
رواية غرام في العالم السفلي بقلم داليا السيد
رواية غرام في العالم السفلي الفصل الواحد والعشرون21بقلم داليا السيد
أسما لم تستطع الفرار من والدها، أخفت المال الذي منحته لها ليال وكانت تمنح والدها ما يكفيه يوم بيوم فظل بعيدا عنها
الأجرة تراكمت وصاحب البيت يطالب بحقه ولكن كان عليها تأجيله حتى تنال باقي الراتب، الفضائح واضحة بعيون الجيران والكلمات تخرج أمامها عمدا وكأنهم يرغبون بترحيلها من هنا ولكنها تعلمت كيف تصم أذنيها.
"أرى أن الأمور تحسنت معك"
رفعت وجهها من أمام الشاشة ورأته يقف على عتبة غرفتها وملامحه هادئة، الزجاجة ممتلئة، طبق الجبنة والزيتون على المائدة لذا مزاجه جيد
"أنا لا أتوقف عن العمل"
تحرك للداخل وجلس على طرف الفراش، من المرات النادرة التي لا يكون عقله راحلا من المزاج
"كنت أريد إخبارك بشيء"
ظلت عيونها جامدة عليه، قلبها يدق بضربات تكاد تكون مسموعة ولا تعرف لماذا اختنقت أنفاسها، لا مال يمكن أن تمنحه له، لقد رصدت خطتها لباقي الشهر ولابد أن يكفيها ما لديها
"ماذا!؟"
مسح الرجل حبات العرق من على جبينه وزاغت نظراته، هل يجد الضياع مرة طريقه للأمان؟ بالإدمان!؟
أنت تهزي.. فاقد العقل لا يعطي أي عقل
"تعرفين فتحية، جارتنا بالدور الثالث"
تجمدت ملامحها أمامه بلا فهم أو تفهم ولكن لا ترغب بسماع صوت عقلها الذي يحذرها مما ستسمع من رجل لا يدرك ما يفعل أو يقول
"ماذا عنها؟"
زاغت عيونه بعيدا عنها، لم يرغب بمواجهتها وهو يمنحها كلماته التي يعلم أنها ستكون قنبلة ستنفجر بوجهها بنفس اللحظة التي سينطق بها
فتحية تشغله بالذهاب والإياب ولا يعرف كيف يزيلها من تفكيره؟
"أنا أعلم أنك تعملين طوال الوقت وتجدين صعوبة بتأدية طلبات البيت فظننت أن.."
ولم يكمل وتحول وجهها للأحمر، ارتفعت حرارة الغضب، الكائن المثير لكل أنواع الثورات يدفعها لفوران، هياج، ثورة عمياء تطيح بلا حدود
"تظن ماذا بابا!؟ لا أظن أنك تفكر بامرأة"
تجهم وجهه للحظة وكأنه يفكر، هل يرتفع الصوت فيغلب أم التأني فينال ما يريد وتأنى..
نهض واقفا، مبتعدا، هاربا من مواجهة العيون، يدرك ما يريده
أناني، أنت لا ترى ولا تسمع سوى نفسك وابنتك المجني عليها، تمنحك كل ما تريد فلم لا تفعل ما تريد؟
"ولم لا!؟ عشت ثلاث سنوات بعد موت والدتك دون زواج فلم لا أفعل الآن!؟"
أبعدت الجهاز، نهضت، تحركت تضرب الأرض بقدمها الحافية من الغضب وداخلها بركان خمد كثيرا ثم ثار الآن، المؤثرات فوق طاقتها
"لم لا تفعل!؟ هل تسال؟ لأنك لا تعمل، لأنك تأخذ اموالي وتنفقها على الخمر، لأنك مدمن ولا يمكنك أن تأتي بامرأة وتضعها هنا وأنت لا تستطيع تحمل مسؤولياتها"
واجه غضبا لأنها لم تمنحه مجال للفرار، واقفة أمامه، عيونها تضخ إصرار مرافق لجنون العصيان وهو لا يرى إلا مزاجه ونفسه وامرأة تراوده عن نفسه وهو لا يروض نفسه
"هل تعايريني أسما؟ هذا حقي عليك، أنا من رباك وأنفق عليك حتى وصلت لما أنت عليه الآن وما تفعليه هو حقي عليك"
الجنون يصيبها من كلماته، هو حق كل أب وأم لكن ليس من حقهم أخذ المال وبعثرته على الخمر والنساء وهي تعبت وفاض الكيل
"حقك نعم لكن لو لم يكن يرحل لما تشربه ولا أن تتزوج وأنفق أنا على امرأتك، أنا لا أملك ثروة كي أسدد كل ذلك"
قبض على ذراعها بقوة آلمتها وهتافه غريب، بأي وجه حق يغضب ويثور بوجهها وهي من تتولى كل شيء، هي بالكاد تنام..
"أنا لا أستأذن منك، أنا فقط أخبرك، سأتزوجها نهاية الاسبوع سواء وافقت أم لا وسأجد عمل جديد لأنفق منه عليها"
نفضت قبضته وارتفع جدار السخط والرفض بينهم وهي لا تتقبل ما يقول ولن تقبل "لن أبقى هنا إذن، لن تأتي امرأة وتحل محل ماما لتأمر وتنهى وكأن كل شيء ملك لها"
تراجع من كلماتها وكأنه لم يتوقعها "ماذا تعنين بأنك لن تبقي هنا؟ هل لديك مكان آخر؟ انطقي، تلك الأموال الأخيرة من الواضح أن لها مصدر، هل هو رجل!؟"
الذهول سقط عليها كصخرة ضخمة ألصقتها بالأرض بلا قوة على التحرك أو النطق.. هل يظن بها ذلك؟ هل يرى كل الناس مثله، من حانة لبار لملهى ليلي؟
"كيف تظن بي ذلك!؟ أنا لا أسمح لك"
صفعها كما اعتاد أن يفعل وترنحت من قوة الصفعة وصوته يتبع أصابعه "اخرسي، إذا فكرت بترك المنزل سأجدك وأقتلك هل تسمعيني!؟"
وتحرك خارجا من الغرفة وصوت الكوب يصل لها وهو يسكب المشروب به، بكت، بكت كثيرا ولم تعرف ماذا تفعل!؟
لن تقبل بزوجة أب ، لن تقبل امرأة أخرى تأخذ مكان والدتها ستترك البيت ولن تبقى به يوما واحدا..
****
دخلت ليال مكتبها وقد وصلت مع الريس.. اليوم سيبقى هنا ولن يذهب الشركة وليس لديه مقابلات خارجية..
العمل متعتها ولا تعلم ماذا ستفعل عندما تبدأ الدراسة، ربما تطلب تحويل دراستها عبر الانترنت لتتفرغ لزوجها وعملها وربما كما تتمنى لحمل وإنجاب
"نهى أريد أسما من فضلك"
"حاضر يا باش مهندسة"
لحظات ودق الباب فأذنت وصوت أسما وصل لها وهي تضع رأسها بالشاشة "أهلا أسما هل انتهيت من فرع بورسعيد؟"
بالكاد استطاعت الانتهاء من التكليفات الخاصة بالعمل، الصداع كان يعصف بها وعيونها متورمة من البكاء، هل ستظل طوال عمرها مغموسة بالألم والشقاء؟
"نعم ليال وأرسلته على بريدك"
فتحت البريد بالفعل ولكنها لم تجده، لم تنظر لأسما "لم يصل"
ونظرت للفتاة التي ظلت واقفة، اعتبرت نفسها تعمل عند ليال أي هي مديرتها.. لم تستطع العودة للصداقة بل الحدود صنعت نفسها بينهم رغم أن ليال لم تفكر كذلك
وجه أسما، عيونها المنتفخة، وجهها الشاحب جعل ليال تغلق جهازها وتنهض لتقف أمامها تطالب بمواجهة صريحة عما تخفيه تلك الفتاة
"ماذا حدث؟"
دموع تكورت بلا استئذان بعيون أسما، الدموع تريح القلب لكن لا تمنح أي راحة للعقل، بل تتركه ضعيف، عاجز لا يستطيع إيجاد الصواب
بلحظة كانت تنفجر ببكاء علا صوته بشكل جعل ليال تفزع "أسما ماذا حدث!؟ أسما ماذا بك؟"
الفتاة وجدت البكاء سبيل وحيد للتعبير عن أحزانها والهم الرابض بين جنباتها، لم تعد تتحمل كل هذا وحدها، تحتاج رفيق يؤازرها
جذبتها أيادي للأريكة.. بعض المياه انسابت داخل جوفها الجاف ومعدتها الفارغة منذ غداء الأمس، انغلقت شهيتها ولم تسمح لها بتناول أي طعام
"هل أصبحت بخير الآن؟"
لم ترد، رمشت فقط ونطق لسانها بما اختزن قلبها الواهن "بابا ليس مريض ليال كما أخبرتك، كذبت عليك"
لم تتبدل ملامح ليال، الثقة لم تمنحها لأي أحد سوى هارون، نال أنس وصفوان بعض منها لكن فقط هارون من يأخذ كل ثقتها
عندما لم ترد ليال أكملت الطريق الذي بدأته "هو مدمن خمر وويسكي وأي شيء من تلك المشروبات المذهبة للعقل والمدمرة للإنسان، بدأها منذ ست سنوات بسبب صديق سوء ولم ينتهي منها ولا أظن أنه سيفعل"
عن الحزن الكامن داخلها نتحدث، يعتقدون أننا حين نصمت نكون بخير، ليتهم يسمعون ضجيج قلوبنا، ويدركون أننا نصرخ بصمت
لمست يد ليال يدها، لن تواسيها أي كلمات ولن تعوضها حتى ابتسامة لكن ..
"يمكن للحزن أن يتلاشى، يمكن للقلق أن يتلاشى ويبقى الأمل في تزايد مستمر" رالف إيمرسن
"ولكنك قوية وستظلين تصارعين لأجله"
رفعت أسما وجهها، التقت بالسواد اللامع بعيون ليال، هو نفس السواد الذي عاشته عمرها كله، وحيدة بلا أحد ومع ذلك كانت ناجحة، موهوبة، الأساتذة بالجامعة والدكاترة يشيدون بها، ذلك الأسود بعيونها يضيء ببريق خاص..
الأمل..
"أنا لا أملك قوتك ليال ولا موهبتك ولا رجل يحمل عني، أنا لدي أب لا يرى سوى نفسه ومزاجه ولا يعرف سوى أني بنك لا ينفد ولو نفد، الضرب مصيري"
الألم ارتسم على ملامح ليال، عند مرور الذكريات على أبواب حاضرنا يدق الألم تلك الأبواب وتسحقنا الذكريات بلا رحمة
كلاهم سقط بذلك العالم بسبب أب فاسد دمر وحطم الجميل داخلهم الفارق أن هارون انتشل ليال من بين الحطام لكن أسما ما زالت مطحونة تحت أقدام الرجل الذي كان سبب بوجودها بالحياة
"يمكنك مساعدته على العلاج، مصحة جيدة والنتيجة مضمونة"
ظلت تواجه عيون ليال المليئة بأمل لم يعد يطرق بابها، رحل عنها لأنه لم يجد له مكان بحياتها، لم يقوى على مواجهة التيار..
"ومن أخبرك أني لم أفعل؟ مرة واثنان وبكل مرة يهرب وأنا أنال عقاب يبقيني يومان بالبيت عاجزة عن الحركة"
ضغطت على يدها "هارون يمكنه.."
"لا"
الفزع بعيونها والخوف.. لن يقبل بها أحد لو انفضح أمرها أمام هارون ورجاله "لا ليال، أرجوك لا يمكن لأحد أن يعرف، لن يمكنني مواجهة أحد بعدها"
تفهمت ليال واقع الفتاة وما تكنه داخلها ولم تجادلها.. عالمهم لا يعرف الأبيض الناصع هم بينه وبين الأبيض العادي الذي تلطخ مرة بالرذيلة ثم تم تنظيفه
"وما الذي جدد كل تلك الآلام التي بعيونك؟"
تفهم ليال أراح أسما، جعلها سعيدة لأنها منحتها ثقتها وتفهمت مصيبتها
"يرغب بالزواج من جارة تسكن بالبيت، ليال هو لا يعمل ويتناول تلك المشروبات حتى تفقده الوعي ولا يمكنه تحمل مسؤولية امرأة وبيت ولا أنا ليال ولا أعرف ماذا أفعل؟"
دقات على الباب قطعت حديثهم وهي تأذن لترى صفوان الذي تجمد مكانه بشكل غريب لفت انتباه ليال وعيونه الخضراء القاتمة تسقط من قمة العملاق عليها هي وأسما التي حدقت به لحظة ثم أسقطت عيونها على أصابعها
"ماذا هناك صفوان؟"
عادت عيونه القاتمة لزوجة الزعيم "ظننتك وحدك"
نهضت واقفة ونظراته ترتد للفتاة الصامتة، وجهها سجين أصابعها وشعرها القصير مشدود للخلف
"أنت بالطبع تعرف أسما، أسما تذكرين صفوان، رجل هارون الأول وصديقي وأخي"
ورفعت عيونها له ولا يعرف ماذا أصابه!؟
عرف أنها تعمل هنا لكن وقته لم يسمح له برؤيتها، هو يأتي بالليل وهي تعمل بالنهار..
كان في ملامحها ما يربكه، بساطة ناعمة وصدق غير مصطنع وكأنه لم يرى دموعها ولا الألم وراءها
كانت نظرتها تشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة
تلك العفوية التي رآها بها يوم الحفل لا تعرف التظاهر، تماما مثل ليال، كانت بالنسبة له أخطر من أي جمال مصطنع
فجأة شعر بثقل خفيف بصدره، شيء يشبه الانجذاب أو الحنين لطمأنينة لم يعرفها من قبل
توقف الزمن لحظة أو هكذا خيل له ونظراته تحدق بها بلا حذر ولكنه لم يقل شيئا
شيء دق في قلبها بعنف غريب عندما التقت بنظراته تلك المرة، كأنها سمعت نبضها يعلو فوق الصمت
لم تراه جيدا بالحفل، ركزت قليلا مع أنس لكنها لم تنجذب له ولا هو لكن تلك العيون مختلفة
لم تتوقع أن تجد في ملامحه هذا الهدوء الممزوج بحدة خفيفة، ولا أن ترى في عينيه ما يشبه الفضول المشحون بالإعجاب
تورد الوجه الشاحب فجأة وخجلت العيون من النظرات الصامتة فاختبأت خلف الرموش وأخفضت وجهها لكن صورته ظلت عالقة في ذهنها كأنها لم تكتف بتلك اللحظة العابرة
أما هو فظل واقفا للحظة أطول مما ينبغي، بلا كلمات وكأنه لم يسمع ليال، لا يقول شيئا فقط يراقبها بنظرة تحمل أكثر مما يجرؤ لسانه على قوله
وشيء ما..
شيء ما تحرك داخل العملاق لأول مرة...إحساس غامض، دافئ ومربك في آن واحد، حاول أن يتجاهله كليلة الحفل لكنه الآن أدرك في أعماقه أنها المرة الأولى التي يشعر فيها بانجذاب حقيقي لا يستطيع تفسيره
ليال ظلت تحدق بهم وبالنظرات المتبادلة والدهشة تملكتها، صفوان!؟
ولم لا؟ لا يوجد قلب لم يدق، الغرام قوة مهيمنة بقوة قنبلة نووية لا تبقي ولا تذر والعملاق، المنفذ، أيا كان لقبه مجرد إنسان من شحم ولحم وقلب ينبض..
للغرام..
"صفوان هل الأمر هام؟"
ارتبك الاثنان، هو انتزع نفسه من لحظة الفقدان التي رحل فيها عن الواقع، وهي رفعت وجهها لليال ثم نهضت بإدراك
"ليال أنا.. أنا سأذهب"
"لا.. انتظري.. ليال أنا.. أقصد يمكن للأمر أن ينتظر"
واجهته.. لمعان البني بعيونها لكمه بوجهه فدفعه مائة وخمسين متر للخلف، التفت للخلف ولكن لا تعود، لن نتركها بعد اليوم
تجولت نظرات ليال بينهم وابتسامة رقيقة ارتسمت على فمها، سهم الحب انطلق، كيوبيد يمرح بين القلبين، العملاق سقط
اتخذ قراره "هاتفيني عندما تنتهي"
وأغلق خلفه والتفت ليال لها.. لن تلقي أي نظرة على سهم كيوبيد ستنتظر لترى كيف أدى عمله
"آسفة ليال لم أقصد أن أشغلك عن العمل"
الصدق هو كل ما يحوم بعيون الصغيرة والعقل يصحب أنثى الذئب "دعيك من ذلك وأخبريني كيف يمكنني مساعدتك؟ هل ترغبين بمال؟ مكان تقيمين به؟ ماذا بعقلك؟"
ظلت نظراتها هائمة.. فقدت الشعور بالمكان والزمان.. تاه العقل وسكن القلب بلا حركة
"لا أعلم ليال، لا أعلم ماذا أفعل، لا يمكنني ترك البيت وتركه وحده، ما زال أبي ولا يمكنني قبول زوجة أب لتتحكم بي وبالبيت الذي أسسته أمي، لا أعرف"
اقتربت ليال منها، فقدان السيطرة كثيرا ما سقطت به بمراحل كثيرة بحياتها.. نحن نتيه كثيرا داخل أنفسنا حتى نجد الطريق
"كوني معه أسما ولا تتركيه، كما قلت هو بالنهاية والدك لكن لابد أن تحاولي معه مرة أخرى للعلاج ولا تشغلي بالك بالمال يمكنني منحك ما تريدين"
دموعها عادت مرة أخرى ونفسها تخجل من وضعها، سقطت رأسي بالوحل بلا ذنب
"لا ليال، لا أحتاج مال، أنا احتجت من يسمعني وأنت الأفضل شكرا لوجودك معي"
احتضنتها بابتسامة هادئة ورحلت لترى صفوان أمامها يقف مع أنس، تبادل معها نظرة جعلتها تخفض عيونها وهي تتحرك لمكتبها وهو يعود لأنس
"لم يخبرك ماذا فعل مع سعد وأخته!؟"
تحرك أنس للمقعد وجلس "منذ متى يفعل!؟ حتى سعد لا يتحدث عنها ولا يبحث حتى، وكأن الريس أمره بذلك"
"صفوان هل تريدني؟"
التفت لليال الواقفة عند الباب وتحرك لها "نعم"
عادت للداخل وهو يتبعها مغلقا الباب وهي تجلس على الأريكة، لم تحاول أن تكون معهم سوى أخت وصديقة
حاول أن يرتاح بجلسته أمامها، رغم جسده الفاره مثل زوجها لكن أكثر ضخامة ولكنه خفيف الحركة ماهر بالحركات القتالية بل ماهر بكل شيء لذا هو رجل هارون الأول..
"ماذا هناك، شغلت تفكيري عليك"
حك لحيته، هو الآخر مثل الريس يترك لحيته بتهذيب مناسب "أسما"
لا مجال لدى صفوان للف والدوران، هكذا هو، صاروخ ينطلق لوجهته بلا تفكير، لا يسار ولا يمين
تفاجأت مرة واحدة، وقت لقاء العيون لكن الآن بدت هادئة ومتفهمة.. من عرف طريق الغرام يجيد وصفه جيدا للتائهين..
الغرام بالنسبة لها هو أعلى درجات الحب التي تصل إلى درجة الجنون والتعلق الشديد بمن تحب كما هي مع حبيب قلبها
"ماذا عنها صفوان!؟"
أبعد وجهه لحظة، لا يمكنه التحدث مع هارون قبل أن يعرف عن مشاعرها أي شيء، هو تقريبا يعرف عنها كل شيء، الريس طلب تقرير عن صديقة زوجته وهو من تولى الأمر ورغم ما عرفه عنها لم يوقفه ذلك
"ليال أعرف أنك ذكية"
لغة العيون ليست من شيم الرجال لكنه من أهم صفات المحبين والأصدقاء
"ظروفها معقدة صفوان، لا أعرف هل يمكنها أن تخوض تجربة شخصية وهي تعافر بحياتها أم لا؟"
"والدها مدمن كحول، فقد عمله بسبب ذلك، هي من تتولى كل شيء وهو يعاملها أسوء معاملة لينال منها المال، ما علاقة ذلك بأن تكون لها حياة خاصة؟ هل لها حياة خاصة ليال؟ رجل بحياتها؟"
تراجعت من طريقته وغضبه الجامح "لا تغضب بوجهي، طريقتك هذه لا تصلح لأي امرأة"
نفخ وقد فقد صبره "زوجة أخي أنا لا أجيد النطق بكلمات مغموسة بالحلويات، أنا لا أعرف سوى واحد زائد واحد يساوي.."
"ثلاثة وأربعة، مع المرأة لا مكان للواقع بل الخيال وأسما بالذات تحتاج للفرار من الواقع صفوان لأن واقعها كما عرفت بنفسك ليس أفضل شيء"
انحنى للأمام وركز عيونه عليها "هل بحياتها رجل ليال؟"
غاظها بطريقته ومع ذلك قالت "لا صفوان، والدها هو الرجل الوحيد بحياتها، والآن ماذا؟"
تراجع وشعور بالراحة ينمو داخل صدره مانحا قلبه نبضة جديدة فوق نبضاته.. نبضة حياة
"الآن أرغب بمعرفة مشاعرها نحوي، هل ستقبل رجل مثلي بحياتها!؟ مهندسة الكترونيات ورجل يداه لا تخلو لحظة من الدماء هل يجتمعان؟"
أنت مختلف حقا أيها العملاق.. ترى العلاقة بشكل جدي أكثر من اللازم فهل تقبل أسما هذا نوع من الرجال؟
"ليس هذا هو المهم صفوان"
صمت وما زال يواجها بنظراته الملونة بالأخضر القاتم، لون أوراق الشجر الزاهي بالربيع.. مدركا أن الأمر ليس بسهل
"بل مهم ليال، مي رفضت أنس لأنها رأت نفسها دكتورة وهو مجرد تابع للريس وأنا كذلك وهي مهندسة"
نهضت والاستنكار يزورها من كلماته.. ترفض التسليم بما يقول "وأنا مهندسة وتمنيت الزواج من هارون دون أن أعرف من هو وأنا أسعد امرأة الآن"
نهض هو الآخر مواجها إياها، ملفوفا بذنوبه وسيئاته، مدركا بحر الدماء الغارق به لأنه المنفذ، أداة الريس بالعقاب، الاستجواب، التنظيف خلفه وخلف الرجال بل وحماية هارون نفسه
واجها.. لم يفر من أفعاله المشينة ولكنه هكذا.. كان نقي، طموح، ينظر للدنيا بمنظور كل شاب كبر ليحلم ويحقق حلم حتى سقط تحت عجلات القطار ففرمه
"ولكنها تعرف جزء عن حقيقتي فماذا لو عرفت الباقي!؟"
ظلت ترفع رأسها لتواجه نظراته المغلقة على ماضيه الذي لم تخترقه بأي يوم.. لم تجرؤ على السؤال وهو لم يتحدث
"الحب لا يعرف أي حواجز صفوان، نحن لا نحب أشخاصا كاملين، نحن نرى الكمال فيمن نحب"
طل بريق غريب من عيونه لكلماتها، ابتعد، رأى بنفسه حقيقته، هو يكره ما وصل له لكنه لا يرفضه فهو ما أصبح يعرفه ويجيده..
"صفوان الحب لا دخل له بكل تلك الفروقات ولا المغامرات التي خاضها الاثنان بحلوها ومرها، الحب هو المغامرة الوحيدة الحقيقية في حياتنا ولهذا نحن نحب"
التف لها وكلماتها تصيب الهدف تلو الآخر، هل أحب أسما!؟
اقتربت منه "هل أحببتها!؟"
هو بالفعل يسأل نفسه وهو لا يعرف عن الحب شيء
"لا أعرف ليال، الحب لم يمر على بالي بأي لحظة منذ انقلبت حياتي رأسا على عقب"
ظلت صامتة وهو تحرك من أمامها وبدت الذكريات تهاجمه وكأنها انتظرت تلك الفرصة لتطفو على سطح صاحبها فتغرقه بأمواجها
"أنا بنظر الشرطة والجميع قاتل ليال، قاتل ولولا هارون لكنت مت بالإعدام منذ سنوات"
لم ترد أو تمنحه أي كلمات، عالمهم مختلف، منذ دخلته وهي تدرك ذلك جيدا ولم تعترض فهي مثلهم
"أب لا يختلف عن والد أسما الفارق أنه كان تاجر ومدمن مخدرات بنفس الوقت وهذا أسوأ ما يمكن أن يكون عليه الشخص"
فلت من أمامها مدركا الماضي المؤلم من أم تموت بسبب رجل فقد الإحساس بمن حوله بسبب السموم التي تهري جسده..
"قتل أمي"
قبضة اعتصرت قلبها.. أنين صامت يؤازر أحزانه
"ضياع عقله بسبب الهيروين جعله يدفعها للعمل بالبيوت للمال، كنت بالسادسة عندما رفضت منحه المال فضربها بقسوة وبلا وعي حتى سقطت وارتطم رأسها بشيء صلب فماتت بالحال"
أغمض عيونه وهو يرى نفسه ذلك الطفل الذي يهرع لجسد أمه المتهاوي على الأرض بلا حركة، يحمل رأسها الملوث بالدماء بين يديه ويضعها على ساقيه ويناديها بدموع القهر والحزن
رحلت من كانت تمنحه الحنان، رحلت من كانت تبتسم له وتمنحه الطعام من وراء الأب القاسي.. بكى كثيرا وتألم أكثر عندما تناثر التراب فوق الكفن الأبيض ورحل قلبه معها، مات الإحساس وفقد النبض..
بالعاشرة أجبره على العمل بصالة جيم، ينظف المكان والحمامات وبمرة مبكرا استخدم أحد الأدوات ولأن جسده مميز من الصغر لفت نظر المدرب ودربه بلا مقابل
مصاريف الدراسة كانت عليه، موجودة نال العلم ليست موجودة لن ينال أي شيء حتى الطعام
نساء تدخل البيت وأخرى تخرج وهو بدأ يكبر ويفهم والعراك اشتد والطرد كان مصيره فيعود مستسلم لأن لا مثوى له
"تورط بعملية تهريب مخدرات وسقط بأيدي الشرطة ومات بالسجن على يد أحدهم"
تجهم وجهها ولم تحزن على مصير الرجل فهو يستحقه
"عرفت هارون بالرابعة عشر بعد موت والدي بالسجن، أعجب هارون بقتالي وأنا كنت معجب به وطلبت أن أنضم له، كان له رجاله تحت زعامة الكبير وهو وافق لكن لم يشركني بأي شيء خارج القانون"
هارون أراد له حياة ناصعة مكللة بالجامعة وهو كان ذكي، مجتهد، صاحب حلم وصل لكلية الصيدلة رغم كل شيء، كلما ضاقت به الظروف ينظر ليده، يرى دماء أمه تلوثها، ينفض الخزلان، يرفض الفشل ويهرع للنجاح
سنة واثنان بالكلية، تقديرات امتياز حتى..
لكل نجاح أعداء والغيرة أولها، أجمل أنواع الغيرة غيرة الحب، وأسوأ أنواعها غيرة الحقد
"وغار مني ليال، ذلك المعيد غار من نجاحي وحب مدرسيني لي وبحث خلفي وعرف حقيقتي وصنع الفضيحة"
كتمت أنين قلبها النابض على فمها، أغلقت عيونها على نظرة الألم والشفقة
"دق بكل المطارق فوق رأسي حتى انفجرت بوجهه ولقنته درسا لم يأخذه من قبل وكان مصيري الفصل شهر"
لكن ما زالت الغيرة تنخر كالسوس، متى دخلت الغيرة خرجت الحقيقة من الرأس وتهدم كل شيء
"دبر لي مكيدة لفصلي من الكلية نهائيا ولكنه لم يكن يدرك أني لست خصم سهل وتدخل هو لإنهاء أمري وقتلي ولكني لم أسمح له.."
صمت والصمت هنا إقرار، نتيجة حتمية لما يمكن أن يكون وقد كان
"قتلته!؟"
اهتز كيانه للذكريات الحبيسة داخله، ليال انتزعتها منه بلا أي مجهود
"نعم، دفع السكين تجاهي ولكني لم أتركه، نزعتها منه ودفعتها بصدره"
"دفاع عن النفس"
واجها بعيون جامدة لا حياة فيها، نسى كيف تكون المشاعر، فقد أي شيء ينبض بالحياة لأن لا شيء يستحق سوى هارون
"والده لم يرى ذلك، كان شخصية ذات مكانة كبيرة.. ألصق بي القتل العمد ولكن هارون وقف بجواري وأثبت الدفاع الشرعي"
صمت يستعيد أسوء أيام حياته "والد المعيد رفض الحكم فحاربني بكل شيء، الجامعة رفضتني، لا عمل والشارع تلقاني وضعت لولا هارون، عاد لأجلي ونال طعنة سكين بدلا مني وجذبني من الضياع وظل خلفي يدربني ويلقني كل شيء حتى أعادني من الجنون الذي كاد يطيح بي لأصبح مدين له بحياتي وهو منحني مكانة غالية جدا عندي"
"هارون يحبك بالفعل"
التفت لها ولمعت عيونه ببريق الصدق "نفس مشاعري تجاهه"
تحرك لها مرة أخرى حتى وقف أمامها "ماذا يعني اهتمامي بها ورغبتي برؤيتها بكل الاوقات ليال؟ ماذا يعني تلك الدقات المهووسة التي أشعر بها عندما تسقط عيوني عليها وانفطار قلبي اليوم برؤية دموعها، ما معنى ذلك ليال؟"
ابتسمت وكلماته هي عنوان لأغنية، أغنية من أغاني كوكب الشرق أم كلثوم، سيرة الحب
بل عنوان لكل أغاني العشق والغرام..
"حب صفوان"
لم ترحل نظراته عنها والحب كلمة لم يفكر يوما أن تمر عليه وها هو يقف هزيلا مهزوما أمامها، العملاق ينهار، المنفذ هو الضحية..
****
لماذا ترفضك الأنوار وتدفعك للظلام؟
أحلام ولم تجدي يوما حلما من أحلامك..
هل تسخر منك الدنيا!؟
لم يسمح لها بالذهاب معهم للمشفى، بأي صفة ستذهب!؟
فركت أصابعها حتى تلونوا بالأحمر وتألمت منهم.. تعبت من التحرك من هنا إلى هناك من القلق.. لم تعرف الرجل سوى اسبوع ومع ذلك كان شخص مختلف..
هي السبب، لولا كلماتها ما كان عرف شيء ولا سقط بالمرض من جديد.. القلب تأثر ولابد من عناية
هكذا قال الطبيب والإسعاف لها صافرة إنذار مزعجة تؤلم القلوب
فشلت بكل شيء، سكرتيرة، جليسة، كل شيء يتفتت بيدها
النهار لم يكن له أي معنى وهي تجلس منكمشة على الأريكة ببهو الاستقبال.. لم تغفل ولم تفكر بأن تهاتفه
ليست هي السبب كما فكرت بل هو، لماذا أحضرها هنا؟
"ترغبين بالإفطار يا آنسة؟"
انتفض جسدها من صوت منيرة التي خرجت من حيث لا تدري، لم تفرد جسدها المتكوم وأرخت نظراتها لبعيد "لا"
منيرة مناسبة جدا للعمل لدى جامد الملامح فهي تشبهه ولا مجال لأي ود بينهم
هاتفها بيدها وليال هي كل من مر على ذهنها، هاتفتها..
رفعت رأسها من أمام الشاشة لرنين هاتفها ورقم غريب يظهر أمامها، جذبته وما زالت تحدق بالبيانات أمامها
انتبهت عندما أتى صوت أحلام.. لم يكن هذا رقمها السابق "أحلام!؟"
"كيف حالك ليال!؟"
اعتدلت بالمقعد، منحتها كل اهتمامها، هارون لا يخبرها أي شيء عنها حاليا وهي ترغب بمعرفة كل شيء
"أنا بخير أحلام لكن ماذا عنك!؟ أين أنت وماذا حدث لك!؟ ليتني أراك"
لم تخبرها بأنها تعرف بالعرفي..
ولم لا!؟ هكذا فكرت ولكن وجود سعد يدمر الحلم، أضف لأحلام أحلام حلم آخر فاشل..
"لا يمكنني ذلك ليال، رجال هارون ستجدني لو قابلتك وسيخبرون سعد"
تنهدت ليال بهدوء، الأمور معقدة بالفعل لكنها ترغب برؤيتها "أنس فقط من يصحبني ولو طلبت منه .."
قاطعتها بحزن وهي تعرف هؤلاء الرجال أكثر منها فقد عاشت معهم عمرها كله
"لا تفعلي ليال.. لا تضعي نفسك بذلك الموقف لأجلي، أنا لا أستحق"
نهضت بغضب واضح وهي ترفض ما يحدث، زوجة الزعيم لا تقف عاجزة "بل تستحقي أحلام واتركي الأمر لي فقط أخبريني كيف أراك؟"
****
جالسا أمام الرجال، نظراته ضاقت عليهم، حبستهم بأماكنهم وصوته هادئ، لا عواء اليوم، أقصد لا عواء الآن ربما بعد قليل
"سيكون من الصواب توريد الأغذية التي ترغب بها بالأسعار الجديدة هارون أما القديمة فانتهت"
لم ترمش عيونه التي حدقت بالرجلين، الذكاء ليست صفة متوفرة لدي كل الخلق، اختص الله بها أشخاص معينة وبدرجات مختلفة وهذان الاثنان لم يمنحهم الله أي درجة من درجات الذكاء
"أنت تخبرني الصواب يا حكيم؟"
لم تتبدل ملامح حكيم، هارون تساءل وانتظر الإجابة والرجل أجاب "أنت بعيد عن السوق الفترة الأخيرة لذا.."
"لذا أنت هنا تخبرني ماذا علي أن أفعل من عدمه؟"
ونهض الزعيم واعتدل الرجلان وتوترت ملامحهم، يلعنون أنفسهم لأنهم لا يعرفون كيف يقرأون نظرات الريس
هل ظنوا أنهم الأذكى؟
"يقال أن لكل شخص نصيب من اسمه لكني أرى أن الأمر لا ينطبق عليك حكيم"
تجهم وجهه وجف حلقه والرجل الثاني ابتلع جبل الصمت، لم ينطق
وضع يداه بجيوبه.. لمعت الوان السماء الزرقاء بعيونه وعبثت خصلة شاردة على جبينه
"لا تقصه هارون.. أحبه طويلا" الفانيليا تعبث بكل مسامير عقله
"عماد السيد يضع قوانينه على نفسه وليس على هارون وهارون الديب يضع قوانينه على عماد وعلى الجميع والطاعة هي كل ما يمكنكم تقديمه"
نهض حكيم وتابعه فعل المثل، هل هو ببغاء مهمته ترديد الكلمات أقصد الأفعال!؟
"قوانين السوق يتبعها الجميع هارون.."
وهنا جاء العواء، عواء مخيف بليل حالك وسط غابة مخيفة ارتعد من سقطوا بها وتبللت ملابسهم من الفزع
"الريس.. أنت هنا بحضرة الريس وعليك تقديم فروض الطاعة والولاء أم نسيت نفسك!؟"
تحررت يد صفوان وكأنه يستعد لمهمة قادمة، منذ ساعات كان يسأل عن الغرام والآن يده تفرك بحثا عن الدماء
"آسف.. ها.. يا ريس نحن لا نجرؤ على العصيان لكن.."
لم تهدأ النبرة ولا فورة الغضب بالعيون القاتمة "لكن هذه تأخذها وتعود بها لذلك الكلب الذي جعلك تظن أنه يمكن تجاوز هارون الديب"
وارتد عائدا لمكتبه، مضجعا بمقعده الضخم مدركا من هو ومتى يظهر الريس "صفوان، العقد ينتهي، لست بحاجة لمواد غذائية فاسدة منتهية الصلاحية"
اتسعت العيون وأخيرا هتف الأحمق القصير "لا يا ريس، أقسم أنها صالحة.."
تحركت العيون بكسل غريب عن الزعيم للقصير "الشرطة لا تؤمن بالقسم، تحتاج أوراق وأدلة مادية وأنا منحتهم إياها عزمي"
تراجع الرجلان، اسودت وجوههم وتربع الفزع فوق رؤوسهم وتلعثمت الكلمات على شفاههم "شرطة!؟ ماذا.. ماذا تقول!؟ أي.. أي شرطة!؟"
فزعوا وانتفضوا وتفرقوا عندما اندست رأس العملاق بينهم وصوته العميق يمنحهم رهبة جديدة
"مباحث التموين"
ارتدت رؤوسهم مرتفعة للقاء وجه العملاق بفزع.. كلمات الرجاء خرجت بكل أنواعها والريس اكتفى بالصمت وصفوان تولى الدفة
"لا أحد يتلاعب بالريس"
هاتف عزمي يصرخ وهو يخرجه بأيدي مرتجفة وعيون جاحظة وكلمات تردد صداها بالمكتب "مباحث التموين، أنا قادم، هاتف المحامي يا غبي"
وتبادل الرجلان النظرات وحكيم يتولى الأمور "يا ريس نحن نطلب العفو"
أسند رأسه على أصابعه وهدأت ثورة الديب "وأنا عفوت عنكم لذا صفوان غير راضي عني"
بلا وعي ابتعد الرجلان من أمام صفوان وحكيم يهتف "يا ريس أنقذنا، لا تفعل بنا ذلك ما زلنا رجالك"
"انتهت المقابلة"
لمسة من يد صفوان منحتهم طريقهم للباب الذي انفتح والفانيليا تتراجع أمامهم..
لم يتحرك بل هي من وصلت له وجلست لكن على ساقيه، بين أحضانه، تمنحه الجائزة، قبلة على شفتيه يأخذها ويحلق بها للسماء
انتهى وذراعه تلفها بقوة ويده الأخرى تبعد خصلاتها والزرقاء تضيء بألوانها على ملامحها المشرقة
"تزدادين جمالا صغيرتي وأنا أزداد جنونا"
ضحكت.. ضحك العالم كله من حوله، يداها عبثت بخصلاته ونزلت على عنقه وعبثت بحبل السلسلة وعيونها تعود لعيونه "لماذا الجنون يا ريس؟"
ضغط على خصرها فضحكت مرة أخرى "لأن الريس يريد أن يخفيك عن العيون المترصدة من حولك"
حكت أنفها بأنفه "وماذا أفعل أنا بعيون النساء بكل مكان حولك؟ أنت مطمع الجميع يا ريس"
تعرف كيف ترضي غروره لكن هو لا يرغب سوى برضاها، قبلة طويلة عنت لهما الكثير حتى انتهت أنفاسهم وتوقفا بلا رغبة
"أحلام هاتفتني"
لم تتوقف يده عن العبث بشعرها ولم تبعد وجهها عن أنفاسه التي تعشقها وتحفظها ولو بين مليون رجل ستميزه بها وبكل لمسة منه
"و.."
النظرات لا تكفي بل لابد من كلمات "أرغب برؤيتها هارون لكن دون أن يعرف سعد"
عتمة أحلام أفضل مائة مرة من ظلام مي..
"وهي وافقت على رؤيتك ملاكي؟"
تراجعت لتحدق به، تبحث عن أي شيء بنظراته لكن لا شيء، فراغ، سكون يسكن عيونه والزعامة ليست كلمة..
"أنت لا ترغب بإخباري شيء هارون"
ونهضت، الفانيليا غاضبة، المسك يأخذ عطره ويرحل ليخل بمزاج الريس
"ليس كل شيء يقال ليال"
التفتت له وتورد وجهها وعبثت عيونها "حتى لي؟"
نهض وتحرك لها محررا نفسه من ثوب الزعامة للعاشق "أنت من بدأ صغيرتي"
لم تفهم.. وعيونها تحدثت عن الحيرة من كلماته "بدأت ماذا هارون!؟ أنا لا أفهم"
يداه بجيوبه، قميصه مفتوح لمنتصف صدره والقلب الفضي ثابت بمكانه، لا يتركه وهو لا يدعه بعيدا
"لم تخبريني أن أحلام هاتفتك من قبل"
الذكرى القريبة تجمعت أمام عيونها ومحادثة أحلام تمر بذهنها و..
"أنت تتجسس علي هارون!؟"
رفع إصبعه على شفاها ونظراته انغلقت "لا أحب تلك الكلمات، حمايتك هي كل ما يمكن أن أفكر به"
وابتعد من أمامها للجدار الزجاجي والشباب ترقص وتتمايل بالملهى، مؤخرا منع المشروبات الروحية، لا يرغب بأي شيء ممنوع
صوتها من خلفه كان غاضب لكن بعقل، الصغيرة لم تعد صغيرة.. تبدلت
"والشك؟"
لف وجهه لها بهدوء وأجاب "لا مكان له ليال، أنت امرأتي، وأنثى الذئب لا تنافس بالإخلاص لزوجها كما هو زوجها"
تحركت له وعيونه ترتد للملهى وهي تقف بجواره "لماذا لم تخبرني!؟"
"انتظرت أن تفعلي أنت، تثقي بي" والتقت بعيونه
وهلة فارغة من أي شيء سوى الأنفاس والنظرات، تشاركا بمعركة فاشلة فلا معركة من الأساس
"خفت"
لم يرد، فقط ظل ينظر لها وهي أبعدت وجهها المتجهم وقلبها النادم يتخاذل "خفت أن تخبر سعد وسعد يقتلها"
انحنى لها "هذه نظرتك لي؟ تابع لرجل من رجالي؟"
"لا، أنا لا عشت ولا كنت لو ظننت بك ذلك، أنت الزعيم حبيبي والجميع يتبعك"
ظل ثابتا بنظراته عليها فتحركت لتقف أمامه وعيونه تتبعها ورفعت يداها على صدره، تلمس عضلاته تبحث عن نبض قلبه وعيونها تواجه نظراته الغاضبة بهدوء
معها لا يسمح لأي غضب أن يخرج، معها هو الرجل الذي لم يكونه أبدا، يخرج من ثوب الزعيم، ينساه، يتجاهله لكن يبقى فقط هارون الذي سقط بهوى فتاة بالعاشرة وتعلق بها وهو يعلم ألا أمل بهذا الجنون
والجنون تعقل والحلم انقلب واقع والحياة تبدلت "آسفة هارون، لم أجيد التصرف"
لم يلفها بذراعه ولم يفقد نظراتها ولا هدوئه "تعلمين من أنت أليس كذلك؟"
لم تخفض عيونها، هي تفهم وهي تهز رأسها بالإيجاب
"أنت امرأة هارون الديب، الخطأ غير مسموح به ليال، لأن ثمنه غالي ولولا أن الأمر بسيط لما تركته يمر، أنت لست أي أنثى، أنت أنثى الديب"
"فهمت هارون، فقط كنت وقتها متعبة بعد الحادث ولم أجيد التفكير"
صمته لا يعني رضاه ولكن على الأقل لم يمنحها غضبه "هي بحاجة لمن يكون معها هارون، أحلام ليست قوية"
"أحلام بقبضة رشدي ليال ورشدي ليس بسهل ولن يفلتها"
هو بالفعل أخبرها ما فعله رشدي معها وهي نست الحكاية والآن كل شيء يتجدد
الجرس جعل صفوان يدخل بالحال وليال تتدارك ما يحدث "متى ليال؟"
انتبهت "اليوم لو أمكن"
جلس ونظر لصفوان "أنت وليس أنس ستأخذ ليال لرؤية أحلام"
لم تتبدل ملامح العملاق، اعتاد كل أوامر الريس المتوقعة وغيرها..
"والد رشدي بالمشفى وهو معه، لو رفضت العودة معك لا تجبريها ليال"
ملامحه الجادة لم تمنحها راحة ولم تفهم معنى كلماته ولم تسأله فمزاجه ترك الفانيليا وتعكر
ومع ذلك رأت أن الآن ليس وقت الجدال أو إعادة رضاء الريس
ستعرف كيف تعيد له مزاجه بالمساء..
****
أنت انتهازي، أنت الجاني..
"لم تستقر حالته حتى الآن، الجراحة التي أجراها كانت تحتاج لرعاية خاصة فما الذي حدث؟"
الجمود نعمة تتمرغ بها ماذا لو تخلى عنك ورحل تاركا إياك رجلا بمشاعر!؟
"سمع أخبار غير جيدة"
تفهم الطبيب "الآن نحن لا نملك سوى الانتظار وبالتأكيد الدواء سيؤدي الغرض"
نفخ، يحتاج لجرعة النيكوتين الآن
خرج ومنح نفسه الجرعة اللازمة، أحرق رئتيه حتى انتقم من نفسه
المواجهة لن تكون جيدة، الرجل لم يتحمل ما عرف.. ابن علي زيتون ابن عائلة زيتون المعروفة تزوج فتاة دعارة وعرفي وأتى بها لتكون جليسة لوالده
أي جنون هذا الذي سقط به!؟ متى فقد عقله هكذا؟
أغمض عيونه وحياة والده بخطر وهو السبب، دفعها بطريق والده لأنه أناني، أراد كل شيء، هي ووالده وها هي النتيجة
هاتفها.. لم تجيب
منيرة تجيب والصدمة ضربته "خرجت منذ نصف ساعة"
وجن جنونه..
****
لم يتحدث صفوان معها حتى وصلا المطعم وبالداخل رأت أحلام تجلس، تتلفت حولها والخوف واضحا على ملامحها
نهضت، القت نفسها بين ذراعي صديقتها، تركت نفسها لأحضان ليال وأغمضت عيونها تلتمس عطر الأيام الراحلة، كم كانت سعيدة وقتها
أقصى حلم كان أن ينظر لها العملاق والآن لم تعد تحلم من الأساس.. هي أصلا لا تنام
التقت به الآن يقف بشموخ خلف ليال، نظراته فارغة لا تعني أي شيء وهي الآن لا تراه كما اعتادت، لم يعد فتى أحلامها
ضاعت كل الأحلام واندثرت بنفخة واحدة من العابث، عبث بها وبحياتها وضاعت وانتهت
"كيف حالك صفوان؟"
"بخير أحلام، ليال أنا بجوارك"
منحته نظرة موافقة فاتخذ المائدة المجاورة وجلست الفتاتان والصمت ثالثهم حتى هزمت أحلام الصمت
"صفوان هنا وهذا يعني أن الريس يعلم؟"
وضع الرجل العصير لها ورحل ولم تعترض ليال، صفوان يعتني بها بالطبع..
"لماذا لم تعودي أحلام؟ لماذا استسلمت لرشدي؟"
حدة ليال جعلت أحلام تدرك أن ليال لا تعرف كل شيء، بعدة أسابيع تبدلت واختلفت.. لم تعد تعيش الحياة بلا هموم
انتهت من حكايتها وليال تسمع وتعي كلماتها، تمنت لو رأت رشدي لتلكمه بوجهه لا بل تجعل صفوان يفعل..
"كان بإمكانك مهاتفة سعد أحلام، بالنهاية هو أخيك ولم يكن هناك أفضل منه لمساعدتك دون استغلال موقفك"
مسحت دمعة حزينة مرت بسلام على وجنتها "بل كان سيفعل ليال، كان سيجبرني على سيد ولم أكن لأرفض وقتها، ليال أنا لم أهاتفك لتلوميني على ما فعلت لأنه انتهى، أنا فعلت لأني أشعر بالذنب لذلك الرجل، أنا السبب"
"بل هو السبب، ذلك المدعو رشدي، كيف قبلت أن تعملي جليسة لوالده؟ كان عليكم توقع ما حدث"
ظلت تحدق بعيون ليال وهي تعلم أنها على حق، لكن الندم لا يحل أي مشكلة
"عودي معي أحلام، هارون لا يعترض على ذلك وتعلمين أنه سيحميك"
أخفضت وجهها، عبثت عيونها على أصابعها الرفيعة، تائهة، لا تعرف ماذا تريد لكن تعرف أنها لا تريد العودة لسعد وتسلطه ورغبته بالتخلص منها
أو سحر التعويذة سقط عليك يا عسلية...
رمقت صفوان بنظرة جانبية وأدركت، هو لا يهتم بها بأي شكل، عيونه تتحرك هنا وهناك، حماية زوجة الريس هي كل ما يفكر به
لمن تعود!؟
"لا، سعد لا يرغب بي ليال حتى ولو ضمنت حماية الريس فهو لن يمنحني أي حياة سعيدة وبعد وقت سيجبرني على الزواج"
أنهت العصير، تذكرت كلمات هارون، لا تجبريها
هارون يرى ما لا تراه، بل تراه..
"رشدي أفضل!؟"
رفعت وجهها لها واحتارت بالرد، رشدي منحها الكثير وأخذ منها الكثير، معادلة متساوية
"رشدي صريح ليال، لم يخدعني ولم يزين الحقيقة، عرفي مقابل خروجي من الدعارة، شقة وملابس وعمل مقابل متعته"
ظلت صامتة وربما رأت ما رآه هارون "ماذا تريدين أحلام!؟"
سؤال لم تعرف إجابته، هي أرادت أن يسمعها أحد، يربت عليها، يمنحها شعور بالأمان ولم تجد بل لم تعرف سوى ليال
رنين هاتفها صدح فجأة فأفزعها، ارتجفت أصابعها عندما رأت اسمه وتبدلت ملامحها وليال تلاحظ بالطبع
"هو!؟"
لم تجيب وهي تهز رأسها، بالتأكيد عرف بخروجها، عاد الرنين، مهووسا، يتحداها أن تتجاهله مرة أخرى وبأصابع مرتجفة أجابت
"نعم"
هدير صوته أتاها عبر الهاتف، غاضب، ثائر، راغب بقتلها "من سمح لك بالخروج دون إذني؟"
أكرهك.. تجعلني حمقاء، جبانة
أكرهك.. أرغب بالابتعاد عنك لأقصى مكان بالعالم وأكرهك.. وشيء ما يجرني لك جرا
وأكرهك..
"لا تصرخ بي هكذا"
رفعت ليال حاجبها، أحلام بدت قوية بالرد، لم يرتجف صوتها كارتجاف أصابعها
"لا تخبريني ماذا أفعل، خمس دقائق وتكونين بسيارة أجرة وتعودي للبيت"
هتافها لفت الانتباه وصفوان ترك ما حوله ونظر لها "لا تأمرني، لماذا لا ترحل عني وتتركني؟ والدك كاد يموت بسببنا فلم لا تكتفي؟"
لف حول نفسه، جذب النيكوتين المحترق محاولا منح عقله جرعة تخدير بلا فائدة، مصاب بهستيريا فقدان الجرعة..
العسلية مفقودة وهو بحاجة لجرعته منها
"لا دخل لك بوالدي، أين أنت!؟"
نظرت لليال وترددت قبل أن تقول "مع ليال"
رفع رأسه والدهشة تحاول اختراق جموده بلا فائدة، كل المشاعر تفشل أمام رجل تعلم كيف يفرغ ذاته من كل المشاعر
"ولا تخشين من سعد؟"
غضبت وكالقطة قفزت لتهجم "ليال محل ثقتي رشدي ولن تساومني"
دهس عقب السيجارة بحذائه الفاخر وكلماتها ترفع معدلات الصراع داخله بين الجمود والغضب والهزيمة ستكون فاضحة
غضب جامد الملامح..
"مساومتي تلك هي ما أنقذك من مصير تعرفيه والآن تنهضي وتخرجي لأول سيارة أجرة وتعودي من حيث أتيت هل تسمعيني؟"
العناد سمة كل امرأة فقط تختلف درجاته باختلاف النساء
"نعم سأعود من حيث أتيت، قسم الشرطة والحبس"
هل تلاعبه الآن؟
"هل اكتفيت!؟"
صوتها الغاضب وصل له "منك!؟ نعم اكتفيت حتى انفجرت، أنت كيف تتحمل نفسك بعد ما أصاب والدك، سيكرهك ويكرهني وأنا سأزداد كره لك"
وأغلقت وبكت وليال تتابعها بصمت، تركتها تنهار، تفرغ شحنتها بالكامل دون تدخل والهاتف ظل صامتا، لم يهاتفها
"هل أنت بخير؟"
لم تنظر لليال، شاردة بكلماته عن عودتها.. هل ستعود!؟
لم تفكر بالرحيل وهي تأتي لرؤية ليال ولم تفكر لأن لا مكان لها سوى بيته
"نعم، آسفة ليال"
ابتسمت أنثى الذئب ولمعت عيونها لرفيقة السكن "لست بحاجة للأسف، ستعودين له أليس كذلك؟"
أخفضت وجهها وبحثت عن مبررات "لا يمكنني العودة معك ليال"
تفهمت، لمست يدها بحنان وقلبها يشفق على فتاة بريئة لم تسطر كلمة واحدة بحياتها بل تم فرض كل شيء عليها
"أفهم أحلام، فقط أخاف أن يأتي يوم وتندمي"
التوت شفاها بشبح ابتسامة، واهنة، ضعيفة، مليئة بالمرارة "أنا كل حياتي ندم ليال فلن يتبدل شيء لو زاد واحد آخر، شكرا لوجودك"
نهضت ليال ونهض معها العملاق ولفت جسده نظر الفتيات من حوله ووسامته تصاحب قوامه
"لا شكر بين الأصدقاء أحلام، تعلمين كيف تجديني سأكون معك بأي وقت أنا وهارون، الريس معك وليس ضدك"
هزت رأسها ونهضت، احتضنتها بقوة
"هل تأتين معنا؟"
ابتسمت رغم الحزن، الحيرة، الإدراك.. لم يمكنها التحرر من العابث الأزلي
"لا، سأبقى قليلا قبل العودة"
بالسيارة نطق العملاق "ظننتك ستعيدينها معك لا تتركيها له"
لفت وجهها لتواجه نظراته قبل أن يرتد للطريق "لو أرادت العودة لفعلت صفوان، عد بي للبيت"
اخترق الزحام باتجاه البيت "هل تعنين أنها أرادت رشدي؟"
بالطبع سمع كل الحوار، أدرك ماذا فعلت الفتاة "هي زوجته صفوان، تزوجها ولم يأخذها بالحرام"
سخرية واضحة حلقت على الكلمات "عرفي ليال ومع رشدي زيتون مما يعني عدة أيام وسيلقيها كسواها"
لكن ليال كانت لها رؤية أخرى وربما هارون أدركها قبلها
****
عادت لما أطلق عليه بيت، هو بيته لكن ماذا عنها هي!؟
استبدلت ملابسها بملابس نوم، متعبة وكأنها كانت تجري أميال سقطت بالفراش.. نامت
فزعت عندما انغلق الباب بصوت مرتفع جعلها ترفع نصفها الأعلى وتفتح عيونها الناعسة لتراه يتحرك لها وعيونه الرمادية انغلقت، لكن لم ترحل للأسود
"بابا تجاوز مرحلة الخطر"
هل يتحدث معها حقا بلا جدال.. لحظة.. الرجل تخطى الخطر
اعتدلت ورأته يجذب سيجارة يحرقها بشعلته وهو يخلع جاكته ويسقطه على ظهر المقعد ويجلس والإرهاق هزمه
نهضت، لا تحمل له أي شفقة فقط اهتمام بالعجوز "ولماذا لم تعيده!؟"
جلست أمامه، الرذيلة معه ملونة، أنت من يجزأ الفضيلة والفضيلة لا تتجزأ
"الطبيب أبقاه تحت الملاحظة، ربما غدا يخرج"
تجهم وجهها وهو أدرك تفكيرها وكلاهم بلحظة مواجهة من الواقع "لا يمكنني البقاء"
موقفها لم يفاجئه بل تفاجأ عندما أخبرته منيرة أنها عادت البيت، الراحة سكنت دواخله، سينال العسلية ولن تفارقه.. سعادة خفية، مكبوتة غير مسموح لها بالظهور
"أعلم، سأعيدك الشقة وسأجد له من يرعاه"
رحل العقل وهجم جنون غريب لم تفهمه "هناك رجال تجيد رعاية المرضى الرجال، سأبحث لك عن واحد وأعرف تفاصيل"
نفخ الدخان ونفس الجنون يهجم بكل قواه "ومن أين تعرفين رجال هكذا؟"
توردت كوردة حب حمراء ازدهرت بحبات الحب النقية ونمت على أفرع الغرام
" لا أعرف قلت سأبحث"
أطفأ السيجارة دافعا آخر الدخان بينهما "هذا عملي وليس عملك، بالصباح سأعيدك الشقة"
لم ترد وظلت النظرات متبادلة "ليال لم تطالبك بالعودة؟"
نهضت متحركة للفراش "أرغب بالنوم"
لم تعرف كيف جذبها لتسقط بين ذرعيه ولا متى لفحتها رائحة التبغ بقوة؟
فقط عرفت طعم قبلته وهو يفتك بفمها تحت سطوة فمه.. يلفها بثوب الرذيلة المجملة بالعرفي وهي دفعته بصدره بقبضتين ضعيفتين لم تؤثرا به
وهنت مقاومتها بلا شعور وسكنت يداها على صدره وهو يدفعها للفراش حيث أرادها، بكل الغضب الحبيس داخله نالها
والنقيض.. بكل الرضا والراحة بعودتها لفها بذراعيه.. ومنحها ما لم يمنحه لها من قبل، اندمج بها ونسى نفسه وسقط وذاب بالعسلية التي أذهبت عقله
سرقته العسلية وغياب عشرة أيام عنها جعله يفترسها لكن بما ناسب فتاة بريئة تسقطه تحت سحر التعويذة
ذاب بين احضان العسلية، نام بفراشها
نسى الواقي وتمزق الحرص بلحظة اشتياق..
****
عاد صفوان له والتقى به بالبهو وأنس وسعد وباقي الرجال حوله، العيون فقط من تحدثت بينه وبين الزعيم الذي أنهى أوامره لشوقي وتحرك للسيارة وصفوان يقترب
"عادت البيت"
لم يرد وهو يدخل السيارة وهاتفه يعلو برنين خصصته لنفسها وهو لا يمانع بأي شيء لصغيرته
"انتهيت؟"
فتحت مياه حوض الاستحمام ونزعت ملابسها "نعم، لم ترغب بالعودة معي"
لمعت عيونه بيقين أدركه قبل الجميع فلم يعلق
"أين أنت!؟"
دفع خصلاته للخلف بأصابعه "لدي موعد بالخارج"
دخلت حوض الاستحمام وسط رغاوي الصابون والمعطرات وشعرت بجسدها يرتخي "صفوان يرغب بمعرفة مشاعر أسما تجاهه"
أبعد وجهه للنافذة وما زال صامتا يسمعها ولم يقل سوى "هي لن تعترض ليال، لن تجد مثله"
ضحكت، ابتسم دون أن تتحرك شفاهه "مغرور حبيبي"
عبثت نظراته بالظلام بالخارج وهو يسمع صوت المياه بالهاتف وتخيلها وأرادها لكن هناك ما يوقفه..
"برجالي!؟ نعم، أعرفهم كما أعرف نفسي وفخور بهم"
لم يرى نظرات صفوان له عندما علا صوته وصفوان تلقى الكلمات بقلب محب للريس
"ستتأخر!؟"
"هل فعلت مؤخرا!؟"
تعلم أن يكون معها الليل كله.. يمحوان سنوات الفراق معا كلاهم يشبع نفسه بالآخر والغرام رفيقهم..
ضحكت مرة أخرى، تنفس بقوة "توقفي عن الضحك"
عادت تضحك "الريس غاضب من صغيرته وهي تعد له ما يناسبه للصلح فهل سيغفر لها؟"
نفخ محاولا إيقاف رغبته بها مؤقتا "لن يغفر للعالم كله لكن صغيرته مختلفة، أنت قلب هارون صغيرتي"
أغمضت عيونها وتلك الكلمات أغلى عندها من العالم "وصغيرتك تحبك"
****
السيارة وصلت لمكان منعزل خارج المدينة، الموعد تم رغما عنه، لم يرغب باللقاء ولا يعلم لماذا يرتد بقراره فقط معه. هل ظن أن المرة السابقة أنهت الجدال وأوقفت الغضب؟
الكبير.. مرة أخرى
فتح له الحارس الشخصي للكبير الباب الخلفي للسيارة فدخل دون كلمات.. ظل وقت كبير متمرد، غاضب حتى أوقفه الكبير بذلك اللقاء بالمرة السابقة والذي لم يكن يتوقعه وأعاده الرجل بحكمته
"أنهيت أمر حكيم وعزمي بقوة"
لم ينظر للرجل.. لا يحب أن يراجعه أحد بقراراته حتى ولو كان الكبير لذا لم يرد
"المجلس يرغب برأيك فيما يخص علي زيتون وابنه"
لف وجهه وقد نجح بجذب اهتمامه.. صدفة هي أن يكون اليوم كله لعائلة زيتون؟ من زوجته لأحلام للكبير
"رأيي بماذا!؟"
نظرات الكبير رحلت له، نفس السماء الصافية بعيونه وكأنها انقسمت بينهم بلا نقصان
"يرغبون بمنح رشدي مكانة بيننا، هو من رجالك وناجح فهل ترى أنه مناسب؟"
أبعد وجهه، انغلقت عيونه وسكتت الكلمات، علقت بينهم وقد سقط الاقتراح بغير محله ومع ذلك يمنح كل شيء حقه
"رشدي جيد لكنه متهور"
صمت قليلا والكبير يدير الكلمات برأسه "لأنه تزوج تلك الفتاة!؟"
نفخ وهو يعرف قدرات الرجل جيدا "لأنه لا يفكر بتبعات تصرفاته، إذا أردتم ضمه عليكم وضع رقيب عليه يتابع قراراته قبل تنفيذها"
جذب الرجل سيجار من العلبة التي أمامه وقبل أن يشعلها لم يفهم ماذا حدث وهارون يلقي بنفسه فوقه ومسدسه يطلق طلقات نارية هنا وهناك وأصوات من الخارج باشتباك ناري والطلقات تنهال على السيارة بلا توقف..
****
استعدت لليلتها مع اللافندر، ارتدت أقل ما يمكن من الملابس فهو لا يحبها وتزينت وتركت شعرها حرا..
تأخر وشردت بالعمل على الحاسوب ولكن النوم سلطان.. نامت
السكون منحها نوم هادئ ولكنه منح المجهول فرصة جيدة للدخول
استيقظت فجأة، فتحت عيونها بالظلام المحيط.. صوت غريب تسرب لأذنها ثم أيقظ عقلها والآن كل حواسها منتبهه
الظلام عم الغرفة، سيطر، هيمن، تعاقد مع السكون لمنح المكان رهبة زرعت الفزع داخلها وكأن غرفتها لم تعد مكانها الآمن، لا خوف، لا فزع، اهدئي
هكذا أخبرت نفسها.. تنفست بعمق مانحة صدرها شهيق وزفير منتظم ثم أجبرت جسدها على أن يعتدل بالفراش وهي تشعر بثقل الهواء حولها دون أن تفهم ماذا يحدث حولها
ليس حلم بل واقع.. واقع مفزع بلا سبب
بل هناك..
هناك عيون تراقبها..
أنفاس مرتفعة تسمعها..
لا..
لن تعود لم كان، لن تعيش الرعب والمعاناة مرة أخرى..
التفتت ببطء باحثة عن المتطفل أو الضيف المجهول والتقت بالعيون..