رواية سفينة نوح الفصل الثاني 2 بقلم سلمي خالد ابراهيم

      

رواية سفينة نوح

الفصل الثاني 2 

بقلم سلمي خالد ابراهيم

صلوا على النبي🤎🌻

لستُ قاسيًا منغمس بالغموض بل أُجبرت أن أكون كما ترون... فلا تخبروني أن أصبح غير ذلك ما دمتم لا تعلمون الأسباب ولا تُطالبوني بالتأقلم مادمت لم تعيشوا أسبابي.

حياتي أنا آخذ القرار فيها أنا هو القائد لكل شيء وليس أنتم أيها البشر؛ فأحذروا دخول كهفي دون سماحي لكم!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

بسمة متهكمة، عينيه تنظران لها بسخرية واضحة بعدما بقت متجمدة مكانها من تكرار اسم الكتاب العجيب الذي اختاره، أردف ينظر لنظارته بتقيّم ثم لها بهدوءٍ متهكم:

_ تعرفي وليام أوسلر قال إيه؟ 

تطلعت نحوه ببلاهة تنفي برأسها دون،  ليسترسل نوح بهدوءٍ يثير الاستفزاز:

_ "لا تستطيع أن توقظ شخصًا يتظاهر بالنوم "

أظن لو سألتك دلوقتي فهمتي إيه هتقولي مش عارفة! 

ملأ الحرج وجهها فلم تستطع الإجابة، هي بالفعل لم تفهم ما يريد الوصول إليه،  تلاشت النظر نحوه، تنتظر إجابته، فـ أعاد نوح  نظراته يرتديها بتروي يغمغم بسخطٍ: 

_ يعني حتى لو عدت الجُملة تاني هتعملي طرشة تالت وهنفضل نكرر زي البغبغان أظن المعنى وضح..  سلام يا صماء هانم. 

شهقت ذكرى حديثه الفلسفي الساخر ، لتصيح بغضب:

_ أنت يا بني آدم أنت مين أداك الحق تتكلم عني كده... أما إنك قليل الزوق.

توقف فجأة بعد سبها له، لتتوتر ذكرى ما أن رأته يستدير نحوها ينظر لها بأعينٍ حادة كالصقر مخيفة، تلتمعان بقسوة شرسة لتنهيها، يهمس بنبرةٍ دبت الرعب داخلها:

_ خلي بالك من كلامك وإلا هتزعلي.. اسم نوح نصار خط أحمر! 

عاد يستدير مجددًا كي يغادر بينما بقت تحدق له برهبةٍ ولكن ملأ وجهها الذهول بعدما ارتفع صوته ولا يزال يوليها ظهره:

_ نوح نصار أحفظي الاسم دا كويس أوي شكل هيبقى بينا لقاء تاني. 

ركب سيارته السوداء منطلقًا نحو عمله، بينما بقت ذكرى تحدق بظله في حالة توتر تلبستها، طريقته كلماته كلها غريبة، استدارت تتحرك نحو الأرفف تمسك بالكتاب الذي طلبه دون عناء في البحث، مهارتها في حفظ الأماكن والمعلومات ساندتها كثيرًا في عمل تلك المكتبة، نظرت به فوجدت اسم الكاتبة "سعاد سلطان الشامسي".

امسكت به وبدأت بقرأته لتعلم سر طلب رجل لهذا الكتاب يحمل عنوان ضد الرجال؟

************

طرق الباب بهدوءٍ بعدما انتهى العسكري من تعريفه له، وما أن سمح له بالدخول حتى حرك مقبض الباب يدلف للداخل مبتسمًا بعملية قائلًا:

_ سفيان سيد طبيب نفسي ومساعد معاكم في القضية.

نهض سعدي يمد كفه له يردد بهدوءٍ:

_ الرائد سعدي السعد معاك برضو في نفس القضية.

جلس الأثنان على المقعد وأبلغ سعدي العسكري بإحضار القهوة لهما، ثم قال موجهًا حديثه لسفيان:

_ قولي يا دكتور المتهم في أي اشتباه في كونه مريض نفسي ويقتل 3 أشخاص مختلفين عن بعض؟؟ 

حرك سفيان رأسه نافيًا يجيبه بحيرة:

_ لاء بس شخص عجيب جدًا!! 

قطب سعدي ما بين حاجبيه متسائلًا بعدم فهم:

_ مش فاهم ازاي يعني؟؟

أجابه محركًا نظراته الطبية:

_ يعني الشخص بيعمل كل الوظائف اللي تثبت إنه عاقل لكن هو مش في واعيه.

_وضح أكتر لو سمحت؟

نطق بها سعدي بضجرٍ من حديثه المعقد، ليستطرد سفيان بعملية:

_ بمعنى المتهم دا يبصلك عادي لغة جسمه متقُلش خالص أنه مريض لكن ردوده فيها حاجة غريبة تحس إن دماغه متسيطر عليها وفي حد بيقوله يعمل إيه وميعملش إيه.. يقول إيه وميقولش إيه... هو بيرد عادي لو سألت لكن يجي في أجزاء معينة وتحس دماغه بتعطل أو الأوامر جاية أنه يسكت.

استمع سعدي لحديثه باهتمامٍ بالغ، يفكر بتحليلٍ منطقي لحديث سفيان، ليعود يضجع ظهر الكرسي بظهره ناطقًا:

_ وتحليلك لـ اللي بيحصل إيه؟

زفر سفيان بصوتٍ مسموع ثم نطق بجدية:

_ مقدرش أديك تقرير دلوقتي ولاسيما إنه مظهرش حاجة فيه... بس الحاجة الوحيدة اللي متأكد منها أن القضية دي مش عادية وفي سر ورا الراجل دا.


كاد أن يبغته بسؤالٍ آخر ولكن ارتفع رنين هاتفه بأغنية عجيبة لا تتناسب مع ظابط برتبته في حين نظر سفيان بصدمةٍ نحو سعدي مرددًا:


_ عايم في بحر الغدر؟؟


رمقه سعدي بنظرةٍ مغتاظة ثم أسرع يجيب على والدته قائلًا:


_ نعم يا حاجة ماما؟


_ كمان أمك بتقولها عايم في بحر الغدر؟!


نطق بها سفيان بصوتٍ عالي، لينتفض سعدي سريعًا يستمع لوالدته تنطق:


_ بقى بتحط عايم في بحر الغدر يا حيوان دا أما إنك نمرود بصحيح... لما تروحلي يا سعدي ليلتك هتبقى شبشب النهاردة!!! 


ازدرد لعابه بصعوبةٍ يرمق سفيان بنظراتٍ نارية، يردد محاولًا استمالت عاطفتها:


_ ليه بس يا ست الكل... دا أنتِ الخير والبركة.


_ خير وبركة ولا بحر الغدر يا... ولا مش هغلط دلوقتي لما تجيلي شبشبي هيغلط فيك براحته خسارة فيك ذنب اللي هشيله... 


علق ساخرًا على جملتها الأخيرة:


_ مش عايزة اشيلي ذنب وأنتِ بتذكي في أول المكالمة؟


لم يستمع لردها فتعجب من صمتها هكذا نظر بشاشة الهاتف فوجدها قد أغلقت المكالمة بوجهه، رفع بصره نحو سفيان الذي كبح ضحكته متمتمًا:


_ أيوة قفلتها في وشك متتصدمش كده.


حاول لملمت الموقف يشعر بحرجٍ شديد أمامه، لينهض قائلًا بجدية زائفة:


_ هروح الحمام.. المكتب مكتبك عن إذنك.


تركه سريعًا يفر من أمامه بينما تعالت ضحكت سفيان عليه.


**********


_ ذكرى هروح أجيب سندوتشات نتغدى بيها وأجي ماشي.


نطقت بها فُلة ممسكة بحقيبتها ترتديها، فأومأت لها ذكرى ببسمة صغيرة قائلة:


_ روحي بس متتأخريش ماشي.


غادرت فُلة سريعًا تسير وسط جموع من الناس بهدوءٍ تحاول إخراج المال من حقيبتها تتأكد من وجوده كاملة ولكنها اصطدمت بسيدة دون قصد لتقع مشترياتها، فزمجرت السيدة بضجر:


_ ناقصاكِ هي كمان.


شعرت فُلة بالحرج منها فهبطت على الأرض تحمل المشتريات الخاصة بها متمتمة بأسف:


_ أنا آسفة والله مخدتش بالي.


زفرت تلك السيدة بضيقٍ ثم نظرت للفتاة فوجدتها انتهت من لملمت المشتريات، فهتفت باعتذار:


_ معلش يا بنتي اتنرفزت عليكي بس ابني لسه قافلة معاه وحرق دمي.


ابتسمت لها فُلة تمد كفها بالحقيبة، تردد ببسمة تحمل فضول:


_ ليه كده بس؟


عوجت تلك السيدة فمها تردد بتهكم:


_ بقى ابن المضايقة حاطط اغنية عايم في بحر الغدر ليا.


كبحت فُلة ضحكتها بصعوبة، تحاول الحديث بتأثر لمجارتها:


_ ملهوش حق إزاي يعمل كده، دا أنا أول لما شوفتك قولت كلك رقة ولُطف.


ابتسمت حميدة بسعادةٍ بالغة من حديثها، فمدت يدها بالحقائب لـ فُلة التي شعرت بصدمة وهي تحمل الحقائب سريعًا قبل أن تسقط من يدها تستمع لها تردد:


_ أنا ارتحتلك يا بت يا سُكر أنتِ... تعالي معايا نتمشى يلا ونكمل بقيت السوق.


تعجبت فُلة من ردة فعلها ولكنها شعرت بمدى لُطف تلك السيدة فعلًا، تحركت معها وعرفتها باسمها وظلت تثرثران دون أن يشعرا بالوقت ثم وقفا عند بائع متجول لبيع الطماطم ينتقوا الحبات السليمة ولكن لم ترَ ذلك الرجل يضع بحقيبتها شيء وما هي إلا دقائق حتى بدأ الرجل بالصراخ عاليًا يتمتم بصوتٍ جهوري:


_ ألحقوني يا عالم أنا اتسرقت في حد سرقني!!! 


سرق انتباه الجميع وبقوا ينظرون له، فمنهم من شعر بالشفقة عليه ومنهم من لاحظ طريقته الغريبة، اقترب ذلك الرجل من فُلة يتمتم بشرٍ:


_ أنتِ اللي سرقتني يا بت أنتِ كنت بتقربي مني عشان تسرقي حاجتي.


اتسعت حدقتي فُلة بصدمة، بينما شهقت حميدة بصوتٍ عالي تردد بشراسة:


_ جرى إيه يا راجل أنت هتيجي على الولاية ليه.. مش ذنبنا إنك بأف وبتتسرق عادي.


شعر الرجل بالحرج من ردة فعل حميدة، ولكن استمع لأحدهم ينطق بانفعال:


_ اتقوا الله بقينا نمشي مرعوبين لحاجة تتسرق!! 


عاد الرجل يصرخ مجددًا بانفعال أقوى يلاحظ رجال الشرطة يمرون:


_ رجعيلي موبايلي وحاجتي يا حرامية!!! 


**********


أمسكت بهاتفها تنظر بالساعة، تشعر بتأخرها المبالغ فيه، نهضت تقف بالقرب من الباب ترى المارة لعلها تجدها ولكن لم تراها، زفت بحنقٍ وعادت تمسك بالهاتف تحاول محادثتها ولكن لم تجب، فحاولت الاتصال ولكن باتت محاولتها بالفشل.


عبست ملامحها بضجرٍ، تغمغم بحنق:


_ لما تجيلي يا فُلة مش هفوتهالك.


نهضت تكمل باقي إخراج الكُتب من الصناديق الكرتونية ووضعها بأماكنها ولكن انقطع عملها بعدما رن هاتفها، انطلقت نحوه تجيب دون نظر للمتصل:


_ أنتِ فين يا زفتة كل...


_ ألحقيني يا ذكرى اتقبض عليا والراجل اتهمني زور وعايز 50ألف عشان يتنازل عن القضية!!! 


شهقت ذكرى من سماع كل هذا، لتردف بتوترٍ:


_ أنتِ فين بظبط يا فُلة؟؟؟ 


_ في القسم وسط البلد... ألحقيني يا ذكرى العسكري بالعافية رضي يخليني اكلمك قبل ما أدخل للظا...


انقطع الاتصال قبل اكمالها كلمتها الأخيرة، نظرت ذكرى للهاتف بخوفٍ وشعرت بعجزها عن مساعدتها، من أين ستأتي بمثل هذا المبلغ! تجمعت الدموع بحدقتيها، تشعر باهتزاز قلبها هل ستفقد رفيقة دربها أيضًا، سارت رجفة متألمة بجسدها تشعر بغصة تقبض على صدرها بقوةٍ، ولكن انتفضت سريعًا تتذكر والدها "نادر الشرنوبي" أسرعت تمسك هاتفها تتصل به ولكن شفتيها ترتجف بقوةٍ، تحاول السيطرة على كفيها، أصبح العقل غائب إلا عن جملة واحدة...


ستعودين وحيدة كما كُنتِ!


إجابة باردة ألمت قلبها، تمنت لو لم تتصل حتى لا يصنع جرحًا جديد لن يتلئم كالباقية:


_خير؟؟؟ 


لحظة من الصمت بينهما، نعم والدها ولكن ما بينهما ليس سوى عدوة ليس لها سبب مقنع!، نطقت ذكرى أخيرًا بألم:


_ ساعدني لمرة واحدة في حياتك وإديني مبلغ أخرج بيه بنت خالي.


علا صوته يزجرها بعنفٍ، بكلماتٍ كانت نصل يمزقها بقوة:


_ أنتِ تنسي إن ليكِ أب كفاية إني كتبتك على اسمي وإياكِ أشوف رقمك بيتصل بيا تاني بقيتي حاجة تقرف.


صوت صفير نهاية المكالمة وكأنه نهاية حياتها، لِم يا أبي تقسو هكذا؟ ألكوني مريضة؟ أم لأني فشلت في امسك القلم بصغري وأصبحت تلك المنبوذة الفاشلة وسط الجموع؟ أم لأنك تطلعت وتطلعت وأنا حطمت لأجل يدي العاجزة عن إمسك قلم والكتابة؟


وضعت الهاتف بحقيبتها ترفع كفها تزيح دموعها سريعًا، لا يوجد وقت للبكاء، ستذهب لترى فُلة ثم تعود مجددًا لابُد من التفاوض مع ذلك الماكر!


***********


_سيادة اللوا حضرتك عارف كويس إني مش ممكن أدخل في قضايا كبيرة ولا يكون ليا شريك في قضية!!!! 


نطق بها نوح بانفعالٍ واضح، معالم وجهه تتهجم بوضوح، ولكن ذلك الانفعال كان ولابُد أن يُلجم فضرب اللواء ماجد على المكتب بعنفٍ ينظر بحدةٍ نحو نوح متمتمًا بحزم:


_ إظاهر إنك ادلعت يا سيادة المقدم من دلوقتي هتمسك القضية ومعاك الرائد سعدي و الدكتور سفيان عشان تخلصونا من القضية دي وإياك يا نوح أسمع أنك عايز طلب نقل أو غيرك هينقل في القضية وقتها هنسى إنك أكفأ ظابط عندي وهتصرف تصرف مش هيعجبك.


قبض على كفه بعنفٍ، يشعر بانخلاع مفاصله عن بعضها، لا يريد عودة تلك الذكريات لايريد أصدقاء أو ما شابه انتهى هذا الكابوس ولن يعودد مجددًا مهما أقحمته الحياة ليقع بها. ردد بكلمة واحدة خلفها براكين من الغضب ستضرب من يقابلها:


_ أوامرك.


نهض نوح من الغرفة يغادر سريعًا قبل أن يفقد سيطرته، يسير في الطرقة بخطواتٍ كالإعصار، إلى أن وصل مكتبة وما أن أغلق الباب حتى ضرب الحائط بانفعالٍ شديد صارخًا بحدةٍ.


نظر نحو مكتبه بأعينٍ حمراء، عروق رقبته النابضة من ارتفاع الأدرالين، أنفاسه المتهدجة بشدة، تقدم يجلس على المقعد بعدما انتهى نوبته يضع رأسه بين راحتي يده يتمتم بألمٍ جاهد لأن يمنعه ولكن هيهات فهو يحاربه منذ أخر لقاء بينهم:


_ مش مسامحك يا ياسر مش مسامحك.


ظل على تلك الحالة حتى شعر بدلوف العسكري بتوترٍ له، يتمتم بصوتٍ مرتجف:


_ نوح باشا تحب أبلغ سعدي باشا بوصولك؟


رفع نوح بصره ينظر نوح العسكري بأعينٍ مظلمة ناطقًا بصوتٍ حاد:


_ أنا رايحله بنفسي مبتلغش حد.


أومأ العسكري له يؤدي التحية بأسرع ما يمكن ثم غادر المكتب قبل أن يلقى من نوبة نوح نصيبًا، نظر نوح للأمام بشرود ثم قال:


_ بس الأول أفكر في اللي هيحصل.


***********


عاد لمكتبه مجددًا يدلف بجدية زائف عكس ما يشعر به من حرج، يجلس أمام سفيان ولكن ما أن كاد يتحدث حتى علا مجددًا رنين هاتفه نظر له ثم نفخ بغضبٍ يجيبها بضيق:


_ ايه يا حميدة مش قفلتي في وشي.


_مش وقته يا موكوس تعالي ألحقني أنا في قسم وسط البلد.


انتفض من مكانه سريعًا، يردد بقلقٍ واضح:


_ فتحتي دماغ مين النهاردة يا حميدة!! 


_ مش وقته يا فالح تعالى الأول عشان هنروح في داهية.


أغلقت بوجهه المكالمة، لينظر سعدي إلى الهاتف بصدمة مرة أخرى، وعاد ينظر لسفيان الذي رفع أصباعيه السبابة والأوسط متمتمًا:


_ التانية.


ابتسم سعدي بسخط يردف:


_ متعدش في دي بذات.


ثم أكمل بجدة:


_ أنا بعتذرلك بس زي ما أنت شايف مضطر أروح لوالدتي.


أومأ سفيان سريعًا يحمل متعلقاته قائلًا:


_ مش مشكلة تتعوض القاعدة تاني.


********


دلفت ذكرى بخطواتٍ متعثرة تسأل بتوترٍ عن قضية سرقة باسم فُلة وساعدها أحد العساكر الموجودين حتى وصلت إلى لابنة خالها، توجهت نحوها سريعًا تمسك كفها قائلة بقلق:


_ أنتِ كويسة حصلك حاجة؟؟؟ 


نظرت لها فُلة بأعينٍ باكية تجيبها:


_ والله ما سرقت يا ذكرى الراجل دا بيفتري عليا.... 


حاولت ذكرى السيطرة على انفعالاتها، تنظر لها بقوةٍ خلف حالتها المنهارة، تردد بهدوء:


_ متقلقيش يا حبيبتي قوليلي بس هو فين الراجل دا اتفاوض معه.


أشارت فُلة نحو الرجل الواقف بعيدًا يبتسم بمكر، نظرت له ذكرى وازدردت لعابها ملامحه ليست سوى شخص محتال بالفعل، توجهت نحوه بخطواتٍ مرتبكة تردد بنبرة مترددة:


_ السلام عليكم.


نظر لها الرجل بنص عين ثم قال ببرود:


_ يا نعم.


شعرت بالاشمئزاز من طريقته ولكنها حاولت التماسك، تمسك بحقيبتها بتوترٍ تردد بقلق:


_ هو حضرتك ممكن تتنازل عن المحضر ونتفاهم بدون قسم وشرطة.


رفع الرجل حاجبه ينظر لها بتقييم، فملابسها يظهر عليها القِدم ليست سوى فتاة دمرها الزمن، ملامحها الباهتة وكأن الحزن دعسها بقوةٍ، رد ببرود مشمئز:


_ أشكالك مش هيشيلوا 50ألف في شنطته عشان أسكت.


تحرك قبل أن تتحدث معه بكلمة يصطدم بها بقوةٍ حتى سقطت على الأرض ولكن أثناء سقوطها وقعت بطاقته الشخصية، تأوّهت ذكرى من ضربته لها، وأدمعت عينيهت تردد بألمٍ:


_ لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.


اختتمت كلماتها كما علمتها جدتها عند وقع ألم عليها تقوله، كادت أن تنهض ولكنها وجدت البطاقة جوارها نظرت بها لترى ملامح ذلك البغيض، اختطف البطاقة منها سريعًا يردف بغضبٍ زائف خلف توتره:


_ حتى البطايق بتسرقوها.


نظرت له ذكرى بصدمةٍ ثم قالت بتلعثم:


_ لاء..  أنت إيه يا أخي بتجي على الولايا ليه؟؟! 


بصق الرجل جانبه ثم تركها بينما نهضت ذكرى تعود لفُلة فوجدت سيدة في الأربعين من عمرها تتحدث معها بحنوٍ، تعجبت منها ولكن تحدث فُلة سريعًا:


_ دي طنط حميدة يا ذكرى هي جت معايا عشان تساعدني.


نظرت لها ذكرى بامتنانٍ شديد ولكن شعرت بألمٍ يقتحم خلايا قلبها بعدما تذكرت رد والدها، فما أصعب أن يصبح القريب أبشع من الغريب.


_ فتحتي دماغ مين يا حميدة؟


نطق بها سعدي هو يقترب من والدته، لتردف حميدة بغيظٍ وهي تصك على أسنانها:


_ لما نروح يا سعدي لينا بيت يلمنا، بس الأول أدخل مع البنت عند الظابط عشان تلحقها لحسن في راجل ضلالي اتهمها بالسرقة.


نظر سعدي نحو فُلة الباكية بشدةٍ، ثم عاد بنظره نحو والدته متمتمًا باهتمامٍ:


_ حصل ايه بظبط احكيلي؟؟ 


بدأت بسرد ما حدث له حتى انتهت بينما استمع سعدي للحديث وبقى صامتًا، خشيت فُلة أن يظنها سارقة لتسرع بالحديث بخوفٍ:


_ والله ما سرقت هو اللي جه جنبي وزعق وفجأة لقيت حاجته في شنطتي والله ما سرقت.


تفاجأ سعدي من ردة فعلها ليسرع بالحديث قبل أن تنهار أمامه:


_ لالا أهدي يا آنسة فُلة باين أنه ملفقة ليكِ.


_ عايز خمسين ألف عشان يتنازل عن المحضر.


نطقت ذكرى بألمٍ تشعر باختناقٍ من عدم قدرتها على مساعدتها، تأكد سعدي من شكوكه ولكن أشار العسكري بأن تدلف فُلة للضابط.


دلفت فُلة بقدمٍ مرتجفة، بينما أشار سعدي للعسكري أن يخبر الضابط بحضوره هذا المحضر، ولكن أشارت ذكرى له قائلة برجاءٍ:


_ أرجوك يا سعدي باشا دخلني معها... فُلة أضعف من أنها تقف قدام ظابط وممكن تنهار أرجوك.


شعر سعدي بالشفقة عليهما، فردد سريعًا قبل دلوفه:


_ ماشي يا آنسة بس ادعي الظابط اللي جوا ميكونش رخم ويوافق.


دلف سعدي للداخل يتحدث مع الضابط بتروي كي يمكن دخول ذكرى وبالأخص بعدما رأى فُلة تبكي بشدةٍ، جسدها ينتفض بشدة. دلفت ذكرى بصعوبة لمساعدة فُلة الثبات قليلًا وبدأ الضابط بالتحقيق قائلًا:


_ اسمك ايه؟


أجاب الرجل بثقةٍ:


_ جلال عبد الرحيم سيد.


_ هات بطاقتك يا جلال.


أخرج جلال البطاقة يعطيها للضابط ولكن كانت ذكرى تحدق بها بقوةٍ بالغة لاحظها الجميع، حتى تعجب الضابط منها ليردف بدهشة:


_في حاجة يا آنسة شايفك مركزة مع البطاقة أوي؟


انتبهت له ذكرى تنظر له، ثم قالت بإماءة صغيرة:


_ البطاقة مزورة.


دُهش كلًا من سعدي والضابط من اتهامها له بتلك الطريقة، ونظر الضابط بالبطاقة وتأكد من العلامة المائية الموجودة بها، فأجابها بنوعٍ من الحدة:


_ البطاقة مظبوطة يا آنسة... متخليش موقف قاريبتك يبوظ أكتر يا أما هطردك من المكتب.


حركت ذكرى رأسها بنفيٍ تجيب بإصرار:


_ لاء أنا متأكدة من كلامي البطاقة وقعت منه برة وبتثبته إنه من سكان الجيزة.


نظر الضابط للبطاقة وجد أنه من سكان القاهرة، كاد أن يصرخ بها ولكن ارتفع صوت ذكرى تردد:


_ هثبتلك حالًا إنه معاه بطاقة مزورة.


كادت أن تتحدث ولكن صرخ جلال يردف بتوترٍ واضح:


_ جرى إيه يا باشا هتسيبها تبهدلني قدامك.


نفذ صبر الضابط يردف بعصبية:


_ خلصنا في أم الليلة دي... قولي دليلك عشان لو قسمًا بالله طلع غلط هحبسك.


ازدردت لعابها بصعوبة، تجيبه برجفةٍ:


_ 299051502****


راقب سعدي طريقة ذكرى من نطق الرقم وحفظها السريع للبطاقة، بينما طابق الظابط البطاقة بالأرقام التي نطقت بها وبالفعل وجدها كما هي إلا رقم واحد فقط الخاص بالمحافظة، نظر الضابط نحو سعدي الذي نهض يُشمر كُمَّيه، يتقدم نحو جلال الذي ارتجف بشدةٍ منه، وبالفعل وجد بجيب سرواله الخلفي بطاقة، نظر لذكرى كي تُعيد الأرقام مجددًا وبالفعل أملت رقم البطاقة مجددًا ليجده مطابق لحديثها، نظر له ببسمةٍ تقطر بالشر، بينما نظر الضابط له ثم قال:


_ بقى بتستعبطنا يا روح**** جيت لقضاك.


رن الجرس الخاص ليأتي العسكري، مد يده بالبطاقة يردف بشرٍ:


_ أكشف على البطاقة دي وهاتلي تاريخ أمه الأسود.


وبالفعل أخذ العسكري البطاقة انطلق لينفذ مهمته، بينما توجه سعدي نحو ذكرى يردف بتعجبٍ وانبهار:

_ أنتِ إزاي حفظتي رقم البطاقة من بصة؟

شعرت ذكرى بالحرج قليلًا تجيب بحياءٍ:

 دي ميزة من ساعة ما اتولدت فيا أي حاجة بلمحها أو بشوفها بحفظها علطول.. 

شعر بانبهار بها كثيرًا، وردد بأعجاب:

_ شابو ليكِ يا آنسة... متقلقيش شكل الراجل دا وراه بلاوي وقريبتك هتخرج منها.

آتى العسكري يحمل ما أخبره به، فوجدوا أنه قد حُبس بقضية سرقة قبل ذلك وأخرى احتيال، وبعد الضغط على الرجل اعترف بسرعة أن فُلة لم تسرق وقام بتركها لتعود إلى المنزل، وودعتهما حميدة ليغادروا هذا القسم بعد ما مرت به من أحداث.

********

طرق العسكري الباب بطريقةٍ عجيبة قلقة، ثم أدى التحية سريعًا أثارة دهشة نوح، فردد بتوتر:

_ نوح باشا المتهم اللي في قضية حضرتك طالبك بالاسم.

ضيق نوح حدقتيه بشكٍ، ولكنه نهض بصمتٍ كالمعتاد فأنا أصبحتُ مرآة لكم ترون انفسكم ولن أسمح لكم بأن تروني، انطلق نحو الغرفة التي يقبع بها ذلك الرجل العجيب وما أن دلف حتى أدار الرجل رأسه متمتمًا بجمود:

_ انتظرتك كتير!

                 الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



<>