رواية سفينة نوح
الفصل الاول 1
بقلم سلمي خالد ابراهيم
نحن بعالمٍ أصبحت الشياطين تخشاه، حيث يتنازع القاتل لنهب ما جعله قاتلًا، ويخطتف السارق ما حُرم منه دون صبر، من يخون الثقة لأجل معتقدات لا معنى لها بالإنسانية، ومن يشهد بالزور في قضية لقطعة ورقية صغيرة ُخطى عليها بالقلم "مليون جُنيهًا"، من يتاجر بالممنوعات فيصبح من طبقات المجتمع الراقي. ما هذه الجرائم؟ ما هذه الوحشية؟ ما الذي تفعلوه، وأخيرًا...
مـــن أنتــــــم؟!
خطواتٌ بطيئة ثابتة تخطو وسط جُموع من البشر، عينان مخيفتان مفتحوتان بشكلٍ يثير الريبة، حلاقة الشعر المتعرجة كما لو كان بإحدى حفلات الملاهي الليلية، ملابسه المهترئة يظهر عليها القِدم، وقف وسط سوق يعج بالناس والبائعين، فيتشجار المُشتري مع البائع وتثرثر النسوة بأحاديثٍ مختلفة.
أسقط نظره على ذلك الطفل يلعب بإحدى الأحجار، ينتظر والدته أن تنتهي من شراء الخضروات، فحرك ذراعه اليسرى المفرودة نحو صدره يخرج من جعبته مسدسًا أسود يوجه فاهه نحو هذا الطفل وبلحظة دوَّت صوت الرصاصة تخترق صدر هذا الطفل دون رحمة!
ارتفع صراخت النسوة، وتخشبت أرجل الرجال، تجحظ العيون مما رأت وتندثر الهمهمات لهذا المشهد المؤلم. أصبح الرجل جامدًا يتأمل تلك الدماء التي تتدفق من صدره ووالدته التي تلطم على صدرها لما حدث بصغيرها!
أحداثٌ كثيرة حدثت منذ تسعة أشهر من الآن...
أغلقت الباب بيدٍ مرتعشة، لا تزال عينيها تقطر دموعًا حزنًا على الفراق، غادرتي يا حبيبتي وتركتني وحيدة أنازع بعالم قاسٍ، تحركت بقدمٍ ضعيفة كما لو كانت هُلام نحو غرفتها، ولكنها قابلت ابنة خالها اليتيمة تهمس لها بصوتٍ مبحوح:
_ هنام النهاردة في أوضة تيتا.
أومأت لها فُلة بحزنٍ دون أن تتحدث بكلمة، تمسك بهاتفها تتطلع بصورتها معها حتى أغرورقت الدموع عينيها وأخرجت ما مُنِع أثناء العزاء.
جلست على فراشها تملس عليه بأناملها، تهمس بصوتٍ مختنق:
_ هتوحشيني يا تيتا أوي.
أغمضت عينيها تحاول كبح تلك الدموع المتساقطة كما لو كانت سحاب غزير عجز عن التماسك، رفعت قدماها من الأرض واراحت جسدها داخل الفراش بصمتٍ، فقط تريد أن تشتم رائحة جدتها الراحلة.
" لم تعاقب الشرطة إلى الآن قاتل الطفل وسيدة والشاب وسط الجموع مما يجعلنا نشعر بالريبة والخوف لِمَ تتستر الحكومة على مجرم ما دام قاتل ويستحق الإعدام؟ هل هرب منهم؟ هل هذه مكيدة من البشر؟ لا نعلم أين الحقيقة والحكومة ترفض الإجابة"
ترك هاتفه مزفرًا باختناقٍ شديد، ينظر نحو الفراغ يفكر بحلٍ بتلك القضية فهذا الرجل يتستر عن أُناس بعثوه لقتل هؤلاء الثلاثة( طفل، أمرأة شابة، وشاب) ما سر قتله لهم بتلك الطريقة المخيفة ووسط الجموع دون خوف.
مسح اللواء ماجد على وجهه، يحاول فك تلك المعادلة المعقدة، إلى أن ترك العسكري يحضر له ورق صغيرة متمتمًا:
_ الرائد سعدي هيوصل كمان يومين القاهرة يا فندم تحب نبلغه بحاجة؟
نظر له قليلًا ثم قال بارهاقٍ:
_ أول لما يوصل المبنى يجيلي فورًا.
أومأ العسكري بإيجابٍ ثم غادر بعدما أدى التحية، بينما شرد اللواء ماجد بعيدًا يضرب على المكتب بأصابعه بخفةٍ متمتمًا:
_ شكل وجودك هنا في التوقيت دا يا سعدي هيكون وراه حاجة كبيرة.
**********
دلفت لغرفة جدتها تنظر نحو " ذكريات" النائمة بأعينٍ منتفخة، فتقدمت بخطواتٍ متعبة نحوه تحرك كتفها برفقٍ قائلة:
_ ذكرى.. بت يا ذكرى قومي يلا لزمًا ننزل.
فتحت عينيها بصعوبةٍ بالغة تنظر نحو فُلة بتعبٍ قائلة بصوتٍ مبحوح:
_ في ايه يا فُلة على الصبح أنا تعبانة وعايزة أنام؟
رفعت فُلة حاجبها باستنكارٍ متمتمة:
_ عم حسن يا أستاذة مش قولتلي أكلمه عشان تشتغلي معاه.
انتفضت ذكرى من الفراش بعدما تذكرت أمر عملهما سويًا بمكتب وسط البلد فلن يكفي معاش جدتها بعدما رفع صاحب المنزل الإيجار عليهما، نهضت من الفىاش قائلة بتذمر:
_ هو حتى الحزن مليش حق أخد وقتي فيه!
ابتسم بحزنٍ على ابنة عمتها تردد ببسمةٍ زائفة:
_ أحسن من إنك تفضلي شهر كامل بين أربع حيطان بتعيطي على ذكريات ناس في لحظة اختفوا من حياتك.
استدارت لها ذكرى تتقدم نحوها تضمها لصدرها بعدما فطنة حديثها عن والديها المتوفيان بحادث وظلت حبيسة منزلها حتى طردها خالها من المنزل قسرًا وضمتها جدتها بدفئة داخل شقتها ذات غرفتين وردهة صغيرة للغاية.
همست ذكرى بحنوٍ كي لا تشعر بالوحدة:
_ أوعي تفتكري إنك لوحدك يا فُلة إحنا سوا... ومش هسيبك المهم متفرطيش فيا زي الباقيين.
ازدادت فُلة من ضم ذكرى لها، تذرف الدموع بصمتٍ، بينما أغمضت ذكرى عينيها تكبح دموعها قبل أن تسيل مجددًا وتستدعي الأخريات لأن يأتوا.
مر وقت ليس بصغير ولكن انتفضت فُلة كعادتها بفزعٍ قائلة:
_ عم حسن هيقتلنا يلا اتأخرنا على الشغل وأنتِ لسه أول يوم ليكِ.
فزعت الأخرى وركضت ترتدي ملابسه فستان بني داكن وخمارًا بيج فلطالما منعتها جدتها من شراء أي شيء أسود لنفورها من هذا اللون، وكذلك ارتدت فلة مثلها باختلاف اللون الفستان كحلي وخمارًا أبيض.
غادرت الفتاتان سريعًا، يتسابقان مع الزمن حتى وصلا للمكتبة، دلفت فُلة بنهجٍ تردف وهي تتكئ على ركبتيها منحنية:
_ أنا ج..جيت...يا.. يا عم حسن.
وقفت ذكرى صامتة تحاول التقاط أنفاسها هي الأخرى ولكن لاحظت وقوف شاب ذو جسم رياضي مع عم حسن يرتدي ملابس سوداء بطريقة مريبة حتى ساعة يده سوداء لا يوجد شيء يحيد عن الأسود، وكأن خُلق هذا اللون له فقط.
فاقت من شرودها على مغادرة هذا الشاب من جوارها بخطواتٍ سريعة ولكنها قاسية عنيفة، يتصارع مع ذاته لأجل شيء غريب.
كل هذا أتى بعقلها، فاقت من شرودها على صوت عم حسن الحنون متمتم:
_ عاملة ايه يا بنتي؟
أومأت له ببسمة باهتة، مجيبة:
_ الحمدلله.
ابتسم برضٍ ثم قال مشيرًا لأرفف الكتب:
_ بصي الشغل سهل... بترتبي الكتب ولو في كتب ناقصة عرفي فُلة تكتبه، وبتحفظي مكانها.. فُلة كانت قالتلي إنك بتحفظي أماكن الحاجة كويس وشاطرة في الحساب.
أومأت له تنظر للأسفل بخجلٍ مجيبة:
_ أنا شاطرة جدًا وبحفظ المعلومات اللي بشوفها كلها وبعرف أحسب كمان بس حتة الكتابة اللي مش بعرف.
ابتسم لها بحنوٍ لزيح حرجها متمتمًا:
_ أنتِ وفُلة تكملوا بعض أنتِ إعرفي الكتب و
هي تكتب الناقص وأنا لولا الدوا اللي باخدوا بينيمني كتير كنت وقفت معاكم.
أشارت له ذكرى بسعادة قائلة:
_ لالا كتر ألف خيرك يا عم حسن إنك قبلت تشغلني.
أشار لها بجدية زائفة:
_ طب يلا وريني شطارتك في الشغل شدي الهِمة.
انطلقت ذكرى مع فُلة لتبدأ كلتاهما بتنظيف الغبار الموجود على الكتب ووضعها بالمكان المناسب.
***********
_ بس على كده يا أم محمد دا اللي حصل بعد ما الواد اترقي في الشغل.
كلماتٌ نطقت بها السيدة حميدة وهي تلوي فمها بتهكم، في حين نظرت لها الأخرى بتعجب ممزوج بضحك:
_ طب ما تقوليها كده قبل ما يروح الشغل.
زفرت محتنقة ثم قالت بصوتٍ عالي:
_ يا سعدي يا هنايا.
_ مين بينادي على سعده وهناه.
أخرج رأسه مثل الفئران من باب الشقة ينظر نحو والدته التي تجلس على إحدى درجات السلم بجوار أم محمد جارتها، عوجت فمها تشير على "سعدي" مغمغمة:
_ أدي الأهبل ابن الهبلة ابني.
عبست ملامحه ما أن استمع لكلماتها يردف وهو يخرج من الباب بعدما ارتدى حذاءه يقف بقامته الطويلة:
_ عيب كده يا حاجة... ثم أنتِ لحقتي تمسكي في جارتك أمال لو مش نقلين امبارح ولسه بنفرش الشقة.
رفعت كفها تبسطه أمام وجهه قائلة:
_ الله أكبر في عنيك القارحة..
رفع حاجبه يردف بسخطٍ:
_عيني قارحة أمال لو مش مطلعك حج بفلوسي هاه بعد ما اترقيت هاه واخده بالك.
نزعت حميدة نعلها الخفيف"شبشب" تردف بغضب:
_ أنت بتعيرني يا ابن سعد.
التصق "الشبشب" بوجهه ولم يستطع الفرار منه، ثم نظر نحوها قائلًا بضجر:
_ هو أنا معرفش أفلت من الشبشب دا!
تطلعت بنظرة فخر قائلة:
_ عيب عليك دا اللواءات اللي عندك هيجوا يتعلموا مني.
منحها نظرة ساخطة ثم عاد يضع الشبشب جوار قدمها منحنيًا كي يلبسها إياه، ثم أمسك كفها يقبله قائلًا:
_ دعوتين حلوين كده يا أم سعدي.
ابتسمت برضا قائلة بحب:
_ روح ربنا يفتحلك طريقك ويرزقك بولاد الحلال.
انطلق سعدي بعدما نحو مبنى المخابرات، يستعد لعمله ولكن بعدما انتقله في المعيشة من إحدى محافظات الريف إلى القاهرة.
وقف ببسمة بلهاء أمام مبنى المخابرات، ثم دلف داخله بسعادة غامرة، يعطي الكارنية الخاص به للأمن الواقف وما أن كشف ماهيته حتى سمح له بالدلوف، دلف للمصعد الموجود يصعد للطابق الرابع حيث يكمن مكتب اللواء ماجد وما أن وصل حتى وجد لديه اجتماع ولا بُد أن ينتظره بالخارج.
جلس على أحد المقاعد خارج المكتب ينتظر أن ينتهى هذا الاجتماع ولكن أتى له شاب مماثل له ولكن بملامح حادة غير مريحة يردف بمكرٍ:
_ أنت جاي للواء ماجد ليه؟
رفع سعدي حاجبه باستنكار يجيبه بعدم ارتياح له:
_ وأنت اسمك ايه بس الأول؟
أجابه الأخر بتعاليّ:
_ وحيد الكومي رائد هنا.
أومأ له سعدي بإيجابية، ثم ردد بسخطٍ:
_ طيب، و أنت مالك يا وحيد؟
تلون وجه وحيد بغضبٍ جامح ينظر له بحدة قائلًا بغضب:
_ أنت ناسي نفسك ولا ايه؟
ابتسم سعدي ببرودٍ قائلًا:
_ نسيت أقولك سعدي السعد رائد برضو فريحها.
نظر له وحيد بغيظٍ ثم تحرك تاركًا إياه، أشار العسكري بأن اللواء أصبح متفرغًا فانطلق وحيد أولًا نحو الداخل فضرب سعدي كف بالأخر قائلًا بذهول:
_ لا حول ولا قوة إلا بالله دا أنت ضايع.
ثم نظر بالهاتف يردف بغيظٍ:
_ أرن عليكي يا حميدة دلوقتي على الدعوة اللي جت بالمشقلب دي ولا أحرمك من أكلة الكباب اللي وعدتك بيها.
********
بمنزل نصار...
استيقاظ كل صباح.. إغتسال كل يوم... هذا الروتين الممل، اتجه نحو الخزانة ثم وقف أمام قميص أسود ( تي شيرت) مُمزّق بمنتصف بالقرب من الشمال تحديد عند موضع القلب لقد أكمل هذا الروتين ليقف عند نقطة فاصلة مؤلمة تُحي ذكريات مخيفة.
ابتسامة ساخرة، نظرة مظلمة علت محيه، ينزع قميصه ثم رفع بصره نحو المرآة المعلقة بداخل الخزانة ليرى أثر جرح مرَّ عليه عامين، تهجمت معالم وجهه بشراسة يلامس هذا الجرح يتذكر نزيفه واستغاثته لخائن انتهك حقوق الصداقة وتركه منتقمًا منه، أمسك بقميصٍ أسود فأصبح اللون الوحيد المعبر عن تاريخه.
انتهى من ربط رباط حذائه ثم تحرك خارج الغرفة بعدما وضع سلاحه بحزامه الخاص وارتدى سترته، ولكن توقف ما أن استمع لصوت والدته "داليدا":
_ أنا مش صاحبك يا نوح عشان تسبني كل يوم من غير ما تبص عليا ولا تشوف مامتك عايزة إيه!
أغمض عينيه بألمٍ، نعم أهملها مدة كبيرة، ولكن لقد غلبه الألم، هزمته تلك المعركة القاسية، استدار نحوها ثم تقدم منها يُقبل كفها قائلًا بحزنٍ:
_ ابنك اتهزم المرة دي يا داليدا هانم.
ربتت على كتفه بحنوٍ تردد بصوتٍ حنون:
_ أنسى يا نوح وعدي اللي فات مات دول سنتين يا حبيبي.
ابتسم بمرارةٍ مجيبًا بفلسفته المعتادة:
_ لقد انتهى نزيفي الظاهر أمام أعينكم وبقى نزيفي الداخلي يقطر قطرةً قطرة حتى احتضر قلبي"..
نظر لها بألمٍ ألتهم معالمه، مسترسلًا:
_تفتكري هقدر انسى وأنا كل يوم بحلم بالكابوس دا.
استدار يبتعد عنها قبل أن تعود للحديث مجددًا، يردد بعدما ارتدى نظارته الشمسية السوداء:
_ سلام.
غادر تاركًا إياها تذرف الدموع حزنًا عليه، تنهض متجهة نحو غرفتها تنفرد بها تدعو لأن يعود نحو كسابق عهده.
*********
_ صدقني يا سيادة اللوا الظابط الجديد اللي حضرتك جبته مع نوح باشا هما اللي ينفع يشتغلوا في القضية دي أولًا الظابط الجديد ميعرفش نوح باشا فمش هيعترض عليه زي غيره هنا في المبنى عارفه وعارف طباعه، وكمان نوح باشا خسارة يضيع ذكاؤه في قضايا صغيرة.
نطق بها وحيد بمكرٍ شديد، في حين نظر له اللواء ماجد بعمقٍ يفكر بحديثه، ثم نهض بعدما أومأ برأسه:
_ معاك حق نوح بقاله مدة بعيد عن القضايا الكبيرة ومحتاج أرجعه يفوق من تاني، وصُدفة كويسة إن سعدي جه عشان يشتغل مع نوح من غير ما يماطل في الكلام، لو شوفت سعدي ابعته وابعتلي نوح لما يوصل.
اتسعت ابتسامة وحيد الخبيثة، ثم أدى التحية يغادر من المكتب يرمق سعدي المنتظر بالخارج نظرة ساخطة هامسًا:
_ أبقى وريني هتستحمل المعقد دا إزاي!
ارتفع صوته قائلًا بسخط:
_ ادخل اللوا عايزك.
تعجب سعدي من طريقة وحيد المليئة بالمكر والسخط، ولكن حرك كتفه بلامبالاة، يدلف للمكتب بعدما أشار له العسكري، وما أن رأى اللواء ماجد حتى أدى التحية متمتمًا:
_ حضرتك عايزيني يا فندم.
أومأ اللواء ماجد بإيجاب يردد بنبرة آمرة لا تحتمل النقاش:
_ هتشتغل على قضية مهمة مع زميل ليك نوح نصار ومش عايز أي تراجع عن القضية ولا تبديل مفهوم.
أدى التحية العسكرية متمتمًا بتعجب وشك:
_ تمام يا فندم.
أشار له بأن يغادر، وبالفعل ترك المكتب سريعًا يشعر بوجود خطبٍ ما بعد طريقته الصارمة بشكلٍ مبالغ فيه، تحرك إلى أن وصل للمصعد يتحرك للطابق السفلي حتى وصل لمكتبه ولكن رأى عسكري بجوار مكتبه فانطلق نحوه قبل أن يدلف للداخل يتمتم بجدية:
_ تعرف مين نوح نصار؟
ارتبكت ملامح العسكري بشدةٍ، يحرك رأسه بنفي:
_ لالا معرفش سيادتك.
دُهش من طريقة العسكري والخوف الظاهر ولكن لم يرغب بإكثار الحديث ودلف لمكتبه ليراه حتى يأتي نوح نصار هذا المجهول الذي أثر فضوله قبل أن يحل ظله.
_ أنا رايح أصلي الضهر يا بنتي وجاي.
ابتسمت له ذكرى بوجهٍ متعب، تومئ له قائلة سريعًا قبل أن يغادر:
_ متنساش تدعيلي معاك يا عم حسن.
ابتسم بحبورٍ مجيبًا:
_ منستكيش في صلاتي يا بنتي ربنا يردلك حقك.
غادر عم حسن من المكتبة، بينما جلست ذكرى تمسك بقطعة قماش صغيرة تمسك على الكتاب برفقٍ تبتسم له بحب وكأنه كنز ثمين لن يتكرر بالعالم وترى مثله.
قاطع شرودها ظل اقتحم عالمها، رفعت بصرها فوجدته ذلك الغامض الذي وقف مع عم حسن ولم تعلم هويته، نهضت تاركة القماشة متمتمة ببسمة هادئة:
_ أقدر اساعد حضرتك بحاجة؟
_فين عم حسن؟
تعجبت من نبرته الحادة القاسية، وشعرت برجفة بسيط تجتاح قلبها من هيبته، لتردد بصوتٍ خافت:
_ راح يصلي الضهر لو في حاجة أساعدك فيها أنا موجودة وحافظة كل الكتب اللي هنا.
ظل واقفًا قليلًا بنظارته السوداء، لم يشء نزعها، وضع يده بجيب سرواله ثم قال:
_ عايز كتاب "أمنيتي أن أقتل رجلًا".
جحظت عينيها من طلبه، تردد بفمٍ مفتوح:
_ لا مؤخذة... إيه!
نزع نظارته لأول مرة يتمتم ببرود:
_ أمنيتي أن أقتل رجلًا.
