رواية سفينة نوح الفصل الثامن عشر 18 بقلم سلمي خالد ابراهيم
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد 🤎🌻
لم أتصور يومًا يا حبيبة نوح أن يصبح وحشي أمامك بكل هذا الجبروت.. لقد لمسك بالضُر وقتلني عندما علمت ما فعله بكِ.. فأرجوكِ أن تصدقي أن ما فعلته ليس أنا بل وحشًا مكنون دخلي ظل مقيدًا حتى أخرجه ذلك الخائن وتصبحين أنتِ أول ضحية له..!
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أقتحمت الغرفة بسرعةٍ تنظر سريعًا بها لتجد ذكريات نائمة على بطنها تدير وجهها نحو نوح الواقف بعيدًا بالقرب من النافذة نظر لها ثم غادر الغرفة بخطواتٍ ثابتة سريعة، أندفعت نحوها تهمس بضعفٍ:
_ ذكريات حبيبتي.. أنتِ كويسة؟
حاولت رسم ابتسامة ضعيفة باهتة على شفتيها تجيبها بنبرة باهتة:
_ متقلقيش يا حبيبتي.. أنا كويسة.
زفرت فُلة براحة ولكن لم تشء ترك كفها، لتدلف حميدة تتقدم نحوها تُقبل رأسها تهمس بحنوٍ شديد:
_ حمدلله على سلامتك يا نور عيني.
نظرت لها بامتنان، تحرك أهدابها بإماءة صغيرة، ثم أتت داليدا تقف مكان حميدة التي أفسحت لها المجال لتضع يدها على وجنتها قائلة بحبور:
_ ألف سلامة عليكِ يا ذكرى.. خوفت عليكِ أوي يا حبيبتي.
_ الله يسلمك يا طنط.. ربنا ميحرمنيش منك أبدًا.
قالتها بحبٍ لـ لُطفها معها، وقبل أن يتحدثوا نطق نوح بجدية غير قابلة للنقاش وهو يعود حاملًا حقيبة سوداء :
_ أطلعوا دلوقتي عشان ذكريات هتجهز ونروح بيها البيت.
نظرت داليدا بدهشة قائلة باستنكار:
_ أنت بتهزر يا نوح.. إزاي عايز تخرجها وهي لسه خارجة من عملية كبيرة.
زفر بتمهلٍ قبل أن يجيبها:
_ لإني مش واثق مين ممكن يجي المستشفى وهيحصل فيها إيه لكن في البيت هي معايا وهعرف أخد بالي منها.
لم يستطع أحد قول شيءٍ، ليبدأوا بتحرك واحد تلو الأخر ولكن تشبثت ذكرى بيد فُلة قائلة بتوترٍ:
_ لا سيب فُلة هي هتساعدني.
نظر بعينيه بعمقٍ، ثم قال بصوتٍ رخيم:
_ وأنا جوزك وأنا أولى بيك يا ذكريات.
حركت رأسها بنفيٍ خجول، يرتسم الخوف على معالمها، لتربت فُلة على كفها المتشبث به تهمس لها بحنوٍ عندما أدركت إصرار في نظرات نوح:
_ هو معاه حق يا ذكريات.. أنتِ مراته وهو أولى بيكِ.
أتسعت عينيها بصدمةٍ، تردف بشحوبٍ:
_ أنتِ بتقولي إيه؟
نزعت يدها عنها تجيبها ببسمة طفيفة:
_ بقولك ركزي مع جوزك يا حبيبتي وإحنا هنستنى تحت في العربية.
غادرت الغرفة في غضون ثواني، فلم يتبق سوى نوح الذي لا يزال يقف أمامها، وذكريات التي تحاول الهرب بعينيها، تقدم نوح نحوها يمد كفه لوجنتها ببطءٍ يهمس بصوتٍ أجش:
_ هتفضلي تهربي بعينيكِ كتير؟
نظرت له بتوترٍ، لقد عاد الدفئ بعدما عاد كفه يحيط وجنتها بحنوٍ، ظلت عينيها متعلقة بعينيه متناسية كل شيء، هذا الدفئ الغريب لا يستطيع أحد منحها إياه سواه.. هو واحده قادر على السيطرة عليها بالكامل، فاقت من شرودها على يده التي تحملها ببطءٍ لتجلسها على الفراش، ألتمعت عينيها بخجلٍ شديد، تحاول نزع كفه عن سترتها الطبية بضعفٍ ولكنها فشلت فكلما حركت ذراعها يؤلمها ظهرها، لتضع وجهها على صدره تخفي ملامحها التي باتت تنصهر من شدة خجلها.
ابتسم لحركتها بهدوءٍ، ثم علت ضحكته وهو يرها ترتجف بشدةٍ بعدما نزع تلك السترة ليهتف من بين ضحكته متهكمًا:
_ مكسوفة من إيه يا ذكريات.. يا حبيبتي جسمك كله ملفوف بشاش هشوف ايه!
_ بطل قلة أدب ولبسني وأنت ساكت يا نوح.
همهمت بها سريعًا دون أن تبعد وجهها عن صدره، ليحرك رأسه بيأسٍ يضحك على حديثها، يسترسل مساعدتها في إرتداء ملابسها حتى أنتهى سريعًا أسفل تذمرها المستمر، نهض بهدوءٍ يمسك بكفها قائلًا:
_ تحبي أشيلك؟
اتسعت عينيها سريعًا، تحاول تحرك رأسها ولكنها تأوهات لتردف برفض:
_ آآآه.. لالالا أنا هتسند عليك وأمشي.
أومأ بهدوءٍ يمسك بكفها وباليد الأخر يحيط خصرها بقوةٍ جعلها ترتجف بتوترٍ لتهتف بحرجٍ:
_ شيل إيدك التـ.. آآ
قاطعها بنبرة حادة:
_ أمشي يا ذكريات وأنتِ ساكتة.. ومش هشيل إيدي بدل ما أشيلك وأمشي بيكِ.
إزدردت لعابها بقلقٍ تسير معه، تهمس بضيقٍ:
_ الواحد ميعرفش ياخد حق ولا باطل منك.
ضغط على خصرها قائلًا من بين أسنانه:
_ ذكريات.. كلمة كمان هعمل حاجة هتخليكِ ساكتة العمر كله.
رفعت بصرها تنظر له بعدم فهم ليغمز لها بمكرٍ عرفته فيه، لتشهق بصدمةٍ، يصطبغ وجهها بحمرة، تشيح بوجهها بعيدًا عنه، ضحك عليها ليغادرا بهدوءٍ من تلك المشفى ولكن عقله لا يزال يعمل على تلك القضية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
نظرت عبر النافذة فوجدت عدد من الحرس على أبواب منزل كبير من طابقين، تعجبت من عدم عودتهم للشقة فنظرت لنوح الذي قال قبل أن يترجل من السيارة:
_ البيت دا أنا أمنت مداخله ومخارجه بنفسي محدش هيقرب منك تاني.
أومأت بتفهمٍ تتأمل شكله حتى مد يده لها لتمسك بها تنهض برفقٍ حتى لا تتألم، تحمد ربها بأنها أخذت ذلك المسكن ليخفف عنها تعب الطريق، تحركت معهم باتجاه البوابة الرئيسية التي فُتحت لهم سريعًا، ثم ساعدها على الصعود للطابق الثاني يدخلها غرفة متوسطة الحجم، ذات أثاث راقي، بلون الكافية، ساعدها حتى وصلت للفراش ليهمس بنبرة مسموعة:
_ نامي دلوقتي وشوية هنصحيكِ على الغدا.
حركت رأسها بتعبٍ، تنتظر أن ينهي نزع حجابها عنها برفقٍ ثم عدلت من وضعيتها حتى تنام دون ألم، تأملها نوح بصمتٍ وقلبه يشتعل من القلق، ماذا فعل ياسر بالغرفة وهي لا تريد التحدث عنه، ماذا طلب منها ياسر!
تحرك من الغرفة حتى لا يتهور ويندفع بإجبارها على السؤال، ما أن أغلق الباب حتى وجد سفيان أمامه يحدق بنظراتٍ مدققة، ليهتف نوح بضيقٍ:
_ خبت عني موضوع ياسر عايز منها إيه وليه ضربها بالنار.
مط شفتيه بضيقٍ مماثل ولكنه ردد بهدوءٍ:
_ طب هي تعرف شكل ياسر؟
نفى نوح برأسه يجيبه بتذكرٍ:
_ لاء.. محدش يعرف شكله غير أنا وأنت وأمي.
ربت سفيان على كتفه بتروي، يخبره برفقٍ:
_ خلاص يبقى قولها إنه ياسر اللي معاها عشان تحكيلك.. هي كل دا فاكرة موضوع يخص أبوها بس.
نظر نوح له وهو يتذكر ما حدث ليعلق بغموضٍ:
_ ذكريات قالت إنه تبع أبوها.. معنى ذلك إنه ياسر يعرف نادر!
قطب سفيان جبينه بعدم فهم، يسأله بحيرة:
_ وإيه اللي لم الشامي على المغربي؟
_ هو دا اللي المفروض أعرفه.. وهيبدأ لما أروح شركة الحوت.
نطق نوح بعناية شديدة ينظر نحو سفيان، ليهمهم بموافقة ليتذكر أمرًا ما ليهتف بنبرةٍ جادة:
_ نوح.. هند بعتتلي من أكونت فيك من أمريكا وعايزني أجي ألحقها!
حدقه نوح بثباتٍ يفكر بحال هند تلك الفتاة التي وقعت ضحية حرب لم تدلف بها عمدًا بل أجبرت على كل شيء، تذكر رفض نادر لإقتراب ذكريات من هند ووالدتها، ليبتسم بخبثٍ قائلًا:
_ يبقى نرجع صلة الرحم بينها وبين أختها من تاني ولا إيه؟
ضحك سفيان على طريقته ليعلق عليه:
_ تموت أنت في أعمال الخير اللي من نوع دا!
_ عيب عليك.. دا أنا اسمي الشيخ نوح.
تعالت ضحكت سفيان بقوةٍ، ليضع نوح يده على فمه قائلًا بغيظٍ:
_ أكتم ذكريات نامت دلوقتي وصوتك هيصحيها يا بغل.
أومأ سفيان ليزيح يده عنه وبالفعل نزعها منه ليغمز سفيان بمكرٍ مغمغمًا
_ الله يسهله ياعم.
حرك رأسه بيأسٍ، يضرب كف بالأخر ثم تحرك نحو غرفة المكتب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حمل الحقائب داخل الردهة، تتهدج أنفاسه بصعوبةٍ من ثقلها، وأخيرًا أفرج عن ذراعيه ووضع الحقائب جانبًا ثم عاد يضع يده على ظهره بألمٍ يدلكه بتعبٍ واضح، نظر بتهكم واضح حوله ليهتف بغيظٍ:
_ البيه طلع مراته فوق، والست حميدة هي وداليدا جريوا خدوا أوضة وناموا والبيه تاني جري ورا نوح زي الملسوع لما بص في التلفون.. مفضلش غيرك يا كتكوت يا غلبان.
بقي يواسي نفسه قليلًا وهو يتأمل شكل المنزل الذي رأه سريعًا دون تفحصه، إلى أن وقعت عينيه عليها عبر النافذة وهي تقف تضم ذراعيها لصدرها، تضع يدها على صدرها بالقرب من نبضاتها، قطب جبينه بتعجبٍ ثم تحول لقلق وهو يراها تنتفض عدة مرات.. يبدو أنها تبكي، أندفع نحو الخارج بالحديقة المرفقة، يستمع لصوت بكائها الضعيف، تهذي بكلماتٍ عديدة:
_ وحشتني يا بابا وأنتِ يا ماما وتيتة كمان وحشتوني كلكم أوي.. الموت خطفكم مني وكان هياخد مني أقرب إنسانة ليا.. أنا خايفة أوي يا ماما خايفة.
راق قلبه لها، كلماتها تحمله مسؤولية لا يعلم سرها ولكن يريد أن يصبح من هؤلاء المقربين لقلبها، تقدم منها بخطواتٍ غير مدروسة فقط وحده القلب المتحكم به، حتى وقف خلفها مباشرةً يهمس بنبرة حنونة:
_ الله يرحمهم.. دا أكتر كلمة هما محتاجينها.
انتفضت بخوفٍ تنظر خلفها لتجد سعدي يقف بثباتٍ مبتسمّا برفق، هدأت من لوعتها ولكن حل مكانه الأرتباك، رفع أناملها تزيح تلك الدموع تهمهم بصوتٍ مبحوح:
_ معلش أتخضيت بس.. كنت بتقول إيه!
اتسعت ابتسامته عندما سألته، ليندفع مجددًا يكرر جملته أمامها بصدرٍ رحب، لتومئ بموافقة له ترفق حديثه وقد ترقرقت الدموع بعينيها مجددًا:
_ بس هي لو جرى ليها حاجة أنا هتيتم يا سعدي.. أنا مليش حد في حياتي.. أهلي ماتوا واللي فضلي منهم كانوا بياكلوا فيا.. ذكريات وقفت معايا وفي ضهري بالرغم من حياتها السودا برضو.
زفر سعدي بضيقٍ، ليندفع دون أن يحسب كلماته:
_ أنا هبقى في ضهرك يا فُلة مش هسيبك أبدًا.
نظرت له بدهشة تتأمل كلماته الغريبة كما يبدو، ليسترسل سعدي بحنوٍ:
_ أنا هكون سندك الجديد.. بس أسمحيلي بكده.
توردت وجنتيها بخجلٍ، تزيح عينيها عنه، ليتأمل خجلها بحبورٍ وإعجاب شديد، حركت قدميها بخفةٍ تهمس بارتباك:
_ معلش هطلع أشوف ذكريات وهرجع.
أنطلقت بعيدًا مهرولة بتوترٍ، ليظل سعدي صامتًا يتأملها بمشاعرٍ مختلفة تمامًا، تناهد بصوتٍ مسموع يهمس بنبرةٍ مختلفة لأول مرة يهمس بها:
_ المرادي هاخد خطوة جد وهتقدم خطوة في حياتك بس يارب أنتِ متسبنيش.
أنطلق بسرعة يندفع نحو غرفة والدته ليحدثها بالأمر فهي من ستساعده بموضوع خطبتهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ حميدة أفتحي يا حميدة كفاية نوم.
طرق على الباب بطريقةٍ مزعجة، جعلها تصيح من الداخل بعصبيةٍ مرددة:
_ أصبح يا خيبتي الكبيرة.
نظر حوله يتأكد من عدم وجود أحد ليزفر براحة ثم سرعان ما تقهقر للخلف بفزعٍ وهو يرى وجوم ملامحها بعدما فتحت الباب تتشدق بنبرة منزعجة:
_ عايزة إيه يا منغص عليا عيشتي.
عبست ملامح سعدي، يغمغم بحنقٍ:
_ أنتِ مشاعر الأمومة راحت فين عندك يا حميدة.. إيه معاملة الكلابي اللي بتعامليها بيها دي؟؟
رفعت حاجبه تحدقه بغضبٍ، ثم ردت بكلماتٍ مهددة:
_ تحب أعاملك بالشبشب.. معنديش مانع أعملك بيه شايفة جلدك نسي اللسوعة بتاعته.
ابتسم بتوتر يمسك كفها سريعًا يقبله برضٍ متمتمًا بمزاح:
_ بنهزر معاكِ يا دودو مبتهزريش!!
_ مبتنيلش وأخلص عايزة ألحق أنام بقالي يومين مش بنام.
_ عايز أتجوز.
اتسعت عينيها من رده السريع، تحدق بعينيه بصدمةٍ، ليسترسل بكلماتٍ سريعة:
_ عايز أتجوز فُلة على سنة الله ورسوله وتبقى مراتي والله مش عايز ألعب بديلي.
ضيقت عينيها قليلًا تسأله بشكِ:
_ سعدي.. فُلة غير.. فاهم ولا مـش فاهم!!
أومأ بموافقة يردف ببسمة تبث الطمأنينة:
_ متقلقيش يا ست الكل.. أنا حاسس بحاجة ناحيتها ومرتاح.
زحفت بسمة صغيرة تتسع شيئًا فشيء تندفع نحو سعدي تضمه بفرحةٍ قائلة:
_ وأخيرًا نن عين حميدة هتتجوز ومن بنت زي القمر.
ضحك سعدي على أندفعها وفارق الطول بينهما، فرأسها يتوسط صدر سعدي انحنى يقبل رأسها بحنوٍ يهمس لها بحماسٍ:
_ ممكن بقى تفتحيها في الموضوع.
أومأت حميدة بموافقة وهي تخطط بكيفية التحدث مع فُلة بشأن هذا الأمر تغمغم بهدوءٍ:
_ ذكرى تفوق شوية وأفاتحها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أهلًا سيد دانيال.. لدي مفاجأة عظيم لك تخص المدعو نوح نصار.
غمغم محفوظ بمكرٍ، يلعب بالقلم في الهواء بحركاتٍ دائرية، ليعود يسترسل عندما استمع لرد دانيال:
_ سأرسل لك صورة لزوجة نوح.. عندما تراه بتأكيد ستعلم ما أفكر به.
صمت قليلًا يدع فرصة للأخر بأن يرى الصورة ثم بلحظة استمع لصوت ضحكته يردف على مسمعه:
_ أحسنت يا محفوظ.. تلك الفتاة ستفيدنا كثيرًا.
_ أعلم سيدي.. ولكن المدعو نادر يحاول قتلها بشتى الطرق.
ردد محفوظ بهدوءٍ ماكر، ليهتف دانيال بعد إكتراث:
_ دع أمر نادر لي ولكن الآن أريد تلك الملكة بأسرع وقت.
أوما محفوظ يهتف بموافقة:
_ سأفعل أقصى جهدي.. لأن نوح انتقل من شقته لمنزل مأمن على أعلى مستوى ولا يمكن لأحد الاقترب منه.
_ محـــــــفوظ أفعل أي شيء لتصبح تلك الفتاة معنا لا أريد بها خدش... فقط أريدها سالمة.
غمغم دانيال بإصرارٍ مريب جعل محفوظ يهتف بمكرٍ:
_ أمرك سيد دانيال..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينيها بإرهاقٍ واضح، تشعر بقدرتها على التحرك أفضل من ليلة الأمس التي لم تتذكر منها سوى إطعام نوح لها بالغصب حتى أنتهت من غدائها وتناول بعض الأدوية التي تساعد على إلتئام الجروح، نظرت حولها تكتشف المكان لعلها تجده ولكن لم يكن موجود، تنهدت بتعبٍ ثم نهضت تتجه للمرحاض المرفق مع غرفتها، تغتسل برفقٍ حتى أنتهت ولكن تبقى لملمت خصلات شعرها التي تحتاج لأحد، تنهدت بإرهاقٍ ثم جلست على الفراش تتذكر ما حدث معها لتدمع عينيها بخوفٍ، ماذا سيحدث لنوح؟ فإن فشلوا معها سيتخلصون منها ويأتون بغيرها ليقضي على نوح، وإن مثلت ذلك لا تستطيع فعلها وحدها.. دون كل هذا لماذا والدها يريد أن يفعل ذلك بنوح! كيف علم القصة الأولى الخاصة بصديقه ياسر؟؟
انتفضت بفزعٍ ما أن شعرت بملامسة أحد شعرها من الخلف ثم بدأت تتأوه بألمٍ بسبب حركتها عنيفة، أرتفع صوت نوح بقلقٍ:
_ في حد يتحرك بالطريقة يا ذكريات!!
حاولت الثبات ليهدأ ذلك الألم قليلًا، تردف بأنينٍ منخفض:
_ أتخضيت لما حسيت حد ورايا بيلعب في شعري.
نظر لها قليلًا بصمتٍ، ثم قال بهدوءٍ:
_ وإيه اللي مخليكِ سرحانة أوي كده مع إني دخلت قدامك.
شعر بتجمد جسدها، ليزداد شكه بها، استدار ليقف أمامها يحدق بعينيها بقوةٍ يغمغم بنبرة جادة:
_ قولي في إيه يا ذكريات؟؟
أشاحت بوجهها بعيدًا تعلن رفضها للتحدث، بينما تأمل حركته بغضبٍ مكبوت لينتفض من مكانه يهتف بتهديدٍ صريح يعتريه جنون من رفضها للحديث:
_ قدامك من دلوقتي لحد ما أعرف من برة يا ذكريات ووقتها متلوميش غير نفسك لو رد فعلي معجبكيش.
إزدردت لعابها بتوترٍ، تشعر بالخوف الشديد، كل الظروف تجتمع ضدها الآن، حاولت الحديث بنبرة ثابتة ولكن ظهر ضعفها بها:
_ يا نوح قولتلك حد تبع بابا عايز يقتلني محصلش حاجة!
نظر لها بتهكم ثم ردد:
_ ويا ترى متفقش معاكِ على حاجة يا حرمي المصون!!
شحب وجهها بشدةٍ وهي تنظر لملامحه المتهكمة، كلماته التي تدل على فهمه لشيء ولكن لو كان يعلم ما حدث لما سألها بهذا الإصرار، حركت شفتيها بصعوبةٍ تردف ببسمة وشفتين مرتجفتان:
_ هو في قاتل هيتفق على حاجة قبل ما يموت ضحيته أصلًا!!
حدقها بنظرةٍ غاضبة مخيفة، ثم تحرك من أمامها قبل أن يصفعها، يغلق الباب خلفه بجنونٍ منها يغادر المنزل بأكمله، لماذا تخفي عليه بتلك الطريقة!! هل حديث ذلك المسجون صحيح وستقدم ذكريات على خيانته! ولكن كيف وقد أخبره أن يراعها جيدًا!!
إذًا أيـــــن حل هذا اللغـــــــز!!!
ـــــــــــــــــــــــــــ
مر يوم بأكمله لم تراه، ولا تعلم أين أختفى بتلك الطريقة، يرفض كلًا من سعدي وسفيان الإجابة على أسئلتها، فعادت تحتجز نفسها بالغرفة لتغفو مجددًا بعيدًا عن الجميع، لقد أنعدمت رغبتها بكل شيء، تهمس بينها وبين نفسها يا ليت محاولة أبي بقتلي نجحت.
ـــــــــــــــــــــــــ
تلأمت جروحها بشكلٍ ملحوظ فأصبحت تحرك ذراعيه جيدًا ولكن برفق حتى لا تتأذى، تحركت تضع حجابها لتهبط للأسفل وتجلس معهم، لعل اختناقها يزول قليلًا، غادرت الغرفة تنظر للطرقة بعناية ثم تحركت ببطء نحو السُلم لتستمع لصوت سفيان يهتف بنبرة هادئة لطيفة:
_ عاملة إيه دلوقتي يا ذكريات؟؟
استدارت تبتسم بصعوبةٍ، تجيب بكلماتٍ باهتة:
_ الحمدلله أحسن بكتير يا دكتور.. قادرة أحرك دراعي أحسن.
أومأ سفيان بفهمٍ، ثم قال بنبرة هادئة تحمل قليلًا من الخبث:
_ على فكرة نوح تحت في أوضة مكتب.
أتسعت عينيها بفرحةٍ تنظر له بلهفة قائلة:
_ بجد.. طب مطلعش ليه؟ أنا بقالي يومين مشفتهوش.
نظر لها بعتابٍ يردف بكلماتٍ مؤنبة:
_ أنتِ اللي رافضة تحكي اللي حصل في الأوضة يا ذكريات ونوح هيتجنن من اللي حصل ومش عارف ياسر قالك إيه!
تجمد جسدها عند سماع الاسم تنظر بصدمةٍ واضحة، تعيد ترديد اسمه مجددًا:
_ يـ.. ياسر صاحبه حاول يقتلني!
أومأ سفيان يراقب انفعالاتها التي توضح عدم معرفتها بهويته، ليغمغم بنبرة مشفقة:
_ ياسر رجع تاني يا ذكريات.. وأنتِ مش مدركة حجم الكارثة والأزمة اللي عايش فيها نوح دا غير أنهم بيهددوا كذا مرة إن في خاين وسطنا.. وللأسف مش عارفين مين الخاين لإن صعب تشكِ فينا..
إزدردت لعابها بصعوبةٍ، يلتهم القلق معالمها، ولكن لحظت نوح يصعد للأعلى بعدما غادر من غرفة المكتب بإرهاقٍ، يبدو أنه يريد النوم، تأملت شكله المرهق حتى وصل لأعلى الدرج، فنظر لذكريات ببرودٍ ثم تحرم نحو غرفته ولكن أرتفع رنين هاتفه برقمٍ مجهول الهوية، زفر بتعبٍ يجيب على المتصل ولكن ذلك الصوت الكريه جعل عروقه تنفر بشدةٍ ليندفع لداخل الغرفة الخاصة به مع ذكريات، يردف بنبرة شرسة:
_ مش هرحمك يا ياسر.
استمع لصوت ضحكته الباردة، يقهقه بقوةٍ من سماع قهره، ليردف بصوتٍ خبيث:
_ سامع صوت قهرتك يا نوح تخيل بقى لو شايفك قدامي.. بس أقولك أنا متخيل شكلك.
أنتفخت أوداجه يشعر بلهيبٍ حارق، ليهدر بصوتٍ وصل لمسمع الجميع بالأسفل:
_ ياض يا**** قسمًا بربي لو وقعت تحت إيدي ما هرحمك.
_ أووه زي ما مراتك كانت تحت إيدي.. بس أقولك على حاجة وقعت واقف يا نوح.. مراتك مزة بالبيجامة وشعرها اللي لمسته بإيدي.. حتى خدودها الناعمة كانت حاجة عايز تتاكل.
أسودت عينيه بشدةٍ، يضرب الطاولة الموجودة أمامه،. يصرخ بقسوةٍ منفعلة، لقد أخرج وحشًا مخيفًا داخله:
_ يا**** دا أنا هطلع ***** في إيدي لو راجل أظهر قدامي ونشوف مين فينا الـ****.
قهقه ياسر بقوةٍ يستفزه لأقصى درجة، يغمغم بنبرة خبيثة:
_ خلي بالك الحتة بتاعتك دي هتجيلي وهتخونك بنفس الطريقة اللي خونتك بيها زمان.. فاكر يا نوح عملت فيك إيه؟ خليتك تثق فيا لدرجة فكرتني الصديق الوفي وفي الأخر رفعت سلاحي في وشك وضربت عليك النار برصاصة مميزة عشان أنت مميز فعلًا.
أغلق ياسر المكالمة سريعًا، بينما ترك نوح هاتفه يتنفس بصوتٍ مسموع، يشعر بالاختناق الشديد، تلك الغصة المؤلمة مخيفة بشدة، تقبض على كل خلاياه، والآن يشعر برغبة قوية في قتل أحد وإذاء أي شيء يقف أمامه..!
ــــــــــــــــــــــــ
استمعت لصوته واسم ذلك الخبيث لتحاول الذهاب ولكن هتف سفيان بقلقٍ:
_ بلاش يا ذكريات نوح دلوقتي منفعل ممكن يكسر الأوضة في أي لحظة.
نفت برأسها تتحرك باتجاه الغرفة قائلة بثقةٍ:
_ متخفش يا دكتور سفيان.. نوح عمره ما هيأذيني بس نادي صاحبك سعدي وتعالوا أكون هديته عشان ميرجعش لنقطة الصفر تاني ويشك فيكم.
توتر سفيان قليلًا ولكن تناهد بيأسٍ عندما تحركت ليغادر من أمامها نحو الأسفل يبحث عن سعدي، بينما وقفت ذكريات على أعتاب الغرفة تنظر لنوح الذي استدار ينظر باتجاهها، فنظرت له بقلقٍ قائلة بارتباك:
_ أ.. أنت.. كـ. كويس؟
لم يعد يسطير على غضبه يهدر بنبرة مخيفة متوحشة:
_ أمشي من هنا قبل ما أتحول عليك!!
أرتدت للخلف بخوفٍ، تشعر بالقلق الشديد من تركه بتلك الحالة كالوحش الجريح يريد التخلص من ألمه، قررت المحاولة ولكنها لم تعي أن تلك المحاولة ستطيح بها:
_ ياسر اللي كلمك صح؟
أدار رأسه بسرعةٍ مخيفة، ينظر لها بأعينٍ واسعة شرسة، يتقدم نحوها كالبرق تمدت يده لرقبتها حتى أصبحت أسفل كفه تختنق، ليهدر نوح بنبرة عالية منفعلة دون شعور بما يفعل:
_ يعني عارفة إنه كان معاكِ في الأوضة.. لمس وشك وشافك ال*** أنطقي قالك إيه! أنطـــــــــــــــــقي!!
صرخت بألمٍ بسبب دفعه، يرتجف جسدها أمام عينيه المتوحشتان، تحاول نزع يده لعل ذلك الإختناق يقل ولكن ما من فائدة لقد أطبق عليها بوحشية، بدأت تسعل بقوةٍ، يتبدل لون وجهها من الأحمر إلى زرقة مريبة، تهمس بضعفٍ واختناق:
_ هـ.. هموت.. يا نـ... نوح!!
سمع سفيان صوت صراخها ليركض مع سعدي على الدرج حتى رأها على الباب تحاول الفرار من كفه ولكن ما من جدوى، أندفع نحوه وكذلك سعدي اللذان صرخ بصدمةٍ عندما رأوا نوح يكاد يقتل ذكريات، أليست تلك حبيبة نوح الوحيدة ماذا حدث!
صرخ سفيان بصوتٍ عالي لعل نوح يفيق من تلك الحالة المخيفة التي دلف بها:
_ أبعد عنها هتموت في إيدك يا نوح.. فوق دي ذكريات مراتك..
_ كانت عارفة إنه ياسر وخبت عليا.. أتفقتي معاه على إيه أنطـــــــــــــــــقي
فطن سفيان ما فهمه، ليردف بلهفة:
_ والله ما كانت تعرف أنا اللي قولتلها إننا شاكين فيه.. وعرفتها لكن هي متعرفش.. ذكريات مخنتكش والله ما خنتك فوق هتضيع البنت!!
حاول سعدي إزاحة ولكن كان كالحائط المنيع، لا يأثر به شيء، ولكن بلحظة وقع على الأرض أثر لكمة نوح، ليقع على الأرض يتأوه بشدةٍ، بينما نظر نوح نحو سفيان بأعينٍ زائغة وقد أدرك فعلته الآن وصوت سعدي يتردد في أذنه ثم سفيان عاد سفيان يقسم مجددًا له، فارتخت يديه عن رقبتها شيئًا فشيء حتى تركها لتسقط ذكريات على الأرض تتنفس بصعوبةٍ، تتساقط دموعها بغزارة دون توقف، تسعل بشدةٍ من الاختناق، نظر لها نوح بوهنٍ ثم عاد لينظر نحو سعدي الذي يفترش الأرض ولا يزال يتأوه بألمٍ مما حدث، أمسك سفيان بذراع نوح بحذرٍ يدفعه بعيدًا عن ذكريات خاشية أن يكرر ما فعله، بينما أستجمعت ذكريات بعض من قوتها لتنظر نحوه، أكان يقتلها الآن؟ هل ما عاشته الآن حقيقي؟
أهذه زوجها الذي حاول الجميع معها بأن تبتعد عنه وقت غضبه ولكنها أصرت على الذهاب متحديهم جميعًا بقوةٍ أنه لن يفعل.. ولكن بالنهاية فعل وليته لم يفعل!
حدقت بعينيه اللتان تنظران إليها بحالة من الضياع، ليعلو الألم وجهها تحاول النهوض بصعوبةٍ، لقد أنهارت كل قوتها بعد ما فعله بها، أتكأت على الأرض تستند على الحائط بأعجوبة، تسير للخارج نحو غرفة فُلة لتحتمي بها، ولكن فيض عينيها يزداد بقوةٍ حتى وقعت على الأرض تجهش بمرارةٍ وصوت شهقاتها يعلو ليغرق المكان.. تحديد أذني نوح الذي أغمض عينيه يضرب جبينه بقوةٍ ينهر نفسه بقوةٍ:
_ غبي.. غبي.
تأمل سفيان ما حدث له، ولكن ما باليد حيلة تحرك من أمامه يساند سعدي الذي رمقه بنظرة معاتبة ثم تركه وحيدًا بتلك الغرفة الفارق بينه وبين ذكريات حائط ولكن البُعد الحقيقي أصبح كواحد والثلاثون من ديسمبر والواحد من يناير كلاهما قريب والفارق عام كامل.
عاد يضجع بظهره على الأريكة يغمض عينيه بصمتٍ ولكن تلك الدمعة الحارقة لم تتحمل جحيم عينيه لتغادره وتسيل على وجنته، ليهمس باختناق:
_ معيطش من يوم وفاة والدي.. أنتِ أول دمعة تنزل عشانها وأحس بنار الدنيا كلها بتكويني يا ذكريات.. آسف يا حبيبة نوح آسف.. ياريتك ما دخلتي ياريتك ما أطمنتي عليا كنت هديت لوحدي.
الندم هو شعور يرفق فعل لم يكن بوعيك، يلتهمك بشرسةٍ إلى أن تصلح كل شيء، ولكن الأمر ليس بالسهولة التي تمليها الكلمات علينا.. يحتاج لقوةٍ في السعي حتى ننهي هذا الشعور بمشاعر أخرى راضية عن فعل أخر بكامل وعينا.
