
رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الثاني والستون62 بقلم نجمه براقه
رحمة
سابوني اللي بحبهم، وسيبت اللي بيحبوني.
وحياتي فضيت… وصدقت إني جيت على الدنيا علشان أكون فيها لوحدي.
أتعب أداوي نفسي، أحزن أرضيها، وأواجه كل مشاكلها لوحدي
لغاية ما مشاعري اتخدرت.. فمكنتش حاسة بحاجة. واقفة قدام المرايا بحط مكياج علشان أخفي أثر صوابع صدام المعلمة على وشي لسة، بدون انتباه لأي حاجة بتحصل حوالي… ولا حتى ياسين اللي شوفت انعكاسه في المرايا من خلفي فجأة.
محستش بيه وهو داخل، ومعرفتش هل هو خبط وأصدر أي صوت أثناء دخوله ولا أنا اللي كنت غرقانة في التفكير.
التفتّ ليه ورسمت ابتسامة على وشي، أخفي وراها انزعاجي وكرهي لشوفته ووجوده في حياتي اللي كان تقيل على قلبي زي الصخرة.
أنهى المسافة بيني وبينه، حامل بين نظراته المكر اللي بيظهر بدون سابق انذار وبدون سبب مفهوم.
انهى المسافة اللي بيني وبينه بالكامل ورسم ابتسامة على وشه
حاوط وسطي بإيده وقربني منه. مقدرتش أعترض ولا أبين انزعاجي واشمئزازي من قربه وتصرفاته الصبيانية اللي مش مناسبة لسنه. وعلى الأرجح إنه حسّ، لكن ده محركش ساكن فيه. وبلمسات ناعمة أزاح شعري للخلف وقال:
ـ انتي قمر من غير حاجة… بتحطي ليه؟
تململت من بين إيديه ومبقتش قادرة أبتسم أكتر من كده، فقلت محاولة التماسك وعدم انفجاري في وشه:
ـ حبيت أغير.
أحكم إحاطته لوسطي، ضمني ليه أكتر يقيد حركتي وقال بهدوء غريب:
ـ غيري زي ما تحبي، بس انتي جميلة في عيني في كل حالاتك.
اجبرت نفسي ابتسمله، ووضعت إيدي على صدره والتانية على رسغه محاوِلة إبعاده بهدوء وأنا بقول:
ـ مالك النهارده؟
ـ مالي…
قالها ببرود، في الوقت اللي عينيه كانت مثبتة في عيني وكأنه بيدور فيها عن حاجة تأكد له سبب كرهي لقربه.
متوقفتش عن محاولاتي لإبعاده عني وقلت:
ـ مبسوط… وطالبة معاك قلة أدب…
صلحت كلامي بتلعثم:
_ أقصد ، رو... رومانسية.
ـ قلة أدب…
ضحك وأضاف:
ـ اوكي... صحيح أنا مبسوط وطالبة معايا قلة أدب… أقصد رومانسية. مش وافقتي نتجوز؟ إزاي منبسطش؟ بس أنا عايز أعرف إيه اللي غير رأيك فجأة.
وانتي لو كنتي استمريتي على رفضك، كنت هطردك؟ مانتي ليكي في البيت ده زيك زيي، متنسيش إنك إنتي هتورثي من جدك اللي ليه نص البيت ده.
ـ ما أنا فكرت مع نفسي، وفي الآخر قولت هعوز إيه أكتر من واحد بيحبني ويخاف عليّ؟
ـ ودلوقتي بس خدتي بالك؟ ولا في حاجة حصلت خلتك تطلبي نتجوز؟
قالها بمكر ونبرة يملاها شك. محستش بخوف قد ما حسيت بالقرف والكره بيزيدوا جوايا ناحيته، وفي نفس الوقت مكنش عندي استعداد أفوت من إيدي فرصة الانتقام من حسن وهو شايفني بقيت لحد غيره.
استجمعت هدوئي وقلت:
ـ أكيد حصل حاجة خلتني أطلب
ـ وهي إيه الحاجة دي بقى؟
ـ حبيتك.
بصلي بتعجب مصطنع وقال:
ـ ياااه، حبتيني مرة واحدة؟ وياترى إيه اللي جد؟
ـ غيرت تفكيري… ولقيت إني مش هلاقي حد زيك.
مجاوبنيش، نظراته كانت بتعبر عن عدم اقتناعه بكلامي.
فرجعت من تاني أحاول أبعد. لكنه فضل متمسك بيا وكأنه مش شايف ولا حاسس بمحاولاتي للبعد، وقال:
ـ ممكن ليه لا… بس أنا مبصدقش من غير إثبات. تقدري تثبتيلي؟
ـ أثبتلك إزاي؟
قولتها بخوف بعد ما شوفت نيته في نظراته..
أخد يزيح الشعر عن وشي بإيده، وفي الوقت ده إيده التانية كانت بتقربني منه أكتر... من غير اهتمام برفضي
قرب مني وهمس:
ـ مش هقولك إن فرحنا قرب ومفيش مشكلة لو عملنا حاجة دلوقتي…
استعت عيني بصدمة وحاولت أبعده لكنه تمسك بيا أكتر، وتابع:
ـ بس أنا هرضى ببوسة صغيرة.
حسيت نفسي بيضيق وجسمي بيتشنج. تمنيت لو أدفعه عني أو أضربه، لكني أجبرت نفسي أكون هادية ومضيعش كل حاجة في لحظة
فضل مستني مني رد بالقبول... فحركت راسي بالموافقة
غمضت عيني بقوة وحاولت بكل ما فيا أحبس دموعي… لكني مكنتش قادرة أخفي شعوري. إيدي مبطلتش تحاول تبعده، ولا عبس وشي زال..
لكنه اتأخر مبادرش باي فعل من اللي ناوية، وهي لحظات وحسيت إيديه بترتخي وتحررني من قيوده. فتحت عيني ببطء، وبصيتله لقيته على وشه نظرة واجمة، في الوقت اللي صدره بيهبط ويعلى حامل جواه غضب وقهر كبير… فهم كرهي ليه وان جوازي منه النهاية بنسبالي
وطيت راسي وخرجت دموعي بغزارة، فقال:
ـ بتحبيني ومستحملتيش قربي منك؟ أمال هتعملي إيه بعد الجواز؟
قولت ببكاء:
ـ أنا اتوترت، لأني مش متعـ…
بترت كلامي لما افتكرت حسن ومقدرتش أكمل. كنت حاسة بالقرف من نفسي لكنه مزودهاش وقال :
ـ روحي هاتي شوية مية أشرب.
خرجت فوراً من الأوضة بخطوات سريعة ودموعي لسه في عيني موقفتش..
فتحت الباب وقبل ما أخطي خطوة للخارج شوفت صدام قدامي، مذهول من منظري. تحرك ناحيتي وهم إنه يتكلم. اعتلى الهلع تعابير وشي، وهمست وأنا بشير لداخل بحذر:
ـ ياسين.
وقف مكانه وقال بخفوت:
ـ عمي جوه.
هزيت دماغي بالإيجاب وسيبته ودخلت المطبخ جبت مية.
ولما رجعت ملقتهوش في المكان ولقيت ياسين واقف جنب الفازة، يقلبها في ايديه يمين شمال وبيبصلها بتركيز شديد لدرجة إنه مخدش باله مني في البداية.
مدتش اي اهتمام لتصرفه ده، مكنتش اتخيل ان مسكته لفازة ممكن يكون وراها مشكلة
قربت منه وتحمحمت وأنا خافضة جفوني. التفت ليا، فمدتله إيدي بالكباية. خدها وشرب من غير ما يقول ولا كلمة. وبعد ما انتهى حطها على الترابيزة، وخرج من الأوضة على طول.
مقدرتش أتمالك أعصابي، وخرجت مني شهقات مدبوحة من قسوتها حسيت قلبي هيتقلع مني.
وأنا لسة مكاني عيني متعلقة على الفراغ اللي سابه، شوفت صدام واقف قدام الباب وبيبص حواليه استعداد للدخول.
مكنتش عاوزة أتكلم، ف تحركت من مكاني مندفعة باتجاه الباب وأسرعت بقفله قبل ما يدخل.
#ياسين
كرهاني لدرجة إن نفسها كان بيضيق مع كل ثانية بتعدي وهي بين إيديا.
كنت زي كابوس بتتمنى تصحى وتفوق منه ومتلقنيش.
دبحتني يمكن أكتر من أمها.
داليا عمرها ما اتكلمت، كانت ساكتة وبعيدة عني.
بس دي وافقت على جوازي منها علشان حد تاني
عايزة تثبتله حاجة بموافقتها عليا.
ولما طلعت اوضتي فتحت الكاميرا أتأكد من شكوكي، وشوفتها قاعدة جنب الباب مغطية وشها بايديها وبتعيط..
كنت متصور ان تصرف زي ده هيغظني، هيخليني انزل و اجهها من غير دليل.
ولكن الحقيقة انها عجزتني عن تصرف زي ده، حسستني بالاهانة في رجولتي.. خلتني اسال نفسي انا ناقصني اية، ليه لا هي ولا امها احترموني...
فضلت مراقبها وانا حاسس بكبت وقهر لغاية
ماهديت بعد ما فرغت طاقتها في العياط وقعدت مكانها ساكتة ومسهمة.
فجأة لاحظت إن إيدها اتحركت وكانها افتكرت حاجة..
خرجت السلسلة اللي لبساها من وقت ما قابلتها من تحت هدومها
ودي حاجة خرجتها عن صمتها. وخلتها تنفعل بشكل غريب
شدتها بعنف، مسكتها بين ايديها، بصتلها شوية بغيظ، وبعدين قطعتها ورمتها.
وبعدين ضمت نفسها ورجعت تعيط
عرفت انها بتاعته.
هو اللي جايبهالها.
حتت سلسلة أعرض من الخيط أغلى عندها من المجوهرات اللي جبتهالها كلها.
أنا بكل اللي قدمتهولها هي وأمها مجيش حاجة في نظرهم قدام شاكر ابن البواب… وحتت عيل يوم ما اتجدعن جاب لها سلسلة الله وأعلم دهب ولا حديد.
#حسن
في وسط الضغط وألم الصدر اللي كنت حاسس بيه، كنت بدعي ربنا خالي ينساني، ميفكرش يجيني ولا يكلمني.
لاول مره في حياتي أكره تعلقي بيه ويصبح عقدة بنسبالي بعد ما كان هو الداعم الوحيد ليا..
يمكن لأن البني ادم بطبعه مبيحبش يعترف بغلطه والاسهل عليه انه يتضايق من اللي قدامه يمكن يهون على نفسه عذاب الضمير..
وما هي إلا ساعات قليلة من آخر مكالمة بيني وبينه، لقيت الباب بيخبط..
خرجت من سكوني، ضميت قبضتي وضربتها على الترابيزة بغيظ وقلت:
ـ هو… مش هيسيبني، أنا عارف.
قومت من مكاني ورديت مضجراً:
ـ أيوة أيوة، جاي.
وقفت عند الباب قبل فتحه، أمد نفسي بشوية هدوء أخفي وراهم انزعاجي وخنقتي منه،
وبعدين فتحت الباب وانا مستعد ارد بجفا على اي كلام ميعجبنيش.. ولكنه
مبصليش حتى.
دخل شارد النظر، ورمى جسمه المثقل على الكنبة.
مخفيش عني غضبه اللي رجع يتجمع في عينه، ولا تكويره لقبضته وكأنه بيتصارع مع حد في دماغه.
كان بيظهر شعوره قدامي، ومستنيني أسأله ماله… لكني مسألتش...
قعدت على يمينه أبصله واشوف فيه تعبي..
حتى لساني مكنتش طايق إني أحرّكه بكلمة واحدة وده خلاه ينسى اللي بيفكر فيه وينتبهلي
بصلي باستغراب وقال:
ـ مالك إنت كمان؟
تنهدت وقلت بجفا
ـ مستني أشوف هتكسر البيت إمتى.
منتبهش لاسلوبي معاه في الكلام، تعلقت عينه على الفراغ وشد على حروفه بغيظ:
ـ أنا غبي… أنا أستاهل اللي بيحصل فيّ.
ـ ليه؟
فتح تليفونه وتنقل بأصبعه بين الأيقونات، وبعدين إدهولي.
مسكته منه بملل، ظنيت إني هشوف مشكلة في الشغل عنده، لكن قلبي خبط بقوة لما شوفت رحمة في أوضتها بترزع الباب من جوه وتقعد جنبه تعيط.
تخيلت إنه يكون شك في حاجة، وابتديت أجهز كلام أقوله.
قولت بلخبطة:
ـ إيه ده… إنت حاطط كاميرا في ا…
قاطعني وقال:
ـ سرعة شوية كمان، في حاجة أهم.
عملت زي ما قال، وشوفتها وهي بتمسك السلسلة اللي جبتهالها، تقطعها وترميها.
ازدردت لعابي بصعوبة وقلت بتوتر:
ـ إيه ده يا خالي؟
ـ العروسة… بتعمل كده في نفسها علشان حاولت أبوسها. مع إنها قالتلي بتحبني وإنها راضية بيّ. رحمة وافقت بسبب واحد تاني.
ـاز... إزاي يعني؟ ليه بتقول كده؟ ومن إمتى الكاميرات دي في اوضتها،.. ازاي تفكر تراقبها..
ـ كاميليا كلمتني وقالتلي إنها سمعتها بتكلم واحد بالليل. قلت أتأكد، فحطيت لها الكاميرا. وأول حاجة صورتها المشهد ده. شوفت السلسلة اللي قطعتها.
هدء روعي شوية، تنفست براحة وقلت:
ـ مالها؟
مخفيش عنه ربكتي ولكن انشغاله برحمة شغله عني وقال:
ـ لابساها من أول ما جت. مشوفتهاش ولا مرة من غيرها. بتاعته يا حسن.
ـ ما يمكن قطعتها علشان متعصبة.
ـ وهي تتعصب ليه؟ وليه تقولي حبتني وترجع تعمل تعيط غير لو كانت موافقة علشان سبب تاني. يمكن بعد عنها.
ادتله التليفون وقلت وانا مش متجرء ابص في عينه:
ـ الكاميرا في أوضتها اهي… وشوف. لو بتكلم حد هيبان.
تعلقت عينه على الفراغ وقال بتوعد
ـ هيبان… كله هيبان.
كنت مطمن إني مش هكلمها تاني، فمش هيعرف.
وللأسف مكنش هينفع أكلمها وأحذرها… للسبب ده تحديداً.
#حمزة
كنت ببص لرقمها وهي بتتصل للمرة التالتة، وعايز أرد اسمع صوتها، بس خوفي من إنها تضغط عليا خلاني امنع نفسي من الرد.
وبعد ما يأست من عدم ردي، بعتتلي رسالة. ابتهج قلبي لرؤيتها.
فتحتها ومريت بعيني على كل حرف بهدوء، وكأني شايفها قدامي وبعيش معاها اللي هي بتقوله.
_ عارف بعمل ايه دلوقتي، بعمل مكرونة بتوابل الكورية وعملت كيكة الشيكولاتة... ومعملتش حسابك، بس لو نفسك ممكن ازود... فكر ورد عليا.
لمعت ابتسامة خفيفة على وشي، ونسيت لثواني كل اللي انا فيه، وحركت صباعي على الكيبورد لكتابة الرد.
ولكن!
لكن تراجعت بعد ما رجعت افتكر انا مين وافتكر اللي عملته فيها.
يمكن لو أي واحدة غيرها أو يمكن لو اتجوزنا بطريقة تانية مكنتش هقدر أبعد عنها وهي متمسكة بي بالشكل ده.
ولكن رقية تحديدًا هي أكتر إنسان بتعذب لما بشوفه، وعلى قد حبي ليها كان كرهي لوجودها.
سيبت التليفون ورجعت أشرب، وأصوات الأغاني والدوشة حوليا من كل اتجاه، وانا واقف جنب البار لوحدي زي ما أكون مخفي عن عيونهم.
حتى الولد اللي بيكرهني مشفتهوش حاول يضايقني مرة واحدة.
ومنسي تماماً، حتى من صدام اللي مفكرش يدور عليا وسايبني..
وبعد دقايق جريت عيني على التليفون لما وصلني إشعار برسالة جديدة. فتحتها وانا عارف إنها منها، لقيتها بعتالي:
_ خلصت وباكل وانا بسمع الفيلم قليل الأدب اللي سمعتهوني قبل كدة... عارف بيعملوا اية دلوقتي؟.. بينجسوا البحر...
منفسكش تنجس البحر زيهم يا حموزتي
ابتسمت غصب عني وترددت من تاني أبعت ولا لا.
لغاية ما بعتتلي رسالة تانية وقالت، متخلية عن المرح في كلامها:
_ حياتي وحشة قوي من غيرك... ارجعلي علشان خاطري
تلاشت ابتسامتي وحسيت بضيق شديد من كلامها. وفورًا قفلت التليفون ورجعت أشرب.
وفجأة إيد لمستني.
إيد أنا عارفها كويس واتعودت على لمستها لي بالشكل ده في كل مرة.
كانت نفس البنت، جاية عندي وبتسند بكوعها على البار، وتقولي وهي بتبص لعيني:
_ يا ترى مين اللي قدر يخليك تبتسم ده؟
مجلهاش مني رد، ولكني فضلت باصصلها، وكان مياصتها قدامي بقت تجذبني.
فكملت وقالت:
_ ابتسامتك حلوة، ابقى كلمه كل يوم، أو جرب تتكلم معايا أنا، وانا هخليك تضحك مش تبتسم بس، وهنسيك كل اللي مريت بيه.
إيه اللي ممكن تعمله واحدة زي دي علشان تنسيني اللي انا فيه غير إنها تخليني أقع في نفس الغلط القديم؟
ولكن ده في حد ذاته حاجة كبيرة، إن واحدة تعوز مني حاجة زي دي وأنا في وضعي ده.
ويمكن دي أكتر حاجة كنت محتاجها بعد كل الشرب اللي شربته وجرأتها في الكلام معايا.
توقفت عن تمنعي وقلت:
_ وهتنسيني إزاي وكل دول حولينا...
"حمزة..."
جاتني الكلمة دي من خلفي بصوت ياسر.
معرفش إذا كان أنقذني من نفسي ولا بوظ عليا اللحظة، ولكن على كل حاجة حضوره بعد كل الفترة اللي مسألش عني فيها مكنش مرحب بيه..
التفت ليه وشوفته واقف بعيد عني بمسافة خطوتين وبيتفحص شكلي بذهول مش مصدق ان الشخص اللي قدامه بكل الوسخ ودقنة الطويلة وهدومه المتبهدلة هو نفسه صاحبه اللي كان مثل في الاناقة
ديرتله ضهري ورجعت أشرب من تاني. فقالت البنت وهي بتبصله من تحت لفوق:
_ مين ده؟
قال أثناء اقترابه:
_ صاحبه، شوية وتعالي.
دفعها بخفة وكأنه بيزيح شخص تقيل على قلبه.
قالت ببرود:
_ آه صح، ياسر، عرفتك.
_ عرفتي النبي يختي، روحي.
مشيت وسابتني ليه.
استدار لي بالكامل وقال بلوم:
_ إيه وصلتله ده يا حمزة..ده منظر؟
_ ماله المنظر، ابن حرام، عايزني أكون عامل إزاي؟
_ طيب تعال نمشي من هنا ونتكلم بره.
قالها وهو بيمسك إيدي. شديتها منه وقلت:
_ مش عايز أتكلم، ولا عايز أشوف حد فيكم.
_ مينفعش اللي انت بتعمله ده، انت بتضيع نفسك، أمشي معايا مش هتقعد دقيقة تاني..
مسك دراعي. دفعته عني وقلت بغضب:
_ بقولك مش عايز! إنت مبتفهمش؟ عايزين مني إيه؟ ما تسيبوني في حالي!
مرر بصره على الشباب اللي سلطوا أنظارهم علينا، وبعدين رجع بصلي وقال بصوت واطي وهو بيرجع يمسك إيدي:
_ طيب ارجع معايا، استحمى واحلق، وبعد كده اعمل اللي انت عاوزه.
دفعته عني، ومسكت إزازة الخمرة كسرتها وصوبتها عليه، وقلت بغضب أعمى:
_ قولتلك لا! أنا مش عايز أعرف حد فيكم، محدش يكلمني ولا يفكر يجيني!، كل واحد يتلهي في نفسه، امشي
ابتسم بمرارة وقال:
_ عايز تقتلني يا حمزة؟! ماشي... هسيبك دلوقتي، بس هجيلك تاني.
ربت على كتفي ومشي من غير ما يبصلي تاني...
بصيت للفراغ اللي سابه وراحت دموعي تنزل قدام كل اللي واقفين يتفرجوا عليا..
قالي بضيع نفسي بس شكله مفهمهاش كفاية
#صدام
خرجت من أوضتي بخطوات حذرة، قاصد أوضة رحمة اللي من وقت ما وافقت تتجوز عمي وهي بتتهرب مني ومش عاوزة تتكلم.
وصلت الأوضة، مسكت مقبض الباب وهميت أحرّكه، لكن فجأة سمعت صوت خبطات خفيفة جاية من أوضة بابا.
ملاني الفضول والشك خلوني أتراجع وأفلت إيدي عن الأوكرّة، وامشي لهناك.
وصلت الاوضة وقفت شوية أستنط للصوت يمكن اعرف اية اللي بيجرا جوه من غير ما اقتحم خصوصيته بشكل صريح..
ولكن مسمعتش اي اصوات تانية غير الخبطات الخفيفة وصوت انفاسه المسموعة بوضوح..
بدا الامر مريب.
دفعت الباب براحة
لقيت بابا بيعمل حركات رياضية.
ما خدش باله مني، كان مشغول قوي باللي بيعمله.
فضلت واقف أراقبه وانا مش فاهم اية السبب اللي مخلي واحد في سنة يعمل رياضة في وقت زي ده..
واثناء تدوير جسمه يمين شمال شافني، وفزع زي المجرم اللي اتمسك متلبس.
ده زود شكي فيه ويقيني إنه بيخطط لحاجة كبيرة زي انه بيحاول يخلي حركته اسهل علشان يقدر ينفذ اللي في دماغه
لكن بسرعة استعاد هدوءه وقال:
_ إنت هنا، ما نمتش ليه؟
قربت منه وقلت:
_ إنت عارف ما بنامش، إنت اللي بتعمل إيه في وقت زي ده؟
_ زي ما إنت شايف، بعمل رياضة.
_ رياضة بالليل؟
_ وهي الرياضة ممنوعة بالليل؟
_ لا، بس ما يعملهاش غير اللي وراه بطولة الصبح...
_ آه، ما أنا ناوي أرجع الشغل.
ما صدقتوش، لكني ما حبيتش أطول في الكلام فقلت:
_ مفيش شغل دلوقتي، لما تخف.
_ إنت هتقولي أعمل إيه وما أعملش إيه، ولا عشان غبت شوية هتتحكم فيَّ؟
_ أنا خايف عليك، مش عاوزك تتعرض لأي تعب أو مضايقة من حد.
_ ومين ده اللي يقدر يضايقني؟
_ كتير، الناس مش مبطلة تتكلم علينا.
_ وإيه الجريمة اللي عملناها علشان يتكلموا؟ أنا هواجه الكل، والراجل يرفع عينه فيا.
_ وهما لازم يتكلموا قدامك؟
_ أنا ما يهمنيش حد، أمك غلطت وسامحتها... هما مالهم.
تنهدت بزهق وقلت:
_ إنت لسه مصمم على كلامك ده؟ يا بابا، لو سمحت، مفيش داعي للي بتعمله. عايز تنتقم، انتقم منها، أنا مش همنعك، بس حمزة ملوش ذنب. حرام عليك، كفاية كرهك ليه من صغره. ده من وقت ما عرف وهو شارد في الدنيا، رافض يرجع بيته
قال بشفقة مصطنعة:
_ يا حبيبي يا ابني، أنا عايز أشوفه، لازم يعرف إني مش بكرهه، لازم آخده في حضني...
أول مرة أعرف إن بابا تطبع من طبعها، كأنها متلبساه، واللي بيكلمني ده هي، بس متشكّلة بشكله.
نفس القسوة، نفس المكر، نفس الشيطنة.
خرجت عن شعوري وكأني بتكلم معاها هي، مش بابا اللي طول عمري بكلمه باحترام.
وقلت :
_ كأنك خدت منها سواد قلبها وقسوتها يا بابا. وخدت ليه؟ ما كل واحد فيكم كان بيعامل واحد فينا بقسوة لحد ما عقدتونا... بس لا يا بابا، أنا اللي هقف بينك وبينه. لو عايز تقتله، خلص مني أنا الأول.
نزع عنه توبه المكر، وكلمني بصراحة كاملة وقال بتعند:
_ بتقف في وش أبوك يا صدام؟ طيب، خبيه مني. برضه هوصله وهقتله... ارتحت دلوقتي؟
_ أيوة كده، مفيش أحسن من الوضوح. بس إنت إزاي بتفكر بالشكل ده؟ هو ذنبه إيه؟ لا خانك، ولا عرف إنه مش ابنك. بتعاقبه على إيه؟ فهمني.
_ لا، أنا مش بعاقبه هو. حتى لو بكرهه، وحتى لو فاشل وحياته كلها غلط في غلط. أنا بكرهها هي وهقتله علشان أعاقبها هي.
أمك بتحبه قوي، كانت بتكرهك إنت وبتفضله عليك علشان ابن عشيقها
الست دي لعبت بينا إحنا الاتنين، خانتني وكانت هتقتلني
وإنت عملت معاك إيه؟ خلتك تقتل ابنك. واديك اهو، بتدافع عن ابنها بدل ما تجيبهولي.
_ أجيبلك أخويا علشان تقتله؟!
قال بغضب:
_ ما تقولش أخويا. ده ابن حرام، وكل من نبت من حرام فالنار أولى به. وإنت بنفسك قتلت ابنك في بطن أمه علشان تخيلت إنه من حرام. أنا أقل عنك في إيه؟ مش راجل؟
_ راجل يا بابا، وحقك. وأنا كمان حقي أحمي أخويا. محدش فينا يلوم على التاني في أي حاجة يعملها بقى. تصبح على خير.
#يسرا
على ما يبدو إن الجرح بدأ يلتئم، وأصبحت قعدة البيت تخنقني بشكل خلاني أفكر أخرج وأشغل نفسي في أي حاجة وبدات التفكير بشكل جدي لكن مكنتش عارفة اعمل اية ...
ف استنيت كتير اتصال من عيسى علشان أتكلم معاه ويلاقيلي فكرة أعملها، لكن الاتصال ما جاش.
الغريب إنه ما كانش بيقفل أصلاً، وده كان أكتر حاجة خنقاني ومخلّياني عاوزة أكسر التليفون أو أعمله بلوك وأخلص منه هو كمان...
لكن اللي منعني إني خليت احتمال إنه يكون تعبان، أو يمكن كان ده مجرد عذر علشان ما أعملش بلوك واقطع علاقتي بيه بشكل نهائي.
وبعد تفكير طويل وعشرين محاولة لحظره، قررت أبعتله وأسأله عنه.
وبعتله وقلت:
_ خفيت..
فضلت جوه الشات مستنية رده دقيقة ورا دقيقة، لحد ما رد وقال:
" أحسن الحمدلله، إنتي عاملة إيه؟ طمنيني عليكي. "
لقيت نفسي بهدى، وغيظي منه بدأ يخف واحدة واحدة... طمنيني عليكي، طول عمر الكلمة دي بتاخد قلبي وتحسسني ان اللي بيقولها كان مشغول عليا، وبذات هو
رديت وقلت:
_ تمام، وإنت؟
_ أنا الحمدلله، كنت مشغول شوية ما عرفتش أكلمك.. بس منستكش دقيقة
_ اه.. طيب ومشغول في إيه بقى؟ "
_ الشغلانة ما طلعتش سهلة زي ما كنت متخيل. كل سكان الكومباند بيبعتولي أجيب لهم طلبات، ومدام نهال ما بتسيبنيش دقيقة أقعد لوحدي لما أكون فاضي...
ما كنتش عارفة هو قاصد يضايقني ولا لأ، لكني اتضايقت.
هو عمره ما حسسني إنه بيهتم بحد غيري.
سكت ومردتش علشان ما يبانش ضيقي، لكن لما اتأخرت في الرد بعت:
" روحتي فين؟ "
_ موجودة.. بس قولت أسيبك شكلك مشغول وأنا معطّلاك.
_ ولو مشغول أفضالك . طمنيني عليكي، عاملة إيه دلوقتي، بقيتي أحسن؟
_ الحمدلله.
_ الحمدلله...
بعتها ورجع يكتب تاني، استنيت رده لغاية ما وصلني
_ مرتاحة لوحدك..
_ مرتاحة، لية
_ بطمن عليكي
_ مالك يا عيسى؟
_ مالي.
_ فيك حاجة مش مظبوطة؟
_ باين عليا يعني.. اول مرة تحسي بيا يا يسرا
مكنتش اتصور في يوم ان هحس براحة لما اعرف انه لسة بيفكر فيا ومش هيخليني لوحدي زي غيره..
ولكن مردتش بأي كلمة، مكنتش عاوزه اديله امل وانا عارفة نفسي ممكن اتغير..
ولما مردتش بعت تاني
_ في قلبي كلام كتير تاعبني . خايف أموت وما لحقش أقوله...
خفق قلبي بقوة، واستنيت رسالته من غير أي سؤال.
بعد صبر طويل بعتلي وقال:
_ أنا ما نسيتكيش ولا مقتيش تهميني زي ما قولتلك. أنا عشت عمري كله أحلم إنك تحبيني زي ما حبيتك.
ده أنا لو هحسب الوقت الحلو في حياتي، مش هيكون غير الوقت اللي عشته معاكي... عملت كل اللي اقدر عليه علشان تحسي بيا يا يسرا، ف ليه ما حبيتنيش؟
_ علشان هبلة، ومش وش خير. إنت تستاهل واحدة أحسن مني.
_ وأنا مش عايز الاحسن منك دي، انا مش عايز غيرك...
قال الكلام ده في أكتر وقت محتجاه فيه، في وقت لو ما كانش موجود وبيسأل عليا وبيهتم، كنت موت نفسي من زمان.
وده كان تحديدًا السبب اللي خلاني أسكت وما أقولش حاجة.
كنت هكون أنانية لو وافقت لأني محتجاه مش لأني بحبه.
خفت ييجي اليوم اللي أسترد قوتي وأسيبه...
اخترت أسكت، لكنه كمل وقال:
_ مش بطلب منك حاجة، أنا بس خوفت أموت وأنا شايل الكلام ده في قلبي...
نزلت دموعي على خدي، وكتبت وأنا حاسة بحزن كبير جوايا:
_ بعد الشر عنك، ما تقولش كده. أنا ماستهلكش. ومش عاوزة أعشمك بحاجة وأنا عارفة نفسي، في عِرق الندالة ممكن أتخلى عنك زي كل مرة. علشان خاطري، ما تزعلش... حتى لو محبتكش بس انا مش محتاجة غيرك في حياتي، اخ وصاحب
_ ما انا قولتلك بلاش اخ دي ومش زعلان ياستي، انا بحكيلك اللي واجعني وبس...
بدات اكتبله الرد ولكنه سبقني وبعت:
_ هكلمك تاني.
بعتله تاني أُراضيه، ما كنتش عايزاه يزعل، لكن مردش عليا مع إنه كان فاتح لفترة طويلة.
#عيسى
بسبب التعب والدوخة اللي مش بيسيبوني، حسيت إني ممكن أموت في أي وقت. فقولتلها، علشان أرضي نفسي وأعذبها بعد موتي لو كانت بتحس.
كان كله كلام خرج مني بسبب شعوري بقرب الأجل، مكنتش أعرف إن ده ممكن يحصل بجد في اللحظة اللي بكلمها فيها.
وأنا بكلمها رجعت أدوخ ويرتخي جسمي.
يدوب قدرت أكتب لها إني هكلمها تاني.
وبعدين وقعت على الأرض، وغمامة سودا غمت عينيّا مبقتش شايف.
لكن حسيت بحد بيرفعني عن الأرض وصوت بيكلمني ويقولي:
_ عيسى مالك... يا محمد تعالة
كان صوت عيد، زميلي في الشغل.
كان صوته ليه صدى بيرج في دماغي بيسببلي الم شديد زي شواكيش بتضرب في دماغي
الم فظيع غير محتمل خلاني اصرخ لغاية ما جاتني الرحمة من عند ربنا لما وقعت وبدأت كل حاجة تختفي.
مش شايف ولا سامع ولا حاسس بحاجة...
هدوء وبس.
#صدام
روحت لرقية أسألها لو في أخبار عن حمزة أو لا.
ومجرد ما وصلت الباب، فتح من قبل ما أخبط حتى.
ولما شافتني بهتت ملامحها، واعتلى اليأس تقاسيم وشها... لسبب مفهمتوش.
لكن جه على بالي إني ممكن أكون عطلتها عن مشوار.
سألتها:
_ كنتي خارجة؟
_ لا، اتفضل.
_ رايحة فين دلوقتي؟
عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم وقالت:
_ مش رايحة مكان... ليه؟
شكيت في أمرها، وقلت:
_ ليه إيه، انتي كنتي خارجة... رايحة فين في وقت زي ده؟
_ لا، أنا مكنتش خارجة، كنت بفتحلك.
_ آآه...
قولتها وأنا متخيل إن في كاميرات جوه وهي شافتني منها. وبعدين قلت:
_ طيب عرفتي أي حاجة عن حمزة؟ كلمك ولا صاحبه قالك حاجة؟
قالت بحزن:
_ بيشوف رسايلي بس مبيردش.
_ طيب أنا هكلمه... أتمنى يرد.
_ طمني. أستاذ زيدان لسه برده مصمم على كلامه.
هزيت دماغي بنفي وقلت بضيق:
_ لا، قالي إنه عايز يقتله. وأنا بدور عليه من الصبح علشان أبعده لغاية ما بابا يفهم انه ملوش ذنب.
لمعت الدموع في عينيها وقالت:
_ والله حرام اللي بيحصل ده، هو عمله إيه علشان يقتله؟
_ ذنبه إن كاميليا تكون أمه... يلا، أنا ماشي. لو في جديد كلميني