
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الخامس عشر15 بقلم سميه رشاد
تلكأ "عبدالرحمن" في خطواته إلى أن رسم الجدية على وجهه قبل أن يلقي السلام ثم يقترب من مهدي ويربت على كتفه يواسيه في مصابه.
تجاهل وجود ناصر وكأنه لم يكن موجودًا، بل جلس في مقعد مقابل دون أن يتطرق بنظره إليه، وهذا وحده يعد إنجاز، فبالسابق كان يرفض الاجتماع معه في مكان رافضًا التنفس بذات الهواء الذي يستنشق منه الآخر، أما الآن فقد ألقى عليه السلام.
تابعته أنظار الجميع بينما هو كان غارقًا في وادٍ آخر، يشعر بالثقل الشديد لاجتماعهما معًا، ولكن لن يتجبر أكتر من ذلك، يخشى أن يداوم على هجره فيغضب الله، ربما اختلف العلماء في كيفية زوال الهجر؛ فمنهم من قال بحتمية عودتهما إلى الحالة التي كانوا عليها وآخرون رأوا أنه يزول بإلقاء السلام وهو لم يقدر سوى على التشبث بالرأي الأخير، فلن يقدر على أكثر من ذلك، فلم تحدث بينهما مخاصمة عادية! بل تجرأ ناصر وانتهك حرمة بيته وراسل زوجته وهذا لن يقبله أبدًا، ربما لم يكن يعرفها كما قال ولكن النتيجة سواء.
كان ناصر أول من تحرك واقفًا واستأذن بالمغادرة بعدما جلس الجميع لعدة دقائق في صمت لم يخلُ من بعض دعابات هلال، رمقه مهدي بعتاب، فربت على كتفه وتمنى له الشفاء.
أراد عبدالرحمن المغادرة هو الآخر، فلا يحبذ الحديث الآن وصديقيه لا يكفان عن سؤاله عن أسباب الهجر التي لن يبوح بها أبدًا، ولكن لن يفعل ويقلب زيارته لمهدي غمَّا عليه، فيكفيه مرضه ولن يتحمل أن يثقل عليه هو الآخر.
ربما خفّ غضبه من ناصر بعض الشيء، خاصة وأنه متيقن الآن من أن زوجته تعشقه عشقًا، ولكن ما يحركه الآن ليس الغضب، بل الغيرة على أهل بيته، فهو يستنكر أن يصادق من خاطب زوجته يومًا، ولكن أيضًا ناصر صديقه ويفتقده أكثر من أي شيء آخر، زفر بضيق متمنيًا بداخله أن تخفف الأيام من حدة شعوره هذا فلربما.. ربما عاد جزء من علاقتهما سابقًا
على الفور تبدل ضيقه وارتسمت الابتسامة على وجهه وهو يتذكر ما حدث صباحًا، لقد أخبرته زوجته باضطراب أنها ستذهب إلى الصيدلية فسألها عما تريده ليأتي به هو، ولكنها تلعثمت ورفضت إجابته..
أصرَّ عليها لتخبره برغبتها في شراء اختيار للحمل، وأنها ما كانت تحبذ إخباره إلا بعد تيقنها كي لا تثير حماسه ويكتشفا في النهاية أن لا شيء يثير الحماس.
تذكر كيف أسرع وابتاع الاختيار سريعًا ولم تمر دقائق إلا وكانا متعانقين بسعادة، يباركان لبعضهما على الضيف الذي سينير حياتهما في القريب العاجل.
فاق من شروده على صوت هلال المزعج:
- طب كويس في تطورات أهو دلوقتي تبتسم بكرة تاخده بالحضن.
حدجه عبدالرحمن بضيق وانتقل إلى مهدي يسأله عن أحواله ويطمئن عليه، تحدث الثلاث رجال في عدة مواضيع إلى أن استأذن الزائران تاركان مهدي يتذكر وجهها وهي تدعو عليه أن يجلس فوقه أربعة ويبتسم ضاحكًا.
ـــــــــــــــــــــــــــ
خمسة أشهر قد مرت ولم يحدث سوى أن تحسنت العلاقات أكثر من ذي قبل، فأواب وريهام تقربا من بعضهما إلى درجة جعلت عشق كل منهما للآخر يجري في دماء صاحبه، ربما حدثت بينهما بعض من المشاحنات اللذيذة، إلا أن أواب برقة قلبه وحنانة لم يكن يسمح ليومها أن ينتهي وقلبها يحمل أي ضغينة تجاهه، شمس لم تذهب إلى بيت جدها سوى مرات نادرة تعمدت أن تكون في غياب مهدي تأثرًا بحديث والدته السابق لها.
وها هو اليوم قدِم أوَّاب برفقة جده ليحددا موعد الزفاف في الأسابيع المقبلة كما المتفق عليه، دلفت ريهام تستقبلهما بملامح خجَلة من الجد الذي يتحدث كلما رآها بعفوية تجعلها تذوب خجلًا.
صافحته فجذبها الرجل إلى أحضانه وربت على كتفيها مرددًا بحنان:
- أنا جدك يا بنتي.. متتكسفيش مني.
أومأت بإيجاب وعيناها تتابعان أواب الذي يهز رأسه إليها مطمئنًا، صافحت أواب هو الآخر ثم انتقلت إلى خالها الذي قدم ليحضر الجلسة وعانقته بمحبة، لطالما كنَّت الاحترام إلى هذا الرجل الذي وقف جوارها في جميع مراحل حياتها، فأعمامها دائمًا ما يعتمدون عليه ويفضلون مشاغلهم عن السعي خلف مصالحها، ربما لا يبخلون من الجانب المادي ويمدونها دائمًا بأرباح والدها من قطعة الأرض التي يعتنون بها بجوار أراضيهم، ولكن من قال إنها تريد دعمًا ماديًا؟! فمعاش والدها الراحل يكفي ويفيض، ولكن لا بأس! فخالها دائمًا موجود، حتى عبدالرحمن الذي أحرجته والدتها أمام جميع الرجال دائمًا يؤيدها بمعونته من جميع الجهات، خاصة وأن والدتها بعد خطبتها من أواب بشهر اعتذرت منه فقبل الاعتذار على مضض.
التفتت بعقلها تنصت إلى أحاديث الرجال وهم يقترحون مواعيد مناسبة إلى أن ردد خالها يسألها:
- الجمعة اللي بعد الجاية مناسب يا ريهام؟!
توترت واكفهر وجهها، ربما باتت تحب أواب أكثر من أي شيء آخر، ربما تريد أن تشاركه بيتًا واحدًا بدلًا من بيت والدها الكئيب هذا، ولكنها ترهب الزواج، ربما ساعدها قليلًا كون ما حدث لها من فارس تمّ وهي نائمة فنامت وفاقت دون أن تشعر بشيء، ولكن لن تنكر أن انتهاك بدنها ذاك وسرقته تركا انطباعًا سيئًا لديها، فمالا يعرفه أحد سوى أواب أنها تتابع مع طبيبة نفسية منذ أربعة أشهر. فبإحدى المرات أعربت بطريقة غير مباشرة لأواب عن ارتجاف أناملها كلما تذكرت ذاك الفارس، قصت له عن مخاوفها فاقترح عليها أن تذهب إلى طبيبة نفسية فوافقت على الفور، فهي بالفعل كانت تفكر بالأمر وفور اقتراحه تشبثت به وذهبت برفقته في جميع المرات مخبرة والدتها أنهما يتنزهان بالخارج، ولم تكذب في قولها ذاك، فهو بالفعل لم يعيدها في كل مرة سوى بعدما يهدي قلبها نزهة رائعة تخفف عما تعانيه عند الطبيبة.
عند تذكرها لذاك الخاطر وجدت عينيها تحيدان للنظر إليه فوجدته يدعمها برأسه مما جعلها تجيب على خالها بحياء:
- مناسب.
هنا لم تصمد والدتها، بل انطلقت تزغرد بسعادة، فأخيرًا قد زار الفرح بيتهم دون منغصات، ربما سعدت ابتسام عند الخطبة ولكن كانت سعادة يشوبها قلق، أما الآن وقد أخبرتها ابنتها بمعرفة أواب بما حدث لها فلا قلق ولا ضيق.
بعد قليل استأذن الجد والخال وتركا أواب ليهنيء عروسه، فتركتهما الأم أيضًا لتغيم عيناه تأثرًا قبل أن ينحني مقبلًا جبينها هامسًا برفق وسعادة:
- عشر أيام وهتكوني في بيتي.. مبارك علينا يا مليكة قلبي.. وعد من قلبي ليكِ هعمل اللي أقدر عليه عشان أسعدك دائمًا وعمرك ما هتندمي على وجودك معايا.
تلون وجهها بحمرة الخجل، خاصة وهو يهمس بخفوت جعل بدنها يقشعر تأثرًا، ولكنها تغلبت على ذاك الخجل وهمست برقة:
- وأنا واثقة إني عمري ما هندم، وأوعدك أنا كمان إني هعمل كل جهدي عشان أسعدك.
ليأتيها رده:
- وأنا مش عايز أي جهد.. وجودك لوحده سعادة ليا.
ابتسمت بخجل ورمقته بامتنان حقيقي ففعل المثل ورفع كفيها اللذان افتقدهما في اليومان السابقان وقبلهما بحنان.
ــــــــــــــــــــــــــــ
بعد مرور عدة أيام
جلس مهدي برفقة عائلته في بهو المنزل منذ الصباح الباكر منتظرين سائقي سيارات النصف نقل ليأتوا بعزال أواب، فحفل الزفاف لم يتبقَّ عليه سوى أسبوع واحد، ومن العادات أن يتم الفرش قبله بأسبوع، ابتسم بداخله وهو يرى شمس قادمة برفقة والدتها لحضور هذه المناسبة السعيدة، فقد أكد أواب على الجميع بالحضور كي يساعدوا العروس بنصب الأجهزة.
ألقت ابتسام السلام على الجميع وجلست، فهي بالفعل كانت برفقتهم مع ابنتها الصغرى بالأمس، أما شمس فوقفت دون حراك، لا تعلم أتجلس كما فعلت والدتها وشقيقتها أم تصافح الجميع لغيابها عنهم! فهي لم تخط عتبة هذا البيت منذ فترة طويلة، ارتأت بالأخير مصافحتهم فدارت على الجميع مصافحة، حتى والدة مهدي فعلت معها بجفاء بينما هو كان جالساً بآخر الصف ينتظر دوره في السلام، تخطته شمس وكأنها لا تراه لتصل إلى جدها وتعانقه باشتياق وحنان؛ فوضع مهدي يده على قلبه متصنعًا الألم بمرح، مما جعل أواب الذي قدم من الخارج يحدجه بحدة مرددًا:
- سلامة قلبك يا أخويا
جلست شمس دون حديث، لم تسمح لشفتيها على الابتسام بسبب ما فعل، فهي بالأساس يلسعها شعورها بالذنب لتجاوزهما معًا وقررت عدم الرضوخ له، ربما لا يتناولان عبارات الغرام ولكن تشعر بأن الأمور بينهما لا ترضي الله؛ فانفرادها معه بالغرفة يوم أن كان مريضًا لم يكن صوابًا ودليل ذلك أنه تجرأ بحديثه، نظراتهما لبعضهما لا تحل.. كل هذا جعلها تشعر بتعاونها معه، لذا فهي منذ الآن ستعامله بجفاء وتضع الحدود كي لا يجرؤ على تخطيها.
بينما ارتسمت ابتسامة تسلية على ثغور الجميع، فالجميع بات متيقن الآن من أن علاقتهم لم تعد حادة كما السابق، بل من ردود أفعالهم باتوا يعلمون أن الأمر لا يحتاج سوى للوقت وسيعود الاثنان إلى بعضهما! فقط تحتاج القلوب إلى مهلة لكي تهدأ.. وكم تثور القلوب بردود عكسية وأفعال تندم عليها لاحقًا إن اتخذت القرار في غير زمانه، وعانقت الصفح بغير موضعه!!
دلفت جميع النساء إلى الداخل لتجهيز الطعام لأهل العروس بينما انتظرتهم شمس في الخارج وانشغلت هي بترتيب الكراسي وأعمال التنظيف، فقد أخبرتها والدة أواب بحسن خاطر على الانتظار هنا كي لا تجبرها على الدخول إلى المطبخ، فبالتأكيد ستعلو أصوات الزجاج وربما تسبب لها هذا في نوبة قلق تذهب عليها سعادة اليوم.
خرج أواب والجد ليتفقا مع السائقين على موعد الانطلاق، بينما تلكأ مهدي في خطواته إلى أن غادر الجميع ولم يتبقَّ سواهما، فاقترب منها وجلس على الكرسي المجاور للآخر الذي كانت تقوم بتنظيفه.
اندهشت من فعلته وكادت أن تزجره بأحد أحاديثها الحادة، فكيف ستستطيع مباشرة أعمالها وهو يجلس أمامها هكذا؟!
إلا أنه سبقها وهو يسألها بجدية:
- وبعدين يا شمس؟!
عقدت حاجبيها تتصنع عدم الفهم وقد أدركت على الفور ما يرمي إليه، فتباعدها عنه في الآونة الأخيرة يدركه كلاهما، مما جعله يتابع:
- هتفضل كدا لحد امتى؟! أنا مش عايز أجيب أخري.
استفزها بجملته الأخيرة فردت بحدة:
- وأنتَ إيه أخرك؟!
صمت قليلًا قبل أن يهمس بنفاذ صبر وعيناه العاشقتان لا تبتعدان عن عينيها اللتان تعانقان الأرض:
- هروح أجيب المأذون دلوقتي وأرجعك مراتي يا شمس..
رغم تأثرها بحديثه وارتجاف بدنها أثر همسه، إلا أنها سألته بحدة:
- هتجبرني يا مهدي؟!
فتحولت نظراته العاشقة إلى أخرى معاتبة وهو يسألها بصوت مليء بالرجاء ألا ترده خائبًا:
- أنا لو رجعتك هتبقي مجبرة يا شمس؟!
تسارعت أنفاسها، وعجزت عن الإجابة، فأشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى دون حديث، مما جعله يتابع قبل أن ينهض واقفًا لينهي حديثه ويجبرها على عدم الرد الآن:
- يوم فرح أواب عمتي وضحى هيركبوا معايا العربية.. لو ركبتي معاهم هعتبر دا موافقة منك.. ولو مركبتيش يا شمس..
صمت قليلًا قبل أن يتابع بما يشق عليه:
- لو مركبتيش فأنا مش هعترض طريقك تاني.. ولو شوفتك بالصدفة فهتكوني بنت عمتي بس.
نظرت إلى أثره بقلب مهتز وعقل شارد، ما له صعَّب الخيار عليها إلى هذه الدرجة، ماذا علينا أن تفعل الآن؟! تقبل بعودتها وبهذا تقرّ على موافقتها أن يفعل ما فعل ثانية وثالثة فتصبح نسخة ثانية من والدتها التي كانت تعاني وتبكي وحدها في المطبخ المظلم، أم ترفض وتحكم على قلبها بالعيش بين جدران الفراق المشبهة بالشوك الغليظ؟!
ـــــــــــــــــــــــــ
اقترب آذان العصر ومعه اقتربت أصوات السيارات المحملة ب"العزال"، ربما في العادة تسير سيارة أخرى فوقها سماعات عالية تصدح بالموسيقى والمهرجانات العالية، بل أحيانا ما يزداد الأمر وتتبعهم سيارة محملة بفرقة للطبل البلدي لترقص النسوة على أصواتها فور أن يصل العزال، إلا أن أواب رفض كل هذا، بل ضجيج السيارات الذي يفعله السائقون من مزمار السيارة، لم يقبله إلا بتوسل والدته التي سالت دموعها تتوسله ليتركها تفرح به بأي طريقة.
وقفت السيارات أمام بيت أواب، فنزل من إحداهم وفعل مهدي المثل، بينما التف الشباب ليساعدون في نقل الأجهزة إلى شقة العريس وسط فرحة عارمة وزغاريد نسائية لا يعلم أحد مصدرها.
نزلت ريهام من إحدى السيارات ووقفت إلى جانب بنات خالها في أحد الأركان لا تعلم أين تذهب، فالرجال يحاوطون البيت وتخجل من الصعود الآن، للمرة الأولى تأتي إلى منزل عائلة أواب، فقد دعتهم العائلة عدة مرات لتناول الغذاء إلا أن والدتها رفضت ذهابها برفقتهم؛ تردد أن العروس لا تذهب سوى يوم الزفاف، بل وافقت والدتها على مجيئها اليوم بعد كثير من التوسل والرجاء لدرجة أن جعلت أواب يتدخل في الأمر فلم تقدر أمها على رفض طلب له.
لمحها أواب فاستاء ضيقًا من وقوفها ذاك، فجميع الأنظار ختمًا موجهة تجاهها مترقبين لرؤية العروس الجديدة.
وزع أنظاره بينها وبين الشباب المحاوطون للدرج ثم أشار لوالدته وطلب منها أن تأتي بهم إلى أن وقفوا بجانب باب البيت الكبير المفتوح على مصراعيه، وقفت برفقة من كان معها قليلًا إلى أن تجمع الرجال لحمل الثلاجة الكبيرة وصعدوا إلى الأعلى، فأشار إليها بالقدوم خلفة والدخول قبل أن ينزل الشباب مرة أخرى.
أسرعت الفتيات تتبعه، بينما ريهام سارت بينهن بخجل شديد، الموقف الآن محرج للغاية والجميع ينظر إليها، دلف الجميع إلى منزل الجد يلتفون حول مائدة الطعام الكبيرة كعادات البلدة بإطعام أقارب العروس بمثل هذا اليوم، ولكن ريهام خجلت من أن تفعل وأبت بإصرار شديد، تعلم أنها لو تناولت شيء الآن بكل التوتر الذي تحمله فلن تقدر معدتها على الصمود، لذا امتنعت ووعدتهم أن تفعل في وقت لاحق.
بالفعل صعد الجميع للمساعدة وبعد آذان المغرب كان جلهم قد غادروا بعدما انتهوا من فرش الأشياء الكبرى على وعد بالعودة في الأيام المقبلة لمتابعة ما بدأوه، غادر الجميع إلا ريهام ووالدتها اللتان انتظرتا قليلًا لإنهاء بعض الأمور الهامة،
صعدت والدة أواب وشقيقته لمساعدتهم وحملت الأم عدة أطباق لتتناول ريهام طعامها كما حثها أواب، خجلت ريهام خاصة بعد رؤيتها لأواب الذي دلف خلف والدته وشقيقته مرتديًا تيشرت من اللون الأبيض فوق بنطال أسود بيتي فبات مظهره الجديد عليها خاطفًا للأنفاس، ربما اعتادت عليه في الأشهر الماضية حتى بات أقرب إليها من أي شخص آخر، ولكن شعورها الآن مختلف، فهي الآن معه بمنزله، بل منزلهما معًا وإنه لأصعب المواقف إحرجًا على الإطلاق!
وضعت الأم الطعام في غرفة الأطفال، الغرفة الوحيدة الصالحة للجلوس آنذاك، بينما توزع الجميع في أنحاء المنزل لإتمام مهامهم تاركين ريهام بمفردها معه، سحبها أواب من يدها بعدما رفضت والدتها تناوله برفقتهما، ودلف إلى الغرفة هامسًا بعتاب وهو يجلس برفقتها فوق السرير الصغير الذي لم تفرش عليه أي المفارش بعد:
- ينفع كدا.. من الصبح مكلتيش؟!
تغلبت على خجلها منه وقد ذهب شيء منه عقب انفرادهما وعادت إليهما الألفة التي تجمعهما:
- مليش نفس والله.. كنت مكسوفة من الناس ومقدرتش.
أومأ إليها متفهمًا ثم شرع في إطعامها بيده وهو يردد:
- طيب يلا كلي.. أنا مكلتش عشان آكل معاكي.
رمقته بامتنان فابتسم إليها بطريقة جعلته وسيمًا بطريقة غير معقولة بالنسبة إليها، فهمست بخفوت:
- أول مرة أشوفك بتيشرت.. شكله جميل عليك.
ابتسم سعيدًا من إطرائها فنطق بمرح:
- جبت لك منهم دستة عشان أقعد لك بيهم في البيت..