
رواية دعيني ابرئ اسقامك الجزء الثاني2 من لطيفها عاشق الفصل التاسع عشر19 بقلم سميه رشاد
استقل عبدالرحمن المقعد المجاور لأواب في سيارته، وانطلقوا معًا لتنفيذ ما خططا له في حوارهما السابق، دقائق وكانا الاثنان يتخفيان خلف أحد الجدر بالمقهى الذي أراد فارس ريهام أن تقابله فيه.
بحثا عنه في أرجاء المقهى ولكن لا وجود له، معَّن عبدالرحمن النظر في أحدهم ليصيح:
- مش هو دا؟
تأمله أواب قليلًا يحاول الربط بينه وبين ذاك الذي رآه في أحد مقاطع الفيديو سابقًا، فور تيقنه من أنه هو كاد أن يهرول تجاهه برفقة عبدالرحمن الذي قبض على ساعده قبل أن يردد بنصح:
- براحة يا أواب.. مش عايزين نعمل مشكلة في المكان والموضوع يتفضح..
أومأ إليه أواب بهدوء وسرعان ما نسيا الإثنان هذا الاتفاق أمام حمم غيرتهما التي اشتعلت لتحرقهما وهرولها ليقبض أواب على ياقة الآخر، بينما عبدالرحمن جذبه من الناحية الأخرى وأوقفاه معهما لياخذاه وينطلقا به في سيارة أواب بشكل مرعب ومرهب للنفوس، من حظ فارس السئ أنه بنفسه قد اختار مكان لا يزوره الكثير من الناس كي لا يرى أحد ريهام برفقته، وبالفعل لم يكن بالمقهى سواه هو ورجلان لم ينتبها له وعمال المقهى، أو ربما انتبهوا إليه وتجاهلوا الأمر تجنبًا للمشاكل..
صاح فارس مرتعبًا وهو يحاول فتح باب السيارة المغلق:
- في إيه انتو واخديني فين؟!
ليصدح صوت أواب الذي ناظره من مرآة السيارة بشرر جعله يكاد أي يغمى عليه:
- واخدينك على جهنم الحمرا..
ارتجف بدنه بقوة حتى بات ارتجافه لا يتوقف بين يدي عبدالرحمن الذي ربت على كتفه موهمًا إياه بمواساته له، فنظر إليه باستغاثة ليبتسم إليه ابتسامة أخافته أكثر من لو كانت ضربًا.. يعلم عبدالرحمن جيدًا، فهو يعد من جيرانه وإن كانت بيوتهما متباعدة ولكن يعرفه ويعرف تدينه وغيرته على أهل بيته، بل رأى ثورته عدة مرات وما عرفه عنه جعله يبكي وينتحب كالصغار..
اتسعت ابتسامة أواب ليسأله بإشفاق مصطنع:
- أنتِ خايفة يا بيضة!!
أراد فارس له أن يتحدث عن أي شيء لعله ينطق بأي شيء يريحه، ولكن أواب تابع بتوعد بصوت خشن غاضب:
- ليك حق تخاف الصراحة.. هو أنتَ لسة شوفت حاجة؟!!
تعالى نحيبه بطريقة أطربت قلب كلاهما، تفاجأ فارس بعبدالرحمن بتامله ويمثل الصدمة قائلًا:
- إيه دا اللي على بوقك دا؟ أنتَ حاطط روج زي الستات يا فارس؟!
هز فارس رأسه بهستيرية وأجابه مرددًا:
- دا زبدة كاكاو..
ارتفعت ضحكات الرجلين معًا، بينما انكمش فارس مذعورًا وهو يستمع إلى عبدالرحمن الذي تابع:
-وريني كدا أشوف نوعه..
ولم يلبث أن ارتفع صراخه وهو يشعر بقبضة عبدالرحمن التي حطت على فمه بقوة ليسأله أواب:
- وجعتك يا فروس؟ هو بيتطمن عليك بس
ليردد فارس برجاء:
- والنبي سيبوني.. ومش هعمل لها حاجة تاني سيبوني.. انتو شيوخ وبتخافوا ربنا مش هتأذوني عشان الأذية مترضيش ربنا صح..
صمت الإثنين متصنعين التفكير ليزيدان من الضغط النفسي الذي يمارسونه عليه، ثم أجابه أواب بقسوة نبضت من وجهه:
- متتكلمش أنتَ عن ربنا عشان متزودش الموضوع ويبقى أسوأ، وربنا مبيرضاش عن الأذية فعلًا عشان كدا إحنا من حقنا نقتص منك على اللي عملته ولا الكلاب تتساب كدا عشان يكرروا أفعالهم تاني.. لأ وبكل بجاحة اتعديت على حرمة بيتي للمرة التانية واتجرأت تهددها.. يبقى من حقي أعاقبك صح؟!
ليردد بنحيب:
- والنبي سامحني
ليردد عبدالرحمن يتهكم:
-تؤ تؤ مينفعش نحلف غير بربنا يا فارس ولا أنتَ متعرفوش؟!
قست نبرته في الكلمة الأخيرة خاصة وقد رأى أواب وصل إلى وجهتهما، تلك الأرض الزراعية المتفقان عليها والفارغة من أي أحد سواهما فبدا الجو مرعبًا خاصة والظلام الحالك يملأ المكان سوى من الإضائة الخافتة التي يتسلل ضوؤها من بعيد..
قفز أواب بوجه مظلم من السيارة سريعًا وهرول إلى الجهة التي يجلس بها فارس، وسرعان ما جذبه من تلابيب قميصه ونزل عليه بوابل من اللكمات التي لم يدرِ فارس أيصرخ على أي واحدة منهم!
تبعه عبدالرحمن هو الآخر وقد اكفهرت ملامحه هو الآخر وبدأ في مساعدة أواب بصدرٍ رحب..
ربما ما يحدث الآن بعيد كل البعد عن مبادئهما، وربما لم يفعلاها مع أحدهم من قبل، ولكن ماذا يتوقع منهم وقد انتهك عرضهم بالمعنى الحرفي للكلمة؟! ألا يستحق فارس ما يحدث له بعدما اغتصب عرضهما واستحل تهديدها وتخويفها وهي آمنة في بيتها بتبجح ومن مثله يستحق الاختباء هربًا أو الضرب جلدًا على ما فعل؟! لم يزنِ دون عقاب فحسب، بل فعل جبرًا وقسرًا..
كاد فارس أن يموت بين يدي كلاهما ولكن توقف عبدالرحمن وجذب ذراع أواب وهو يردد:
- كفاية يا أواب.. إحنا مش بلطجية عشان نموته، سيبه ياخد عقابه..
بصعوبة بالغة ابتعد أواب عنه وهو يتذكر ما عانته ريهام في الفترة السابقة، يتذكر بوحها له ذات مرة وانهيارها الشديد كلما تذكرت الأمر، انقض على فارس ضربًا وهو يتذكرها في الأيام الأخيرة خائفة ترتعد وجسدها يرتجف دون إرادة منها وهو كان يجن عجزًا عن تفسير ما تمر به.
نجح عبدالرحمن في إبعاد أواب عنه وسرعان ما تنهد حينما اقترب اقترب رسول صديقه الشيخ عثمان الذي تعرف عليه أثناء أدائه للعمرة، ذاك الرجل الذي يحكم قريته في إحدى البلاد العربية بالشرع، فالحكومة نفسها في بلدته تضع للشيخ عثمان ألف حساب وتعطه الفرصة لتطبيق الأحكام كما يراها، وقد أخبره عبدالرحمن بما فعله فارس وقرر أن عقابه سيكون النفي إلى بلد عثمان ليطبق عليه عثمان الحد أولًا قبل أن يبقيه بجانبه في قريته منفيا دون أن يوفر إليه سبل العودة. كان بإمكانهما أن يسلماه للشرطة ولكن كان الأمر سيفتضح بين عائلة أواب بل بين جميع أهالي القرية وهذا مالا يريده أواب أبدًا، يريدها دائمًا مرفوعة الرأس بين عائلته ولن يرضى لحقير كهذا أن يذلها ويهدد استقرار راحتها.
ارتفعت صرخات فارس والرجل يأخذه بمساعدة معاونه ليتجها إلى حيث لا ظلم ولا انحلال، إلى حيث سيتمنى فارس أن يعود في بطن أمه، أن يرأف به الموت فلا يحدث، أو يرجع به الزمان فلا يرتكب جرائمه ولا يفكر في فعلها أبدًا..
ــــــــــــــــــــــــــــ
انتفضت شمس بخجل فور أن انتهى الفرح وأخذها مهدي وودعا الجميع ليصعدا إلى شقتهما ويحققا حلمهما القديم بالعيش معًا تحت سقف بيت واحد، صعدت معه إلى أن وقفا أمام شقتهما ففتح الباب بتمهل وكادت أن تدخل إلا أنها شهقت بخجل وهو يرفعها ليحملها بين يديه مرددًا بمرح وهو يشير إلى عضلات يديه:
- أومال أنا برييهم ليه
ابتسمت بخجل قبل أن تسألة مازحة:
- بتربيهم عشان تقدر تشيلني؟!
أومأ مؤكدًا وعيناه لا تفارقان عيناها وكأنه يخشى الغرق دونهما فتصنعت الضيق معاتبة:
- بقا كدا يا مهدي؟ قصدك إني تخينة؟!
فهم ما تحاول فعله، تريد أن يتشاجران اليوم لترضي روح النكد خاصتها وتضيع عليهما أجمل ليلة بالعمر كانا ينتظراها فأجابها مغازلًا:
- مين دا اللي تخين يا بطل..
فتحت عينيها على وسعهما وأخفت وجهها في صدره بخجل، فارتفعت ضحكاته بطريقة لم ترها عليه منذ فترة مما جعلها تهمس برجاء:
- افضل اضحك كدا على طول.. ضحكتك بتروي ظمأ قلبي وبتسد جوعي..
تركها من بين يديه ليصفق مهللًا:
- الله أكبر
ولكن لم يتبع ما يفعله وتوقف مصدومًا، فالأحمق قد تركها ليصقف لتسقط من بين يديه على الأرض الصلبة متأوهة مما جعله ينحني بصدمة ويتفحصها بقلق:
- شمس أنتِ كويسة؟! فكرتك ماسكة فيا والله أنا آسف
نظرت إليه بغيظ شديد ونهضت واقفة وهي تردد:
- وإياك تشيلني تاني فاهم؟! قال عضلات قال..
ابتسم على تعابير وجهها الطفولية المضحكة فتمتم معتذرًا بلطف:
- مكنتش أقصد حقك عليا بقا.. متزعليش
نظرت إليه بغيظ فتابع بمرح:
- يا بت
لم تجبه أيضًا فتابع مغنيًا:
- يا شمس يا شموسة.. خدي سنة الجاموسة وهاتي سنة العروسة..
احتدت ملامحها أكثر وهي تسأله بعدم تصديق:
- أنتَ كدا بتغني لي بجد يوم فرحنا!!
هز رأسه نافيًا قبل أن تغيم عيناه عشقًا ويسألها بخفوت:
- أومال عايزاني أغني لك إيه يوم فرحنا؟!
توترت واحتل القلق قلبها وهي تشعر به ينقلب إلى ذاك الرجل الرومانسي الذي لا تريده الآن، قوست شفتيها بخوف حقيقي فتساقطت دموعها وبكت مرددة:
- أنتَ ضربتني بالقلم وطلقتني..
ليصيح بتحسر وصوت قارب على البكاء:
-يا ميلة بختك يا مهدي.. جه الحزين يفرح ملقاش ليه مطرح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الواحدة ليلًا:
نظرت ريهام إلى الشرفة للمرة التي لا تعلم عددها في محاولة رؤية أواب قادمًا من بعيد ولكن لا أثر له، لقد خرج برفقة عبدالرحمن تاركًا فرح مهدي، فلم ترَ له أثر من وقتها، تريد أن تراه، تطمئن عليه، كلماته التي ألقاها على مسامعها قبل خروجه مباشرة أوجعت قلبها، فبالنهاية تألم أواب بسببها وهي التي كانت تفعل وتحتمل كل هذا كي لا يمس الألم له طيفًا.
استندت برأسها على يديها بعدما جلست تنتظره، تدعو ألا يكون ذاك الفارس الذي لا يحمل من معنى اسمه شئ قد أذاه، لا تعلم بأن فارس ذاك الآن مدمر الأعصاب، يقبل قدمي رسول عثمان ليتركه يعود إلى أمه دون أن ينفذ ما لا يعرف عنه شيء..
أخيرًا انتبهت على صوت مفتاح الباب الذي صدر ينبئها بمجيئه، فانتفضت واقفة تقترب منه ولكنه تجاهل وجودها، ألقى مفاتيحه وهاتفه على الطاولة ودلف إلى المرحاض دون أن ينطق بكلمة في هدوء مثير للأعصاب..
تساقطت دموعها تنعي راحته التي لا تجد لها أثرًا على وجهه، لا يزعجها كونه يخاصمها أكثر من كونه مهمومًا مغمومًا بسببها، جلست على الأريكة مرة ثانية في انتظار خروجه لتجده يخرج بعد قليل ويدلف إلى غرفتهما بصمت..
نهضت تتبعه وكادت أن تتحدث بشيء، إلا أنها ابتلعت حديثها وهي تستمع إليه يقول متألمًا:
- متقلقيش مش هيزعجك تاني.. ابن خالك طلع عند حسن ظنك واتصرف بشكل نهائي..
رصاصات حديثه اخترقت قلبها، تعلم أنها أخطأت بعدم إخبارها له، عتابه القاسي لها قبل خروجه أعلمها كم تمادت وآذته، لتنطق وهي تراه يتدثر بالغطاء ويتمدد على الفراش في طلب صامت بأن تسكت:
- أنا مقصدتش أتجاهلك يا أواب، أنا مكنتش عايزاك تتوجع وتتضايق
ابتسم متهكمًا وهو يجيبها بغضب لم يستطع إخماده:
- أصل أواب عيل صغير خايفة عليه.. أما عبدالرحمن هو راجل العيلة فهو هيحل الموضوع..
الآن أدركت كم أثارت فعلتها غيرته كما دهست على رجولته وآلمت قلبه، تتذكر حينما قصت عليه ذات مرة أن عبدالرحمن يساعدها ووالدتها في أمور حياتهما أنه غار عليها منه وأخبرها أنها لن تحتاج إليه بعد الآن، وكم آلمه احتياجها ذاك لتتابع:
- أنا مكنتش هقوله.. حكيت لدنيا عشان تفكر معايا وهي اللي أقنعتني نعرفه.. لكن مكنتش أقصد أفضله عليك..
ليصيح مستنكرًا:
- كمان! مكنتيش عايزة تقولي له؟! أومال كنتِ هتعملي إيه يا ريهام؟ كنتِ هتقابليه عشان مينفذش تهديده؟!
زاغت عيناها متوترة، هذا بالفعل ما فكرت فيه بسذاجة قبل أن تخبر دنيا، فأدرك ما كانت تنتويه لينتفض جالسًا على الفراش وهو يصفق يديه بطريقة أفزعتها، تكاد تصيبه بذبحة صدرية من تفكيرها ليتابع بضيق:
- قومي يا ريهام.. قومي اقفلي النور دا وسيبيني لواحدي دلوقتي..
رمقته بندم وتمتمت بصدق:
- مكنتش عايزاك تشوف الصور اللي بيقول عليها يا أواب.. مكنتش هقدر.. والله ما كنت هقدر..
أشفق قلبه عليها خاصة وقد تهدج صوتها بالبكاء ولكن لا، لن يستجيب لقلبه ويسامحها الآن كي تثق به ولا تكرر فعلتها مرة ثانية، فبعض القسوة مطلوبة أحيانًا لتستقيم الحياة..
لينتبه إلى ما قالت فسأل متهكمّا:
- هو بعت لك الصور دي؟
هزت رأسها بالنفي بعدما استغربت سؤاله فأجابها بسخرية:
- عشان مكانش في صور أصلا يا ريهام..
فتحت عينيها على وسعهما لتتذكر تهديدات فارس بالاسبوع السابق ويرتجف بدنها، لقد أخافها وأرعبها على لا شيء! ارتعش بدنها بطريقة أثارت إدراك أواب خاصة وهي تهمس بإقرار منهارة من كل ما مر عليها:
- أنا خوفت يا أواب.. كنت خايفة..
لم يستطع الصمود أكثر ليضمها بذراعيه مطمئنًا. فلتذهب القسوة إلى الجحيم، ويختبيء العقاب بجحره أمام خوفها ودموعها، فليضيع كل شيء هباء منثورًا على ألا تخَف ريهام، لا تبكِ أبدًا.
استمعت عبير إلى رنين جرس الباب فذهبت لفتحه، لابد أنه طليقها قدم ليتيقن من عدم خطبتها كي ينشر الأمر ويفضحها في جميع أرجاء البلدة، عقدت حجابها حول وجهها وفتحت بضيق، لتنصدم بذاك الذي كان سببًا في كل ما هي الآن، وقعت عينيها على باقة ورود كبيرة بين يديه بينما شفتاه ترددان بمرح:
- جيت أتقدم لخطيبتي رسمي وأتطمن عليها