رواية سفينة نوح الفصل الثامن عشر 18 بقلم سلمي خالد ابراهيم
صلوا على الحبيب🤎🌻
ندعنا نفكر خارج الصندوق ونضرب بالوقت الغير متوقع!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ آآآه دي تاني مرة أتضرب ويارتني بضرب في مهمة دي خناقة بينا!!
ضجر يملأ كلمات سعدي ممسكًا بكيس الثلج الذي أحضره سفيان له، بينما جلس سفيان يزفر بتعبٍ يردد مراقبًا إياه يضع الثلج بحذرٍ:
_ أحمد ربنا إن أمك وفُلة خرجوا دلوقتي وإلا كان الموضوع وسع..
ابتسم بتهكم مغمغمًا:
_ وهي ذكريات هتسكت.. دا نوح أتجنن وكان هيقتلها لولا ادخلنا.
نظر سفيان بضيقٍ لنعت صديقه بالمجنون، ليعلق على حديث بتحذير:
_ نوح مش مجنون يا سعدي خلي بالك من كلامك.. لكن اللي حصله طبيعي من الكبت اللي عمله.. أنت متعرفش لما الإنسان يكتم مشاعره ووجعه بيتحول لإيه ورد فعله بيكون إيه!
قلب سعدي عينيه بمللٍ من رده، يغمغم بسخرية:
_ هتبدأ بقى محاضرة الفلسفة بتاعتك..
نظر سفيان بهدوءٍ صامتًا، ثم قال ببسمة متهكمة:
_ مش هديك محاضرة فسلفة ولا حاجة.. بس هيجي وقت هتكتم وجعك وتحاول تبان عادي بس أنت بتموت من جوا يا سعدي ومش بايدك تشيل الوجع دا ولا عارف تعالجه.
"الزمن دوار" أول ما أتى بعقله لتوقف عن مجادلته، يؤمن بتلك المقولة جدًا، زفر بصمتٍ ثم قال بحيرة:
_ طب تفتكر ذكرى هترجع لنوح بعد اللي حصل؟
صمت سفيان قليلًا ثم قال بتنهيدة واضحة:
_ بص هترجع بس متغيرة شوية لإنها بدأت تحب نوح وأتعلقت بيه بجد.
استمع له يومئ بفهمٍ، بينما نهض سفيان من مكانه يتقدم نحو وجه سعدي ليرى مدى أثر اللكمة ليجدها قوية بعض الشيء، ليضع الثلج بقوةٍ قائلًا بسخط وهو يستمع لصوت صراخه المتألم:
_ كتر تلج يا حبيبي شكلها ورمت.. أنا طالع أجهز شنطتي وماشي.
_ أبو شكلك عيل سيمج.
ابتسم سفيان ببرودٍ ثم استدار ليغادر ولكن علا صوت سعدي بألمٍ:
_ أنت مسافر؟
استدار سعدي نحوه ببسمة ماكرة، ثم قال بخبثٍ:
_ هرجع صلة الرحم تاني.
عقد حاجبيه بدهشةٍ، ينظر له بعدم فهم وقبل أن يبغته بسؤالٍ أخر وجده يغادر من أمامه سريعًا ليفر هاربًا من أسئلته، عض على شفتيه بغيظٍ منه ثم قال وهو يتطلع للطابق الثاني:
_ ماشي يا نوح أنت وسفيان.. وربنا ما هحلكم عشان تشتغلوا في القضية وركنيني أنا على الرف.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
فتح عينيه الحمروتان بشدةٍ، ينهض من الأريكة بجسدٍ هزيل، كلمات ياسر ترن بأذنه وكلما سفيان تحاربها، كل شيء أصبح في حرب لا يعلم كيف بدأت ومتى ستنتهي! تحرك يسير بخطواتٍ بطيئة نحو الغرفة المجاروة، يعلم أنها تقبع بها، تحرك نحوها يفتح الباب دون طرق، ليجدها تقف أمام باب الخزانة المعلق عليه مرآة تلامس تلك الآثار الحمراء المائلة للون البني، أنتفضت من مكانها بفزعٍ، وما أن تبينت هويته حتى تراجعت للخلف بذعرٍ منه، لقد ضاع أثمن شيء منحته إياه.. الأمـــــان!
ألم مخيف ضرب قلبه بقوةٍ جعله يريد نزعه لعل حدة الألم تخف، تقدم خطوتين لها ولكنه توقف عندما صرخت به بذعرٍ:
_ وقف عندك متقربش..
حدقها بصدمةٍ متألمة، لم يتخل ردة فعلها السريعة المذعورة تلك، توقف عن الحركة، ثم قال بملامح مختنقة يظهر ضعفه لها فقط:
_ بلاش بصتك يا ذكريات.. بلاش أشوف في عينكِ إني معقد فعلًا..
رفع كفه أمامها ينظر لها ثم يعود ينظر لعينيها اللتان تغرقان بالدموع:
_ إيدي دي كرهتها بسببك.. قولتلك أمشي قبل ما أتحول عليكِ.. أنا مبقتش أسيطر على نفسي في غضبي ولزمًا أبقى لوحدي.
رمقته بنظرةٍ مستنكرة، تردد بصوتٍ مختنق من الدموع:
_ بقيت أنا الغلطانة عشان مش عايزة أسيبك!! حذروني منك برة يا نوح وأنا قولتلهم نوح الوحيد اللي عمره ما هيأذيني وأدخلك الأوضة ألقيك هتخنقني وأنا كنت بموت بين إيدك .. أنت متخيل كنت هتعمل إيه! كنت هتقتل مراتك!!
تهدجت أنفاسه بشدةٍ، أصبحت كلماتها سكاكين تطعنه بشراسة، نظر لعينيها الغرقتان في الخذلان ليهتف بصوتٍ مبحوح:
_ مكنتش في وعي يا ذكريات.. أنا عمري ما كنت هعمل فيكِ كده لو في وعي!
ابتسمت من بين دموعها بألمٍ، تسأله برجفةٍ أصابت كلماتها:
_ يعني ممكن تجيلك الحالة تاني وتقتلني!!
نظر لها بعجزٍ فهو لم يشعر بذاته وربما لو لم يكن سفيان موجود لوقعت ضحية له، رأت صمته بهذا العجز لتطلق ضحكة متألمة، تسيل دموعها بغزارة أكثر حتى أجهشت في البكاء بدلًا من الضحك، تهتف بإنكسارٍ و ألمٍ:
_ نادر الشرنوبي أبويا عايز يقتلني.. وجوزي اللي بتحامي فيه من أبويا كان هيقتلني وممكن يقتلني من غير ما يحس!! أنا فعلًا يا نوح أستاهل الموت وعشان كده لما نادر يجي يقتلني مدفعش عني لإني أنا بنفسي هسلمه روحي.
_ ذكريات..
حاول مقاطعتها ولكن استرسلت بنظرةٍ لن ينساها، نفر نفسه بعدها:
_ على الأقل هو بيكرهني و عنده مبرر يقتلني.. لكن أنت بتحبني ومبررك بيوجع أوي.
حاول التحدث بضعفٍ واضح:
_ كفاية يا ذكريات.. بلاش كلامك بطريقة دي.. أنا مقصدش وعارف إن مفيش مبرر لـلي عملته بس كلام ياسر قتلني.. عارفة يعني إيه واحد بيكلمك يوصف مراتك بيتكلم عنها بطريقة أنتِ نفسك هتقرفي منها وفي النهاية رجعني للي حصل من سنتين تاني.. قالي إن المرة تانية هتخان وهيترفع المسدس في وشي بس منك.. الضربة منك هتموتني يا ذكريات ومش هقوم منها.. أنا بحارب شيطاني فيكِ بذات وبقول مستحيل هي تعملها.. بس مش قادر أنا قعدت سنتين بعيد عن الكل وكاتم جوايا كل الوجع اللي شوفته..معنديش استعداد يتكرر تاني وياسر لمس أكتر حاجة وجعتني..
صمت قليلًا يتأمل ملامحها التي لا تزال تبكي، ليتقدم خطوة صغيرة منها يهمس بصوتٍ دافئ يحمل بحة:
_ أنا بحبك يا ذكريات.. عندي استعداد أضحي بكل حاجة مقابل إنك تفضلي معايا ومتسبنيش.
تجمدت خلاياه بعدم استيعاب، ينظر لها بصدمةٍ عندما باغتته بسؤالها القاسي:
_ لو جه اليوم دا ورفعت السلاح في وشك هتعمل إيه يا نوح!
ألقت سؤالها بجمودٍ زائف، تريد أن ترى ماذا سيفعل بها، هل ستأتيه تلك الحالة مرة أخرى! رمقها بنظرة معاتبة، يتقدم منها حتى وقف أمامها مباشرة يحدق بعينيها مباشرةً ثم أنحنى يلثم جبينها بقبلة دافئة تليها وجنتها، ثم ابتعد يهمس ببسمة هادئة متألمة:
_ قولتلك وهقولك تاني يا ذكريات.. أنتِ الضربة اللي مش هقوم منها.. أنتِ معاكِ اللي باقي مني بعد تجاربي الفاشلة في الدنيا..فلو هتخونيني بنفس طريقة ياسر.. يبقى هسيبك تقتليني.. عندي أموت ولا إني أعيش يوم واحد مكسور بخيانتك.
عاد يقبل جبينها مجددًا ثم أمسك كفها بهدوءٍ وسط صدمتها وصمتها، يساعدها على الوقوف أمام المرآة ينظر لآثار يده بحزنٍ ثم أمسك بحجابها يعود ويضعها على رأسها قائلًا بحنوٍ:
_ مش عايز أعرف ياسر قالك إيه رغم إني متأكد إنه قالك حاجة بس مش هخسرك عشانه يا ذكريات وأتمنى أنتِ تكوني زيّ.
تحرك بها نحو غرفته، يشعر باستسلامها الغريب معه، فأيقن أنه قتل شكها به، دلف سويًا للغرفة ثم اتجه نحو الفراش ليساعدها الجلوس عليه، يزيح حجابها بتروي، ثم جلس جوارها يضمها بالقرب من قلبه، يمسك كفها ليضعها بالقرب من قلبه، يغمغم بمرارة تذوق لاذعها:
_ الرصاصة اللي ضربها جنب قلبي تحت إيدك بظبط.. يا أما إيدك تعالج اللي فيها يا أما إيدك تخلص اللي باقي منها.
تخشب كفها أسفل يده الممسكة به، ليشدد من ضمها أكثر، يندفن وجهها بتجويفة عنقها هامسًا بنعاسٍ:
_ أنا محتاج أنام.. بقالي يومين متغرب ومش عارف أنام ومحتاج حضنك عشان أرجع للوطن تاني.
صمت عن الحديث ولكن ضجيج الحرب داخلها كبير، قررت الاستسلام لأفعاله بعدما أشتعلت الحرب بين العقل والقلب، فعقلها لم يخضع له، يتذكر عينيه الشرستان، نظراته المخيفة التي كادت تقتلها، يديه القاسية التي كادت تطيح بحياتها، وقلبها يخبرها أنه بأمس الحاجة إليها الآن.
ماذا تفعل وسط كله هذا.. فليصمت العقل والقلب معًا، لتستلم لسلطان النوم الآن بتعبٍ سيطر عليها بشدة، ليبقى السؤال ماذا ستفعل عندما تستيقظ وما هو مصير حياتها معه!
ـــــــــــــــــــــــــــ
ابتسم بسعادةٍ بالغة وهو يتأمل شاشة جهاز الحاسوب براحة، يرى تلك النافذة الظاهرة أمامه وعلامة تحميل أنه يتم حذف كل البيانات الموجودة عليه، لن تحصل عليها يا دانيال، هذا ما يهمس بها بسعادةٍ لنفسه، تأمل صورة ذلك الميكرو الصغير الذي نقل عليه ملفات هذا الجهاز ذو شفرة سرية استطاع فكها ببراعة، فكان يخدع دانيال بكونه لم يستطع فتحها ليعطي مساحة له في تنفيذ مخططه الجديد ويتخلص من ذلك الصهيوني، لقد أتم تحميل العمليات التي ستنفذ على مدار الخمس سنوات القادمين، والآن تبقى خطوة واحدة هو إيصال هذا الميكرو إلى نوح، ابتسم براحةٍ وهو يتذكر خطة ذلك المجهول الذي يلاعب الجميع من خلف الستار، وكيف سيذهب الميكرو لنوح دون أن يُسرق منه. فلو أعطاه يد باليد سينتهي كل ما فعله على مدار تلك السنوات، همس فريد بحزنٍ:
_ سامحيني يا ذكريات بس دي الطريقة الوحيدة اللي هلحق أنقذ بيها كل حاجة قبل ما أموت.. بس متأكد إن محدش هيشك فيكِ ولا هيخطر في باله إن أنتِ اللي في إيدك كل حاجة تخص منظمة الحوت.. وخاصةً إنك ورثة مني نفس الصعوبة والمرض..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ شوفي كده يا حميدة الطماطم كويسة؟
رددت داليدا بتوترٍ وكأنها باختبار صعب ويجيب أجتيازه، تأملت حميدة حبات الطماطم بعناية ثم علا محياها ابتسامة راضية تهمهم برضٍ:
_ الله ينور عليكِ يا أم نوح.. بقيتي شاطرة أهوه ومفيش حباية طماطم بايظة.
تهلل سريرها بفرحةٍ عارمة، تشعر بالفخر بنفسها من الخوض في تلك التجربة فلم تفعلها من قبل، بينما نظرت حميدة للحارس الموجود خلفهم لتهتف بجدية:
_ جبت الفراخ ولا مجبتهاش؟
أومأ الرجل بموافقة يردف بقلقٍ:
_ جبتها ووصيت عليها ميبقاش فيها زرقان ولا عضم مخبوط والله يا حميدة هانم.
حركت رأسها بموافقة ثم استدارت لفُلة التي أنتهت للتو من شراء الأرز والشعرية وبعض التوابل التي يحتاجونها، تردف ببسمة فرحة:
_ جبت كل اللي طلبتيه من العطار يا خالتي.
أرسلت لها قبلة عبر الهواء تردف برضا:
_ حبيبة قلب خالتك.. طب يلا بينا.
أومأت يتجهون نحو السيارة التي حضروا بها، يجلسون جوار بعضهما لتهتف حميدة بجدية على غير عادتها:
_ بصي يا فُلة أنتِ عارفة إني بعتبرك بنتي صح؟
أومأت فُلة سريعًا بتلهف لتبتسم حميدة بحبورٍ ثم رددت بحنوٍ:
_ طب يا ستي وأنا نفسي بنتي تفضل معايا العمر كله.. وسعدي وقع على بوزه وأنتِ اللي وقعتيه.
أتسعت عينيها بصدمةٍ تنظر لها بحرجٍ وخوف، لتضحك حميدة وتشاركها داليدا الضحك معلقة على شحوب وجه فُلة:
_ نفس اللي عملته لما نصار جالي عشان يتقدم كنت هموت من الكسوف.
أومأت حميدة بتفهمٍ وخاصة أن فُلة تخشى الوحدة والفقدان، لتمسك بكفها تردف ببسمة حنونة:
_ بصي يا بنتي هو كان عايز من بدري يكلمك وأنا اللي وقفتله.. وقررت أكلمك ولما يتقدم ليكِ يتقدم عن طريقي وعشان كده باخد رأيك.. لو رفضتي مش هزعل معاملتي هتفضل زي ما هي معاكِ بس فكري كويس وأنا يوم المنى لما مرات ابني تكون بنت في جمالك وأخلاقك.
نبض قلبها بشدةٍ، تخشى السر الذي تخفيه أن يكشف، لاحظت إعجابه واستمعت لحديث حميدة برفض تقرب ابنها لها وهذا ما جعلها تشعر بالسكينة ولكن الآن لقد تأزم الموقف، فاقت من شرودها على يد حميدة التي تتمتم بحبورٍ:
_صلي استخارة وأنا هستنى رأيك ومتقلقيش من سعدي مش هيقربلك.
ابتسمت بصعوبةٍ يزداد شحوب وجهها، فحتى ذكريات لا تعلم سرها أيضًا، أخفته عن الجميع ولكن الآن كيف تخبرهم أنها متزوجة!!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
نظرت للساعة بهدوءٍ لتجد أنها لم تغفو سوى نصف ساعة، لم تستطع الفرار من كوابيسها لتستيقظ مجددًا لحياة لا تعلم ماهيتها، اشرأبت نحوه تتأمل ملامحه عن كسب، يبدو لطيفًا للغاية وهو نائم ولكن عندما تنظر لحدقتيه تتذكر تلك النظرة المخيفة التي أوقعها بها، رفعت كفها تلامس وجهه ببطءٍ يبدو عليه الألم، لقد فاق ألمه نفسي كل الحواجز يطغو على وجهه، زفرت بإرهاقٍ من التفكير لتحاول ابعاد يده ولكن سمعت يهمس بصوتٍ أجش:
_ أنا عارف إنك لسه زعلانة.. قومي ألبسي نخرج سوا.
استدارت نحوه تنظر له بصمتٍ، أصبحت هي لغتها الآن معه، لا تريد النطق مجددًا، فتح عينيه بإرهاقٍ واضح يهمس بهدوءٍ:
_ هنخرج سوا وأحاول أنسيكِ الزعل اللي حصل.
لتدعه يمحي تلك الذكرى عنها، فيكفيها ذكريات أليمة حتى الآن، أومأت بصمتٍ ثم نهضت بعيدًا عنه تذهب نحو الحمام لتغتسل وتستعد كما أخبرها، بينما بقى هو يتأمل طيفها ببسمة متهكمة، فلو أصلح معها شيء يفسده بلحظة، نهض من مكانه يغمغم بإنزعاج:
_ منك لله يا ياسر ربنا يخلصني منك ومن أشكالك.
انتهى كلاهما من التحضر، ونزلا سويًا بالردهة، ليجد سعدي قد غفى على الأريكة وجواره كيس ثلج قد انصهر أغلبه، تخلل الندم قلبه وهو يرى تلك الكدمة على وجهه لينظر إلى ذكريات قائلًا بنبرة هادئة:
_ معلش أسبقيني على العربية وأنا دقيقتين وجيلك.
أومأت بصمتٍ لاتزال محتفظة به، ثم تحركت بعيدًا بينما أنطلق نحو نحو سعدي يمسك بالكيس من بين يده ليستيقظ سعدي سريعًا ناظرًا نحو نوح بضيقٍ يعلق بسخطٍ:
_ إيه عايز تكمل ضرب لسه!
_ مقصدش.
رددها بتبريرٍ مختنق، نظر له سعدي بحنقٍ يعلق بكلماتٍ لاذعة:
_ متقصدش هو أنت دوست على رجلي وأنت ماشي.. دا أنت عملتلي كدمة مش هتروح ولا بعد 3 أيام وكنت بتقتل مراتك وأتجننت علينا، بص يا نوح عشان أنا زهقت من الحوار دا مش كل مرة تضرب وأفوتها لو كنت بتستقوى بجسمك فـ هيجي يوم تخسره بسبب جبروتك على الناس وهتحتاج مساعدة ومش هتلاقيه من حد بعد ما خسرت كله.
استمع لحديثه بجمودٍ رسمه ببراعةٍ، ولكن داخله يصرخ ندمًا وألمًا، تحرك بعيدًا بعدما بصق كلماته السامة بوجهه، ولكن هتف بنبرة خالية من المشاعر:
_ هخلص مشواري وهجيلك أعرفك أخر التطورات في القضية يا سعدي.
غادر نوح المكان بضيقٍ يعتري صدره، وقف على أعتاب الباب يحاول ضبطت أنفعالات حتى استطاع السيطرة عليها، فأفضل ما يقوم به هو الكــبــــت!
رفع هاتفه يتصل على أحد يغمغم بجمود سريع:
_ جهز الحاجة هنتحرك دلوقتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ليه كده! بتقول ليه كده يا سعدي أمال لو مش معرفك!!
عتاب واضح في كلمات سفيان يمسك بحقيبة ظهره بين يديه، ليرفعها ويرتديها ولكن صدم عند سماع حديث سعدي، نظر له باختناقٍ فهو لم يرغب بالحديث معه ولكن رده المختصر استفزه بشدة، ردد بنبرة حانقة:
_ غصب عني لما شوفته ولقيته بيرد ببرود كده ضايقني وقولت أوجعه زي ما بيوجع غيره بجسمه ومحستش بنفسي غير وأنا بخلص الكلام.
حرك سفيان رأسه بيأسٍ ثم تحرك من أمامه قائلًا:
_ الله يهديك يا سعدي.. هتضيع صاحب يفديك بروحه.. لو لفت الدنيا بحالها مش هتلاقي حد زيه.
تركه يحارب ضميره الذي ألمه بعد كلماته، ولكن ماذا يفعل لقد تخطى نوح كل حدود معه وهو لا يحب الإهانة أبدًا ينبذ صاحبه إن قرر الاستخفاف به.
ـــــــــــــــــــــــــــ
وصل أخيرًا إلى الجراش خلف المنزل، ليجد ذكريات تفترش الأرض في حالة إغماء، انتفض يتحرك نحوها بسرعة يرفعنا بين ذراعيه محاولًا إفاقتها، يلامس معصمها ليرى نبضها، إزداد قلقه عندها وجده طبيعي فماذا حدث لها، ضغط على زر في جهاز التحكم بالسيارة ثم حملها برفقٍ يفتح باب السيارة يضعها بالكنبة الخلفية، ثم أمسك بزجاجة عطر خاصته وبدأ بنثر بعضها على كفه وتقريبها من أنف ذكريات التي أنكمشت ملامحها بانزعاج، تفتح عينيها تنظر لنوح ببعض التعب و التعجب، حاولت النهوض ليمد كفه لها سريعًا يساعدها على النهوض قائلًا بقلقٍ:
_ إيه اللي حصلك؟؟
وضعت يدها على جبينها تحاول تذكر ما حدث ولكن لا شيء، لتجيبه بوهنٍ:
_ مش عارفة يا نوح أنا فجأة حسيت الدنيا بتلف بيا وبعدها محستش بنفسي غير دلوقتي.
صمت قليلًا يدقق النظر بملامحها المتعبة، ليسألها بشكٍ:
_ محستيش بحد حواليكِ خالص.
نفت برأسها الإجابة ليومئ برأسه بهدوءٍ، ثم قال:
_ تمام.. هنروح المستشفى نطمن إيه سبب الإغماء وبعدها نطلع على مشوارنا.
كادت أن تعترض ولكن رفع كفه بوجهها، يردف بصرامة:
_ أنا قُلت هنطلع على المستشفى فمش عايز نقاش في موضوع صحتك دا خالص.
عبست ملامحها بضيقٍ من تحكمه، لتعقد ذراعيه لصدرها، تزيح قدميها لداخل السيارة بعندٍ، رفع حاجبه باستنكارٍ يعلق مشيرًا على جلوسها بالخلف:
_ ودا اسمه إيه؟؟
_ والله ملهوش مسمى.. مش أنا تعبانة يبقى توديني المستشفى من سُكات عشان كلامك بيتعبني.
حدقها استنكارٍ بالغ، ثم تحرك يغمغم عدد لا نهائي من السباب الحانق، يغلق الباب بقوةٍ ليتجه نحو مقعد القيادة ويتحرك بالسيارة سريعًا أسفل نظراتها القلقة، شهقت بفزعٍ وهي تراه يزيد من سرعة السيارة لتصرخ بذعرٍ:
_ قلل السرعة.. هنموت قللها!!
ابتسم بسعادةٍ منتقمة، يردف ببرودٍ:
_ والله أنتِ تعبانة وأنا مقبلش الهوا الطاير عليكِ وعشان كده عايز نوصل بسرعة عشان نطمن.
_ يا بني هنموت.. قلل السرعة شوية.. دا يخربيت اللي يزعلك!!
نطقتها بذعرٍ واضح، ليكبح ضحكته مردف بجدية:
_ تيجي تقعدي قدام.
اومأت عدة مرات بموافقة، ليهدأ سرعته حتى أصطف جانبًا لتترجل ذكريات بعبوسٍ واضح، تفتح باب السيارة جواره ثم جلست جواره لتسحب الباب خلفها بعنفٍ واضح جعل السيارة تهتز، نظر لها نوح بصدمةٍ هامسًا:
_ يا ستار يارب.. أعوذ بالله من دا بوز.
حدجته بنظرة غاضبة حانقة ثم قررت العودة لصمتها مجددًا، ليتحرك نوح نحو المشفى ويتأكد من صحة ذكريات والتي ظهرت سريعًا بأنها بخير وتحتاج لتغذية بسبب الإنيميا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرت بوجود خطبًا ما به وخاصةً بعد تلك المكالمة التي كانت ردوده فيها مختصرة مقتضبة قاتمة، ظهرت عروقه النافرة من يده وضغطه الشديد على عجلة القيادة يدل على حالته الإنفعالية السيئة، زفرت بقلقٍ وهي تحاول السيطرة على رغبتها بالسؤال ولكن تخشى فعلها فيقوم بقتلها، تلك المرة لا يوجد من يلحق بها!!
أوقف السيارة جانبًا يضع رأسه على العجلة يزفر بصوتٍ عالي، يتمنى لو يتخلص من عصبيته المفرطة تلك، حركت ذكريات رأسها بيأسٍ من استسلامها ثم قالت بخفوت مختصر:
_ مالك؟
زحفت بسمة صغيرة وهو يستمع لسؤالها المختصر، ليدير رأسه ينظر باتجاهها، يسب نفسه بشدة عندما رأى خوفها منه يكمن بحدقتيها، ليهتف بتنهيدة:
_ مفيش يا ذكريات..
لم تشء تكرر السؤال رغم قلقها عليه ولكن يكفي هدوئه الآن، ارتفع صوته يهتف ببسمة صغيرة استطاع رسمها:
_ بس إيه رأيك؟ كنت واخدة حاجز الصمت من ساعة ما روحنا المستشفى وخرجتك منه!!
نظرت له باستخفاف تردد بنبرة باردة:
_ إنسانيتي هي اللي خرجتها مش أنت يا نوح.. مفيش إنسان يقدر يخرج حاجة من حد إلا لو الحد دا عاوز هو يخرجها.
فطن ما ترمي إليه، ليحرك المفتاح بضيقٍ يجيبه بتهكم بعدما أشعل محرك السيارة:
_ طالما مجربتش كل الاحتمالات وعيشتي مكان كل الناس يبقى متحكميش من طبعك.. عشان مش كل الناس زيك.
ضمت شفتيها بعبوسٍ تشيح بوجهها بعيدًا عنه، تتأمل الطريق حولها بصمتٍ حتى رأت النيل يبدأ بالظهور، تأملته بعمقٍ تشعر ببعض الراحة التي تتخلل صدرها، إلى أن توقف فجأة بالسيارة نظرت له بتعجبٍ ليغمغم بكلمة واحدة:
_ أنزلي.
تحركت تهبط من السيارة تتأمل الكورنيش الهادئ نوعًا ما، استدارت تنظر لنوح الذي أخرج صنارة الصيد ثم أمسك يدها يسير بها نحو أحد الأرصفة القريبة من مياه النيل وأعطاها الصنارة قائلًا بهدوءٍ:
_ لحظة وجايلك.
أومأت بصمتٍ تراقب ذاهبه ولكن انتفضت بفزعٍ عندما اصطدم به أحد وهو يركض، لتترك الصنارة سريعًا وتتجه نحو تسأل بلهفةٍ:
_ أنت كويس؟؟
أومأ لها ببسمة صغيرة، ليعتذر لهما الشاب ثم تحرك يكمل ركضه بعيدًا، عاد نوح معها وجلسا على ذلك الرصيف بهدوءٍ، ليهمس نوح بصوتٍ هادئ حنون:
_ أنتِ مصطدتيش قبل كده؟
حركت رأسها بإماءة صغيرة تؤكد النفي، ليسترسل نوح بالشرح عن كيفية الصيد متمتمًا بتوضيح وهو يقترب منها:
_ بصي هتمسكِ الخيط الصيد كده وتدخليه من الحديدة الصغيرة دي وتشديه كويس، وبعدها هتاخدي حتة من أكل السمك وتعلقيها هنا كده وتنزلي الخيط في النيل وتستني رزقك... تحبي تجربي؟
_ أيوة طبعًا.
كان الحماس يلتمع بملامحها مما جعل نوح يبتسم بثقةٍ لقدرته على إخراجها من حزنها، مد يده ليجعلها تمسك الصنارة وهو يحيطها بذراعه كي لا يختل توازنها، توترت قليلًا منه فهي شبه محاصرة بين ذراعيه ولكن ذلك الدفء يحيطها ينسيها كل ما يدور حولها، بدأت رحلتهما بالصيد السمك ليعم الصمت بينما لا يظهر سوى حفيف أوراق الشجر، وبعض النسمات التي تلامس وجههما، تحركت قليلًا تهمهم متسائلة:
_ مين علمك الصيد؟
غصة مريرة قبضت على صدره وهو يتذكر والده، ليجيبها بهمس مرير تذوقته:
_ والدي نصار الله يرحمه.
_ مقصدش أزعلك.
نبست بها بتوترٍ عندما رأت أنكمش وجهه بالحزن، ليبتسم نوح بمرارةٍ يعلق على حديثها:
_ عارفة يا ذكريات.. أنا جوايا حاجات بحاول أدفنها ومحكيش عنها بس للأسف بيجي اللي يطلعها في موقف أهبل من غير ما تحسي وتبقي واقفة تايهة لا عارفة تاخدي خطوة لقدام ولا خطوة ورا ووقفتك نفسها بتدمر فيكِ ومش عارفة تعملي إيه.
تأملت حديثه قليلًا ثم علقت عليه متذكرة شيء:
_ في حد من الفلاسفة قال قبل كده عندما يكون التقدم مؤلم والرجوع مؤلم والوقوف أشد ألمًا فماذا نفعل! ولحد دلوقتي محدش لاقي إجابة.
تفاجأ بنطقها بعض التعليقات الفلسفية، لينظر لها بدهشةٍ ثم تحولت لابتسامة تعجبت هي على أثرها لتعلق بسؤالٍ:
_ بتبتسم ليه؟؟
_ عشان بقيتِ ذكريات نصار.. وبتتكلمي زيّ.
نطق ببطءٍ شديد مبتسمًا، بينما نظرت له بدهشة هي حقًا لم تتوقع أنها ستتحدث مثله، عادت تتأمل النيل بهدوءٍ قائلة بحزنٍ:
_ تفتكر هنعدي اللي إحنا فيه؟
_ هنعدي يا ذكريات.. طول ما إحنا سوا هنعدي.
قالها بطمأنينة يحاوطها بحنوٍ وقوة، وكأنه يثبت لنفسه أنها لن تفعلها، يكذب حدسه ويخبر ذاته أنها منه وليست عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جلست داخل غرفتها بعد عودتهم من السوق، تضم ساقيها بخوفٍ من الحقيقة التي ستكشف لهم، تتذكر ما حدث ولذلك التوكيل اللعين الذي جعلها زوجة له، أغمضت عينيها تكبح دموعها بألمٍ، تنظر للفراغ حولها فلا ذكريات موجودة بالمنزل ولا يوجد من يسمعها، نظرت للبطاقة التي معها لترى اسمه الكريهة بها، ألقتها بعيدًا تضع يدها على فمها تمنع تلك الشهقة من الصدور.
نظرت باتجاه الباب شعرت بخطوات تقترب فأسرعت تمسك ببطاقتها الشخصية وضم نفسها والوسادة لوجهها لتظهر بشكلٍ نائم بعمق.
طرقت حميدة الباب ثم دلفت لتجدها نائمة تقدمت نحوها تمسح على خصلات شعرها تهمس لها بتنهيدة:
_ يارب يا فُلة توافقي وتبقي مرات أبني هبقى مطمنة عليه معاكِ.. والحمدلله إنه خرج النهاردة بدل ما كان زهقني أسئلة.
انحنت تقبل رأسها ثم غادرت الغرفة بهدوءٍ كما دلفت ولكن تلك الحركة وهذا الكلام لم يكن سوى نارًا تكويها من الداخل لتشهق بألمٍ وهي تدعو الله:
_ يارب أنقذني مليش غيرك.
ـــــــــــــــــــــــــ
سقطت منها تلك الآلة الصغيرة الموسيقية بالقرب من حمام السباحة، لتحرك العجل الكرسي خاصتها ببطءٍ نحوها حتى وصلت إليه أنحنت قليلًا لتمسكها ولكن لاحظت ظل أسود منعكس في المياه يتحرك بسرعة مخيفة، قطبت جبينها تقترب من الحوض لتتأكد مما تراه ولكن أخذ حِمل رأسها جسدها معها لتسقط به غارقة، حاولت تحريك يديها ولكن تفشل محاولتها بسبب قدميها الضعيفتان، ضمرت أسفل المياه حتى باتت تبتلع من ذلك الحوض، لتعلم أن نهايتها قد وصلت، ابتسمت بضعفٍ وهي تريد رؤية والدها عندما يعلم بموتها، بدأت تغمض عينيها بضعفٍ مستسلمة لذلك القدر الجميل ولكن شعرت بيدٍ قوية تنشلها بقوةٍ من المياه، سعلت بشدة تبصق المياه التي ابتلعتها ولكن ارتخى جسدها بضعفٍ، تشعر بحالةٍ من الإعياء، نظرت نحو ذلك المقنع ثم ابتسمت بشحوبٍ قبل أن تغمض عينيها هاتفها باسمه في تقطع:
_ سـ..آآ سفيان.
حملها بين ذراعيه بخفةٍ، ينظر لهؤلاء الحرس بسخرية ثم تخطاهم يتجه نحو سيارته ليضعها بها، لتنتهي تلك المهمة بنجاح فلابُد أن يُكسر شوك نادر.
ــــــــــــــــــــــــــ
أنحنى يلتقط تلك القطعة المعدنية " فلاشة " من سطح المكتب، يتأملها ببسمة نمت على ثغره بمكرٍ، تذكر ذلك الشاب الذي اصطدم به أثناء ركضه على الكورنيش ليعطي لنوح الفلاشة دون أن ينتبه أحد، أخفاها بين ثيابه السوداء، ينهي إرتداء ملابسه واضعًا ذلك القناع الأسود على وجهه ليخفي معالمه، غادر المكتب ينظر لسعدي الذي أعد حقيبته بهدوءٍ بعدما أملى عليه ما سيحدث، وأنطلق بالسيارة لتنفيذ باقي الخطة.
تفقد سعدي محتويات الحقيبة مرة أخرى حتى لا ينقصهم شيء، ولكن استمع لصوت نوح يردف بهدوءٍ متألم:
_ أنا المرة دي مقصدش يا سعدي أضربك.. ولا أقربلك.. يمكن مش مبرر بس ابن الو*** كلمني وبيهددني تاني وقتها دمي فار ومحستش بحاجة غير وسفيان بيتكلم.
نظر له سعدي بتعجبٍ من اعتذاره للمرة الثانية، لقد ظن أنه لن يتأتي بعد حديثه اللاذع معه، ليضيف نوح بتنهيدة:
_ أنا مش وحش يا سعدي بس اللي حصل غصب عني فعلًا.
_ يعني خيانة صاحبك في المهمة تخليك تعمل كل دا يا نوح؟؟ بصراحة مش منطقي خالص.. ممكن تزعل تتخنق بس مش لدرجة إنك تتحول كده؟؟
سأله باستنكار شديد، ليجيب نوح باقتضاب:
_ بلاش تفتح حاجات مقفولة يا سعدي.. أنت عرفت إن ياسر خاني بس مخنش المهمة اللي طلعنها دا خان كل حاجة بينا وضربني في ضهري ضربة عمري ما هنساها.
شعر سعدي بأنه يخفي شيء جديد وأن تلك القصة ينقصها جزء لتكتمل ولكن قرر أن يصمت ويتخطى ما حدث ليرى ماذا ستفعل بهما الأيام القادمة..!
أوقف السيارة على بُعد نصف كيلو منه موقع الشركة الحوت، ليستعد نوح واضعًا كاتم الصوت في مسدسه ثم نظر بساعته قائلًا بجدية:
_ شغل اللاب دلوقتي.. زمان الأبليكشن دخل على سيستم الشركة وهكر الكاميرات، وهيظهرك اللي بيحصل في الشركة دلوقتي وهناك هيظهر لهم فيديو متسجل، وأنت هتابع معايا وتبلغني في كام حارس وكل التحركات اللي في الشركة.. عايزين نخرج من هناك من غير نقطة دم.
تحرك نوح تاركًا سعدي ينفذ ما قاله، ثم تحرك في الخفاء بين الشوارع حتى وصل بخفةٍ للشركة، ليصعد على أسوارها برشاقةٍ ثم أنطلق لداخلها.
_ أيوة يا نوح أتحرك عادي مفيش حرس دلوقتي لسه مخلص مرور في الممر.
نطقها سعدي بعملية شديدة بعدما راقب الشاشة التي تعكس ما يحدث داخل الشركة، تحرك بخفةٍ واضحة يسير نحو مكتب محفوظ هو بداية للخيط الذي يجب البحث خلفه، دلف داخل المكتب يجلس على الحاسوب، ليرفع يده لأذنه يهمس بتحذير:
_ راقب المكان كويس يا سعدي على ما أفتح اللاب.
_ تمام متقلقش.
بدأ نوح بفتح الجهاز، يمسك بتلك الفلاشة الصغيرة التي صُنعت خصيصًا لأجل فك شفرت هذا الجهاز، وبالفعل دقائق كان الجهاز مفتوح أمامه، بدأ يعبث به بحذرٍ حتى وصل لملف باسم " عنبر الحوت".
قطب جبينه بشكٍ ثم فتح ذلك الملف ليجد عدد ضخم من المشاهد منها الطويل ومنها القصير. فتح إحداها سريعًا ليرى محفوظ يمسك بكأس من العصير وهو يستمع لصراخ هذا الشاب الصغير يبدو في العشرينات من عمره، يهدر بخوفٍ وبكاء:
_ سبني.. عشان خاطر ربنا سبني وبلاش تعمل فيا كده أهلي هيضيعوا لو موت.
قهقه محفوظ عليه ينهض نحو بمسكه من خصلات شعره بقوةٍ ألمت ذلك الشاب، يهمس بفحيحٍ مخيف:
_ ليه يا روح أمك شايفني قايم من على سجادة الصلاة!! مش أنت اللي رفضت تمضي وتبيع قرنية عينك مقابل فلوس.
صرخ الشاب ببكاء قوي يهدر بعجز:
_ حرام عليكم أعيش أعمى ليـــــــــه!!
مد كفه يربت على وجنتي ذلك الشاب، يردف بجمود:
_ أهو أنا ريحتك لا هتشوف ولا هتعيش من أساسه.. وأعضاءك هتتاخد كلها.. دول عنبر الحوت يا ****.
ضحك بخبثٍ وهو يرى ذلك الجراح يدلف للغرفة بعدما استعد، ليعود محفوظ مكانه يتأمل شكل هذا الشاب وهي يقاوم بعجزٍ واضح، ثم صرخ بقوةٍ عندما أنغرس به ذلك المشرط دون أن يضعوا له بنج، برزت عروق ذلك الشاب بقوةٍ يحمر وجهه بشدةٍ، يهمس بضعفٍ وهو يأن:
_ لا إله إلا الله..
خمد صراخه وأختفت عينيه ووقع ضحية للحوت الذي ابتلعه فور ظهوره، أخرج الجراح الكِلى من جانبه الأيسر يضعه سريعًا بالمحلول، ثم اتجه نحو قلبه لينزعه بحذرٍ وتروي وكأن ما يفعله أمر عادي..!
انتفخت أوداجه، وبرزت عروق عينيه الحمراء، يتأمل الشاشة بحدةٍ، تمنى لو استطاع قتل ذلك المحفوظ ولكن الصبر جميل، وضع الفلاشة معه ليبدأ بتحمل ذلك الملف عليها، ولكن صوت سعدي المحذر علا بأذنه يهتف:
_ ألحق يا نوح.. محفوظ رجع الشركة وجاي بسرعة على مكتبه!!!!
