رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الثامن عشر18 بقلم سميه رشاد

رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل الثامن عشر18 بقلم سميه رشاد


وقع اختيارها على فستان رائع أخذ قلبها منذ النظرة الأولى، استدعت العاملة وطلبت منها إزالته من فوق المجسم لقياسه، ولكنها فوجئت بذاك الذي صرف الفتاة مرددًا بصوت بارد:

- لأ دا مش عاجبني..

نظرت إليه شمس بغيظ واستنكار، كيف لهذه التحفة الفنية الرقيقة للغاية ألا تنال إعجابه فتابع:

- مبحبش الحاجات الصك دي.. شوفي حاجة واسعة..

كادت شمس أن تعترض ولكن البائعة أنقذتها وهي تقول ببشاشة:

- متقلقش يا فندم الدريس دا ليه  اكستنشن بيتركب..

ثم التفتت إلى شمس وتابعت:

- حضرتك ممكن تدخلي تقيسيه بالكامل وبعد كدا تقرروا.

أومأت إليها بإيجاب بعدما نظرت إلى مهدي بتردد قلقًا منه فصمت قليلًا قبل أن يومئ إليها بإيجاب.

بعد دقائق خرجت إليهما وقد بدت أكثر من جذابة، طلتها خطفت الأنفاس وجعلت شقيقتها تشهق من مفاجئتها، الفستان إن كان جميل بدرجة تسعون بالمئة، فهو الآن على جسد شقيقتها يبدو أجمل مليون بالمئة.

أول ما نطق كانت العاملة التي صاحت بانبهار:

- تحفة يا عروسة..الفستان كأنه متفصل عليكِ 

ابتسمت إليها شمس برقة، لتجذبها شقيقتها بقولها:

- تحفة يا شمس.. تبقي غلطانة لو مخدتيهوش.. أجمل فستان شوفته في حياتي، هاخد لي أنا لفة أشوف لي أنا كمان دريس ستان. 

تركتهم بعد قولها وتبعتها العاملة تريها ما تريد بينما وقفت شمس بتوتر منتظرة لذاك المتصنم أمامها منذ خروجها أن يضيف شيء، فإن كان رأي شقيقتها والبائعة قد أبهجها؛ فرأيه هو ما سيجعلها تحسم قرارها، هو الأهم ولأجله تريد أن تبدو في هذا اليوم أجمل نساء الكون، وجدته يقترب بخطواته فتسارعت دقات قلبها أكثر من ذي قبل، تخشى أن يعترض بأي تعليق سخيف يكسر فرحتها ولكنها هالها همسه العاشق بصوت مرتجف:

- أجمل نساء الكون وأحلى عروسة شافتها عنيا والوحيدة اللي ارتجف ليها قلبي.

والأكثر من ذلك تلك الدمعة العالقة بعينيه، تكاد تقسم أنها رأتها تحاربه لتتساقط أمامها فتتساقط قطرات عشقه من قلبه وتنغرس بقلبها.

شعرت بالخجل والسعادة إثر قوله، ولكنها لم تمنع قلبها من الشعور بالذنب لتجاوزهما الآن، نظراتها تلك، نظراته، همسه وكلمات غزله لا يصحان منهما الآن وهما ما زالا لم يعقدا القران بعد! 

ــــــــــــــــــــــــ

" صورك يوم اللي حصل هتكون معاه يا ريهام لو مجتيش تقابلني يوم الخميس، مش هعمل لك حاجة عايز أتطمن إنك بخير وفرحانه معاه وهختفى تاني" 

تعالت شهقات ريهام عقب قراءتها للرسالة الثانية التي وردت إليها من فارس، ذاك الذي يقف لسعادتها بالمرصاد ويمنعها بقوة أن تستقر بقلبها، هذا الذي يهدد حياتها وفرحتها التي لم تعتقد أنها ستزور قلبها يومًا..

لقد تجاهلت رسالته السابقة ووضعته على قائمة الأرقام السوداء، ولم تعطه الفرصة ليكدر صفو حياتها، ولكنه قد جاء من جديد برقم آخر وهذه المرة مهددًا بصور تخص ما حدث، تفضل لو تموت ولا يرى أواب تلك الصور، لا يستحق أن يتألم ذاك الألم وتُسحق كرامته بسببها بعد كل ما فعله ليصلا معًا إلى هذه المرحلة. 

نهضت لتكفف دموعها، وخرجت إلى أواب الذي كان يجري محادثة عمل وتركته حينما قرأت محتوى الرسالة، عقد حاجبيه فور رؤيته لها وكان بالفعل قد أنهى محادثته، فنهض مقتربًا منها وجلس بجوارها على الأريكة المقابلة التي كانت قد جلست فوقها، تهربت من نظراته وأخفضت رأسها أرضًا، ولكنه رفع وجهها بأنامله وسألها بقلق:

- مالك يا ريهام؟ أنتِ كنتِ بتعيطي؟ 

هزت رأسها بالنفي، فردد بإصرار:

- أومال في إيه؟ أنتِ زعلانة مني عشان رديت على مكالمة الشغل؟ 

هزت رأسها عدة مرات تنفي ما توصل إليه بإشفاق عليه، حنانه الزائد هذا يؤلم قلبها ويجعلها تريد أن تبكي بدلًا من الدموع دمًا، يؤلمها لطفه، حنانه، حبه الكبير الذي يغرقها بداخله، بينما هي تكاد بماضيها أن تغرقه بين دوامات من الجراح لا يستحقها وليس أهلًا للغرق بداخلها.

-طيب مالك يا بابا إيه اللي زعلك؟! 

تساقطت دموعها تحت حصار نبرته الهامسة ونظراته الحانية، وحضوره القوي الذي يحتويها، فضمها بذراعيه وربت على كتفها حتى هدأت تمامًا.

-مالك؟ 

ردد دون قدرته على السيطرة على قلقه فزاغت بأنظارها وهي تجيبه:

- مفيش حاجة.. ماما وحشتني شوية بس مش متعودة على فراقها.. 

ولم تكذب في حديثها، لقد ذكرت بعض الحقيقة، فهي افتقدت والدتها رغم كل شيء، فهما كانتا تتشاركان البيت ذاته وحدهما، والآن تفتقد حضنها، شجارها معها، يؤلمها تخيل والدتها تبكي وحدتها.

ربما شعر بأن حالتها هذه أكبر من مجرد افتقاد لوالدتها، ولكنه حاول استيعاب الأمر، يعلم أن العروس تعاني في أيام زواجها من شعورها بالغربة والوحدة رغم التفاف زوجها وعائلته حولها. ليصيح بحماس:

- طيب قومي يلا نروح نتعشى معاها.. 

فتحت عينيها على وسعهما، أيمكنهما الخروج وهما ما زالا في أول أيام زواجهما؟! ليتابع وهو يجذبها ليقودها تجاه خزينة ملابسها:

- يلا البسي وأنا كمان هلبس عشان نروح لها 

كادت أن تعترض ولكنه تابع بحزم غير قابل للنقاش:

- أنا أصلا كنت بفكر نروح هناك وأنتِ شجعتيني يلا.. 

لم تقدر أن تبدي اعتراض أكثر، فهي بالفعل تحتاج الذهاب الآن لتنسى أي شيء آخر وتتذكر أنها برفقة زوجها في منزل والدتها كزائرة..

بعد ما يقل عن الساعة كانا يطرقان الباب عند والدتها وبيدهما أكياس بيضاء تحتوي على بعض الأطعمة الجاهزة المشوية ليشاركون الأم في تناولها.

فتحت لهما والدتها لتشهق بسعادة فور رؤيتهما، وسرعان ما احتضنت ابنتها بين ذراعيها، بالأيام السابقة عرفت قيمتها جيدًا وأدركت كم تشتاق إليها، بعد قليل احتضنت أواب هو الآخر واستقبلتهما بسعادة ليمضيا أمسيتهما برفقتها مسرورين باجتماعهم الثلاثي..

ــــــــــــــــــــــــــ

دلف ناصر إلى المكتبة بنزق، مزاجه غير رائق اليوم، ولكن اتصل به مدير المكتبة ليخبره أن هناك طلب يلزمه توصيله لأصحابه، لقد كان مريضًا منذ الصباح حتى تعالت درجة حرارته ولم يشفَ بعد، فهو لا يفضل تناول الأدوية ولم تنخفض حرارته، أراد الاعتذار عن العمل ولكن الرجل أصرَّ عليه وها هو بالكاد يستطيع أن السير دون أن يسقط، يمني نفسه بتوصيل الطلب سريعًا ثم العودة إلى البيت ليتلحف بدثاره، فالجو بارد وبدنه يرتجف بشدة رغم اعتدال مناخ اليوم.. المشكلة الآن أنه يشعر بتركيزه ضعيف، يشعر برأسه تدور وكأنه بداخل دوامة، ولكن لا بأس، سينتهي سريعًا ويعود لينام ويطلب من شقيقته الاعتناء به.

وقعت عيناه على عبير تجلس فوق أحد الكراسي تقرأ بكتاب غلافه قاتم اللون، حك رأسه بقوة واقترب بخطواته مغيبًا إلى أن سحب المقعد المقابل لها وجلس فوقه مرددًا دون وعي وكأنه تناول شيئًا مسكرًا:

- وحشتيني يا عبير 

شهقت فور أن استمعت إلى حديثه، ذاك الرجل الغريب الذي سحب المقعد المقابل لها وجلس أمامها دون أن يعبأ بنظراتها الغير متقبلة لقربه، فقد ترك جميع المقاعد الفارغة واختار هذا، ليباغتها بقوله الوقح دون خجل منا جعلها تصيح بانفعال:

- إيه اللي أنتَ بتقوله دا.. من فضلك قوم من هنا حالًا 

ولكنه لم ينطق بس ظل يتأملها بطريقة ذكرتها بذاك الرجل... لحظة واحدة.. لقد تذكرته.. هذا هو الشخص ذاته، المندوب الغريب الذي وصل إليها الكتب في منزل أبيها سابقًا.

كادت أن تنهض لتحذر صاحب المكتبة منه ولكنها لم تجد أحد، لقد وجدت المكان فارغًا، يبدو أن صاحبه ذهب لقضاء شيء وترك المكتبة هكذا دون حارس، دون حارس يحميها من هذا المتطفل الجريء..

التفتت لتجذب حقيبتها وتغادر فورًا قبل أن ينتبه لانفراده بها ولكنها وجدته مستندًا برأسه على الطاولة ونائمًا بعمق بينما أسنانه تصطك ببعضها بعنف وكأنه.. وكأنه مريض ويعاني من المرض!! 

جذبت حقيبتها وكادت أن تتجاهله وتغادر، ربما يمثل كي تتحدث إليه، ولكن أنينه المتصاعد جعلها تعود خطواتان مقتربة منه، وقفت جواره بقلة حيلة، لا تعلم ماذا عليها أن تفعل وكيف بإمكانها مساعدته! 

- أنت يا أستاذ.. 

قالتها عدة مرات ولكن ما من مجيب! رددت مرة أخرى لتجده يستفيق أخيرًا وينظر إليها بتفحص قبل أن ينتبه لماهيتها فردد مهلوسًا دون وعي:

- عبير.. وحشتيني يا عبير.. أنا بحبك يا عبير.

ليصدح صوت آخر واقفًا على باب المكتبة صائحًا بتهكم واتهام:

- آه عشان كدا بقا.. كنت عارف إن في في المكتبة دي إنَّ 

صعقت من وجوده الآن، طليقها الذي لا ينفك عن ملاحقتها كلما عاد من بلدته، يتهمها مع هذا المعتوه الذي يردد بحبها وهو لا يعلم سوى اسمها؟! لتجد زوجها السابق يتابع:

- أنا هفضح أبوكي اللي عامل فيها مستشار في البلد كلها.. أنا هخليكِ تتحايلي عليا وفي الآخر هدوس عليكِ أنتِ وأبوكِ وأديكوا ضهري.. 

فاجئها بكلماته التي تمس شرفها وشرف والدها فرددت دون تفكير:

- ايه اللي أنتِ بتقوله دا؟! دا خطيبي والناس كلها عارفة.

زاغت نظراته والتفت بغيظ إلى ذاك الذي ردد دون وعي معتقدًا أن ما يحدث حوله حلم وسيفيق منه على لا شيء:

- أيوة عبير خطيبتي.. خطيبتي.

فتح الرجل عينيه على وسعهما ثم رمقها باحتقار هي وناصر النائم برأسه على الطاولة وقد ظنه هو يتدلل عليها، ثم بصق على شماله وتركهما مغادرًا دون أن ينطق بشيء، وكأنه بإهانته لها بهذه الطريقة قد استطاع قول ما يريد..

بعد مغادرته التفتت عبير بغيظ إلى ناصر الذي يهذي بالكلمات، فتحت الحقيقة الصغيرة التي كان يحملها بيده في محاولة منها للوصول إلى أحد أقاربه، ولكنها وجدت صاحب المكتبة يدلف مرددًا باعتذار:

- آسف يا أستاذة، اتأخرت عليكِ كنت بصلي.. 

لتسرع ناطقة:

- طب الحق دا دخل نام بالطريقة دي ومعرفش في ايه.. 

ألقت كلماتها ثم سحبت حقيبتها وانطلقت مغادرة تفر من كل هذا، وقلبها يخبرها أن طليقها لن يمرر ما حدث مرور الكرام، وإن لم يتيقن من أن الآخر خاطبها بالفعل فسينفذ ما قال بأسلوب حقير..

ــــــــــــــــــــــــــــ

مرت الأيام سريعًا إلى أن جاء يوم الزفاف، وها هو الشيخ قد عقد القران وأعادها زوجة له من جديد، ولكن هذه المرة ستزف له وتستقر معه في شقتهما المقابلة لشقة أواب، يشعر بقلبه متضخمًا من فرط سعادته، وكيف لا وقد عادت علاقتهما من جديد وباتا أقرب من السابق، لقد استغل مهدي مجيئها في الفترة السابقة لنصب الأجهزة وكان لا يفارقها، ربما ما كان ينغص عليه الأمر ويسعده في الوقت ذاته هو زجرها الدائم له كلما تجاوز معها في الحديث متحججة بأن الخطبة لا تحلل غزل ولا وصال، أما الآن فقد زالت حجتها وباتت زوجته، أقرب الناس إليه وأحبهم.

التفت ينظر إليها بعدما انتهى الشيخ من عقد القران فانصهرت لمعة عينهما معًا في بوتقة مليئة بالعشق فور أن تلاقت النظرات المحبة..

لم يستطع الصمود، بل نهض أمام الجميع واقترب منها مهرولًا وما لبس أن احتجزها بين ذراعيه بسعادة، لا يصدق أن الكأس المكسور الذي اعتقد أنه لا يصلح بعد الآن سيعود ليثبت قوته من جديد وأنه صالحًا للاستخدام..

صفق الجميع بتشجيع بينمًا خبأت شمس وجهها في ذراعه وابتعدت عنه بحياء، خرج مهدي للشباب برفقة أواب الذي زجره بعيناه على ما فعل أمام الجميع دون خجل أو حياء ولكن مهدي لم يهتم..

اشتعلت لحظات الفرح بين الفتيات وحينما تيقنت شمس من عدم وجود رجال، خلعت الجزء الواسع بالفستان وجلست به كما تمنت مع تحذيرها للجميع بعدم التصوير..

في ذات الوقت كانت ريهام منفردة بصديقتها دنيا وعينيها تشكوان لها ما تعانيه من فارس، قصت لها عن تهديداته السابقة وتهديد اليوم الذي ذكرها فيه بحاجته للقائها بعد نصف ساعة من الآن، اقترحت عليها دنيا أن يقصا الأمر على أواب فرفضت رفض قاطع، فأقنعتها أن تخبرا عبدالرحمن، فعلى الأقل لا خوف إن علم بالأمر وسيستطيع بحكمته أن يحل الأمر بهدوء.. 

ارتأت ريهام صحة رأي دنيا وكأنه طوق النجاة لها  وبالفعل سمحت لها بإخبار عبدالرحمن الذي ما أن انفردت به زوجته في مكان بعيد عن الأصوات وأخبرته بالأمر؛ استدعى أواب وأخبره بكل شيء ليستطيعا حل الامر، فإن كانت ابنة عمته بسذاجتها خائفة من إخباره فهو ليس غرَّا ساذجًا ليخاف من رد فعل شخص عاقل كأواب، بل سيكون مخطئًا  بحقه إن لم يخبره ويجعله يساعده ليأخذا بحق زوجته.. 

اكفهر وجه أواب فور أن أخبره عبدالرحمن بالأمر، سيفعل ما عجز في وقت سابق أن يفعله من معاقبة ذاك الذي تجرأ بعد ما فعل وعاد متبجحًا بتهديداته..

اتفق هو وعبد الرحمن على ما سيفعلان، وصعد شقته ليأخذ مفاتيح سيارته ويذهبا فتفاجأ بريهام الجالسة في بهو المنزل تطالعه بقلق شديد بعدما أخبرتها دنيا أن عبدالرحمن سيخبره بكل شيء.. 

نهضت مقتربة منه وكل ما تفكر به التهوين عن قلبه لمعرفته شيء كهذا، فسألته لعل إجابتها تريها بعض مما يعاني منه:

- هتعمل إيه يا أواب.. أرجوك متعملش حاجة تأذيك

ابتسم بسخرية قبل أن ينطق بجمود غادر بعده البيت ملتحقًا بعبدالرحمن الذي ينتظره:

- دلوقتي بتسأليني؟ أدام مكنتش راجل في نظرك من البداية ومعرفتنيش إني إن في حيوان زي دا بيتجرأ على أهل بيتي وأنا نايم  جنبك مغفل  وفي حد بيهددك فمتسألنيش عن حاجة يا ريهام..
تعليقات



<>