رواية سفينة نوح الفصل الثالث 3 بقلم سلمي خالد ابراهيم

       

رواية سفينة نوح

الفصل الثالث 3 

بقلم سلمي خالد ابراهيم

صلوا على الحبيب 🤎🌻

( القضية الأولى" الأسيوطي")

عزيزي في قانون الحياة البقاء للأقوى حتى وإن كان ظالمًا وفي قانون السماء البقاء للأكثر عدلًا وعند مواجهة الأثنان تفوز عدالة السماء حتى وإن مر ستة وعشرون عامًا!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حرك رقبته يمينًا ويسارًا بألمٍ، يسير بممر المؤدي لمكتبه بعدما تخلص من قضية فُلة، أمسك بمقبض الباب وحركه بهدوءٍ ولكن تفاجأ بجلوس سفيان استشعر توتره  الواضح وخاصةً، جلوس شخصًا أخر، دقق سعدي النظر به ثم قال باستفهامٍ علّا معالم وجهه:

_ خير يا سفيان ومين دا؟

وضع سفيان كفه على وجهه سريعًا يشعر بكارثة ما فعله، بينما نهض نوح يتحرك ليقف بمواجهته ناطقًا بسخطٍ:

_ مش عيب يا حضرة الظابط متعرفش مين زمايلك اللي في القضية!

حدق بضيقٍ في ملامحه ثم قال:

_ نوح نصار مش كده.

علق ساخرًا:

_ إيه دا شاطر عرفتها إزاي؟

شعر بالإختناق من طريقته الفظة، يخبره عقله بأن القادم سيكون إعادة تربية له، فتحرك تاركًا إياه ليجلس بمكتبه، بينما عاد نوح مكانه ينظر لسفيان الذي نطق بتوترٍ:

_ طب يا شباب دي قضية مهم حسب اللي وصلني وللأسف ولسوء حظي أنا اللوا كلمني عشان أكون معاكم فيها فياريت نتقبل بعض خلينا نخلص..

صمت يراقب تعبيرات وجههما ثم أكمل بتمهلٍ:

_ والمتهم طلب نوح بشكل شخصي ممكن تقولنا يا نوح قالك ايه؟

_ ستة وعشرين... محمد سالم الأسيوطي. 

نطق بهذا الرقم والاسم في هدوءٍ، بينما وقع بصر سعدي على نوح بعدم استيعاب ما الذي يقصده بهذا الاسم والرقم، عاد ببصره نحو سفيان الذي حرك رأسه بعدم فهمٍ، لينطق نوح ولايزال يداعب هذا المكعب الأسود بيده:


_ مقلش غير الاسم والرقم دا بس وبعدها سكت وكأنه روبوت أتأمر يقول الكلمتين دول وبس.


تعجب كلًا من سعدي وسفيان، ونظر ثلاثتهم لبعض لينطق سعدي يمسك بجهاز الحاسوب الخاص به:


_ نجرب نحط الاسم دا على جوجل يمكن يظهر لينا معلومة.


نظر بمحرك البحث فلم يجد سوى قارئ للقرآن الكريم، شعر بالحرج من النتيجة فنظر نحو نوح الذي يرمقه بنظراتٍ ساخطة قائلًا:


_ طالما بصيت كده يبقى النتايج تشرح القلب.


نهض من مكانه يسير للخارج متمتمًا لسفيان:


_ أنا مروح ومهمتنا من دلوقتي نعرف مين المتهم اللي اسمه محمد سالم الأسيوطي وايه علاقته برقم 26.


أغلق الباب خلفه دون انتظار كلمة منهما، ولكن ارتفع صوت سعدي بنزق:


_ أنا لو هشتغل مع المعقد دا يبقى مش هنعمر... أنا مستحمل دلوقتي بالعافية.


منحه سفيان نظرة شفقة قبل أن ينطق بحزنٍ، ملامحه التي تأن بألمٍ:


_ على فكرة نوح صاحبي من زمان بس بيتعامل كده عشان مشكلة زمان حصلتله وخلته رافض أي صداقة أو اجتماعات.


ضيق سعدي حدقتيه يتسأل بتعجب:


_ مشكلة ايه؟


زفر سفيان بصوتٍ عالي، يحاول السيطرة على تلك الندبة التي لا تزال باقية، ينظر لفضول سعدي القاتل ثم قال ببسمة باهته:


_ لو قربت من نوح وعرفته هتلاقيه هو بنفسه بيحكيلك غير كده مقدرش أحكيلك.


شعر سعدي بوجود خطب ما، طريقة سفيان العجيبة عند افتتاح هذا الموضوع، وسُمعة نوح المنتشرة بالمعقد، ما الذي حدث بالماضي ليجعل كلا الإثنان بتلك الفجوة الحزينة!


**********


أغلقت الباب بقدمها تمسك بكف فُلة لتساندها بالدلوف إلى الردهة، ثم جلستا على الأريكة لتضع ذكرى حقيبتين جانبًا وما كادت أن تتحدث حتى علا رنين الهاتف، نظرت نحو فُلة التي تضع وجهها بين راحتي يدها ثم عادت تبحث عن الهاتف فوجدته بحقيبة فُلة، نظرت للمتصل ثم أجابت سريعًا ما أن وجدته " حج حسن" تتحرك بردهة يمينًا ويسارًا:


_ أيوة يا عم حسن... لا حصل مشكلة مع فُلة واضطريت اقفل المكتبة سامحني.. لا هي كويسة ومن بكرة الصبح هتلاقيني عندك... حقك عليا يا عم حسن تاني.


أغلقت معه سريعًا ولكن صوت شهقاتها جعلها تستدير نحوها سريعًا تقترب منها لتحتضنها متمتمة:


_ بتعيطي ليه بس يا فُلة عدت يا حبيبتي خلاص.


رفعت فُلة حدقتيها ولكن كانتا حمرواتان بشدة تردف بألمٍ:


_ أول مرة أتبهدل في الأقسام كده.. أنا عمري ما مديت إيدي لحد عشان أتهم بسرقة يا ذكرى!


ضمتها ذكرى بقوةٍ تحاول كبح دموعها، تردف سريعًا:


_ ما عاش ولا كان اللي يبهدلك طول ما أنا عايشة... أوعى تفكري إن عشان جدتنا توفت يبقى هسمح لحد يهينا متخفيش من حاجة وأجمدي كده يلا.


بقيت فُلة داخل أحضانها تهمهم بصوتٍ مبحوح:


_ ربنا ميحرمنيش منك.


ابتسمت ذكرى لها ثم نظرت بحدقتيها متمتمة بغيظٍ:


_ أبقى أنا ذكرى هانم الشرنوبي أدخل قسم والراجل النصاب يزقني.


نظرت لها فُلة بسخطٍ ثم قالت:


_ فاكرة السجل المدني!


ازدردت لعابها بصعوبة تدعي عدم التذكر قائلة:


_ سجل مدني ايه!


رفعت فُلة حاجبها باستنكارٍ، تغمغم بسخرية:


_ مش فاكراها... لما قعدتي تعيطي لتيتا عشان خايفة تدخل القسم وفضلتي قافشة في دراعها ومش عايزة تدخلي لحد ما هددناكِ إننا نجيب العسكري لو مدخلتش.


حكت رأسها بحرجٍ تنهض من الأريكة سريعًا، تفر هاربة إلى المطبخ ناطقة:


_ في صدر فرخة مسلوق جوا هفصصه وهعملها شورما.


كبحت فُلة ضحكتها تعلم أنها تريد اسكاتها عن تلك الذكرى العجيبة بنسبة لها، لتحدثها ببسمة منتصرة:


_ متنسيش الشطة هاه الشطة يا ذكرى.


ألقت ذكرى الطبق بعنفٍ متمتمة بغضبٍ متذمر:


_ عرفنا خلاص بقى.


أكملت ذكرى ما تفعل بينما أبدلت فُلة ملابسه سريعًا وذهبت إلى المطبخ لتكمل مشاكستها مع ذكرى حتى أنتهت الفتاتان من صُنع الطعام وجلستا أمام التلفاز يتناولان الطعام بانسجامٍ شديد، فعاشق البساطة يرى جميع صنائعه مميزة.


*******


_ أخيرًا شرفت يا شملول!


كلماتٌ متهكمة نطقت بها ترمق ابنها بنظراتٍ مفعمة بالغضب، مسح سعدي على وجهه بضيقٍ ثم نظر لها مجيبًا:


_ في إيه تاني يا حميدة مش لسه جايبك من القسم الصبح.


رفعت نعلها الخفيف ( شبشب) ثم ألقته عليه بقوةٍ وبراعة جعلت سعدي يتأوه بألمٍ وتفاجئ من سرعتها بقذفه، تردد بغيظٍ وهي تشير نحوه بسبابتها:


_ هات الشبشب واترزي جنبي.


رفع حاجبه يدلك موضع الألم يضع النعل جوار قدمها قائلًا:


_ مشوفتش جبروت كده ضربني وكمان عايزة سلاح الجريمة أجيبه بإيدي.


رمقته بنظراتٍ حادة متمتمة هي تصك على أسنانها:


_ ولا هتشوف يا نن عين أمك وأخلص أسكت عشان أتكلم.


_ كمان هتطلبي.


نطق بها باستفزازٍ لترد عليه ببسمة باردة:


_ إن كان لك عند الكلب حاجة قوله يا سيدي.. ها يا سيدي هتسمع.


أغمض سعدي عينيه فلن يسلم من والدته، يشير لها بأن تتحدث فهتفت حميدة بجدية:


_ عايزة أعرف عنوان البنت اللي قبلتها الصبح فُلة.


فتح عينيه سريعًا يحدق بها بقوةٍ مرددًا بعدم فهم:


_ أنتِ عايزاه ليه؟


منحته نظراتًا مستنكرة تردف بسخرية:


_ البنت دخلت القسم وشكلها اتخطف يا حبة عيني وهي بتساعدني أقوم سيبها كده مسألش عليها.


نظر لها بذهولٍ يردف بتعجب:


_ وإحنا مالنا يا ست الكل ما تسيبك منها.


أمسكت لنعلها سريعًا تردد بحدة ممزوجة بغيظ:


_ هتجيب العنوان ولا تحب تسمع صوت طرقعة على وشك.


أدى تحية عسكرية لها يردف بجمود زائف:


_ تمام يا فندم.


أعادت نعلها تنظر بجانب عينيها مردفة:


_ أيوة كده ناس بتيجي بالعين الحمرا وناس بتيجي بشبشب حميدة.


************


انكمشت معالم وجهه بإنزعاجٍ شديد، ينظر للهاتف ببغضاءٍ فلن يرن هذا الهاتف إلا بالمصائب، أجاب بصوتٍ مختنق بعدما أزداد رنينه:


_ ألو مين؟


_ خمس دقايق تيجي وفي إيدك سفيان عشان نخلص من أم القضية دي.


كاد أن يحرك فاه ولكن استمع لصوت إنغلاق الخط فنظر للهاتف بذهولٍ ثم قال بحنقٍ ممزوج بعصبية:


_ دا بينها قضية سواد علينا كلنا.. كله من دعاكِ يا حميدة.


نهض سريعًا يستعد للذهاب، ثم أتصل على سفيان الذي كاد يبكي من استيقاظه مبكرًا بتلك الطريقة، وتحركا الإثنان نحو مكتب نحو الذي ما أن دلف حتى قابلهم بوجهٍ وجم متمتمًا:


_ نموسيتكم كحلي.


حدق بها سفيان بغيظٍ وأعين شبه مغلقة من شدة النعاس وإلى جواره سعدي الذي يتثأب كل دقيقة، ثم تمتم يصك على أسنانه:


_ ناموسية ايه الساعة 4 الفجر يا مفتري.. طب أنتم ظباط في بعض أنا مالي بقضيتكم!


نظر له نوح ببرودٍ ثم أجابه ببسمةٍ مستفزة:


_ والله اللوا قالي سعدي وسفيان معاك فأكيد لما أوصل لمعلومة لزمًا أقولكم علطول عشان يبقى في روح  الـ Team work " العمل الجماعي" تعرفها صح؟


ألقى سأله بنوعٍ من الخبث، بينما حدق به سفيان بحنقٍ ثم جلس على المقعد يردف بغضبٍ مكبوت:


_ أتفضل قول وصلت لإيه خلينا نخلص في الليلة دي.


نظر نوح نحو سعدي الذي مال برأسه جانبًا فضرب على المكتب بعنفٍ لينتفص سعدي بفزعٍ ينظر نحو نوح ثم قال بحسرةٍ:


_ كشفت شعري ودعيت عليك وأنت قالق منامي كده.


وضع نوح ملف يحمل عدة أوراق قديمة يردف بجدية متجاهلًا حديثه:


_ الملف دا فيه قضية اغتصاب من 26 عشرين سنة باسم محمد سالم الاسيوطي.


انتبه كلًا من سعدي وسفيان لحديثه ليلقي كلًا منهما نظرة خاطفة لما بالملف من معلومات، فهتف سعدي بإنبهارٍ:


_ يا بن اللذينة عملتها إزاي!


رمقه بنظرةٍ ساخطة ثم ردد بكلماتٍ ذات معنى:


_ في شغلنا لو اشتغلنا على جوجل يبقى نص مصر هتتسجن من غير ما تعمل حاجة.


حك سعدي مؤخرة رأسه بحرجٍ، فلم يعتقد أنه سيأخذ عنه تلك الفكرة السيئة عنها، بينما أسترسل حديثه بجدية:


_ كان الاحتمال بين يا حد عمره ستة وعشرين سنة يا من ستة وعشرين سنة حصل حاجة.. والاحتمال الأكبر حصل حاجة من ستة وعشرين سنة وليا حبيبي جبلي القضية دي.


حدق به سفيان بتعجبٍ ثم تسأل بحيرة:


_ وليه ميبقاش شخص عنده ستة وعشرين سنة؟


أمسك نوح بالقلم يحركه بين أصابعه ببراعة وسرعة، يجيبه بدهاءٍ ماكر لطالما تميز به في عمله: 


_ لو زي ما بتقول يبقى أقل واجب 100 شخص ليهم نفس الموصفات وأمسك بقى ال100 شخص دا لو طلعوا 100 بس ودور وراهم... خلينا نمسك كل الخيوط.. المعلومة أتقالت في مبنى المخابرات هنا  يعني بنسبة 60% إن الاسم دا يخص المبنى أو الشخص دا اسمه أتذكر هنا.. ورقم 26 عشرين يخص يا عمر يا ماضي ودي سهلة مفيش هنا حد عمره 26 واسمه محمد سالم الأسيوطي..  فالاسم دا متذكرش غير من 26 سنة في قضية اغتصاب.


اقتنع كلاهما بحديثه، ثم أتى اتصال إلى نوح ليجيب سريعًا وما أن انتهى حتى نهض مردفًا:


_ يلا بينا.


انتفض سفيان من مكانه يردد بفزع:


_ يلا إيه!!! أنا عايز أروح! 


رمقه بنظرةٍ حادة ثم قال ببرودٍ:


_ تعالى معانا بالذوق يا سفيان.


مسح سفيان على وجهه بإنزعاجٍ ثم ردد بتسألٍ حانق: 


_ ممكن أعرف رايح أنهي داهية؟


_ رايحين للمتهم خدت تصريح بمقابلته عشان سيادتك تقابله وتقنعه يتكلم.


رفع حاجبه باستنكارٍ ناطقًا:


_ وأنت بسلامتك مش قادر تسأله؟


زفر نوح بنفد صبر يجيبه متهجًا نحو الباب:


_ الراجل انتحر كذا مرة ولحقوه والأكيد أنه مش هيعبرني لو دخلتله فأخلص يلا.


خرج نوح من المكتب بينما كاد سفيان أن يتحرك لولا وجد سعدي يقترب من الأريكة فهتف بتعجبٍ:


_ بتعمل ايه يا سعدي؟


نظر له بأعينٍ ناعسة ثم قال مشيرًا نحو الأريكة:


_ الكنبة بتقولي يلا بينا نام يلا نطفي النور وأنا مقدرش أرفضلها طلب.


نظر له بذهولٍ وما كاد سعدي أن يقترب حتى ردد نوح بصوتٍ عالي أفزعهما:


_ هتخلصوا ولا ناخدها ماشي للقناطر!! 


ركض سفيان سريعًا ليتفادى طريقة نوح فهو يعلم حق العلم أنه يفعل ذلك لتنازل الإثنان عن القضية ويمارسه هو دون عناء، بينما اقترب سعدي من الحائط مرددًا وهو يضرب بخفة رأسه بها:


_ أنا غبي إني دخلت شرطة أنا غبي.


تحرك خارج المكتب دون كلمة أخرى ليركب السيارة مع سفيان متجهين إلى محمد سالم الأسيوطي!


**********


_ بس دا اللي حصل يا عم حسن وأهي زي القردة قدامك.


أنهت جملتها ثم قطمت الشطيرة التي أحضرتها معها، تلوك الطعام بنهمٍ، بينما ابتلعت فُلة ما تناولته تتمتم بغيظٍ:


_ قردة تنططك.


ضحك عم حسن على طريقتهما، ثم نفض يده يردد بحمدٍ، وما كاد أن ينهض حتى عادت ذكرى تردد بتذكرٍ:


_ افتكرت صح يا عم حسن تعرف واحد غتت اسمه نوح.


نظر لها بذهولٍ يردف بنبرة قلقة:


_ نوح نصار هو جه إمبارح؟


أومأت برأسه تتعجب من قلقه، بينما نظر لها عم حسن بقلق لا يزال مستمرًا متسائلًا:


_ حصل ايه أوعي يكون زعل دا هو اللي وقف معايا في أزمتي لما المكتبة خسرت وساعدني أقومها تاني.


ازدردت ذكرى لعابها بصعوبةٍ تنظر نحو فُلة التي بادلتها التوتر، تفرك كفيها ببعضهما حتى أجابت ببسمة متوترة:


_ أصل يعني نكشته نكشة صغيرة.


عقد عم حسن ما بين حاجبيه بتعجب، بينما زفرت ذكرى باختناق ثم سردت له ما حدث فجحظت عيناه بشدةٍ مما هتفت به نحو نوح، ليردف بعتابٍ:


_ كده يا ذكرى تعملي كده!


تبدلت معالم وجهه لعبوسٍ تردف سريعًا:


_ يا عم حسن هو اللي كان قليل الذوق معايا.. صدقني أنا كلمته كويس بس هو اللي معندهوش دم.


لم يرغب بأن يحمل عليها فهتف بإماءة ناهضًا من مكانه:


_ طب يا بنتي هرن أشوفه بس خلي بالك يا بنتي في زمنا دا الزبون لو مش على حق بنديله الحق لإننا تحت جزمته للأسف.


تضايقت ذكرى من كلماته الانهزامية لتصحح قوله:


_ لا يا عم حسن مفيش حاجة اسمها كده لو على الرزق فالأرزاق بيد الله واللي بعته قادر يبعت غيره... أنا شوفت في الدنيا كتير ومن أقرب الناس ليا وأهو عايشة الحمدلله ورزقني بفُلة عوضتني عن كل حاجة.. خلي ثقتك في الله يا عم حسن مش في الناس.


نظر لها ببسمةٍ ثم قال:


_ كلامك جميل يا ذكرى ميديش سنك.


ابتسمت بحزنٍ تردف:


_ الله يرحمها جدتي قالتلي إحسني الظن بالناس بس متتعشميش فيهم عشان العشم في غير الله مذلة، فعشان كده بتوكل على الله وكرمتي بتفضل فوق مش تحت.


_ ربنا يرضا عنك يا بنتي.. هقوم هكلمه مهما كان ابني وليه جِميل.


أومأت له ذكرى ثم نظرت للطعام فوجدته قد انتهى شهقت بصدمةٍ تسرع بنظر إلى فُلة التي أخذت أخر قطعة من المخلل تتناولها لتردف بغيظ:


_ أنتِ طفسة يا بت كلتي السندوتشات.


_ الله ما أنا قولت أنتِ حزينة دلوقتي ونفسك ممكن تتسد فكلتهم.


اشتعل الغيظ بملامحها بعدما نطقت بتلك الكلمات، لتتمتم بغضب ناهضة:


_ كلتهم! كلك وحش يا بعيدة.


ابتسمت فُلة ببرودٍ تصحح حديثها:


_ اسمها لما يلهفك وحش ومتقوليش كلام مش فهماه.


أشاحت بيدها تاركة فُلة تثرثر تكمل باقي وضعها للكُتب وقرأتها.


************


_ عرفت هتعمل إيه؟


رمقه سفيان نظرة غاضبة، يقبض على كفه بغيظٍ ثم تمتم بحنقٍ:


_ عايز ألفت انتباهك دي المرة العشرين اللي تقولي كده من ساعة ما خرجنا من المكتب ممكن اتزفت.


ابتسم نوح ببرودٍ له ثم أشار له بكفه قائلًا:


_ أدخل لما نشوف فلاحتك دي هتوصلنا لفين.


رمقه بنظرة حانقة، ثم دلف إلى الغرفة التي يقبع بها المتهم يجلس أمام رجلٍ ضعيف، ملامحه المليئة بالظُلم، عيناه اللتان يلتهمهما البؤس، أردف سفيان محاولًا السيطرة على مشاعره المشفقة على ذلك فما الذي فعله كي يصبح هزيل لتلك الدرجة؟ 


_ عامل أيه يا أستاذ محمد؟؟ 


رفع محمد بصره نحوه، لم يجُب ظل صامتًا بينما حرك سفيان رأسه متفهمًا لحالته فسأله بهدوءٍ:


_ إيه اللي يخليك تنتحر يا محمد مرتين وأنت راجل محترم ومفيش سوابق في حياتك؟


كانت كلماته بمثابة عود ثقاب يشعل بداخله روح الدفاع عن ذاته، تشنجت معالم وجهه بألمٍ، يحدق به بأعين ملتمعة بالدموع، ثم قال بصوتٍ منكسر لو حضر أحد غير سفيان لبكى:


_ مفيش سوابق! أنا واحد أتخد ظُلم في قضية اغتصاب وحياته ادمرت بسبب الست اللي قالت إني اغتصبتها وأنا لا شوفتها ولا أعرفها.


انتبه سفيان لحديث جيدًا، ليردد بحذرٍ:


_ إزاي يعني مشوفتهاش واغتصاب أنت شايف العلاقة عاملة ازاي؟


سالت دموع الرجل بألمٍ، يردف بحسرة:


_ أقسم بالله ما أعرفها القاضي خد بشهادتها لما شافتني وقالت إنه أنا.


_ طب ليه متعملش تحليل حمض نووي؟


ابتسم بمرارةٍ يجيبه:


_ من ستة وعشرين سنة مكنش في حاجة اسمها حمض نووي ولا DNA اتاخد بكلام الست دي عشان يقفلوا القضية.


ضيق سفيان حدقتيه ثم باغته بسؤالٍ:


_ ومراتك مجتش تزورك ولا وكلة محامي ليم بعد ما الDNA ظهر؟


تجمدت معالم وجهه بألمٍ ثم قال بصوتٍ مختنق:


_ عايز أقوم.


بقى سفيان دقيقتين ثم سأل بهدوءٍ قبل أن ينهض:


_ مين الست دي يا محمد؟


وضع محمد رأسه بين راحتي يده، ثم أجاب باختناق ونفور:


_ منال السيد.


_ أنا هرجعلك تاني يا محمد بس برائتك هتكون معايا.


غادر سفيان الغرفة يفكر بما سمعه، حتى تقابل مع نوح وسعدي الذي لا يزال يتثأب ليردف:


_ الراجل دا متحبسش بس عشان قضية اغتصاب.


رفع نوح حاجبه بتعحبٍ، بينما انتبه سعدي لحديثه متسائلًا:


_ نعم أمال اتحبس ليه؟


تناهد سفيان بجهلٍ ثم قال بجدية:


_ مش راضي يحكي لكن الخيوط كلها هتبقى ورا منال السيد اللي اتهمته زور ومراته.


قطب سعدي حاجبيه بتعجبٍ ولكن قبل أن يتسأل كان نوح رد باختصار:


_ مراته اختفت بعد دخوله السجن بسنتين.


نظر سفيان له بدهشةٍ، ثم ابتسم بسخرية له ليتمتم بسخطٍ خفي:


_ وأنت سيادتك مش قادر تقولي!


وضع نوح يده بجيب سرواله يردف بهدوء:


_ اديتك نسخة من الملف لو مهتم بالقضية كنت قرأت فيها بدل ما تشخر طول الطريق.


صمت قليلًا ينظر للغيظ القابع بوجه سفيان ليسترسل بجدية:


_عامةً المهم دلوقتي حاجتين ليه منال اتهمت محمد بالزور ومراته اختفت فين.


أومأ سفيان بإيجابية يحاول كبح غضبه ينظر لسعدي المتخذ وضع الصامت بهذا اليوم ثم نظر لساعته فوجدها الرابعة عصرًا ليردف بتعجل:


_ طب أنا لزمًا أمشي عشان شغل العيادة.


تحرك ثلاثتهم للخارج، ليوصل نوح سفيان إلى عيادته بينما بقى سعدي معه ليردف نوح بجمود:


_ هتروح فين؟


نظر له بدهشةٍ قائلًا:


_ توصلني كمان والله قولت هتعمل زي أحمد زاهر في البرنس وهترميني في نص الطريق.


لم تتحرك ملامح نوح إنشٍ بل ظل جامدًا ليردف سعدي سريعًا بجدية زائف:


_ وسط البلد يا باشا.


**************


وقف بملامحٍ عابسة يشعر بالضجر من والدته التي أصرّت أن تأتي سيرًا على الأقدام بدلًا من الركوب سيارة أجرة، وما أن رأى وجهها حتى قال بغيظٍ:


_ التاكسي قصر في إيه عايز أفهم؟ لو لسه صغيرة أقول آه.. مش عندك ستة وأربعين سنة وهتقفليهم كمان أربع سنين الخمسين.


رفعت حقيبة يدها تضربها على كتفه بعنفٍ، تردف بحدة:


_ أتلم يا بغل أنت ويلا وريني البيت.


تأوّه سعدي بشدة من عنف حقيبتها، ثم تحرك معاها يسيران نحو حي بسيط ولكنه يعج بالناس، ثم توقفا أمام عمارة بسيطة كاد سعدي أن يدلف ولكن استمع لصياح والدته تعنفه بكلماتٍ لاذعة:


_ أنت يالا بغل بصحيح مش تيجي نشتري فاكهة ولا حاجة قبل ما ندخل على البنات وإيدينا فاضية.


مسح وجهه بضيقٍ ثم استدار لها ناطقًا:


_ أنا مالي يا ست الكل... طلبتي العنوان وقولت حاضر... قولتلي اوصلك قولت عيني.. كمان أجيب فاكهة وحوارات ناقص أطلع ارضعهم.


شهقت حميدة من كلماته الوقحة لترفع الحقيبة تصفعها بوجهه قائلة بحدة:


_ أمشي يا معدوم التربية هات اتنين كيلو موز عشان نطلع بيهم وأنا هستنى هنا رجلي تعباني.


وضع سعدي يده على وجهه بضيقٍ ثم تحرك نحو بائع الموز يقف على عربة خشبية متنقلة ليشتري منه الفاكهة فأردف عندما انتبه له البائع:


_ أعملي اتنين كيلو موز وأي فاكهة تاني بس هاتها عِدّله لحسن حميدة لو حست مجرد إحساس أن الفاكهة فيها عوق هتيجي تعلقنا أنا وأنت على باب الحارة عِبرة للكل.


تعجب الرجل من حديث سعدي ولكن شعر بمدى قوة تلك المرأة وبالفعل بدأ باختيار فاكهة طازجة لا يشوبها ضرر فحملها سعدي وعاد إلى باب العمارة ولكنه لم يجد والدته فدلف إلى المدخل بتعجبٍ حتى استمع لصوتها يقول:


_ لا يا حبيبتي مجتش لوحدي ابني سعدي جبني نني عيني دا بس أنا سبقته وطلعت الأول بعيد عنك اتكتع من المدعوك القسم وبقت صحته على أده.


علّت السخرية وجهه ثم قال:


_ نن عينك ومطلعني أكتع أمال لو ابن صرامة كنتِ قولتي إيه يا حميدة.


صعد الدرج حتى وصل للطابق المنشود يطرق الباب الذي أُغلق للتو، فعادت فُلة تفتح الباب وما أن رأته حتى قالت بلُطفٍ:


_ اتفضل يا أستاذ سعدي.


دلف سعدي بعدما حمحم بصوتٍ عالٍ ليستمع له الأخريات، ثم وضع الحقائب جانبًا يدلف نحو والدته يجلس جوارها فهتفت حميدة ببسمةٍ باردة:


_ روح شغلك بقى يا حبيبي خلاص عارفة هروح إزاي.


فرغ فاه سعدي ينظر لها مضيقًا حدقتيه ولكن ألتمعت عينيه بغيظٍ ما أن دفعته لينهض ويغادر وبالفعل غادر من الشقة يشعر بنوعٍ من القهر مما تفعله والدته.


_ أيوة كده خلينا بنات في بعض نحكي ونفضفض سوا.


ضحكت كلًا من ذكرى وفُلة على حديث حميدة وخاصة معالم سعدي المغتاظة، فعادت حميدة تسترسل بفضولٍ:


_ أنتم لوحدكم يا بنات؟


اندثرت تلك البسمة وطاف الحزن بملامحهما، لتجيب ذكرى بألمٍ:


_ جدتي توفت من أيام ربنا يرحمها.


حركت حميدة رأسه بحزنٍ لأجلهما تجيب:


_ ربنا يرحمها يا حبايبي.. مش قصدي أطفل عليكم بس من وقت ما شوفت البت فُلة وأنا حاسه إنها بنتي وبصراحة حبيت اطمن عليها.


ابتسمت فُلة بمجاملة ثم قالت قبل أن تنهض:


_ هجبلكم عصير تشربوه.


تحركت بعيدًا تشعر بألمٍ من تذكر جدتها الراحلة، بينما نظرت ذكرى لها وعلمت ما بها ولكن ما باليد حيلة ظلت تتباعها حتى هتفت حميدة بحزنٍ:


_ مقصدش والله يا بنتي أنا كنت بسأل من باب أطمن عليها وتبقى بنتي بدل ما بعيش أغلب الوقت لوحدي.


حركت ذكرى رأسها بنفيٍ لتوضح سريعًا:


_ لا أبدًا يا طنط بس فُلة أغلب حياتها كانت مع جدتي لإنها هي اللي احتوتها بعد وفاة باباها وماماتها.


أومأت حميدة بتفهمٍ، بينما عادت فُلة ولكن بوجهٍ يشع حمرة لم تستطع السيطرة عليها، وضعت ما بيدها على الطاولة وقبل أن تجلس أمسكت حميدة بيدها لتسحبها لها حتى جلست فُلة جوارها، فقالت حميدة بمحبةٍ:


_ بتعيطي يا هبلة ليه؟ الأحباب موجودين وربنا بيعوض.. طب أقولك أهو ابني عايش بس زي قِلته وأهو ربنا رزقني بيكِ نونس بعض.


ابتسمت فُلة لحديثها ولدفء النابع من ضمها لها، فهتفت بصوتٍ مبحوح:


_ حضن حضرتك دافي أوي.


_ حضرتك ايه قوليلي يا خالتي حميدة وأنا هبقى أطل عليكي كل شوية..


نطقت بها وهي تضمها مجددًا ثم عادت تقول باستفهام:


_صحيح بتشتغلي أيام إيه عشان مجيش على الفاضي؟


ابتسمت ذكرى لعفوية تلك السيدة وأجابتها بلُطف:


_ طول الأسبوع لكن يوم الجمعة بنروح على العصر كده.


أومأت حميدة بإيجابية ثم بدأت تثرثر مع الفتاتان حتى استطاعت أن تدمجهما بالحديث دون أن يشعر بالضجر بل أحبا الحديث معها.


************


منح إماءة صغيرة لمساعدته في إدخال الحالة الأخيرة له، تخبره بأنها جديدة لم يسبق لها الحضور، وبالفعل دلفت فتاة ترتدي حجابًا مهندم وبلوزة ومعها بنطال من الجينز الأسود واسع، تجلس بارتباك واضح على معالمها، ليبدأ سفيان جلسته ببسمة عملية:


_ اسمك  آنسة هند صح كده؟


أومأت تلك الفتاة بخجلٍ واضح تجيبه بصوتٍ خافت:


_ اسمي هند نادر الشرنوبي.


أومأ سفيان بهدوءٍ ثم قال مسترسلًا:


_ طيب يا هند حابة تتكلمي في حاجة معينة؟


نفت برأسها سريعًا تردف بنبرة متوترة:


_ أنا جاية عشان أخد استشارة حضرتك في موضوع.


نظر لها بتعجبٍ من حديثها، لتأخذ هند نفسًا طويلًا تخرجه بتهمل ثم قالت:


_ لو أب اتبرى من بنته عشان مبتعرفش تمسك القلم وتكتب وعايزة أرجع علاقتهم ببعض أعمل ايه؟


ذُهل من حديثها العجيب، هو لن ينكره فقد رأى الكثير ولكنه عجيب فهتف بتعجب:


_ معلش وضحيلي البنت تقرب إيه وأنتِ عايزة ايه بظبط؟


فركت كفيها ببعضهما ثم رددت بصوتٍ مرتبك:


_ البنت تبقى أختي وبابا اتبرى منها من زمان لما فشلت تكتب... هي شاطرة في كل حاجة وعنده  مميزات وكمان ذكائها كبير أوي بس.. بس المشكلة مبتعرفش تمسك قلم وتكتب خالص.


تفهم سفيان حالتها وشعر بقربها من نوعٍ في الأمراض الصعوبة، فهتف بأسف:


_ مش هقدر أفيدك أوي في الموضوع دا طالما الأب متحركش بنفسه يبقى هتجرحي في أختك على الفاضي وهتتحمل حاجات هتبعد المسافات بينهم.


_أرجوك أكيد في حل؟


نطقت بها برجاءٍ شديد، فنفى سفيان محاولته للمساعدة، شعرت هند بالإحباط الشديد، وثم نهضت تردف بعبوسٍ:


_ شكرًا.


نظر سفيان للعبوس الموجود بمعالمها وشعر بالضيق بعدما تبخر أخر أمل رأه عند دلُفها وما كادت أن تستدير حتى أسرع سفيان قائلًا بهدوءٍ:


_ بصي عندي حل لكن مش أكيد نجاحه.


استدارت له سريعًا تشع عيناها بأملٍ، ليسترسل سفيان بجدية:


_ هتجيلي العيادة بكرة وتحكيلي كل...


قاطعته بحرجٍ:


_ أنا مش هعرف أخرج تاني بالسهولة دي فينفع أبعت لحضرتك كل حاجة على الواتس؟


زفر شفيان بتهملٍ ممزوج بإرهاق ثم أمسك بورقة وقلم وبدأ يخطو على الورقة سريعًا قائلًا:


_ تمام يا آنسة هند خدي الرقم دا وابعتي التفاصيل عن والدك وطبيعة شخصيته ولو حصل جديد بينه وبين اختك تقوليلي.


ازدردت لعابها بحزنٍ تتمتم بصعوبةٍ:


_ لا هو اتبرى منها وسابها تعيش مع جدتها.


اتسعت عين سفيان بصدمةٍ مما فعله والدها ولكن لم يقدر على الحديث أمامها، فـ سُبل إعادة والدها لابنته أصبحت مستحيلة، فقال وهو يمد يده لها بالورقة:


_ طب خلي الرقم معاكِ وابعتيلي التفاصيل وكل حاجة عنهم يمكن نلاقي حل.


أمسكت الورقة تردف بامتنان:


_ شكرًا أوي يا دكتور سفيان شكرًا.


غادرت العيادة ببهجة تملأ وجهها، بينما بقى سفيان ينظر نحوها بشفقةٍ ثم قال:


_ الله يعينها اختك ويعينك على الراجل دا.


*************


_ يا عم حسن مش هينفع صدقني لو روحت ولقيته في البيت مش بعيد يوئدني وإحنا شتمين بعض أخر مرة.


نطقت بها ذكرى في محاولة عن تراجعها بالذهاب إلى منزل نوح لإيصال الكُتب التي طلبتها والدته.


نظر لها عم حسن برجاءٍ متمتمًا:


_ يا بنتي عارف اللي حصل بس فُلة زي ما شوفتي تعبانة ومش هينفع أخرجها تاني بعد اللي حصل في القسم.. عشان خاطري.

أسرعت ذكرى بالحديث بتوتر:

_ خاطرك فوق راسي يا عم حسن.. حاضر وربنا يستر ويكون غار لشغله.

ابتسم عم حسن بسعادة، وأحضر الحقيبة التي ستغادر بها ذكرى وبالفعل تحركت تدعو الله ألا تقابله بالشقة إلى أن تلقى الكتب وتغادر.

ولكن ارتفع رنين هاتفها نظرت للهانف ثم قالت ببسمةٍ وهي تجيب:

_ وحشتني يا هند وحشتني أوي.

_ وأنت يا ذكريات مش ناوية بقى تفكي الحظر ونتقابل.

امتعض وجهها بشدةٍ من تخيل ذهابها لمنزل نادر الشرنوبي، فأردفت بجمودٍ:

_ أنتِ عارفة إني مش هدخل البيت دا لو على جثتي يا هند.

زفرت هند بيأسٍ من محاولتها الفاشلة لمقابلتها، فذكريات لن تأتي وأبيها لن يسمح لها بمقابلتها، ابتسمت ببؤسٍ قائلة:

_ مش مشكلة يا ذكريات مصيرنا نتقابل يا حبيبتي.

أغلقت هند معها بعدما تملكها الحزن، بينما نظرت ذكرى للهاتف بأعينٍ مدمعة، تشعر بغصةٍ مؤلمة لما هي به، ولكنها تماسكت حتى تعود وتبكي في جوف الليل كي لا يستمع لها أحد.

إن جوف الليل ضامد جراح النهار، ككل ليلة تبكي فيها الأعين وتختبئ خلف بسمة أمام الضوءِ.

وضعت الهاتف بحقيبتها ثم نظرت للعمارة التي تقطن بها السيدة داليدا وعلّت السخرية وجهها تتمتم:

_ على الله تكون أمك أحسن منك في المعاملة.

صعدت للطابق المنشود فكل طابق به شقة واحدة واسعة، استنشقت نفسًا طويل، تشعر برجفة قلبها، ثم تقدمت نحو الشقة و ضغطت على الزر الموجود تنتظر أن يُفتح فلم تسمع سوى صوت سيدة فزفرت براحةٍ قائلة:

_ الحمدلله جون سينا مش موجود.

صوته الذكوري أفزعها عندما قال بسخطٍ متوعد:

_ الحماقة في بعض الناس مثل الصلعة، لا يمكن تغطيتها...

أنتهى من إلقاء هذا المثال العربي، يمتعها بفلسفة جديدة، ثم أكمل  بتهكم:

_فداري قرعتك عشان نورها عماني!

               الفصل الرابع من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>