رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الثاني والعشرون22بقلم صفاء حسني

رواية عشقت فتاة المصنع الفصل الثاني والعشرون22بقلم صفاء حسني
كمّلت زينب كلامها بعد ما خرجت من الغرفة بهدوء
قبل ما تصحّي محمد وياسمين…
خرجت برا الشقة ووقفت في الممر،
وبصوت منخفض ردّت على التليفون:

– "آوي يا عصام… أنا سبت الفندق، كان في قلق وحسّيت إنه مش مظبوط."

سألها عصام وهو صوته كله توتر:
– "طيب روّحت فين؟ وليه متصلتيش بيّا؟"

ردّت بتنهيدة:
– "فضلت ألفّ في الشارع لحد ما الصبح طلع… وبعد كده اتصلت بواحدة صاحبتي، جات أخدتني عندها."

فجأة صوته علي:
– "إنتي مجنونة! أقسم بالله مجنونة! تمشي طول الليل في الشارع؟ وانتي عارفة إن الزفت جاسر بيدوّر عليكي؟!"

بلعت ريقها زينب من العصبية وقالت:
– "بيدوّر عليّ ليه إن شاء الله؟ كنت من بقية أهله؟ وانت بتقولها عادي كده؟ يااااه… الدنيا دوّارة وبتقلّب القلوب. خلاص… يلا أقولك سلام."

صرخ عصام بسرعة:
– "استني يا بنتي! دايمًا مستعجلة! اسمعي… أنا عرفت مين أهلك. أبويا عمل تحريات… وعرف إنك بنت قاضي اسمه محمد، وأخوكي ظابط! آوي يا عم… حد قِدّك!"

نفخت زينب بقرف:
– "وإيه المطلوب مني دلوقتي؟ أروح أدق الباب وأقولهم أنا بنتكم؟ فوق يا عصام… وشكرًا جدًا على معلوماتك ومجهودك العظيم… بس أنا راجعة على الإسكندرية."

خرجت زينب من الشقة وهي حاسة إن زياد متابع كل خطوة…
قهر، غُلاّ، ووجع… خليط مالي صدرها.
وقفت عند باب العمارة، وفتحته…
وبحركة متعمّدة فتحت الاسبيكر علشان لو زياد سامع… يسمع كل كلمة.

جه صوت عصام، هادي… بس موجوع:

– "بلاش ترجعي إسكندرية… أنا صدقت لاقيتِك يا زينب. أنا بحبك… ومن زمان. وانتي عارفة."

شدّت زينب نفس عميق وقالت ببرود وجع:

– "ده حب طفولة يا عصام… وقت البراءة. الدنيا لعبت بيا ورمتني يمين وشمال. ابعتلي عنوان أهلي… وأنا هتصرف."

عصام انفجر:
– "إنتي ملكيش حد هنا! ولا تعرفي حد غير المحروس البشمهندس أسر! صح؟ اللي كنتي متعلقة بيه! وسابِك عشان انتي جاهلة… وهو متعلم! وانتي نزلت القاهرة مخصوص عشان تدوري عليه صح؟! انطقي!"

عينيها اتسعت من الصدمة… بلعت ريقها بصعوبة:

– "إنت جبت الكلام الفارغ ده منين؟! ومن إمتى زينب تجري ورا حد؟!"

صوت عصام علي أكتر:
– "زينب! انتي حبيبتي أنا! ولو مع الواد الصيّاع ده وفاكرة إنه هيساعدك… ودلوقتي فرحانة إن بقى ليكي أهل! إنما اللي يحب… يحب من غير شروط! زيّي أنا! حبّيتِك من غير حسابات!"

ولسه بيكمل…
فجأة صوت خطوات نازلة بسرعة…

زياد نزل من فوق… وشد التليفون من إيدها خطفة!
زينب اتصدمت…
عصام اتخرس…

وزياد قال بصوت واطي… بس ثابت ويدخّل الرعب:

– "وهي مش عايزاك… واختارت تكون معايا أنا."

قرب التليفون من بقه… وكمل:

– "ومن قالك إنها سابتني؟"

ابتسمت زينب بين-بين نفسها، ابتسامة فيها حيرة ووجع قديم.
يمكن آه… هي استغلت كلامها مع عصام، بس جواها رغبة تعرف:
هو فعلاً كان في مشاعر جوّه ياسر؟
ولا هي اللي كانت شايفاه أول حب في حياتها؟
كانت شايفة الدنيا بعينه، بتتنفس من فرحتها بيه.
أما عصام… فده كان مجرد صديق طفولة، وقتها ماكنتش فاهمة ولا مميزة أي مشاعر.

زياد قفل المكالمة، عينه مادخلاش فيها الرحمة، وصوته جه حاد:
– "أوعي تردي على عصام تاني."

زينب رفعت وشها له، بتتحدّاه وهي مربعة إيديها قدام صدرها:
– "ليه بقى؟"

زياد انفجر فيها، صوته عليّ وهو بيزعق:
– "من غير ليه! اسمعي كلامي وبس!"

زينب ما استحملتش، هجمت عليه بالكلام، ودمها كان بيغلي:
– "انت إيه اللي قولته ده لعصام؟! دلوقتي يشكّ فيّ… وأنا مبحبش حد يفتكر عني حاجة وحشة!
وبعدين! لازم أجرّيه… لازم أعرف عنوان أهلي عشان ميشكّش إنك ظابط! فاهمني؟!"

وقفت قدامه، أنفاسها متسارعة، صوتها بيرتعش من الغضب والكسرة اللي اتحبست سنين.

– "آه… انت ضحكت عليا باسم ياسر. وكان ممكن تكون بنت القاضي حدّ تاني غيري… ووقتها كنت هبقى ماليش مكان في حياتك. بس مهما كان… انت تعبت علشان تحميني… وده كتر خيرك."

وقفت لحظة، صوتها وطىّ وبقى أعمق من أي مرة، كأنها بتعترف لنفسها قبل ما تعترف له:
– "أنا مبارح فضلت أفكّر… في كل حاجة… كل كلمة… كل موقف… لاقيت إنك عملت وجبك لصديقك… بس دلوقتي بقى ناقص واجبك للوطن."

رفعت عينيها له، ثابتة، رغم إن جواها خوف من رد فعله.

– "وعلشان نكَمّل… لازم أكمل معاك. لازم نفهم… مين أبويا عصام؟ وإزاي عرف كل حاجة عني وعن أهلي؟
وكمان عن أهل إيمان… اللي فهمته إنها اتبدلت هي كمان… إزاي؟ وليه؟
أكيد في مؤامرة كبيرة… أكبر مننا كلنا."

سكتت ثانية، ابتلعت غصة مريرة:

– "أنا عارفة إنك متعلم… وظابط… وقدّ الدنيا… وأنا بالنسبة لك جاهلة.
ومقدرش أوجّهك تعمل إيه أو متعملش… بس…"

وقفت قدامه بخطوة، وشها بقى قد وشه، وصوتها نزل لطبقة هادية بس قوية:
– "بس أنا جزء من اللعبة…
وجزء من الحقيقة…
وجزء من اللي جاي."

زياد بلع ريقه… بلعة تقيلة، فيها اقتناع غصب عنه.
كلام زينب دخل جوّه… كسّر عنده حاجة كان مخبيها:
هو فعلاً اتسرّع… فعلاً دخل بعنف…
بس الحقيقة؟
جواه حاجة كانت بتجريه عليها… تهرّبه من إحساسه وضعفه اللي مش عايز يعترف بيهم.

تنهد وقال بصوت أقل حدّة، لكن ثابت:

— "أنا أقصد كل كلمة قولتها لعصام.
لازم أظهر قدّام الكل على إني ياسر…
المهندس اللي زي ما انتي فهمتِ أصحابك… إنه بيحبك… وانتي بتحبيه.
وكمان إنكم متفقين على الجواز…
إنتي اللي دخلتيني في الدايرة دي… ولازم أكمل على الأساس ده.
وهظهر قدّام الكل إني خطيبِك."

زينب أول لحظة فرحت… قلبها دقّ، عينها لمعت.
بس في ثانية… شرارة الفهم ولعت جوّا عقلها.
قامت تبص له بحدة، وتقول بصوت عالي:

— "نَعَم؟!
انت بتقول إيه؟! أنا مفهمتش… مين اللي قال الكلام ده؟!"

قربت خطوة، ووقفت قدامه بتحدّي واضح:

— "أنت عايز تفهّمني…
إني أنا اللي كنت بجري وراك؟
وإنك مسكين… جاي على نفسك… وهتخطبني علشان خطتك تكمل؟!"

ضحكت ضحكة قصيرة… مرّة… فيها كسرة وبحر نار:

— "لا يا باشا… متتغباّش نفسك.
أنا بكل بساطة أقدر أقولهم إنك طلعت واحد واطي… وخاين…
وخطبت واحدة قريبتك…
وأنا هرجع مكاني وشغلي…"

رفعت دقنها له، بثقة مستفزة:

— "وبعد كده أهلي يجوا يدوروا عليّا… وساعتها ده يكون منطقي أكتر…
أكتر بكتير من إنك تقولي إني كنت بجري وراك."

النار كانت مولعة بينهم…
هو متمسك بخطته، وهي مش ناوية تسيبه يكسرها بكلمة.

---

وفجأة… قطع صوت راجل كبير المشهد الملتهب بين زياد وزينب.
القاضي محمد… أبوها.
الراجل اللي صحي من النوم بقلب مقبوض، يدور على بنته اللي رجعت له وهو عنده  ٦٢ سنين فراق ٢٦ سنه …
والأصعب؟
إنه طول عمره… مكانش يعرف أصلاً إنه عنده بنت.
وكان ممكن يعيش ويموت من غير ما يعرف.

خرج من أوضته وهو لسه مش مصدق إن الدنيا رجعت له ضهره بعد العمر ده كله،
ولما قرب من الصالة…
سمع صوتهم وهم بيتخانقوا.

وقف لحظة…
يسمع… يشوف…
ولاقي  زينب واقفة قدام زياد وقفة بنت جدعة…
صوتها ثابت… ثقتها في نفسها تهد جبل.
وهو؟
اتشدّ…
اتأثر…
واتملّى فخر بيها رغم إنها ما عاشتش وسطه…
بس فيها نفس الشمم… نفس القوة… نفس الوقفة اللي تشبهه.

قاطعهم بصوته الهادئ اللي فيه هيبة قاضي عمره ما اتكسرت كلمته:

— "حد يتكلم على الباب؟
تعالَي يا ابني… واقف كده ليه."

زياد اتفاجئ… وشه قلب أحمر من الإحراج.
بلع ريقه وقال بسرعة وهو يحاول يبان ثابت:

— "آسف… آسف يا عمي…
مكنتش أقصد أصحيك.
احنا بس… كنا بنتفق على اللي جاي.
وبصراحة… بنتك الله أكبر…
دماغها شغّالة."

القاضي ضحك… ضحكة رايقة…
ضحكة أب لسه لاقي بنته… ولسه بيكتشفها.

---

ضحك القاضي محمد ضحكة فيها راحة وفخر وقال لزياد وهو بيعدل جلبيته:

— "أكيد لازم الجينات الوراثية تظهر يا ابني.
انت مستغربش ده   بنت قاضي؟
وأخوها ظابط؟ وجدّها كان ظابط؟
ده طبيعي… إحنا في العيلة دايمًا يا ظابط يا قاضي يا نائب…
يعني الموضوع في الدم أصلاً."

وبعدها أشار لهم يدخلوا:

— "المهم… تعالوا ندخل ونتكلم سوا.
أنا عايز أفهم كل خطوة جاية رايحين لفين وجايين منين.
وبعدين هاتصل بمؤمن…
ونشوف هيروحوا لمحمود إمتى.
لازم محمود يفضل فاكر إن زياد لسه موصلش لزينب…
وهو اللي هيوصلنا بيها… زي ما هي قالت."

زينب لمعت عينيها…
فرحة بثقة أبوها فيها… وثقته في كلامها وخطتها:

— "هوووه… ده الكلام الموزون.
مش يقولي نمثل إنه مخطوب ليا وكلام فارغ…
عامل نفسه آخر راجل في الكون…
وإن أنا واقعة في دبدوبته وبجري وراه!"

زياد رفع حاجبيه باستفزاز خفيف بس كان واضح إنه مبسوط بالنرفزة اللي هي فيها:

— "تنكري؟
تنكري إنك عملت كده؟
يا بنتي انت  محدش بياخد في إيدك غلوة.
والله العظيم لو شفتِ عملتِ إيه عشان توقعيني…
تخطيط وتنفيذ!
كإنك ماسكة قضية… ولازم توصّلي لآخرها بالعافية أو بالذوق!"

وقفت زينب قدامه…
صدرها طالع نازل من الغيظ…
وعنيها فيها تحدي جامد:

— "وأنا رميت الصنارة…
وانت لو دماغك مش سم وبتخطط وعايز تقرّب وتعرف كل كبيرة وصغيرة…
ماكنتش هتستجيب!
فمتعملش نفسك ضحية بقى.
أنا لعبت لعبة الحب…
وإنت كملت فيها عشان مصلحتك."

زياد ابتسم… بس ابتسامة الراجل اللي اتكشف واتفضح… بس لسه واقف ثابت:

— "الله ينور عليك.
أهو اعتراف واضح وصريح!
انتي رميتِ الصنارة…
ولعبة الحب بدأت.
وأنا؟
قولت أجرب حظي…
ومن الآخر…
عايز أكمل اللعبة…
عشان نخلص القضية…
ونربط كل الخيوط ببعض."

زياد قال بثقة وهو بيبص لزينب وكأنه بيحسم آخر الخطة:

— "فأنا هكمل إني ياسر… المهندس بتاع الكهرباء.
وإنك دورتِ عليّا لحد ما لاقيتيني…
ولما حصلت المشكلة في الفندق وهربتِ…
جِتيلي.
وإنك… مبتثقيش في حد غيري…
عشان دايبة في دبديبي…
وبتحبيني أكتر من نفسك.
ووقعتِ نفسك في المصايب عشان توصّلي ليا."

رفع عينه للقاضي:

— "ده اللي الناس كلها لازم تعرفه.
وأنا بنفسي هارجّعها المصنع…
وعند الست غالية.
ومن بعدها نشوف إيه اللي هيحصل.
وجاسر… هل كان عارف إنها بنت القاضي؟
ولا مجرد واحد بيدور على فريسة جديدة؟
وعصام… ابن مين؟
وإيه علاقته بكل اللي حصل مع القاضي والدك…
والنائب عماد؟
وموضوع تبديل بنته…
والست اللي بتتاجر بالأعضاء…
ومين السبب في موت رهف…
لأن أكيد كانوا عارفين إنها هتكشف خططهم."

زياد قرب بخطوته وغمز بعينه:

— "الموضوع كبير…
والشبكة كلها مربوطة ببعض.
يعني الصنارة الصغيرة بتاعتك ولا حاجة…
قدّام الشبكة اللي وقعنا فيها.
فهمتِ يا ستّ العاقلين؟
فكّري في كلامي…
ولو وافياني عليه… بلغوني.
أنا هروح دلوقتي…
عشان أجهّز حاجتي من البيت…
وكمان لازم أرجع أتنكر بلبس ياسر.
ولما مؤمن يصحى… يلحقني على السجن."

زينب شبكت دراعها ونظرت له بسخرية لاذعة:

— "آه يا خطيبي!
متنساش تجيب الدبَل…
وياريت متكونش مزيفة… زيّك.
وعشان أنا دايبة في دبدوبتك…
لازم أكلك… وتفطّرك…
واهتم بيك!"

بصت على طبق الفاكهة…
لقطت صباع موز…
قشرته بثقة…
و حشرته في بوقه بعصبية متعمدة:

— "كُل يا حبيبي…
هو في حد زيّك في البشرية؟!"

زياد اتفاجئ…
اتخض…
ووشه قلب أحمر…
وقعد يشرق وهو مش قادر يتنفس…
وزينب ماسكة الطبق وبتحشر الفاكهة في بوقه وحدة وحدة!

القاضي محمد كان واقف…
بيموت من الضحك حرفيًا.

في اللحظة دي…
صحيت ياسمين على صوت الضحك…
ولمّا شافت بنتها وهي بتعمل كده…
عينيها امتلوا فرحة ما شافتهاش من سنين.

مسكت إيد جوزها وقالت وهي مبتسمة بفخر:

— "بنتنا حلوة أوي يا محمد… ودمها خفيف."

محمد بص لها…
وعينه فيها دمعة سعادة:

— "دمها خفيف…
وعندها ثقة في نفسها…
ومبتسكتش على حقها.
الحمد لله إن ربنا عرفنا بيها يا ياسمين.
أنا مقهور…
على السنين اللي ضاعت…
وكبرت بعيد عننا.
أكيد كنا هنعيش معاها مواقف كتير زي دي…
ونضحك لحد ما نعيّط."

في نفس الوقت…
كان مؤمن صحي من النوم على صوت عيالهم وهما بيعيّطوا.
إيمان فتحت عينيها بالعافية، حاولت تعدّل نفسها على السرير وهي متألمة وقالت بصوت واطي:

— "ممكن تجيبلي المسكّن يا مؤمن؟ مش قادرة أتحرك… وعاوزة أشوف الولاد."

قام مؤمن بسرعة وقال لها بحزم خفيف:

— "متتحركيش… اصبري.
أنا هنزل أنادي أمهاتك.
هو أنا عملت كل ده… عشان في الآخر تبقي ملوبخة ما بينهم؟!
أروح أتصل بيهم… كل واحدة فيهم تقولّي إنها أمّك وشاطرة في الخناق بس!"

ضحكت إيمان من أسلوبه وطريقة كلامه:

— "انت اتغيّرت كتير من وقت ما ظهرت توأمك…
وعمالي تضحكني من امبارح…
وتعملي فيّ مقالب!"

مؤمن قعد جنبها، وبص لها وهو مبتسم وقلبه خفيف:

— "تصدقي آه؟ حسّيت كإن روحي رجعت!
كنت دايمًا حاسس إن في حاجة ناقصاني…
وساعات كتير وأنا صغير كنت بعيّط من غير سبب…
وساعات أتخانق وأتعصب… وبرضه من غير سبب!"

ضحكت إيمان وهي مرمية على المخدة:

— "كنت بتتعصب لما هي بتتعصب!
— آه… توأمك صحيت.
واسكت… اسكت… ده واقف تحت وبيتخانق!"

مؤمن سكت ثانية يركز…
وبعدين فجّر ضحكة:

— "استلمت زياد من الصبح!
رغم إنّي لسه معرفهاش قوي…
بس أنا عارف نفسي…
ميجلّيش نوم غير لما أطلّع الفحص من لساني!"

وقف وقال وهو بيصلّح هدومه:

— "أنزل أشوفها… وأطلعها ليكي.
هيّ عمّتهم…
ولازم تتعرّف على ولاد أخوها!"

ابتسمت إيمان وعيونها فرحانة:

— "ده أحسن…
امبارح كانت بتتكلم مع ولادك…
ولما سمعت زياد…
الأولاد ركّزوا معاها وسكتوا!
وما كملوش ٢٤ ساعة!"

ضحك مؤمن:

— "عملت لهم اختبار سمع ببلاش!"

قرب منها وقال:

— "هروح أجيبلك ميّة… تاخدي العلاج.
وأبعتلك زينب… عشان أرحم صاحبي من لسانها."

وقف عند الباب:

— "وبعد كده… أنزل أخبط على أمّك سعاد.
وإنتي اتصلي بأمّك منى…
أصل الاتنين دول دايمًا مش مضايفني أصلًا!"

إيمان ضحكت بعفوية… من غير ما تاخد بالها إنها جابت سيرة رهف:

— "البركة في رهف… كرهتها فيك!"

فجأة استوعبت إنها قالت جملة تقيلة…
اتلخبط وشّها…
وعملت نفسها بتسحب كيس العلاج…
وتشد في حبل سراير التوأم كإنها منشغلة قوي.

--
كان حاسس بلبختها… وهي عندها حق.
رهف قدِرت تكره الكل فيّ، وقدرت تُصوّر إني شخصية عصبية وصعبة، وإن أهمّ حاجة عندي أمور البيت… أكلي وشربي… فوق أي حاجة تانية.
ممكن أكون زي أي راجل عادي نفسي أحس باهتمام مراتي، بس عمري ما كنت أناني… ولا بشع زي ما هي صوّرِتني للناس.
حتى أمي… كانت شايفة إني جيت عليها.

أنا نفسي أغمض عيني وافتحها ألاقي كل ذكرى ليها اتمسحت… من عقل ولادي… وعقل أمي… وحتى من منى أمّ إيمان.
الكل كان عايش معاها بالتأني… وشايلين جواهم جبل من الضغوط… والرفض… والإنكار.
كنت بقول يمكن معذورين… بس دلوقتي؟… لا.
استحالة يكونوا معذورين.

أمي فرحت جدًا بزينب… وكأنها ما غِبَتش عنها.
أبوي حس بيها قبل ما يشوف النتيجة…
أول ما شافها قالّي:
"دي شبه أمّك يا مؤمن… نُسخة."

أما عماد ومنى… مقدروش يتقبلوا زينب.
يمكن عشان كانت عايشة "بنت بديلة"… وعارفة إنها مش بنتهم… فكانت بتحاول تكرههم في إيمان، وتبعدها عنهم.
مش عارف…
بس اللي أعرفه إن في حاجات لازم تتصلّح.

كل الكلام ده كان داير جوا دماغه… وهو بيجيب ميّة ويديها لإيمان.
ساعتها أخدت العلاج… وبعدها ناولها الأطفال يحطّوهم جنبها… وكمان ادّاها التليفون.

أخدت التليفون منه… وبعدها مسكت إيده… وبوّستها وهي بتعتذر:

– "أنا آسفة."

شدّ إيده… وقرب منها… وباسها من راسها:

– "إحنا اللي آسفين يا إيمان… وكل حاجة هتتصلّح."

قطع حديثهم اتصال من رقم غريب على تليفون مومن.

بصّ لتليفونه باستغراب…
رد وهو متحفّظ:

– "أيوه… مين معايا؟"

ثواني…
ثواني بس كانت كفيلة تغيّر لون وشه.

عروقه شدّت، وملامحه اتجمّدت، وصوته اختفى.
إيمان بصّت له بقلق… قلبها وقع في رجلها.

– "مومن… مين؟"

وهو لسه ماسك التليفون…
بس المرة دي إيده بدأت ترجّ خفيف…
وكأن كلمة واحدة اتقالتله قلبت دنيته.

الصدمة كانت باينة عليه… بس صوته اتخرس.

وساب الجملة معلّقة…
والقاري يفضل يتساءل:

مين اللي اتصل؟
والكلمة اللي سمعها كانت إيه؟
وليه ملامحه اتقلبت كده؟
تعليقات



<>