رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثاني والعشرون22 بقلم داليا السيد

 رواية غرام في العالم السفلي بقلم داليا السيد 

رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثاني والعشرون22 بقلم داليا السيد
رباط دم
عالمك الذي رغبت بصنعه لا يرغب بأن ينصاع لك.. 
الأبيض يتمرد عليك وأنت تتمرد على الأسود والرمادي ليس لونك المفضل
رفضت أن تبقى بالأسفل ولكن السطح يحتاج لجاذبية من نوع خاص لتبقيك على قدميك دون أن تضيع بلا اتزان
سقط جسده الثقيل على الكبير ليحميه من طلقة كادت تصيبه.. انعكاس البندقية على وجه الكبير كشفها لهارون لذلك تصرف بسرعة..
أغلق زجاج النوافذ قفز لمكان السائق "لا تنهض، ابق بالأسفل"
السيارة انصاعت لأوامره وهو يضغط دواسة الوقود بقوة ولم يفكر بالتراجع من السيارة التي ظهرت أمامه تتقدم نحوه بلا تراجع
لم يبحث عن رجاله ولا رجال الكبير فبالتأكيد اشتبكوا مع العدو وهو اهتم بحماية الرجل الذي حماه مرات متعددة وما زال يفعل
زاد البنزين واندفعت السيارة بأقصى سرعة رغم ضيق الجراج بمواجهة السيارة المواجهة والتي تداركت جدية سيارة الكبير وبآخر لحظة غيرت اتجاها لتفادي الاصطدام المميت
"من يعرف بهذا اللقاء يا باشا"
حطم الحاجز الخشبي دون انتظار المسؤول وسيارة تتبعه، لم تكن حراسة بل عدو
المطاردة كانت قوية ولكن الريس أقوى، لم يفرمن أي مواجهة من قبل ولن يفعل، التمايل يمينا ويسارا جعل السيارة الأخرى تتبعه بنفس المسار محاولة اللحاق به
"تعلم أن لا أحد يعرف خط سيري سوى الحراسة"
اصطدمت السيارتان بقوة واهتز جسده مع الاصطدام لكنه لم يفلت المقود
ذكرى لا مكان لها ولكنها دفعته للغضب والانتقام.. خطف زوجته
مال بالسيارة على سيارة الخصم وتحكم بالمقود بقوة لتحتك السيارة بالحاجز الصخري وتطلق صرير قوي وشرز ناري من الاحتكاك حتى اشتعلت بها النيران فابتعد بسيارة الكبير وانطلق بأقصى سرعة دون توقف
"لديك خيانة بين رجالك يا باشا، هل عاد جسار دون أن تخبرني؟"
اعتدل الرجل والسيارة الأخرى تنفجر خلفهم بدوي مخيف والنيران تضيء الليل الحالك وتحوله لنهار 
"لا، لم يعد هارون، هل سيرغب بقتلي؟ تعلم أن لي أعداء كثيرة"
هذا صحيح، ليست المرة الأولى التي ينقذه فيها ولم يكن جسار السبب، هاتفه يعلن عن نفسه فأخرجه وأجاب 
"هل انتهيتم منهم أنس؟"
"نعم يا ريس، رجال الكبير ستقوم بالتنظيف، رجال عماد وراء الأمر"
ظل صامتا لحظة قبل أن يستوعب ما سمعه "رجالنا!؟"
قاد أنس السيارة وسيارة أخرى تتبعه "الكل بخير عدا صفوان، كان يحرس سيارة الكبير وتلقى رصاصة جديدة بالصدر"
أطلق شتيمة لم يسمعها الكبير ولكن تعني الغضب المخيف للزعيم "خذه لبيت زياد فهو الأقرب وأكد على حراسة ليال"
"تمام هارون"
التقى بعيون الكبير بالمرآة "عماد"
أبعد الرجل وجهه لحظة والكلمات لا تقبل الصد "ديوني لك تزداد كل يوم بني"
قبضت أصابعه على المقود وكأنها تسنده من الوقوع، الكلمة تفجر داخله الكثير من الذكريات غير المحببة له.. ترقص على أحزانه تتحداه أن يرفضها
"لا تبدأ"
لكن عيون الرجل تبدلت، تلك النظرة تحتضن خوف.. ألم.. ندم 
"لابد أن أفعل هارون، لابد أن أشكر الله أن حياتي بين يد ابن أمين مثلك، بكل مرة تحميني وأنا عاجز عن تقديم أي شيء بالمقابل"
بصوت خافت فيه نغمة وجع أكثر من غضب "لا داعي لأن تفعل فأنت تعلم أني لا أنتظر أي مقابل"
يد الكبير امتدت على كتف هارون من الخلف برفق، لمسة صغيرة لكنها اخترقت كل الجدران التي بناها هارون حول نفسه
تنفس بصعوبة من تخبط مشاعره، أوقف السيارة، أغمض عيونه لحظة راغبا بطرد تلك الرعشة الغريبة التي تسربت لجسده، أنفاسه لا تنتظم، لكنه تمسك بالصمت، لن ترتجف نبرة صوت الزعيم أبدا
"ربما ضاع منا كل شيء خلال الزمن هارون.. سرقتنا السنين دون كلمات لكن نظرة واحدة منك تقول إنك تشبهني، حتى في الألم"
كان يعلم أنه يتألم، يصارع داخله كل ذلك، يرفضه ويقبله، يريده ويدفعه بعيدا عنه، فتح عيونه والتقى بنظرة الرجل بالمرآة أخيرا، نظرة طويلة دامت بينهم، عميقة، مليئة أسئلة لم تقال وإجابات لم يتم التصريح بها
شوق لم يعترف به أحد وألم، ألم انتصر ودفعه لإكمال ما بدأه دون اهتمام بنداء قلبه الخفي ورجائه الصامت ولكنه أبدا لم ولن يستجيب
"انتهى الحديث يا باشا، اهتم بنفسك جيدا، أعدائك كثيرة"
وأدار المحرك، انتصر الريس.. الهزيمة ليست مقبولة عنده لكن.. عندما أدارت يداه المقود كانت هناك ارتجافه خفيفة.. لمعان بالعيون التي تحدق بالطريق الصامت
لكن..
بين صمت الطريق وصمتهم.. صوت أنفاس قوية، إحساس خفي أنه رغم كل هذا الرفض، هناك رباط 
رباط دم..
مشاعر لم ولن تموت أبدا...
**** 
في عمق الظلام، حيث الصمت حولها والنوم هو السلطان وسط هدوء مخادع، تسللت خطواته كالشبح، بلا صوت، بلا رحمة كأنها ذكريات الماضي التي لا تموت
انفتح الباب ببطء غريب، كأن الهواء نفسه تراجع خوفا من دخوله 
كانت الغرفة غارقة في السكون، تتوسد الأمان، حتى تسلل فجأة ذلك الظل الثقيل.
وقتها شعرت بالشيء الغريب الذي أيقظها.. رعشة تسللت إلى قلبها قبل أن تفتح عينيها حتى فتحتها والتقت بشبح جسد وسط الظلام الحالك والسكون المميت
لم تر ملامحه، لكن رائحته.. صوته المكتوم.. الطريقة التي وقف بها عند طرف الفراش، كلها أيقظت وحش الذكريات داخلها
شهقت، جسدها تصلب مكانه. 
الكلمات تجمدت على لسانها، لم تكن بحاجة لأن ترى وجهه. هي تعرفه، تعرف هذا الظل الذي كان يوما يأخذ بيدها إلى الجحيم
همست بصوت مرتجف "بابا؟"
لم يجب. فقط اقترب أكثر، يمد يده نحوها، لا حنان فيها، هكذا ظنت، فقط حنين مشوه.
انكمشت في مكانها ودمعة ساخنة تدحرجت على خدها وهي تهمس بانكسار "ظننت أنك انتهيت.. أصبحت ماضي ونسيتني معه"
ضحكته كانت خشنة، خافتة، كأنها طحنت بين سنوات السجن وصرخات الذكريات صوته كان أقرب للهمس "الماضي لا يمكن أن ينتهي يا ابنتي.. أنا عدت"
تراجعت على الفراش كأن المسافة بينهما يمكن أن تبتلع الخوف، لكن جسدها كان أضعف من أن يهرب، عقلها كان مشوشا، ما بين طفلة مذعورة وزوجة كانت تظن أن الأمان أخيرا وجد الطريق لقلبها
صوته جاء منخفضا، مشوشا كأنه خرج من أعماق القبور "تزوجت!؟"
رمشت، لا تصدق أن هذا هو السؤال الأول. نظرت إلى عينيه، بالكاد تراهما، لكن الظلام لم يخف الجمر المشتعل فيهما. لم تكن تعلم، هل يسأل كأب؟ أم كوحش فقد السيطرة على فريسته؟
ارتجف صوتها معبرا عن الفزع الكامن داخلها "نعم، تزوجت، تزوجت الرجل الذي أبعدني عن كل ما كان، عنك.. عن الجحيم الذي كنت تأخذني له"
قالتها بشجاعة مزيفة، صوتها يرتجف بينما قلبها يكاد يقفز من صدرها
تقدم خطوة أخرى حتى صار الظل فوقها تمام. وهي تزداد انكماشا وتتمنى لو طاوعها جسدها فنهضت هاربة
نست كل الشجاعة التي تعلمتها، نست أنها أنثى الذئب، تبددت شجاعتها بلحظة أمام من يحمل داخله أسوأ أيام حياتها.. انهارت أمام الذكريات السيئة، المؤلمة، السامة لكل شيء كان جميل وقتها
مد يده ببطء، كأنه يلامس ماضيه لا ابنة من لحمه ودمه، ثم تراجع فجأة، وكأنه تذكر شيئا.. أو خائف مما أصبحت عليه
تلك المرة صوته خرج مهزوزا، غير ثابت "هل تذكرين عندما كنت تمسكين المسدس بيدك الصغيرة؟ كنت أمهر مني.. كنت تجيدين السرقة معي وكأنك مولودة للجريمة"
أغمضت عيونها بقوة، تحاول أن تطرد الذكرى والصور التي أحياها كلامه، الصور التي دفنتها تحت سنوات من الكتمان، الذكرى الذي جعلتها تكره نفسها وكل لحظة أمضتها معه
فتحت عيونها بألم تتأكد أنه هنا، واقع وليس حلم سيء ستفتح عيونها فينتهي "لا، أنا لست هي، أنا أكرها ولن أعود لها لقد نسيتها"
انحنى برأسه قليلا، ابتسم بسخرية يخبرها أن ذلك لن يكون، يتحداها عن قتل السيء داخلها ولكنها قتلته ولن تحييه أبدا 
"أمثالنا لا ينسى، نحن نتظاهر، نرتدي وجوه جديدة.. لكن بالنهاية، الدم لا يتغير، بيننا رباط دم لا يمكن فصله"
لحظة قاتلة سكنت بينهما، ثم همس وهو يقترب منها "أنا عدت يا ابنتي، ليس من أجلك لكن من أجل ما سلب مني"
وقبل أن تنطق كان قد اختفى.. كما أتى.. صامتا، يترك خلفه رائحة الماضي ومذاق الخوف
***** 
دخل شقة زياد وتحرك للداخل وهو يرى الرجال تقف بكل مكان وأنس يتبعه، أنس أخبره أن صفوان اندفع لسيارة الكبير خوفا على الزعيم لذا تلقى الرصاصة وهو ما زده غضبا على صديقه
كان العملاق جالسا على الأريكة وصدره العاري ملطخ بالدماء وذراعه مضمد، وجهه شاحب بلا نقطة دماء، كالعادة صفوان يقتل نفسه من أجله ولا يهتم وكأن روحه لا تستحق أن يرثو عليها..
"لن تموت الآن"
صوت الزعيم يعيد له القوة التي رحلت مع نزيف دمائه، فتح عيونه وحدق به، ما زال بخير كما تمنى 
"لا، ليس قبل أن أمزق من فعل ذلك بيدي"
"لا تقلق، أرسلت له هدية صغيرة مع سعد، ستنتظره زوجته بلا فائدة"
لمعت عيون صفوان، انتقام الريس لا غبار عليه، لن يرحمه 
زياد كان يعمل باحتراف وأصابعه تداوي الجرح "نزف كثيرا يا ريس، الرصاصة كانت قريبة من الرئة ومنها للقلب، ما زالت القديمة لم تندمل، أرسلت أحدهم لجلب دماء"
نظر لزياد والقلق تسرب لملامحه، صفوان، الأخ الذي لم يناله، الصديق المخلص، الرجل الأول له وذراعه الأيمن، الثقة 
"هل يحتاج للمشفى؟"
صوت صفوان خلا من الضعف وتمسك بآخر قوة لديه "لا"
رفع زياد وجهه له ثم التفت للزعيم "لو سقط ميتا سيفعل ولن يذهب للمشفى"
هو يعلم ذلك فهو يرفض المشفى بكل الطرق، وصل الرجل بأكياس الدم لزياد الذي منح صفوان نظرة هادئة 
"هل تنهض للفراش كي يمكنني التعامل مع هذا؟"
قبل أن يتحدث رد هارون "سيفعل، هيا"
كان هارون هو من دفع ذراعه تحت كتفه من الجانب السليم وأنس أسرع ليجاوره وهم يدفعون العملاق لغرفة صغيرة وجعله يتمدد على الفراش وأنس يرتب له الوسائد وزياد يتبعهم ويعود لعمله باجتهاد 
تم توصيل الدم بذراعه وإزالة آثار الدماء من على جسده وأحد رجال هارون تساعد زياد "منحته مسكن قوي سيجعله ينام حتى ينتهي كيس الدم وبعدها سأضع له محلول وهو يعلم ما الأفضل له"
هز رأسه وصفوان يحاول الاحتفاظ بوعيه أمام الرجال، لم يعترف بالإصابة بأي وقت، الموت لن يمنحه أي ميزة لأن الحياة لم تفعل قبله 
"أنا بخير، لا داعي لكل ذلك"
نظرات هارون كانت حادة وهو ينحني عليه والحزم بكلماته "متى ستهتم بحياتك ولا تلقيها هباء، ليس هناك من يستحق ذلك"
ابتسم صفوان بوهن واضح على وجهه الشاحب، نظراته تواجه صديقه "تعلم أنك كاذب، أنت تستحق، لديك امرأة تحبك وتريدك وعليك أن تعيش لأجلها ولو كنت مكاني كنت ستفعل المثل لأجلي"
أبعد هارون وجهه وتألم لصديقه وقال "وأنت لديك عائلة تحبك وتريدك وعليك أن تعيش لأجلها"
هز رأسه وهو يغالب النوم محاولا إكمال ما بدأه "معك حق.."
وأغلق عيونه وهارون يعتدل ويهتف بغضب "هل وصل سعد"
هاتفه رن فأخرجه ليرى اسمها، أغلق الصوت ولم يجيب، بحث عن أنس ليمنحه تمام ولكن أنس كان يخرج هاتفه الذي كان يرن بدوره وهارون يقف أمامه 
"هارون، ليال تبكي"
تجهم وجهه أكثر والقلق انتصر، والآن يندم لأنه لم يترك أنس معها، جذب الهاتف منه وصوته يحمل قلقه "ليال!؟"
كانت تبكي بقوة وتشهق بلا توقف فأصابه الجنون أكثر مما كان، بكاء يعني خوف، خطر، زوجته بخطر وهو ليس معها "ليال ماذا حدث؟ ليال"
خرجت الكلمات منها بصوت متقطع، نابضا بالضعف والخوف والفزع "با.. با.. كان.. هنا.. هارون"
تجهم وجهه وأدرك الرعب الذي تعيشه الآن، الرجل انتهز الفرصة، هل كان يعلم؟ 
"أنا قادم"
ودفع الهاتف لأنس وهو يندفع خارجا والرجال تنظر لبعضها البعض وبلا اتفاق انقسموا جزء يتبعه وجزء تبقى مع صديقهم
**** 
الصوت هدر بالهاتف معبرا عن غضب الكبير "هل جننت عماد!؟"
الارتباك هو كل ما وصل لأذن الكبير وصوت يرتجف "لم أكن أعرف بوجودك يا باشا"
ضغط على السماعة بقوة غضبه "ولا تعرف ماذا يعني لي هارون؟"
لف عماد حول نفسه والغضب مما أصابه بسبب هارون أعماه عن كل شيء وجعله كلب مطيع لمن أمره بالانتقام
"خسارتي كانت كبيرة يا باشا وأنا.."
هتاف، زئير، صوت غاضب "أنت لن تجد وقت لتبرر، إن تركتك أنا فهو لن يتركك وأنت تستحق"
وضاع الصوت وصوت طلقات النار يأتي من الخارج وضوء الطلقات يلمع بين ظلام الليل وقبل أن تسرع يد عماد لسلاحه كان سعد يصيبه بيده فصرخ من الألم وسعد يقف أمامه
"الريس يعيد لك هديتك"
وانطلقت الرصاصة للقلب مباشرة
لا أحد يمزح مع الريس..
**** 
انكمشت على الفراش ضامة ساقيها لصدرها ولفتهم بذراعها وانهارت بالبكاء والخوف ضمها لأحضانه من جديد
بهارون ابتسمت لها الحياة، انجذب الأمان من بطن الخوف والذعر وعاشت بالفرح والمرح له، هو من أخذ بيدها للحرية والآن عادت القيود..
هو قال عائد لإعادة ما سلب منه، هل سيؤذي زوجها كي يعيدها لعالمه؟ لا، بل نعم، لو أرادها ستعود لكن بشرط أن يبتعد عن زوجها، ستفعل ما يريد لكن يترك هارون
كيف تعود وهي استطعمت طريق الحلال، كيف سترحل لطريق هجرته ولم تفكر بالعودة له؟
متعبة.. خائفة.. حائرة بل ضائعة
انفتح الباب والضوء ضرب عيونها وسمعت صوت الأمان، الراحة
منقذها.. وصيها.. حبيبها
"ليال"
رفعت رأسها وهو يسرع لها ويلفها بأحضانه، يكاد يعصرها عصرا ليتأكد أنها بخير، يعيد لها الهدوء، والأمان 
كيف تركها وحدها!؟ كيف نسى شريف؟
بكت كثيرا على صدره واحترقت وجنتاها من الدموع، دموع الخوف والأسى واليأس
"أنا آسف، آسف صغيرتي، اهدئي أرجوك، دموعك تمزقني ليال"
بصعوبة استطاعت إيقاف انهيارها ولكن الخوف عشش بخلاياها واستوطن قلبها الواهن..
أبعدها وأحاط وجنتيها بيداه وهو يرفع وجهها لتواجه نظرات القلق بعيونه وملامحه وحتى أنفاسه
الريس لم يعرف الخوف يوما لكن الآن خائف، خائف من ضياعها منه، رحيل الشمس الوحيدة المشرقة بحياته 
"هل أنت بخير!؟ هل حدث شيء؟"
النفي كان واضحا وأكدت بهزة طفيفة من رأسها لكن الألم ما زال بعيونها الجميلة، جذب وجهها، وضع قبلة حنان على جبينها، ضمها له مرة أخرى، هل يمكن أن تسرقك الأيام مني؟
كيف وهي نبض حياته لو رحلت رحل، لن يعيش يوما بدونها
هدأت، سكنت روحها الفزعة بوجوده، ارتاحت بضمة ذراعيه، ابتعدت لتواجه القلق الرابض بمقلتيه وقد عاد لها الأمان بوجوده "أنا أفضل الآن هارون"
أبعد شعرها الملتصق بوجهها من حبات العرق المتناثرة على جبهتها وأحاط وجهها براحتيه محاولا بث الطمأنينة لقلبها 
رفعت عيونها الباكية له ورأى الألم بهما، هو يشعر بها، ألم يعش الألم منذ ساعات قليلة؟ 
"هو يريدني أن أعود هارون، عاد ليستعيد ما سلب منه، هكذا قال"
ظل يحدق بعيونها الخائفة بلا رد، يعلم معنى كلماته لكن ليس كما تعرفه هي ومع ذلك ظل صامتا 
"قال إنني كنت ماهرة بالمسدس وأني كنت أستمتع بالجريمة لكني لا أريد أن أعود هارون، لا أريد، أنا لم أرغب بعالمه هذا بأي يوم، كان يضربني ويجبرني عليه، أقسم أني كرهت كل يوم أمضيته معه"
مسح دموعها براحته مانحا إياها نظرة تعني أصدقك "أعلم ملاكي، لو كان لك رغبة بالأمر لما أوقفك شيء"
أغمضت عيونها ونشأت مجرى جديدة لدموعها وهي تتنفس بصعوبة وكأن الخوف سد مجرى الهواء داخل رئتيها فصعب تنفسها
كانت ترى الماضي داخل ظلام عيونها، كل ذكرى محفورة داخل عقلها، تربض على أنفاسها فتقتل كل روح نمت داخلها 
"لم يكن أمامه سواي ليجبره على ما كان، أراد المال ليحقق ما أراد، لم يكن لي أحد لينقذني، كنت أخاف منه ومن ضربه لي فأطيعه"
فتحت عيونها والسيل ينتفض منها تلتمس منه الراحة، السكينة، أن يخبرها أن الماضي مات وانتهى واندفن حتى ولو كان اليوم ينبش التراب ويعود للحياة ليسقط حياتها رأسا على عقب 
"حتى هي رفضتني، لم ترغب بي، لماذا أتت بي الدنيا طالما لم تكن تريدني؟ لماذا هارون، لماذا فعلوا بي ذلك؟ لماذا؟"
عاد واحتضنها وقلبه يتمزق عليها وعلى الألم النابض بعيونها وهو عاجز، عاجز عن أن يفعل أي شيء، أحضانه لن تمنحها الأمان والراحة التي تحتاج لها 
قلبه يؤلمه، يعاقبه لتركه لها بدون حماية كافية وشريف وصل لها، الغضب عاد له ولا يعلم هل عليه أن يقتل شريف أم يتركه لأجلها؟ 
"هم لا يستحقون ابنة مثلك حبيبتي، هم لا يدركون أي كنز أحضروه للدنيا ولم يقدروه جيدا؟ هم من خسر ليال، هم من خسر صغيرتي وليس أنت، نحن جئنا الدنيا ليس من أجل أن يتخلوا عنا ولكن لأن لدينا هدف وجدنا لأجله وعلينا إكماله للنهاية"
أبعدها وضم وجهها بيداه ونظر بعيونها ولسانه يتحدث عنهما هما الاثنان، هو مثلها، وجد لوالدين تخلوا عنه بلا ذنب سوى أنه ابنهما والآن لا يفيد الندم
"لا دموع على أشخاص لا تستحق، لدينا حياة نريد أن نعيشها بسعادة، رغبة وحلم بعائلة وأولاد نمنحهم ما لم ناله بيوم، لدينا أمل وسنحققه ليال وأنا لن أتنازل عنه صغيرتي"
ابتسمت لكلماته وهو يجذب وجهها ويقبل جبينها ويضمها له وهي تقول "وصغيرتك تحبك وتعشقك وتعاهدك على تحقيق الحلم، ستكون لنا تلك العائلة هارون وستكون لنا تلك الأولاد أنت الحياة هارون ولا حياة لي سواك"
***** 
الشقة استقبلتها برائحة عطره القوية ولكن عطرها ما زال موجود 
"هناك من يأتي للتنظيف طالما ليس هناك امرأة تبقى هنا"
ارتبك بالصباح عندما أدرك أنها تنام بين ذراعيه، ظل دقائق يحدق بالشعر البني المنثور حولها وذراعيه تضمها لأحضانه، ظهرها ملتصقا بصدره
أغمض عيونه يتنسم عطر الورد الذي اتخذته مؤخرا.. لم يمانع وجودها هكذا، لا يرغب بالنهوض كما كان يفعل وكأنه وجد الراحة بعد قطع أميال وأميال بلا توقف
فتح عيونه وهو لا يفهم ما الذي تبدل بحياته!؟ 
جذب ذراعه من تحت جسدها برفق ونهض للحمام، أغمض عيونه تحت المياه وأحاط وجهه بيداه.. هو ما زال ذلك العابث الذي لا يهدأ ولا يرضى بامرأة واحدة كل تلك المدة فلماذا لا ينهي الأمر ولديه سبب؟
والده..
أبعد يده وصوت يصرخ به من الداخل "لن تجرؤ على ترك العسلية، جرعتك منها تنفد بسرعة وتهرع لها لتسقي عطشك منها"
غسل شعره وترك الشامبو يتدفق على وجهه وجسده والملمس الناعم يذكره بجسدها اللين
لم ينكر راحته عندما عرف بعودتها وعدم رحيلها مع ليال، هارون سيوقف سعد عنها هو واثق من ذلك لكن هو يريدها معه 
عندما خرج ملتفا بمنشفة تخفي نصفه الأسفل كانت تتقلب بالفراش وناداه جمالها مرة أخرى بصمت، قاوم، أبعد وجهه، خطا لقميصه الملقى بجوار الفراش ولكن نظراته سقطت على عيونها المغمضة بسكون وبراءة ففقد كل قوة باقية
دخل الفراش، أسقط قبلات على وجنتها ففتحت عيونها عندما لمستها يده "أريدك"
"متى ستذهب لوالدك؟"
السؤال أعاده من الذكرى الصباحية للواقع الحالي
الدخان أحاطه برفقة لم تعد تكفيه وهو يسكب القهوة لنفسه "تتعجلين رحيلي"
والتفت ملتقيا بعسليته الخاصة، هي له ولن تكون لسواه، رمشت من نظرته الغريبة.. الخجل لفها عندما أدركت أنه نام بجوارها بل نامت بأحضانه..
شعرت به بالصباح وهو يجذب ذراعه من حولها ليخرج من الفراش وظلت جامدة.. لماذا لم تقاومه وتبعده عنها كما اعتادت؟
عندما وضع قبلات على وجنتها ورغبته بها تتجدد، رحلت كل الأفكار ووجدت نفسها راغبة به، لم تقاوم، لم تدفعه بعيدا وتركته يأخذها ولأول مرة يظل ينظر بعيونها بعد أن انتهى وهو يعتليها..
بأنفاس لاهثة، حبات عرق تسقط على صدرها ظلت العيون متواجهة بلا كلمات قطعها رنين هاتفه ..
فرت منه لحقيبتها "أرغب بمعرفة ماذا ستخبره عنا؟"
جلس، براحة غريبة على مقعده المميز، السجائر تعتلي القمة والقهوة تمنحه جرعة صباحية من الكافيين "هو يعرفني جيدا، الجميع يعرفني، العابث الأزلي لقبي ولن يزيله شيء"
صراحته هي رفيقه.. كذلك أخبرت ليال، هو لا يدعي شيء غير الحقيقة.. توقفت بالحقيبة عند الدرجات والتفتت له "هل ستخبره أني ما زلت.."
ولم تعرف ماذا تقول عن نفسها!؟
أنهى القهوة ونفث الدخان دون النظر لها، هو يعلم جيدا أن لا أحد يمكنه منعه عن شيء يرغب به حتى والده، الآن وقد عرف فماذا سيوقفه؟
"زوجتي" ولف وجهه لوجهها الشاحب وأكمل "عرفي"
الغضب ارتد لها، وما زالت تكره تلك الكلمة وتلك الحياة وذلك الرجل "أكرهك"
وجذبت حقيبتها وتخطت الدرجات للغرفة التي لم تعرف سواها منذ أتت هنا ومع ذلك هي تكره كل شيء هنا لأنه يذكرها بالمرارة التي عاشتها منذ عرفته وأجبرها على العرفي
تابعها وهي تختفي وظلها يتبعها، تنفس بقوة ملقيا سيجارة أخرى بفمه وهو ينهض والكلمة ما زالت تتردد بأذنه، أكرهك..
أغلق باب الشقة خلفه وهو يعلم أن الكره هو كل ما بينهم وعليه وضع نهاية لذلك لكنه لا يعلم متى؟
والده تم نقله لغرفة قبل أن يصل فتحرك لغرفته وارتاح لذلك، الذنب رحل عن كاهله، لن يموت بسببه لكن ما زالت المواجهة لم تتم 
الغرفة كانت تمتلئ بضوء الشمس الصباحية، الممرضة تبتسم للعجوز الذي يشكرها على الدواء..
الاثنان التفتا له، الفتاة جميلة ولو بوقت آخر لغمز لها أو منحها موعد بالمطعم المجاور لكنه تجاهل نظراتها له وانتبه لوالده الذي رحلت ابتسامته برؤيته مما زرع ألم خفي بصدره
"صباح الخير، الحمد لله على سلامتك وخروجك من العناية"
رحلت الفتاة وبدا أنها يئست من نظرة من العابث الشهير، جذب مقعد بيده ووضعه بجوار الفراش وجلس..
"أين أرسلتها!؟"
الدخول بالموضوع لم يفاجئه، هكذا هو والده، رجل الصخر يحطم الصخر ولا يوقفه شيء
"بعيدا عنك"
تجهم وجه الرجل ولم تعجبه الكلمات "ما قصتها!؟"
نفخ وهو لم ينتظر سوى ذلك، الأمر لم يمر بعد "أردتها ولم تكن توافق وما أن وجدت فرصة نفذت ما أردت"
البساطة التي يتحدث بها فاجأت الرجل، منحته نظرة واسعة لابنه الحقيقي الذي بدلته الأيام "وماذا كانت الفرصة؟ الدعارة!؟ أتيت بفتاة دعارة ببيتي وجعلتها جليسة لي؟ كيف تجرأت على ذلك؟"
البرود أصبح من سماته الرئيسية ولم يجد أي مشكلة في التمسك به للخلاص من الورطة 
"لم تكن عاهرة، سقطت بلا ذنب، وكان خلاصها مقابل زواجنا"
تعصب، غضب، علا صوته دون اهتمام بمرضه "كيف تجرؤ!؟ ابن علي زيتون يتزوج فتاة كهذه!؟"
نهض واضعا يداه بجيوبه للنافذة والكلمات لا تؤثر به "هي أخت أحد رجال هارون الديب وكانت تعمل عندي وسقطت بالخطأ بابا، هي شريفة"
تراجع الرجل لحظة وهو يردد "هارون!؟"
لف وجهه له "الريس، الرجل الذي جذبني من الحضيض وأنقذني من الضياع، هو سبب ما وصلت له الآن"
أشاح الرجل بيده بنفس الغضب "بالطبع، أي رجل هو أفضل مني عندك"
أبعد وجهه للنافذة والكلمات لا تؤثر به "ليست أفضلية بابا ولا مجال للمقارنة"
"ماذا فعلت بها؟ لن تبقيها زوجة"
لم يرد، لا أحد يملي عليه ما يفعل لقد تحرر من ذلك حتى الديب لم يمكنه أخذها منه 
"أنت لا تجيب، تتحداني رشدي!؟"
لم يقاوم السيجارة وهو ينفخ دخانها بالخارج "لا، لكن حياتي لا يديرها أحد حتى ولو كان أنت"
الصدمة ارتطمت بالرجل جعلته يصمت، يستوعب ما قاله ابنه الوحيد، ابنه يفلت من تحت يده، هل ما زال يذكر؟ لقد فلت منذ عشر سنوات فعن ماذا يبحث الآن؟
"رشدي تلك الفتاة لا تليق بنا"
ظل ينفخ الدخان وصورتها مرتسمة أمامه، تقطع الدخان بنظراتها الضائعة، دموعها التي هو سببها، فمها الذي ينطق بكلمات الكره ويمنحه قبلة لا ينسى مذاقها..
"وناني كانت تليق بنا وقت تزوجتها وتركتها تحطم حياتي؟"
شحب وجهه الرجل وتلجم لسانه، ضاعت منه الكلمات، الماضي التف حوله مرة أخرى وظن أنه رحل ولن يعود
"ناني كانت.."
ولم يكمل.. ناني كانت غلطة، وصمة عار، دمار حل بحياته ولم يدرك ذلك وقتها
"أحلام ليست ناني بابا ولن تكون.. لا تقلق أنا لا أنوي صنع بيت وأسرة وحياة تقليدية، أنا أحب التجديد وأحلام ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"
نظرات الأب لابنه كانت فارغة من أي معاني، لا يعلم هل يصدقه؟ هو يعلم بحقيقة زواجاته العرفية السابقة لكن من نساء مميزات، عارضات أزياء، بنات من أسر معروفة لكن تلك الفتاة؟ دعارة؟
"ولم لا تتوقف؟ تلك الحياة كانت ونحن مفترقين لكن الآن.."
قذف عقب السيجارة بالخارج وارتد للرجل قاطعا كلماته "الآن لا شيء تبدل، كان وجودها معك غلطة، فقط لم أجد بديل بوقت كنت متعجل للرحيل بسبب العمل، أعدك ألا يتكرر الخطأ"
دقات على الباب ودخل الطبيب وانتهى الحديث والأب غير راضي ولكن علاقتهم لا تمنحه أي سطوة على ابنه
**** 
لف خصره بالمنشفة وأخرى على رأسه وخرج ليراها ما زالت نائمة، البكاء أنهكها ونامت بين ذراعيه كطفل خائف يبحث عن الأمان بأحضان أمه..
ارتدى ملابس خفيفة، لا رغبة له بالخروج اليوم.. أوامره كانت إعادة صفوان البيت، لا يعلم لماذا ما زال يشعر بأن جسار لن يبقى صامتا وقتا طويلا؟
شريف تجرأ ودخل البيت ولن يمرر ذلك، خرج لمكان الجلوس بجناحهم وهاتفه بيده، أجرى مكلمة وصوت يجيب "من معي!؟"
رفع رأسه وهو يتناول الماء البارد ثم قال "هل تظن أن دخول بيت هارون الديب دون إذن وتهديد امرأته والخروج منه أمر سهل؟"
صمت أجاب، هو لا يفلت أي خيوط من يده ولو حدث يلف البكر كلها بقبضته، شريف لن يهدد امرأته مرة أخرى ولو على جثته
"لقد كان بالفعل"
ضغط على الهاتف بقوة غضبه وما زال يذكر مواجهته مع الرجل الذي كاد يقتله.. 
"ولكنك لم تتوقع ردي أليس كذلك؟"
أصوات غريبة أتت من الجانب الآخر وهارون صامت حتى هتف شريف "اجعلهم يتركوني هارون لو أردت الإضرار بها لفعلت، هي ابنتي"
القوة ليست بالصوت العالي ونبرة الزعيم كافية لمنح غضبه لمن يسمعه "وهي زوجتي ولا يجرؤ أحد على المساس بها، سيمنحونك عقاب بسيط لأنك دخلت بيتي بلا استئذان وأثرت الخوف بقلب امرأتي"
وأغلق وظل واقفا بشموخ، هو عرف كل شيء عن شريف بعد أن ظهر أمامها بسيارته ولم يحاول اتخاذ أي خطوة تجاهه من أجلها لكن أن يتجاوز معه فهو ما لن يمر هكذا
يداها تسربت من الخلف حول خصره فابتسم وجذبها أمامه وهي بروبها القصير، حافية القدمين.. مبعثرة الشعر.. فاتنة، فاتنته هو..
هي المسك.. هي فانيليا حياته
هي.. قلب هارون
"لم تنم جيدا"
أبعد شعرها عن وجهها براحتيه التي أحاطت وجهها النابض بالحيوية بدلا من شحوب الأمس ورحلت الدموع وبرقت بلمعان خاص له "بلى صغيرتي، نمت جيدا لكن احتجت لبعض المحادثات"
ارتفعت يداها لعنقه تداعب مؤخرة رأسه "أفسدت عليك ليلة الأمس"
لم يفلت وجهها وملامحها الجميلة تمنحه راحة صباحية تشرق حياته "ما زال الصباح بأوله صغيرتي"
لم تضيع أي وقت وهي ترتفع على أطراف أصابها وتمنحه الجائزة، قبلتها الرقيقة والتي يحولها بلحظة لأخرى قاضية وذراعيه تلفها تكاد تعصرها وتلصقها به لكنه لا يؤلم صغيرته أبدا
منحها قبلة طويلة ثم ابتعد جاذبا إياها له وهي تمرر أصابعها على صدره "ماذا لو لم أكن حامل هارون؟"
سقطت نظراته على رأسها الساكن على صدره ولم تنظر له، تلك الأفكار تراودها كثيرا، الشيطان يتلاعب بها، يخبرها أنها لن تمنحه أي أطفال، يوسوس لها أنه سيهجرها لامرأة خصبة تملأ جعبته بالأطفال
صوته وهو يهمس لها يشبه اللعنة، أنت أرض بور لن تنمو بذرته بك ولن تمنحه أي ذرية
وقلبها انفطر، أرغب بأولادك هارون..
"سننتظر شهر آخر وآخر يا قلب هارون"
لم تمنح الدموع سلطة بتلك اللحظة وهو يمنحها ثقة ويقين بأنه لن يستسلم لأي عراقيل
رفعت يدها لوجهه، تحب لمس لحيته "أرغب بأن أحمل أولادك"
جذب راحتها لفمه ووضع قبلة طويلة عليها منحها بها صك ملكيتها للريس وقلبه ووجدانه "ستفعلين وستكونين أجمل أم بالعالم كما سيكون أولادنا وسنحملهم معا ونعلمهم كل شيء، كل ما حرمنا منه صغيرتي"
ابتسمت.. أشرق العالم له.. ارتفعت وقبلت وجنته "تحبك صغيرتك"
وهو عاشق لتلك الصغيرة..
**** 
أعدت طعام للغداء ورغم أنها لم تتوقع عودته إلا أنها زادت من الطعام.. بعد أن أخذت حمام التفت بالمنشفة الكبيرة ولم تسمح لذكرى تلك الليلة بالعودة لها 
فتحت خزانتها لترص ملابسها التي بالحقيبة وتختار ما ترتديه فتوقفت عندما رأت ملابس أخرى تم وضعها 
جذبت واحدا لتفحصه وتأكدت أنهم لم يكونوا موجودين قبل رحيلها.. متى أحضرها!؟ أم..
وارتفعت شعلة نيران ملتهبة داخلها.. هل كان هنا بالأيام السابقة التي غاب فيها عندما كانت عند والده؟ هل كان هنا مع امرأة أخرى؟
تزوج واحدة أخرى عرفي وتمتع معها بتلك الأيام.. الجنون ارتفع داخلها وهي تقذف القميص بغضب على الأرض بل وأنزلت الباقي كله على الأرض بنفس الغضب وهي تلعن اليوم الذي رأته به
كانت العاشرة مساء عندما سمعت باب الشقة يغلق، لم تنهض من الفراش أو تترك جهاز تحكم التلفاز
سمعت صوت باب الغرفة التي كانت تنام بها وقد تركتها ولم تبقى بها واستقرت هنا
انفتح الباب وطل جسده عليها ونظراته الجامدة سقطت عليها.. صوت التلفاز دله على مكانها.. رائحة طعامها أكدت أنها بالبيت 
مظهر الملابس المنثورة على الأرض جعلته يتراجع بلا فهم باحثا عنها 
لم تنظر له ومنحت الفيلم العربي لفاتن حمامة وعماد حمدي اهتمامها، أفلام الأبيض والأسود تثير اهتمامها، الحب والرومانسية كانوا بيوم ما حلم تمنت أن تناله فنالت العابث الأزلي
"ماذا تفعلين هنا؟"
انطلقت الرصاصة من زوج فاتن حمامة بالفيلم تجاه عماد حمدي ظنا منه أنه كان يخونه مع زوجته، وفاتن تهرع لحبيبها لتحميه، الذي لم تناله بسبب تفرقة القدر بينهم، ونالت هي الرصاصة فدمعت عيونها متأثرة بالتضحية
جذب جهاز التحكم من يدها وأطفأ التلفاز مما أثار غضبها وهي تقفز على الفراش صارخة "ماذا فعلت؟"
ظل واقفا أمامها ونظراته الجامدة تواجها "سالتك سؤال ولم تجيبي؟"
نهضت من على الفراش والغضب يمس العقل فيوقفه عن العمل "لا أرغب بالبقاء بها"
الجمود علمه الصبر ومعها الصبر يحتاج لصبر آخر "السبب؟"
التفتت والعسلية رحلت والبني تعمق داخل عيونها.. شعرها تناثر مع التفاتها فلفها بلمحة تليق بفنان يرغب بالفوز بأجمل لوحة
بيجامتها المحكمة، الشورت الضيق ناسبها، نهديها تحركا مع حركتها جعلاه يزمجر من داخله برغبة ملحة بها وصوت عقلاني يمرر كلماته، ألا تكتفي منها؟
"لا شيء، تذكرني بما لا أرغب بتذكره"
الولاعة هزمت السيجارة وأشعلت بها النيران كما هي مشتعلة داخلها بلا سبب واضح.. الدخان تناثر وصبرها تناثر معه وضاقت رماديته عليها بلا فهم
"ولماذا اليوم؟"
التفتت تخفي معرفتها بالسبب، لن تخبره أن رؤية الملابس أصابتها بالجنون أم ستفعل متهورة بلا قيود على تهورها؟
"عودتي ذكرتني"
صوته من خلفها أفزعها "والملابس المبعثرة أيضا ذكرتك؟"
التفتت والرمادية القاتمة تلفها، تضيق عليها الخناق وكأن لا مكان تفر إليه منها، لماذا الانهزام الآن؟
"لا"
ولم تمنحه أي رد وهو ما زال لا يفهم والبرود هو كل ما نالته منه "لماذا لم تعيديهم مكانهم؟ لم يعجبوك"
ارتفع حاجبها الطويل بطريقة دلت على الدهشة وتراجعت "لا يهم رأيي طالما أعجبوا من ارتدتهم"
أبعد السيجارة التي كان يحرقها ولم ينفث الدخان وهو يردد "من ارتدتهم؟ التي هي من؟ الملابس جديدة أحلام، أنا لا أبتاع ملابس مستعملة"
تجهمت، تلعثمت ولم تجد ما تقوله.. هل تسرعت؟ لم ترى العلامة الخاصة بالماركة، هل أعماها الغضب!؟
ابتعدت تخفي حيرتها وجنونها، شكها وظنها كانا بلا سبب، مجرد تهور منها..
"لم يكونوا هنا من قبل"
ابتعد وأطفأ السيجارة بالمطفأة وصبره وصل لنهايته بيوم لا يرغب به بجدال "أحضرتهم من القاهرة بعودتي، كانوا بالسيارة ومنيرة أحضرتهم بالأمس"
ظلت تراقبه وهو يتحرك للباب نازعا جاكيته "أنا جائع"
فتحت فمها لترد ولكنه اختفى خارجا ولم يعقب وظلت نظراتها ثابتة على الباب المفتوح.. تلك الملابس لها وهي ظنت..
**** 
وصل صفوان وتبعه هو وهي لبيت الرجال وتابعه وأنس يضع الوسائد خلف ظهره والرجال خرجت من الغرفة لوجود زوجة الريس..
"ألا يمكنك أن تظل وقتا بلا رصاص بجسدك صفوان؟"
تنفس بانتظام بعد المجهود الذي أرهقه بالانتقال "هو عالمنا ليال"
عقد الريس ذراعيه أمام صدره وهي أجابت "وهي حياتك ما أتحدث عنه"
نظر لهارون ولم يجيب بأنها حياة الريس ما كانت بخطر وهارون لم يخبرها تفاصيل فقط هجوم مسلح وصفوان نال طلقة
"لا تخشين علي زوجة أخي أنا اعتدت ذلك"
أنس هو من تحدث جاذبا الجميع خارج قلب الحدث "كدنا نتركه عند زياد لولا الريس"
تحدث بنفس هدوئه المعتاد "لا أحد من رجالي يبقى بعيدا عن بيته أنس، فقط بالأمس زياد كان الأقرب كي لا ينزف كثيرا"
تمتلئ بالحب لزوجها من احترامه لرجاله وحبه لهم وتدرك أنه يستحق مكانته حقا 
"تحتاج لغذاء جيد أخي"
زوجها من تحدث "ولن يكون أفضل من طعامك ملاكي"
ابتسمت ومنحته نظرة حب التقطها وبادلها بواحدة تعشقها "سأفعل لأجله ولأجلك لو بقيت"
"دعوة لا يمكن رفضها يا ريس، ابتسم لك الحظ صفوان، زوجة الريس بنفسها ستعد لك الطعام"
ابتسمت لأنس ومنحته نظرة امتنان "للجميع أنس، الريس لن يتناول شيء دون رجاله أعرفه جيدا"
لفها بذراعه وهي تضحك برقة تأخذ عقله وتملكه لها واضحا بلا حرج حتى من رجاله "ولا دون صغيرته"
ابتسامتها تمنحه حياة من نوع آخر "بالطبع، لن تجد بجمال طعام صغيرتك"
داعب أنفها "مغرورة"
ضحك أنس وصفوان الذي تألم من جرحه فالتفت له الجميع وهدأ "جرح واحد يؤلم من الضحك وأنت نهضت وكل جزء منك كان ينهار ولم تتوقف"
لمعت عيونه لتلك الذكرى، الأزرق يلفها كضمة الموج لقارب الصيد وقت المغارب "ولم يكن هناك شيء سيوقفني عن إعادتها صفوان، ثم لي أخ جيد كان يعتني بي جيدا لم لا تستعين به؟"
ضحك أنس وابتسمت هي وصفوان يجيب "سأفعل لا تقلق"
تركه الجميع ليرتاح ورحلت للمطبخ وثمية والطاهي تراجعا منتظرين أوامرها وهي تمارس هوايتها حتى انتهت وهاتفها يرن
"أسما، كيف حالك؟"
صوت بكاء أسما وصل لها وهي تتحرك للخارج، توقفت بالبهو "أسما ماذا بك!؟"
صوت الفتاة كان يعلن عن انهيارها "بابا ليال، أنا بمصيبة"
تجمدت مكانها، هل مات والدها بسبب الخمور!؟ هل فعل بها شيء سيء؟ هل تزوج تلك الفتحية؟ 
أسئلة كثيرة انطلقت لذهنها "ماذا حدث أسما تحدثي؟"
"بابا.. بابا سرق مال من خزانة الشركة بالأمس واليوم اكتشفوا الأمر والشرطة قبضت عليه"
لفت حول نفسها بلا فهم "أي شركة؟ ألم يترك العمل بها؟"
"نعم ليال، ذهب لزيارة عم محروس مدير الحسابات ووجد الخزينة مفتوحة فأخذ المال ورحل وأحدهم رآه وأبلغ الشرطة، أنا لا أعرف ماذا أفعل!؟"
وانهارت بالبكاء الذي وصل لليال وفركت جبينها.. الإدمان يفعل أكثر من ذلك "اهدئي هارون سيجد حل فقط امنحيني التفاصيل"
**** 
أجاب هارون الهاتف "هارون الديب"
صوت لا يعرفه أتاه من بعيد "علي زيتون معك"
رفع وجهه بعيدا عن شاشة جهازه والاسم يداعب عقله ولا يسمح للدهشة بالسيطرة "هذا يعني أنك أصبحت بخير"
صمت أجابه لوهلة قبل الرد "سمعت عنك كثيرا هارون"
تراجع هارون بالمقعد ولم يهتز طرفه "جيد، ما سبب هذا الشرف؟"
"كيف سمحت لتلك الفتاة بالتلاعب بابني؟"
اتضحت الصورة، انكشف العابث أمام والده وأحلام كبش الفداء ولكنه لا يسمح لأحد بإهانة شخص من عائلته
"أنت تعكس الصورة سيد علي"
تراجع الرجل بفراشه بالبيت، ابنه أعاده ورحل، رفض التحدث عن تلك الفتاة التي تلاعبت به هو شخصيا، جعلته يتعاطف معها ويراها بصورة تتناقض مع ما عرفه
"ابني لا يتلاعب بأحد هارون تلك الفتاة .."
الزعيم يعرف كيف يرعي القطيع..
"تلك الفتاة من عائلة الديب ولا أحد يمس عائلة الديب بكلمة سيئة"
توقف الرجل من نبرة هارون التي عنت التحذير "والدعارة هارون!؟"
نهض وتحرك ويده بجيبه "ألم يخبرك أنها لم تكن تعرف أن الفندق خاص بتلك الأغراض علي!؟"
إزالة الألقاب تعني أن الريس لا يعجبه الحديث وعلي توصل للأمر ومع ذلك ظل على نفس النهج "والشرطة؟"
"كان يمكنها الخروج بمساعدة من كانت معهم لو كانت تنتمي لهم ولم تكن لتقبل بالعرفي"
هتف الرجل بجنون "لو كانت جيدة ما قبلت به هارون"
عواء الذئب يخرس الألسنة، يصيبها بالشلل من الخوف "كلمة أخرى عليها وستعرف مع من تتعامل علي"
تراجع الرجل، تجهم وجهه، هو يسمع عن الديب لكنه ولا مرة تعامل معه.. ذلك الغضب الواصل له عبر الهاتف جعل رجل له ثقله بالمجتمع يهتز، يدرك أنه غاص بطبق ليس طبقه وعليه دفع الثمن
"هارون.."
"تلك الفتاة نشأت ببيت الريس ولولا كلمة شرف من ابنك ما تركتها معه لحظة واحدة والآن إما أن تعرف جيدا مع وعمن تتحدث وإما تتحمل نتيجة كلماتك"
ارتبك الرجل، اسمه ظل ملطخ طوال سنوات عمره بكل ما هو غير مشروع والآن يتحدث عن فتاة لا يعرف عنها شيء
"حسنا هارون فقط هو ابني وأنت تعلم أن كل أب.."
لم يجعله يكمل فالكلمات لا تنطبق على الواقع الذي يعرفه "كل أب وليس أنت علي، لن أذكرك بعلاقتك برشدي فأنت بالطبع لم تفقد ذاكرتك بجراحة القلب لكن أذكرك بمقولة قديمة، من كان بيته من زجاج.."
ولم يكمل وهو يغلق الهاتف وصوتها يأتيه من عند الباب "هارون أسما تحتاج مساعدتك"
التفت لها وهي تتحرك له والقلق واضحا على معالمها، أسما تأخذ الكثير من اهتمامها وبكلماتها السابقة اهتمام رجل من رجاله..
"كيف!؟"
محامي هارون تولى الأمر كما أمر الريس، الأموال عادت والرجل خرج عائدا لبيته والمحامي منحه تهديد بألا يورط نفسه مرة أخرى
دقات على باب جناحهم جعلها ترتدي روبها وتتركه نائما، بعد الغداء أمضوا وقتهم معا مستمتعين ببعضهم البعض حتى نام
"الآنسة أسما بالأسفل سيدتي"
استبدلت ملابسها ونزلت لرؤية الفتاة تقف بمكانها ويداها تعصر بعضها البعض ونظراتها زائغة 
"أسما، هل أنت بخير"
وضعت يدها على يد الفتاة الباردة وعيون أسما متورمة من الدموع "نعم، أتيت لأشكرك"
فتحت حقيبتها وأخرجت أموال منها ورفعتهم لليال "هذا جزء من المال وعندما.."
دفعت ليال المال لها وابتسمت بوجه صديقتها متفهمة وضعها ومدركة كرامتها المهانة ولم تعترض لكنها لن تقبل أي أموال منها الآن
"ليس الآن أسما، هارون لن يطالبك بشيء إلا عندما تتحسن حالة والدك"
دموع لاحت بعيونها "هو يرفض العلاج ويصر على الزواج لذا أخذ تلك الأموال، أرجوك ليال خذي المال، الريس ليس مدين لي بشيء"
ابتسمت، منحت صديقتها نظرة راحة صادقة "الريس يعرف من يستحق مساعدته أسما، اجلسي وابعدي تلك الأموال وأخبريني ماذا ستفعلين مع والدك؟"
جلست أسما بعد أن أعادت المال لحقيبتها وأخفضت وجهها بمواجهة ليال وتاهت منها الحلول والكلمات، فرغ رأسها من أي شيء، صارعت جنون والدها حتى تعبت ويئست
"لا أعرف ليال.. هو يرفض أي كلمات مني وفتحيه لا تتركه، تظن أنه يملك كنز سليمان"
تفهمت ليال كلمات صديقتها "ألم تخبريها الحقيقة!؟"
هزات رأسها منحتها الرد ولم تنظر لها "فعلت ولكنها هاجمتني وأخبرتني أني أفعل ذلك لأني أرغب بإفساد الزيجة، أنانية أقف بسعادة والدي، هكذا قالت عني"
مالت للأمام وثمية تضع الشاي وتنصرف، رفعت لها كوب الشاي وعادت مكانها "والدك لابد أن يدخل مصحة ويتم علاجه أسما"
تناولت الشاي، منذ الصباح لم تضع بفمها أي شيء، متعبة، منهكة وصداع يصارع الإجهاد لإسقاطها
"أعلم وأنا أحاول، آسفة لم أذهب الفندق اليوم"
تناولت الشاي هي الأخرى وذهنها رحل لمكان آخر، ذلك الراقد بالفراش ومشاعره الخفية تحركت 
"ولا أنا، صفوان أصيب بالأمس وكلنا بقينا معه اليوم"
ارتجفت يدها بكوب الشاي حتى كادت تسقط الشاي على ملابسها وزاغت نظراتها لليال التي انتبهت لها وأدركت ما بها 
"صفوان!؟ أصيب"
وضعت كوب الشاي وتصنعت الجهل "نعم رصاصة بالصدر" وواجهت نظرات أسما "صفوان ذراع هارون الأيمن أسما، حارسه الشخصي، يلقي نفسه بالموت لأجله وهارون لا يتردد بالمثل، هل تدركين حياتهم؟"
ظلت عيونها عالقة بالسواد القاتم بعيون ليال، الجدية هي كل ما سيطرت الآن، رحلت المجاملات وبقيت الحقيقة، جرداء، واضحة، تبرق بلمعان خاص، أنا الحقيقة 
"لا أفهم معنى سؤالك ليال؟"
هل يمكن إخفاء عناوين الغرام؟
هل يجرؤ ضحاياه على مقاومته؟ رفضه؟ التملص منه؟
"أعني أن حياة زوجي ورجاله على كف الرحمن، بكل مرة يخرج بها أظل أدعو أن يعود لي سالما هو ورجاله"
رحلت لمعة عيونها وبرق الخوف داخلهم لحظة وليال تنهض والفكرة المجنونة تندفع لرأسها "كنت بطريقي لرؤيته هل ترغبين بأن تأتي معي؟"
ارتبكت يدها وهي تعيد كوب الشاي على المائدة وشحوب وجهها يجيب، نهضت "تعلمين أننا.. أقصد، أنا لا أعرفه"
لمست ذراعها بيدها وهي تدرك ارتباكها وجنبتها الإحراج "بلى تعارفتم أكثر من مرة، هي زيارة لن تكلفك الكثير لكن لو لا ترغبين بها فلن أجبرك"
ما تلك الدقات التي تدق خلف ضلوعها؟ القلق تملكها لأنه أصيب، بالأمس نظراته لها أربكتها.. جعلتها لا تتوقف عن التفكير به.. همس النظرات بينهم فتح باب لم تكن تدري أنه موجود
صفوان.. ليست بحاجة لأن تخبرها ليال عنه، كل من بالفندق يتحدث عن رجل الريس الأول، قوامه الفاره، قوته ووسامته، هو المنفذ، الكل يخشاه ويخاف منه، إلا ليال
وهي..
"هل ستأتين!؟"
نعم.. نعم ترغب برؤيته، الاطمئنان عليه.. رؤية تلك العيون التي منحتها اهتمام لم تراه بعيون أي رجل من قبل
ترغب برؤية المنفذ..
ذراع هارون الأيمن
تعليقات



<>