رواية سفينة نوح الفصل السادس عشر 16 بقلم سلمي خالد ابراهيم

      

رواية سفينة نوح الفصل السادس عشر 16 بقلم سلمي خالد ابراهيم

صل على سيدنا محمد

عندما يضيق الحال ويصبح كل شيء ضائع يبدأ العقل بنسج هذا السؤال لِم أنت وحدك دون عن غيرك يحدث لك كل ما تمر به؟

عزيزي إنها متاهة قاتلة ستطيح بحياتك للدمار إن غرقت خلف تلك الأسئلة التي لا إجابة لها سوى الصـــــــــــبر.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

تأمل ملامحه المتعبة، نظرات عينيه المهزومة، كأنه يُجلد داخل أسوار السجن بالرغم من عدم اقتراب أحدًا منه، ضم شفتيه ولا تزال عينيه عليه، ثم قال بنبرة هادئة:

_ طلبت تشوفني؟ عايز إيه؟

استغرق دقائق ليرفع عينيه نحوه، يترجاه بنظرات غريبة وكأنه غريق بشدة، تعجب نوح من نظراته، ليسأل بشكٍ:

_ في إيه؟

_ أرجع للحوت تاني بداية الخيط بتاع ياسر عندهم.. ومحفوظ مش هيسيبك ولا هيسيب ذكريات الشرنوبي لما يشوفها.. فخلي بالك منها وخلي بالك على نفسك منها.


ذهل نوح من رسالته، ينظر لعينيه التي عادت مجددًا تنظر للأسفل، ليتحرك نحوه يهتف باستيعاب:


_ عرفت منين إننا عند شركة الحوت؟ وذكريات مالها.. أنت تعرف إيه أنطق!


لم يجب بل ظل صامتًا كحاله عندما أتى، يلقى بقنبلة صغيرة تدمر تفكيرهم ثم يصمت وكأنه لم يبعثر ثباتهم.


_نفسي أعرف أنت ليه بتعمل كده!!


مسح على وجهه بضيقٍ يشعر بالاختناق من عدم الوصول لحل، أعتدل في وقفته ينهض يسير مغادرًا الغرفة، يفكر بذكريات وما علاقتها بتلك القضية؟ هل ظهورها صدفة أم أمر مدبر له!!


نفض تلك الأفكار من رأسه يهتف بيقين:


_ أستحالة ذكريات تعمل فيا كده! أستحالة تخوني!


أغلق باب السيارة بعدما أنزلق داخلها، يحرك المفتاح يشعل محرك السيارة وعقله يريد العودة ورؤية ملامحها فقط ما تعطي له الإجابة الواضحة.


*****


_تعرفي يا فُلة إنك أمتحان صعب جدًا بنسبة ليا!


نطقها سعدي وهي يقلب الصلصة الخاصة بالمكرونة، لتقطب فُلة جبينها بدهشة، تستدير نحوه لتستفسر عن معنى حديثه مغمغمة:


_ ليه؟


اتسعت ابتسامته عندما سألت، ليجيبها بنبرة هائمة بها:


_ عشان مش هحلك يا نن عين السعدي... آآآه.


صرخ بألمٍ بعدما تلقى صفعة قوية على مؤخرة رأسه، لينظر خلفه فوجد حميدة تنظر له بحدةٍ قائلة:


_ هو أنت داخل تشيل عني المطبخ ولا تشقط البنت.


_ الاتنين.


أجاب بتلقائية سريعة ولكن أرتبكت ملامحه سريعًا عندما رأى وجه حميدة الذي يطلق شرارات مخيفة، ليهتف بتوترٍ:


_ قصدي أساعدك عشان ركبك ياحمدية بايظة.


انحنت تمسك بنعلها الخفيف، تردف بتوعد:


_ هوريك ركبي بايظة ولا لسه بصحتها.


أتسعت عيني سعدي بصدمةٍ يسرع بالهروب منها قبل أن تصفعه به، يصرخ بها بذعرٍ:


_ خلاص يا حميدو.. خلاص يا دودو بس بلاش ضرب الشبشب برستيجي باظ والبت مش هتف في وشي حتى.


أندفع داخلها مشاعر الأمومة فجأة لتهتف بفخرٍ بعدما توقفت عن الركض:


_ فشر أنت مش أي حد دا أنت سعدي السعد أجدع ظابط في الداخلية كلها يا حبيبي.


سجد سعدي حمدًا لله ثم أنطلق يقبل يدها قائلًا:


_ قلب سعدي من جوا يا حميدة بس أبوس دماغك ورجلك ودراعك وكتفك و..


قاطعته تلكمه في كتفه قائلة:


_ أتلم وكفاية بوس يا سافل.


ضحك بخفةٍ عندما رأى خجل والدته ليهتف بمكرٍ:


_ بتتكسفي يا حميدو.. بتتكسفي يا دودي.


ضحكت حميدة عليه، تحرك رأسها بيأسٍ منه ترفق مع حركته كلماتًا يأسة:


_ قول يا منيل عايز إيه؟


_ أعمليلي هيبة قدام الحتة.. مينفعش كل ما أشقطها تيجي تقطعي رزقي!


نظرت له بقوةٍ تحمل ثباتًا، ثم قالت بهدوءٍ وصرامة:


_ بص يا سعدي البت اللي جوا دي.. يتيمة وملهاش في الدنيا بعد ربنا غير ذكريات وأنا وأديك شايف حال ذكريات.. فعند فُلة وخط أحمر يا بني.. أنت. ابني وهي بنتي اللي مخلفتهاش فاحترم نفسك وبطل قلة أدبك دي هنا.. بنات الناس مش لعبة عشان تتسلى ونرمي يابن بطني.. يارب الرسالة تكون وصلت.


تحركت حميدة بعيدًا تاركة إياه يفكر بكلماتها الصارمة القوية، ربما لم يشعر بجدية الأمر في البداية، فقط يريد تلك المشاعر التي اختبرها غيره وهو لم يختبرها، زفر بضيقٍ يتأمل المطبخ وهو يرى فُلة منهمكة في صنع الطعام ليشعر بالذنب عندما تخيل أن وقعت بحبه وهو لم يكن لها المشاعر ماذا ستفعل وحيدة دون مساعدة من أحد..!


ــــــــــــــــــــــــــــ


شهقة قوية صدرت منها اتنتفض من الفراش بخوفٍ، تنظر حولها بحالةٍ من الرهبة التي تمكنت منها، أدمعت عينيها بقوةٍ وهي تتذكر حديث نادر ورغبته في قتلها، وضعت يدها بموضع قلبها ثم قالت بأنين متألم:


_ آآآآه.


قتلني أبي حقًا قتلني وأنا أتنفس، لقد حقق مراده عندما منح قناصه أمر قتلي، أجهشت في بكاءٍ قوي ويتوغل الألم صدرها بقوةٍ، تعتصر ألم ولا أحد يعلم ما بها، نظرت باتجاه الباب وهي تستمع لصوت خطواتٍ تقترب منها، لتنهض سريعًا تغلقه بالمفتاح مانعة أي حد من الدخول، ضجعت بظهرها على الباب ثم هبطت ببطءٍ حتى جلست تضم نفسها بنحيبٍ صامت، تنظر باتجاه النافذة وهذا النور الموجود لتخفض رأسها تنظر للأسفل لتسقط دموعها معها، لقد ماتت سُبل الحياة، كيف لزوجها أن يحبها ووالدها لم يحبها!


آهٌ يا أبي، جعلتني أشتاق لقول كلمة أبي! أرأيت ماذا فعلت بيّ؟


شعرت بوجود ظلً عليها، لم تلحق باستيعاب من معها فوجدت شيءٍ يكممها واضعًا شيء لاصق على فمها يمنعها من الصراخ، ثم سحبها بعيدًا على الفراش يوجه مسدسه بجبينها، إنه هو نفسه ذلك القناص الذي رأته بأمس!


أتسعت عينيها بذعرٍ ترى عينيه الجاحدتين لا تمس الرحمة بصلةٍ، تساقطت الدموع بقوةٍ حتى لمست يد ذلك القناص، هبط ببصره يرى دموعها على ظهر كفه ثم رفع حدقتيه بخاصتها ليهتف بصوتٍ أجش:


_ مش هقتلك بس هتسمعي اللي هقولك عليه!


أومأت بموافقة سريعة له، تنتظر ما يريده ولكن سرعان ما تجمدت الدماء بجسدها، تجحظ بعينيها بقوةٍ بعدما علا صوته مرددًا بجمود:


_ نوح نصار هيعيد الماضي تاني على إيدك ونفس غلطة الخيانة هتتكرر بس منك إيه رأيك؟


حركت رأسها بنفيٍ قاطع، ترفع قدمها ثم ركلته بقوةٍ في بطنه، لتنهض من الفراش تركض للخارج ليلحق بها سعدي تعلم إنه بالخارج، ولكن نهض ذلك القناص سريعًا ليرفع سلاحه بها ثم صوب على ظهرها ليطلق رصاصة لم يسمع أحد صوتها بسبب كاتم الصوت الموضوع على سلاحه، خرج أنين ألمًا منها ولكن تحملت على نفسها، تزيح ذلك اللاصق من فمها، تحاول الوصول للباب بخطواتٍ ضعيفة لابُد أن تفعل شيء، ابتسم بسخطٍ ثم ضغط مرة أخرى على الزناد لتصاب بالرصاصة الثانية، عجزت حركتها وأصبح جسدها هزيل، أنتهت قوتها وماتت الأحرف لتُمنع عن الخروج، ترنح جسدها الثقيل لتسقط على الأرض جوار الباب، تقدم منها ذلك القناص ينحني جوارها، مد يده يدير وجهها نحوه يزيح خصلات شعرها الملتصقة بجبينها المتعرق، ثم قال ببسمة متهكمة:


_ لو كنتِ سمعتي الكلام كان زمانك معايا.. بس عامة لو نوح جه ولحقك متقولش على اللي حصل عشان في واحد قال لنوح إنك ممكن تخونيه وكلامك معاه هيخليه يشك فيكِ.. لو ملحقش يبقى السر أدفن معاكِ.


نهض يغادر الغرفة بينما بقيت دموعها تسيل بألمٍ قاسٍ، تصدر أنين ضعيفًا، يزداد تدفق الدماء منها، نظرت باتجاه الباب ثم مدت كفها الملطخ بالدماء أسفله تضع بصمتها أسفل عقب الباب لعل من يمر جوار الغرفة يرى ما فعلته، ثم أعادت يدها تهمس بضعفٍ قبل أن تنعدم الرؤية تمامًا تسقط في سحابة سوداء:


_ نـــــو.. آآ.. ح.


ـــــــــــــــــــــــــــــــ


أوقف السيارة أمام مكتبة، مكانه المفضل في كل الأحوال التي مر بها، يأتي فقط ليريح ذهنه من التفكير، يبدو أن ابتعاده عن العمل لوقت جعل تفكيره مشتت، كاد أن يتحرك نحو المكتبة ولكن أرتفع رنين هاتفه المزعج، زفر بضيقٍ يضغط على الزر ليصمت الصوت ولكن عاد وعلا مجددًا ليمسك بهاتفه ينظر للمتصل فكان رقم مجهول الهوية، أجاب سريعًا ليستمع للطرف الأخر يهتف بجمودٍ:


_ ألحق مراتك قبل ما تقف على قبرها.


_ محفوظ!


كست الصدمة ملامحه، يحفظ صوته وكلماته، فلن ينسى تعليقه الأخير عن الخيانة، ولكن فاق من شروده على صوته يهمس بخبثٍ قبل أن ينهي المكالمة:


_ شاطر طلعت بتحفظ بسرعة وكده اللعب معاك هيحلو.. بس دلوقي لزمًا تلحق مراتك قبل ما تموت.


الموت عند ذكر هذه الكلمة وانتفض قلبه بذعرٍ يعود سريعًا لسيارته يتصل على سعدي بتوترٍ، وما أن أجاب حتى قال بسرعةٍ يلف عجلة القيادة سريعًا منطلقًا بالسيارة:


_ شوف ذكريات يا سعدي بسرعة حد يدخل يطمن عليها وأنا معاك على التلفون.


انتفض سعدي من مجلسه، يتحرك باتجاه الغرفة التي تقبع بها، يسأله بقلقٍ:


_ في إيه؟


قبض على عجلة القيادة بقوةٍ حتى كادت أن تنفصل أصابعه عن كفه، يجيبه بصوتٍ مختنق:


_ ذكريات بتموت يا سعدي.


نبش الخوف قلب سعدي وهو يطرق الباب دون إجابة، ليسمع أمر نوح بفتح الباب وبالفعل حاول فتحه ولكن دون فائدة، ليعلق سعدي بقلقٍ يزداد:


_ نوح الباب مقفول من جوا بالمفتاح و.. دم!!


قالها بصدمةٍ ينظر لبقعة الدماء اللزجة اسفل الباب من الطرف، تجمد جسد نوح بصدمةٍ، كان يتمنى أن يلاعبه محفوظ ولكن يبدو أن حديثه حقيقة، ضغط بقوةٍ يزيد من سرعة السيارة، يهتف بغصةٍ تقبض على صدره:


_ أكسر الباب على ما أجيلك يا سعدي.


همهم بموافقة وبدأ بالابتعاد ثم ضرب الباب بكتفه، ليجتمع الجميع حوله بقلقٍ دون فهم شيء، يرفض سعدي الإجابة إلا بعد فتح الباب..


أخيرًا أستطاع فتح الباب ليندفع الباب بقوةٍ ويدلف هو باندفاع، أعاد أتزان جسده ليجد ذكريات ملقاة أرضًا لا حول لها ولا قوة، يدها الملطخة بالدماء بالقرب من الباب، يبدو أنها عانت وحدها ولا أحد يعلم ما حدث بها.


صرخت فُلة بقوةٍ وهي تراها بتلك الحالة المخيفة لتسقط مغشيًا عليها وصورة والديها تُعاد مجددًا، بينما تراجعت داليدا بذعرٍ من هذا المشهد تخفي وجهها بين راحتي يدها، في حين أنطلقت حميدة لتضم فُلة تعلم جيدًا أثر هذا المشهد عليها تحاول إفاقتها، لتذرف الدموع بقوةٍ على الفتاتان، تقدم سفيان سريعًا وإلى جواره سعدي الذي يخبر نوح بما يراه.


_ روح أفتح الباب بسرعة يا سفيان نوح وصل.


أومأ ينهض سريعًا يندفع نحو الباب ليفتحه فوجد نوح يهروال نحو الغرفة، ولكن تجمدت خطواته على أعتاب غرفتها، اهتز ثباته الذي يدعيه، أهي زوجته التي تفترش الأرض وسط دماء لم تكن سوى دمائها!


ابتلع لعابه بصعوبةٍ، يتحرك نحوها بضعفٍ، آهٌ يا ذكريات.. أكنتي الحرب التي أخوضها مع نفسي لأخسرك! أرجوكِ عودي لي ولا تجعليني ميتًا بدونك! لا تبتري روحي وتغادريني! أبقي ليّ وسأبقى لكِ كما تحبين يا حبيبة نوح كما أُخبرك دومًا.


حملها بين ذراعيه ليغرق قميص وذراعه بدمائها، وترسم أول لوحة حزينة بينهما، تحرك بخطواتٍ لا يعلم من أين أتته القوة ليسير بها ولكن لابُد من التحمل ليراها مجددًا، تحرك للأسفل وخلفه سفيان بينما بقى سعدي مع حميدة وداليدا التي تضم فُلة لصدرها وكأنها تحميها بعدما فشلوا جميعًا بحماية ذكريات وهي معهم بنفس المكان ونفس الشقة.. ينتظرون حضور الطبيب إلى هنا فلن يستطيعوا مغادرة الشقة وقد أصبح الخطر في العلن!


ـــــــــــــــــــــــــــــ


ذكريات..


حبيبة نوح الأولى والوحيدة، لقد دخلت تلك الغرفة قبلك وغادرتها وأنا غريب عن الجميع، ولكن عُدت كما كنت معاكِ؛ لذا أخبرك أن تغادرين مثلي وتعودين لنوح.. حبيبة له لنكمل دربنا سويًا وتصبحين رفيقة دربي وعمري القادم كله.


فاق من شروده على يد سفيان التي تربت على كتفه بمواساة، أزاح عينيه عن باب غرفة العمليات بصعوبةٍ، يستمع لصوت سفيان قائلًا بتأثرٍ:


_ متوقعتش إن ذكرى ليها مكانة كبير كده عندك!


نظر له قليلًا ثم قال بنبرة غريبة مزيج بين بحة الألم وشغف الحب:


_ أول مرة شوفتها فيها وبصيت في عينيها حسيت بدفا غريب.. حاجة كده بتحضنك وأنت واقف مكانك.. يمكن وقتها مش حب بس كان بداية لحياتي الجديدة معاها.. ذكريات هي الوحيدة اللي تبقى حبيبة نوح نصار ومفيش غيرها هيكون كده.. ذكريات كانت ولازالت شيفاني نوح نصار مش نوح المعقد..حتى بعد ما حكيت ليها اللي حصل لسه نظرتها ليا زي أول مرة شوفتها.. كلها دفا.. يمكن أول مرة أقولها إني بحبها وخايف تسبني.. وقتها بس إتأكد إن أخر نفس ليا مات معاها.


تأمل سفيان كلماته وحديثه عنها وكأنها قطعة ألماس، نظرته لها متمسكة بشدة، لقد وقع بالحب! حرك فكيه يهتف بنبرة هادئة:


_ ربنا يقومها بالسلامة يا صاحبي وتكملوا مع بعض لأخر نفس.


أغمض عينيه بألمٍ محاولًا السيطرة عليه، ينتظر الطبيب أن يغادر الغرفة ويخبره بحالتها ما بها وبماذا تشعر الآن!


ـــــــــــــــــــــــــ


_ أيوة يا سعدي.. لسه الدكتور مخرجش من العمليات لما يخرج هطمنك.. لا كويس إنكم أديتوها مهدئ الجو مش مستحمل عياط وصريخ.


نطق جملته بإرهاقٍ واضح، يدلك رقبته من أثر الجلوس طويلًا، تناهد يغلق معه يتطلع لنوح الذي لم يحيد نظره عن باب الغرفة، متمسكًا بأخر ذرة صبر يحملها لعل أحد يغادر الغرفة ويخبره بحالتها.


انتفض من مجلسه يرى الطبيب يغلق الباب خلفه ينزع قناعه الطبي بتعبٍ واضح، وقبل أن يغادر وجد نوح أمامه يهتف بجمودٍ:


_ حالتها إيه؟


قطب جبينه من نظراته الجامدة، ملامحه المخيفة وكأنه ينتظر من يساعده على إخراج وحشه، ليهتف بعملية :


_ الحمدلله خرجنا الرصاصتين منها.. بس..


صمت قليلًا بقلقٍ، يهتف نوح بنفد صبرٍ:


_ ياريت لو في حاجة تبلغني بيها لإني ظابط وجوزها وعايز أجيب اللي عمل فيها كده.


لانت ملامح الطبيب بعد كشف هوياته، ليسترسل بتأكيد:


_ اللي ضرب الرصاص عارف هيضرب فين.. هو مصابش مناطق حيوية بالعكس دا كأنه بيخوفها.


ضم قبضته بقوةٍ، تبرز عروق رقبته بوضوحٍ، الحقير هددها بمنزله! تحولت نظراته لأخرى مظلمة تريد نسف البحر واليابس، ولكن تجمدت خلاياه عندما استرسل الطبيب بكلماتٍ قاتلة:


_ بس الرصاصة دي مش رصاصة عادية من واقع خبرتي.. دي رصاصة متصنعة مخصوص زي واحد بيميز المنتج بتاعه بعيد عن المنتجات التانية.. عامة أنا محتفظ بالرصاصة لو عايزين تشوفوها في مكتبي عشان المحضر وألف سلامة عليها.


ضرب قبضته بالحائط، يتنفس بقوةٍ حتى أصبح لأنفاسه صدى يتردد في المشفى، لقد عاد مجددًا ذلك الخائن عاد من جديد ولكن الضحية تلك المرة زوجته، ماذا فعل بها؟ ما مغزى رسالته!


_ ممكن تهدى يا نوح ذكريات هتخرج دلوقتي ومحتاجاك.


حدجه بنظرة مخيفة شرسة لا تنم على خير، يحرك فكيه بصوتٍ مخيف:


_ ابن **** بيهددني بمراتي.. رجع تاني يا سفيان.. الخاين دا رجع ودخل أوضة مراتي وضربها بالنار أنت عارف دا عمل فيا إيه؟ مكفهوش اللي حصلي زمان رجع تاني ودخل مراتي في الدايرة دي وأنا بحاول أخرجها!


أشفق على حال صديقه الذي سيجن منه، لماذا يا ياسر؟ حاول الحديث مجددًا ينطق بتروي ليمتص غضبه:


_ طب معلش دلوقتي محتاجين أنك تقعد مع ذكريات وبعد كده نشوف هتعمل إيه وإزاي نوقف ياسر عند حده.


_ هنوقفه عند حده لما أقتله.


رددها بهدوءٍ مخيف قبل أن يغلق عينيه، يستند على الحائط ربما يمتص طاقته السلبية، استمع لصوت الباب يفتح مجددًا، ليتغادروا بسرير ذكرى من الغرفة إلى غرفة أخرى عادية، استدار نوح ينظر ليجدها تنام على بطنها وجهها شاحب للغاية، لقد مرت بأسوأ شيء في التاريخ!


قبضة تلك الغصة بقوةٍ على قبله، يهتز ثباته عند رؤيتها هكذا ولكن متى يأتي الضعف لتنهار والجميع يتكئ عليك الآن!


تحرك مع صديقه نحو الغرفة التي أصبحت بها ليدلف لها بينما غادر سفيان ليحضر ملابس أخرى لنوح ويخبرهم بأن ذكريات الآن أصبحت بخير.


ـــــــــــــــــــــــــ


رمقه بنظرة غاضبة، يشعر بالضيق من التسويف الذي يقوم به، تحرك اتجاهه ليسحب سلاحه من بين يديه أثناء تنظيفه له ليهتف بغضبٍ:


_ أنت مقتلتهاش ليه وخلصت منها بتماطل ليه يا ياسر؟؟


نظر بتهكم ثم سحب سلاحه من يدي نادر، يتأمله ببرودٍ تاركًا إياه يستنشط غضبًا وقبل أن يحرك فكه أبلع نادر كلماته عندما قال:


_ أنت طلبت إن ذكريات تتقتل وعايز عملية نضيفة يبقى تسكت وتسبني أتصرف.


_ تتصرف في إيه أنت هتتغابى! نوح هيعرف إنه أنت بعد ما ضربت نار بسلاحك!


هدر بعصبية مفرطة يدفع الكلمات بوجهه، تشنجت معالم ياسر بغضبٍ ينظر نحو نادر بشرزٍ يهسهس بتهديدٍ صريح:


_ لم لسانك يا نادر عشان أنا صبري قليل ومؤذي.. وممكن أقلب الترابيزة عليك فبلاش أنا..


رمقه بنظرة غاضبة مختنقة، ثم عاد يجلس على مقعده، ليزفر ياسر بضيقٍ قبل أن يوضح خطته:


_ ذكريات مش هتقول حاجة عن الاتفاق وهتخاف بعد ما هددتها ونوح هيحس إنها بتداري عليه ومن هنا هنبدأ نزرع الشك في قلب نوح ناحية ذكريات لحد ما يخلص عليها ونوح يدخل السجن وبكده تكون عملية نضيفة والاتنين خلصنا منهم.. وتنفذ أتفاقك ليا.


لمعت عين نادر بسعادة مريضة، ينظر لياسر الذي ابتسم بتهكم ساخر عليه، ليهتف نارد بإماءة:


_ نخلص منهم وهمضي عن التنازل.


_ أما نشوف يا نادر وأعمل حسابك أي حركة غدر هتلاقيني خارب الدنيا وأنا مفيش زي في الغدر.


نطق كلماته يستعد للرحيل، بينما نظر نادر له يجيب بسخطٍ:


_ هتقولي.. ما أنا شاهد على كل حاجة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــ


أمسك كفها بحنوٍ يقبله، يمد كفه لوجنتها يحرك إبهامه بحركاتٍ دائرية معتادة فتلين ملامحها براحة، هي حركتها المفضلة، تأمل وجهها الذي أنكمش قليلًا بألمٍ بعدما استجابت لتلك الصحوة، تفتح عينيها ببطءٍ تتأمل المكان حولها بوهنٍ، حتى وقت عينيها على نوح الذي يتأملها بشغفٍ، عاد حديث ياسر يتردد بأذنها لتتجمع الدموع بعينيها من جديد، تهمس بضعفٍ:


_ أنا بتكسر يا نوح!


_ صهٍ مش عايز اسمعك بتقولي كده يا حبيبة نوح، محدش هيقدر يكسرك طول ما أنا عايش والغلطة دي مش هتتكرر تاني يا حبيبتي.

قالها بحنوٍ شديد، يمسح تلك الدمعة عن وجنتها، يسترسل بتساؤلٍ حنون:

_ بس أحكي لي حصل إيه ومين أتهجم عليكِ؟

أرتعشت شفتيها بخوفٍ، تتذكر تحذير ياسر لها وأن نوح سيبدأ بالشك فيها، تأملت حدقتيه الدافئتان فلم ترَ شك، ولكن قبلها يرتجف بشدةٍ من قول الحقيقة فماذا ستخبره أنهم أردوها خائنة له ليعيد الماضي مجددًا، ستحارب لأجله ستفعل ما تستطيع لتحميه، إزدردت لعابها بصعوبةٍ تجيب بتوترٍ:

_ محصلش حاجة.. دا تبع بابا وبيهددني!

توقفت يديه عن الحركة ينظر لعيني ذكريات التي أبعدتها سريعًا، ليعود يهمس بحنوٍ محاولًا امتصاص خوفها:

_ متخفيش من حد يا ذكريات.. دلوقتي أنا معاكِ عرفيني حصل إيه بظبط عشان أقدر أفكر.

_ قولتلك مفيش يا نوح! مش عايز تصدق ليه؟

رددت بعصبية متوترة، بينما تأمل نوح طريقتها وأومأ بصمتٍ دون أن ينبس بكلمة، يزيح يده عن وجنتها لتضربها برودة غريبة، عضت على شفتيها باختناقٍ تريد البكاء، هل ما فعلته صحيح أم كان يجب عليها قول الحقيقة، رأته ينهض يقف بعيدًا، يضع يده بجيب سرواله ليقف كالمعتاد أمام النافذة يتأمل الطريق ويفكر بـسؤالٍ واحد..

ماذا تخفين يا ذكريات؟

ـــــــــــــــــــــــــــ

أتسعت ابتسامتها بفرحةٍ وهي ترى اسمه بوضوح عبر شاشة الهاتف " سفيان سيد" طبيب نفسي، ضغطت على زر دخول صندوق الرسائل ثم كتبت رسالة تنص على

" دكتور سفيان أنا هند اللي أنقذتها هي وأمها.. أنا حصلتلي حادثة وبقيت عاجزة مش بتحرك وبابا حابسني في الفيلا ومانع عني الجلسات عشان مهربش منه وأفضل عاجزة.. أرجوك ساعدني أنا معرفش غيرك هبعتلك العنوان في مسدج تاني وهمسحهم لما تشوف الرسايل متردش"

ضغط على إرسال تدعو الله أن يساعدها ويرى تلك الرسالة ولكن تفاجأت بوجود رسالة الإلكترونية تنص على..

" نعتذر من حضرتكم ولكن لا يمكن استقبال حالات جديدة بسبب ظروف طارئة، سنرسل لكم عند العودة"

ألتمعت عينيها بالدموع تضع يدها على فمها تكبح تلك الشهقة الصارخة من الألم، تنظر للرسالة بضبابية، ثم ألقت الهاتف جانبًا تترك لدموعها العنان لقد تحطمت جميع أحلامها وخططها في الهروب ولا يوجد مفر ستظل أسيرة أبيها طيلة حياتها..!

          الفصل السابع عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

     

تعليقات



<>