رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثالث والعشرون23 بقلم داليا السيد

 رواية غرام في العالم السفلي الفصل الثالث والعشرون23بقلم داليا السيد 

طلب زواج
احرق سجائرك، احرق العالم من حولك لكنك ستظل كما أنت
العابث الأزلي..
الرمادي الملتف بفضيلة تجر رذيلة..
انتهى من الطعام والسيجارة تهرع لمكانها بين شفاهه وهي تلملم الأطباق بصمت، لم تدخل الغرفة بل جهزت الطعام وهو لحق بها بملابس عادية 
أفرغ قهوة لنفسه وتحرك للنافذة ليجيب الهاتف "نعم بابا"
هتاف الرجل جعله يخفض الصوت "لا أرغب بذلك الشاب الذي لا يعرف شيء عن التمريض"
نفخ بقوة وهو يحك جبينه "بابا الشاب لم يمضي معك سوى ساعات لا تذكر"
لا أحد يمنحه راحة، الفتى لا يهتم بتفاصيل أحلام كانت تهتم بها وبدون قصد كان يقارن.. الفتاة كانت تدلل مزاجه، تمنحه معاملة مميزة وهو يرغب بتلك المعاملة..
"وأنا لا أرتاح له، لا أريده، ابحث لي عن سواه"
رائحة الكعك وصلت له.. بحثت على الانترنت ووصلت لطريقة كعك هندية وصنعته، التفت ليراها تعبث بالكعك وهي تلمس واحدة ثم تبعد أصابعها التي احترقت ثم وضعتها بفمها لتبردها
أثارت جنونه تلك الفتاة..
"حاضر بابا سأجد لك بديل"
هتاف والده جعله ينفخ الدخان بقوة.. متابعا إياها وهي تضع الكعك بطبق كبير مستمتعة بما صنعت
"فتاة وليس شاب، الشباب لا تمنح العمل حقه"
رفع وجهه والدهشة تصارع لتخرج على ملامحه بلا فائدة "حقا!؟"
سكبت العسلية الشاي بالحليب لتجلس أمامه بسعادة وتسقط الكعك به وتتناوله وهي تغمض عيونها مستمتعة بمذاقه
أحرقته السيجارة فشتم وهو يطفأها وصوت زيتون يخرق أذنه "أحضرها بالغد رشدي لن أتحمل ذلك المخبول"
ترك الهاتف وتحرك تجاها وهي لم تنظر له وهو يقف بمكانه والقهوة فقدت مذاقها أمام العسلية 
"هل ترغب ببعض الكعك؟"
أرغب بأكل من صنعت الكعك، أرغب بالعسلية..
"ليس الآن"
وتحرك لها وهي ترفع وجهها له ونظرته واضحة وهي تعرفها، ألا يتوقف؟
**** 
لا أحد هزم الحب سوى الموت..
العملاق بدا مهزوما لأول مرة عندما ظهر جسدها النحيف خلف زوجة الريس
لمعت خضراء عيونه القاتمة لرؤيتها، رمش عدة مرات ليتأكد من حقيقة وجودها.. 
"أسما أرادت الاطمئنان عليك عندما عرفت بما أصابك صفوان"
حقا!؟ هل اهتمت؟ كيف ومتى؟
لم يرد ونظراته ثابتة عليها.. ومن قوة نظراته تورد وجه أسما، سقط قلبها بالمجهول، تاه عقلها بين تلك النظرات، رحل الواقع وغاب كل من حولها وهي لا تعرف إلى أين تأخذها السفينة!؟
بحر الغرام لا هوية له.. يبحر به العشاق.. يلفهم بلا أمواج ويرحل بهم بعيدا عن الواقع
مررت ليال نظراتها بينهم، الصمت هو الظاهر لكنها تعلم أن هناك لغة مختلفة.. لغة العشق هي تعرفها جيدا ووجودها الآن لا مكان له
"أسما سأرى هارون وأعود بعد قليل"
أسما لم تراها بالأساس ولم تسمعها، فقدت التحكم والسيطرة على حواسها، فقط هو من سيطر عليها بلا كلمات
"هل أنت بخير!؟"
ابتلع ريقه.. الآن يدرك تصرفات الريس مع ليال وقت أحضرها بيته.. كان ينسى وجودهم من حوله وها هو ينسى كل شيء من حوله ولا يرى سواها
"نعم، شكرا لاهتمامك"
أخيرا تمكنت من استعادة نفسها وهي تتقدم قليلا للداخل، الغرفة جيدة ولكنها صغيرة، فراش يكفي شخص واحد وخزانة ملابس، نافذة ومائدة صغيرة، مقعدين وثيرين
"ليال أخبرتني أنك أصبت بطلق ناري"
هل سيواجها الآن بحقيقته، مغموس بالدماء، بدفاع عن النفس تحول لقاتل، برجل كل ما يعرفه كيف يستخلص المعلومات
"هذا هو عالمي، تبدين متعبة"
أخفضت وجهها ولم تجيب، توقع السبب ولم يمكنه تجاهله "والدك!؟"
رفعت وجهها له والدهشة تمنحه بريق بعيونها ولمعة دموع خجل واضحة.. هل يعلم بحقيقة والدها!؟
"لا أحد يقترب من زوجة الريس ولا نعرف عنه كل شيء"
سقطت الدمعة، دمعة العار الذي يكسوها بسبب الأب المدمن.. لم تعرف أنه يشبها.. القصة واحدة مع اختلاف التفاصيل وكأنهما اتفقا بلا اتفاق
"لا مكان للخجل هنا أسما.. تعلمين من نحن"
لم تنظر له وما زالت تتألم، تمنت أن تتخلص من عار والدها ولكنها سقطت بعار السرقة.. من حفرة لبئر عميق لا نجاة منه
"لكنك نجيت بالريس، الكل يعلم أنه لا يلطخ يده بأي رذيلة"
أبعد وجهه والحقيقة ناقصة "أحيانا نتلطخ بها أسما، ليس كل من بحياتنا يرتدون الأبيض ونحن علينا بارتداء نفس اللون لو رغبنا بالبقاء أقوى والريس هو الأقوى"
ظلت صامتة وبلحظة اندمجت فيها دموعها بألم قلبها "سرق أموال من خزانة الشركة والشرطة أخذته ولولا الريس لظل بالسجن، أنا مدينة لليال والريس بالكثير"
ودفنت وجهها بكفيها، لا تعلم لماذا حكت له، بلحظة وجد نفسه ينسى جرحه وينهض مدركا أن هارون كان على حق
لا شيء سيوقفني عنها..
لمس ذراعيها بلمسة رقيقة لا تناسب العملاق لكن تناسب فتاة متألمة مثلها
"هل تهدئي، هارون يعلم من الذي يستحق مساعدته ولا ينتظر أي ديون من أحد، هو الريس"
أبعدت يدها والدموع تلطخ وجهها والبني رحل وانسكب مع الدموع والألم وترك عيونها فارغة من أي حياة أو أمل
"أنا ملطخة بالعار، عار لا ذنب لي به صفوان، حاولت، أقسم أني حاولت أن أدفعه بعيدا لكنه لا يستجيب"
وعاد البكاء وهو لا يعرف ماذا يفعل، أراد جرها لأحضانه لكن ليس هنا وليس هو وهو بالكاد يحبو بطريق الغرام 
التفت ليجذب كوب الماء وعاد لها ليصطدم بيدها ويسقط الكوب فانحنى كلاهم والوجوه تصطدم والنظرات قريبة ودموعها لا تمنع منحه نظرة حياة حتى استدركت نفسها ورفعت الكوب الذي لم يتهشم
اعتدل غير عابئ بالألم "أسما أنا.."
"صفوان الريس.."
توقف أنس لرؤيته أسما التي ارتبكت من وجودها هنا بغرفة رجل وحدها وأنس تجمد بمكانه لا يفهم شيء عندما أوقفت ليال كل شيء بعودتها 
"آسفة أسما أني تركتك وحدك هل نذهب!؟"
بللت شفتيها وهي تنظر لليال هاربة من الرجل الذي حرك داخلها شيء، شيء لم تفهمه أو ربما تفهمه وترفض التسليم به.. حياتها جملة من التعقيدات 
والدها مدمن، سارق.. هل يمكن أن تنحل عقدها وترى السهل ولو مرة بعيدا عن الصعوبات التي لا تنتهي؟
دخوله الفراش وإغماض عيونه أخبرت أنس أنه لا يرغب بالحديث وأنس احترم الصمت وتركه وهو يحاول التحكم بنفسه، كيف أمكنه تركها دون أن يضمها ليوقفها عن البكاء؟
يمنحها الحنين الذي تطلبه عيونها، الفضيلة التي يجذبها منها والدها؟ 
هل لديه هو أي فضيلة؟ هو مغطى بالرذيلة من أعلاه لأسفله فهل ستقبل به؟
وجودها هنا مفتاح لباب انغلق بوجهه منذ سنوات فهل سيليق المفتاح بالباب؟
**** 
انتهت الاجازة يا ريس.. 
دفعت الجاكيت على ظهره ومررت يداها على أكتافه فالتفت لها وتخطت نظراته عيونها لما خلف النظرات 
"ما زلت ترغبين بالبقاء!؟"
يداها ارتاحت على صدر قميصه المفتوح بلا ربطة عنق ووجهها ارتفع له ليمتلك كل اهتمامه.. يومان اجازة أمتعته بهما بكل ما استطاعت
أراد أن يرتاح ويصفى ذهنه من كل شيء ليصل لكل ما يشغل عقله وقد فعل
"نعم حبيبي، ليس لدي عمل هام، أنا أحاول مراسلة الجامعة وطلب الدراسة عبر الانترنت ربما أذهب بعد الظهيرة"
أمسك يدها وقبل راحتها "افعلي ما يناسبك فراحتك هي كل ما تعنيني صغيرتي"
ارتفعت كعادتها ووضعت قبلة على وجنته "وصغيرتك تحبك يا ريس"
رفع حاجبه فضحكت "تعشقك صغيرتك هارون"
جذبها بقبلة طويلة ثم وضع أخرى على جبينها وتحرك خارجا تتبعه بنظراتها تدعو بسرها كالعادة أن يعود لها سالما
**** 
"بابا هذه الفتاة الرابعة التي تطردها أنا لم أعد أعرف ماذا تريد بالضبط"
ودفع السيجارة بفمه حارقا إياها وصدره معا، معلنا عن غضب مكتوم لم يعتاد على تركه يتحكم به
"نامت ونست موعد الدواء هل هذه أمينة على صحتي؟"
ضافت الرمادية دافعة الجنون لمرحلة متقدمة، وعلى النقيض، جاذبة هدوء مزيف كواجهة مؤقتة حتى ينتهي مما جاء له..
"سألتك ماذا تريد بالضبط؟ كل واحدة لديها مشكلة معك من أين سأجد ما يناسبك؟"
نظرات الرجل زاغت، مرحت بملعب مظلم لا مجال للرؤية وكشف خباياه "لو كنت تبيت بالبيت لأدركت أني على حق"
الدخان ملأ الغرفة غير عابئ بوالده المريض، العمل يأخذه ووقته الباقي مقسم بين هنا وبين العسلية "تعلم أن العمل يأخذ كل وقتي"
تحرك بعيدا بدخانه والرجل يتبعه بنظرات الشك بل اليقين "وهي!؟"
منحه نظرة عنت الكثير من ألا تتدخل بما لا يعنيك ولكن الرجل لا يستسلم "ما زالت معك أليس كذلك!؟ تلك الفتاة أحلام؟"
أحرق السيجارة وأضاء طرفها وتلوى التبغ من جهنم الذي يلتهمه "أخبرتك ألا تتحدث بهذا الأمر"
وابتعد مانحا إياه ظهره راغبا بمنع الحديث، رائحة الورد أصبحت تلتصق به.. هي من ترتب ملابسه التي تزايدت بخزانته هناك وهي من تنظفها.. 
الشقة لم تعد للمتعة يا عابث، أنت تبيت هناك، تنام غارقا بالعسلية.. 
"تمنحك الكثير أليس كذلك؟ لديها خبرة جيدة"
وثار الجنون، زلزال ضرب الغرفة، الجامد تخلى عن جموده، فقد الزمام.. اهتزت الجدران من صوته "كفى، ولا كلمة أخرى عليها هل تسمعني؟"
وصمت العجوز، لحظة إدراك.. هي ليست امرأة عابرة، هي السكن..
أطفأ السيجارة وتحرك خارجا 
****
رنين جرس الباب جعلها تترك التلفاز وتنهض لتفتح ربما رجل الأمن يمنحها شيء تركه رشدي لها كعادته لكن ما أن فتحت حتى تراجعت أمام العيون التي حملت لون القهوة أمامها تتأملها بدهشة
"نعم!؟"
طريقتها الجافة جعلته يترك عيونه تمر بوقاحة على جسدها الملتف بجينز مناسب لجسدها وقميص قصير، شعرها ملفوف بدون اهتمام فوق رأسها، جميلة جدا، جدا
"ناصر زيتون، ابن عم رشدي"
اعتدلت وقد تفاجأت مما سمعت، ماذا عليها أن تفعل مع ابن عمه!؟ ماذا تخبره؟
لم ترد، لسانها رحل عنها، سخر منها مرتعبا "افعليها وحدك، ألم ترغبي بالعابث.."
"هل تسمعيني يا.."
انتظر اسمها فالعيون العسلية أثارت إعجابه، العابث يجيد اختيار نسائه "رشدي ليس هنا"
التوت الشفاه الرفيعة بابتسامة باردة لم تعجبها، هو كله لا يعجبها رغم وسامته وأناقته، نفس غرور الجامد وربما عبثه.. والسخرية المغيظة
"ربما أنتظره، أمنحك رفقة حتى يعود"
وتحرك ولكنها دفعت الباب لتغلقه وتركت جزء صغير تتحدث منه "انتظره بمكان آخر، لا أحب رفقة الغرباء"
كادت تغلق لكنه وضع قدمه ليمنعها من غلق الباب وصوته الناعم يصحبه "لست غريب، أنا من العائلة ولدي نفس الكفاءة بإمتاع النساء"
لم ترتبك، تعلمت أن الضعف دمرها مرة وهي لن تعيد ما كان، فتحت الباب وهو ظن أنها ستمنحه الفرصة ولكنها دفعته مرة أخرى لكن بقوة على قدمه جعلته يلعن ويسب وجاذبا قدمه بعيدا مما مكنها من غلق الباب واستندت عليه وقلبها يدق بسرعة
صوتها وصله بالخارج "ليست كل النساء ممن يرغبن بمتعتك أيها.."
جلست تستجمع نفسها وهي تدرك أن رجال تلك العائلة كلهم متشابهين
**** 
لم تنظر عندما انفتح باب مكتبها لكن صوته جعلها تقفز بسعاد "تفتقديني!؟"
بلحظة كان يتلقاها بين ذراعيه، لا تلقي للعقل بالا وهي معه، يلفها بذراعه ويرفعها من على الأرض ليأخذ فمها بقبلة طويلة مهلكة كما يخبرها وكأنه لم يكن معها بالصباح ولكنه يفتقدها بمجرد خروجها من أحضانه
هو مجنون بالصغيرة.. عاشق يهيم بملكوت الله فاقدا عقله ولا يهتم سوى بالصغيرة التي تسربت تحت جلده، سكنت شرايينه.. أصبحت دقة من دقات قلبه بها يحيا وبدونها يموت
هي المسك.. هي فانيليا حياته
"أفتقدك وأنت بين ذراعي صغيرتي"
تنفست وهو يعيدها على الأرض وعيونها ثابتة على عيونه، قلبها على صدره يدق من أجله "وصغيرتك لا ترغب بالخروج من بين أحضانك أبدا حبيبي"
دفن رأسه بين خصلات شعرها مستمتعا بالفانيليا "هل يمكن أن يتوقف حبك لي ملاكي"
قلبها يهرع خلف دقاته ويداها تشتد حول عنقه "بموتي هارون، يوم يتوقف قلبي عن النبض يوم أتوقف عن حبك"
قبلة وضعها على عنقها "وحبك أغلى هدية لي من الله صغيرتي"
اهتزاز هاتفه فصلهم وهو يجذبه من الجاكيت دون أن يفلت صغيرته "صفوان"
"الرجال تنتظرك بالعاشرة"
"الجميع حر حتى العاشرة صفوان"
**** 
وصل صفوان الفندق وعيونه تبحث عنها، لم يرها منذ زارته بالبيت، كان ما زال بالفراش وبعدها أعمال الريس خارج الفندق ولم يمكنه رؤيتها
نظراته تجولت هنا وهناك، موظف الاستقبال واجهه "سيد صفوان"
"هل أعددت ما طلبه الريس"
أجاب الرجل بجدية "بالطبع وتم ارساله لمكتب الباش مهندسة"
ليال هنا، إذن ربما أسما هنا أيضا، لا يعرف مواعيد عملها..
تحرك للمكاتب حيث التقى بأنس الذي تناول العصير "مرحى متى وصلت؟"
نظراته تجولت على الأبواب المغلقة "منذ قليل، أين الريس؟"
أبعد أنس وجهه "بمكتب ليال، متى سيبدأ الأمر؟"
أخفض صوته "العاشرة، أنت باقي من أجل ليال"
نفخ بضيق وتمنى لو أمكنه الاعتراض "نعم، منذ تسلل والدها بالبيت وأنا لا أفارقها"
لم يهدأ قلبه وكاد يتحرك باحثا عنها عندما رآها تخرج من غرفة الموظفين فارتدت له روحه ونظراتها تقف عنده كما هو..
توقفت أمامهم وتوردت وجنتاها ولم تخفض وجهها بل ظلت تنظر له وكأن أنس اختفى رغم أنه راقب المشهد بدهشة 
كانت تحدق به وقد افتقدت رؤيته بالأيام الماضية، لم يأتي وعرفت أنه مع الريس، ظله، رفيقه الذي لا يفارقه لذا رؤيته الآن أوقفت كل شيء حولها
"مرحبا صفوان"
استعاد بعض من الهدوء الذي عرف عنه وثبات الرجال المعروف "مرحبا أسما، كيف حالك؟"
وجهها كان أفضل من يوم زارته، ليال لم تخبره عنها شيء وهو انشغل مع الريس لكن ملامحها تخبره أنها مستقرة وهي بالفعل كانت، والدها لقى رفض من فتحية بعد موضوع السرقة وهكذا رحل القلق 
"بخير وأنت؟"
لم يهتم بسؤالها بل استبدله بسؤال آخر "هل نتحدث قليلا!؟"
لم تمانع بل هزت رأسها بالموافقة وتحركا معا وكأن أنس لم يكن موجودا معهم وهو تراجع بدهشة مما يراه، رؤيتها بالبيت كان مبرر لحد ما لكن ما يحدث أمامه الآن شيء آخر
صفوان!؟ لا أحد تخيل أبدا أن يفكر صفوان بامرأة وعلاقة، المرأة لم يكن لها مكان بحياته ولكن الأمور لا تبقى على حالها وها هو يقف أمامها وكأنه تلميذ يفقد الإجابة بلحظة ارتباك
تحركت معه ولا تهتم بالنظرات من هنا وهناك، هي موظفة وهو الرجل الأول ولا أحد يجرؤ على النظر حتى له 
دخلا الملهى وهي لم تمانع، تركته يختار ما يناسبه، معه بدت فاقدة للوعي، يقودها بلا أي مجهود وهي طائعة  
اختار لهم مائدة جانبية وما زال الوقت مبكرا للصخب والزحام فارتاح للهدوء من حوله غير عابئ بالدهشة بعيون العاملين، صفوان وامرأة! معادلة ليس لها حل..
تحرك الرجل له منتظرا أن يطلبا "سيد صفوان"
منحه طلباتهم وعاد لها ونظراتها تحتوي كل ما حولها دون الثبوت عليه، جبانة ترفض المواجهة، بل تخاف 
"يعرفونك؟"
نظر حوله مدركا النظرات التي اختفت عندما رفع وجهه لهم ثم عاد لعيونها الخجلة ووجهها المتورد "نعم، هنا عملي"
أخفضت وجهها وهي تدرك غباءها بالسؤال لتسال بغباء مرة أخرى وكأنها نست عقلها خارج الباب "منذ متى تعمل مع الريس؟"
أخفض وجهه لسطح المائدة هو يعلم أن علاقته بأي امرأة ستقام على أنقاض عمله وماضيه ومع ذلك هو لن يتبدل
"منذ كنت بالرابعة عشر، هارون أخ وصديق، هو وأنس وليال عائلتي الوحيدة" 
ظلت تنظر له والرجل يضع المشروبات، هي نفس كلمات ليال، عندما أخبرتها عن الحراسة وخوفها منها أجابت "هم إخوتي، عائلتي التي لم أنال مثلها من قبل" 
"أحيانا أحسدها عليكم وأندهش كيف بوقت قصير أصبحت هكذا لكم؟"
ابتسم لذكر المرأة التي هي سبب ما يدور الآن، منحته أول الخيط وهو يتمسك به "نحن نعرف ليال منذ سنوات كثيرة أسما، أسما اسم جميل"
تورد وجهها والنظرات ثابتة حتى عندما تناولت العصير ظلت تبادله النظرة، ترى بعيونه الاهتمام، الصدق والجدية، هي تعرف ذلك عنه، لا نساء ولا علاقات
هو رجل لا يعرف سوى عمله، حماية الريس والعقاب
"ماما هي من منحته لي، قالت إنها شاهدت مسلسل تركي والبطلة كانت تحمل الاسم"
هز رأسه وليس هذا ما يهمه ومع ذلك لا يعرف من أين يبدأ "تفتقدينها!؟"
ندم لتقليب الذكريات خاصة عندما تركته عيونها للعصير "بالطبع، تعلم ما أعانيه مع بابا وحدي، كانت تهون علي كل شيء"
"آسف، لم أقصد إثارة أحزانك"
عادت النظرات لتتواصل حتى رن هاتفه فأخرجه ليرى اسم هارون وهو يقول "هل اكتفيت؟"
تراجع وهو يدرك أن الخبر وصل الريس فأبعد وجهه وأخفض صوته وبنية العيون تشرد بعيدا تمنحه الخصوصية "هل تمزح؟"
لمعت عيون الريس ببريق غريب، ما زال ينتظر تقلب حال حارسه وصديقه "نسيت العمل بوجود امرأة؟"
تنفس صفوان والمزاح ليس الآن يا رجل "أنت آخر من يتحدث عن ذلك"
التفت هارون لصغيرته التي كانت تحتل مكانها بسلطة على ساقيه، تغرقه بالفانيليا وتداعب خصلات شعره وتلفه بالحب 
"حقا؟"
نفخ صفوان وبدأ الضجر بصوته "هل تريدني؟"
المزاح احتل نبرة الريس مع صديقه الذي لا يعرف المزاح والآن مزاجه تعكر "وكأنك تقول اذهب للجحيم"
تنفس صفوان راغبا بوضع قبضته بوجه هارون لولا أنه لن يستطيع "أنت الريس"
المزاح لم يترك الريس وهو يضع قبلة على راحة صغيرته "حسنا عفوت عنك ولكن أريد تفاصيل"
"سأفعل والآن هل تغلق يا رجل؟"
أغلق الريس وأفرج عن صديقه وعاد لصغيرته "تعبثين بالرجال صغيرتي"
ضحكت ببراءة غير حقيقية هو يدركها ويرحب بها، الدلال يأخذ عقله وقلبه..
الفانيليا تلفه على إصبعها الصغير وهو لا يعترض 
"أنا!؟ أنا بريئة حبيبي، هو رجلك من زاغت عيونه على الفتاة"
اعتصرها بين ذراعيه وابتسامة تداعب شفتيه، هي من تعرف كيف تجعل الريس يبتسم ولها هي
هي من توقف كل العالم حوله وتصبح هي العالم وهو يكتفي
"حقا!؟"
ضحكت ووضعت قبلة على شفتيه ويداها تعبث على صدره الذي اخترقته من بين فتحة قميصه "هو رجل يا ريس، إنسان له قلب ومشاعر"
خصلاتها تبعثرت بين أصابعه وصوته لمس قلبها من حنان ملأ نبرته "هو أنت ملاكي، أنت من خلق أجواء جديدة بيننا"
منحته نظرة حب وامتنان، نبضة قلب له هو، لمسة حنان على وجنته وقبلة بريئة على شفتيه "لأنكم أنتم أفضل عائلة حظيت بها حبيبي"
أكمل قبلتها بأخرى مفضلة لها حتى قضم شفتها السفل برفق وأفلتها 
"أحتاج للذهاب، هل ملاكي يتركني أذهب الآن؟"
"ليتني أستطيع منعك عن تركي لحظة واحدة"
**** 
عاد صفوان لأسما التي ما زال وجهها متوردا، هذا العالم ليس عالمها، عرفته منذ عملت مع ليال لكنها لم تغمس نفسها به
"أنا طلبت التحدث معك لأن هناك سؤال هام أرغب بإجابته"
حدقت به وعيونها تائهة، ضائعة ولكن عندما تتواصل مع نظراته كل السفن الضائعة ترسو على مقلتيه وتنسى التيه
"أي سؤال؟"
لم يتردد ولم يرتبك، هكذا هو المنفذ "هل بحياتك رجل!؟ مرتبطة بأي أحد؟"
"لا"
هي الأخرى اتخذت الوضوح طريق، الخجل موجود، الارتباك واضح لكن بتلك الأمور لا مجال للتفكير
"لم أملك وقت لأي رجل لدي ما يكفيني صفوان، حياتي ليست أفضل شيء"
تفهم وارتاح من البداية ولم يرتد عن خطواته التي بدأها "ولا أنا، تعرفين جيدا من أكون، كلنا بنفس المركب أسما لذا أنا.."
كاد يسدد الهدف لكن هاتفها صرخ برنين مرتفع مخصص لوالدها فأسرعت تخرجه بارتباك لاحظه وانزعج منه "بابا"
تراجع صفوان.. شحوب وجهها منحه رؤية عن حالتها مع ذلك الرجل الذي هتف بابنته "أين أنت؟ أريد مال، الزجاجة فرغت"
ارتبكت وتقريبا نست صفوان "بابا هل تهدأ أنا بالعمل؟"
لكنه لا يعقل ولا يفهم، هي تدرك تلك الحالة وعلاجها الوحيد الزجاجة
"أريد الزجاجة وإلا سأحطم كل شيء وهذا الباب الذي تغلقينه، سأحطم كل شيء"
نهضت، هرولت بلا وعي والفزع بصوتها، جراحه منعته من اللحاق بها بنفس السرعة وهي لا تسمعه وسيارة الأجرة تنطلق بها مبتعدة وصوت الريس يوقفه 
"ماذا حدث؟"
التفت لهارون والرجال من خلفه، إنها العاشرة وهو لم يدرك ذلك وهي سرقت انتباهه ورحلت
لمعت عيون هارون على ملامح صفوان الشاحبة ثم نبرة الأمر انطلقت "إلى السيارات"
الصوت أعاده من الحالة التي سقط بها وهارون اقترب منه والتقت الوجوه بجدية "هل حدث شيء؟"
استعاد نفسه أخيرا "والدها هاتفها فنهضت مفزوعة ولم ألحق بها"
ظلت العيون ثابتة حتى ربت هارون على ذراعه "يمكنك اللحاق بها، تعرف عنوان بيتها"
اعتدل بوقفته واستعاد جديته وصرامته "لن أتركك إلا بموتي"
هز رأسه ولم يزيد ورجل الأمن يفتح له باب السيارة منتظرا إياه فتحرك ودخل وصفوان تحرك لمقعد القيادة وانطلق والسيارات خلفه
ما زال الانتقام لم ينتهي والريس لا يترك حقه ناقصا..
"هل تحدثتم بشيء!؟"
انتبه للطريق وعقله جزء منه ما زال معها "فقط عرفت أن ليس بحياتها رجال"
أبعد وجهه للخارج، الكورنيش بدأ يروق من الازدحام، الدراسة اقتربت والمصطافين تعود ديارها
"تعرف من أنت وكيف هي حياتك؟"
تنفس رغما عن ألم صدره مدركا ما يرغب هارون بقوله "سأخبرها كل شيء هارون، لن أبدأ قصة من النهاية"
تفهم كلمات صديقه "بيوم ما وضعت حياتي حاجزا بيني وبين قلبي وأدركت خطأ ما فعلت ولا أرغب بأن تفعل مثلي صفوان، لو أحبتك ستترك العالم من أجلك"
حدق به صفوان مدركا كل كلمة قالها، أضاع عشر سنوات من عمره خائفا من مواجهتها بمشاعره بسبب حقيقته وهو نادم لذا عليه ألا يفعل المثل إما نعم وإما.. نعم
لا كلمات تمحو ما كان يشعر به الريس الآن فقط وجودها والسعادة التي تمنحها له هو ما يمحو الماضي
**** 
لم تفكر بشراء تلك الزجاجة الملعونة وهي تهرع للبيت وذلك الرجل، صبحي صاحب القهوة يوقفها "أهلا يا باش مهندسة، تفضلي"
وجهها الشاحب، أنفاسها المتقطعة كانت تعني اتركني ولكنه لم يفعل "آسفة، لا وقت لدي"
ابتسم بأسنانه الصفراء المعوجة وعيونه تلمع عليها كما يفعل كلما رآها، لم تفكر أن تجيب بطريقة سيئة بل كانت ممتنة لكل أهل الشارع لمساعدتهم لها ببعض الأحيان، صاحب البيت فقط من كان يهاجمها من أجل الأجرة ولكنها تمنحه القليل كل وقت ليكف عن الصراخ بوجهها
"بل لديك لقد أرسلت حوده له بما يريد وهدأ هل تجلسي وترتاحي قليلا"
تلجم لسانها، تلك أول مرة يواجها أحد بالأمر جهرة، برقت عيونها البنية بوجه الرجل ولم تعرف ماذا تفعل..
جلست رغما عنها، نظراته تعني الإصرار على البقاء وأن تستمع له وهي فعلت ولكنها لا تفهم ماذا يريد؟
"ماذا هناك!؟"
جذب مقعد وجلس أمامها وهي تدرك من لمعان عيونه أنه يخفي شيء لن تحبه ولن ترغب به "أعلم أن المسؤولية كبيرة على فتاة صغيرة مثلك ولابد من أحد يحملها معك"
رفعت خصلة شعرها القاتم لخلف أذنها بأصابع غير ثابتة "أحد!؟ أي أحد؟"
ابتسم بنفس الأسنان المقززة، هو تخطى الاربعين وزوجاته يتصارعن عليه بلا سبب واضح لها وأولاد تلعب بالشارع طوال اليوم وهي لا تفهم ماذا يريد منها!؟
"زوج"
جذب انتباها كله.. هل يعمل خاطبة تلك الأيام تاركا معلمة القهوة؟ ولماذا هي وظروفها الجميع يعرفها؟
"أنا لا أفكر بالزواج"
أرادت رد آخر، لا دخل لك بحياتي لكنها اختارت الأفضل مؤقتا، لم ترحل ابتسامته ولم يخفي لمعان عيونه عليها "ولم لا؟ هناك من يتمنى رضاك، كلمة واحدة منك وكل ما تطلبينه مجاب"
نهضت واقفة والإصرار بدا على ملامحها "أخبرتك أني لا أفكر بالزواج اسمح لي"
جسده سد طريقها وتبدلت الابتسامة لتذمر وتكشيرة واضحة "انتظري أنا لم أنتهي من كل ما لدي، ربما عندما تعرفي العريس يتبدل رأيك"
شحب وجهها، ألا يفهم ما قالته
اقترب خطوة تراجعاتها بالحال بلا اهتمام بما خلفها ووجهه يخيفها لأول مرة "أنا.. أنا لا.. اهتم بمن هو"
لكنه لم يتوقف "وكيف ذلك وأنا العريس!؟"
رفعت يدها على فمها لتكتم تلك الشهقة التي أعلنت عن الرفض، الدهشة ،الفزع وعدم توقع ما قاله
**** 
الظلام حقا خير ستار يمكن أن تختفي الجيوش تحته وقت الحرب
تحرك هارون ورجاله بالقرب من المبنى الذي اتخذ أرض منعزلة مقر له بعيدا عن باقي المباني الصغيرة المتناثرة بالمنطقة المعزولة..
أشار هارون للرجال فتحركوا تبعا لخطته وهم ينهون الرجال التي كانت تحرس المكان وتسلل هو باحثا عن مكان يدخل منه 
نافذة خشبية قديمة متهالكة ظهرت أمامه فدفعها بلا مجهود لتنفتح مما شجعه على أن يقفز بخفة للداخل وبحرص حتى تبعه سعد ورجل آخر من الرجال... وضع أقدامه على الأرض مستكشفا المكان  
غرفة مظلمة لا يتضح بها أي شيء، أضاء سعد كشاف يدوي والسلاح بين أصابعه جاهز للانطلاق وكاتم للصوت لا يفارقه 
عثر هارون على الباب ففتحه ورأسه يمتد للخارج ليرى ممر طويل وغرفة بنهايته مفتوحة وبالجهة الأخرى غرفة أخرى مغلقة، أشار للرجل تجاه الغرفة المغلقة وسعد معه وتحركا بوقت واحد بخفة وهارون يلتصق هو وسعد بالحائط حتى اقترب من الباب واستمع للصوت 
"لا، أحضري العدة واتبعيه هو يريدك"
كان عليه أن يتحرك قبل أن يخرج أحد، رأى المرأة بمواجهته فلف يده حول عنقها وكتم صرختها وهو يوجه مسدسه للرجل الذي كان يقف أمام جسد ممدد على الفراش أمامه ويرتدي ملابس الأطباء 
رفع الرجل ذراعيه للأعلى على الفور وهارون يواجه "أين هو؟"
دون أن يستفهم الرجل عن قصد هارون أشار بيده للأعلى "بالأعلى، هناك رجال كثيرة"
والتفت الرجل ليجذب مسدس ولكن هارون أدرك فعلته فأطلق رصاصته وأردعه بالحال ثم ضرب المرأة على رأسها فسقطت فاقدة للوعي وتحرك  
"قيدها"
ما أن خرج حتى تراجع من طلق ناري كاد يصيبه فتبادل طلق النار حتى أردع الرجل الذي كان يطلق عليه وسمع طلقات نارية بكل مكان من حوله 
خطا للممر وسعد يتبعه "بالأعلى يا ريس"
"افتح للرجال"
وأسرع للسلم لكنه تراجع عندما رأى رجل يهرع نازلا ويطلق نار، انتظر حتى توقف الرجل وأطلق هو ليصيبه فيسقط متدحرجا على السلم وهارون يقفز فوق الدرجات وصوت الطلقات لا يتوقف  
ظهر ممر طويل آخر فتحرك بحذر ليرى رجل آخر يخرج مسرعا ويصوب له وأطلق فسقط هارون على الأرض متحرجا وهو يطلق مسدسه فتراجع الرجل وهارون يقف ويتحرك باتجاهه والرجل يخرج ليطلق 
هارون لم يتعلم الرماية هباء، طلقته أصابت الرجل بالحال فسقط ومن بعيد خرج آخر باحثا عن مصدر النيران لكن هارون أردعه بلا تفكير حتى وصل للغرفة وهناك وجد ضالته يحاول الهرب 
"إلى أين يا دكتور؟"
التفت الرجل لهارون الذي لم يتفاجأ لرؤيته، الرجل كان طبيب مشهور ولأنه أجرى جراحات غير قانونية تم شطبه من نقابة الأطباء لذا اتخذ هذا الطريق، بيع الأعضاء والاتجار بها ليكون ثروة ضخمة ويلمع بسماء عالمه
هارون لم يفكر بوضعه بطريقه لكن وجوده بطريق ليال جعله على رأس القائمة
تلك البصمة التي وجدها عزيز كانت لتلك المرأة التي تعمل مع الدكتور ومنها وصلوا لمكانها حيث منحتهم كل ما أرادوا عن الدكتور 
خطوات ثابتة من الزعيم تجاه الطبيب المهتز داخليا، محاولا الثبات أمام عدو يعرفه جيدا "من الجميل رؤيتك هارون"
أخفض هارون سلاحه والثقة لازمت الريس، الخوف لا يعرف طريقه له والآن هو يحقق جزء من انتقامه لن ينتهي إلا بالرأس 
تأمل الغرفة التي بدت مكتب قديم وكل ما به متهالك "أنت مليونير وتتخذ مكان كهذا مقر لك!؟"
ابتسم الرجل ببرود وبدا أنه استعاد قوته الظاهرية، رجل يتعامل مع المشرط بدم بارد، يسرق أعضاء البشر بلا أي رحمة لمجرد الحصول على المال 
"وأنت كنت تعيش ببيت لا يذكر حتى تزوجت"
وافقه هارون مدركا أن الرجل عرف عنه الكثير "أهنئك على أنك تعرف عني الكثير في حين أنني عرفتك مؤخرا"
صوت صفوان من خلفه لم يقطع نظرات الرجلان ولا المواجهة الواضحة بينهما "المكان لنا يا ريس"
رمق الدكتور صفوان بنظرة حادة وكأنه يحاول تذكر من هو بينما تحرك هارون لمقعد وجلس بغرور واضح.. نبرته الآمرة أعلنت عن الزعيم وأن وقت الحساب أزف
 "اجلس"
هل تدرك الفريسة أن هناك ذئب يترصد بها؟ يعلن عن رغبته بقنصها ونظراته تلمع عليها بشراسة
ارتجف الدكتور من نبرة الزعيم.. تردد ولكن نظرات الريس كانت آمرة كنبرته
سقط الرجل على المقعد وكأن صوت هارون دفعه فأسقطه، تلعثمت الكلمات على فمه والمصيدة انغلقت عليه ولا مجال للفرار من الصياد 
"لم أكن أعرف أنها زوجتك يا ريس"
تأمل هارون مسدسه دون أن ينظر للرجل وكلمة الريس منه تعني محاولة لجلب السلام لكن لا سلام مع من فكر المساس بامرأته 
"وعندما عرفت؟"
وكأنه وجد مفتاح النجاة هتف "كنت قد رحلت وتركت المكان ولم أمسها"
نظرات هارون لم تترك مسدسه، وعد عزيز بتسليمه الدكتور مما يوقفه عن وضع رصاصته بقلب ذلك الجبان.. 
"وتركته لينسف المكان وأنت خارج الأمر"
وأخيرا ارتفع مؤشر الفزع وانطلقت شرارته من عيون الجبان "أنا عبد لمن يأمرني يا ريس، أنت تعرفه، لم يكن ليتركني لو لم أنفذ طلبه"
مدركا قذارة أفعال جسار وطريقته بالتعامل مع ضحاياه أيقن ما يقوله الرجل لكن هذا ليس مبرر لوضع امرأته بالخطر "وامرأتي كانت طلبه؟ امرأة هارون الديب"
شحب وجه الطبيب، ابيضت شفاهه.. جمدت أصابعه على ساقيه "صدقني لم أكن أعلم ولم أمسها، أقسم أني لم أمسها بأي سوء"
نظرة لصفوان جعلته يتحرك للرجل الذي تراجع بالمقعد بفزع وصفوان يقيده بالمقعد والرجل يصرخ كالنساء طالبا العفو
"امرأتي أصيبت بالفزع وهذا ما أراه بعيونك الآن، أصيبت بجروح بيداها وهذا ما سأراه الآن"
صرخ وصفوان يخرج سكين بنصل حاد وبمهارة رجل صيدلي خبير منحه جراح دامية جعلته يصرخ كالنساء طالبا العفو ولكن لا أحد يسمعه
ظلت نظرات هارون ساكنة على ضحيته 
"والآن، ثمن الخطأ الذي ارتكبته بحق هارون الديب"
سعد يضع حقيبة صفوان وصفوان يعرف ماذا يفعل وصرخات الرجل كانت موسيقى تعزف بأذن الريس..
انطلقت الاسعاف التابعة للشرطة بما تحمله من جثث ومصابين ومن بعيد وقف بثبات عاقدا ذراعيه أمام صدره وعزيز يتحرك له
الشرطة ملأت المكان.. وانسحبت رجاله وظل هو وصفوان فقط
"لا نجد به جزء سليم صفوان، هل سيصلح للاستجواب يا ريس!؟"
لم ترتد نظرات هارون عن المبني المحاط بسيارات الشرطة ورجال الأمن هنا وهناك "صفوان يمكنه استجوابه لو شئت عزيز"
ظل عزيز يواجه هارون الذي لف وجهه له والتقى بالحيرة بعيونه "لا تقلق صفوان يعرف ما يفعله جيدا لن تفسد قضيتك"
والتفت ليذهب لكن عزيز استوقفه "أنت تعرف من وراء كل ذلك هارون أليس كذلك؟"
للحظة توقف بمكانه، نعم يعرف ولكن معرفة له وحده لأن لا مجال لوجود طرف ثالث بينهم.. الثأر لم يبدأ اليوم بل له ماضي، ماضي قاتم، لم يقبل بالإصلاح
"أنت كل ما يهمك إغلاق القضية عزيز وبالدكتور انغلقت عدة قضايا وليس واحدة وإلى هنا وانتهت مهمتك"
وتحرك وصفوان بجواره يفتح له باب السيارة والصمت رفيقهم
**** 
هل يمكن أن تلطمها الأقدار أكثر من ذلك؟
من أين ستأتي السعادة وبكل يوم تسقط بمصيبة جديدة
"انت.. أنت كيف.."
تلعثمت، ضاعت الكلمات.. رجل بسنوات عمره الكثيرة وزوجاته المتعددة ويفكر بالزواج منها؟ نصف عمره تقريبا.. الفارق بينهم لا مقياس له
اقترب، هازما الفراغ بينهم بلا اهتمام بالموجودين أو المارة.. أحنى رأسه وتراجعت أمام ملامحه المخيفة
"أنا لا أرغب بشيء مخزي، الزواج على سنة الله ورسوله ومن فتاة بحاجة لرجل يساعدها بكل ما تحمله"
القوة أتت أخيرا "أنا لست بحاجة لأحد، فقط ابتعد عني أنا لا أرغب بالزواج لا منك ولا من سواك"
الغضب ارتفع داخله وتلونت عيونه بالأحمر وكأنه لا يقبل الرفض، أوقفها عندما خطت لتبتعد والتهديد بنبرته 
"اسمعي، أنا لا ترفضني امرأة خاصة لو كانت مثلك أبوها مدمن وحرامي"
هتفت وهي ترفع يدها لتصفعه "اخرس"
يدها علقت بيده وتحركت النظرات لهم وهو تملكه الغضب أكثر وأكثر دون أن يترك يدها "لم تجرؤ امرأة على رفع يدها بوجهي سأجعلك تدفعين ثمن ذلك جيدا"
خلصت يدها من قبضته وأسرعت للأعلى وأغلقت باب الشقة واستندت عليه والدموع تغرق وجهها وأنفاسها لا تكفيها والخوف أصبح رفيقها الجديد ليس فقط من الأب الذي يفقد وعيه أمامها على الأريكة بسبب الزجاجة الفارغة بجواره وإنما أيضا ذلك الجبان المترصد بها بالأسفل
بخطى مهزوزة خطت لغرفتها، لم تهتم لجسد والدها الملقى بالخارج ولا بالمكان الغير مرتب حولها فقط استلقت على الفراش ودفنت وجهها بالوسادة وتركت دموعها تؤازرها ربما تمنحها بعض القوة
**** 
ما أن وصلت سيارة الريس أمام بوابة البيت حتى توقفت السيارة لوجود سيارة تقف بجوار البوابة 
قبل أن تنفتح البوابة نزل سائق السيارة وتحرك لسيارة هارون، بلحظة كانت رجال هارون تحيط به وتوقفه 
"اعرف من هو صفوان"
"أمرك يا ريس"
نزل صفوان وتحرك للرجل لحظة ثم ارتد لهارون "ناصر زيتون ابن عم رشدي"
ضاقت عيون الريس ولم يفهم سبب وجوده ومع ذلك منح صفوان الإذن 
دفعه الرجال داخل سيارة هارون بعد تفتيشه ولم ينظر له هارون وهو ينتظر منه أن يتحدث "عرفت أن هناك فتاة تخصك موجودة عند رشدي وأنا هنا لأطلبها للزواج"
لف هارون وجهه للرجل والمفاجأة نزلت عليه كالصاعقة..
تعليقات



<>