رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل السادس عشر16 بقلم سميه رشاد

رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل السادس عشر16 بقلم سميه رشاد

مرت الأيام التالية ليوم نقل الأجهزة، فكانت ريهام تأتي كل يوم برفقة والدتها وأحيانًا صديقتها دنيا لإتمام باقي المهام الصغيرة المتبقية، وحدها ريهام من كانت تعلم بتسلل أواب كل يوم لا تأتي دنيا به للانفراد بها لمشاكستها بينما والدتها غارقة في إحدى الغرف الأخرى لا تشعر به، وإن شعرت بوجوده فكانت تلقي عليه التحية وتتابع ما تفعل دون أن تزعجهما.

جاء يوم الزفاف سريعًا وذهب أواب برفقة عائلته إلى منزل عروسه، تلك التي اجتمعت بها عائلتها بالأمس للاحتفال بيوم رسم الحناء، بينما نظرات بعضهم العارفة بما حدث لها كانت تتبعها بفصول وتساؤل لم يجرؤ أحد على البوح به.

اجتمعت العديد من السيارات أمام عمارة عائلة أواب المحفوفة بالأنوار من الطابق السابع والأخير حتى الطابق الأول الذي تتدلى فوقه بعض المصابيح الصغيرة التي أبدت للبيت فرحة وبهجة.

بدأت جميع العائلة في امتطاء الدراجات، و ركوب السيارات للذهاب لأخذ العروس من بيتها، والذهاب إلى أحد المناطق لأخذ بعض الصور ثم المجيء إلى منزل العائلة للإحتفال في بهو منزل الجد بعدما لجأ أواب إلى أحد المصممين للإبداع في ديكور رقيق يليق بالعروس، بينما اكتفى بالمقاعد خارج المنزل كي يجلس عليها الرجال.

انتظر كبار العائلة إلى أن يأتي هو بالعروس بينما ذهبت برفقته العمة ابتسام وابنتيها والعمة هناء وباقي شباب العائلة.

ركبت ابتسام وضحى السيارة التي يقودها مهدي بينما وقفت شمس في حيرة من أمرها، لا تعلم ماذا بإمكانها أن تفعل، فقد وضعها باختيار شديد الصعوبة، هي لا تريد هذا ولا ذاك، تريد أن تنتظر، تبرأ أسقام قلبها أولّا بينما هو يصر على أن يبرىء تلك الأسقام بيديه.

تحركت كل السيارات ولم يتبقَّ سوى السيارة التي يقودها وأخرى بها خالتها هناء بينما والدتها تشير إليها لتأتي من جهة وخالتها من الجهة الأخرى، لابد أن تحسم قرارها الآن وإلا ابتعدت السيارتان تاركتان إياها بمفردها. تحركت قدميها دون معرفة إلى أي السيارتين ستصعد، لا تعلم شيء عن ذاك الذي يشتعل قلبه رعبًا وهو يراقبها من مرآة السيارة.

سارت بتردد كبير وعقل شارد، إلى أن باتت تفصلها خطوة واحدة تفصل بين السيارتين، إما أن تصعد إلى سيارة مهدي المجاورة لها أو تتقدم للسيارة  السابقة، فكرت أن تتقدم ويحدث ما يحدث، كادت أن تخطو إلى أن تلاقت عينيها مع عيناه التي قصت عليها ما يعانيه قلبه في هذه اللحظة، دون تفكير فتحت باب سيارته واستقلت المقعد الخلفي تجاور والدتها وشقيقتها، تستطيع أن تجزم بأنها استمعت إلى أصوات قلبه المرتاح من فعلتها، لقد قرأت على وجهه امتنانه لما فعلت، فخفضت وجهها والتفتت تنظر إلى والدتها التي سألتها بضيق:

- اتأخرتي كدا ليه؟ 

لم تجبها، بل تأملت الطريق من النافذة وهي تحاول أن تستوعب باختيارها له، لقد اختارته بالفعل واختيارها هذا سيقلب حياتها رأسًا على عقب.

وصلت السيارات إلى منزل العروس فترجلت ابتسام وابنتها ضحى، بينما ترددت شمس في النزول..

تريد إخباره أن صعودها لا يعني تخليها عن كرامتها وعفوها عنه، تريد أن تملي عليه شروط العودة، وبإمكانه القبول أو الرفض.

أرادت أن يبدأ بالحديث لتستطيع مجابهته بفظاظة، ولكنه صمت وكأنه لا يعلم بوجودها، صمت لوقت طويل إلى أن استفزها صمته وكادت أن تخرج من السيارة، ولكن الحديث وجد طريقه إلى لسانه أخيرًا فنطق بهدوء:

- شوفت ترددك قبل ما تركبي يا شمس..

كادت أن تنطق مدافعة ولكنه تابع:

- ومش بلومك دا حقك.. حقك متأمنيش ليا بعد اللي حصل مني وللمرة الأولى بقولها لك.. أنا آسف.. واللي عملته دا الحاجة الوحيدة اللي ندمت عليها في حياتي.. سامحيني.

تنهدت بقوة قبل أن تحتضن جسدها بذراعيها وتنطق بهدوء:

- مش معنى إني وافقت أدي علاقتنا فرصة أبقى سامحت.

هز رأسه موافقًا قبل أن يجيب:

- عارف .. ولا أنا سامحت نفسي ومش شايف إني هقدر أسامح نفسي مهما حصل.

تأثره وتوجعه ذاك الذي ظهر في صوته جعل قلبها ينتفض ويشن الغارات عليها مستنكرًا خصامها الذي طال.

كادت أن تنزل من السيارة بعدما شعرت بعدم الرغبة في قول أكثر مما قيل، فأوقفها صوته قائلًا:

- مفيش داعي تنزلي.. أواب هياخد العروسة وهنمشي دلوقتي عشان موقع التصوير.. اللي نزلوا ملهوش داعي نزولهم هيرجعوا دلوقتي.

وبالفعل لم تمر أكثر من دقيقة وعادت والدتها وشقيقتها ولكن لم تصعدا إلى السيارة التي يقودها مهدي.. بل استقلتا تلك السيارة البيضاء التي تخص زوج الخالة هناء..

لم تزمجر معترضة هذه المرة، فبالفعل تشعر بحاجتهما للإنفراد قليلًا وإن كانت تشعر بالذنب لانفرادهما وهو لا يزال أجنبي عنها ولكن لا بأس، فالعائلة تحاوطهما من جميع الجهات.

صعقها قوله المفاجيء:

- الخميس اللي بعد الجاي هنكتب الكتاب والفرح والمرة دي هيكون عقد للأبد مش هيقطعه غير موتي..

اقشعر بدنها اثر كل شيء، قرب اليوم، حديثه، ونبرة صوته الواعدة. لم يسمح لعقلها بالشرود عنه كي لا تصدم قلبه بالرفض، بل تابع بهمس صادق:

-ومتخافيش مني يا شمس.. يمكن أنتِ فاكرة اللي حصل سهل عندي بس أنتِ متعرفيش حاجة.

وبالفعل كان صادقًا، لا تعلم شيء، لا تعلم عمّا فعل بنفسه في ذاك اليوم الذي لطمها به، لقد كلف نفسه من العمل مالا يطيق  وعمل بذاك اليوم في أحد المصانع الخاصة بتصنيع البسكويت الذي يعبأ بالآيس كريم وعمل على مكنة ثقيلة يتطلب من العامل رفعها بين الدقيقة والأخرى، لقد واصل العمل ليومين كاملين دون أن يريح يداه ولو لدقائق، حتى أنَّ جميع جسده من الوجع ونام طريح الفراش لثلاثة أيام بعدها.

لقد أذى ذراعيه حينها فلم يستطع حملهما وهذا ما طمح إليه من البداية، أن يؤذي يديه كي تتذكرا ذاك الوجع كلما أوشكتا على لطم إحداهن يومًا..

الجميع فسر رقدته في الفراش يومها حزنًا على طلاقهما، لم يخبر أحد عن آلامه، بل ولم يبتلع حباية واحدة لتسكين آلامه التي كان يحاول من خلال تحملها التخفيف من نيران قلبه التي لم ولن تخمد أبدًا كلما تذكرت ما فعل.

فاق من شروده على وصولها لموقع التصوير فنزل من السيارة ليشد بعضد أواب الذي يبدو وسيمًا بحلته السوداء التي يرتديها للمرة الأولى.

ــــــــــــــــــــــــــ

تشابكت أناملها مع بعضها البعض من فرط التوتر، الإضاءة وأصوات الموسيقى حولها تزيد من توترها، لا تصدق أن اليوم عرسها هي، لو أخبرها أحدهم قبل أشهر أنها ستزف اليوم لاتهمته بالجنون، فكيف إذا تزوجت بالفعل برجلٍ بات سماع حديثه هوايتها، والنظر في عينيه مُسكن آلامها، بل باتت موهبتها الوقوع في حبه كلما اتسعت ابتسامته أمام عينيها، ربما لم تقرها أمامه حتى الآن، لم تعترف له بوقوعها في الحب على يديه ولكنها تفعل، بل الحب كلمة صغيرة لا قيمة لها أمام معنى ما تشعر به، الحب لا يستوعب مشاعرها، تشعر بإحساسها يفوق تلك الكلمة.

تعالت أصوات الصغار حولها يرددون بفرحة:

- العريس جه .. العريس جه.

ازدادت وتيرة أنفاسها وارتجاف بدنها بات واضحًا للجميع، ليس خوفًا منه، فأواب آخر من تخاف منه، بل إن ذكر اسمه فالأمان يستحوذ على قلبها حينئذ، وإنما توتر من الفرح والجمع.

بالفعل شعرت بالأصوات من حولها تخمد والجميع يرفع أنظاره إلى باب المنزل مترقبين دخوله لتتعالى همسات والدتها فور أن دلف:

- بسم الله ما شاء الله.. ربنا يحرصكوا من العين

وكما تفعل هي دائمًا وقعت في حبه فور أن رأته عينيها، كلما شعرت به جميلًا بأحد الملابس أبهرها في المرة التالية بهيئة أجمل وأبهى.

اقترب منها بتمهل وعيناه تلمعان بحب وحنان يخصها وحدها، فخفضت رأسها بخجل وهي تنهض واقفة، اقترب حتى بات لا يفصلهما سوى خطوة واحدة والتقط كفها بين يديه، ثم مال على جبينها يلثمه بهدوء مرددًا بخفوت:

- مبارك 

تعلم أن ما يقوله لا يعكس ما يشعر به، فهي أكثر من يدرك بأنه يجاهد الآن للسيطرة على مشاعره كي لا يتصرف بقلة حياء أمام هؤلاء الحضور، لقد أخبرها سابقًا أنه لا يحبذ ما يفعله العرسان من الاحتضان والتقبيل وهذه الأمور  أمام الناس، فاكتفى الآن بقبلة امتنان على الجبين إلى حين أن يرفع شعار آخر.

استقبل التهاني من الجميع، ثم أخذها وخرج بها إلى السيارة، حتى الآن لم يرَ وجهها، فهي كانت مرتدية نقابها وفقّا لاتفاقهما السابق بالمغادرة سريعًا.

خرجا للذهاب إلى موقع التصوير وفور أن انفرد بها في المقعد الخلفي من السيارة عانق كفه كفها، وهمس بخفوت أخجلها:

- بقيتي ملكي وملكتي ومليكة أيامي.

ابتسمت بخجل فتابع بهمس كي لا يصل صوته إلى صديقه الذي يقود السيارة:

- سعادتي لا توصف، أخاف أن أصفها أو أقدرها بشيء فأبخسها حقها، كما بخست مشاعري حقها حينما وصفتها بالحب، فأنتِ لي لستِ حبيبتي فحسب، بل أنتِ مالكة فؤادي كله، وملاذ أيامي، وقمر ليالي حالكة السؤاد، أنتِ شمسٌ تربعت في منتصف قلبي قارس البرودة فغمرته بدفئها، أنتِ كل شيء.. كل شيء.

أخفت وجهها بين راحتيها وقلبها لا يقدر على تحمل كل ما يغرقها بداخله، مشاعره الفياضة هذه كثيرة عليها، تكاد توقف قلبها.

وقفت السيارة حيث موقع التصوير لتستقبلهما في الداخل فتاة تحترف التصوير مهنة لها.

التقطت لهم العديد من الصور برفقة العائلة إلى أن استأذنت الجميع ودلفت بهما إلى قاعة مغلقة وطلبت من ريهام أن تزيح عنها نقابها، فالوضع بات آمن.

امتثلت ريهام لأمرها تحت تحذير من أواب للفتاة بألا تقع الصور بين يدي أحدهم ولو على سبيل الخطأ، فطمئنته الفتاة بأن لا يقلق.

بدأت تلتقط إليهما بعض الصور الرومانسية والتي بالطبع أخنقها أواب إلى أن التقطتها، فهناك صور كانت ستبدو رائعة وحميمية إلا أن أواب رفض بحياء وحزم أن يفعلا.

ساعة وكانا قد وصلا لمنزل العائلة، فترجل أواب من السيارة ثم أدخلها إلى بيت الجد لتحتفل النسوة بها.

مرت ساعات من الفرح في منزل العائلة، فعائلة أواب بدت لها رائعين للغاية، خاصة بنات عماته وشقيقته غالية التي أضافت جوًا من المرح، بينما الرجال في الخارج يلقون النكات والفوازير تارة، ويقول كل منهم كلمة بحق أواب ويهتئونه تارة أخرى، إلى أن رحل الجميع فذلف برفقة الجد وجلس عدة دقائق مع النساء حتى أخذها وصعد إلى شقتهما.

فور أن أغلق باب المنزل انفرد ثوب الحياء أمام ريهام فاتشحت به واحمرَّ وجهها خجلًا لا قلقًا، حتى التوتر الذي كان يكسوها قد ذهب، فكيف ستشعر به وهي برفقة أواب؟! كيف لأواب طبيب أسقامها أن يجتمع هو والتوتر في مجلس واحد؟!

شعر بخجلها فخشي أن يكون مشوهًا ببعض الخوف نظرًا لما حدث لها في السابق، فهو لا يستطيع قراءة ما تمر به ويعلم أنها لن تذكر شيء عن ذاك الأمر أمامه، ربما أخبره قلبه أن ما يراه على وجهها ليس إلا خجل عروس خاصة وأن طبيبتها النفسية أخبرته سابقًا بأن الأمر لن يؤثر على علاقتهما، ولكنه يخشى أن يسبب لها ذكرى سيئة بهذا اليوم.

تأملها قليلًا قبل أن يتبدل وجهه إلى المرح وهو ينطق بحماس:

- يلا غيري الفستان عشان نتفرج على كرتون مع بعض.

فتحت عينيها على وسعهما، لم تتخيل أن ينطق بهذا الآن.. لتنطق بجدية وهي تحاول السيطرة على خجلها:

- أواب أنا كويسة مفيش حاجة تخليك تتصرف كدا.

عقد حاجبيه متصنعًا عدم الفهم، قبل أن ينطق موضحًا:

 - بتصرف ازاي؟.. أنا مش قلت لك إني بحلم نقعد ما بعض نتفرج على كرتون ونشرب نسكافيه وناكل مقرمشات جاية تتصدمي دلوقتي؟ 

تأملته قليلًا قبل أن تهتف بعدم تصديق:

- أواب النهاردة فرحنا

فتح عينيه على وسعهما متصنعًا الصدمة  قبل أن يسألها مازحًا وهو يغمز بإحدى عينيه:

- قصدك إيه يا قليلة الأدب؟

شهقت بقوة قبل أن تلكمه بغيظ على أحد ذراعيه وتتركه لتدلف إلى إحدى الغرف، فتبعها صائحًا بمزاح:

- خدي هنا بهزر معاكي.

تعليقات



<>