رواية بين سطور العشق الفصل الثامن8 بقلم سيليا البحيري

رواية بين سطور العشق الفصل الثامن بقلم سيليا البحيري 
 
عند المأذون 
المكان صغير، ريحة الورق القديم مالية الجو، والمروحة السقف بترفرف ببطء.
المأذون قاعد ورا مكتبه الخشب العتيق، عينيه على الورق قدامه، والكل ساكت وصوت الصمت تقيل.

غزل قاعدة جنب ريان، عينيها في الأرض، وشها شاحب، وصوابعها بتلعب في طرف فستانها كأنها بتحاول تهدي رعشة إيديها.
ريان كان بيكتم ابتسامة صغيرة، قلبه بيدق بسرعة، بس ملامحه ثابتة وجادة.

ضحى قاعدة جنب زياد، في عينيها نفس الحزن المكبوت، وكأنها بتقول من غير كلام: "أنا ماكنتش عايزة ده… بس النصيب كده"
زياد على غير العادة قليل الكلام، بيرمي لها نظرات جانبية بين وقت والتاني، كأنه بيحاول يفهمها من غير ما ينطق.

حلا واقفة جنب يوسف ومهاب، بتبص على المشهد بقلق، قلبها مقبوض على غزل وضحى، وفي نفس الوقت فرحانة إن إخواتها مش هيدخلوا في مشاكل مع أبو البنات تاني.

المأذون (رافع راسه من الورق):
– نبدأ بالعريس الأول… ريان أحمد.

ريان مد إيده ياخد القلم، خد نفس عميق ووقّع بثبات، وبص لـ غزل وقال بهمس ما حدش سمعه غيرها:
– ما تخافيش… أنا هكون سندك طول عمرك.

غزل ما رفعتش عينيها، بس إيديها كانت بترتعش وهي بتمضي.

المأذون:
– العريس التاني… زياد أحمد.

زياد ابتسم ابتسامة خفيفة، وحب يخفف الجو:
– يا جماعة، إحنا أول إخوات في التاريخ نتجوز في نفس اليوم… وبنات من نفس العيلة!
بس محدش ضحك، فبلع ضحكته ووقّع.

ضحى خدت القلم بتردد، كتبت اسمها ببطء، وسلمت الورقة من غير ما تبص لحد.

يوسف (بصوت واطي وهو مايل على مهاب):
– شكلهم مش مستوعبين اللي بيحصل.

مهاب (بصوت هادي وجاد):
– المهم نحميهم… والزمن بعدين كفيل يغير كل حاجة.

حلا في اللحظة دي كانت حاسة إن قلبها نصه فرحان إن الأمور هديت، ونصه التاني حزين لأن الجواز ده جه من باب الظروف، مش من باب الحب.

المأذون قفل الملفات وقال بنبرة رسمية:
– مبروك… ربنا يتمم بخير.

ريان بص لـ غزل وابتسم لها برفق، بس هي ما ابتسمتش.
زياد مال على ضحى وقال بهمس:
– أوعدك مش هتندمي.

ضحى ما ردتش… قامت ومشيت مع أختها ووشها ثابت من غير أي تعبير.

حلا بصت لـ مهاب ويوسف، وبعدين للعرسان الأربعة وهما بيخرجوا من المكتب… وفي قلبها دعوة إن الجواز ده يكون بداية خير، مش حمل تقيل عليهم
*********************

– أمام مكتب المأذون –
الشمس بدأت تميل نحو الغروب، والهواء الدافئ يمر بين الأزقة الضيقة. خرجوا واحدًا تلو الآخر، وكل واحد يحمل بداخله مشاعر متناقضة.

ريان كان يسير بجانب غزل، يحاول أن يخفف الجو:
– تحبي نمر على مكان نشرب فيه عصير قبل ما نرجع؟
غزل (دون أن تنظر إليه):
– لا… عايزة أروح.

صمت ريان للحظة، ثم ابتسم بهدوء وكأن الرفض لم يزعجه:
– زي ما تحبي… المهم ترتاحي.

زياد بدوره اقترب من ضحى، ابتسامة خفيفة على وجهه:
– إنتِ عارفة إني مش كنت السبب في اللي حصل… صح؟
ضحى (ببرود):
– السبب مش مهم دلوقتي… المهم خلّصنا.

زياد رفع حاجبيه بدهشة، لكنه فضل الصمت، يعرف أن الوقت ليس مناسبًا للمزاح.

حلا كانت تمشي خلفهم بصحبة مهاب ويوسف. نظرت إلى يوسف وهمست:
– مش قادرة أفرّق إذا كنت فرحانة أو حزينة.
يوسف (بابتسامة صغيرة):
– طبيعي… لأن قلبك طيب.

مهاب الذي كان يستمع بصمت قال بصوت حاسم:
– المهم إنهم تحت سقف آمن… الباقي مش مشكلتنا دلوقتي.

وصلوا إلى السيارات، ريان فتح باب السيارة لغزل وهو يقول:
– تفضلي.
نظرت إليه للحظة، ثم ركبت بصمت.

زياد فتح الباب لضحى، وهي لم تعطه حتى نظرة واحدة.
زياد (بصوت منخفض):
– أوعدك… هخليك سعيدة.

ضحى:
– الكلام سهل.

ركب الجميع، وتوزعوا بين السيارتين.
في السيارة الأولى، جلس مهاب في المقعد الأمامي بجانب السائق، وحلا ويوسف في الخلف. حلا كانت تراقب من النافذة ريان وغزل في السيارة الأخرى، وتتساءل بصوت خافت:
– يا ترى… هيقدروا يلاقوا السعادة بعد البداية دي؟

يوسف نظر إليها وقال:
– يمكن… لو كل واحد فيهم قرر يدي فرصة.

مهاب ظل صامتًا، لكن نظرته في المرآة الأمامية كانت تراقب كل شيء… وكأنه لا يريد أن يترك أي احتمال للمشاكل
*******************

– شركة أدهم –

المكتب الواسع بزجاجه بيطل على المدينة، وضوء النهار داخل من الشبابيك الكبيرة.
أدهم واقف عند مكتبه، بيقلب في شوية ملفات، بس كل شوية عينه تروح على الساعة… كأنه مستني حاجة.

فجأة الباب اتفتح، ودخلت حلا بخطوات مترددة، ووراها ماشي مهاب بهدوءه وهيبته المعتادة.
عيني أدهم وقعت على حلا فورًا… كأن لون المكتب اتغير، وابتسامة خفيفة حاول يخفيها طلعت على وشه.

أدهم (بهدوء وهو بيقرب):
– أخيرًا… افتكرتي الطريق.

حلا (بتوتر وهي بتحاول تبرر):
– امبارح… كان عندي ظروف عائلية.

أدهم بص لها نظرة طويلة فهمت منها إنه كان قلقان عليها بجد، وبعدين لف على مهاب ورجع جديته:
– أهلاً… أظن حضرتك أخو حلا؟

مهاب (مد إيده ببرود):
– مهاب…

أدهم صافحه بثبات:
– أدهم فارس… مخرج الشركة.

قعدوا كلهم، حلا اختارت كرسي على الجنب كأنها بتحاول تبعد عن خط النار اللي بين الرجالة.

أدهم (باصص على مهاب):
– حلا قالتلي إنك حابب تتعرف على طبيعة الشغل قبل ما تكمل معانا.

مهاب (بصوت ثابت):
– طبيعي… أنا مسؤول عنها، ومش عايزها تشتت وقتها في حاجات ملهاش لازمة.

أدهم هز راسه باحترام:
– فاهم حرصك… بس اللي بنعمله هنا مش تضييع وقت، دي فرصة حقيقية تنمّي موهبتها.

مهاب اكتفى ببصة ساكتة كأنه بيقيس كلام أدهم.
أدهم فضل هادي، وابتدى يشرح خطوات الشغل… من تحويل النصوص لسيناريو، لاختيار الممثلين، لحد التصوير.

حلا بتبص عليهم بقلق، وعينيها رايحة جاية بينهم كأنها بتتفرج على ماتش من غير صوت.

فجأة أدهم وقف الشرح، وبص لها بابتسامة خفيفة:
– وإنتِ… فين وصلتي في الفصل الجديد من الرواية؟

حلا اتلخبطت وهي مستغربة إنه لسه فاكر التفاصيل:
– تقريبًا خلصت…

مهاب بص لها بصة جانبية كأنه بيقولها "اسكتي"، فوطّت راسها.
أدهم لاحظ، بس ما علّقش… واكتفى بنبرة هادية:
– تمام… هنناقشه قريب.

بعد ما خلصوا الجولة في الشركة، خرج مهاب وحلا، وأدهم فضل واقف عند باب مكتبه يبص عليهم لحد ما اختفوا… وعينه بتقول بوضوح:
"وحشتيني… حتى وإنتِ قدامي."
*******************

– فيلا جيلان، لندن –

السماء ورا الشبابيك الكبيرة مليانة سحاب، والمطر بيخبط على الإزاز بنغمة باردة.
جوه الصالون الفخم، جيلان قاعدة على كنبة مخمل لونها نبيتي، قدامها فنجان قهوة ساقع من ساعة ما الشغالة حطته وممدتش إيدها عليه.
صوابعها الرفيعة بتخبط بسرعة على دراع الكنبة، وعينيها بتلمع بغِل مكتوم.

الريحة التقيلة لعطرها مالية المكان… بس الجو كله مشحون بالكراهية.

جيلان (بصوت واطي مليان حقد):
– فيروز… يا متكبرة… تقفلي الباب في وشي؟! دي إنتي كنتي بتجري ورا صداقتي زمان… ودلوقتي فاكرة نفسك أحسن مني عشان اتجوزتي أحمد النجار؟!

سكتت لحظة، وبعدين ضحكت ضحكة قصيرة مافيهاش أي فرحة:
– تمنعي وائل عن حلا؟!… لأ، أنا اللي هخلّي بنتك الصغيرة تندم على اليوم اللي اتولدت فيه.

ساعتها باب الصالون اتفتح، ودخل وائل بخطوات واثقة، لابس بدلة أنيقة رغم الوقت المتأخر.
ريحة عطره الرجولي سبقت دخوله، وعلى وشه ابتسامة كسولة فيها سخرية ولا مبالاة.

وائل (بيتمطّى وهو بيرمي موبايله على الكنبة اللي قدامها):
– مسا الخير يا ماما… أو صباح الخير، مش عارف. واضح إنك صاحيه من الفجر.

جيلان (فجأة بتنفجر فيه):
– كفاية استهتار بقى يا وائل! كنت على وشك أظبطلك أحلى جوازة في لندن، ودلوقتي بفضل رفض فيروز… كل حاجة بازت!

وائل (بابتسامة جانبية وهو بيقعد):
– أحلى جوازة؟ تقصدي أحلى صفقة… ماما، إنتي عايزاني أتجوز حلا عشان هي بنت أحمد… لا أكتر ولا أقل.

جيلان (بغضب وهي بتبص له):
– وإيه العيب في كده؟! أحمد النجار معاه فلوس ما تحلمش بيها، وحلا حلوة كفاية تبقى مراتك، بس إنت كعادتك… تضيع الفرص وتلعب بأي بنت نختارهالك لحد ما تبوظها!

وائل (ببرود وهو بيبص على ضوافره):
– أنا ما ببوظش… أنا بس بكون نفسي. وبعدين حلا مش من النوع اللي هيقع في غرامي… الموضوع واضح.

جيلان (مصرّة):
– لما تتجوزها، هتتعلم تحبك. لكن لأ… فيروز قررت تقفل الباب! هي وأحمد فاكرين نفسهم فوق الكل… بس أنا هخليها تدفع تمن الرفض ده.

وائل (ساخر):
– أمي، نسيتي إن كل مرة تحاولي تزبطيلي مع بنت… أنا اللي بطلع كسبان؟ نلاقي لعبة جديدة أحسن، الحكاية دي بقت مملة.

جيلان (بتقرب منه وبتتكلم ببطء وحقد):
– اللعبة لسه ما بدأتش يا وائل… بس صدقني، لما تبدأ… هتكون إنت جزء من خطتي، غصب عنك.

ابتسامة سخرية ارتسمت على وشه وهو بيرجع لورا، عارف إن أمه ما بتهزرش… بس برضه، ما خدش الكلام بجدية كاملة… لسه
*********************

– شركة "الراوي" للإنتاج – بعد الضهر

بعد ما مهاب خرج من المكتب بخطوات ثابتة ووشه جامد، الصمت سيطر لثواني.
حلا لسه قاعدة على الكرسي اللي قدام مكتب أدهم، صوابعها متشابكة بتوتر، وعينيها لسه فيها بقايا قلق من المواجهة اللي حصلت قبل شوية… لكن جواها إحساس غريب بالراحة عشان كل حاجة ما وقعتش.

أدهم قعد ورا مكتبه، مميل شوية لقدام، صوته هادي بس عينيه مثبتة عليها:
– إذن… هنبدأ أول خطوة لتحويل روايتك لمسلسل. بس عندي نقطة مهمة قبل ما نكمّل.

حلا (بحذر):
– نقطة إيه؟

أدهم (بهدوء مقصود):
– كنت ناوي أخلي البطلة إنتِ… لكن فكرت، وأظن الأحسن نجيب ممثلة محترفة. فيه بنت اسمها ليان، ملامحها بريئة، قريبة من الصورة اللي إنتِ رسمتيها للبطلة.

ابتسامة صغيرة وقفت مكانها على وش حلا، إحساس بالخيبة عدى في قلبها، لكنها خبّته بابتسامة مصطنعة:
– أكيد… أهم حاجة الشغل يطلع بأحسن صورة.

أدهم لمح لمعة بسيطة في عينيها، لكنه عمل نفسه مشغول بيرتب أوراق.
وفجأة الباب اتفتح بسرعة، ودخل تميم، صاحبه المقرّب، بابتسامة عريضة وصوت مليان حيوية:
– يا نهار أبيض! هو المكتب منوّر كده ليه؟

حلا وقفت نفسها عن التنفس لثانية، وعينه راحت عليها بدهشة واضحة:
– إيه ده؟ ما عرفتناش على القمر ده ليه من زمان يا أدهم؟

ما كملش الجملة غير لما حس بنظرة أدهم الحادة زي السهم، تحذير صامت: "إوعى تكمل."
تميم ابتسم بارتباك ورفع إيديه كأنه بيستسلم.

حلا (بخجل وهي بتبتسم بخفة):
– أهلًا… أنا حلا.

تميم:
– تشرفنا يا آنسة حلا.

لكنها ما استنتش رد تاني، مسكت شنطتها وقامت بسرعة، قلبها بيدق بطريقة غريبة:
– عن إذنك… عندي شغل لازم أخلّصه في البيت.

خرجت وهي بتحاول ما تبصش وراها، وسابت وراها صمت قصير بين الاتنين، وصوت خطواتها بيتلاشى في الممر.

تميم (بابتسامة فيها مكر):
– واضح إنك مخبّي عليّ كتير.

أدهم (ببرود بس عينيه بتقول حاجة تانية):
– هتتأخر يا تميم ولا نبدأ الاجتماع؟

تميم ابتسم أكتر، فاهم إن الحكاية لسه ما بدأتش… لكن شكلها هتبقى ممتعة
*******************

– قدّام مكتب أدهم – في ممر الشركة

حلا خرجت من مكتب أدهم بخطوات سريعة، راسها لتحت وعقلها لسه بيلف في موضوع المسلسل و"ليان". قلبها بيدق جامد من لحظة تميم ونظرات أدهم… ومخدتش بالها من البنت اللي جاية من الناحية التانية.

خبط جامد خلا أوراق كانت في إيد البنت تقع على الأرض وتتبعتر.

حلا (بتلف بسرعة):
– آسفة… ما كنتش شايفة—

قبل ما تكمل، صوت حاد مليان تكبّر قطع كلامها:
لوسيندا:
– إنتي عمياء ولا إيه؟!

حلا رفعت راسها، وشافت قدامها بنت طويلة، شعرها أشقر دهبي سايباه نازل، عنيها خضرا حدّة زي السكاكين، ملامحها مزيج بين جمال يخطف ونظرة متعالية. حضورها تقيل، كأنها متعودة الكل يفسحلها الطريق.

حلا (بخجل وتوتر):
– آسفة… والله ما كانش قصدي.

لكن لوسيندا ما رجعتش لورا، بالعكس… خطت خطوة لقدام وهي بتمسحها من فوق لتحت بعينيها، وفيهم لمعة غيرة ظهرت فجأة:
– وإنتي مين أصلًا؟ إيه اللي جابك هنا؟

حلا (بتتلخبط):
– أنا… جاية أقابل أستاذ أدهم… في شغل.

لوسيندا ثبتت نظرتها عليها، كأنها بتحاول تقرا كل تفصيلة في وشها، وبعدين ضاقت عنيها ببطء:
– شغل؟ ولا حاجة تانية؟

حلا ارتبكت أكتر، حسّت الدم بيجري في وشها. الست اللي قدامها دي ليها هيبة وجمال لافت، لكن فيه رهبة… كأنها ممكن تسحق أي حد بكلمة.

لوسيندا (بصوت واطي بس حاد):
– إبعدي عن طريقي… وعن أماكن مش بتاعتك.

حلا هزت راسها بسرعة، وشدت شنطتها بإيدها وانطلقت بخطوات شبه جري وهي تبعد، قلبها بيدق بسرعة من الخوف.

لوسيندا فضلت واقفة مكانها لحظة، بتبص وراها بعينيها الضيّقة، وجواها نار غيرة مولعة:
– دي مين… وإيه اللي بيعمله أدهم معاها؟

ابتسمت ابتسامة باردة وهي ماشية ناحية مكتب ابن عمها، وعينها على حاجة واحدة: تعرف كل حاجة
********************
بعد فترة قصيرة 

كان أدهم يجلس خلف مكتبه، يتصفح بعض الأوراق مع تميم الذي يقلب في ملفات المسلسل الجديد، حين فُتح الباب فجأة دون طرق.

أدهم (يرفع رأسه بحدة): "إيه ده؟!"

دخلت لوسيندا بخطوات واثقة، ابتسامة مغرورة ترتسم على وجهها، وكأن المكان ملكها. كانت ترتدي فستانًا أنيقًا جدًا، مصمم بعناية ليخطف الأنظار.

أدهم (ببرود ممتزج بالانزعاج): "لوسيندا… إنتي بتعملي إيه هنا؟"

لوسيندا: "وحشتني يا ابن عمي… قولت أجي أشوفك."

تميم ألقى نظرة سريعة عليها ثم عاد للملفات وكأنها غير موجودة، لكن عينيه لم تخفيا نفورًا واضحًا.

لوسيندا (تنظر لتميم من أعلى لأسفل باحتقار): "ممكن تسيبنا شوية لو سمحت؟ محتاجة أكلم أدهم لوحدنا."

أدهم (بصوت بارد حاد): "لو عندك كلام، قولي قدام تميم… تميم مش غريب."

ارتبكت لوسيندا للحظة من الرد، لكنها أخفت ذلك بابتسامة متكلفة وجلست على المقعد المقابل.

لوسيندا: "كنت حابة أسألك… مين البنت الغريبة اللي كانت خارجة من هنا قبل شوية؟"

أدهم رفع حاجبه، يعرف تمامًا عن من تتحدث، ونبرته ازدادت برودة: "مالِكش دعوة."

لوسيندا (بابتسامة لزجة): "بس واضح إنها… قريبة منك."

ألقى أدهم القلم على المكتب بصوت خافت لكنه حمل تهديدًا:
أدهم: "اسمعيني كويس يا لوسيندا… أي اقتراب منك منها، حتى بكلمة، هتخليني أعمل حاجات مش هتعجبك… فاهمة؟"

تغير وجه لوسيندا، لم تكن معتادة على هذا النوع من المواجهة منه، لكن غرورها دفعها لترد ببرود مصطنع:
لوسيندا: "واضح إني لمست وتراً حساساً."

تميم (بابتسامة ساخرة): "ده لوتر… أوتار كتير، وإنتي مش هتعرفي تعزفي عليهم."

رمقته لوسيندا بنظرة نارية ثم نهضت، وقالت قبل أن تدير ظهرها:
لوسيندا: "تمام يا أدهم… لكن صدقني، اللعبة دي مش هتنتهي زي ما إنت عايز."

وغادرت بخطوات سريعة، فيما تبادل أدهم وتميم نظرة متفاهمة مليئة بالانزعاج، وأدهم قبض على قلمه مجددًا محاولًا تهدئة غضبه
*********************

في أحد شوارع أستراليا 
كانت أسماء تمشي بخطوات ثابتة، تحمل حقيبة تسوق صغيرة، وملامحها الهادئة تخفي وراءها سنين طويلة من الجراح الصامتة. شَعرها الذي بدأ يغزوه الشيب كان مربوطًا للخلف، وعيناها تحملان ذلك البريق الذي لم تنطفئه الخيبات.

بينما هي تعبر الطريق، اصطدمت بكتف رجلٍ طويل القامة.

أسماء (باعتذار تلقائي): "آسفة… ما انتبهت."

رفع الرجل رأسه، والتقت عيناه بعينيها.
تجمّدت هي في مكانها.
وتجمد هو أيضًا.

أسماء (بصوت منخفض متحشرج): "…نادر؟"

تسمر نادر، وجهه شاحب للحظة، ثم قال ببطء وكأنه لا يصدق:
نادر: "أسماء…!"
صمت ثقيل غمر المكان. أصوات السيارات والناس من حولهما بدت وكأنها اختفت.
نظراتهما معلقة… لا تصدق.

وفجأة، انفتحت أبواب الذاكرة في رأس أسماء.
رأت نفسها قبل 28 عامًا، في قاعة زفاف مزينة بالزهور البيضاء، ترتدي فستانها وتنتظر عريسها… نادر.
لكن بدلًا من أن يتقدم نحوها، كان يسير بخطوات واثقة نحو امرأة أخرى… جيلان.
رأت المشهد بكل تفاصيله: الزغاريد، الصدمة في وجوه المدعوين، انهيار والدها محمود ، ذراعا أخويها فارس وشريف وهي تسقط فاقدة الوعي… ثم عينيها تفتحان في سرير المستشفى، والدموع تحرق وجهها، والخبر القاطع: "سافر… مع زوجته الجديدة."

الآن… بعد 28 سنة، يقف أمامها.
اللحظة الحاضرة اختلطت بالماضي حتى لم تعد تفرق بينهما.

تراجعت خطوة إلى الخلف…
وتجمد الزمن عند هذه النقطة

                الفصل التاسع من هنا
تعليقات



<>