء به:
- لو أعرف إنهم هيفرحوكي كدا كنت جيت لك بألف نقاب.. إما قلتِ لي إنك ناوية تلبسي النقاب وكان غرضك تطفشيني دا كان أكبر سبب للتمسك بيكِ أكتر.. 
احتقن وجهها خجلًا لفهمه مقصدها حينها، ليتابع بجدية:
- لو مكنتيش اتكلمتي على النقاب أنا بنفسي كنت هفضل وراكي لحد ما أقنعك بيه.. ما هو مش معقولة راجل غيري يشوفك وتفتني قلبه زي ما عملتي معايا. وبعدين متلبسيش أي نقاب غير ما أنا اللي اكون جايبه ليكِ ماشي..

تعالت دقات قلبها بعنف، كلماته وغزله تكاد تنصهر منهما، كيف يقوى على التأثير بها بهذه الدرجة التي تجعلها تلتمس كلماته وتصدقه بهذه الطريقة! 

ابتسم فور إدراكه تهربها من نظراته وتفحص الأخمرة التي وضعها صديقه برضا؛ تأمل الثلاثة ذوي اللون الأسود والتصاميم المختلفة بإعجاب، وانتقل إلى الزيتي والبني ليزيحهم جانبًا ثم إلى البترولي والجنزاري الذي توقف بنظراته قليلًا فوقه إلى أن وقعت عيناه على الأخير ليصيح بضيق:
- إيه اللون دا بقا إن شاء الله.. أنا قايل له ميحطش أي لون فاتح خالص.
نظرت إليه باستنكار تسأله:
- مش عاجبك البيج؟ دا أهدى درجة في البيج وبحب اللون دا جدا الحمد لله إنه مسمعش كلامك.

رمقها بتساؤل رافعًا إليها أحد حاجبيه فابتسمت قبل أن تنطق موضحة:
بلبسه على حاجة غامقة مثلا اسود او زيتي أو بني فبيهدي الدنيا شوية. 

أومأ إليها غير مقتنعًا فتابعت تطمئنه:
- متقلقش أنا أصلًا مبحبش ألبس حاجة ملفتة ومش هتعبك في اللبس بتاعي.

أومأ بإيجاب دون أن ينطق بشيء، يعلم أنه هو من سيرهقها كثيرًا ويخنقها بسبب غيرته، لم يكن يرتضي لغالية شقيقته أن ترتدي أي الثياب إلى أن يئست منه وباتت لا تتشح سوى بالأسود الفضفاض، بل علَّق كثيرًا على عينيها إلى أن باتت تخفيهم فلا يظهر منها سوى ما يمكنها من الرؤية.كل هذا فعله مع شقيقته فماذا سيفعل بهذه؟! 

شرعت في قياس جميع الألوان فرحة أمام عيناه، لتسأله بكل مرة عن أيهما لاق بعينيها أكثر وبالجميع كانت إجابته واحدة:
- عينيكي بيليق عليها كل حاجة.. عينك خلت اللون أجمل.

لتجيبه بعدما انتهت من تجربة الجميع:
- مش هستنى يوم واحد هلبسه بكرة لأ مش بكرة من دلوقتي. عايزة أخرج بيه دلوقتي. 
- دلوقتي إزاي أنتِ عارفة الساعة كام؟ 
زفرت بإحباط ليراضيها بقوله:
- ممكن أخدك دلوقتي وأخرجك بس لو خرجت بيكِ في الوقت دا ممكن الجيران تتكلم وأنا مش عايز أحطك في الموقف دا.. 
أومأت بصمت متفهمة حديثه فتابع:
- ووعد مني بكرة إن شاء الله بعد صلاة العصر هاخدك وأخرجك بيه.

اتسعت ابتسامتها ونظرت إليه بامتنان أزعجه فالتقط كفها وقبض عليه مرة أخرى:
- أنا مش بمنّ عليكِ يا ريهام.. أنتِ مراتي ودا واجبي.
خجلت من حديثه، وكيف لها ألّا تخجل وهو يغرقها بأمواج غزله ويفتح لها الأبواب لتحتضن السعادة بين كفيها ثم يخبرها أن هذا ما تستحق! قبل ظهوره في حياتها اعتقدت أن راحتها والخلاص من أسقامها سيكون الموت أو إغماء طويل لا تفيق منه سوى بفقدان في الذاكرة، أما الآن؛ اكتشفت أنه كان هناك ترياقًا لأسقامها وتغفل عنه، وها هو يحقق الغاية المنشودة، ويبرىء أسقامها بترياق من حنان وحب خالصان.

بعد دقائق قليلة استأذن للمغادرة، وتركها خلفه تشعر بافتقادها لشيء أساسي بحياتها، تركها لتشعر بأنها ناقصة دونه، وكأنها بنيان كامل ينقصه لبنة واحدة تتمثل في شخصه هو.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الجميع يلتهم الطعام ويمدحون الفلافل والفول خاصة، بينما هي رفضت مشاركتهم الطعام كاملًا، دعتها خالتها إلى الطعام وأصرَّت عليها، كانت ستضعف خاصة ومعدتها تتضور جوعًا، إلا أن عينيها خانتها لتميل تجاه ذاك الذي زجرها بتحذير، فنهضت تتجه إلى الداخل بضيق، يكفيها تلك الرائحة التي تزكم أنفها، بإمكانها معاندته وفعل ما تريد، ولكن تخشى رد فعله الذي من الممكن أن يجعل جميع العائلة تتحامل عليها فقط، فهو بنظرهم مهدي المظلوم وإن حدث أي شجار بينهما فالجميع سيقفون بصفه، تعلم أنه لم يمنعها للمنع ذاته، فعقله ليس صغيرًا إلى هذه الدرجة، بل ما جعله يفعل نيته في معاقبتها كي لا تشتري من ذاك الرجل مرة ثانية كلما تذكرت هذا الموقف.

خرجت بعدما انتهوا من تناول الطعام فلم تجد له أثرًا، ذاك الديكتاتوري.. انتظر ليطمئن أنها لم تذق منه شيء ثم غادر بمنتهى السهولة.

توزع الجميع إلى غرفهم وتركوها هي وشقيقتها بمفردهما جالستان ببهو المنزل، إلى أن استمعتا إلى قفل الباب لتجده يطل عليهما، أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى وتجاهلته، شعرت بخطواته تقترب منها إلى أن وقف أمامهما وشعرت به يضع شيئًا ما على الطاولة القريبة منها ويغادر إلى إلى غرفته يحمل بيده كيس صغير كالذي وضعه على الطاولة.

تفحصت شقيقتها ما بداخل الكيس لتجدها ساندويتشات من الفلافل والفول والبطاطا المقلية من أحد المطاعم المشهورة بالمدينة. 
لتهتف شقيقتها بندم:
- دا جايب ساندوتشات من  حماصة في حد يسيب حماصة وياكل من ممدوح أبو طعمية حمضانة.. ياريتني ما كلت معاهم..

تبسمت شمس على كلمات شقيقتها وتناولت الطعام تلتهمه بتلذذ شديد، لقد ترك جميع المطاعم وابتاع من المطعم المفضل لديها، بل لدى الجميع، فهذا المطعم لا يختلف على جمال طعامه أحد، لو كانت تعلم أن نتيجة حرمانها من طعام ممدوح هو طعام "حماصة" لما تضايقت أبدًا! 

جل ما حدث هذا كان تحت أنظار والدة مهدي التي تطلعت إلى شمس ببغض، منذ البداية لم تحبذ ارتباط ولدها بتلك المتدللة المائعة، فماذا بعودته إليها بعدما كسرته؟ 

دلفت شقيقتها إلى الغرفة وبقيت هي تدير بعض الأعمال على هاتفها نظرًا لكون موصل الإنترنت هناك، والشبكة بهذا المكان تكون أقوى من أي مكان آخر، كانت البسمة ترتسم على شفتيها بين الفينة والأخرى كلما تذكرت أنه لم يرضَ لها أن تنام إلا بعد أن تتناول ما ترغب به، فاجئتها والدته وهي تقترب منها هامسة بفحيح يشبه فحيح الأفعى:
- دلوقتي فرحانة مش كدا؟

نظرت إليها بعدم فهم لتتابع بذات الصوت:
- إما أنت مش عايزاه ورافضاه راجعة تحومي حواليه تاني ليه زي ما عملتي عشان يتجوزك من البداية؟ في الحقيقة مش شايفة مبيتك هنا ووجودك غير إنك بترمي نفسك عشان يرجع لك.

أوجعت الكلمات قلبها، احتقن وجهها بشدة وكادت أن تتركها وتغادر كي لا تفعل مشاكل ببيت الجد إلا أن صوته القوي أوقفها وهو يقول لوالدته:
- بالحقيقة يا أمي مفيش حد بيحوم ورامي نفسه غيري.

لتبتسم والدته بسخرية فتابع:
- وبعدين دا مش بيتي عشان تبان عشاني.. دا بيت جدها زي ما هو بيت جدي بالضبط.. أنا بيتي فوق وهي مخطتش عتبته.

سيطر الغضب على عقلها وتمكن الشر منها، أرادت أن تمسك بشعر تلك التي يقف ابنها أمامها وتجذبها منه إلى أن تختفي من حياتها ولكن خوفها يمنعها لتقع عينيها على كوب المياه القريب ولم تلبث أن أسقطته أرضًا؛ ليصدح صوته وهو يتناثر إلى شظايا صغيرة؛ جعلت تلك الواقفة أمامها ترتعب ويعلو صوتها بخوف جعل جسدها يرتعش وكفيها يرتفعان إلى الأعلى تصم بهما أذنيها.

هرول الجميع على صوتها المتبوع بصوت الزجاج دون أن يسأل أحدهم عن السبب، فالجميع يعلم، تشتت مهدي بعجز ولم يدرِ ماذا عساه أن يفعل ليخمد خوفها، ليس من حقه فعل أي شيء وإن تجاوز وفعل فلن يزدها فعله سوى سوء، فأثنى ركبتيه يحاول سريعًا لملمة الزجاج وهو يردد بصوت مشبع بالقلق والشفقة:
- متخافيش يا شمس لميته.. متخافيش 

جرحت إحدى القطع يده اليسرى فلم يعبأ بها، بل تابع ما يفعل لعله يخفي الزجاج من أمام عينيها سريعًا فتهدأ ليهدأ قلبه. ارتاح قليلًا وهو يجد والدتها تقترب منها لتاخذها بأحضانها وتحاول، فتشبثت هي الأخرى بأحضانها وهي تتمتم بقهرٍ يعلم مصدره جيدًا:
- عايزة أروح يا أمي.. روحيني من هنا يا ماما روحيني.. 
استجابت الأم أمام منظر ابنتها وأخذتها إلى غرفتها وهي تحاول تهدأتها بقولها:
- هلبس بسرعة وهنمشي يا حبيبتي متخافيش. 

لم يتوقف جسدها عن الارتجاف لحظة، بل طال ارتجافها هذه المرة أكثر من أي مرة أخرى؛ فازداد قلق والدتها وخرجت تسحبها بينما شقيقتها سارت خلفهم، فخرج خلفهم مهدي وأصر على مرافقتهم رافضًا أي اقتراح بمغادرته.

أوقف أحد سائقي "التاكسي" وركب جواره بينما ركب النساء الثلاثة بالخلف. 

صعد خلفهم إلى المنزل وبعد دخولهم انصرف مغادرًا خاصة وقد شعر بهدوئها، يعلم أن وجوده بهذا الوقت غير مناسب فتحرك مغادرًا عازمًا على العود لأمه التي تسببت بكل هذا دون خجل! 
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم الثاني دق ناصر جرس أحد البيوت بعدما شرحت له العميلة العنوان بالتفصيل على تطبيق "الواتس آب" انتظر قليلًا إلى أن فتحت إهداهن بوجه عابس منزعجة من ذاك الذي أخبرها بالمساء بأنه سيصل إلى بيتها في الثامنة صباحًا، أعطته المال دون أن ترفع نظرها إليه ثم شرعت في رفع أحد طرفي الحجاب الذي سقط من فوق كتفها لتجد ذاك الواقف بملامح منصدمة ووجه مندهش يصيح بصدمة:
- عبير!! 
ــــــــــــــــــــــــــــــ
استيقظت ريهام من نومها بكسل عاجزة عن فتح عينيها، اتسعت ابتسامتها وهي مازالت مغمضة عينيها متذكرة ما حدث بالامس، بداية من جلوسها معه بعد عقد القرآن إلى أن غادر بعدما أخذ رقم هاتفها واتصل بها فور وصوله، تذكرت ما حدث بالمحادثة لتتسع ابتسامتها أكثر وهي تتذكر أول ما نطق به حينما سألته عما يريد فكان جوابه:
- قلت أطمنك إني وصلت بالسلامة زي ما قلتِ 
عقدت حاجبيها باندهاش تسأله بعدم فهم: 
- هو أنا قلت لك طمني إما توصل؟ 
ليجيبها بمنطق أقنعها:
- علميًا لأ أنتِ معبرتنيش وأنا مروح بالرغم من إني عملت اللي عليا .. عمليًا قلبك قال لي.

احتقن وجهها بخجل وهي تتذكر ما فعله وهو يغادر منزلهم، فذاك الخبيث اقترب منها مقبلًا جبينها بتمهل أخجلها ولم يعطِها الفرصة للاعتراض.تجاهلت ما تذكرته لتجيبه ردًا على حديثه:
- يا راجل يعني أنا قلت لك كدا؟ 
ابتسم بخفوت وما لبث أن جذبها إلى حديث شيق عنه وعن ذكرياته، بل وأجبرها بطريقته أن تقصّ عليه العديد من الأشياء عنها.
فاقت من شرودها ونهضت لتلتحق بوالدتها التي بالتأكيد تتشاجر مع نفسها الآن لتأخرها في النوم لتصطدم وعيناها تقع على باقة ورود حمراء كبيرة، التقطتها سريعًا وأخذت تشم ريحها قبل أن تبحث عن أي شيء يخبرها بصاحبها وقلبها يحدثها أنه ليس أحدًا سواه.
وبالفعل عثرت على تلك الورقة التي وجدت بداخلها ما جعلها تبتسم بسعادة بالغة وهي تقرأ بخفوت:
- الورد لا يهدى له وردًا ولكن لنفعل الآن وتستغل أن الورد الحقيقي لا يزال يجهل قيمته الحقيقية.. صباح الورد بأول يوم ليكِ وأنتِ زوجتي.. مبارك عليا ريهام.. مبارك عليا أنتِ.

تعليقات



<>