رواية سفينة نوح الفصل العاشر 10 بقلم سلمي خالد ابراهيم

       

رواية سفينة نوح

الفصل العاشر 10 

بقلم سلمي خالد ابراهيم

صلوا على النبي🤎

 ( الآن زوجتي)

في لقاءنا الأول ظننتك تهزي بحديثٍ عن لقاءات كثيرة ستحدث بيننا، وشعرت بأن لا صحة بهذا الحديث، ولكن اليوم أيقنت أن اسم نوح نصار لن أقابله كثيرًا بل سأكتب عليه لأصبح حرامه المصون وحاملة اسمه، وزوجة ستتربع على عرش قلبه...!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ آآآآه وشي منك لله وشي وجعني..!

صرخ سفيان بألمٍ بعدما وضع سعدي الثلج موضع الكدمات التي صنعها نوح بوجه سفيان، ليعلق سعدي بسخطٍ:

_ حد قالك تعملي فيها الثعلب الماكر أهو قلبك فار مبلول وبطة مكسحة مفيش دقيقتين ولولا التلفون اللي جاله من اللوا مكنش حلك النهاردة.

أدمعت عين سفيان بألمٍ، يتذكر ملامحه الشرسة، غيرته المخيفة عندما نطق فقط برغبته بالزواج على الورق، حرك فكيه بصعوبةٍ من شدة الألم:

_ دا أنا قُلت أحرك مشاعره.. طلعت بحرك التور الغشيم اللي جواه وأنا مش حاسس.

عوج سعدي فمه يردف بنبرة متهكمة:

_ وعملي دكتور نفسي.. أتوكس يا سفيان.

كاد أن يرد ولكن عاد نوح بعدما أغلق الهاتف، تعبس ملامحه بضيقٍ، في حين أشاح سفيان بوجهه بعيدًا يردف بحنقٍ:

_ خدني يا سعدي الأوضة أنا لا يمكن أقعد معاه بعد عملته السودا دي.. أقابل العملا بتوعي إزاي دلوقتي.

_ على فكرة هو ضربك في وشك مش كسحلك رجلك.. تقدر تمشي.

حدجه سفيان بنظرةٍ غاضبة، ثم ما كاد أن ينهض حتى هتف نوح بنفد صبر:

_ أقعد يا سفيان وخلص خليني أقول أوامر اللوا ماجد.

إزداد عبوس سفيان أكثر، ليهتف سعدي بهمسٍ:

_ أيوة كده خد موقف شرس منه عشان مياخدش عليك.

أومأ سفيان دون أن تتغير ملامحه من عبوس وتهجم، يرفض النظر لنوح، بينما مسح نوح على وجهه محاولًا السيطرة على ضيقه وحركات سفيان العجيبة، فهو يدفعه ليكيله بالضرب مرة أخرى فهتف بضيقٍ:

_ هبقى أجبلك كُتب فرويد كلها يا سفيان.. أخلص بقى.

لانت ملامح سفيان ينظر لنوح بسعادة، يهتف بفرحةٍ:

_ يا حبيبي يا نوح أنا قُلت مليش أخ غيرك.

رفع سعدي حاجبه على ينظر لسفيان باشمئزاز، ثم قال بنبرة متهكمة:

_ دا الموقف الشرس اللي هتاخده.. أتفوه على الشراسة اللي من دا نوع يا سفيان.

ضم حاجبيه بضيقٍ، يشير نحو نوح قائلًا:

_ دخلي من نقطة ضعفي.

_ خلصونا بقى من الحوار دا وركزوا.. دلوقتي اللوا ماجد طالب معلومات جديدة خلال أسبوعين بالكتير.. ولحد دلوقتي مفتحناش اللاب ولا ذكرى شافته.. و عشان نفتحه عايزها تكون في كامل قواها الذهنية عشان تقدر تلقط كل المعلومات اللي فيه.. فأنت يا سعدي هتتكلم مع والدتك عشان تخرج ذكرى بسرعة من الحالة دي وأنا هكلم والدتي.. وأنت يا سفيان هتجهز اللاب وكذا فيديو بحيث ندرب ذكرى قبل ما نفتح اللاب على أنها تلمح أكبر قدر ممكن من الملعومات.

أومأ الإثنان بموافقة متفقين على حديثه، في حين استدار نوح نحو الطاولة يبحث عن محفظته ولكن علا صوت سعدي يسأله بحيرة:

_ طب بنسبة بموضوع الجواز هتعمل فيه إيه؟

توقف نوح عما يفعله، يتذكر تفاصيله معها، لن ينكر إعجابه بها بالرغم من بعض السلوكيات إلا أنه شعر بالإنجذاب نحوها، ولكن كيف يقترب منها، يشعر أنها منه ولكن يخشى أن تقترب نحوه، هو أسير إعجابه بها والأن يخشى أن يقع أسير لحبها، هذا هو.. وهذه مشاعره ولكن في المقابل هل هي ستتقبله، هل ستكمل حياتها معه أم ستشعر بالملل من طريقته الفلسفية في بعض الأوقات، ماذا إذا علمت بما حدث ستغير طريقتها معه وتعامله كما يعامله الأخرون أنه مُعقد ومنبوذ، أم كما تراه، تنهد بصوتٍ مسموع ثم قال بهدوءٍ:

_ مش هينفع يا سعدي..

_ والواد اللي ضرب دا راح في أبو بلاش!

قالها بصدمةٍ كست معالمه، ليعلق نوح بنبرة مختنقة:

_سيبها لتدبير ربنا.. لكن أنا مش عارف هتجوزها ولا لاء.. أنا قولتلك رأي في الجواز عامةً وإني عمري ما هتجوزها عشان أطلقها بعدين.. يا لأخر العمر وقتها هتبقى مراتي هفديها بروحي، يا لاء وهحاول ألقي طريقة أحميها بيها.

صمت يلتقط أنفاسه بعدما ضاقت، يغير مجرى الحديث يسألهم بهدوء:

_ حد جعان هنزل أجيب أكل؟

أومأ سفيان يملي طلبه، بينما رد سعدي بتلقائي:

_ لا يا حبيبي تسلم حميدة ممكن تعملني صوابع كفته على السيخ لو كلت من برة.. وأنا مبقدرش عليها.

رفع نوح حاجبه يهتف بشكٍ:


_ متأكد؟

_ متخلنيش أضعف بقى.. روح يا حبيبي سحقتك السلامة.


دُهش من حديثه، ثم تحرك نحو الخارج، يغلق الباب خلفه، في حين ارتفع صوت سفيان يهتف ببسمةٍ متسعة:


_ جدع يا سعدي.. نوح غير طريقته معاك.. بدأ يتعامل كأنك صاحبه بس لسه شوية يعني عشان يبقى تلقائي زي زمان.


أومأ سعدي ببسمة صغيرة، يهتف بتنهيدةٍ:


_ والله يا سفيان أنا مكنتش ناوي أعبره بعد اللي عمله.. بس كلمة أنا مش وحش لدرجة وكلام حميدة وكلامك خلاني أتراجع.. بس تفتكر هيعمل إيه في موضوع ذكرى؟


ابتسم سفيان بخبثٍ، يغمغم ببسمة شيطانية:


_ لا دي بقى عايزين خالتي حميدة تمهد الطريق لذكرى من غير ما تحس وناخدها نعمل تحاليل بتاعت كتب الكتاب بكرة وأول ما نتيجة تطلع نجيب المأذون والشهود موجودين ونكتب الكتاب.


نظر سعدي بقلقٍ نحوه، ثم قال وهو يزدرد لعابه:


_ ربنا يستر عشان أنت أفكارك بتودينا ورا الشمس.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


صباحًا..


_أيوة أهرسي حبة الفول بضهر المعلقة كده.. شاطرة يا أم نوح عندك مواهب مدفونة.


قالتها حميدة وهي تراقب داليدا تضغط بالملعقة على حبة الفول لتمتزج مع الخلطة التي وضعتها حميدة عليها بعدما أنهتها، ابتسمت داليدا بفخرٍ تهتف بسعادة:


_ بجد thanks حميدة على كل حاجة.. أنا مكنتش متخيلة إني هبقى chief شاطرة كده.


عقدت حميدة ما بين حاجبيها، تسألها بفضولٍ:


_ ليه يا أم نوح؟؟ كنتِ بتفطروا إيه؟؟


مطت داليدا شفتيها تجيبه ببساطة:


_ سلطة وجنبة تركي وكريمي وبيف ومربى.


_ آآآه دا فطاركوا.. لا يا حبيبتي الحاجات دي كنت بجيبها البيت وأخبيها.. لما الواد سعدي يعمل حاجة صح وكويسة أكفأه وأطلع علبة مربى أعمله سندوتشين كده يحلي بيها.. ولا بقى لما أحب أروق عليه وهو رايح المدرسة أقوم جايبة تُمن لانشون وأحطله في السندوتش عشان يدوس على وش العيال لو حد فيهم فكر يتأنعر عليه.


ذُهلت داليدا مما تقوله حميدة ولكنها أحبت تلقائتها وعدم شعورها بالحرج، في الحديث، ثم حملت طاسة الفول وسكبتها بالصحن زجاجي للتقديم، وغادرت المطبخ تضع الطبق على الطاولة، بينما توقفت فُلة عن تقطيع الخيار، كانت تستمع لحديثهما ولكن لم تتدخل، تنظر لحميدة بفضولٍ قائلة:


_ خالتي.. عايزة أسألك على حاجة بس من غير ما تزعلي مني.


ألتفتت حميدة سريعًا تنظر لها باهتمامٍ، تجيبها باستجابة سريعة:


_ أزعل منك إيه بس.. أنتِ بنتي محدش بيزعل من ضناه.. قولي علطول بعد كده ومتتكسفيش.


ابتسمت فُلة بامتنانٍ ثم قالت بحيرة تضرب ملامحها:


_ هو حضرتك متكسفتيش تحكيلها إنك مش بتاكلي أكلهم كل يوم وإنك بتجبيه زي حاجة حلوة؟؟


ابتسمت حميدة برضٍ شديد، تهتف بقناعة نابعة من خاطرها:


_ متكسفش من حاجة ربنا اخترهالي.. مش معنى إن اللانشون أغلى من الطعمية إن أكلنا وحش.. بالعكس يا بت دا تدبير ربنا عشان اللي على أد حاله يلاقي ياكل وميحسش بالفقر ولا العجز إنه مش عارف ياكل أكل اللي معاهم.. طب ما أم نوح أهيه بتحب تاكل الفول والطعمية عادي مش عشان رُخاص بالعكس عشان طعمهم حلو أوي ربنا بيحليها في بوقنا وبوقهم.. بس إحنا اللي مجتمع عبيط الحاجة الغالية تروح للطبقة اللي فوق والحاجة الرخيصة تروح للطبقة اللي تحت..


ابتسمت فُلة بإدراكٍ لما قالته حميدة، بينما ربتت حميدة على كتفها تسترسل بحبورٍ:


_ اوعي تتكسفي من وضع ربنا حطك فيه.. قولي لأي مخلوق هيفكر يقلل منك.. لو تقدر على أقدر عليه تعالى بس ربنا بيختار الناس اللي عندها طاقة زي عشان نبقى مثال ليك ياللي معندكش طاقة.


أومأ فُلة بموافقة، تتجدد ثقتها بنفسها مجددًا، لتعود حميدة تكمل تقطيع البصل، بينما استرسلت فُلة عملها بصمتٍ حتى دلفت داليدا بملامح حزينة للغاية تردف بحزنٍ:


_ دخلت لذكرى الأوضة لقيتها بتعيط ومش عايزة تخرج.. حاولت معاها بس رفضت خالص.


استدارت كلًا من فُلة وحميدة نحوها، يتبادلا الحزن سويً، تحركت فُلة خارج المطبخ ناطقة:


_ أنا هروحلها.


أمسكتها حميدة سريعًا، تحرك رأسها بنفيٍ تتمتم بتفكيرٍ:


_ لا مش أنتِ ولا أنا ولا حد يدخلها غير شخص واحد بس.


استدارت فُلة بعدم فهم، ثم سرعان ما تذكرت حديث سعدي بالصباح الباكر عندما أحضر الفول والفلافل وبعض الخُضرا لهم..


****


طرق الباب بخفةٍ ينظر خروج أحدهم له، لتفتح حميدة الباب وإلى جوارها فُلة، تمد يدها تتفحص محتويات الحقيبة، تردف برضٍ:


_ جدع يا سعدي جبت كل حاجة عشرة على عشرة.. أتكل بقى على الله ولما أخلص هبعتلك فُلة تنادي عليكم.


_ استنى بس يا حميدة..


وضع يده يمنعها من إغلاق الباب، لتعود حميدة بإعادة الباب مجددًا تنظر له بشكٍ وخاصةً بعدما نطق باسمها فقط وملامحه تحمل الجدية، قطبت جبينها بدهشة تردف بحيرة:


_ في إيه يا واد مالك؟


زفر سعدي بتوترٍ، يسب سفيان داخله، وما أن ضبطت أنفاسه حتى ردد بنبرة جادة:


_ بصي أنا وسفيان خدنا بالنا إن نوح معجب بذكرى بس بيكابر.. ونادر الشرنوبي هياخد بنته التانية ويسافر بيها وهيضغط بيها على ذكرى عشان تسافرله ووقتها نوح هيتشتت بيها وبين القضية اللي ماسكنها.. فاقترحنا عليه يتجوزها بحيث تفضل معاه ويضمن عدم سفرها بس هو رفض لإنه لو اتجوزها هتكمل معاه لأخر العمر ومفيش طلاق.. والموضوع كله في إيد ذكرى لو وافقت نوح هيكتب عليها علطول لو رفضت يبقى هنروح كلنا في داهية.


حدقته حميدة بعدم فهم، تردف بذهولٍ:


_ أنا مش فاهمة حاجة.. نوح مين اللي معجب وقضية إيه.. أنت بتقول إيه؟


_ ياليلة أمي اللي مش فايته.. يا حميدة ركزي معايا.. بقولك نوح مش عايز يتجوز ولا يقول حاجة لذكرى لإنه مش عارف هي متقبلاه ولا لاء وإحنا مش عارفين ذكرى هتوافق ولا لاء ومحتاجينك تقنعيها أو تمهدي ليها..


صمتت حميدة قليلًا تفكر بحديثه، بينما علا صوت فُلة تسأل بتوترٍ:


_ طب يعني لو ذكرى وافقت نوح هيتقدم؟؟


حرك سعدي رأسه بنفي، يجيبها بتوضيحٍ:


_ لا بس حميدة هتاخدها النهاردة تعملها تحاليل بتاعت كتب الكتاب وإحنا هنتصرف مع نوح ولما النتيجة تطلع هنجيب المأذون بس نضمن موافقة ذكرى عشان لما نحط الأتنين قدام الأمر الواقع يوافقوا علطول.


مطت فُلة شفتيها بتفكيرٍ، تحاول رؤية الموضوع من جميع الزوايا، مدت حميدة يدها بالأكياس لفُلة تخبرها بأن تدخلهم ثم نظرت لسعدي تردف بتهكم:


_ وأنت بتساعده ليه يا نن عين أمك وأنت مش طايقه؟ ولا عشان تنجح قي القضية تطير البت!


اتسعت عين سعدي بصدمةٍ من تفكير والدته، ليرمقه بنظرةٍ معاتبة يعقب على حديثها بحزنٍ:


_ بقى كده يا أمي تفكري فيا كده؟ عامةً حصل حوار تاني محكتهوش ليكِ لسه، بس زي ما توقعتي هو مش وحش ودا خلاني أغير معاملتي معاه.. ولولا أنا وسفيان متأكدين من إعجاب نوح مكنتش فتحت معاكِ الموضوع أساسًا.


أمسكت حميدة بيد سعدي قبل أن يغادر، تهتف بلهفةٍ:


_ أستنى يا سعدي.. متزعلش مني يا واد بس ذكرى وفُلة اعتبرتهم بناتي وخايفة عليهم وكأنهم حتة مني وعشان كده بطمن.. صحيح كبار لكن في النهاية دول أيتام وهنتحاسب عليهم قدام ربنا لو ضرناهم.


تنهد سعدي يقبل يده والدته دليلًا على صفاء الموقف، تمسح على رأسه بحنوٍ تدعو له بالرضا، لتعود تسأله مجددًا بسعادة فشلت في إخفائها:


_ أنت متأكد أنه معجب بيها ولا مش فارقة معاه؟


حدقها بنظرةٍ متعجبة يجيبها باستغربٍ:


_ لا متأكد لما عرضنا الموضوع مرفضش بالعكس فضل يفكر فيه وعايز ذكرى تكون مراته علطول وتبقى فاهمة إنها لو أتجوزته مش هتسيبه خالص.. دا غير إنه بيغير عليها.


أتسعت ابتسامة حميدة أكثر، تمسك بوجه سعدي بقوةٍ تقبل وجنتيه، قائلة بفرحةٍ:


_ روح ربنا يطمن قلبك يابن بطني.. دا إحنا كنا شايلين الهم إمبارح عشان نعرف رأي نوح وكنت بفكر أخليك تعرف منه.


رفع حاجبيه بدهشة، ثم قال بمكرٍ:


_ الله.. دا إحنا طلعنا جامدين يا حميدة وبنخطط أهوه.


ضحكت عليه تضرب كفه ثم تراجعت للخلف قليلًا متمتمة:


_ غور بقى عشان نلحق نحضر الفطار بقالك ساعة بترغي.


أغلقت الباب بوجهه، ثم نظرت لفُلة التي صفقت بسعادة عندما تأكدوا من مشاعر نوح نحوها..


*****


علت بسمة ماكرة شفتي حميدة، تنظر نحو فُلة وداليدا قائلة:


_ روحي يا فُلة نادي عليهم عشان يفطروا ومعلش هتعبك يا أم نوح تخلي ذكرى تلبس هدومها وحجابها وقوليلها أي حِجة عشان تلبسهم.. ولما تخرجي لو لقيتي نوح.. مثّلي الزعل وقولي برضو مش عايزة تخرج.


أومأت الإثنتان بموافقة، ثم تحركوا لتنفيذ المهمة، بينهما فركت حميدة كفيها ببعضهما، تبتسم بخبثٍ، عينيها تلتمعان بمكرٍ شديد وهي تعد ذاتها جيدًا قبل أن تغادر المطبخ ترسم ملامح الحزن الشديد عليها، تجلس على الطاولة واضعة يدها أسفل ذقنها تستند عليها، دلفت فُلة وتليها نوح وسعدي وسفيان، يتقدمون من الطاولة، لتجلس فُلة جوار حميدة، بينما بحث نوح بعينيه عن ذكرى ولكنه لم يجدها، ليجلس مكانه ينتظر أن يخبره أحد عنها..


أغلقت داليدا الباب، تنظر في الخفاء سريعًا بالردهة لتجدهم جميعًا جالسين، لترسم ملامح الحزن عليها تسير نحو الردهة حتى وصلت لهم تردف لحميدة:


_ برضو مش عايزة تخرج يا حميدة.


_ يا حبيبتي يا بنتي.. من. وقت ما رجعت وهي على نفس الحالة مقطعة نفسها من العياط ومش عايزة تاكل.. أنا غُلبت معاها خالص.


استمع نوح لحديثها بالكامل، ليزفر بضيقٍ شديد يستمع لصوت سعدي يهتف بخبثٍ مداعيًا الحزن:


_ بقولك يا نوح..بما إنك شاطر في إقناع أي حد ما تدخل لذكرى وتكلمها يمكن تقتنع.. وفي النهاية ذكرى لزمًا تفوق بسرعة وإلا القضية هتروح علينا كلنا.


أومأ نوح بموافقة، ينظر لوالدته ناطقًا بهدوءٍ:


_ معلش يا حبيبتي ممكن تدخليلها تعرفيها إني عايز أشوفها.


أومأت داليدا ببسمة متسعة، تغادر لغرفة ذكرى، تطرق الباب بخفةٍ ثم دلفت لها تردد بحنوٍ:


_ ذكرى.. نوح عايز يتكلم معاكِ يدخل هنا ولا تقابليه برة في البلكونة؟؟


نظرت لها بإنطفاءٍ واضح، تشعر بتوقف خلاياها عن العمل، تتكئ على كفيها لتنهض بصعوبةٍ قائلة بصوتٍ خالي من الحياة:


_ هخرج.


أومأت لها بموافقة ثم غادرت الغرفة تخبر نوح بأن ينتظرها بالبلكونة وستحضر لهما بعض السندوتشات ليتناولوها بها، وبالفعل تحرك نوح للشرفة بعدما أعدت فُلة وداليدا طبقان لهما، يقف داخلها يتأمل الطريق، واضعًا يده بجيب سرواله إلى أن شعر بدقات قلبه تزداد عندما أتت نسمة هواء تنقل دفئ جسدها ليلامس وجنته، لم يتحرك بل أرتفع صوت يهمس بهدوءٍ:


_ تعالي يا ذكرى أقفي قدام شوية.


استمعت له دون أن تجادل، لا راغبة بالحديث أو النطق، بينما استرسل نوح بذات النبرة الهامسة:


_ ليه مخرجتيش من أوضتك ومش عايزة تاكلي؟


كان السؤال بمثابة صفعة تريها الحقيقة، شعرت بغصة تقبض على صدرها عندما أعد عقلها الإجابة لتعرض أمامها كأنها شريط سنيمائي مترجم، لتهتف باختناقٍ يحمل عدوانية:


_ وهو إيه يخليني أخرج وأكل وأعيش حياتي.. هي دي حياة اللي أنا عشتها.. عايشة من غير أب وأم.. اترميت عند جدتي ولما كبرت هي كمان ماتت.. دلوقتي أمي في غيبوبة وأختي مبتتحركش ونادر بيه بيحملني المسؤولية وعايز يتقلني.. تخيل أنت أبوك بيحاول يقتلك بسبب حاجة أنت مش فاهمها.


تمردها على كل شيء جعله على يقين أن من يسيطر عليها الآن ليس سوى شيطانها، ذلك الوسواس الذي يتأتي بلحظات الإبتلاء ليجعلنا نتمرد كما تمرد، استدار ينظر لها فوجدها تطالعه بشرارة غضبًا تريد أن تنفجر، ليتنهد بهدوءٍ قبل أن يردف بنبرة جادة ولكن بين ثنايا حديثه دفئ غريب يتسللها:


_ معاكِ حقك.


فرغ فاهها بصدمةٍ من موافقته لحديثها، لقد ظنت أنه سيخبرها بأقاويل فلسفية كما يفعل، أو سيعانفها بأن حديثها خطأ وتمردها خطأ، استطرد نوح حديثه بصوتٍ رخيم:


_ أنا مش هتناقش معاكِ ولا هتكلم بفلسفتي متقلقيش.. دي حياتك وأنتِ أدرى بيها عن أي حد يا ذكرى.. ولو شايفة إن ربنا مدكيش حياة تستحقيها وكانت حياتك قاسية مفهاش رحمة يبقى مش هجادلك أنا معيشتش اللي عيشتيه ولا أنتِ عيشتي حياة سيدنا أيوب.


ماكر.. هذا أبسط كلمة ينعت بها الآن، لقد استمال عقلها ليستمع له دون هجوم، ثم هاجمها دون أن تشعر ببضع كلماتٌ تشعل ضميرها ليصبح بركان ثائر عليها، ثم ذكرها بنهاية حديثه عن حياة سيدنا أيوب التي خسر بها كل شيء ماله وأولاده وصحته، أرتجف جسدها برغبة جامحة بالبكاء، لم تكن حياتها متمردة أبدًا ما الذي حدث، تحولت قديمها وأصبحت رخوية لتستند على السور تجاهد لضبط أنفاسها، ولكن لم تستطع لتخرج ما تكون داخلها:


_ أنا مقصدش كده.. مقصدش اللي فهمته.


_ بس كلامك معناه كده يا ذكرى؟ أنتِ شايفة ربنا مدكيش حياة فيها رحمة!


قالها بوضوح تام، جعلها تحرك رأسها برفضٍ لما فهمه، تجلس على المقعد بإنهيار، تردد بدموعٍ تسيل بغزارة:


_ لا مقصدش كده.. أنا مش بتمرد على عيشتي بس أنا موجوعة أوي.. نادر وجعني أوي يا نوح.. دا رفع المسدس في وش بنته عادي.


ما تمر به لن يقارن معه، في النهاية كان صديقًا خائن، بينما هي كان والدها هو الخائن، جلس نوح على المقعد المقابل لها، يهتف بهدوءٍ:


_ سيدنا يونس.. ذا النون تمرد لما قومه مرضيوش يسمعوا دعوته ليهم عشان يأمنوا بربنا الواحد الأحد، ومشي وسابهم وطلع مركب ماشية في البحر، وعشان تمرد على قومه قبل ما ربنا يأذن ليه إنه يسيبهم ويمشي.. حصل عاصفة في البحر وأضطروا يرموا كل حاجة في المركب ومفضلش غير سيدنا يونس والجماعة اللي طلع معهم، والبحر لسه ثائر زي ما هو.. ولو فضلوا كده هيغرقوا كلهم، فقرروا واحد هينط في البحر عشان يلحقوا المركب.. وعملوا قرعة وفي كل مرة يطلع اسم سيدنا يونس ورموه في البحر.. وألتقطه حوت وعاش سيدنا يونس جوا بطن الحوت ودي معجزة.. بس اللي حصل دا عشان وقتها سيدنا يونس يدرك خطأه وربنا ألهمه دعاء دا..


" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "


ربنا نجاه بعظعا بس الدعاء دا مخصهوش بس لسيدنا يونس دا كمان للمؤمنين.. تأملي كده الآية العظيمة دي..


" فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْـمُؤْمِنِينَ "


من سورة الأنبياء- آية(88)


صمت بعدما نطق الآية تاركًا إياها تتفهم حديثه، وخاصة عندما لانت ملامحها تهمس بهذا الدعاء علامة على ندمها الشديد على حديثها، ليسترسل بلُطفٍ:


_ مهمة الشيطان الأولى إنه يخليكِ تتمردي على حالك زي ما هو تمرد.. وتخرجي من رحمة ربنا زي ما هو خرج.. بس ربنا رؤوف بعباده اللي بيغلطوا ويتوبوا.. حتى لو غلطت مليون مرة المهم ترجعي ليه.. وتجددي نيتك في التوبة إنك مش هترجعي للغلط دا..


أهتز قلبها عند سماع هذا الحديث، يعتصرها الندم بشدةٍ، تخشى عقاب الله لها بعد ما فعلته، لتردف بصوتٍ مرتجفة على وشك البكاء:


_ أنا خايفة ربنا يفضل زعلان مني؟؟


ابتسم نوح لها ثم عاد بظهره يتأمل السماء، يجيبه بكلماتٍ كانت كبلسم يدوي نار قلبها:


_ لما السما والأرض والهوا والجبال كانوا عايزين يعقبونا على اللي بنعمله ومستنين ربنا يأذن بس.. ربنا قالهم أيه..


نظرت بالإتجاه الذي يطالعه، ليسترسل نوح بشغفٍ نحو الله:


_ قال دعوني وخلقي.. لو خلقتموهم لرحمتموهم.. تفتكري لما ترجعي لربنا وأنتِ تائبة وبين إيديه مش هيرحمك؟ دا من رحمته قال أنا عند حسن ظن عبدي بيّ... أحسني الظن بالله يا ذكرى وكل ما تحسني الظن بيه كل ما هيديكِ.


مد يده يحمل سندوتش صغير يهتف ببسمة تحمل حبورًا:


_ خدي دا وكليه عشان تقدري تكملي وتتوبي صح.


غمز بإحدى عينيه، لتبتسم بخجلٍ تمسك بالسندوتش تتناوله، تشعر بهدوء لوعتها و إطفاء إضرام النيران داخلها، فلم ترتاح في تمردها ولم ترتاح بإدعائها الرضا، بل لانّ قلبها في الرضا، ربما سمعت هذا الحديث ولكن قوله لها بهذا الوقت كان بمثابة ومضة تنير طريقها الصحيح، تعيدها من الهلاك إلى الصلاح، همست بالحمد بعدما أيقنت أن نوح ما هو إلا سبب يحمل لُطفًا كبير ليعيدها الله له مجددًا لطريقه.


ـــــــــــــــــــــــــــــــ


ابتسموا جميعًا يصفقون بفرحةٍ عندما استطاع نوح إقناعها، يتراجعون للخلف ببطءٍ ما أن وجدوهما يتناولون الطعام، جلسوا على الطاولة يكملوا طعامهم سريعًا وما أن أنتهوا حتى مال سعدي يهمس بخفوتٍ:


_


دورك بقى يا حميدة هتدخلي تمثلي إنك قلقانة وتاخديها على معمل أنا متفق معهم على كل حاجة.


أومأت حميدة بفهمٍ لدورها، ثم استدارت تدلف للشرفة ترى ذكرى تفرك كفيها ببعضهما بعدما أنتهت من تناول الطعام، لتهتف بشهقة عالية أفزعتها:


_ يالهوي مال وشك يا ذكرى..


وضعت بتلقائية يدها على وجهها بقلقٍ، تردف بصوتٍ متوتر:


_ في إيه؟ وشي ماله؟


أشارت حميدة نحوها، وهي تسأل نوح بقلقٍ بارعت في تمثيله:


_ يابني بص كده مش وشها مصفر وتعبان؟


في الحقيقة كان وجهها مرهق، ولكن أجابها نوح بتعجبٍ:


_ ممكن من قلة الأكل.. هي هترجع أحسن تاني.


حدجته بنظرةٍ مغتاظة، ثم قالت وهي تقترب من ذكرى:


_ شكلك مبتفهمش.. تعالي يا حبيبتي هننزل نكشف دلوقتي عشان أطمن عليكِ.


_ يا خالتي متقلقيش أنا كويسة والله بـ...


قاطعتها حميدة تردد بإصرارٍ وعينيها تدمعان:


_ لو عايزة تسيبي قلبي قلقان كده براحتك متنزليش يا ذكرى.. وسبيني لقلقي يا بنتي يقطع في بطني.


أسرعت تنهض نحوها تضمها في عناق سريع، تردف بحنوٍ:


_ أبدًا والله يا خالتي دا.. حاضر هنزل معاكِ المهم متزعليش.


ربتت حميدة على ظهرها برضٍ لتنفيذ خطتهما، بينما راقب سعدي ما فعلته والدته بالداخل بذهولٍ و إلى جواره سفيان الذي علق بإقتناع:


_ أمك ممثلة هايلة يا سعدي.. قدملها في معهد التمثيل.


_ أنت بتقول فيها.. دي قرطستني وأنا واقف وعارف اللي هتعمله.. طلعتي مش سهلة يا حميدة.


ــــــــــــــــــــــــــــــ


_خلاص كده أطمنتي يا خالتي؟


قالتها ذكرى بعبوسٍ ظاهر، لتضحك حميدة عليها وهي تطرق على باب الشقة متمتمة:


_ معلش مكنتش أعرف إنك بتخافي من الحقن أوي كده.


زفرت ذكرى بضيقٍ من سحب تلك العينة من الدماء، ولكن بالنهاية هي تخاف عليها وتريد الإطمئنان، فتحت فُلة ببسمة متسعة تهتف بسؤالٍ متلهف:


_ عملتوا التحاليل؟


حدقتها ذكرى باستغرابٍ، بينما اومأت حميدة تردف سريعًا بنبرة متعبة:


_ أوعي بقى يا بت خلينا نرتاح.. وشوية كده نعمل كيكة ناكلها مع كوباية شاي ونعمل سهرة بنانيتي.


صفقت فُلة بحماسٍ تضم ذكرى بسعادة، بينما ضحكت ذكرى ظنًا أن تلك الحفلة ليست سوى تجمع لطيف بينهم.


بالجانب الأخر كان سعدي يراقب ما يحدث من العين السحرية بالباب، تتسع ابتسامته بسعادة عندما سمع حديث والدته وذكرى، لقد تمت المهمة الأولى بنجاح، استدار سعدي نحو سفيان القابع على جهاز. الحاسوب خاصته يعد الفيديوهات والصور التي ستدرب عليها ذكرى، ليعلو صوته بسعادة:


_Done يا عمنا خلاص فاضل نوح.


ضغط سفيان على زر الحفظ بالجهاز، ليرفع رأسه ببسمة متسعة يردف بمكرٍ:


_ حلو وأنا خلصت الحاجات اللي ذكرى هتدرب عليها مفضلش بس غير ناخد العينة من نوح.


ضم سعدي شفتيه بعبوسٍ، يجلس جواره بإريحية، يسأل بحيرةٍ:


_ هنعملها إزاي دي؟


رمش سفيان بأهدابه عدى مرات ببراءة، ثم قال بنبرةٍ تدعي حسن النية:


_ أجرت بلطجي يعوره بأي شكل ولما يجي هنبقى نعالجه و ناخد منه العينة.


اتسعت عين سعدي بصدمةٍ منه، ينتفض من جواره بفزعٍ قائلًا:


_ بتأجرله بلطجي! أنت ياض معدوم الإنسانية والدم.. دا أنا ظابط وقلبي ميجبنيش أعمل كده في صاحبي! 


رمقه بنظرةٍ مغتاظة قبل أن يغمغم بحنقٍ:


_ بقولك إيه نوح لو أتشقلبنا قدمه مكنش هيروح في حتة ولا هنعرف ناخد منه عينة.. بس أنت قول يارب البلطجي يعرف يعوره.


فتح فمه ليرد ولكن استمع لصوت المفتاح يهتز فعلم بعودة نوح، نظر نحو الباب ليدلف نوح بسلام دون خدش، حدق به سعدي بذهولٍ، بينما عوج سفيان فمه يهمس بحسرة:


_ قتله.. قتله خلاص راح بلطجي شارعنا.. يارتني كنت أجرت رئيس عصابة أو مافيا.


تعجب نوح من ملامح الحسرة على سفيان، بينما تحدق سعدي المبالغ فيه، ليهتف بتعجب:


_ مالكوا واكلين سد الحنك كده ليه؟


حرك سعدي رأسه بنفيٍ، يرفع كفه ضاممًا أصابعه ماعدا الإبهام هو المرفوع، يحاول بصعوبةٍ رسم بسمة قائلًا:


_ لا يا حبيبي أنت مية مية.


رفع حاجبه بشكٍ، يشعر بوجود خطبًا ما بهما، وما كاد أن يتحدث حتى وجد طرقات على باب الشقة، تنهد بتعبٍ ثم استدار يفتحه ليجد فُلة تقف حاملة طبق زجاج به كيك ساخن، تردف ببسمة متسعة:


_ عملنا كيكة وقولنا تاكلوا معانا.


أومأ نوح بهدوءٍ، ثم كاد أن يمد يده ولكن هتفت فُلة بحماس:


_ أنا هدخله وكمان عشان عايزة أستاذ سعدي.


كادت أن تعبر ولكن تعثرت بالإسدال ليسقط الطبق على الأرض متهشمًا بينما سيطرت فُلة على توازنها، نظروا ثلاثتهم للطبق المهشم، فتلون وجه فُلة بحرجٍ، لتهبط إلى للأرض قائلة بتوترٍ ممزوج خجل:


_ أنا آسفة.. آسفة مقصدش اتكعبلت..


رأها نوح تتحرك بعشوائية وإلى جوارها زجاجة ستصيبها، أنحنى ليحمل الزجاجة ولكن وضعت فُلة قدها على كفه لتنغرس الزجاجة به، انتفضت من مكانها ما أن سمعت أنينه، تنظر نحوه بخوفٍ مرددة:


_ أنا آسفة يالهوي عليا إيه دا كله.. أنا آسفة مقصدتش.


كادت أن تتجه نحوه ولكن أوقفها نوح بكفه السليمة، يردف بصعوبةٍ:


_ خلاص يا أنسة فُلة روحي بس شقتك وأنا هتعامل.


_ يودع سره في أضعف خلقه.


رددها سعدي بذهولٍ عند رؤية هذا المشهد، بينما ازدردت فُلة لعابها بحرجٍ تسير نحو الخارج، تهلل سرير سفيان ما أن رأى كف نوح يقطر بدماء ليسرع بإحضار كبسولة العينة خاصته، ثم أخفاها بجيبه يضع علبة الإسعافات الأولية جواره على الأريكة يردف سريعًا:


_ أوعى يا نوح.. خليني أشيلك الإزازة أنا واخدة دورة في الإسعافات الأولية.


أومأ نوح بموافقة، يتقدم نحوه يمد كفه المجروح يحدق بسفيان ليرى ما سيفعل، بينما نظر سفيان له بتوترٍ يردد ببسمة بلهاء:


_ غمض عينك لو سمعت.


_ ودا ليه إن شاء الله؟ مكسوف تتكشف على رجاله وأنت بتعالجهم؟


وصله تهكمه بوضوح، ليزفر سفيان بحنقٍ يتمتم بضيقٍ:


_ ما تسمع الكلام بقى مرة في حياتك ومتبقاش رخم.


نفخ نوح بنفد صبرًا، يغمض عينيه سريعًا، قائلًا بحنقٍ:


_ أخلص أنا مستحمل رغيك بالعافية.


أمسك سفيان بطرف الزجاجة ينزعها من يده سريعًا وحذر، ثم أمسك بزجاجة العينة يضع بها قطرات الدماء التي تسقط من كفه ويغلقها جيدًا ويعيدها بجيبه، ثم أكمل باقي علاج يده حتى أنتهى منها ليهتف بفخرٍ:


_ خلصت خلاص.


حدقه نوح بنظرةٍ متهكمة، ثم تحرك نحو باب الشقة يساعد سعدي في تنظيف الزجاج المنتشر به حتى لا يتأذى أحد مجددًا، أنتهى سعدي مما يفعله بهدوءٍ صامت وكذلك نوح الذي قرر الغفو قليلًا.


تحرك سعدي نحو الشقة الأخرى يطرق على الباب بخفةٍ، لتفتح له والدته تردف بقلقٍ:


_ إيد نوح عاملة إيه فُلة قالت إنه أتعور بسببها؟


تذكر ما فعلته، ليهتف سريعًا بسعادة:


_ لو مكنتش كسرت الطبق كان زمنّا مذلولين عشان ناخد العينة بتاعت نوح ونخلص من الحوار دا.


قطبت حميدة جبينها بعدم فهم، ليسرد لها سعدي بتوضيح لتتسع ابتسامة حميدة قائلة:


_ الجوازة الله أكبر ماشية لوحدها كمان، استنى أنادي فُلة عشان ندمانة وحاسة بالذنب.


أنطلقت تناديها وتخبرها بما حدث بينما كبح سعدي رغبته بالدلوف لها ومعرفة سر زيارته له، وما هي إلا دقائق حتى وجد والدته تسحبها من ذراعها تشير له قائلة:


_ قولها يا سعدي الموضوع عشان مش مصدقة.


أومأ سعدي بصدرٍ رحب، يسرد لها ما حدث، حتى أنتهت لتتناهد فُلة براحةٍ واضعة يدها على صدرها بسكينة قائلة:


_ الحمدلله كنت حاسه بالذنب.. طلع مُقدر ليهم أصلًا.


أومأ بموافقة على حديثها، ثم سألها دون أن يستطيع كبح فضوله أمام حميدة:


_ أنتِ كنتِ عايزني في إيه؟؟


شعرت بالحرج الشديد من تحول نظرات حميدة نحوها هي الأخرى بفضولٍ، تحمحم محاولة تنقية صوتها من شدة الحرج، تردف بخجلٍ:


_ كنت جايبة مرهم كدمات عشان شوفت العلامة لسه مخفتش بس.


اتسعت إبتسامة سعدي بينما لمعت عين حميدة بمكرٍ ولكنها هتفت بحزم:


_ طب أدخلي على جوا يلا.


أسرعت فُلة تفر من أمامهما، بينما نظرت حميدة نحو سعدي تردد بنبرة جادة:


_ قدامك خمس ثواني وإلا هتلاقي باب الشقة في وشك.


ركض سعدي سريعًا من أمامها عائدًا للشقة، لتغلق حميدة الباب وهي تبتسم بسعادةٍ، وأخيرًا سيصبح إبنها عريس قريبًا...!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــ


_ جهزتي كل حاجة يا فُلة؟


أومأت فُلة بإيجاب، تتفحص محتويات الغداء جيدًا والحلوى التي صنعوها لأجل كتب كتاب ذكرى ونوح، لقد مر ثلاثة أيام وظهرت نتيجة التحاليل المطلوبة وللعجب كانت أسرع نتيجة تظهر، ولكن لم يعلم أحدهما بما يحدث، ابتسمت داليدا بفرحةٍ:


_ أنا فرحانة أوي يا حميدة أخيرًا نوح هيتجوز.


كادت أن ترد ولكن أرتفع صوت ذكرى من داخل غرفتها تردف بضجرٍ:


_ يا خالتي أنتِ حبساني من الصبح ليه؟؟


لم تجيب حميدة بل نظرت للهاتف لتجد سعدي يتصل عليها لتهلل سريرها هي الإشارة المنتظرة لهم لتذهب نحو ذكرى وتحضرها وكذلك ليحضروا نوح من الشقة الأخرى، فتحت الباب لذكرى قائلة بفرحة:


_ تعالي يا حبيبة قلب خالتك.


كادت أن تفتح فمها ولكن عادت تضمه وهي ترمقها بنظراتٍ متعجبة، لتسحبها حميدة بالردهة تجلسها على الأريكة وإلى جوارها داليدا تبتسم بخجل مما أثار ريبتها، لتردف حميدة بحبٍ دافئ:

_ أنتِ عارفة إني بحبك وكلنا بنحبك وعايزين مصلحتك صح؟

أومأت ذكرى بإيجاب ولا تزال تشعر بالحيرة، في حين دلف نوح للشقة وإلى جواره سفيان يحدقهم بتعجبٍ واضح، لتسترسل حميدة بحبورٍ وهي تنظر لها تارة ولنوح تارة:

_ خلاص يا حبيبتي النهاردة كتب كتابك على نوح.

اتسعت عينيها بصدمةٍ تنتفض من الأريكة كمن لدغها عقرب، بينما صمت نوح يتابع حركاتها ليرى ردها، علا صوت ذكرى أخيرًا بعدما ابتلعته الصدمة:

_ أنتوا.. إزاي.. أنا مش فاهمة؟؟

نهضت حميدة تمسك بكفها، تسحبها جوارها على الأريكة مجددًا، تردف ببسمةٍ حنونة:

_ كل ما في الأمر إن الأستاذ نوح يا ستي منجذب ليكِ ولما حسيت إنك قابلة شخصيته ومش بتقتنعي غير برأيه قررنا ناخد الخطوة ونساعده والنهاردة كتب كتابكم..

صمتت تراقب ملامح ذكرى التي لا تزال مذهولة، ولكن قاطع ما يحدث صوت نوح الهادئ رغم أضطرابه يتوعد داخله لسعدي وسفيان:

_ لو حاسه إنك مش هتقدري على الخطوة دي يا ذكرى.. قولي دلوقتي وهيفضل الوضع زي ما هو.

الآن هي صاحبة القرار، الجميع ينظر لها وينتظر قرارها بلهفة، هي لن تنكر شعورها بالراحة معه ولكن هل زواجه أنجذاب أم شفقة؟؟

دلف سعدي بالمأذون ومعه عم حسن اللذان رددا السلام، أدمعت عين ذكرى ما أن رأت عم حسن، لتتقدم نحوه قائلة:

_ أنت كمان عارف يا عم حسن وأنا الوحيدة اللي معرفش؟

أتت فُلة تضمها بضمة قوية، تهمس لها بعيدًا عن أذانهم إلا عم حسن وذكرى:

_ أنا عارفة مكانة عم حسن وعشان كده قولت لزمًا يكون وكيلك ودلوقتي كله مستني رأيك يا ذكرى..

ابتسم لهما برضا يهتف بحبورٍ:

_ مينفعش مبقاش وكيلك يا بنتي.. أنا سعدي حكالي كل حاجة وطالما مقولتش رأيك يبقى نصيحتي ليكِ كأب لبنته.. نوح هيشيلك جوا عينيه يا ذكرى اسمعي كلامي.

أومأت له ذكرى بموافقة دون أن تجادله، هذا الرجل تشعر بألفة الأب التي حُرمت منها، لتصفق فُلة بسعادة تضمها مجددًا بفرحةٍ، لتطلق حميدة زغاريد كثيرة، بينما نظر لها نوح دون أن يتفوه بكلمة، ليجلس جوار المأذون يمسك بيد عم حسن يردد كما يُقال له، حتى أختتمت مراسم الزواج بقوله الشهير..

"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير."

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

شعر بأنفاسٍ أحد جواره، ليفتح عينيه سريعًا ، ينتفض من الفراش بعدما رأى ذلك الصهيوني يجلس على المقعد يتأمل خنجره الذهبي، يردف ببسمةٍ ماكرة وقد أزاح عينيه عن الخنجر لينظر بحدقتي ذلك النائم:

_ لقد أنتظرت استيقاظك كثيرًا.. أتعلم لماذا لم أقتلك حتى الآن؟

ابتسم بسخطٍ لعلمه السبب، فأومأ الصهيوني له بالإيجاب قائلًا:

_ بالضبط يا عزيزي.. لولا الأحمق محمد الذي وضع خاصية الإخفاء خلال ثواني صغيرة لتلك المعلومات لكنت الآن ميت ولكن قدرتك في قرأت الأشياء بسرعة ستجعلك على قيد الحياة حتى نحصل على ما نريده.

أشاح بعينيه بعيدًا، يعلم بخوفهم أن يموت قبل أن يخبرهم بما يريدوه بهذا الجهاز، ولكن أنتفض جسده برعبٍ عندما ردد ببسمة خبيثة:

_ لذا حتى يحين الوقت المناسب لك، دعنا نلعب مع نوح ونجعل أحدًا من فريقه خائنًا ويقع ضحية الماضي مرة أخرى ونهذبه بطريقتنا ألا يعبث بما هو مدفون؟؟

               الفصل الحادي عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>