رواية سفينة نوح الفصل التاسع 9 بقلم سلمي خالد ابراهيم

      

رواية سفينة نوح

الفصل التاسع 9

بقلم سلمي خالد ابراهيم

صلوا على الحبيب🤎🌻

 (تسللت لقلبي)

هند..

اليوم الخطاب لكِ على لسان أحد القراء يريد أن يخبركِ بشيء..

أنتِ ضحية لأب مريض فإياكِ أن تسلكِ دربه وأجعلي دربك بيدك وإلا سنتنشلك الحياة منها لتضمرك أسفل الألم والبغضاء وينتهي المطاف إلى الهلاك...

ـــــــــــــــــــــــــ

تجمد جسدها أثر جملته، ما بين الحرج والخوف وقعت هي أسيرة لقيودهما، فمها مفتوح تريد الرد ولكن خشيت الحديث، حتى لا يهاجمها ذلك الثعلب، يا الله ما هذا الموقف فحتى رغبتها بإخفاء وجهها مثل النعام مُنعت منها، توردت وجنتيها بحرجٍ وحاولت تحريك بصرها بعيدًا عن مرمى بصر نوح، بينما بقى هو ينظر لها نوح ببسمة حاول السيطرة عليها، ثم بدأ يقهقه بقوةٍ، ليهرب ذلك الثعلب بعيدًا خاشية منهما، استدارت ذكرى تنظر خلفها بعدما شعرت بحركة ذلك الثعلب لتجده يفر منهما، ثم عادت بنظرها نحو نوح الذي لا يزال يضحك بشدة يهتف بصعوبةٍ:

_ أنتِ متعرفيش حاجة عن الثعالب؟؟

قطبت جبينها بعدم فهم، تتهجم ملامحها من صوت ضحكه الذي لا يزال مستمرًا، لتردد بإنزعاج:

_ ما تخلص وتقول في إيه بدل ما أنت واخد حباية زغزغة.

ضم شفتيه قليلًا ينظر لها ولملامحها المنكمشة بضيقٍ ثم عاد يتذكر شكلها المتجمد مثل التمثال ليعود ويضحك مجددًا عليها، عضت ذكرى غلى شفتيها بغيظٍ منه، لتهدر بغضبٍ:

_ أنت ياعم شايفني الخليل كوميدي ما تخلص بقى وتقول في إيه؟؟

وأخيرًا سيطر على تلك النوبة الضاحكة، وكأن عقله اشتاق لسماع صوت قهقهته فمنحه فرصة الضحك طويلًا، رفع كفه نحو شعره ينفضه بشكلٍ عشوائي مما جعل ملامحه مختلف ذات جاذبية، يجيبها ببسمة تعلو ثغره:

_ الثعالب عمرها ما تهجم على بني آدمين يا ذكرى هانم بتخاف منا إلا لو مسعور في الحالة دي يهجم عليكِ.

فرغ فاهها بصدمةٍ، تدير رأسها تنظر باتجاه الذي وقف به الثعلب ثم عادت بنظرها نحو نوح ولا يزال عقله يحاول إدراك تلك الخدعة السخيفة، وبلحظة تحولت ملامحها لأخرى غاضبة تهدر بحنقٍ:

_ أنا مشوفتش أتقل من دمك يا نوح.

_ تسلمي والله معلومة قديمة هاتي غيرها.

أجابها ببسمة سمجة دون أن يحيد عينيه عنها، لتقبض على يدها وكأنها على وشك لكمه، فهتفت ببسمة ساخطة تحمل غيظًا:

_ أبو تقل دمك يا نوح.. لولا إنه حرام أضربك كنت عورتك.

رفع حاجبه ببسمة مستمتعة بحديثها، لينهض من مكانه يقترب ليقف أمامها بينما انتفضت ذكرى ما أن رأته ينهض يحرك ساقيه نحوها لتفر بعيدًا عنه، اتسعت ابتسامته، يتأمل المسافة الكبيرة بينهما، ثم قال بصوتٍ عالي وعينيه تلتمعان بتسلية:

_ بتجري مني هاه! بكرة تستخبي فيا.

أخرجت لسانها دليلًا على تمردها، ولا تزال تقف بعيدًا بينما حرك نوح رأسه بيأسٍ من طريقتها، ولكن بالنهاية تلك الطريقة هي من أخرجت ضحكة ظن أنها ماتت، أحيتها هي بسهولة! 

ضوء سيارة من بعيد أتى عليهما يخرج سفيان من نافذة السيارة ببسمة متحمسة يشير لنوح وذكرى قائلًا:

_ هـــــــــاي.

ضحكت ذكرى على طريقته، تلوح بيدها له هي الأخرى يعتري بسمتها الحماس، بينما وضع نوح يده على وجهه يستند بمرفقه على يده الأخرى المضمومة لصدره قائلًا:

_ عوض عليا عوض الصابرين في القضية.

_هما عرفوا مكانا إزاي؟

سألت ذكرى بفضولٍ واضح، ليجيب نوح بتوعدٍ لهما:

_ مركب gps في هدومي عشان يمشوا ورايا بالعربية.

أومأت ذكرى بفهمٍ، بينما أوقف سعدي السيارة أمامهما، ليغادر سفيان منها سريعًا يردف ببسمة متسعة:

_ إتأخرنا عليكم ولا إيه؟؟

_ فداك يا حبيب أخوك.. إيه يعني معاهم مسدس وكانوا هيخلصوا علينا.. المهم أنت مبسوط؟

اختتم حديثه الساخر ببسمة مهتمة وكأنه يحدثه بجدية، ليومئ سفيان ببلاهة، رمقه نوح بنظرةٍ غاضبة، تظلم عينيه ليغمغم بأنفعالٍ قائلًا:

_ شايف البوكس اللي واخده في اليمين هتاخد زيه في الشمال لو مبعدتش تناحة أهلك دي عن وشي دلوقتي!

تراجع سفيان بتوترٍ، بينما تقدم سعدي تلك المرة ينظر نحو نوح بغضبٍ، قائلًا بغيظٍ ممزوج بسخطٍ:

_ طب تنح أرحم من غِلك اللي رزعني بوكس طير عيني.

نظر نوح نحوه ليجد علامة زرقاء ممزوجة باللون البنفسجي أسفل عينيه، ليردف ببراءة مصطنعة:

_ كان لزمًا أرزعك البوكس كده عشان تعرفني.

رفع سعدي كفه يلامس تلك العلامة ولكنه تأوه ليردف بحسرةٍ:


_ حسبي الله ونعمة الوكيل في الظالم يا نوح.


رفع نوح يده يكمل باقي الدعاء بمكرٍ:


_ وربنا ما يجعلنا من الظالمين أبدًا يا حبيب نوح.


أشار سفيان نحو يد نوح يردف بدهشة ممزوجة بقلق:


_ إيه اللي حصل لدراعك؟ ومين ربطه كده؟


نظر نوح نحو ذراعه ثم أجابه بهدوءٍ:


_ كسرت إيد واحد من اللي خطوفنا وهو حب يعلم عليا قبل ما يمشي فضرب عليا نار والرصاص عملت خدش في إيدي.


_ خدش!! خدش مين يا أبو خدش.. دا أنت كنت بتتصفى قدامي وأنا مش هعرف أشيل جسمك وأنت قد الطن كده فربطهولك.


كلماتٌ عفوية متهكمة دفعتها مرة واحدة له، لينظر لها بغيظٍ يشير نحو السيارة قائلًا وهو يعض على شفتيه السفلى كابحًا لجام غضبه:


_ قدامي.. أمشي قدامي على العربية بدل ما ألبس وشك بوكس زي اللي سعدي خده.


توترت ملامحها ما أن سمعت توعده لها، لتردف ببسمة متوترة وهي تسير نحو السيارة:


_ إيه يا نوح بنهزروا معاك يا جدع.


_ كلمة كمان وهيبقى بوكسين.. خلي العداد يعد أنتِ حرة.


قطبت جبينها بعبوسٍ واضح، تدب بقدمها في الأرض، تبرطم بعدة كلماتٍ مغتاظة، ثم تحركت نحو السيارة تركب بالمقعد الأمامي، كاد سعدي أن يتحرك ولكن أوقفه نوح يردف بهدوءٍ أدهشه:


_ معلش يا سعدي سبني أنا اللي أسوق.


نظر لذراعه بسؤالٍ واضح وصريح، ليجيله دون أكتراث:


_ لما أتعب أبقى كمل سواقة أنت.. يلا مش هنبات في الصحرا الدنيا بقت كحل.


تحرك دون أن ينتظر رأي أحد، بينما حدق سعدي نحو نوح وهتف بشكٍ:


_ شامم ريحة حاجة غريبة!


أومأ سفيان بإيجاب، ينظر نحو السيارة بشكٍ مماثل:


_ نفس الشمة اللي أنا شاممها.


_ طب يلا عشان دا غدار ممكن يمشي بالعربية ويسبنا هنا عادي.


أتجه الإثنان نحو السيارة سريعًا ليغادروا هذه الصحراء، يزداد شك سفيان حتى أصبح بينه وبين اليقين شعرة، بينما لم يبالِ سعدي كثيرًا به.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


_ ألا قولي يا أستاذ سفيان أنت بتشتغل إيه شكلك مش زيهم؟


سألت ذكرى بفضولٍ وهي تريد أن تستدير، ولكن زمجر نوح بغيظٍ منها يردف من بين أسنانه:


_ أترزعي عدل يا ذكرى عشان أعرف أشوف المرايا جنبك.


عبست ملامحها بضيقٍ من طريقته، لترفع سبابتها تهتف بحنقٍ:


_ لاحظ إنك بتتحكم زيادة عن اللزوم وأنا مستحملاك و بفوتلك بس عشان كنت رجولة معايا ساعة المكتبة ولما اتخطفت غير كده كنت..


صمتت تبحث عن كلمة مناسبة، وخاصة تبدل ملامحه لأخرى تحمل بسمة ماكرة، ليعلق نوح بخبثٍ:


_ أيوة كنتِ إيه بقى.. أنا منتظرة الكلمة اللي بعدها.


ازدردت لعابها بصعوبةٍ ولم يسعفها عقلها البحث عن كلمة، تهتف بتوترٍ:


_ كـ.. كنت.. كنت.. ما حد يساعدني أقول حاجة!!


_ هي مفيش غيرها يا أستاذة ذكرى ملهاش غير لفظ هيوديكِ في ستين داهية.


رددها سعدي يبتسم بسماجة، بينما حدقته ذكرى بنظرةٍ غاضبة ثم عادت تنظر لنوح تردف بتوترٍ لم تستطع التخلص منه:


_ بص متكترش عشان منزعلش من بعض خلينا حبايب كده لحد ما ربنا يكرمنا في القضية.


_ أوامرك طبعًا.


بسمته الماكرة وموافقته السريعة جعلتها تشعر بالشك، لتردف بشكٍ:


_ أوامرك!! بص أنا شامة ريحة خباثة منك مش مريحاني.


رمش بأهدابه ببراءة ولا يزال يركز بالطريق، يردف بنبرة بريئة مصطنعة:


_ أنا عملت إيه؟


_ أهوه بص الخبث.. دا أنت طلعت مياة من تحت تبن..


صمتت قليلًا ثم عادت تسترسل باقتناع تام:


_ خلينا أقولك معلومة مهمة شكلك متعرفهاش عن نفسك.. أنت مش وش براءة.. دا من كتر خُبثك بقى بيتشم!


لم يستطع سفيان كبح ضحكته ليقهقه بصوتٍ عالي، بينما صمتت ذكرى بحرجٍ بعدما علّت أيضًا ضحكة سعدي، انكمشت في المقعد بحرجٍ دون أن تتفوه بكلمة ظنًا أن نوح سيعنفها بالحديث، في حين صمت نوح دون تعليق، فاق من أنغماسه بالحديث معها، يا لها من فتاة ساحرة قادرة على جذبك بالحديث دون أن تشعر، تهجمت ملامحه وعاد لجموده مرة أخرى..


رأى سفيان توتر ذكرى بتلك الطريقة ليهتف ببسمة هادئة وقد تبين شكه ليصبح يقين يسعده:


_ أنا شغال دكتور نفسي على فكرة.. مليش في الأكشن خالص فتلاقينا زي بعض.


استمعت ذكرى لإجابته وشغلها الفضول لِم يحتاجه أحد بالقضية، ولكن لم ترغب بسؤاله عن الأمر، أظهرت نصف ابتسامة دون أن تتحدث بينما سأل سعدي بتعجبٍ:


_ المدعكة اللي كنا فيها مشوفتكش ظهرت.. مين اللي رزعك البوكس دا؟


رفع بنانه يتحسس هذا الجزء المنتفخ بألمٍ، ثم قال بغيظٍ:


_ واحدة اسمها هند جتلي قبل كده العيادة في استشارة.. المهم رنت عليا عشان أمها أغمى عليها وقطعت النفس وأبوها حابسها في الشقة، فجدعنة مني روحت ليها وكسرت الباب وخدتها هي وأمها، ولما وصلنا كان أبوها جه وطبعًا عارف طبع أبوها الغشيم فقولتله عديت بالعربية وهي شاورلتلي بس مصدقش عشان كان مخلي حد يراقب العمارة وعرف الحقيقة وهوب رزعني بوكس اللي في وشي دا..


أنهى سرد ما حدث بعبوسٍ، وأنتبهت ذكرى لحديثه خاصةً عند ذكر اسم شقيقتها، لا تعلم لِم تألم قلبها، هتف سعدي بتعجبٍ:


_ مكلتهوش نفس البوكس ليه؟


زفر سفيان بضيقٍ، يردد بصوتٍ حزين:


_ كان نفسي بس كنا في مستشفى.. وكمان هند شافت شكل أبوها كده جريت من المستشفى وللأسف اتخبطت بالعربية وحصلها شلل نصفي ومحتاجة عملية.. دا غير إن أمها دخلت غيبوبة يعني بص العيلة مدمرة.


حوقل سعدي بحزنٍ عليهم، يعوج سفيان فمه يغمغم بسخطٍ:


_ تخيل من جحود الأب، رمي بنته الكبيرة وهي طفلة وساب جدتها اللي تربيها واتبرى منها عشان مش عارفة تمسك قلم.


توقف الزمن من حول ذكرى، تزداد نبضات قلبها بشدةٍ حتى شعرت بألمٍ ينتشر بصدرها، حاولت بلع لعابها بصعوبةٍ ثم قالت بنبرة مرتجفة:


_ ابوها اسمه إيه ولا البنت اسمها إيه؟


تعجب سفيان من طريقتها المرتجفة وتغير حالها بتلك الطريقة، ولكنه أجابها:


_ اسمه نادر الشرنوبي.


أغمضت ذكرى حدقتيها بقوةٍ تحاول ضبطت أنفاسها، ولكن ضاق كل شيء، والدتها بغيبوبة، شقيقتها أصيبت بالشلل، ماذا يريد هذا النادر منهم؟


ارتفع صوتها مختنق، تحاول ضبطت أنفاسها:


_ أرجوك وقف في أي جنب.. عايزة أتنفس.


لم يجادلها بل بالفعل وقف بجانب طريق بالقرب من الصحراء، بينما فهم سعدي حالتها وطريقتها تلك، فهو الوحيد من قرأ وفهم ملف ذكرى، نظر سفيان بتدقيق ثم عاد ينظر لسعدي ليومئ له برسالة واضحة


" سأخبرك ولكن انتظر"


ترجل نوح من السيارة سريعًا بعدما رأى ذكرى تغادر منها، تسير بخطواتٍ مترنحة بعيدًا عنهم، تقف وسط الرمال بقلبٍ مكلوم، ترفع كفها واضعة إياه على صدرها لعلها تهدأ تلك النبضات التي تشعرها بأشواك مسمومة بصدرها، تسربت الدموع من عينيها شيءٍ فشيء ثم رفعت بصرها للسماء تهتف بألمٍ ينحر برقبتها:


_ آآآه يـــــــــارب.


بدأت تعلو شهقاتها لتصل إلى مسمع نوح، يقف عاجزًا عن فعل شيء لها، ولكن ما باليد حيلة. ظلوا عشر دقائق بهذا الوضع حتى لملمت تبعثرها ثم استدارت تنظر نحو نوح بألمٍ قائلة:


_ عايزة أروح لأمي.


زفر بتمهلٍ، ثم أجابها بهدوءٍ:


_ لو روحتي هناك نادر الشرنوبي مش هيسيبك.


_ مش مهم أنا عايزة أشوف أمي وهند.


قالتها بجمودٍ واضح، بينما حرك نوح رأسه بيأسٍ يجيبها باستسلام:


_ بكرة الصبح هاخدك عندها.. بس النهاردة صعب... على الأقل عشان دراعي.


أومأت بحركة خفيفة دون أن تنبس بكلمة، ثم تحركت نحو السيارة مرة أخرى، وسط صمتهم جميعًا فالآن أصبحت الصورة واضحة ذكرى هي أبنة نادر الشرنوبي، حقيقة لن تتغير مهما مر الزمن.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


شهقة قوية خرجت من فيه حميدة بعدما رأت ذكرى بملامحها الشاحبة ثم نوح وذراعه الملفوف بشاشٍ أبيض وتليه سعدي وسفيان ذو كدمة قوية بوجههما، اندفعت حميدة نحو ذكرى بقلقٍ بينما أنطلقت داليدا نحو نوح تنظر لذراعه برجفة سريعة قبل تسرب دموعها، ولكن طمأنها نوح بأن ذراعه سليمة وليس إلا خدش لتسحبه لغرفته تطمئن عليه، بينما علا صوت حميدة مردفة:


_ مالك يا حبيبتي حصل إيه؟!


ابتسمت ذكرى بشحوبٍ، ولكن قبل أن تجيب كان صوت سعدي المتذمر يقتحم أذانهم:


_ جرى إيه يا حميدة هو أنا مش ابنك تسألي عليا وعلى وشي اللي راح كبش فدا للسنيورة..


_ أسكت يا بغل أنت مسمعش صوتك وروح حط مرهم كدمات ولا حاجة وهتخف.


لم تحيد عينيها عن ذكرى بل سحبتها تسير للداخل لتبدل ملابسها ومعها فُلة أيضًا فقد أوصلها سعدي قبل أن يغادر الشقة، بينما وقف سعدي ينظر لوالدته بذهولٍ يتمتم بعدم تصديق:


_ قولتلها لو لقتني على باب جامع قوليلي مش هزعل بس على الأقل أكون عرفت سر المعاملة الكلابي دي.. تقولي بس يا أهبل يا بن الهبلة.


ربت سفيان على كتفه بمواساة، يحرك رأسه بأسى ثم قال بنبرة مشفقة:


_ تعالي يا بني معايا ملناش غير بعض أنا أهلي مسافرين في الصعيد وأنت أمك باعتك.


رفع سعدي يده يمثل مسح دمعة حزينة على حاله، ثم تحركا سويًا للشقة المقابلة لهم.


_ يا حبيبتي يا بنتي! كل دا حصلك؟


نطقت بها حميدة بحزنٍ، بينما أحطت فُلة بذراعيه حول ذكرى تضمها بحنانٍ مقبلة رأسها تارة وتارة تمسح عليها، أغمضت ذكرى عينيها تهمس بضعفٍ:


_ عايزة أنام عشان أقدر أشوفهم بكرة ومنهرش.


أومأت حميدة بتفهمٍ، ثم نهضت تجاورها تسحبها من يد فُلة تضمها بحنانٍ أمومي، تهمس بنبرة حنونة:


_ يبقى تنامي فحضن خالتك عشان تقدري تصلبي طولك.


دثرت نفسها داخل أحضانها كما لو كانت طفلة صغيرة، بينما تشددت حميدة على ضمها، ثم تنظر لفُلة لتجدها تبتسم لها بامتنانٍ، فأرسلت لها قُبلة عبر الهواء، رمشت بأهدابها عدة مرات بذهولٍ من قدرة حميدة على توزيع حنانها حتى لو كانت منشغلة، حقًا الأمومة ليست سهلة ولكنها دافئها يذيب أقوى الثلوج.


ــــــــــــــــــــــــــــــــ


غادر نوح الشقة بعدما أبدل ملابسه، بينما غادرت داليدا غرفته تسير نحو الردهة بخطواتٍ هادئة ولكن قبلها يشفق على حال ذكرى، فكيف لا يرق قلبه لتلك الفتاة وهي منذ اللحظة الأولى وشعرت بالألفة معها، نظرت بالردهة تتوقع وجود حميدة ولكن تفاجأت بفُلة تجلس أمامها، تعجبت قليلًا ثم داهمها القلق تسأل سريعًا بتوترٍ:


_ ذكرى كويسة؟ فيها حاجة؟


نظرت لها فُلة سريعًا تجيبها قبل أن يزداد الأمر سواءًا:


_ أهدي يا طنط داليدا.. خالتي حميدة معاها جوا وهي هتنام معاها النهاردة، وأنا قولت أسبيهم لوحدهم.


تنهدت داليدا براحةٍ ثم تقدمت تجلس جوارها، تمد كفها تربت على قدم فُلة بحنوٍ مرددة بلُطف:


_ متخفيش عليها ذكرى بنت قوية وهتقوم منها.. نوح حكالي اللي حصل.


أدمعت عين فُلة برهبة مما يداهمها، تهمس بخوفٍ:


_ أنا مليش غيرها يا طنط.. خايفة عليها أوي.


مطت داليدا شفتيها بحزنٍ تهمس لها بنبرة رقيقة محاولة تخفيف عنها:


_ متقلقيش يا فُلة.. أنا وأنتِ وحميدة هنكون معها بس نعدي زيارة بكرة على خير.


تنهدت فُلة بتعبٍ، بينما غادرت حميدة الغرفة تغلق الباب بهدوءٍ خلفها، تنظر لهما قليلًا ثم أتت تجلس معهم ليصبحوا الثلاثة جوار بعضهما على الأريكة، هتفت حميدة بتوترٍ لأول مرة يصاحبها:


_ بقولك يا أم نوح عايزكِ في موضوع بس من غير ما تضايقي مني.


ألتفتت لها داليدا تطالعها باهتمامٍ، لتسترسل حميدة بتوترٍ:


_ أنتِ مفكرتيش تجوزي نوح؟


زحفت بسمة حزينة على شفتيها، تغمغم بحزنٍ:


_ نفسي وخاصة بعد ما دخل في التلاتين يا حميدة.. بس ابني طبعه صعب ومش عايز يتجوز.


بللت شفتيها سريعًا، وقد ساعدها ما قالته على التغلب على توترها، لتهتف بحذرٍ:


_ طلب لو قولتلك عروسته موجودة معانا.


_ قصدك ذكرى؟


علقت بدهاءٍ عندما فطنت نية حميدة، لتومئ بالإيجاب تنتظر رأيها، لتبتسم داليدا باتساع وهي تهتف بحماسٍ:


_ أنا برضو فكرت فيهم سوى.. ذكرى بتنكش نوح كتير ونوح بيستجيب لطريقتها علطول وشوفتهم كابل هايل.


عقدت حميدة ما بين حاجبيها، تسأل بعدم فهم:


_ إيه اللي دخل الكهربا في الموضوع؟


تبخرت بسمة داليدا بتعجبٍ، تحرك رأسها تزامنًا مع سؤالها:


_ sorry كهربا إيه??


_ مش أنتِ قولتي من شوية كابل كهربا هايل؟؟


ضربت فُلة جبينها بعدما فطنة رد حميدة، في حين ضحكت داليدا عليها تحاول توضيح ما قالته بلُطف:


_ لالا يا حميدة مقصدش كهربا خالص.. قصدي من كلمة كابل هايل أنهم هيبقى ثُنائي جميل لايق على بعض.


اتسعت ابتسامة حميدة سريعًا، تتمتم بذهولٍ:


_ كل دا من كلمة كابل كهربا.


حركت داليدا رأسها بيأسٍ، تعلق بخفوت:


_ مفيش فايدة يا حميدة.. مفيش.


_ اعتقد ذكرى هتوافق وخاصة جدعنته معها، بس هو أستاذ نوح متقبل ذكرى ولا إيه؟


سألت فُلة بقلقٍ، لتجيب داليدا ببسمة سعيدة:


_ أيوة أنا شوفته خايف عليها جدًا، وخاصة لما دخل أوضته عشان جرحه كان كل شوية يقولي أدخلها عشان أطمن عليها...


صمتت قليلًا ثم استرسلت بعبوسٍ يأس:


_ بس المشكلة دلوقتي إزاي نحرك نوح عشان يتقدم لها.. أنا متأكدة إنه بينكر مشاعره ومش هيرضى يعترف إنه معجب بذكرى.


زفروا جميعًا باختناق وعقلهم يحاول البحث عن طريقة لزواج ذكرى من نوح. 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


صباحًا..


تأملت المشفى بملامح مختنقة، تشعر بالضيق الشديد في أنفاسها بالرغم من اعتدال درجة الحرارة، ونسمات الهواء التي تلفح وجهها من حين لأخر، نظرت للسماء تدعو بعينيها في رجاءٍ كبير ألا تقابل والدها فمقابلته تستهلك كل طاقتها، تحطم اسم ذكرى بقسوةٍ..


_ يلا يا ذكرى أنزلي عشان تلحقي قبل ما يمنعوا الزيارات.


أومأت بهدوءٍ تغادر السيارة، تسير معه بخطواتٍ مرتجفة، حتى وصلت إلى الدور المطلوب، نظرت عبر النافذة زجاجية بالباب تتأمل والدتها، شاحبة الوجه، البؤس ظاهرًا عليها بوضوح، ياالله كم صعب رؤيتها هكذا، رفعت كفها تضعه على شفتيها تحاول كبح تلك الشهقة العنيفة التي هاجمتها، تسيل دموعها بغزارةٍ عليها، ثم همست ببحّة واضحة وصلت لمسمع نوح:


_ أنا آسفة يا ماما إني مكنتش البنت اللي تليق بيكِ وبنادر بيه.. آسفة إني السبب في فرقنا.. آسفة على الحياة القاسية اللي دخلتك فيها.. أنا آسفة على وجودي في الدنيا معاكِ وقهرتك بيا.. بس صدقيني غصب عني.. غصب عني إني مقدرش أمسك القلم ولا أعرف أكتب زي البني آدمين العادية.. أنا أسوأ بنت في الدنيا عشان خليتك كده وخليت نادر الشرنوبي يتبرى مني ويتمنى موتي.


أجهشت ببكاءٍ مرير، تعلو شهقاتها واحدة تلو الأخرى حتى شعر نوح بالاختناق، يرى رجفة جسدها وهي تلف ذراعيها لتضمه ربما يهدأ، هي تريد من يضمها ولكن كيف وهي لم تحل له...


رفعت كفها تزيح دموعها بألمٍ، تحاول السيطرة على شفتيها اللتان ترتجفان بشدة، ثم تحركت من أمامها بعدما ألقت نظرة مودعة تتجه نحو نوح قائلة بصوتٍ محشرج:


_ ممكن نروح لهند؟


أومأ نوح بصمتٍ، يسير معها نحو غرفة هند القابعة بنفس الدور، حتى وقفت أمامها تتأملها، مدت يدها للباب تدفعه للداخل ولكن وجدت نادر يجلس إلى جوار هند الغائبة عن الواقع، تلقت عينهما بنظرةٍ تمنت ذكرى لو ماتت حتى لا تراها، لِمَ كل تلك البغضاء؟؟


ابتعد نادر عن هند يتجه نحو الباب يدفع ذكرى بقوةٍ إلى الخارج حتى كادت أن تسقط لولا يده نوح التي لحقتها، يغلق الباب خلفه بتريثٍ ثم هجم بعينيه عليها كأنها عدو، يغمغم بنفور:


_ أنتِ إيه اللي جابك مش كفاية إنك السبب في اللي حصل لبنتي ومراتي..


حدقته بصدمةٍ واضحة، تنهض سريعًا مبتعدة عن نوح، تشعر كأن عقرب قد لدغها بقسوةٍ، حاولت الحديث والدفاع عن نفسه بكلماتٍ مهترئة:


_ أنا.. أنا معملتش أي حاجة أنا اتفاجئت بـ...


_ هشش أسكتي خالص لسه هترغي معايا.. أنتِ النهاردة جيتي برجلك لقضاكِ ومش هتخرجي من هنا غير على نعشك يا ذكريات.


لِمَ.. لِمَ كل هذا؟ ألست أبنتك من صُلبك؟ نظرت له بعدم تصديق تحاول فهم كلماته القاسية، لترد بإنفعالٍ ودموعها لم تتوقف:


_ لــــيه كل دا؟؟ أنا بنتك لو نسيت.. مهما عملت يا نادر بيه هفضل بنتك وشايلة اسمك.


حدجها بنظرة حاقدة يغمغم بنفورٍ:


_ يارتني ما أديتك اسمي.. على الأقل أبقى أتبريت قولًا وفعل...


حركت رأسها برفضٍ لما يقوله، تحاول إيجاد مبرر لحديثه اللاذع ولكن فشلت، استدارت تنظر نحو نوح قائلة بنبرة مختنقة من شدة الدموع:


_ أنا عايزة أمشي..


_ أنا مش قولتلك إنك جيتي برجلك ومش هتمشي إلا على نعشك.


رفع مسدسه باتجاهها، بينما استدارت تنظر له بصدمةٍ كست معالمها بوضوح وكأن هناك من ألقى عليها بصخرة حادة، أظلمت عين نوح من رؤية هذا المشهد، كل شيء يتكرر باختلاف الأشخاص، تقدم سريعًا يخفي ذكرى خلف ظهره ينظر لنادر الذي ابتسم بسخطٍ متمتمًا:


_ فاكر نفسك ذكى عشان فلت بعملتك المرة اللي فاتت.. بس صدقني المرادي غير ومش هسيبك.


علت شفتيه ابتسامة خبيثة بينما ارتجفت ذكرى وهي تهمس باسمه عندما رأت رجلان ضخمان قادمان عليهما، عض نوح على شفتيه محاولًا التفكير سريعًا في حل ليخرج بذكرى من هنا، ولكن لم يلحق بعدما تقدم أحدهما يرفع ذراعه ليسحب ذكرى منه، استدار نوح يلكمه بقوةٍ أطحته أرضًا بينما وضعت ذكرى يدها على فمها بصدمةٍ تتراجع للخلف وقد أشتعلت حرب بين ثلاثة وحوش، هجم الثاني على نوح بقوةٍ يكيله بلكماتٍ عديدة، صد نوح بعضها والبعض الأخر أصاب ذراعه ووجهه.


تقدم نادر نحو ذكرى يمسك بذراعها بقوةٍ يهمس لها بفحيحٍ:


_ اللي بتتحامي فيه قدامك مش هيعرف يدافع عنك تاني.


ارتعدت من صوته ونبرته، حاولت الصراخ ولكن يد نادر سبقتها لتكتم صوتها بشراسة مانعة صدورها، حاولت ابعده عنها ولكن قبضته كانت حديدية لم تستطع النجاح في الفرار منها، سحبها بقوةٍ يسير بنهاية هذا الممر، لتقع تارة وتارة أخرى تقاوم ولكن تفشل عندما يصفعها على وجهها فيداهمها دوارًا حاد يرخي جسدها بالكامل دلف به إلى المصعد ثم ضغط على زر أخر دور بالمبنى إلى السطح.


على الصعيد الأخر


أمسك أحدهما بنوحٍ يكبل يديه للخلف، بينما نهض الأخرى من الأرض بعدما أطاح به يتقدم من نوح ليلكمه ولكن قام نوح بحركة مفاجئة يدير نفسه بقوةٍ لتصيب اللكمة صديقه يسقط على الأرض بتأوه بألمٍ، صُدم مما حدث وقبل أن يعي ما فعله كان نوح قد لكمه بقوةٍ ليتيح له بعض الوقت ويركض باتجاه الذي وصل به نادر، نظر للمصعد ورأى الطابق الذي سيغادره ليتجه نحو السُلم يركض عليه سريعًا ليلحق بذكرى قبل أن يحدث لها شيء.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


_ وأخيرًا بقينا لوحدنا يا ذكرى هاخد حقي منك على اللي عملتيه في مراتي وبنتي.


قالها ببسمة منتصرة تعلو محياه، بينما حدقته بنظرة خاوية من حياة، الجدال معه أمر عقيم فلن تستطيع فعل شيء أمامه.. هو بالنهاية والدها مهما فعل بها.


رفع مسدسه باتجاهها، يضع إصبعه على الزناد بينما أغمضت عينيها بألمٍ يكفي أن يكون أخر مشهد لها هو وقوفه أمامها بهذا المسدس.


وأخيرًا ضغط على الزناد ليعلو صوت الرصاص بالجو ثم سقوط تلك الطلقة على الأرض، أدار نادر رأسه بحدةٍ بعدما رفع نوح يده لأعلى لتصبح الطلقة بالهواء، ينظر نحوه بشراسةٍ مليئة بالحقد، لقد دمر هدفه بعدما كان الفرق خطوة واحدة، بينما علا صدر نوح بشهيقٍ وزفير قوي بسبب ركضه ومشاعره المضطربة على ذكرى، حاول نادر نزع يده عنه يردف بإنفعالٍ شديد:


_ مش هسيبك يا نوح.. هاخدها غصب عنك وأقهرك.


ابتسم نوح ببرودٍ يمسك بذراعه بقوةٍ أكبر حتى لا ينفلت، يردف ببرودٍ:


_ أعتقد وحيد نسي يوصلك رسالة قولتهاله.. طز يا بن الشرنوبي.


بلحظة ضرب نوح رأس نادر بقوةٍ مستخدمًا جبينه، فسقط المسدس من نادر يضع يده على أنفه ووجه بألمٍ، ضرب نوح المسدس بقدمه ليبعده عنه ثم أشار لذكرى التي راقبت المشهد بصمتٍ دون أن تبدي ردة فعل يهدر بصوتٍ حاد:


_ يلا يا ذكرى مش وقته.. يلا بسرعة.


أردت أن يتركها ولكن فُلة أكثر ما يشغل عقلها، لن تتحمل فراقها هي الأخر ولا يوجد أحد ليحميها، نهضت بصعوبةٍ معه، يركضان بخطواتٍ سريعًا من السُلم الطوارئ قبل أن يصل لهما أحد.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ركض سعدي للشقة الأخرى سريعًا، يطرق الباب بقوةٍ ليفتح أحدهم، وبالفعل فتحت حميدة تنظر له بحدةٍ قائلة بغيظ:


_ أنت عايش في زريبة ما تخبط براحة..


_ مش وقته ياما نبقى نشوف موضوع الزريبة دا بعيدًا.. نوح وذكرى جايين علينا ونوح بيقول أبوها كان هيقتلها لولا هربوا منه فحاولوا تخرجوها من الحالة اللي فيها.


لطمت على صدرها بصدمةٍ مما سمعته، تردف بشهقةٍ:


_ يا ضنايا يابنتي.. منه لله أبوها دا.. يبقى عنده بنت زي الورد ويعمل فيها كده.


أومأ سعدي بموافقة، ثم عاد أدراجه للشقة بينما أغلقت حميدة الباب تنتظر نوح وذكرى بعدما رأتهما يصعدان، استمعت لصوت طرقات خفيفة فأسرعت بالفتح قائلة ببسمة متسعة:


_ أتصدقي وحشتيني يابت الشوية اللي سبتني فيهم تعالي أدخلي بسرعة مالك مسهمة كده ليه؟


غمزت حميدة لنوح بأنها ستتولى الأمر، ليبتسم لها بخفةٍ ثم عاد يهبط الدرج بعدما أخبره اللوا ماجد برغبته في رؤيته.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


_ إظاهر إن قعدتك طول المدة دي يا حضرة الظابط خليتك تخيب ومش عارف لحد دلوقتي تجبلنا معلومة عن القضية؟؟


زجره بعنفٍ شديد دون أن يرؤف بشكله، ينظر له باستخفافٍ واضح يسترسل بنبرة حادة:


_ لو مش هتقدر على القضية دي يا نوح أتفضل قول أسلمه لظابط تاني.. لإن تأخيرك بعد كده مش هتهاون فيه.


استمع لحديثه باختناقٍ، نعم لقد تأخر ولكن هذا النادر عطلهم جميعًا، نظر نحوه يجيبه بجمودٍ:


_ لا يا فندم بإذن الله مهلة صغيرة وهتلاقي تقرير بأخر التطورات.


علت بسمة ساخطة، يغمغم بتهكم:


_ أتمنى.


_ عن إذنك يا سيادة اللوا.


أشار له بالمغادرة، ليخرج من الغرفة سريعًا قبل أن يحطمها جميعها على رأسه، خطى سريعًا يسير خارج المبنى، يقف أمام سيارته بملامح متهجمة، وقبل أن يخطو داخلها وجد ورقة معلقة على مرآة السيارة، أمسك بها يفتحها بتريثٍ، وبدأ بقراءة تلك الجملة الوحيدة


" متفتكرش إنك كسبت.. في أي لحظة هقدر أجيب ذكرى عن طريق اختها ومن غير ما تعرف ترجعها وتوصلها "


قبض على الورقة بقوةٍ، يشعر بالاختناق من كل جانب، ليمسك هاتفه يتصل سريعًا على شخصٍ ما، وما أن أجاب حتى هتف بتهجم:

_ حالة هند عاملة ايه؟

_ أبوها هياخدها ويسفرها بكرة الصبح على أمريكا.

_ تمام.. خليك راقبهم كويس.

أغلق نوح معه، ثم نظر نحو الأمام وعقله لا يشرد سوى بذكرى التي من الممكن أن تهرب إلى شقيقتها بسهولة، إذًا ما الحل ليمنعها، لا يمكن أن يخاطر بها ويدعها تسافر دون أن يتأكد بأن القضية ستنتهي بمجرد فك شفرة جهاز الحاسوب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عاد نوح للمنزل يدلف للشقة التي يقطن بها مع صديقيه، يقف أمامهما ينظر بعينان حادتين وهو يتذكر ما حدث معه ويخبرهما بما فعله اللواء ماجد، نظر سفيان للورقة المكتوبة، ثم حدق بسعدي الذي عبست ملامح ما أن علم بما قاله نوح، عاد ينظر لنوح يهتف بفكرةٍ ماكرة:

_ طب إيه رأيك تتجوز ذكرى وتمنع سفرها إلا بموافقتك.. بحيث لو حاولوا يهربوها من المطار يتمسكوا وفي نفس الوقت متقدرش هي تسافر بمزاجها؟

نظر له نوح بصدمةٍ بعد هذا الاقتراح المفاجئ، تتبعثر مشاعره فجأة، بينما صفق سعدي بحماسٍ بموافقة لتلك الفكرة يهتف بأماءة:

_ حلوة أوي الفكرة دي أنا موافق جدًا.

ضم نوح شفتيه قبل أن يلقي على مسمعه سُبة لاذعة، يعلق على حديثه بسخطٍ:

_ هو إيه اللي حلوة.. هو بيقولك اشتري عربية جديدة... دا عايزني أتجوزها.

اختفت ابتسامة نوح ينظر له بحيرة قائلًا:

_ أنت مش عايز تتجوزها عشان مش بتعرف...

قاطعه نوح قبل أن يكمل حديثه، يردف بجدية:

_ ولا يهمني السبب دا.. بس أنا لو اتجوزتها يبقى هتعيش معايا علطول مش قضية والسلام وهي لزمًا تبقى فاهمة دي.. الجواز رابط مقدس ليه احترامه وإن كنت هطلبها للجواز يبقى عشان أكمل نص ديني.

ابتسم سفيان بخبثٍ يتمتم بمكرٍ:

_ خلاص نعرض عليها لو رفضت يبقى هتجوزها أنا و...

صمت فجأة وهو يرى اندلع النار بعيني نوح، يزدرد لعابه بذعرٍ ما أن رأى بسمته الشيطانية تعلو على ثغره، يهمس بفحيحٍ:

_ عِيد تاني يا حبيبي بتقولي إيه؟

راقب سعدي ما يحدث، ثم قال بإشفاق:

_ الله يرحمك يا سفيان كنت صاحب جدع.. موت في زهرة شبابك..

               الفصل العاشر من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>