رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل السابع عشر17 بقلم سميه رشاد

رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل السابع عشر17 بقلم سميه رشاد
- قلتِ لهم إننا اتفرجنا على الكرتون؟

سألها أواب ماكرًا فور مغادرة العائلتين من شقتهما عصر اليوم الثاني من زواجهما، فمن طقوس البلدة أن يزور عائلتي العروسان باليوم التالي للمباركة والاطمئنان.

احمرَّ وجهها خجلًا من سؤاله فهما لم يشاهدا شيء قط، بل مر يومهما كزوجين طبيعيين وكأن العروس لم يصِبها عطب من قبل، فزوجها الحنون لم يعِر ما حدث سابقًا اهتمامًا، أو هكذا أبدى لها وكم امتنَّت لفعلته هذه ولن تنساها له عمرها بأكمله.

اتسعت ابتسامته مأخوذًا بخجلها وسرعان ما همس مازحًا:

- تعالي بقا  ننضف مكان ما مشيوا وبعدين نتفرج على الكرتون بجد.. 

بادلته الابتسام  وعاونها في إعادة الوضع السابق للبيت، فقد كان بعض أقاربهم يصطحبون الصغار الذين أحدثوا بعض الفوضى ولكن لا بأس، سيعيدان ترتيب البيت من جديد. انتهيا بعد قليل وسارت برفقته إلى الغرفة الصغيرة الدافئة التي لا تحتوي سوى على شاشة وركنة رمادية اللون وطاولة صغيرة، اتسعت ابتسامتها أكثر  بعدما غاب قليلًا بالداخل، ثم أتى إليها بطبق التسالي الذي يحتوي على العديد من الأنواع   وبعض أكياس الشيبس بالأطعم المفضلة لكليهما.

لم يتوقف على ما أتى به فحسب، بل غاب قليلًا قبل أن يأتي إليها بكأسان من الآيس كوفي الذي تفضله، فصاحت بمرح:

- دا أنا مدللة بقا؟! 

ارتفعت ضحكاته التي أنعشت قلبها وجعلته يهوى واقعًا في أسره ثم أجابها هامسًا:

- إن مكانش الدلال لست الحسن هيكون لمين؟! أنتِ وحدك من تستحق الدلال!

خفضت وجهها خجلًا ثم تناولت من المقرمشات أمامها دون أن تنظر إليه فوجدته يتغالظ عليها وينام على الأريكة التي تجلس فوقها مستندّا برأسه على قدميها.

ابتسمت إليه بحنان وداعبت خصلات شعره بخجل طفيف، فعقد حاجبيه متأوهًا صائحًا بتلذذ:

- أيوة الحتة دي اهرشي فيها القشرة هتجنني

استجابت لطلبه وحكت رأسه مكان ما كانت تداعب شعره فارتفعت ضحكاته على تصديقها لمزحته فرمقته بغيظ مما جعله يهمس بخفوت متأملًا عينيها:

- كل ما تتكسفي مني هيكون دا عقابك .. هزاري أبو دم تقيل.

عقدت حاجبيها ونظرت إليه مستنكرة! فهي لا ترى بمزاحه سوى خفة ظله التي ينجح دائمًا في تشتيت خجلها من خلالها، تناول واحدة من الشيبس ورفعها لوجهها وأطعمها منها، فتجرأت وفعلت المثل؛ فجذبت واحدة هي الأخرى وأطعمتها إليه؛ مما جعل ابتسامته تتسع سعيدًا بفعلتها.

كادت أن ترفع يديها بعدما أطعمته، ولكنه قبض على كفها وعانق بأصابعه الكبيرة أصابعها التي غرقت بكفه فرفعها إلى شفتيه ملثمًا بخفوت.

عاد الخجل يراودها مرة أخرى ولكنه لم يهتم، بل ظلَّ قابضًا على كفها يقبله تارة، ويداعبه تارة أخرى حتى اعتادت على الأمر..

ــــــــــــــــــــــــ

استقلَّ مهدي مقعده المفضل بمنزل عمته بعدما قدم برفقة جده ليتفقا على الزواج وعودتهما مرة ثانية، يكاد يرى السعادة تحلق فوق رأس عمته التي أطربت أذنيها رغبتهما بالعودة لبعضهما، لطالما كانت عمته سعيدة باقترانه بابنتها، يعلم أنها تفضله من الصغر، فقد حجزت والدته بالمستشفى فور ولادته بينما كانت هي لم تتزوج بعد، لذا فقد تولت رعايته وباتت كأم ثانية له.

دلفت شمس بهدوء وصافحت جدها الذي رمقها بنظرات أخجلتها وجعلتها تواري وجهها منه، تأملها مهدي قليلًا قبل أن  يخرج من جيب سترته علبة صغيرة تحتوي على خاتم خطبتهما الذي خلعته، نهض واقفًا ثم انحنى حتى يصل إليها وهي جالسة وناولها الخاتم أمام الجميع لترتديه.

توترت خجلًا من اقترابه ووضعه القريب ذاك، فالتقطت الخاتم منه وارتدته سريعًا كي يبتعد عنها.

وبالفعل نهض مبتعدًا بعدما حدث ما طمح إليه، لقد أعادت خاتمه إلى أناملها بينما خاتمها هي ما زال عالقًا بإصبعه لم يخلعه أبدًا..

دقائق وتركهما الجميع لينفردا ببعضهما كعروسان وفور انفرادهما صاحت مهددة:

- مش معنى دا كله إني موافقة اللي حصل يتكرر تاني.. المرة الجاية مش هتشوف وشي تاني مهما كان الوضع بينا.

تنهد بقوة قبل أن بجيبها بصدق:

- المرة الجاية هكون قاطع إيدي قبلها يا شمس.. 

صمتت دون حديث، تشعر بأن هناك حاجزًا ما زال واقفًا بينهما وعليه وحده أن يبذل كل جهوده ليهدم ذاك الحاجز الذي لن تستقيم الحياة بينهما بوجوده.

استمعا الاثنان إلى رنين جرس الباب فتوجهت أنظارهما عفويًا تجاه الباب الذي فتحته والدتها لتوها، لتقع عيناهما على زوجة عمها التي ما أن رأتهما اقتربت منهما وأعطتها حقيبة سوداء صغيرة مرددة بعتاب:

- كدا يا شمس تنسي شنطتك ومتسأليش عنها، نسيتها في عربية أحمد.

توترت شمس وابتلعت ريقها وهي تأخذها منها مرددة بالشكر، صافحت المرأة مهدي بطيبة قبل أن تتركهما وحدهما وقد علمت من والدتها عبر الهاتف أنهما بالفعل قد عادا لبعضهما. 

انتظر أن تبرر له سبب ركوبها مع ذاك الذي كان شجارهما يوم طلاقهما لأجله، انتظر أن تقص عليه أنها ما ركبت معه وحدها، أو أن أحدهم قد أرغمها على رفقته ولكنها صمتت، نظر إليها بتساؤل محاولًا إصباغ وجهه بالهدوء لعل قلقها من رد فعله يمنعها، لكنها أجابته بتحدي:

- ابن عمي.. ركبت معاه زي ما كنت بركب معاك..

تشبهه بذاك، ألا يملك مكانًا بقلبها يجعلها تفضله؟! ألاتستحق هدنتهما وعودتهما من جديد أن تميز بينه وبين الآخر؟! 

دون أن يجيب على حديثها بكلمة، نهض واقفًا مرددًا قبل أن يلتقط مفاتيح دراجته وهاتفه:

- أنا ماشي.. شكل حبي ليكِ خلاكي تفهمي إني مش راجل تحترميه..

استنكرت حديثه  ومغادرته ولم يمر على انفرادهما بضع دقائق، ولكنه لم يسمح لها بالتعبير عن ذاك الاستنكار، بل خرج صافعًا الباب خلفه بقوة دون أن يعبأ بأي شيء.

فماذا يفيد جلوسه الآن إن كان سيشعر بها تمنّ عليه بمرافقتها له؟! تذله بحبه لها؟! تسلبه كل حقوقه وكأنه لا شيء؟! أهذا ما تريد أن توصله له؟ أن تجعله لا شيء؟! لمَ وافقت إذًا على عودتها له بينما كل جوارحها ترفض العودة؟ أم أنها تريده دون أي حقوق عليها؟ وكأنها بسلبها لكرامته وإهانتها لحقوقه تعاقبه على ما فعل؟ أما زال يستحق العقاب؟! ألم يشفع له عذاب الأيام الماضية؟! 

استقل دراجته وهو يشعر بالاختناق الشديد، يعلم أنها لم تعفو عنه ولكن من أخبرها أن ضيقها منه يعطيها الحق لإهانته؟!  تلاقت عيناه معها بعدما قبض عليها تتلصص عليه من نافذة غرفتها فأشاح بوجهه سريعًا وقاد دراجته حيث أي مكان لا يسمح لوالدته تسأله عن سبب عودته المبكر في هذا اليوم الذي من المفترض أن يرافق فيه عروسه..

تنهدت بقوة فور مغادرته، لقد تجاوزت حدودها تعلم، ربما اعتقدت أنه سيتحمل كما كان يفعل في الأونة الأخيرة فتدللت وعاملته بفظاظة، ولكنه في النهاية مهدي الديكتاتوري، ولم يقبل أن ينزل من عليائه ويحاول أن يراضيها بكلمات حانية تذيب بعض من الجليد الذي غشى على قلوبهما أثر ذاك الهجر الذي طال.

ــــــــــــــــــــــــــ

- عبدالرحمن؟

صاحت بها دنيا تنادي زوجها الشارد في أوراق الامتحانات التي أجراها للطلبة قبل أسبوع ولم يساعده الوقت لتصحيحها بعد، التفت ينظر إليها مستفهمًا فسألته بتردد:

- هو مكررش زيارته تاني ليه.. غريبة يسكت دا كله..

على الفور أدرك أن سؤالها على والدها الذي يعد صمته وسكوته شيئًا مقلقًا، فهو لا يهدأ له بال ولا تغفل له عين إلا بعدما ينغص على أولاده حياتهم ويهدد أمامهم، ويجعلهم يشعرون بالخزي لكونهم ينتسبون إليه.

بماذا سيجيبها؟! أنه أعطى لوالدها مبلغًا ضخمًا كي يبتعد عنها، ربما قلق في البداية، خشي أن يعطيه المال فيصرفه في شراء المسكرات التي يتجرعها كالمياه فيأخذ ذنبه، ولكن الآخر أخبره بأنه يحتاج الأموال ليسافر، فقد غسل أحد السجناء مخه وأقنعه بالسفر معه عقب خروجهما والعمل في إحدى الدول بالخارج ليستطيعا جني الأموال، لذا وافق عبدالرحمن على إعطائه ذاك المال الذي كان يدخره منذ أكثر من عام، ولكن لا بأس، فقد اشترى راحة زوجته بذاك الثمن الذي يعد بخس أمام ابتسامة منها. تنهد بقوة قبل أن بجيبها متصنعًا اللامبالاة:

- سمعت إنه سافر من أسبوع..

عقدت حاجبيها بعدم تصديق فتابع:

- حد من المساجين اللي كانوا معاه أقنعه يسافر معاه.. 

زفرت براحة وكم ألمها شعورها ذاك، أن تشعر بالراحة لاطمئنانها أن والدها بات بعيدًا عنها، شعر بما يمر عليها فترك الأوراق من يده واقترب منها يضمها بذراعيه بدعم تحتاج إليه، انتظر قليلًا قبل أن يجدها تشهق وهي تصيح متذكرة:

- صحيح.. شوفت الفيديو بتاعك على التيك توك والعيال عاملين لك التريند بتاع المدرسين..

عقد حاجبيه مفكرًا فتابعت:

- الفيديو بتاعك نفسه طلع تريند خاصة وإن البنت اللي نشرت الفيديو كتبت عليه إنك خدت الحاجات منهم بس عملت لهم مراجعة في آخر الحصة واللي جاوب وزعت عليه من اللي أهدوك بيه.

أومأ رأسه مؤكدًا فتابعت:

- كل الناس علقت إنك كنت إزاي حريص على إن مفيش بنت تلمسك وإنك مبصيتش في عين واحدة فيهم.

احمر وجهه خجلًا من مدحها، متضايقًا من نشر الطلاب ذاك الفيديو  فتابعت مازحة:

- بيقولوا عليك مؤدب.. ميعرفوش إنك باد بوي.. 

ارتفعت ضحكاته اثر كلمتها الأخيرة، فهذه جملتها التي ترميه بها كلما اقترب منها كالأزواج، مما جعلها تبتسم هي الأخرى متناسية همَّا ربما سطر سطور النهاية وربما يستعيد قوته في أقرب مما تظن..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دلفت شمس برفقة والدتها وشقيقتها إلى منزل الجد بعد زفاف أواب بخمسة أيام لتبارك الفتاتان له، فقد هنأته والدتها بيوم الصباحية، ولكن البنات لم تأتيا بذاك اليوم؛ لذا جاءتا اليوم.

بطريقة غير مباشرة أعلمت شمس والدتها بحاجتها إلى المجيء إلى هنا، يكاد عقلها يجن منذ ذاك اليوم الذي غادر فيه مهدي، توقعت أن يتصل بها، يحدثها بأي طريقة، إلا أنه لم يفعل، ذاك الذي يهجرها وزفافهما بعد أسبوع. 

لم تجده فور وصولهم فخاب ظنها، ولكن بعد التهنئة لأواب وعروسه والنزول للأسفل وجدته يدلف من باب البيت، التقت عيناه بها فور دخوله، ولكنه سرعان ما تصنع عدم الاهتمام وكأنه لا يراها..

جلس بعدما ألقى السلام فسألته والدته في مبادرة منها لتصليح علاقتها بشمس:

- أومال هتروحوا امتى تحجزوا فستان الفرح والقاعة والحاجات دي يا مهدي؟! دا فاضل أسبوع.. هتروحوا يوم الفرح؟! 

ليجيبها بهدوء:

- اتفقنا مش هنحجز قاعة.. هنعمل فرح بسيط هنا زي فرح أواب وأنا اتفقت مع المنسقين..

وبالفعل كانا قد اتفقا على ذلك منذ خطوبتهما الأولى فتابعت والدة شمس:

- طيب الفستان والحاجات دي.. والعزال كدا كدا في الشقة.. عايزين نجهز..

فقد كانت شمس كلما اشترت شيء من جهازها وضعته بالشقة مباشرة، حتى انتهى تمامًا، فعند طلاقهما كان الوقت المتبقى على الزفاف أقل من شهر فكان كل شيء قد انتهى، وبعد الطلاق لم يفكر أحد من استرداد الأجهزة، وكأن الجميع كان متيقن من عودتهما مرة أخرى.

لتنطق والدة مهدي:

- نبقى نطلع نفرش من بكرة إن شاء الله.. عشان نلحق نخلص.

أيد الجميع فكرتها فاقترح الجد:

- ما تاخدها يا مهدي وتروحوا تشتروا الفستان وتكلموا بتاعة الميكب بالمرة..

 استحسن الجميع فكرته وشجعوا مهدي أن يأخذها ويذهبا على الفور ما دام الوقت مناسب للذهاب..

ترددت شمس قليلًا ولكنها وافقت في النهاية، فليس أمامها فرصة أفضل من هذه، لقد تأخرا بالفعل وكان يشغلها أمر الفستان والميكب هذا. نهض مهدي واقفًا بعدما أخذ مفاتيح السيارة التي يتشارك بها هو وأواب، ثم تمتم باقتضاب:

- طيب هستناكوا في العربية..

ربما لاحظ الجميع تحاشيه لشمس، ولكن لم يتحدث أحد، فهذان الاثنان يتشاجران أكثر مما يتصالحان ويثيرا حولهما المشاكل على لا شيء.

شجع الجميع ضحى على الذهاب برفقة شقيقتها، فخرجتا إلى ذاك الذي كان بالفعل بانتظارهما، صعدت ضحى إلى المقعد الخلفي وانشغلت بهاتفها فور ركوبها، بينما ركبت شمس بالأمام دون أن تتحدث بشيء، لقد كانت تنوي على الاعتذار إليه بالفعل، ولكن تجنبه لها وتجاهلها بهذه الطريقه جعلاها ترفض الحديث إليه.. 

ذهب أواب لآداء صلاة المغرب في المسجد فاستغلت ريهام الفرصة وفتحت هاتفها المغلق منذ يوم الزفاف، وضعته بالشاحن الكهربائي وفتحته بعد عدة دقائق لتنهال عليها الرسائل من جميع الأقارب والأصدقاء مهنئين، انهمكت في الإجابة على الجميع إلى أن ارتجف بدنها واقشعرت بقوة كادت تسقط الهاتف من بين يديها، رسائل من رقم غير مسجل ولكنها أدركت هوية صاحبه من صورته الشخصية، فتحت الرسالة بقلق شديد والتي لم يكن محتواها سوى:

" اتجوزتي يا ريهام؟! بعد كل اللي عملته عشانك اتجوزتي؟! فضحتيني أدام الناس كلها عشان في الآخر تتجوزيه؟ وربي ما ههنيه بيكي.. استني اللي هيحصل واتفرجي يا عروسة.."

تعليقات



<>