رواية غرام في العالم السفلي الفصل الرابع والعشرون24بقلم داليا السيد

 رواية غرام في العالم السفلي الفصل الرابع والعشرون بقلم داليا السيد 

زواج شرعي
ساعدته بنزع الجاكيت وهو جذب سلاحه ووضعه بجوار الفراش وذهنه مشغول وهي لاحظت ذلك
الريس شارد..
صوتها أتى من بعيد جاذبا انتباهه من الشرق الأقصى ويداها تفترش صدره وعيونها توقفه "ماذا بك!؟"
انغلقت عيونه، لا يحب المفاجآت.. العقل يتوقف أحيانا أمامها وهو لا يسمح لعقله بالتوقف
"ابن عم رشدي طلب أحلام للزواج مني"
توقفت يدها التي كانت تفك أزرار قميصه وثبتت نظراتها على عيونه القاتمة، زرقة البحر رحلت وحل المحيط مكانها.. قاتم، مخيف.. لا قرار له
ابتعد من أمامها نازعا قميصه والمياه الدافئة هي كل ما أراده..
يداها تسربت حول جسده من الخلف فاعتدل وهي تريح رأسها على ظهره "أنت متعب ولن تجيد التفكير"
هو بالفعل متعب والأفكار تزيد من تعبه 
هي من جذبته ليواجها والمياه تغمرها وتبلل ملابسها "ليال سيصيبك المرض"
أغلق المياه وجذب المنشفة ليلفها بها "اخرجي واستبدلي ملابسك حتى أنتهي"
أوقفته وما زالت تنظر بعيونه رافضة قطع الاتصال بينهم "سأكمل معك ما بدأته هارون أيا كان"
تفهم ما تقول ولكن ليس بالمرض، لفها بالمنشفة بإصرار "ليس بالمرض ليال، اخرجي وسألحق بك"
انتهى وخرج وهي تلتفت له بلون أحمر قاتم، الأحمر لون الحب ملاكي لكن ليس الآن، لدي ما يكفيني
تحرك للفراش وأغلق هاتفه "ناصر يعرف أنها زوجته عرفي لكنه يدعي العكس"
دخل الفراش وهي تبعته بالفانيليا، أراحت رأسها على صدره فلفها بذراعه ونظراته بالفراغ "هل تركته يقابل سعد؟"
"لا، لكن سأفعل"
رفعت رأسها له بلا فهم وهو منحها نظرة واحدة ثم ما لبث أن وضعها على الفراش وارتفع بجوارها "لنلهو قليلا مع رشدي فيما بعد والآن الفانيليا"
لم تحاول فهم ما يفكر به زوجها فقط منحته الراحة، استمتعت معه وأمتعته كعادتها ولم يكتفي بل ظل معها حتى طل نور الصباح ورحل كلاهم بالنوم
**** 
لأول مرة تنهض بالصباح وتجده ما زال بالفراش نائما بجوارها.. 
ملامحه لم تكن جامدة، ارتخت كل عضلة بوجهه واستكانت جفونه فوق العيون الرمادية، فمه ليس مشدودا بل مغلق بأريحية 
ظلت تنظر له وكأنها تراه لأول مرة.. لم تعد تشعر بالغربة بجواره بل اعتادت وجوده، لمساته، قبلاته.. كل شيء أصبح مقبول لديها
التفتت لتنهض لكن ذراعه لفتها فجأة، شهقت وهو يجذبها له وأنفاسه تحط على عنقها مع خروج كلماته "هل يزعجك وجودي؟"
"اتركني رشدي"
قبلة دافئة على وجنتها دفعت جسدها كله للارتجاف، يعرف كيف يثيرها كامرأة وهي لم تعرف سوى أن تكرهه
يده تسربت لجسدها "وأفتقد مذاق العسلية، أحتاج كيس منها معي بكل مكان"
تنفست بقوة مانعة الضعف من التحكم بها بجواره، لم تستطع أن تفلت من ذراعه "هل أصبح حضني سيء الآن والليل بطوله يحتويك؟"
تورد وجهها وهي تدرك ما يقول، تلك المرة الثانية التي تظل نائمة بأحضانه وهو يلفها بتملك، مرة بالفيلا واليوم 
والده ظن أنه يبيت معها لكنه كان يبيت بالعمل وحتى لو بقى لم يبيت بجوارها سوى بتلك الليتين
لم ترد..
أجبرها على الالتفاف له.. تورد وجهها منحها جمال أكثر، شعرها التف معها.. شفاها الوردية كهبة من الطبيعة جعلته يرفع يده لوجنتها ويمرر إبهامه على الوردية
"أحب رؤية هذا الانزعاج بوجهك لوجودي بجوارك"
أبعدت يده عن وجهها ربما تتماسك بعيدا عن لمساته "ولو لم يبدو الانزعاج على وجهي ستتركني؟"
لا يبتسم، أو يبتسم لكنها تفتقد تلك اللحظة..
"ربما"
عادت يده لوجنتها ولكن لتجذب وجهها له وتضيع هي بقبلته ولا تملك أي سلطة على جسدها الذي أصبح يستسلم له..
نزلت الدرجات لتراه يأخذ الأكياس من رجل التوصيل، ظلا بالفراش حتى انتصف النهار وبدا أنه لن يرحل، لم يفعلها من قبل
رفع وجهه لها والدخان يتصاعد على عيونه من سيجارته العالقة بفمه 
الملابس الضيقة تمنحها إثارة مرتفعة وهو ضعيف أمام كل ما هو مثير 
تبعته وجلست، لم تساعده وهو يضع لها وجبتها، الطعام الإيطالي مرة أخرى، هو يفضله وهي لا تعترض..
تناول الطعام بصمت كعادته أيضا، أصبحت تعرف كل عاداته، كيف يتناول القهوة، طعامه المفضل وحتى ألوانه المفضلة
هاتفه قطع السكون فأخرجه، نظرة للاسم جعلته يرفع وجهه لها ثم نهض مبتعدا للنافذة والسيجارة معه
"أهلا هارون"
مكتبه بالشركة كان ينتظر وفد أجنبي للتعاقد على صفقة جديدة لذا اقتنص تلك الدقائق ليتم المحادثة
"لديك ابن عم اسمه ناصر؟"
رفع رشدي وجهه والدهشة تصارعه لتخرج على ملامحه "نعم لماذا؟"
"يعبث حولك وحول من يخصك، أنا أبعدته عن سعد مؤقتا حتى تحل مشكلتك معه"
تجهم وجهه لذكر سعد "تعني أن الأمر يخص.."
ولم يكمل وصوت الأكياس يذكره بوجودها "نعم، يبدو لي أنه يكن لك مشاعر من نوع خاص فاحذر منه وأحسن التصرف"
وانتهى الحديث..
التفت لها وهي ترتب المائدة وتلتفت لصنع قهوته وشاي لنفسها ولكنه تحرك لها حتى قبض على يدها التي كادت تمسك الكوب الفارغ فارتدت له بفزع 
"أين رأيت ناصر؟ أجيبي"
حاولت نزع يدها منه وهي تثور بوجهه "ناصر من؟ ابعد يدك عني"
لكنه جذبها ليوقف مقاومتها بقوته "لا تكذبي، أين رآك هذا الكلب!؟ ببيتي؟ انطقي"
الغضب يوقف العقل عن العمل.. كم مرة يجب قول ذلك؟
اعقل يا عابث، الآن ليس وقت العبث..
"كفى، أنا لا أعرف عن ماذا تتحدث"
تألمت يدها من قبضته وعيناه أطلقت شرر تعرفه عندما تثور ثائرته ولكنها لا تفهم السبب
"ناصر زيتون ابن عمي، كيف عرف بوجودك هنا؟"
كلمات هارون منحته نبذة أن الأمر يخصها، ذكر سعد يعني ذلك 
الاسم لمع بذاكرتها، عرفته، هو ذلك البغيض
"هناك رجل أتى بالأمس ونطق بذلك الاسم"
زاد جنونه، ناصر يعبث معه.. اعتادوا على سرقة بعضهم البعض وهم صغار لكن هذا كان بالألعاب وليس بالحقيقة ولا بالنساء.. 
هو ليس والده.. لن نعيد اللعبة، أين ناني؟
قبض على ذراعيها والإدراك يحطم الجمود والرذيلة الراقدة داخله تهزم الفضيلة 
هزها بقوة جعلت جسدها يتألم، صرخت لتتخلص منه بلا فائدة "وكيف تسمحي لرجل غريب بدخول البيت بغيابي؟ كيف وقفت وتحدثت معه؟"
وأخيرا نجحت بتخليص نفسها منه وتراجعت والدموع تصل لعيونها "لم أسمح له بالدخول ولم أقف أو أتحدث معه، أخبرته أنك لست هنا، حاول الدخول لكني طردته وأغلقت الباب على قدمه"
ظل جامدا كعادته أمامها، هل حقا ما تقول؟
تحرك للداخل جاذبا ملابس وهي تفرك ذراعيها من قبضته وسقطت على المقعد ورأته يندفع خارجا دون أي كلمة وهي لا تفهم شيء
****
وصلت أسما الفندق ولم ترى ليال، هي مؤخرا لا تلتزم بمواعيدها، الدراسة بدأت والمحاضرات على النت تشغلها
عرفت أن الريس ليس موجود، بالطبع هو لا يأتي إلا بالمساء وبالتأكيد صفوان معه
الصداع رافقها من ليلة مليئة بالبكاء والأفكار والبحث عن حلول بلا فائدة
انشغلت بالعمل حتى وصلت ليال فنهضت لمكتبها
"أسما تعالي"
عبثت ليال بجهازها باهتمام، الريس كلفها بعمل وهي أتت لإنجازه، الجهاز الجديد مكنها من العمل بالبيت لكن هناك ما يحتاج المكتب
جلست أسما وهي تفرك أصابعها ببعضها البعض، انشغالها جعلها لا تعرف ماذا تقول أو تفعل ولكن ليال جذبتها من دوامتها 
"ماذا حدث مع صفوان بالأمس؟ هل ضايقك؟ تبدين بحالة فظيعة"
هي بالفعل كذلك.. الأبواب كلها تصفع بوجهها، بالصباح فرت من البيت قبل أن يستيقظ والدها ويبدأ سيناريو كل يوم
بالشارع تجنبت النظر للمعلم صبحي والذي أصبحت عداوته لها علنية، الحياة تدفعها للهاوية وهي تسقط بلا حبل نجاة
"لا، ليس صفوان، نحن لم نتحدث كثيرا، بابا هاتفني فتركت صفوان وأسرعت لبابا"
حالتها كانت تمنح ليال معاني كثيرة ولا تعرف أيها صواب، نهضت وتحركت لتجلس أمامها "ماذا حدث إذن!؟"
رفعت وجهها الشاحب، فاقدة لكل مؤشرات الحياة حدقت بصديقتها "متعبة ليال، متعبة جدا ولا أعرف ماذا أفعل"
أشفقت عليها.. حياتها سلسلة من المآسي ولا سبيل لفك تعقيدها "وصفوان لم يمنحك أي راحة؟"
أغمضت عيونها بتعب واضح كما قالت وكلمات صفوان القليلة لم تمنحها أي شيء "فقط سألني عن رجل بحياتي وأخبرته أني لم أجد وقت لذلك، من الذي سيقبل بامرأة مثلي ليال؟"
أجابتها بقوة "الذنب ليس ذنبك أسما وأظن أن صفوان أعلن عن نفسه بسؤاله"
فتحت عيونها لتلتقي بالجدية بعيون ليال.. لا مزاح ولا سخرية "صفوان لم يعرف امرأة من قبل، أنت أول امرأة تلفت انتباهه ويرغب بالتقرب منها أسما وربما يمنحك بعض الراحة"
قلبها يهرع بدقات تحمل أمل ضعيف يظهر من عتمة أيامها ويمنحها ضوء واهن قد لا يصل لها "ليس بحاجة لامرأة حياتها معقدة ليال"
غاضبة لكن متماسكة، هدوء الريس جعلها تدرك أن القوة ليست بالثورة بل بالتأني والتماسك 
"هو لديه من الخبرة ما تجعله يحسن الاختيار، أنت مهندسة الكترونيات وهو يدرك ذلك وربما يضعه كحاجز بينكم كما فعل هارون، صفوان لا يعرف سوى الدم أسما"
أخفضت وجهها وهمست "لم أراه هكذا ليال" ورفعت وجهها مرة أخرى لتواجه عيون ليال الغاضبة "رأيت به الحنان والأمان، رأيت نظرة طفل داخل جسد عملاق، حنان رجل لم يناله من أحد"
هدأت أنثى الذئب ونهضت واقفة مبتعدة "إذن لا تدعي أي شيء يقف بينكم، لا تخسري سنوات من عمرك بلا سبب"
وكأنها تتحدث عن نفسها، عن الرجل الذي أحبته وهو وضع حياته حاجز بينهم، وجد عذر للفراق وهي تمنت لو منحها القرار
تابعتها أسما وهي تعود خلف مكتبها وقد تبدلت عن تلك الفتاة الصغيرة لامرأة أنيقة، جادة، عاقلة وتعرف ماذا تقول.. 
هل الغرام السبب؟
"الزواج بدلك كثيرا ليال"
التقت بالسواد بعيونها وهي لا تبدي أي تعبيرات على ملامحها "بل ما تعرضت له علمني الكثير بالفترة القصيرة السابقة أسما، لا تظني أنك وحدك من يواجه متاعب"
هزت أسما رأسها ونهضت، عليها أن تكون شجاعة أكثر، البكاء لن يمنحها سوى مخدر موضعي أثره يزول بسرعة وتبقى الجراح.. جراح
**** 
بحث عنه كالمجنون.. رحل للقاهرة حيث بيته.. مكتبه.. النادي بلا فائدة
هرب الجبان..
هاتفه مغلق، يعرف ما فعل ويدرك أنه لن يتركه
عاد الاسكندرية..
ترك العسلية وحدها تسيل لعاب الكلاب من حولها ولا حيلة لديه 
"بابا أين يمكنني إيجاد ناصر بعيدا عن مكتبه والبيت والنادي؟"
صمت الرجل.. لم يسال عنه حتى، بدأ المحادثة بالسؤال عن ناصر فما الذي فعله به؟ لطالما كانا الديك والفرخة..
"أين أنت!؟"
نفخ وهو يخترق زحام الكورنيش، لم يحدد لأي جهة سيذهب، والده أم هي؟
"بابا أنا أسألك عن ناصر"
"وأنا أسالك أين أنت فلو كنت قريب ستجده"
الأب القى كلمات غامضة وضاقت الرمادية وانطفأ الرمادي بها راحلا، ترك الساحة للأسود الذي يستدعي قرينته.. الرذيلة
"أنا قادم"
أنهى الدرجات ثلاثة، ثلاثة حتى فتح باب غرفة والده وهو يلتقط أنفاسه ولمعان عيونه يدل على الانتصار 
نظراته التقت بعيون ناصر الذي كان ينحني بجلسته أمام علي واعتدل برؤية العابث
سيعبث بوجهه ويحطم أنفه وربما يلوي عنقه فيسير برأسه للخلف
"أهلا بني، من الجيد وجودك"
"لماذا هو هنا!؟"
وقف ناصر ببطء ورشدي يتقدم لمواجهته وانتهى الفراغ بينهم والتحدي واضح بالعيون
الأب رأى نظرات ابنه، أعجبه ما يرى، أراد ذلك رغما عنه، الاستقرار لابنه 
"أزور عمي رشدي"
هل يجرؤ على التواجد هنا بعد ما فعله مع ناني؟
"عمك الذي خنته مع زوجته!؟"
رفع ناصر رأسه ولم يتراجع، كلمات رشدي لم تهزه، اعتاد على أخذ ما يريد وعيون تلك الفتاة أسقطته وأرادها
رشدي لن يأخذ كل شيء.. من هنا وهناك عرف عنها كل شيء واتخذ القرار، زواج شرعي اسبوع أو اثنين وبعدها لا تلزمه.. 
ناني نفسها لم تأخذ معه سوى اسبوع واحد وتملكه الملل منها، طلقها..
"لم أخنه، تزوجت ناني بعد أن طلقها والآن طلقتها"
قبض أصابعه بجواره، أراد ضربه بقوة لينهي ذلك الغرور الذي يظهر به
"وتظن أنه سيعيدك له!؟"
الشفاه انفرجت لتمنح ابتسامة مقيتة زادت غضب العابث "ليس من شأنك"
وهنا تدخل العجوز مفجرا القنبلة الموقوتة.. كان يعلم أن كلاهم ينتظر العد التنازلي، أربعة، ثلاثة..
"أراد الزواج مرة أخرى"
عندما ظل الصمت على المسرح ولم تنسدل الستائر أكمل الرجل "من فتاة قال أنها تعمل بشقتك، ما اسمها؟"
"أحلام عمي"
اثنان، واحد.. بوووم
انفجرت القنبلة وانفجرت قبضته معها بوجه ناصر وأنفه تلقتها والدماء تصاعدت منها ولم يمهله والقبضة الأخرى تصطدم بفكه وأخرى بمعدته والأخيرة بفكه مرة أخرى دفعته للخلف ليسقط على الأرض والدماء تملأ وجهه وعلي يجذب رشدي
"كفى، توقف"
"إياك وذكر اسمها أو أي شيء يخصها على لسانك الوسخ هذا مرة أخرى هل تفهم؟"
نفض يد والده وناصر يحاول كتم الدماء بمنديل أخرجه من جيبه والألم بمعدته ووجهه من لكمات رشدي
دائما كان رشدي المنتصر بكل معاركهم.. نهض واقفا ووجه تلوث بالدماء وعنقه.. ابتسامة اعتلت شفاه الأب دون أن يراها أحد وناصر لا يفهم
العابث سقط وانهزم..
الغرام هزمه والعسلية لفته بدلا منها بورق السلفان ووضعته بجيبها الصغير..
"ما دمت تحبها وتغار عليها لم لا تتزوجها؟"
لم ينتبه للكلمات وسط غضبه ولكنه نطق بما لم يفكر به "هي بالفعل زوجتي أيها الكلب ولو عرفت أنك مررت حتى بجوار المبني سأقتلك ناصر هل تسمعني؟ سأقتلك"
وقف علي أمامه ليوقفه عن ابن عمه "انتهينا رشدي" والتفت لابن أخيه "لقد سمعت الرد ناصر، الفتاة زوجته ولن تتزوج رجل آخر"
هتف ناصر "عرفي، ابنك لا يعقد على امرأة ولو مزق الورقة فسينتهي الأمر"
اندفع رشدي تجاهه مرة أخرى ليخرسه تماما عن الحديث ولكن علي وقف بطريقه وصده بيداه "كفى رشدي"
والتفت لناصر وبحزم مختلط بالأمر "انتهينا ناصر، اذهب ولا علاقة لك بزوجة رشدي.. هي زوجته، عرفي أو غيره لا دخل لك بالأمر"
لملم ناصر جراحه وبدا أنه فقد إحدى أسنانه وتحرك خارجا ورشدي يتبعه بنظرات تبخ نيران تكاد تشبه انفجار البراكين بعد سنوات من الخمود
تركه علي وهو أسرع لسيجارته مالئا صدره منها، التدخين ضار ومدمر للصحة
من يسمع...
"هل رأيت نتيجة أفعالك؟ أخبرتك أن تخرجها من حياتك"
نفخ الدخان وعقله يعبث بمكان آخر "وأنا أخبرتك أن الأمر يخصني ولست بحاجة لنصيحة أحد"
وقف الأب أمامه ولم يعبأ بالدخان المتناثر حوله من ابنه الغاضب، نظراته انعكاس للثورة الهائجة داخل مقلتي ابنه محاولا إيقافه ودفعه عن الطريق الذي انحرف له ولا ينكر إنه السبب
"عنادك يدفعك لتدمير كل جميل حولك"
ابتعد نافخا الدخان نافثا به كل جنون داخله، مستوعبا ما يلف عقله وقراره الذي يتكون الآن بعقله..
"ابن الوز عوام"
نفخ الرجل وأشاح بيده عائدا لفراشه والسخط واضحا بملامحه "أنت لن تتغير أبدا، تلك الفتاة أكلت عقلك"
التفت له وهو يعود للفراش وكأنه لم يوقف معركة موت منذ قليل "لا أحد يأكل عقلي"
جذب الغطاء على نصفه الأسفل وإصراره واضح "حتى لو أنكرت للعالم كله أو لنفسك حتى فحبك لها واضح جدا"
تجهم العابث، ارتبكت أفكاره.. الحب كلمة لا ترد على ذهنه.. الرغبة، المتعة، العرفي لكن حب!!؟؟
أطفأ السيجارة قبل أن تحرق أصابعه مرة أخرى بيوم واحد ولم يرد وهو يتحرك للخارج وقد أظلمت عيونه وتوقف عقله عن العمل ولم يجد سوى دواسة الوقود ليضغطها بقوة والبحر يتلقاه
واقفا على الصخر والموج يبعثر رذاذه عليه وهو لا يبالي.. يداه بجيوبه، نظراته تغرق بأعماق مياه البحر وأفكاره تتقلب كالموج أمامه
الهدوء، الوحدة دواء عندما لا تجد ما يشفي علتك..
الوحدة ليست بجديدة بل رفيقته وهي الشيء الوحيد الذي يجعله يجيد التفكير واليود يفتح شرايينه يمنحه جرعة الراحة.. البحر أب وأخ ورفيق..
هل أحبها؟
سؤال لا إجابة له كل ما يعرفه أنها لن تكون لسواه..
التفت وعاد للسيارة وهو يعرف تماما ماذا سيفعل..
انتهى اجتماع الريس.. خرج الرجال بعد ساعات طويلة من النقاش والريس يعصرهم..
القى الأوراق على مكتبه وجذب هاتفه والسكرتيرة تدخل "سيد رشدي بالخارج"
لم يرفع عيونه عن الهاتف "سأمنحك الإذن بإدخاله عندما أنتهي"
صوت الملاك ملاك "حبيبي يذكرني"
احتاج لصوتها بعد يوم مرهق "لا يذكر سواك، هل انتهيت؟"
كانت تدخل السيارة وأنس يقود "نعم، أرغب بحمام دافئ والنوم"
أمام الظلام بالخارج وقف، كم وقف هنا ساعات وساعات يفكر بها ويتساءل هل بيوم ما ستكون له؟
"هارون"
أغلق عيونه مستمتعا باسمه من شفتيها "قلب هارون"
ابتسمت "لا تتأخر يا ريس صغيرتك تريدك"
الابتسامة لها بالطبع "الريس كله ملك صغيرته"
أغلق وعاد لمكتبه وبجهاز الصوت منح الأمر بدخول العابث
لم ينظر له وهو يدخل غالق الباب خلفه، ظل يحدق بشاشة جهازه واقفا "هل اتخذت قرارك؟"
توقف بمكانه وكلمات هارون جمدته.. أي قرار يعني؟ هو لن يتركها.. لن يمزق الورقة
"لن أتركها هارون، هي زوجتي"
رفع عيونه المشعة بزرقة السماء له "عرفي، بالسر مما جعل ناصر يطمع بها ولن يقف الأمر عند ناصر"
الكلمات من الريس موزونة تعرف طريقها جيدا تمنح تحذير وإقرار "لنمزق العرفي إذن هارون"
تحرك لمقعده واضجع به وملأ المكان بغرور الريس "و.."
الهدوء أحيانا يصبح شيء مخيف، يدمر أعصاب من أمامك، يفقده السيطرة ويخرج من داخله كل ما يخفيه
"لن يتزوج أحلام أحد"
"لا أفهم.. الرجل دق الأبواب وطلبها مني رسمي وسواه قد يفعل وأنت.. "
الغضب ثار داخله مرة أخرى.. ليس غضب يا عابث.. غيرة.. الغيرة أخرجتك من الجمود
حطمت الصخر، حولته لفتات 
"أنا زوجها هارون هل تعي ما تقول؟"
ظل هارون متماسكا، يمتص كل الشحنات الزائدة بالسلك الكهربائي الذي سينشر شرر يشعل النيران بكل شيء
عندما لم يرد هارون، السيجارة اعتلت شفاهه تعبث معه، تدرك أن عقله مثلها يفسده والآن لا يعلم إلى أين سيذهب العابث 
"أنا سأتزوجها رسمي"
ظل الريس ثابتا وكأن الأمر لم يفاجئه وهو بالفعل لم يتفاجأ هو بالأساس أراد ذلك، من أول يوم أدرك أن العابث سقط ولكنه كان بحاجة لصفعة كي تخرجه من الغيبوبة وناصر كان الصفعة..
"جيد، أحلام تعود بيتي وأنت تأتي مع والدك مثل ناصر وتطلبها مني ومن أخيها ولو وافقت يقام لها حفل زفاف كأي فتاة"
قزم سقط بأرض العمالقة، بل هو عملاق ولكنه فاقد للعقل لذا لا يعرف أي الأبواب الصحيحة يطرق؟
ثار، هاج وماج لكن من داخله، نظرات الريس تعني، لا جدال فابتلع ثورته وتبعها بالنيكوتين كاظما غيظه ولكن لا شيء سيوقفه عنها
"تمام، سأعيدها البيت وغدا سأكون عندك"
الريس يعرف كيف يضغط "لست أنت من سيعيدها"
والتقت العيون والاعتراض تلك المرة كان واضحا ومعلنا عن نفسه..
**** 
انتهت أحلام من ترتيب الشقة.. جلست أمام التلفاز كعادتها، آثار قبضته على ذراعيها، صوته ما زال بأذنيها واسم ناصر يتردد بأذنها وأسئلة لا حصر لها بعقلها..
ما الذي فعله ذلك الرجل جعل الجامد يخرج عن جموده؟
لماذا ثار بتلك الطريقة واندفع خارجا رغم أنه لم يبدي رغبة بالخروج اليوم؟
رنين جرس الباب جعلها تفزع، هل عاد ذلك الرجل؟ رشدي لا يرن جرس أبدا..
عودة الرنين جعلتها تجذب الروب وترتديه وتتحرك للباب وتسال "من!؟" تعلمت الدرس جيدا
الصوت جعلها تنتفض، قلبها ينبض بقوة ويذوب بين ضلوعها 
"هارون" 
تراجعت واتسعت عيونها، لم تظن أن تواجه الريس بأي يوم، كانت تراه، تتحدث معه كلمة أو اثنان لكن أن يأتي هنا وهي بتلك الورطة مع العابث؟
ماذا ستخبره؟
صوته جعلها ترتعد مرة أخرى وتسرع لتفتح.. شامخا شموخ الرؤساء، هادئا بلا زوابع.. التقى بنظراتها الخائفة مدركا ما تشعر به "هل أدخل؟"
تراجعت بلا تفكير.. لا أحد يجرؤ على رفض شيء للريس 
أغلقت الباب وظلت لحظة قبل أن تلتف وهو يتحرك، يداه بجيوبه يتأمل الشقة "رشدي يدلل نفسه جيدا"
والتفت لها، تورد وجهها خجلة من الرجل الذي عاشت تحت كنفه سنوات والآن ينظر لها وكأنه يعريها، دعارة.. عرفي
"أنا.."
"أعرف كل شيء أحلام، لست بحاجة لتوضيح ولا أتيت لتوبيخك على شيء فلا ذنب لك في كل ما حدث"
دموعها أغرقت عيونها.. ليال أيضا كانت تتعاطف معها 
تحرك لها حتى وقف أمامها وهي ترفع وجهها المبلل بدموعها له، كان حاميها ورب العائلة ولكنها افتقدته وقت سقطت بالوحل
"خشيت لو طلبتك سعد يعرف ويقتلني"
تفهم كل ما تقوله، كفتاة بسيطة مثلها لابد أن تفكر بتلك الطريقة، تسقط الصواب بين عثرات الخوف "ولو أني لا أتبع رجالي لكني أتفهم أحلام، رشدي كان حل بوقت اختفت كل الحلول من ذهنك"
سقطت الدموع أكثر وانخفضت عيونها تذكر تلك الأيام والفزع الذي عاشته والظلام الذي كان يلفها فلم ترى سوى رشدي
مال تجاها وقال "ناصر طلبك للزواج"
ارتفع وجهها له واتسعت عيونها وهي لا تصدق ما يقول، ابتعد من أمامها مانحا إياها لحظتها من استيعاب ما قاله 
جلس بالمقعد وللدهشة هو مقعد رشدي، يليق بالريس أكثر
أخيرا تحركت، رغبت بالجلوس فالكلمات ثقيلة وأقدامها لا تحملها.. رجل رآها دقائق لا تذكر ويطلبها للزواج!؟ 
لذا ثار رشدي وغضب عليها..
انتظر حتى استوعبت ما قال ومسحت دموعها "ورشدي؟"
أسند رأسه على أصابعه ورمقها بالأزرق الساكن سكون مياه البحر بالصيف "هو الآخر سيطلبك لزواج شرعي"
شهقت، سعلت وكادت تزهق روحها لولا المياه التي مدها الريس لها فتناولتها وهي تتلو الشهادة وتضع يدها على صدرها
رشدي يتزوجها شرعي!؟ 
هل ما يحدث لها واقع!؟ الريس لا يعبث بالحديث أبدا لماذا فعل ذلك؟
الريس أجبره على الزواج منها، هذا بالتأكيد ما حدث، الريس جعله يختار بين أن يتركها لناصر أو يتزوجها هو وهو بالطبع ثار لكرامته وليس من أجلها
"هل أصبحت بخير؟"
مسحت الدموع وانتبهت له وهو يتابعها مدركا الصراع القائم داخلها، خبرته ليست فقط بالرجال بل بكل ما قابله بحياته، نساء وأطفال وكبار السن.. الكثير مر بسنوات عمره
هزت رأسها بالإيجاب فارتد للمقعد وجلس فقالت "وسعد يعلم؟ برشدي؟"
"نعم، لكنه لا يعلم شيء عن زواجكم العرفي"
هو بالفعل أخبره بناصر ورشدي لكن لم يخبره بالعرفي، سعد متهور وهو يعلم ذلك جيدا لذا سيختار الوقت المناسب لإخباره أو لا يخبره من الأساس
"أنت تريدني أن أوافق على رشدي؟"
لف وجهه للمكان من حوله محاولا منحها لحظة إدراك بمعنى ما تقول ولكنها أضعف من أن تدرك أو تفهم
عاد لها.. نظراته تواجه عيونها الدامعة والتائهة، رفض وجود رشدي أو سعد كي لا تتأثر أو تخاف وأتى وحده ليمنحها حرية القرار
"أنا أريدك أن تتخذي قرارك وحدك، ناصر، رشدي أو حتى تتحرري بلا واحد منهم، وذلك بلا تأثر من رشدي أو سعد"
السكون نقيض الحيرة، هي بين نارين، نار الحرية لكن بذكرى العرفي وبين العودة لرشدي وهي تكرهه
وهل نسيت الاختيار الثالث يا عسلية؟ ناصر
"ليس لدي اختيار يا ريس"
"بلى لديك، وأمنحك وقت لتفعلي ولكن وأنت ببيتي، لم يعد هناك داعي لوجودك هنا.. من يريدك سيأتي ويطلبك مني ومن أخيك وأنا معك بأي قرار تتخذيه"
تورد وجهها وشعرت بالقوة بلحظة الضعف.. الريس يساندها كما أخبرتها ليال وهي لا تخاف الآن لكن حائرة
"أعود البيت!؟ أقصد.."
ظل مضجعا بالمقعد متفهما ما تفكر به وتخشى من قوله "سعد لن يجرؤ على المساس بك، أنت تحت حمايتي"
أغمضت عيونها.. الأمان بوجود الريس، ليتها لجأت له ما ضاعت كما هي الآن
منحها لحظتها، ملامحها تدل على الراحة والقلق بذات الوقت وهو لا يحاول الضغط عليها حتى فتحت عيونها فقال "هل نذهب؟"
هزت رأسها وتحركت لاستبدال ملابسها، وبالغرفة التي تشاركت بها معه كل شيء وقفت، تلف حول نفسها، هنا سلب منها عذريتها، عايرها بالدعارة.. قلل منها بكل الأشكال لذا هي تكره تلك الغرفة..
خلعت الروب والهاتف يثقله فأخرجته من الجيب وللحظة ظلت تمسك به ولا تعرف لماذا رغبت بمهاتفته، سؤاله عما حدث؟
ترددت ولكن ضعفها أجبرها، عقلها الصغير انكمش أكثر حتى بدا وكأنه غير موجود
رنين مستمر حتى أتاها الرد، لكمة بمعدتها، صفعة على وجهها "من معي؟"
امرأة!؟ أيها العابث أنت تستحق جهنم
"من أنت؟"
بكل الغضب والجنون سألت والصوت يجيب بدلال "بل من أنت وماذا تريدين؟"
لفت مرة أخرى حول نفسها وهي تشعر بجنون يلفها، سوط يلسعها على جلدها "أين رشدي؟"
صوت المرأة الغاضبة قوي لكن صوت المتمردة أقوى "مشغول ولن يمكنه الرد، من أنت ل.."
أغلقت وقذفت الهاتف على الفراش بغضب منه، من نفسها لأنها ظنت أنه يستحق فرصة لكنه جبان سيعيش ويموت زئر نساء..
**** 
ما أن وصلت أسما الشارع الذي تقيم به وهي تحمل أكياس طلبات للبيت حتى رأت صبحي يجلس أمام قهوته وهذا طبيعي لكن أن ترى عم خيري صاحب البيت يجلس معه فهذا لم يكن طبيعي
النظرات تحولت لها على الفور وتوقفت الكلمات بينهم وهي تجنبت النظر لهم وهي تمر لكن خيري استوقفها
"يا باش مهندسة هل لي بلحظة من وقتك!؟"
ارتبكت وتوقفت تواجه دون النظر لصبحي الذي ارتد بالمقعد رافعا ساقا فوق الأخرى بملابس المعلم ونظراته تتحداها أن تظل الأقوى..
"نعم عم خيري"
تقدم الرجل منها ونال اهتمامها وهو يقف أمامها "تعلمين أن الأجرة تأخرت كثيرا، سنة وشهرين وأظن أن من حقي المطالبة بها"
كخبيرة الكترونيات لديها دخل جيد جدا يكفيها لكن كابنة لمدمن كحوليات لا شيء سيكفي
"بالطبع ولكن أنت تعلم الظروف"
أبعد وجهه وبدا وكأن الحديث كله لا يروق له حتى عاد لها "هناك من يرغب بالشقة وأمواله جاهزة وبصراحة أنا بحاجة للمال"
سقطت نظراتها على صبحي الذي تلوت ابتسامة انتصار على شفاهه قابلتها بكره واضح قبل أن تعود للرجل "تمام عم خيري يومين وسأكون جهزت لك المال"
تنهد الرجل "تمام يا ابنتي، التمسي لي العذر لكنك تعرفين الظروف والمبلغ المعروض أمامي.."
لم تدعه يكمل وهي تعود لصبحي "بالطبع لابد أن يكون، لا تقلق سأجهز لك المال"
وتركته وتحركت لداخل البيت لكن صوت صبحي أوقفها "يمكنني السداد"
التفتت له والغضب يقابله بعيونها، ألا يدرك ما يطلبه، لديه امرأتان وأطفال فماذا يريد منها؟
"لست بحاجة لك"
تحرك ووقف أمامها وملامحه البغيضة تجعلها ترتد للخلف "لن يمكنك التخلص مني بسهولة، الخمر إدمان والإدمان يحتاج لمال كثير وأنت.."
"لا دخل لك بي ولا بحياتي وابتعد عنا، عد لزوجاتك وكف عن مضايقة بنات الناس"
وصعدت الدرجات والجنون يصيبه منها "لست واحدة من بنات الناس، أنت ابنة مدمن وحرامي"
لفت وجهها له بغضب وهتفت "ولماذا تريدني إذن؟"
وأكملت الدرجات بأقصى سرعة كي تختفي من أمامه والكلمات ناقوس يرن دون توقف يذكرها بمن هي وكيف يراها من حولها
والدها ترنح أمامها بلا زجاجة بيده، بدا أنه أنهى واحدة لذا مزاجه هادئ بلا عواصف "ماذا كان يريد منك خيري؟"
تحركت للمطبخ تضع الأكياس دون أن تجيبه لكنه تبعها "أنا أتحدث معك"
فرغت الأشياء بالمبرد أو دولاب التخزين "الأجرة المتأخرة"
استند على الباب، جسده بحالة فقدان اتزان وفقدان وعي وفقدان كل شيء بالحياة، لا يرغب بالتغيير، بالعودة كرجل له ابنة بعمر الزواج وهو يمنحها ثوب العار.. الرذيلة
"كيف يجرؤ على ذلك؟"
رمقته بنظرة لم يفهمها لأن مركز الفهم تعطل، المخ بالأساس مخدر، نائم ومستكين ولا حياة لمن تنادي
"سنة وشهران تجعله يجرؤ على أي شيء"
ودفعته برفق لتتحرك لغرفتها فتبعها وبدا مصرا على إكمال شيء ما لم تفهمه 
"سنلقي له المال بوجهه"
تركت حذاءها بمكانه ووقفت أمامه ونظراته الذابلة تدل على حالته، عيونه المحلقة، جسده الذي نحف حتى كاد يتلاشى، أكلته الخمور بلا مقاومة 
الخمر حرام شرعا، كل مذهبات العقول حرام شرعا
"ومن أين سنأتي بالمال بابا!؟ راتبي كله يذهب على البيت وزجاجاتك التي لا تنتهي؟"
المواجهة كانت حاسمة لكن هي تعلم أنها بلا فائدة فهو لن يتراجع ولن يقبل بالعلاج وهي ليس لديها أي طاقة لشيء آخر فقد تعبت
تحركت بطريقها للحمام لكن كلماته أوقفتها "أنا لدي حل لكل مشاكلك"
جمدت عيونها عليه، التصقت قدماها بالأرض وربما ظنت أنه يعبث بها أو أنه لا يعي ما يقول "الذي هو؟"
"عريس! زواج شرعي، رجل يمنحك كل شيء ويمنحني كل ما أريد"
لمعت عيونه بالجشع الرابض داخله، وحش الإدمان ينهش كل شيء مسموح وغير مسموح، لديه قدرة على نسيان كل جميل كان بحياتهم قبل أن يسقط بشرك الإدمان
"وهل لديك هذا العريس المميز؟"
ابتسم وقد ظن أنها تقبل الأمر ولم يدرك أنها فهمت كل شيء، الملعون صبحي تلاعب به كالدمية، اشتراه بزجاجة
"المعلم صبحي"
وكانت ليلة أسود من ظلام الليل الحالك انتهت بغلق غرفتها بالمفتاح وصراخه ملأ المكان ودموعها أغرقت وسادتها..
طل الصباح وبالاستعداد للعمل كان الرجل لها بالمرصاد، أغلق باب الشقة ووضع مقعد وعين نفسه حارس البوابة
تجهمت، وتجمدت مكانها لا تفهم معنى تصرفه "بابا ماذا تفعل؟"
شرر تطاير من عيونه، لم يستطيع استخلاص موافقتها على صبحي إذن الإجبار حل رائع والمال سيكون له..
"لن تخرجي من البيت وصبحي سيحضر المأذون، أنا أخبرته أن اليوم عقد القران والاسبوع القادم الزفاف"
لم تكتم صرختها والفزع أخذ أقصى معدلاته داخلها والاعتراض بالطبع "ماذا!؟ وهل تظن أني سأوافق"
وللحظة لم تصدق ما رأته ولم تستوعب تصرف أب كهذا مع ابنته.. بالميديا كثير من تلك الكوارث لكن أن تقع لها هي فهذا من سابع المستحيلات
سكين لمع بيده التي أخرجها من جيبه، تراجعت حتى اصطدمت بباب غرفتها والتصقت به وكأنها تستنجد به أو تطلب منه إيقاظها من الكابوس
ليس كابوس يا تعيسة بل واقع، ألم نتحدث عن مذهبات العقول؟
"بابا.. بابا ما.. ما هذا؟"
رفع السكين، لوح به أمامه وأمامها ونظراته تحولت لنظرات شيطان مارد قفز من عالمه لعالم الإنس سعيدا بنشر أجندته بالفساد
"لا تخبريني أن نظرك أصيب بالضعف فجأة، سكين"
الكلمة صدرت منه بزعقة قوية وملامح نفس الشيطان، أظافرها نحتت الخشب خلفها من شدة الفزع ولم يمكنها استيعاب تصرفه
"إذا حاولت الفرار مني سأقتلك وأدخل السجن وأرتاح بالإعدام، أنت لن ترغبي بمصير كهذا لنا لذا الطاعة أفضل"
ارتبكت، تناثرت الحروف محاولة تجميع نفسها لتكوين كلمات على فمها "بابا أرجوك توقف، صبحي لن يقدم لك ما وعدك به، بمجرد أن ينال مراده سيبيعك ولن يمنحك شيء وأنا سأخسر نفسي وعملي ومستقبلي"
شوح بالسكين، لا مكان للعقل اليوم، الثلاثاء أجازه العقول أغلق وانصرف
"الرجل يربط من لسانه وصبحي سيد الرجال بل ومعلم ولن يتراجع بكلمته معي، ادخلي غرفتك واستعدي، ستكونين عروسة الليلة وإلا.."
توقف عقلها عن العمل وهو يلوح بالسكين بالهواء وأسرعت لغرفتها وأغلقت الباب والدموع صديقها الأول ورن هاتفها.. 
ليال..
تعليقات



<>