رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الخامس والستون65 بقلم نجمه براقه

رواية ابتليت بحبها بقلم نجمه براقه  
رواية ابتليت بحبها الجزء الثاني2 الفصل الخامس والستون65 بقلم نجمه براقه
رقية

ازدحم البيت برجال الشرطة ومعمل البحث الجنائي، ودكتور الطب الشرعي.
الكل كانوا منتشرين في كل زاوية من زوايا الشقة،  بينقلوا البصمات وبيعاينوا، والدكتور بيتفحص جثة حازم اللي فضلت مكانها لساعات قبل ما ينقلوها على المشرحة.

وفي وسط الأحداث دي كنا أنا وصدام قاعدين جنب حمزة اللي ما نطقش بكلمة واحدة .
الخوف كان بيزيد جوايا كل ما عين حد منهم تتوجه ليه 
قولت لصدام بصوت خافت وبتخوف:

_ هما ممكن يقبضوا عليه؟

قال بلسان يثقله الحزن رغم ثباته الظاهري :

_ على حد علمي القضايا اللي زي دي تعتبر دفاع عن النفس،  وهنشوف هيقولوا إيه.

_ لا، مش نشوف! هو مينفعش يتقبض عليه، ده كان بيدافع عن نفسه... وعني.
مستر صدام، أرجوك اتصرف.

متحملش كلامي ف زعق فيّ وقال: 

_ أتصرف في إيه؟ مش لما نعرف الأول...

الكل انتبه لينا وعلى رأسهم الظابط ف جه عندنا وقال:

_ مالكم؟

تنفس صدام بعمق وبعدين قال:

_مفيش يا فندم،  خير؟،  إيه الوضع دلوقتي؟

دار بعينه علينا كلنا بهدؤء غريب وبعدين قال: 

_ مين اللي قتله؟

قال صدام مشيرًا على حمزة:

_ حمزة... بس هو كان بيدافع عن نفسه وعن مراته.

_ انت كنت حاضر؟

"لا."

أمال بتتكلم ليه؟"

أخفض راسه ومتكلمش تاني، فتوجه الظابط لحمزة وقال وهو بيبص على دراعه اللي مفرود رغم الجبس:

_ مين اللي عمل فيك كده؟

مردش بكلمة وفضل متمسك بسكوته، فقولت:

_ هو تعبان ومش قادر يتكلم، أنا كنت حاضرة من قبل ما هو يرجع البيت وشوفت كل حاجة، تقدر تسألني.

ركز نظراته في أثر الضرب اللي على وشي وقال:

_ هو اللي ضربك؟

قبل ما ارد بكلمة، شخص اقتحم الشقة متجاوز العساكر الموجودين على الباب. حاولوا يمنعوه، لكنه كان بيتحرك بخفة متجاوز كل الأشخاص اللي في طريقه ناحية الجثة وبدأ بالتقاط الصور.
نفخ الظابط بنفاذ صبر وتوجّه ليه، وفي الوقت ده العسكري قدر يمسكه. حاول يتملص من بين إيديه وقال:

_ إيه يا أخونا، هاخد كام صورة وامشي!

وقف الظابط مقابله وقال بحنق:

_ انت بتطلعلنا منين في كل داهية نروحها؟ يعني أحبسك دلوقتي واحلف ما تخرج؟

فلت نفسه من العسكري وتقدّم من الظابط وقال:

_ حبيبنا يا باشا، صورتين بس نحطهم مع الخبر، وأنا أوعدك مش هعطل شغلكم.

مجرد ما أنهى كلامه، رفع الكاميرا وتحرك ناحيتنا وهو بيلقط لينا لقطات سريعة
خفيت وشي عنه، وصدام تحرك من مكانه علشان يمنعه، لكن الظابط زعق في العساكر بانفعال: 

_ طلعوه بره، ولو دخل تاني خدوه على القسم!

خرجوه بره البيت.
وأثناء خروجنا للمستشفى للكشف وإثبات الضرب اللي اتعرضنا له، لقيناه مستنينا وبيستقبلنا بالتصوير.

ما حاولش حمزة لحظة واحدة إنه يداري وشه عنه وكان مسلم تماماً للي بيحصل، وقام صدام بالمهمة دي.
لكن الأكيد إن صوره ونشر الخبر مش هياخد اكتر دقايق علشان الناس كلها تعرف...

#رحمة

بعد تفكير كتير في طريقة اعرف بيها اللي ياسين مخبيه عني قررت أطلع أوضة ياسين وأدور فيها يمكن يكون عنده حاجة تفيدني.. 
خرجت من الأوضة من غير أي صوت،
اتسحبت بخطوات خفيفة وحذِرة، حرص من ان حد يشوفني ويمنعني اطلع.
وفي الوقت ده 
سمعت صوت سحر جاي من المطبخ وهي بتقول بعصبية:

_ ورقة إيه اللي بتدوري عليها؟

مدتش أي إهتمام ليها وتحركت.
وبعد طلوعي درجة واحدة زيدان طالع من أوضته وشافني، ومنظري شككه فيَّ 
مشي ناحيتي وقال:

_ صباح الخير.

نزلت بهدوء ورديت بجدية:

_ صباح النور.

_ طالعة لمين فوق؟

_ مش طالعة، كنت واقفة بتفرج على المكان... هشوف سحر جهزت الفطار ولا لسه.

حسّ بالكذب في كلامي، لكنه متكلمش.
وانا دخلت المطبخ، وهناك لقيت جنى واقفة في زاوية.
وبمجرد ظهوري، عينيها جريت عليّا.
وسحر كانت واقفة عند البوتاجاز بتخفق البيض في الطبق.

قربت منهم وقلت:

_ صباح الخير.

بصتلي بصة سريعة ورجعت تكمل وهي بترد:

_ صباح الورد.

_ بتزعقي معاها ليه؟

طالعتها بنظرة سريعة وردت بتذمّر:

_ بتشغل نفسها في أي حاجة علشان متساعدنيش..

_ عيلة عايزة تلعب... روحي العبي يا جنى، وأنا هاساعد سحر.

حركت رأسها بالايجاب وتحركت مكانها قدام نظرات سحر اللي لاحقتها بسخط، فقولت:

_ عيلة، مزعلة نفسك ليه؟ عايزة إيه وأنا أعمله.

تنهدت بضيق وقالت:

_ والله يا ست رحمة أنا ما مرتاحة للبنت دي. كنت بقول عيلة وتفهم، بس حالها مايل وبقالي شوية مش مطمنالها

_ بتمد إيدها.. 

_ بتمد إيدها وبتتلكك علشان تخرج،  وبتتأخر بالساعات، دي لو مدام كاميليا لسة هنا كانت قتلتها

_ هي قريبتك؟

_ لا، أستاذ حمزة جابها من الشارع. صعبت عليه وصمم تقعد معانا هنا.

_ طيب متزعليش نفسك، نشوف تيتا وهي تتصرف معاها... قوليلي عايزة اساعدك في إيه؟

تبسمت وقالت:

_ تعيشي، خلصت.

ما عرضتش مساعدتي عليها تاني، كان عندي اللي شاغلني، فسألت بعد تردد:

_ هو انتي شغالة هنا من إمتى يا سحر؟

جاوبت وهي منشغلة بتقليب البيض:

_ من زمان، ليّ أكتر من 15 سنة.

_ ياه، ده كده انتي عايشة هنا من صغرك.

_ أيوه، كنت جيت وأنا أكبر من جنى بشوية صغيرين اساعد الست اللي كانت شغالة هنا قبلي، لغاية ما تعبت وبقيت أنا مكانها. بس الحق يتقال، مدام نادية مبتسبنيش.

_ وتلاقيكي شوفتي اللي كان ياسين مرتبط بيها قبلي؟

سكتت شوية، وبعدين بصّتلي وقالت بربكة:

_ لا والله يا ست رحمة، أنا ما شوفتش حاجة. من يوم ما جيت ما شوفتش الأستاذ ياسين مرتبط بحد.

_ ولا سمعتي إنه كان مرتبط؟

تحمحمت وقالت بتوتر واضح وهي بترجع لتسوية البيض...

_ مسمعتش والله يا ست رحمة، مبركزش في حاجة غير المطبخ...

_ لانك متربية يا سحر. 

مكنش غير ياسين اللي جنونه مخليه زي مراهق وتصرفاته مش مناسبة لسنه ولا لشكله وهيبته اللي يجبروا اي حد على احترامه.
تمالكت أعصابي والتفت له وشوفت نظراته الساخطة لي.
قابلتها بتحدي أثناء اقترابه مني وبدون خوف زي الاول 
نها المسافة بيني وبينه وقال:

_ بتسأليها ليه؟

وليت له كلي وقلت بتعنّد:

_ وانت اية يزعلك،  بدردش معاها علشان أعرف كل حاجة عن خطيبي.

لمح التحدي في نظراتي وده زود غضبه من ناحيتي، قبض على دراعي  بعنف وسحبني لخارج المطبخ قدام نظرات سحر 
مقاومتش، وروحت معاه لغاية حمام السباحة دفع دراعي وطالعني بجمود واستحقار وقال:

_ ولما إنتي عايزة تعرفي كل حاجة عن خطيبك، مجتيش تسألي خطيبك ليه؟

قلت بتحدي مستتر خلف هدوء زائف:

_ الست الشاطرة متسألش خطيبها اية اللي بيعجبه، تتجسس وتسال وتدور بطريقتها... زي بالظبط مانت بتتسحب علشان تسمع الستات بيتكلموا في إية

حد من نظراته وتقدم مني خطوة وقال :

_  انا مش بتسحب ولا انا عيل للكلام ده، بس لما تكون اللي قدامي مصدر لشك ومش مظبوطة يبقى التجسس عليها ومراقبة النفس اللي بتتنفسه واجب

نرفزني أسلوبه في الكلام فقلت :

_ بلاش طريقتك دي، مبقتش تخوّفني. أنت بتشك فيا وإنت ما شوفتش مني حاجة. وليه كل ده؟ علشان تنتقم مني بذنب واحده ختمتك على قفاك...  

صك على أسنانه بغضب، وبسرعة البرق إيده لطمت وشي بعنف. لطمة قوية دوختني وخلت ودني تصفر والأرض تتهز من تحتي.
قبض على شعري  وقال وهو بيشد على حروفه بغضب:

_ طلعتي شاطرة وعرفتي  إني اتختمت على قفايا اهو، بس أنا مش هتختم على قفايا تاني، وأنا مش واخدك من غير ذنب، إنتي الذنب ذات نفسه...

قالها ودفعني على الأرض ومشي.
ماكنتش فاهمة كلامه ولا ركزت في كلمة "إنتي الذنب"، اعتبرتها كلمة عادية،
لكن خدت كلامه وضربه ليّ تحدي، يا انا ياهو 

قومت من مكاني، نفضّت هدومي ومشيت ناحية الفيلا وانا بتوعدله برد الكف كفين .
وفي طريقي لقيت جنى طالعة من الڤيلا وبتبص حواليها بحذر كأنها خايفة حد يشوفها.
كان باين انها قصداني انا ف وقفت في انتظارها بعد ما ارتبت منها وشكيت فيها زي سحر.
وصلت عندي، فقلت:

_ مالك؟

ابتلعّث لعابها وقالت بتوتر شديد:

_ لو قلتلك حاجة هتفتني عليا؟

قلت بعدم فهم:

_ تفتني؟... افتن ليه... اتكلمي، متخافيش.

قالت بعد تردد كتير:

_اصل... أصل واحدة... ادتني ورقة وقالتلي ادهالك.

_ واحدة ادتلك ليّ انا ورقة، ليه؟

_ قالتلي ادهالك وإنها عارفة أمك...

_ تعرف أمي إزاي؟ وفين الورقة دي؟

قالت بعبس:

_ ضاعت مني وبدور عليها.

انتابني حيرة وفضول كبير لمعرفة اللي بتتكلم عنه
نزلت لمستواها، مسكت إيديها وقلت بهدوء محاولة طمأنتها:

_ طيب متخافيش، بس مين هي اللي بعتتها وليه؟

زاد توترها، وبدأت تبعثر نظراتها بعيد عني وقالت بتلعثم:

_ مـ.. معرفهاش... و، وقالتلي اقولك متقوليش لحد إنها بعتتلك.

_ طيب قابلتيها فين وإمتى؟ وإيه علاقتك بيها؟

_ إمبارح وانا بجيب حاجة من المحل قابلتني وقالتلي...

تنفست بحنق وقولت: 

_ ايووة، تعرفي عنها.... 

قطِعت كلامي لما يئست من إنها تريحني، ولا إنها تفهم اصلا ففكرت شوية عن طريقة اعرف اتعامل معاها بيها وبعدين قلت:

_ طيب الورقة وقعت فين؟

_ معرفش، أنا ملقتهاش و...

_ و إيه؟

دمعت عينيها وقالت:

_ وهي هتضربني لو عرفت إنها ضاعت.

_ تضربك ليه؟ هو إنتي تعرفيها؟

بصت حوالينها وقالت بخفوت ترتجيني استر سرها:

_ بس وسيدك النبي متقوليش.

قلت بحنق:

_ مش هقول، قولي مين هي دي.

سكتت شوية تستجمع حروفها وبعدين قالت بتلعثم: 

_ كاميليا هانم.

_كاميليا؟!!" وهي إزاي تعرف أمي؟ ماهي عرفاها... 

_ تعرف حاجة عن أمك؟

قطبت ما بين حاجبي بحيرة وقلت:

_ حاجة إيه؟...

مكنتش اتخيل ان في أسرار تاني ممكن أعرفها عن أمي أكتر من إنها طلعت غنية وهربت مع ابن البواب اللي هو بابا.. 
ولكن كلامها خلاني اشك في نفسي وكل حاجة حوليا.. فكرت شوية وانا حاسة بإنقباضة في صدري وخايفة من إكتشاف حاجة جديدة مقدرش استحملها وبعدين قولت:

_ طيب إسمعي، هجيبلك رقمي تدهولها لو قابلتيها تاني، وقوليلها إنها معرفتش تقرأ خطك ف كتبتلك رقمها

ابتهج وشها كأنها نجت من الموت في اللحظة الأخيرة وقالت بفرحة:

_ يا رب تتستري يا ست هانم.

دخلت جوه، كتبت الرقم في ورقة ورجعت ادهولها، فخطفت مني الورقة وقالت:

_ لما اروح هدهولها.

_ تروحي فين؟

اتلخبطت ومبقتش قادرة ترد وكأنها بتخبّي حاجة. فهمت وقتها إن كاميليا دساها عين ليها في البيت.
لكن ما اهتمتش بحاجة زي دي.
كنت عاوزة بس أعرف إيه اللي تعرفه عن أمي.
ويمكن دي حاجة لهتني شوية عن ياسين لوقت مؤقت... 

#ياسين

شكلها وهي بتكتب حاجة في ورقة زوّد شكي فيها، وعقلي قالي إنها بتكتب رسالة ليه.
قرّبت شاشة التليفون مني وركزت بكل ذرة تركيز عندي علشان أقدر أشوف إيه اللي بتكتبه..
لكن للأسف مقدرتش أشوف.

بس الغريب مش إنها بتكتبله، الغريب إن رغم ضربي ليها، ملاحظتش ولا ثانية إنها بتعيط ولا ضربي أثّر فيها.
وعلى ما يبدو إن إحنا الاتنين دخلنا في لعبة الفايز فيها هو اللي هيعرف حقيقة التاني الأول.

وأنا ببص على أوضتها اللي فضيت منها، وصلني إتصال من صدام سحب تركيزي عنها شوية.
رديت عليه، فجاني صوته بنبرة هادية، لكن بتخرج بجهد:

_ صباح الخير يا عمي.

ردّيت بانشغال:

_ مال صوتك؟

_ أنا في القسم .

وقفت العربية فورًا ورديت:

_ قسم ليه؟ عملت إيه؟

_ مش أنا، ده حمزة... صاحبه الزفت اللي اسمه حازم اتهجم على رقية وهي في البيت، وضربهم هما الاتنين، فحمزة ضربه بالسكين.. مات.

كان الخبر زي الصاعقة، خلاني تايه لثواني قبل ما أقول باستنكار:

_ قتله؟

_ كان بيدافع عن نفسه، لو سمحت يا عمي ابعتلي محامي، أحسن محامي.

_ طيب طيب، هجيبه وأجي، قسم إية؟ 

بعد ما قفلت معاه، كلمت المحامي وطلبت منه يلحقني على هناك.
وعند وصولي لمكتب الظابط، لقيت صدام هناك، عاقد إيديه قدامه، مستند على الحيط بضهره، وشارد كأنه شايل حمل جبال على كتفه اللي انحنى من كتر الصدمات اللي شافها.
وصلت عنده وقلت:

_ وصلتوا لفين؟

رفع وشه لي وقال بهوان:

_ بيحققوا مع رقية، وحمزة متحفظين عليه في المستشفى، دراعه اتعور وتعبان ف هيحققوا معاه هناك.

_ طيب وازاي ده كله يجرى وتوصل للقتل ومحدش منهم يفكر يبلغ ولا يتصل بحد فينا؟

_ اكيد مكنش فيهم دماغ...  هي يدوب قدرت تتصل بحمزة، رجعلها، اشتبك معاه، وبالغلط ضرب السكينة في رقبته.. وقع مات.

كان كلامه بيشعل نار جوايا، وحتى لما قال إنه قتله، مهدتش.
وكأن أنا اللي اتعرضت للغدر من حد قريب، أو يمكن كلامه داس على جرحي اللي كل ما يلمّ يرجع يتفتح من تاني، لغاية ما بقيت متعطش لدم علشان أرتاح من عذابي ده.

قلت باستحقار:

_ في ستين داهية، وقسماً بالله حمزة ما هيقعد في السجن دقيقة واحدة علشان واحد كلب زي ده

_ اللي هيفيدنا إن الاتنين مضروبين، وباين قوي على رقية أثر التعدي بالضرب وتقطيع الهدوم.

قولت بانفعال: 

_ إنه يكون في بيتهم دي لوحدها كفاية.. هو كده الوسخ يستاهل القتل، رايح يعتدي على مرات صاحبه!

بعد وقت قضيناه أنا وهو في انتظار خروج رقية، انفتح الباب وخرجت متلهفة لسماع خبر عن حمزة.
وكان على وشها آثار الضرب والعنف اللي اتعرضت له.
بادرتنا بالسؤال وقالت:

_ مفيش أخبار عن حمزة؟

قال صدام:

_ متحفظين عليه في المستشفى.

_ أنا عاوزة أروحلُه.

_ مش النهارده، مانعين حد يقابله قبل ما ياخدوا أقواله.. بكرة نروحلُه.. 

بمجرد خروجنا من القسم وتليفوني موقفش إتصالات من شركاء وموظفين ومعارف وكلهم بيسالوا هل حمزة قتل صاحبه زي ما سمعوا ولا لا.

  ولكن الغريب في كل ده ان اللي تجرء منهم إنه يقول رأيه إعتبر إن ده طبيعي، مش علشان قتل دفاع عن شرفه.. طبيعي علشان ابن حرام وممكن يعمل أي حاجة ومنهم الله حمد ربنا انه مطلعش من عيلتنا... 
وده رأي  الناس اللي علقت على الخبر اللي انتشر بسرعة الضوء.. 

#يسرا

بعد أكتر من عشر مرات دخول على شات عيسى وعلى حسابه، بحثت عنه وعن رسالة منه تطمني إنه بخير وبدون فايدة
رميت التليفون وانا الملل والضيقة بيجروا في شريني مجرى الدم...

كنت حاسة إن حيطان البيت بتضيق عليا وبتسحب مني النفس، وبفكر اتصل بيه الومه إنه سايبني لوحدي كل ده وهو عارف اني مبتعاملش مع مخلوق غيره دلوقتي..
فخرجت من البيت أشم شوية هوا يمكن اهدا شوية. وفي طريقي رحت السوبر ماركت، اشتريت شوية حاجات للبيت ورجعت.
ومن أول دخولي شُوفت مكان أشبه بمجمع زبالة.
ازعجني منظر الفوضى والزبالة اللي مرمية في كل ركن ... وكأني مكنتش عايشة فيها ولا متأقلمة معاها من شوية.
أو يمكن الجرح بدأ يلم بالفعل ومحتاجة أرجع أعيش من تاني، على الأقل في مكان نظيف وآدمي.

تنفست بعمق وقررت أغير شكل المكان.
دخلت الأكياس في المطبخ وبدأت التنضيف والمسح والغسيل.
وبعد ساعات من الشغل شُفت نتيجة تعبي على الأسطح وهي بتلمع، وريحت المعطر المنعش في الجو، والحوض وسلة الغسيل وهما فاضيّن والهدوم بريحتهم الحلوة وهما على السرير قبل الترتيب...
المنظر كان مريح وحسيت بلمسة راحة بعد تعب.
تستاهل إنّي أعمل لنفسي المكرونة بالوايت صوص اللي بحبها.
وبعد ما حضرتها قعدت في المطبخ أقلب في الطبق من غير ما أدوّق ولا لقمة ولا حتى نفسي قبلت.
وسؤال بيتردد في دماغي: هفضل كده لامتى دافنة نفسي بين أربع حيطان. مش هخرج، مش هتعامل مع الناس.
مش هشتغل ولا هفضل كده. كل ما أحتاج فلوس أبيع حاجة من المجوهرات... طيب وبعدين؟ وبعد ما يخلصوا هعمل إيه؟

ودي كانت اول مرة من وقت اللي حصل أخاف وأهتم للمستقبل، وللي ممكن يحصل بعدين، أو من موتي وأنا لوحدي ومحدش يحس.

وبعد تفكير كتير وخوف، عزمت أمري وقررت أطلع أدور على شغل، أي شغل إن شاء الله، حتى لو هقف على عربية شاي؛ المهم حاجة تشغلني 

«اليوم التالي»

#حمزة

سكوت متواصل، مفيش حاجة كانت بتكسره حتى صوت الظابط اللي مبطلش تحقيق معايا من وقت ما رجعلي تاني في المستشفى.
كنت بحس بصوته وأسئلته اللي مش بيبطلوا زي مفك بيضرب في دماغي: كنت فين؟ عملت إيه؟ قتلته إزاي؟ وصلت الساعة كام؟ جبت السكين منين؟ في خلافات خلته يتهجم على مراتك ولا لا؟
أسئلة كتير، مرة باللين ومرة بالغضب، ومفيش فايدة.
ماكنتش قادر أحرّك لساني ولا حتى عيني تتحرك ناحيته.
ولكنه كان مصمم ومش راضي يسكت  لغاية ما بقى من الصعب عليّ أتحمل أكتر من كده...

هو عارف الحقيقة، كل حاجة باينة ومش محتاج أقوالي في حاجة، ولكن أهم حاجة عنده إنه يخلص شغله ويرتاح هو كمان. 

وبعد ما يئست إنه يسيبني قبل ما أتكلم، اجبرت نفسي أرد.
أجابات مختصرة لكنها كانت كافية او يمكن رأف بحالي ومضغطش عليّ كتير. 

وبعدين مشي وسابني ضايع في عالم ظلمة مش شايف اي بريق أمل إن حياتي تتعدل تاني.
كنت جثة محتاجة بس تُدفن.

مر الوقت من غير ما أحس بيه إذا كان وقت كبير ولا صغير.
لحد ما جه الشخص الوحيد اللي ممكن يريحني... زيدان.
زيدان اللي محافظ على نفس النظرة الشيطانية اللي شوفتها في عينه وهو بيدبّر خطته لقتلي.

حركت قزحية عيني ببطء شديد وثبتها عليه اثناء اقترابه وقعاده  جنبي على طرف السرير.
أيوه، هو ده اللي يجبرني أبصله وكمان أتكلم؛ هو ده.
فضل يتأمل شكلي في صمت، كأنه بيشوف اللي عملته في الأيام وعينه بتلمع بسعادة. كان منظري مريح نفسيًا وكأن تاره معايا أنا، وأنا اللي خانته مش هي.
واخيرًا ابتسم بمكر وقال:

_ حمدالله على سلامتك، وحشتني ياحبيبي...

قالها بخبث، و زاد بنفس النبرة:

_ هما كانوا رافضين إني أدخل، بس لما قولتلهم إني أبوك وعايز أطمّن عليك دخلوني...

أضاف بعطف وعتاب مصطنعين:

_ بس إيه اللي انت عملته ده؟ قتل مرّة واحدة، يا قلبك اللي جمد... 

ابتسم وتابع:  

_بس عارف! انت طلعت راجل، انت دافعت عن شرفك زي اي راجل عنده نخوة...
لكن اللي أنا مش قادر أتصوّره إن صاحبك اللي مكانش بيسيبك لحظة يحاول يعمل اللي عمله مع مراتك... دي الدنيا مقلوبة. وكل الناس بتتكلم ويقولوا...

فكّر شوية وبعدين اضاف بمكر:

_ بيقولوا... استغفر الله العظيم يارب،  بيقولوا الواد اللي طلع أمه جابها من الحرام بعد ما خانت جوزها، قتل صاحبه علشان كان بيحاول يعتدي على مراته. فضيحة يا حمزة، فضيحة... أوحش حاجة قهر الرجالة.

تنهد وقال بشفقة مصطنعة:

_ الله يسامحها كاميليا، هي السبب. بس أنا قولتلك يا حمزة، أنا قولتلك إن أمك هي السبب في كل اللي بيحصلك واللي لسه هيحصلك وهتشوفه بسبب عملتها دي.
ست خاينة وقليلة أصل، مبتفكرش غير في نفسها. لا واللي يِجنّن إنها هربانة وسيباك تواجه الناس لوحدك... تلقيها قاعدة مع عز، اسكت، مش أنا عرفت إنها كانت بتقابل أبوك تاني. الست دي ربنا ينتقم منها، مش عارف إيه ممكن يكسرها...

بصلي بنظرة مملوءة بالمكر والخبث، اللي أكّدلي إنه ما شالش من دماغه رغبته في قتلي انتقامًا منها، وقال:

_ الست دي جبروت إيه ممكن يكسرها؟ الفضِيحة مش نافعة، البوليس مش نافع، إذلال ابنها وفضيحته قدام الناس مش نافع...
أنا مش عارف هي جنس ملتها إيه، تفتكر إيه ممكن يكسرها يا حمزة؟

قالها واستنى ردي...
ولكن معرفتش هو توقع مني أخاف من تلمحاته زي الأول ولا أقوله إني مبقاش عندي سبب واحد يخليني متمسك بعيشتي دي تاني.
قلت بصوت طلع بصعوبة:

_ إنك تقتلني...

قال باندهاش مصطنع:

_ أقتلك؟،  انت مجنون؟!،  أوعى تقول كده مرة تانية. أنا أقتل ابني؟ هي آه مخلفاك من واحد تاني خانتني معاه، بس أنا اللي مربيك ، ماسمحش لحد إنه يقربلك ولا يمسك بسؤ حتى لو كنت أنا...

ربّت على كتفي وقال وهو بيقوم:

_ ألف سلامة عليك، خلي بالك من نفسك، هجيلك تاني.

مشي باتجاه الباب وسابني أعيش تعب الأعصاب في انتظار اللحظة اللي هيقتلني فيها...
مبقيتش قادر أتحمّل، والموت بقى هو حلمي الوحيد. ناديت عليه باختناق ومعرفتش بأي اسم أناديه:

_ با... زيد...

رجع بصلي وقال :

_ بابا، أنا لسة بابا يا حبيبي. قول عايز تقول إيه؟

_ اقتلني... أنا اللي بطلبها منك.

_ العساكر برّه، خليها لما يمشوا.

ضحك وبعدين أضاف بخبث:

_ بهزر معاك. بطل سذاجة، مفيش أب يقتل ابنه... ارتاح ومتفكرش كتير... هجيلك تاني.

#زيدان

كانت حالته تسمحلي أقتله بإيدي التقيلة اللي مش قادر أتحكم فيها بشكل كويس، ولكن وجود العساكر منعني. لولاهم كنت قتلته فعلاً، ماكنتش استنيت تخف.

ومشيت من هناك، وبعد مسافة مشيتها بثقل وأنا بتسند على العصاية شوفتها...
لا مش هي، مسخ، ست كبيرة وشها مليان تجاعيد، مجهدة، هالات سودا محيطة بعينيها شبه الباندا.
وزنها نقص كتير عن آخر مرة شوفتها فيها وهي بترميني من فوق عشان تقتلني...

وبعد شهور من حرقت القلب، قدر منظرها هي وابنها يخلوني أقدر أتنفس بسهولة أخيراً.

أمّا هي لما شافتني اعتلى الرعب ملامحها كأنها شافت عزرائيل قدامها.
تخيلت إني قتلته فجت عندي وعينيها بتتوسع بهلع وقالت:

_ إنت كنت عند ابني؟

قابلت خوفها ببرود زاد خوفها أضعاف، مسكت في هدومي وصرخت:

_ عملت فيه إيه؟

ميلت عليها وهمست في ودنها قاصد اللعب بأعصابها:

_ قتلته في اوضته ومحدش حس بيا ولا شكّوا فيّ حتى، اصل زي مانتي شايفة بتسند على عصاية، ومش هتقدري تثبتي عليّ حاجة...

قولتها وبعدت وأنا بضحك بشكل لا أُراضي.
هي صرخت وطلعت تجري على هناك وهي بتنادي بصوت بيرج حيطان المستشفى:

_ ابني!

استقبلها العساكر ومنعوها من الدخول؛ زاد صراخها وهي بتحاول تفلت نفسها منهم وقالت:

_ ابني اتقتل!

اتّفزعوا العساكر وسابوها واندفعوا جوه الأوضة يتأكدوا من كلامها. هي دخلت وأرهم، وأنا مشيت مبتسم بسعادة ومبسوط بالرعب اللي سببتهولها.

#كاميليا 

دخلوا ودخلت وراهم وأنا بصرخ باسمه... كأني بسابق الزمن علشان ألحقه، أو إن صوتي ممكن يصحيه من الموت.
مفكرتش لثواني إن زيدان قاصد يلعب بي وإن مستحيل يقدر يقتله والعساكر قدام الباب.

ولما لقيته قاعد على السرير وعايش... تضاربت المشاعر جوايا بين فرحة وحزن وتوتر وذهول.
كنت زي المجنونة بجري عليه.
حاولوا العساكر من تاني يطلعوني من عنده قبل ما أوصله...
استمريت في محاولتي للوصول له وأنا بستعطفهم وببكاء:

_ سيبوني، أنا أمه، عايزة اطمّن عليه.

ارتخت إيديهم عني، بعدتهم عني قبل ما يسيبوني بالكامل
حضنته بكل قوتي وقلت ببكاء:

_ يا حبيبي يا ابني... الحمدلله انك بخير.. كانوا عايزين يحرقوا قلبي عليك ياقلب امك

كان ساكت، لا بعدني ولا حضني...
ولو وجودي وحضني ليه حركوا فيه ساكن.. 
بعدت عنه بعد دقائق من احتضاني ليه. بصيت لوشه الدبلان الساكن بدون اي تعابير ...
منظره دبحني، وانا شايفاه بعد ما كان كله شقاوة ولعب وضحك، دلوقتي ملامح الحياة على وشه اختفت تماماً.
مسحت على وشه وقلت بقلب مفطور: 

_ حقك على قلبي، سامحني، أنا اللي سمحتلهم يوصلوك لهنا، حقك عليّ... بس أنا مش هسمح لحد يزعلك تاني ولا يدوسلك على طرف طول ما أنا عايشة... هاخدك ونبعد عنهم،  هنسافر لاخر الدنيا 

ما نطقش بكلمة، لكن نظراته كانت قادرة تِموتني... كأنه بيقولي إنتي اللي عملتي فيا كده، الذنب كله ذنبك.

حركت وشه افوقه وقلت بصوت مهزوز:

_ متبصليش كده، علشان خاطري متبصليش كده. أنا بتعذب زيك وأكتر، أنا ضحية زيك يا حمزة...

ما جاوبش بكلمة. هزيت وشه اكتر وقلت ببكاء:

_ اتكلم، قول حاجة، متسكتش. هما السبب مش أنا. صاحبك اللي اتهجم على بيتك، زيدان اللي حاول يقتلك، ياسين اللي فضحك. أنا ما عملتش فيك حاجة وحشة، عيشت عمري كله أعوّضك عن قسوة زيدان عليك... أنا ماليش ذنب، هما السبب...

كانت نظراته زي السكاكين بتتغرز في قلبي... 
بكيت واترجيته ميبصليش بالشكل ده، إنه ما ياخدنيش بذنبهم، يرحم ضعفي وعجزي اللي بقيت فيه وشايفه بعيني كنت هتجنن وهو زي ماهو كلامي وبكايا مأثروش فيه.. 

معرفتش أعمل إيه ولا أقول أيّة تاني علشان يفهم إنّي ما أذتهوش... مبقيتش قادرة أتحمّل نظراته لي، هربت منهم ودرت وشي عنه وأنا بكتم صوت بكايا بيدي قدام نظرات العساكر اللي واقفين يتفرجوا ويبصّوا لبعض.

ولكن عقلي كان رافض يقبل إنه ميصدقنيش ويكرهني أكتر.
رجعت بصيت له علشان أزعقله، أضربه علشان ينزل عينه لما أمّه تكلمه...
بس اللي شُفتُه خلّاني أنتفِض من مكاني وأقع على الأرض من شدة الرعب اللي عشتها في اللحظة دي... ماكنش حمزة، كان شيطان، شخص محروق الدم بينزف من رقبته ابتسامة مرعبة شامتة على شفايفه .

زحفت للخلف مستندة على كفوفي وعيوني معلّقة عليه...
وشيفاه بيمد إيده المحروقة بحوافرها الحادة على رقبتي علشان يقتلني... 
كان بيقرب مني لغاية ما وصلني وضوافره لامست جلدي 
خبيت وشي في الأرض وجسمي كله يترعش بقوة... صرخت بهلع:

_ لا لا متقربليش، انت عايز مني...

مسابنيش وإيده لمسَتني قلت وأنا ببعدها عني:

_ بقولك متقربليش، أنا معملتش حاجة، أنا مقتلتش حد... مقتلتش حد...

مقدرتش ابعدها عني ومسكتني ورفعتني عن الأرض.
ولما فتحت عيني تجمّدت مكاني لما لقيت العسكري قدامي وهو اللي بيمسكني مش العفريت اللي كان بيطاردني..
رجعت أبص للمكان اللي كان فيه ملقيتهوش، وحمزة رجع مكانه؛ والنظرة الجافة اختفت وظهر مكانها دموع بتنزل على خده بغزارة ورجفة في فكه رغبة في البكاء...

مكلمتهوش... كنت خايفة وببص حواليّا أشوف هو راح فين وازاي ظهر وهو مش متعوّد يظهر وحد موجود جنبي.
وفجأة الباب اتفتح وشوفت صدام داخل هو ورقية كان زي طوق نجاه لي تخيلت انه هيشفق على حالي ويحميني او ان حمزة  يحكيله اللي شافه
قربت منه وانا بقول بصوت مرتجف:

_ صدام...

ارتسمت تعابير المفاجأة على وشه بس كانت مفاجأة وحشة، لدرجة إنه ما لاحظش خوفي ومحاولتي الاستنجاد بيه ولا تعبي اللي واضح وضوح الشمس على كل تقسيمة من تقاسيم وشي...
عجزي وتجاعيد وشي وهالاتي السودة المحيطة بعيني ماثروش فيه.
قابل دموعي بجفا وقال:

_ إيه جابك هنا؟

روحت بعيني مرة تانية على حمزة، استرجيت منه عطف أنه يقوله اللي شافه، يفهمه إني محتاجاه يكون جنبي، بس ما تكلمش، ولا حاول يوقف صدام لما مسك دراعي وشدني ناحية الباب، وقال وهو بيخرجني برّه:

_ عايزة مننا اية تاني،  اطلعي برّه... اعتبري ولادك الاتنين  ماتوا

طلعني برّه الأوضة. حاولت ألحقه قبل ما يقفل، أقوله اللي بيحصل، أقوله اللي عيلته بيعملوه فيا، بس مدنيش فرصة؛ قفل الباب في وشي وسابني لوحدي... 
كنت هتجنن لو عز مكنش ظهر في الوقت ده وخدني في حضنه زي كل مرة 

#رقية

كانت عينه معلقة على الباب وبيعيط من غير صوت.
قعدت قريبة منه وقولت وانا حاسّة قلبي بيتعصر من حزني عليه:

_ مشيت خلاص.. حمدالله على سلامتك 

مسح دموعه بضهر ايده ودار وشه عني.. 
مكنش قادر يبصلي ولا كان قادر يهدا.. 

قعد صدام جنبه على الجهة التانية وهو بيحاول يتماسك قدامه وقال:

_ حمد لله على سلامتك يا بطل، تسلم إيدك، مقصّرتش.

خرجت منه تنهيدة ساخرة، تنهد صدام وقال وهو بيمسك ايده:

_ هننسا كل حاجة ، ونبدأ حياتنا من جديد...

مردّش بكلمة واحدة وميل بدماغه على كتفي بتعب...

مسحت على وشه وقلت برفق:

_ عايز تنام؟

حرك دماغه بالإيجاب بحركة تقيلة، وكان حزنه مقيد كل عضلة في جسمه...
عدّلت نفسي وساعدته ينام على حجري زي ما هو بيحب،  غطا وشه بدراعه وبعد دقايق قليلة نام قدام نظرات صدام اللي بتفيض منها الحزن والانكسار والعجز قدام الحرب الجارية واللي الخصم فيها مينفعش محاربته.. 
مسح على دراعه وقال بنبرة بيحاول جاهداً إنه يخليها متماسكة قدامي:

_ مش متخيّل إنه ممكن يتعافى من اللي هو فيه، دي محتاجة معجزة...

غلبتني دموعي من تاني وقلتلُه باختناق:

_ حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم... كانت ناقص المجرم يجي يكمل عليه، ربنا يجحمه في نار جهنم هو والحقيرة التـ...

بترت كلمتي وخفضت جفوني بحرج لما أخدت بالي من اللي بقوله وإنها أمه هو كمان. فقال بهوان:

_ سكتي ليه؟ فكرّاني هزعل؟ ولا هخاف عليها من الجحيم؟ على الأقل جحيمها هيكون بعد ما تموت، إنما هي صنعته لينا على الأرض بكل شكل ولون... 

#حسن

كانت الأخبار مالية الإنترنت، لكن محدش اتصل بي وقالي لا خالي ولا أي حد من العيلة. فاتصلت بيه ولما رد علي وسألته، قالي إن اللي سمعته حقيقي وإن حمزة في المستشفى.
خدت منه العنوان وروحت فوراً هناك علشان أطمّن عليه.
وأثناء دخولي من باب المستشفى قابلني ياسر صاحبه وهو داخل بخطوات سريعة اقرب لجري.
دخلنا سوا بعد ما سألنا على أوضته في الاستقبال ولقيناه نحاطط دماغه على حجر مراته ونايم وصدام قاعد جنبه.
وده اللي لخّبطني ومخلّينيش أعرف أتكلم ولا أسأل عامل إيه.
وياسر كان نجدة ليا لأنه سأل بدلّي وقال وهو في قمة قلقه:

_ عامل إيه؟

أشرت عليه رقية وقالت:

_ زي ما انت شايف.

قرب  منه ولما لقاه غرقان في النوم قعد على الكرسي ... وفسحلي الطريق علشان أقدر أشوفه وأشوف الحالة اللي وصل لها بعد ما كان كله طاقة وحيوية وإقبال على الحياة
إنما دلوقتي بقى شخص تاني ما نعرفهوش. وكأنه كبر عمر فوق عمره
ورغم انشغالي وعطفي عليه ، ماكنتش قادر أنسى  وجود صدام وكأنه مش موجود ولا قادر أحط عيني في عينه ونفسي امشي من قدامه وخاصة لما شوفته بيوقف ويحاول يقول حاجة.. 
وبعد تردد قال:

_ إزيك يا حسن؟

ابتلعت لعابي بتوتر وبعثرت نظراتي هنا وهناك وقلت:

_ تمام، إزيك أنت؟

قال بهدوء:

_ تمام... 

رفعت جفوني ولقيت له نظرة سريعة؛ كنت عايز أشوف نظراته لي، هل اتغيرت ولا فيها ابتزاز متداري؟ والحقيقة إني ملحقتش أشوف ولا أحدد نوع نظراته.
رجعت بعدت عيني عنه وقلت:

_ ألف سلامة على حمزة، أنا جيت أطمن عليه... وهاجي تاني. عن إذنكم.

سيبتهم ومشيت من المستشفى، مع إني فكرت كتير أكلمه وأقوله ينبه رحمة بالكاميرا اللي في أوضتها، لكن مكنتش متجرّئ. يمكن الحاجز اللي اتبنى بيني وبينه بعد اللي عرفه عني وبعد كلامه عن أسباب كرهه لي كان أقوى مليون مرة من الكره اللي كان في الأول.

ياسر 

عمّ الصمت ما بين الموجودين لأكتر من ساعة، من غير ما واحد فينا يحاول يكسره...
غير لما جسم حمزة انتفض أثناء نومه، وقام مفزوع يبص حواليه بهلع، والعرق بيلمع على وشه، كأنه كان بيجري لساعات هروبًا من حاجة مخيفة بتجري وراه.

قرب منه صدام، حط إيده على كتفه وقال وسط انشغالنا أنا ورقية عليه:

_ حلم؟.

صدره كان بيعلى ويهبط، وكنت قادر أسمع دقات قلبه من مكاني.
مردش على صدام، بعد إيده عنه بضجر ورجع ينام على المخدة وكأنه محملنا كلنا ذنب اللي هو فيه 
وخبّى وشه بدراعه، وحاول يوهمنا إنه نام خلاص، بس رعشة جسمه كانت فاضحاه.

وبعد وقت، وإحنا بنراقبه، ورقية مستمرة بالمسح على راسه برفق، اتفتح الباب ودخل عسكري وراه الحج عبدالوارث، اللي شكله كان زيي لسه سامع الخبر من ساعات قليلة.

تحرك ناحية رقية اللي رجعت دموعها تسقط من عينيها من تاني لما شافته، وقال :

_ إيه اللي الناس بتقوله ده؟

مدتله إيدها وقالت ببكاء:

_ بابا..

نهى المسافة اللي بينه وبينها، ضم راسها ليه.
كلبشت في جلبيته ومقدرتش تبطل بكاء لغاية ما بعدها عنها، وقال وهو بيتفحص شكلها بتلهف وخوف:

_ مين اللي عمل فيكي كده؟

قال صدام:

_ جت سليمة يا حج، حمزة لحقها والواد اتقتل.

مشالش عينه من عليها وقال:

_ مكلمتنيش ليه؟

_ مكنش فيّ دماغ لحاجة يا بابا.. أنا بخير.

أشرت على حمزة وقالت:

_ حمزة هو اللي تعبان.

توجه بعينه عليه، ولاحظ إنه صاحي وبيحاول يتظاهر بعكس ده.
ومخفيش عننا نظرات التعاطف والشفقة اللي عمر حمزة ما كان يتخيل زمان إنها تكون من الحج عبدالوارث، اللي أهانه وأهان شرفه هو وعيلته كلها.

اشر لرقية علشان تقوم من مكانها وقعد جنبه، حط ايده على رأسه وبدأ بقراءة القرآن بصوت غير مسموع.
كان بيرقيه لدقايق متواصلة قدام نظرات الكل ليه، وخاصة صدام، اللي شوفت على وشه طيف أمل إن حمزة يلاقي حد يعوضه غياب الأب في حياته وبدت على وشه علامات الراحة.

وبعد دقايق، سكنت حركت حمزة تمامًا ونام بجد.
قام صدام، جِه ناحيتي وقال بخفوت:

_ أقولك يا ياسر؟

_ أؤمرني.

_ وراك حاجة دلوقتي؟

_ لا.

_ طيب ممكن تخليك هنا شوية، ورايا مشوار مهم ومش هينفع نسيب حمزة لوحده 

_ طبعًا، من غير ما تقول، أنا جنبه. اتفضل.

#صدام

رجعت الفيلا بعد ما تعبت، وأصبح من الصعب المواصلة من غير ما أنام شوية.
وبسبب عدم وجود طاقة للكلام مع حد، مشيت على طول لعند الباب الخلفي.
رميت الجاكت على الأرض، واترميت بجسمي على النجيلة، توسدت دراعي وبعد ثواني غرقت في نوم عميق.

مكنتش فاكر إني هقدر أنام أكتر من نص ساعة، وإنشغالي هيجبرني أصحى غصب عني، لكن بعد وقت  معرفتش قد إيه  صحيت على صوت فتح الباب وقفله.

فتحت عيني بجهد شديد، وصعقت لما لقيت النور مالي المكان من حواليّ.
ارتفعت عن الأرض بسرعة، بصيت للساعة، لقيتها سبعة وتلت.

مكنش عندي وقت أعيش الصدمة.
قُمت فورًا ومشيت خطوتين على عجلة، لكن في حاجة وقفتني.

كانت ورقة واقعة على الأرض، وباين إنها ورقة مهمة، مش اللي يتعدى عليها ومحدش يشوفها.
وطّيت جبتها وفردتها قدامي، وكان فيها كلام قليل، بس أجبرني أستعيد تركيزي في لحظة.

كانت رسالة بخط إيد أمي، مكتوب فيها:

_ إزيك يا رحمة، أنا حد يهمه امرك وخايف عليكي.. تقدري تعتبريني صديق قديم لعيلة فياض وعارف عنهم كل حاجة، وعارف كمان مين اللي قتل امك ، ابعتيلي رقمك وأنا هكلمك وأفهمك، بس متقوليش لحد من اللي عندك عشان هيمنعوكي تعرفي، وبالذات ياسين ..

كانت كاتباها بصيغة المذكر،.. مكنتش تعرف إنها هتقع في إيدي وهعرفها.

اشتعلت نفسي بالغضب، ضميت الورقة بين قبضة إيدي وقلت محدّث نفسي:

_ عاوزة تلبّسيها لمين؟.. ماشي انا هعرف ازاي اوقفك عند حد 

عقلي مكنش استوعب لسه إن ممكن تكون رحمة شافت الرسالة قبلي، ولكن ماهي إلا لحظات واتشدّ وِشي بصدمة لما تخيلت انها قريتها وكمان كلمتها وقدرت تقنعها باللي هي عايزاه
فتحركت من مكاني بسرعة، دخلت الفيلا قاصد رحمة.

كنت متمني ألاقيها هي بس ومحدش يقابلني غيرها، ولكن لسوء حظي لقتني مرات عمي، وجت عندي سألتني بانشغال:

_ صدام... طمني يا بني، أخوك عامل إيه؟ صح اللي بيتقال ده؟

_ أيوه، بس هو كويس، متقلقيش.

_ يا ربي على اللي بيحصلنا، الله يلطف بيك يا حمزة، والله الواد ده صعبان عليّ.

_ ربنا يتولاه... مرات عمي، ممكن قهوة؟ دماغي هتتفرتك من الصداع.

_ حاضر يا حبيبي، حالًا.

_ متشكر قوي.

استنيت لغاية ما دخلت المطبخ، وبعد ما اطمنت إن مفيش حد شايفني، تحركت بسرعة ناحية أوضة رحمة، ودخلت من غير ما أخبط.

كنت عايز ألحق أدخل قبل ما حد يشوفني، ولكن المصيبة إني لقيتها بلبس النوم وعلى بعد مسافة صغيرة مني.
شهقت بصدمة، فأسرعت بمسكها ووضع إيدي على بوقها، وقلت بخفوت :

_ اشش،  هيسمعوكي... أنا جاي أسألك عن حاجة وماشي على طول.   


تعليقات



<>