رواية شرقية غزت قلبي الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم ميار عبد الله

 

رواية شرقية غزت قلبي

الفصل السابع والثلاثون 37 

بقلم ميار عبد الله 

        تضعك الحياة في الكثير من الاختبارات وتنتظر منك نتيجة اختيارك .. يظن الشخص حينما يوضع في نفس الموقف مرارًا انه فاشل .. فشل في تخطي تلك المحنة ..

لكن ما لم يضع في اعتباره أن ذلك يكسبه قوة وصلابة ويبني جدارًا للصدمات القادمة .. العبرة هنا ليس في تعلم الدرس مرارًا .. يعتبر ذلك بمثابة كتاب ذو عدة شفرات واشياء خارقة للطبيعة

ماذا تفعل اذاً ؟

تقرأ مرة .. تفهم صفحة .. تقرأ مرة أخرى بالكاد تستوعب الكلمات المعقدة ، تقرأ ثلاثة ، اربعة ، عشرة .. الخ ،

هنا تستطيع تفهم كيف يفكر الكاتب .. ما هي العوامل التي ساعدته على كتاب لا يفهمه سوى العقول الفاذة ..

أرأيت .. تلك هي اختبارات الحياة عبارة كتاب معقد .. ما عليك سوى أن تقرأ مرارًا لتفهم محتواه جيدًا .

ازدحام طريق .. الدقائق تحولت لساعات .. يسب ويلعن ساعة الذروة في ذلك الوقت وعيناه تحدق بأمل إلى الطريق المسدود .. هاتفه على اتصال بالخادمة المسنة .. تطلعه على الأوضاع بدقة .. لحظة بلحظة ، حتي رسم في خياله انه يشبك انامله بأناملها .. يهدأ من اضطرابات انفاسها ويمسح حبات العرق المتصفدة علي جبهتها ..

اندفع بقوة إلى الطابق الذي توجد به وصدي انفاسه يدوي في اذنه .. تجربة جديدة تمر عليه وهو عاجزًا تمامًا على ما يفعله .. الطريقة التي تهدئة بها قبل دخولها الى غرفة العمليات لم تهدئة اطلاقا .. ابدًا لقد ازداد هلعه وتوتره الذي بدا جليًا علي ملامحه المجهدة ، اقترب من الخادمة التي ابتسمت بشاشة ليهتف بلوع لم يستطيع مداراته

- كيف هي الاوضاع ؟

ابتسمت برقة واجابت بهدوء وهي تحاول ان تهدأ رب عملها

- لا تقلق سيدي .. لقد دلفت إلى غرفة العمليات منذ بضعة دقائق ، السيدة الصغيرة ستأتي

ذكرى تلك المشفى تحديدًا جعلت أعضاؤه تتلوى وتعتصر بشدة ، أغمض جفنيه وهو يستند بجذعه على الجدار البارد .. ليس مستعدًا للدخول .. ليس مستعدًا ابدًا لتلك التجربة ، لا يستطيع أن يرى المها .. لن يقدر ابدًا يقسم انه لن يجعلها تحمل مرة اخرى ان رأي الامها وتحملها للصغيرة القادمة .. غمغم بصوت خافت

- حسنًا

اغمض جفنيه ولسانه يردد تلقائيًا الادعية والايات القرانية التي حفظها ، ما زال فكه مشدود وعضلات جسده متصلبة وأذناه مرهفة السمع إلى داخل غرفة العمليات ، استمع الى نداء اسمه بين خضم افكاره الضبابية ليفتح عيناه بتشوش وهو يستمع إلى صوت الخادمة قادمًا من بعيد

- لقد جلبت جميع المتعلقات الخاصة بـ الأنسة الصغيرة .. اتود شيء آخر سيدي

هز رأسه نافيًا و غمغم بصوت جامد

- لا شكرا

عاد إغلاق جفنيه ، وقلبه يحارب على البقاء صامدًا ، شيء يلح عليه الدخول ومساعدتها .. يهدأها بأي طريقة رغم علمه أن دلف إلى الداخل سيقف مشاهدًا لا اكثر ، أطلق لعنة في داخله وهو يخلل أنامله في خصلات شعره الكستنائية

-زين

نداء من العم فاجأه لقد هاتفه حينما كان عالقًا في ازدحام مروري كيف آتي بتلك السرعة ؟! ام هو لم يشعر بالوقت ؟!!  ، فتح جفنيه وهو ينظر إلى عمه براحة .. اخفض ببصره إلى ساعة معصمه ثم قال بقلق

- لقد طالت

اقترب زيدان يرتب على ظهر ابن أخيه وقال

- ألم ..

قاطعه وهو يهتف بصوت جامد

- لم استطيع .. لم أقدر على الدخول

تفهم زيدان نوازع ابن أخيه الداخلية ومحاربته الشرسة حتى الآن لكي يقف صلبًا ، هتف بأطمئنان

- كل شيء سيصبح بخير لا تقلق

هز رأسه وغمغم

- ان شاء الله

عاد ينظر الى ساعة معصمه والي الغرفة المغلقة بتوتر .. رباااه حتى الآن لم يستمع الي صراخ طفل ، هل تواجه أي صعوبة في الداخل و تحارب بمفردها ؟!.. هناك شيء يقتله ، شيء يحطم ما بناه طوال تلك الأعوام السابقة ، ليس مستعدًا بعد .. ليس مستعد لخسارتها وهو على وشك اكتساب فرد جديد في عائلته

وهنا جاء بصيص الأمل .. الرجفة الداخلية التي هزت اعماقه حينما استمع الي صوت مخلوق بعث لحياته ، خفق قلبه باضطراب شديد وهو ينظر إلى الطبيبة التي خرجت من الغرفة حاملة بين يدها طفلته .. صغيرته قائلة بصوت ناعم

- مبارك سيد زين .. فتاه كالقمر .. أصرت السيدة على انك اول من تحملها

اجلي حنجرته ونظر بعينيه إلى الكائن الصغير الوردي .. جفنين منغلقين .. شفاه صغيرة وردية مذمومة تذكره بليانه أثناء نومها ..

ليانه علمت بحضوره ... علمت بتلك الصراعات السخيفة التي دارت في عقله وجسده .. راقب بافتتان شديد إلى ليان .. ليان الصغيرة وعيناه تومضان بالالاف النجوم في أشد الليالي حلكة ، غمغم بنبرة شبه مهتزة

- كيف هي ؟

ضحكت الطبيبة وهتفت بصوت هاديء

- الام في افضل صحه وكذلك الصغيرة رغم اقتراب موعدها

ازداد فضوله للتقرب من صغيرته .. تلك المشاعر التي تخفق في قلبه لم يختبرها مطلقًا .. بل كل مشاعره وعواطفه تعود بفضلها ما بالك بقطعة منها ..

لاحظت الطبيبة نظراته لتقترب منه وهي تضعها بحرص على يديه الذي التقطها بسرعة لتهمس

- جميلة

اختنق صوته وهو ينظر الى تلك النائمة ثم إلى عمه وهمس

- أنها .. انها رائعة الجمال

ما زال يتطلع إلى ذلك الكائن الصغير بين يديه .. كيف هي صغيرة للغاية .. هشة مثل والدتها .. انامله ترتجف هلعًا وخوفًا أن سقطت من يده .. ازدرد ريقه بتوتر وعيناه تتابع بفضول عجيب سكونها بين ذراعيه ، سقطت دمعات حارة من مقلتيه وهو يميل بأرنبة أنفه إلى انفها ودوامة جيوشه العاطفية ما زالت تثور في داخله .. اغمض جفنيه وهو يستقبل انفاس صغيرته .. بل  ليانه الصغيرة بقلب يخفق فرحًا ، همس بجوار اذنها بصوت مليء بالعاطفة الابوية التي يمارسها ولأول مرة

- مرحبًا بك صغيرتي .. سنستمتع كثيرًا انا وانتِ بعيدًا عن ماما ، سأدللك كثيرًا وسنمرح كثيرًا وستصاب ماما بالغيرة لذلك لا تغضبي منها لانني سأغضب اذا تصرفتي بشكل سيء أمام ماما ، كوني مطيعة صغيرتي

بصعوبة بالغة انتزعها من بين احضانه .. وعقله يعمل على شيء واحد فقط .. ليان .. الهدية الأعظم في سنين حياته .. المرأة المعطاءة دائما .. المليئة بالعواطف والمشاعر الجياشة .. قلبه وروحه يستسلم أمامها دون أدنى مقاومة .. شعر بيد حانية علي كتفه لينظر من خلف كتفه وهو يهتف مبتسما

- مبارك اصبحت ابًا زين

ابتسم بامتنان شديد وهو يتطلع شوقًا الآن إلى لقاء ليانه .

*********

- برافوا يا بطل

صفرت هند بصوت مرتفع جذب انتباه بعض الحضور لكنها لم تعبأ تمامًا .. ما يكفيها نظرة الامتنان وابتسامه الصغير مع كل تشجيعه وتصفيق منها .. اقترب منها بلهفة وهو يتناول المنشفة يجفف العرق لتقول هند بفخر

- لعبت كويس جدًا

اتسعت ابتسامته ورأت بريق فضي يتلألأ مقلتيه ليرد

- شكرا

تهجمت ملامحه للعبوس والضيق وقال بنبرة جامدة

- بس موضوع الصفير والنط ده مش هيعجب البوص .. بيقلب تنين فورًا

كتمت ضحكة بصعوبة وهي تستمع إلى إسم تنينها ثم رفعت حاجبها الأيسر بتعجب من نبرته الجادة التي لا تتناسب مع عمره لتقترب منه وهي تخفض بجذعها إلى مستواه قائلة بمكر

- يامن حبيبي هيحفظ السر برده

هز يا من كتفيه وتنهد بإستسلام

- ماشي .. امري لله شكلي كده هضرب كل واحد بيبصلك

جحظت عيناها وشكل صمت مريب رغم الضجة التي تحومهم لتهتف بصدمة

- هو عينك الحامي بتاعي !

هز يامن رأسه للمرة الثانية ثم تنهد بإستسلام

- تعليمات البوص يا هند

استقامت واقفة وهي لدقائق تتأمل ملامح الصغير .. رباااه ما الذي يفعله  راشد ؟ .. قاطع صمتهم صوت رجولي اجش

- مساء الخير

نظرت من خلف كتفها الي الرجل الذي اقتحم دائرتهم وحينما همت بالرد قاطعها صوت يامن الحانق

- نعم .. عايز ايه ؟

نظرت اليه بعتاب وهي تزم شفتيها

- يامن

تنفست بعمق قبل أن تلصق ابتسامة لزجة ..صفراء لتقول

- اتفضل خير

حك الرجل مؤخرة رأسه وبدا عليه التوتر الشديد من نظرات ذلك الصغير العدائية ونظرات تلك الفاتنة المتأففة ليهتف 

- حضرتك والدته ؟

اندفع يامن يضع بجسده الضئيل نسبيا وشكل مسافة آمنة بين هند وذلك المتحرش ليهتف باندفاع بعد أن أظلمت عيناه

- وانت يخصك في ايه ؟

حك الرجل مؤخرة رأسه مجددًا ووجد أنه وطئ بقدمه إلى موضع خاطئ ، حمحم بحرج وقال

- اصل واضح جدًا ان مفيش اي شبه يجمعكم من بعيد يعني ممكن تكوني خالته أو عمته الصغيرة

ضمت ساعديها نحو صدرها وهمست بنبرة مستهزئة

- الصغيرة !!

ضيق عينا يامن نحو ذلك الكائن الغريب .. يبدو شابًا غرًا في العشرينات من عمره ، رغم عضلاته البارزة المستفزة لم يجعله يرتعد خوفًا او يرتد اليه طرفه صاح بعدائية شديدة

- اسف اني هلخبط شغلك بس دي امي .. تحب حضرتك نعملك تحليل DNA عشان تتأكد !!

كتمت شهقة صادمة من شفتيها قبل ان تهمس

- يامن

دار على عقبيه ليصبح في مواجهتها .. همس بصوت خافت

- انا لو متصرفتش .. البوص هيعلقني من المروحة

منعت ابتسامة شقية تظهر علي شفتيها وقبل ان ترد اطلقت لعنة وهي تستمع الى ذلك اللزج

- عموما انا اسف جدًا

دار يامن بحدة وتولي الحديث

- فعلا اسف وياريت حضرتك تبعد عنها ولو شفتها جايه من طريق تلف وترجع تاني

لم يستمع الرجل لباقي حديثه استدار مبتعدًا عنهما دون أن يلتفت .. هزت بكعب حذائها علي الارضية وقالت بنبرة صارمة

- عيب كده يا يامن

لم يعبأ يامن بما قالته بل هتف ببساطة

- انا عملت اللي يراضي ضميري وضمير البوص

انحنت بجذعها مرة اخري الي مستوي طوله و احتضنت وجنتيه بكفيها وقالت بنبرة ناعمة

- شايفني ماما

لمعت عيناه وقال


- انتي مش متجوزة بابا .. يبقي انتي مامتي انا ، بس وماله حد لاقي ماما زيك ويقول لأ وكمان بتجيلي الماتشات والتمارين بأستمرار رغم محاولتها الفاشلة للاسف في ببجي


كانت ابتسامتها متسعة من الاذن للاذن وقلبها يخفق بشدة من كل كلمة عفوية تخرج من فم ذلك الصغير .. بل صغيرها ، احتضنته بلهفة شديدة قابلها عناق اخر منه وتشبث يداه حول عنقها ، ضحكت بصوت مختنق وهي تزيل دموعها باناملها قبل ان تبتعد عنه وتستقيم واقفة لتقول


- الفون والتاب مسحوب منك لمدة عشر ايام علشان مـ احترمتش وجودي والراجل كان هنا


جحظ يامن عيناه وهتف بأندفاع شرس


- بس انا كنت بدافع عن


قاطعته بجمود


- عشرين يوم ، و مظنش انك هتحب يبقوا شهر


دق بقدمه على الأرض الصلبة وهتف بحنق


- بقيتي زي بابا .. وده مش ..


هزت هند كتفيها وصاحت بتحذير


- ها


تنهد مستسلمًا وهو يطرق رأسه ارضًا


- امري لله


ارتسمت ابتسامة نصر على شفتيها وقالت


- شاطر هنروح الكافيه علشان بابا بعد شوية هيجي


سحب جميع متعلقاته وهو يسير بجوارها يشبك أنامله بقوة باناملها .. اصبحت تلك عادته حينما تزوجت من تنينها ، القت نظرة عليه وهو ينظر الى الطريق امامه وعلى شفتيه ابتسامة ناعمة ابتسمت وهي تعبث بشقاوة علي خصلات شعره الكثيفة ..رمقها بعبوس شديد جعلها تنفجر ضاحكة وهو الآخر يردد مع صدى ضحكاتها .


*********


دلف إلى الغرفة وعيناه تومضان ببريق لامع .. رائحة المنظفات الكريهة منعته من التقاط شذى عبيرها الشرقي .


عينيها الناعستين تطلبان منه القرب ..بل تستجدياه


لبى ندائها فورًا وتم تسديد طعنة قوية في قلبه بسبب معالمها المجهدة ...اقترب يتناول كفها وهمس باهتمام شديد


- كيف حالك ؟


ابتسمت بنعومة وهي تلمس اناملها عضلات وجهه المتشنجة .. لتهمس بصوت خافت


- بخير للغاية


ثم استرسلت بنعومة أشد


- هل رأيتها ؟


اقترب يلثم جبهتها ثم اراح جبهته علي خاصتها .. لم يهدأ قلبه سوي من شعوره بانفاسها المنتظمة .. عاد يلثم جبهتها مرة أخرى متمتمًا بصوت منخفض بعد أن أجلي حنجرته 


- جميلة للغاية .. لا تفزعيني هكذا مرة اخرى


أومأت برأسها فورًا وهي تداعب وجنته ثم هبطت بأناملها الي مضخته الثائرة .. احست به رغم ذلك الباب الفاصل بينهما .. تعلم أنه لن يتجرأ أن يوضع في ذلك الطريق الان .. ببساطة هي اربكته بل شوشت تفكيره .. لم ترغب ان تكون اول من يلمس طفلتها سواه .. رغم كونه انزوي بعيدًا عنها لكنها ارادت ان تضعه في البؤرة .. ما زالت متفهمة لتخبطه لكنها متأكدة ان زياد القادم سيصبح أكثر صلابة ..


نقرات خافتة علي باب الغرفة جعله يبتعد علي مضض ويتأكد من راحتها ، فتح الباب ودلفت الطبيبة وهي تحمل الصغيرة بين يدها قائلة بابتسامة بشوشة


- ها قد جاءت الطفلة


وضعت الصغيرة بين يدي أمها .. شعرت ليان بجسد ضئيل يحتضن يديها .. رفعت بعينها تري تلك الصغيرة التي تشبه إلى حد كبير من والدها .. بشرة بيضاء مشربة بالحمرة ثم الى وجود بعض الخصلات كستنائية ربااه إنها تشبه والدها ، انتبهت الى صوت زين


- لما الازرق ؟


تأملت اللون الأزرق الفاتح بسعادة شديدة وهي تقول


- انت تحبه والصغيرة يبدو رائعًا عليها


رباااه .. خفق قلبه أثر كلماتها عميقة الأثر .. ظل مراقبًا لدقائق الى لهفه ليانه الي صغيرته ، عيناها تلمعان بسعادة واختفى كل اثر الأرق والألم ما ان لمست صغيرتها ، شغوفًا وفضولي لتلك الرابطة المقدسة بين فتاتيه ، غمغم بعبوس


- ليان لا يجب عليك فعل هذا .. الجميع سيقول عني ديكتاتوري


رفعت عيناها اللامعة نحوه وهمست بعدم اهتمام 


- لا آبه للجميع


وحينما حاول الاعتراض أهدته تلك الابتسامة التي ينتشي قلبه فرحًا ، غمغمت بتساؤل


- أما زلت تريد تسميتها ليان ؟


لم يتردد لثانية وهو يجيب


- بالطبع


لاحظ تصنم جسدها ونظراتها المتفحصة الدقيقة إليه وكأنه خضع لاختبار أنثوي شديد الحساسية ، سلط انظاره للصغيره ثم نحوها وقال بعد فهم


- ماذا ؟


صمت لثواني وهو يتأكد من ذلك الهاجس الكاذب .. عاد يسلط انظاره للصغيره ثم إليها و هتف بصدمة


- لا تفعلي ... بربك أنها رضيعة


مطت شفتيها بعبوس وقالت


- الأشياء تظل ثابتة للابد عزيزي


هز رأسه يائسًا وهو يكتم تلك الضحكة التي كادت ان تخرج من شفتيه .. قبل جبهتها بعمق وهمس


- هيا يجب عليك الراحة .. ينتظرك يوم حافل


اومأت بطاعة شديدة ثم همست


- هل اخبرت جدتي ؟


لعن عقله لثواني .. خلل أنامله بقسوة على خصلات التي تشعثت ليغمغم


- سأهاتفها


وأدت الضحكة من شفتيها .. لطالما تمنت سابقًا أن تخلل اناملها علي خصلات شعره المصففة بعناية وتمنت أن يقلل مظهره الفوضوي من جاذبيته لكنها اخطأت ، هزت رأسها وتمتمت في خفوت


- حسنًا

********


زفر بحنق وهي تدب بكعب حذائها على الأرضية بمحاولات يائسة تحاول أن تتخلص من ثوبها الأخضر ، وياليتها لم ترتديه .. أغمضت جفنيها وهي تعد للعشرة كي لا تعود الفتك به .. سحقت شفتيها وهي تتخلص من كعبي حذائها .. نقرة خافتة علي الباب ثم اقتحامه جعلها لم تعبأ كليًا ، عادت مرة اخري تحاول فك سحاب ثيابها حتى شعرت انه قلص المسافات بينهما ، أنامله التي ازاحت يدها ثم عاد يمس موضع السحاب من اعلى الى اسفل ظهرها ، رجفه عميقة هزت جسدها كليًا وهي تنظر بعيناها نحو السطح العاكس تراقب عيناه التي تتفحص السحاب وكأنها معضلة ثم أنامله الذي فك سحاب ثوبها .. هواء بارد اصابها قشعريرة زعزعت ارجاء جسدها ، تشعر بأنامله التي تتحسس موضع اسمه ، غمغم بصوت عميق


- لا اعتقد اننا متخاصمان


ثم رفع عينيه إلى السطح العاكس وغمغم بنبرة اجشه


- ربما تحتاجيني للمساعدة .. انني متخصص بارع في فك وإغلاق السحاب


عادت أنامله إلى موضع اسمه .. انكمشت حول نفسها وهي تدير وجهها نحوه وهمست بصوت متحشرج


- شكرًا استطيع فعلها


اقترب من عيناها وغمغم بعبث


- لا تكذبي نجمتي


ازدردت ريقها بتوتر وهي تشيح بعيناها عنه .. ليست مستعدة كليًا .. هي الغاضبة منه ، حينما رآها مع رجل ما يمدح في أعمالها الفنية لكن خالد هل ندع الامر يمر مر الكرام !!


زفر بحرارة وغمغم بنبرة اجشه


- متى سأضع اسمي مرة أخرى على ظهرك


التصقت بالحائط البارد وهي تعلم ما ينتوي فعله .. يرغب بنسيانها تلك الكارثة التي كانت علي وشك الحدوث ، لولا ان الاخر لم يرغب في تحديه كانت ستنتهي الليلة بموت احدهم ، هي لا تشعر بالضيق من شعوره بالامتلاك نحوها .. هي فقط تخشي عليه .. خائفة من أن يفقد وظيفته ، ردت بتلعثم


- حينما يمحي الاسم


عبس للحظات قبل أن يصيح بتساؤل


- من وضع الاسم أول مرة ؟


- امرأة ما متخصصة في الحناء


تنهد زافرًا بإرتياح


- جيد جدًا


عبس وجهها وضمت ساعديها علي صدرها تنتظر سبب قدومه ، شعث خصلات شعره البندقية وغمغم بأسف


- اعتذر عما بدر مني


هزت كتفيها قبل أن تقترب منه تتمسك بيده


- حبيبي انا لا اكره ان تعلن ملكيتك لي أمام الجميع لكن انت القبطان خالد واي ما تفعله سيؤثر سلبًا على وظيفتك التي تجاهد في الحفاظ عليها .. لا اريد ان اكون سببًا في فقدانك لوظيفتك


ابتسم مطمئنا وهو يميل يطبع قبلة في باطن كف يدها ليقول


- لن افعل .. هذا الجرذ لن يطأ ذلك المكان مرة أخرى .. يوجد الكثير من الشكاوي ولا اعلم لما بقي هنا


ثم استرسل بحماس


- غدًاسنعود لندن .. لقد جاءت المولودة اخيرًا


حدقت به بذهول لثواني قبل أن تهتف بصدمة


- بتتكلم جد


مازحها بلغة مصرية ممتازة


- وجد الجد كمان


انفجرت ضاحكة وهي تميل برأسها على كتفه الصلب ، لن تنكر ان تعلمه للعربية سريع للغاية ..هتفت بمشاكسة بوتيرة سريعة


- شكلي هحسدك انك بتتكلم عربي كويس


حينما لاحظت تهجمه انفجرت ضاحكة مرة أخرى وهي تغمز بمشاكسة


- متحاولش اني اعيد اللي قولته مرة تاني


مط شفتيه بعبوس شديد وهمس


- شريرة


ردت باستنكار شديد


- انا !!


اقترب هامسًا في اذنها


- لا يوجد شيء قادم .. من يعلم ربما يجب علي ان ابذل جهد أكبر


احتقن وجنتيها خجلاً وهي ترى أنامله الخبيثة تعود الي خلف ظهرها .. سمعت الي نداء عبر الجهاز اللاسلكي لتتنهد براحة قائلة


- إنهم يطالبونك حبيبي


زفر متتهدًا بحرارة .. يطالب بالثبات والبرودة .. كيف يفعلها وأمامه زوجته عارية الظهر ، والفستان الاخضر الذي اهداه لها ارتدته اليوم ، مال يقبل عنقها وشامتها وغمغم بنبرة خطيرة


- لا تضعي الزيت بجوار النار


رفعت عينها الي عيناه المتوهجتان لتهمس بنبرة مثيرة


- اراك عند شروق الشمس


وميض فيروزي لامع تلألأ مقلتيه وقال بعد أن غمز بمشاكسة


- أبقى مستيقظة .. لدي بعض الاشياء


ثم انفلت مبتعدًا يغادر الغرفة قبل أن يرمي بحديث مساعديه في عرض الحائط ، تنهدت سارة باستسلام وهي تخفي وجنتيها المحتقنة بالدماء عن السطح العاكس مغمغمة


- وهل يوجد لدي شيء آخر سوى انتظارك


***********


- صباح الخير


صاحت هند بسعادة وهي تحي الجد الذي يرتشف قدح القهوة ، رغم تحذيرات الطبيب إلا ان القهوة الشيء الوحيد الذي لم يستطيع الإقلاع عنه .. رد التحية بحبور


- صباح النور يا بنتي


نظرت الي المقعدين الشاغرين لتهتف بتساؤل وهي تسحب مقعدها


- هما فين ؟


ابتسم بفكاهة


- اجتماع رجالي مغلق


كررت آخر كلمة منه بتعجب


- مغلق !!!


اومأ موافقًا وهو يرتشف قدح قهوته بتلذذ .. من الجيد عدم وجود حنان اليوم والا اقامت حرب اهلية .. اختلس بنظراته الي زوجة ابنه وهي تتطلع الي باب الغرفة المغلق ، اجلي حنجرته وهتف بتساؤل


- مرتاحة يا هند


وقعت عيناها الى الرجل الأشيب وعيناها تومضان بالسعادة .. أجابت بابتسامة ناعمة


- جدا .. انتوا عيلتي اللي ربنا بعتهالي


هز رأسه ثم تابع بجدية


- انا مش عارف ازاي هتقدري توفقي في حياتك الجاية بين شغلك وبيتك


تفهمت ما قاله لتقترب منه وهي تقول بمشاكسة


- متقلقش يا عمو انا هند .. يعني قدها وقدود


صمتت للحظات وهي تعبث في الطبق الخاص بها لتسترسل


- بمناسبة انك دخلت في موضوع حياتي الجاية يعني لو فيه حاجه كدا او كدا .. يامن للاسف مقدرش اعتبره ابني لأنه بيتصرف انه راشد النسخة الأصغر منه بالضبط ، اي نعم حياته وهو صغير أثرت سلب عليه وخلاه انه ينضج اكبر من عمره لما محدش كان حواليه ويهتم بطلباته الخاصة بس انا دلوقتي موجودة .. يامن نعمة كبيرة جدا في حياتي طول عمري اتمنى انه يكون ليا اخ اصغر مني ويحميني وربنا استجاب دعوتي


الآن لم تعد تهتم بالماضي الخاص بها .  ولماذا تهتم وبجوارها عائلة دافئة تغمرها بالاهتمام ويفسدوها بالدلال كونها المرأة الوحيدة في المنزل .. سلمي وكريم قررا أخذ شقة مناسبة لهما ثم يجتمعان في عطلات الأسابيع بصفة متكررة .. الان لم تعد تهتم سوى باهتمام عائلتها وهذا أكثر من كافي لها شخصيًا ..


غامت عيناي مرتضي بتأثر .. حنين دب في أوصاله وهو يتذكر زوجته الاولى .. روح زوجته لم تختفي ابدًا في ذلك المنزل ، تمتم براحة


- طمنتيني


اقتربت منه وهي تربت على كف يده الحرة لتهمس بصوت خافت


- أما موضوع بيبي جديد .. لقيت يامن مرحب بالفكرة ديه جدا اكتر مني انا شخصيًا وطلب انه يكون ولد عشان يلعب معاه كورة


انفجر مرتضي ضاحكًا وهو يهز راسه بيأس على طلبات حفيده ليقول


- ربنا يكون في عونك


انفتح باب الغرفة لترفع بعيناها نحوهم .. نظرات الأب والابن الماكرة اشعرها بالرهبة .. انضما اليهما ليسارع يامن الجلوس بجوارها علي الجانب الايمن وهو يخرج لسانه لأبيه .. هز راشد رأسه يائسًا ثم جلس على المقعد المجاور لها في الجانب الايسر  .. شرع الجميع في تناول فطور الصباح وبين كل دقيقة والأخرى ترى حديث أعين بين جميع الأطراف .. صاحت فجأة


- اخبار الاجتماع السري ايه ؟


تراقص العبث في عين يامن وقال


- نجح نجاح ساحق


مالت هند بجوار أذنه وهمست 


- مش عارفة حاسة ليه ان كان عني


رمش يامن أهدابه ببراءة ...  متصنعًا الغباء وقال


- انتي ... لا اطلاقا


لم تقتنع .. انه كاذب فاشل ، رفعت عيناها الي تنينها الخاص الذي تصنع الاهتمام بتناول الفطور .. غمغمت بعدم راحة


- طيب


مال راشد بصوت خافت اجش بجوار اذنها


- لولا ان يامن اتصرف كنت خليت الحيوان ده ميشوفش النور


تجاهلت تلك الرعشة اللذيذة التي تصيبها في كل مرة يقترب منها .. وتجاهلت تلك الوخزات من شعيرات ذقنه على وجنتها لتهمس


- راشد .. قولتلك خليه يعيش سنه هو لسه طفل


بدي عدم الاقتناع على محياه ليتساءل


- انتي متأكدة ؟


تنهدت بحرارة ثم اجابت بصدق


- لا  ..و علشان كده انا عايزه يعيش طفولته والحاجات اللي اتحرم منها مش تخليه الحارس الخاص بيا


غامت عيناي راشد وهو ينظر إلى طبقة بوجوم .. حمحم مرتضي بجدية


- فيه حاجه ؟


هزت رأسها نافية


- لا يا عمو كل تمام


************


- يا الهي تلك الجميلة تحمل عيناي والدها الزرقاء


هتفت بها ليلي بسعادة شديدة وهي حاملة الصغيرة بين يدها بعد ان فتحت عيناها بفضول طفولي ، هزت ليان رأسها وهتفت بضيق زائف


- اخبرني انها ستحمل ملامحي


عادت ليلى تهدهد الصغيرة ثم أرسلت غمزة ماكرة


- ربما الطفل القادم


لم تضحك ليان ولا حتى ابتسامة شاحبة .. اقتربت تجلس على حافة الفراش قائلة بقلق


- يالهي انتِ تعيسة


مطت ليان شفتيها وهي تنظر إلي الصغيرة الملتفة بالغطاء الازرق ثم عادت تنظر الى ليلى وقالت ببؤس


- انظري .. انها نسخة مصغرة منه ، اتعلمين ماذا سيحدث مستقبلا ؟


ضيقت ليلي عيناها وقالت بفضول


- ماذا ؟


لم ترد ليان اكتفت بالصمت ، لتعود ليلي النظر إلى الغطاء الأزرق ذو الخطوط البيضاء بضيق شديد


- ثم بربك اي ازرق ذاك الذي ترتديه ؟ .. اين الوردي يا امرأة .. لولا أن الغرفة مليئة بالبالونات الوردية كنت سأشك انني في غرفة خاطئة


كتفت ليان ساعديها وهتفت بلوم


- ليلي


احتقنت وجنتيها باللون الوردي وأجابت باستحياء


- زين يحب الازرق


شخرت ليلي ساخرة وهتفت متهكمة


- وماذا ذنب تلك الصغيرة البائسة حينما تكبر وتري صورها ؟ .. اخبريني اذا تقدم شاب لها ورأي صورها وهي طفلة صغيرة ربما سيشك الرجل ويعتقد انكم خدعتوه


لم تفهم ليان ما تقصده .. عبست مستائلة


- خدعناه ؟


غمزت ليلي بعبث وأجابت بوقاحة


- نعم من يعلم ذلك الزمن نري اشياء عجيبة وتقدم طبي متطور


ران الصمت بينهما ليقاطعه صوت الصغيرة تبكي ، تنهدت ليان وهي تحمل صغيرتها وقالت بعنف


- ايتها الوقحة .. كفي عن ذلك ، ثم من قال لك أنني سأسمح لأي شاب ينظر الي صورها وهي صغيره


جحظت ليلي عيناها وقالت


- ماذا ؟


هدهدت الصغيرة بحنان ثم التفت إلي ليلي وقالت بشراسة


- تلك الصور لي انا .. انا والدتها ليس من حق اي رجل دخل الي حياتها التطلع الي صورها


رمشت ليلي أهدابها وتساءلت بغباء


- هل ستصورون الفتاة عارية ؟؟


صاحت ليان بسخط


- ليلي


عقدت ليلي ساعديها على صدرها وقالت بجدية


-  ماذا ؟ .. انني اتحدث بجدية حقًا .. سبب تمنعك يدل على حدوث مصائب بل كوارث


زاد بكاء الصغيرة لتربت ليان على ظهرها .. يالهي لقد أطعمتها منذ قليل ورغم كل قراءتها عن كتب الطفل تطايرت تلك المعلومات كـ تطاير البخار في الهواء ، صوت طرقات مميزة علي باب غرفتها تبعها اقتحام وصوت انثوي يصيح بعنفوان


- صباح الخير


تهللت أسارير ليان وصاحت


- سارة !!


وضعت سارة الهدايا جانبًا وقفزت على الفراش وهي تغمغم


- جيد انني اتيت مبكرًا  دعوني ارى تلك الجميلة ، لقد أصبحت خالة


حملت سارة الصغيرة وهي تهدهدها بابتسامة واسعة  ، صاحت ليلى بابتسامة ماكرة


- لو كنت املك ولد لاقرنته بتلك الحسناء


رفعت سارة 

عيناها نحو ليلي واجابت ببرود


- معذرة عزيزتي الفتاة لديها خطيب بالفعل .. تعلمينه ليان ، يامن


ظلت تراقب الوضع المشتعل بين صديقتها وشقيقتها بصدمة .. تحاول الاستيعاب بشكل أسرع .. صاحت بصدمة


- من ؟ .. هل تلك مزحة ؟


هزت سارة راسها نافية وأجابت بتسلية


- اطلاقا .. والآن سأخذ صورة لان العريس علي احر من الجمر لرؤية عروسته


انتسلت سارة الهاتف من جيب بنطالها واسرعت بتصويرها ثم اعادتها الى حضن امها وتراسل الصغير الذي ينتظر ارسال صور فتاته كما يدعي .. هزت ليان رأسها لترفع عيناها حينما لاحظت وجود عطر رائحته تمتمت بعدم استيعاب


- هل سمعتها زين ؟


ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه وقال بجمود


- اخبريه انه لا بنات للزواج .. الفتاة لن تتزوج بذلك الازعر


ضحكت سارة باستمتاع و غمغمت بمشاكسة


- لا لا يا صهري الصبي يمتلك عيون رمادية ووسامة رائعة سيصبح محط أنظار النساء حينما ينضج .. لنعترف أنه محط أنظار الفتيات في عمره


لم تهتم ليان بما قالته سارة .. حطت اهتمامها علي الذي تبدلت معالمه الي مائة وثمانون درجة ، لاحظت ليلي نظراتهم لتسحب سارة من ذراعها قائلة

- سننسحب الآن .. هيا سارة

هزت سارة كتفيها بلا مبالاة

- اووه .. حسنًا لا مشكلة

حينما أغلق الباب .. جف حلق ليان وهي ترى نظراته المنكسرة هتفت بقلق

- ماذا حدث ؟

اقترب يجلس بجوار الفراش يرتمي براسه علي عنقها ، غمغم بنبرة اجشه

- جدتي مريضة

إنه النداء .. ذلك الهاجس اللعين الذي أرق مضجعها كل ليلة .. اليوم الذي سافرت إلى منزلها لم تقل الى اللقاء بل قالت وداعًا .. خشت أن تخبر زين ويتحول الى زين القديم  .. ابتلعت ريقها بتوتر وهمست

- ماذا ؟ .. متى حدث ذلك ؟ .. رباااه زين

رفع رأسه لينظر الى عيناها ليهتف بصوت بارد

- ماتت

أغمضت جفنيها وهي لثواني تحاول أن تلملم تبعثرها .. فتحت عينيها لتقول بصلابة تحسد عليها

- اذهب عزيزي لتحضر مراسم الدفن

بان التردد والقلق على معالم وجهه وهتف

- لكن !!

قاطعته بابتسامة ناعمة وهي تحتضن وجنته

- بجواري ليلي ستتكفل بطلباتي

غامت عيناه بتأثر وانزاحت الغمامة الرمادية ليميل يقبل رأسها متمتمًا

- انتِ نعمة في حياتي أعانني الله على الحفاظ عليكما


كانت تتابع مراسم الدفن بقلب مفطور لفراق المرأة العجوز .. تنهدت بحزن وهي تطرق بحذائها إلى المنزل الخاوي ، لم يكن المنزل صامت بتلك الدرجة حينما وطئته اول مرة ، كان يضج بالحياة والروح ، وعند غياب الروح اين سيأتي الحياة ..!!

وقفت في منتصف الردهة وهي لا تعلم اين عليها ان تدلف الى غرفة النوم الخاصة بها أم تتركها لصهرها .. احست برقع اقدام لتدير علي عقبيها وهي تنظر الي قبطانها الذي اختفي من علي وجهه معالم الحياة .. ليس نفس ذلك الشخص عند شروق الشمس مفعمًا بالحياة والحيوية

فصلت الخطوات التي بينهما واسرعت بمعانقته وهي تدفن وجهها في عنقه ، لا تعلم إن كانت محاولة لمواساته او مواساتها .. اعتصرها بين ذراعيه لتكتم آهه بين شفتيها هامسة بصوت مواسي

- كل شيء سيصبح بخير

سحق خصرها ودفن وجهه في خصلات شعرها وهمس بصوت مرتجف

- حقًا ؟

شهقت بألم وهي تقبل عنقه .. لمسات ناعمة لكن كانت لها أثر عميق له .. لا تريده أن يبقى صلبًا .. تفضل القبطان ذو الدماء الحارة عن القبطان البارد

لم تتردد وهي تجيبه بصوت متحشرج

- نعم

أزال بأنامله دموعه المهددة بالانهيار .. لطالما يحسد ابن عمه علي برودة مشاعره .. حتى الآن ما زال جبلاً جليديًا وهو يستقبل التعازي .. غمغم بخشونة

- لقد كنت انتظر ان اسعدها بحفيد لتراه .. لقد تحملت الكثير لأجلنا .. كنت اود ان تشاركني في السعادة

ابتعدت عنه وهي تشير باناملها الي قلبه وهمست

- لم ترحل خالد .. ستبقي هنا .. ذكرى خالدة ، كل بقعة في ذلك المنزل تحمل أثرها

عاد يضم جسدها بين ذراعيه .. يتسلل بين خياشيمه رائحة عطرها المسكر .. عيناه تحدق في الفراغ ، غير مستوعبًا علي رحيلها المفاجئ بدون اي انذار اخر

- خالد

نداء شقيقته جعله ينظر من خلف كتفه .. شعر بابتعاد سارة عن دائرة أمانة لتنضم علياء المتشحة بالسواد تلقي بنفسها بين ذراعيه .. غمغم متأوها في خفوت من اندفاع جسدها عليه

- آلي

انفجرت باكية في احضانه وهي تغمغم بنحيب

- يالهي .. لقد رحلت خالد 

ابتعدت سارة عن محيطهم الخاص ودارت خارجة إلى صالة الاستقبال لتجد سالم واقفًا في منتصف المكان .. السيد زيدان منغلق في غرفة المكتب مع المحامي والله يعلم أين صهرها الآن .. اقتربت منه بابتسامه شاحبه

- شكرًا

هز سالم رأسه وغمغم بصوت دافيء

- علي ايه بس

وجدت عيناه تحدق نحو علياء الباكية بين ذراعي شقيقها ، تعلم انه يود ان يصبح في وضع خالد .. تنهدت بحرارة وهي تجذب انتباهه الشارد

- علياء محتاجه ليك في الفترة ديه .. ارجوك متخذلهاش .. العيلة دي لما بتحب بتفني بروحها في سبيل سعادة التاني

علق انظاره نحو علياء ثم الي سارة وغمغم بنبرة صلبة

- ابدًا ما هخذلها

*********

اغلق الباب خلفه وهو يزفر بحرارة ، الظلام يعم المكان الا من انوار المصابيح الخارجية .. عاد الي لندن ..  لم يستطيع البعد عن ليانه كل تلك المدة والله يعلم ما الذي يحدث لها او لصغيرته .. اطمأن علي سلامتها بواسطه ليلي قبل ان ينطلق بسيارته الي ملاذه الامن ..

منذ قليل زار فراش صغيرته وراها نائمة بسلام شديد  ، بعض النقود قد سهلت لقاءه بصغيرته .. لثم جبهه صغيرته ثم تابع طريقه الي غرفة ليانه  .. اضطجع بجوارها وارتمي برأسه علي عنقها .. شبك انامله بين اناملها وهو يحمد الله كثيرًا علي وصوله الي عالمه في سلام ، شعر بتمللها ليبتعد قليلاً تاركًا مساحة لها ..

فتحت عيناها بتكاسل وخمول اشد ورائحه عطره اقتحمت نومها وغرفتها .. همست بصوت اجش

- زين

تشعر بثقل وزن علي كتفها ثم يد دافئة تمسك بكفها ، ليس زين انها تحلم ، من المفترض عودته في الصباح الباكر وليس الان .. استمعت الي اعتذاره

- اعتذر ان ايقظتك

طار النوم من عيناها وهي تعتدل في جلستها لتنظر الي الساعة التي تخطت الثالثة صباحًا ثم قالت

- توقعت ان تأتي صباحًا

هز راسه ثم صاح متسائلاً

- كيف ازعجتك الصغيرة ؟

لم تكن تريده ان يطرح ذلك السؤال في الوقت الحالي لكنها جارته وقالت

-  لقد بدأت اشعر بفقدان اعصابي من بكائها لكنني اعتقد انني حليت الامر

امسك بكفها ولثم باطنها ثم همس بنبرة ناعمة

- انتِ قادرة علي فعل كل شيء لياني

ابتسم بشحوب لتبادل ابتسامته بابتسامه واسعة ، ابتسامه تضج بالحياة خالية من تعقيدات والبؤس الذي غلل فؤاده .. شعر بلمسة اناملها  علي وجنته لتقول

-هل ترغب بالتحدث ؟

صمت للحظات وهو ينظر الي عيناها وقد عكس الانارة الخارجية وميض عيناها ليهمس

- كتبت وصية

بان علي اثرها الاهتمام ليسترسل بصوت جامد

- كتبت منزلها بأسمك

توقفت اناملها علي مداعبه لحيته وهمست بصدمة

- ماذا ؟

امسك باناملها العالقة علي لحيته ومال يثلم قبلة اخري قائلاً بصوت ناعم

- لقد كتبته لكِ تقول انك الوحيدة التي تستحقيه ، تستطيعين مليء المنزل بالدفء والحب

تعثر لسانها وخانها لفترة من الوقت قبل ان تهتف بتأتأة

- انا .. انا لا

قاطعها بابتسامة ناعمة

- اعلم .. انتِ الوحيدة التي تستحق ذلك المنزل

مرارة صوته كالنصل الذي اندك بقوة الي قلبها ، همست باستجداء

- اقترب حبيبي

لم يتردد وهو يقترب منها حتي شعرت بانفاسه الهادرة تلفح وجهها .. حاوطت جانب وجهه بكفيها ليسحبها الي احضانه وهو يغمغم بنبرة اجشه

- احبك ليان

هبطت دموعها وهي ترد بنعومة

- وانا ايضًا

سحق جسدها بين ذراعيه وقال

- سأمنحك الحب والسعادة انتِ والصغيرة ايضًا

ضحكت بمرارة ثم همست بمشاكسة

- تستطيع ان تقول ابنتي

شعرت بابتسامة حقيقة ترتسم علي شفتيه ليقول بحنان

- انها صغيرتي مدللتي .. سادللها حتي الفساد

نبرة صوته الاجشة .. سيل من الالحان الناعمة التي خصت صغيرتها جعلها تنفجر ضاحكة

- اشك في ذلك

ابتعد وهو ينظر الي معالم وجهها المجهدة .. ازال دموعها وقال بصوت مثخن بالعاطفة

- رغم انها تحمل ملامحي لكن روحك بداخلها

هزت راسها وهمست

-  اعلم حبيبي

اقترب يثلم جبهتها بعمق وهمس بحرارة

- لقد اكرمني الله بك وبتلك الصغيرة

احاطت وجهه بكفيها وقالت

- وحظينا بأب وزوج رائع للغاية

كان علي وشك الرد لكن اطبق شفتيه متمنعًا للحظة .. ليهتف بسخرية

- لا اظن انني سيصبح ابًا رائعا

قاطعته بصلابة

- انت رائع في جميع احوالك حبيبي

تري كم مرة قالت حبيبي ؟ .. كم مرة تغدقه بتلك الكلمة وهو يتزلزل عميقًا لتلك الكلمة المكونة من اربعة احرف بالانجليزية ، اقترب هامسًا

- كنتِ فاتنة باللون الازرق في الصباح .. لما لم ترتدي الزهري ؟

ردت ببساطه شديدة للمرة الثانية

- انت تحب الازرق ، والصغيرة تبدو جميلة في ذلك اللون

مال يلثم شفتيها بعمق .. احاطها بين ذراعيه وهي ذابت كقطعة سكر محلاة في كوب القهوة المُرة .. استند بجبهته علي خاصتها وغمغم بخشونة

- ليان

تلك اللام المكسورة والياء المفتوحة ثم اهماله للالف وتشديده للنون .. تلك الكلمة التي تجعلها تعشق اسمها مرارًا وتكرارًا بين شفتيه تحديدًا ... تلك الكلمة التي اعطتها امل ودافع اكبر ان طريقهم ما زال ممهدًا .. طريقهم تلك المرة الخالي من المطبات و العثرات .. دفنت وجهها في عنقه هامسه بصوت ناعس

- نحن نحبك كثيرًا بابا

الفصل الثامن والثلاثون والاخير من هنا 

لقراءه باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>